الجمعة، 27 أبريل 2007

بعد عقد ونيف منها.. اليمن: جردة حساب للديمقراطية



حتى لا تكون كلا على الوطن والشعب..


اليوم، وبعد عقد واحد فقط وسنوات أربع، تبدو الديمقراطية في اليمن، وكأنها “عجوز عقيم”..!!
إنها لم تعد قادرة على ولادة “تغيير” واحد على الأقل..
صادفت الجمعة الفائتة، الذكرى الرابعة عشر، للمولود الأول للديمقراطية في اليمن، في الـ (27) من أبريل 1993م،  في أول وأهم، أشكالها وهو الانتخابات البرلمانية الحرة والمباشرة.
حينذاك كان الحزب الاشتراكي، شريكا في الحكم بعد تحقيق الوحدة في 22 مايو1990م، وكان من الصعب تجاهله،489ima
لتواجده (ألتقاسمي) في كافة ألأجهزة التنفيذية العليا والدنيا. أضف الى ذلك ما كان عليه التجمع اليمني للإصلاح، من تشكيلهُ لجبهة المعارضة القوية، ضد حزبي السلطة (المؤتمر والاشتراكي).. ألأمر الذي صعب من عملية الانفراد بالقرارات، والإجراءات الناظمة لتسيير الانتخابات، أو الرقابة عليها. ولذلك يعتقد بعض السياسيين، أن تلك ألانتخابات – مع ما شابها من قصور، وشبهات – كانت هي الطفرة الوحيدة التي أفرزت القوى السياسية في المجتمع بشكل أقرب الى تواجدها الحقيقي في الساحة (حجمها الطبيعي). لكنهم يعتقدون بعد ذلك أن انتخابات 1997م، كانت أقل نزاهة، وأكثر تفردا بالقرارات والمناخ الانتخابي ورسم معالمه، وشكله، والسيطرة على أجراءته، من قبل الحزب الحاكم، الى حد لا يمكن لمتابع منصف، أن يغفل عنه. وهو ما ذهب اليه الدكتور محمد الظاهري – أستاذ العلوم السياسية(جامعة صنعاء)- حين أعتبر أن انتخابات 1993م، أتسمت بالجدية والتنافس الحقيقي، والنزاهة النسبية.. لكنه اعتبر أن انتخابات 1997م، كانت أقل نزاهة، والأقل منها ظهرت عليه انتخابات 2003م
 
    بعد رفض ألإصلاح المشاركة، وتفرد المؤتمر للسلطة

السياسيون – كما أسلفنا - يجزمون أن انتخابات 2003م، كانت هي ألأسوأ في تاريخ اليمن، نظرا للسيطرة الكاملة على كافة الإجراءات الانتخابية، بعد تفرد المؤتمر الشعبي(الحاكم) بالسلطة ومفرداتها وحيدا، خلال ألأربع سنوات(1997-2003م)، بعد رفض الإصلاح فكرة المشاركة في الحكومة المؤتمرية، وخروجه من السلطة سلميا الى المعارضة، التي كانت – أيضا - هي طريقه الوحيدة الى السلطة، بعد انتخابات 1993م، وحرب صيف 1994م.
وقد أتسمت انتخابات 1997م بالأقل نزاهة، للتواجد النسبي (1-4) لتجمع الإصلاح في أجهزة السلطة التنفيذية، في بعض الوزارات غير السيادية، وهو ما مكنه – نوعا ما- من تخفيف رغبة المؤتمر التسلطية والشمولية، وكبح جماحه، عبر محاولات فرض بعض الإجراءات ألانتخابية والرقابية في حينها.
 
   نظم استبدادية 

ما الذي يحصل للديمقراطية في بلادنا.. ؟
هذا السؤال يبدوا مناسبا، مع ما تظهره المعادلة من تناقض واضح مع مبررات وجود الديمقراطية. فلا يوجد شعب عاقل، يزداد فقرا، ويعرف أنه يزداد فقرا بسبب الفساد المستشري والمحمي من أجهزة الدولة.. ثم يجد فرصة للتغير، عبر ورقة صغيرة يضعها في الصندوق.. فيرفض، ويفضل الموت على الحياة..!!!
هذا لا يمكن أن يحدث إلا في أحد مجتمعين : الأول مجتمع ” اللاعقل”، أما الثاني، فتعرفه “ألن لوست-أوكار” -  Ellen Lust-Okar - أستاذة العلوم السياسة بجامعة ييل، أنه مجتمع الدول ذات “النظم الاستبدادية”. إذ اعتبرت أن الانتخابات التي تجرى في دول تحكمها ” نظم استبدادية ” لا تفيد الديموقراطية أو أحزاب المعارضة بقدر أفادتها للحكومات غير الديموقراطية التي تسعى من خلال إجراء الانتخابات الى شرعنة استبدادها وترسيخ سيطرتها على السلطة.
وحتى لا يظهر أحد، ممن يسمونهم بالسياسيين – المحسوبين على سلطة تلك المجتمعات- ليقول ببلاهة واضحة أن وصف “استبدادية” لا ينطبق علي الدول التي تجري انتخابات..!!
فقد اعتبرت “أوكار” أن حرص بعض الأنظمة العربية على إجراء انتخابات بأنه فقط لمساعدتها في إحكام السيطرة على السلطة ليس إلا.
 
  برلمانات صناعية

ولكن بالفعل هناك برلمانات قائمة نتيجة انتخابات مباشرة من الشعب..!! ما لذي يمكن الحديث عنه أمام وجود تلك البرلمانات كواقع لا يمكن تجاهله..؟
قدمت أوكار تحليلا لوضع الديموقراطية العربية القائمة على الانتخابات الشكلية فقط، ..من أن البرلمانات المنتخبة يمكن أن تساعد الحكام المستبدين بتوظيفها وجعل النواب المنتخبين معتمدين كليا على النظام بدلا من ارتباطهم وتعبيرهم عن ناخبيهم. وكنتيجة للدور الذي رسمته الأنظمة غير الديمقراطية للبرلمان ، فإن من الصعب لهذه البرلمانات أن تحقق أي فائدة سياسية لأحزاب المعارضة ، قالت ” أوكار “ مستدركة : بل على العكس يمكن أن تصيب المشاركة في الانتخابات، تلك الأحزاب بالضرر، من حيث أن الحكومات سوف تستغل فشل المعارضة في الحصول على أصوات الناخبين وتصوره على أنه ضعف، وعلى أنها غير فعالة ولا تمثل طموحات ورغبات الشعوب.
 
  لماذا يضعف البرلمان؟

هاهي ثلاث دورات انتخابية للبرلمان اليمني، لم تسفر سوى عن “سخرية” ونكات تحولت من أن تكون داخلية، لتصبح إقليمية. لقد أمتلئت “الشاتات” و”المنتديات” العربية الساخرة، بنكات، كان طرفها المضحك هو البرلمان اليمني، وساعد على ذلك حرص بلادنا – وطبعا نوابنا- على عرض يعض جلساته وفضائحه على الملأ. نواب يقرؤون الصحف، وتستعرضهم الشاشة بـ(الزوم)، آخرون يتحلقون الى جوار بعضهم، ويضحكون، وهناك النائمون، والأيدي التي ترفع للتصويت، بعد الالتفات الى الخلف والأمام والجوانب، وأن نائبا رفع يده للتصويت، كالعادة، وبعد أقرار البرلمان للقرار المصوت فيه، أكتشف أنه قد صوت، مع رفع الحصانة عنه..!! إن هي الا نكات، لكنها تعكس واقع مرير، لا يمكن أن يكون أسوءا من الا عدم “تفاعل” النواب أنفسهم، مع قضايا المواطنين الذين منحوهم أصواتهم على الأقل.
كيف يمكن تقييم الديمقراطية في خدمة المجتمعات عبر ما يقدمه البرلمان للشعوب؟
النائب البرلماني علي عشال، يتأسف بشدة لعدم حدوث تراكم داخل مؤسسة البرلمان، لأعراف برلمانية، تنظم أعمال هذه المؤسسة، ومع أنه يؤكد على وجود القانون، لكنه يشير الى الأختلالات الكثيرة داخل البرلمان، منوها الى انعدام التوازن السياسي، كسبب، جوهري عمل على إضعاف دوره الحقيقي الى حد كبير..!!
يسترسل “عشال” في إيراد أسباب، عجز البرلمان عن تقديم نموذج حقيقي للديمقراطية ذات المقصد النفعي للناس، ويضيف الى ما سبق أسبابا أخرى لعل أهمها في ترتيبه تلك التدخلات التي تقوم بها المؤسسات التابعة للجهاز التنفيذي، وأيضا وجود هيئة رئاسة هي أقرب للجهاز التنفيذي من البرلمان(التشريعي)، يقول أنها رئاسة تقف كجدار صد للحيلولة دون اتخاذ قرارات حاسمة من البرلمان تجاه الأختلالات الحكومية القائمة.
 
  التوازن السياسي لمصلحة البلاد 

أما الدكتور الظاهري فمع أنه يعتبر أن أهم استفادة للمواطن هو وجود سلطة تشريعية، جآءت عبره هو، فإنه يقلل من شأن ما قدمه المجلس خلال فتراته الثلاث منذ 1993م، وحتى الآن، عدى قانونين، أصدرهما ويمكن وضع ذلك في كفة الحسنات، هما قانون برأءة الذمة المالية، والآخر قانون مكافحة الفساد..
ومع ذلك فهو يؤكد فشل البرلمان في إقرار مشاريع لقوانين، مثل قانون تنظيم وحمل السلاح، المقدم الى البرلمان قبل سنوات. ويستغرب أن حكومة المؤتمر هي التي قدمت القانون، وهي ذات الأغلبية الكاسحة، ومع ذلك أعلنت فشلها إقراره..!! ويذهب الى أن مثل تلك الأمور تمثل تدنيا للأداء التشريعي. وأما على المستوى الرقابي الذي يخوله الدستور فيقول أن للمجلس حسنه واحده في هذا ألإطار، وهي تفعيله لصلاحياته، في إيقاف الصفقة الفاسدة في القطاع النفطي 53 في العام 2006م. وغير تلك يحكم الظاهري على أداء المجلس، بأنه متدني.
ويقودنا حديثه الى فشل البرلمان في إدارة الصراعات السياسية، كأهم دور سياسي يكفله الدستور، وأستشهد على ذلك بدوره غير الواضح في الحرب الدائرة بمحافظة صعدة.
ويشخص الظاهري الأسباب، بالاتفاق مع “عشال” في انعدام التوازن السياسي، وفي الواقع يقول أن أهم ألأسس التي تستند عليها الديمقراطية، هو وجود التوازن السياسي، وانتشار القوى السياسية في البلاد، بحيث لا تكون محصورة في حزب واحد فقط. ويذهب للتأكيد أن مصلحة البلاد تقتضي وجود توازن سياسي.
 
   قشرة رقيقة من الديمقراطية 

قد يبدوا الأمر معقدا في الشرق ألأوسط، وعلى وجه التحديد في بلادنا.. إذ أن ما حصل من فرز للقوى السياسية، في البرلمان لا يمكن السيطرة عليه، فالمواطن هو من أختار ولابد من القبول بالديمقراطية.. ذلك هو المنطق حقا. لكنه منطق قد يبدو ضعيفا إذا ما تذكرنا أفاعيل وقدرات “النظم الاستبدادية”، وفي نهاية الأمر، فالنتيجة على ماهي عليه، إن قبلنا بها، وعدنا الى منازلنا للقراءة، وكتابة المذكرات، فإن ألأمر سيكون مشينا بحق الوطن. إذ لا تغيير أبدا، وبالتالي، لا إصلاحات، وهو ما يحصل تماما في بلادنا.. زيادة في حصة الحزب الحاكم في البرلمان، يرافقه زيادة في الفساد، والتدهور والظلم، وتضخم للأقوياء على حساب الضعفاء.. وبالمجمل..أنهيار وطن، حروب ..وصراعات على البقاء. وهو ما تحذر منه الديمقراطية، وما جآءت لأدارته، ومنع حدوثة..
ضمن ورقتها، التي قدمتها في ندوة ” مشروع الديمقراطية العربية والتنمية ” التي عقدت يوم 16 يناير 2007 بواشنطن بمقر مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط Saban Center التابع لمعهد بروكنغز، خلصت “أوكار” إلى أن الانتخابات التي تجرى تحت حكم أنظمة استبدادية تقدم قشرة رقيقة من الديموقراطية، بينما تضعف المطالب الداخلية والخارجية المنادية بالإصلاح السياسي وبالمزيد من الحريات السياسية.
المشكلة قائمة، والتحليلات المختلفة لها قد تصيب وقد تخطئ، لكن الأهم من كل ذلك، أن الحلول الممكنة، لاستخدام الديمقراطية كحل لمنع الصراعات الممكن نشوبها، موجودة، وهي بحاجة الى دراسة من بلد الى آخر، حسب ما يتوافق مع هذه البلد أو تلك.
وتعتقد أحزاب المعارضة اليمنية في أكثر من تصريح، أن الحل يكمن في إصلاح النظام ألانتخابي، وتبدأ بالحديث عن اللجنة العليا للانتخابات، وسجل الناخبين، وهو أيضا ما قرره تقرير المعهد الديمقراطي ألأمريكي الصادر مؤخرا، كما وأن البعثة ألأوروبية، المكلفة بالرقابة على ألانتخابات، أوصت بمثل تلك الحلول، وتتمسك أحزاب المعارضة بتوصياتها، بينما يتهرب الحزب الحاكم من ذكرها حتى، بما يدل عدم رغبته، فقد السيطرة علة الإجراءات، وعدم مغادرة مربع “النظم الاستبدادية” التي تجعل من الانتخابات خيار، مفروض، لتلقي المساعدات، وتحاول بكافة وسائلها وإمكانياتها، عدم فقدان السيطرة على مقاليد ألأمور.
 
   الحل في ”النسبية” 

ربما يكون الحل الأنسب حاليا، لتفعيل البرلمان، وإحداث نوع من التوازن السياسي، وإيصال الكفاءات الفعالة الى البرلمان، بحسب “عشال” و “الظاهري” بالانتقال بالنظام الانتخابي الى “نظام القائمة النسبية” ، إذ يتفق أثنينهما، أن العمل بنظام القائمة النسبية، في الترشيح وأختيار المرشحين، سيعمل على عكس القوة الحقيقية للأحزاب، كما سيعمل على أيجاد تمثيل برلماني حتى لتلك الأحزاب المتواجدة في الساحة، والضعيفة. عوضا عن أنه سيضطر ألأحزاب الى اختيار مرشحين أكفاء قادرين على الفوز، دون ألاعتماد على الوجاهة القبلية والاجتماعية، لاختيار المرشح.
نظام الدائرة الفردية المعمول به حاليا، يفرز شخصيات برلمانية غير كفؤة، وتعتمد الأحزاب في اختيارها على عوامل مشائخية وقبلية، بينما سيفرض عليهم نظام الدائرة النسبية، اختيار مرشحين قادرين على كسب أصوات أكثر، تساعد الحزب على الكسب ألأجمالي وليس الفردي
ويرى “عشال” أنه إذا كان هناك تخوف من هذا النظام، فيفضل العمل بالنظام المختلط (50 % فردي) و(50% قائمة نسبية)، كما هو حاصل في بعض الدول التي تستخدم النظامين معا.
ويفصح الدكتور الظاهري، عن تفضيله لنظام القائمة النسبية، بدلا عن الفردية، من حيث أن النسبية، تعبر بشكل حقيقي عن ثقل كافة الأحزاب، بما فيها الصغيرة (لا تظلم حقها في التمثيل) ومن جانب آخر أنه يعزز من فاعلية النظام الحزبي، إذ يتقدم للترشيح على اساس برامجي وليس قبلي أو اجتماعي.
وكما يرى “عشال” يقول الظاهري أنه مع العملية التدرجية، وليس الانتقال الكلي، الى نظام القائمة النسبية، فيرى أن يتم تطبيق النظامين بمعايير مدروسة، بحيث يمكن الإبقاء على النظام الفردي في بعض ألأرياف، التي يصعب تطبيق النظام النسبي فيها، وتطبيق النسبي في بعض المدن، لأنه منوط بوعي الناخب، قبل أي شيء، ومع المدى المتوسط والطويل، من الممكن ألانتقال الى التطبيق الكلي لنظام القائمة النسبية
-----------------
كتب في أبريل 2007م، ونشر في صحيفة الصحوة