السبت، 20 أكتوبر 2007

اليمن .. لماذا يتهرب الحزب الحاكم من الحوار؟


يفضل الحزب الحاكم أن يزيد من سوء ملفه في التحاور من أجل مصلحة الوطن، على أن يعيد الثقة به كمدرك لسوء ما أوصلتنا اليه سياساته الخاطئة ووصوله الى التوبة السياسية التي تجب تصرفاته الحمقاء.
من سيضمن الجلوس مع المؤتمر الشعبي الحاكم على طاولة واحدة للحوار؟ إنه حزب لا يستحي أن يصرخ عاليا وعلى الملا "أن الحوار لا يعني له شيئاً إن لم يكن في مصلحته فقط..!!". ولسان الحال –دائماً- أبلغ من لسان المقال. أليس هذا ما يقوم به المؤتمر الحاكم منذ قيام الوحدة وحتى الآن؟

حتى وإن وقف الرئيس أمام لجنة حزبه العامة – وأمام الأعلام بالأحرى - أواخر أغسطس الماضي ليفتخر أن حزبه قائم أساساً على قاعدة الحوار منذ تأسيسه في  1982. في فترة كان هو الأحوج فيها للحوار مع الأحزاب السرية، إذ لم يكن قد مر على اعتلائه كرسي الحكم سوى سنوات أربع تقريباً.

أما اليوم فهو نفسه الرئيس الذي وقف داعياً ومباركاً للحوار، بين حزبه والأحزاب العلنية الممثلة بمجلس النواب، لكنه كان أول من غدر بها وأعلن موت الحوار الجاد القائم على أساس الشراكة الوطنية والتنموية، ليعلن عن حوار مستنسخ وهزيل مع الأحزاب المفرخة.. تلك التي يدعمها من ميزانية الشعب، ليدعوها في أي وقت وحين لمباركة مبادراته والاستعراض بها كدمى وعرائس لهز الرأس والتصفيق. إنه يعلن صراحة أن الحوار المطلوب اليوم هو حوار يقوم على أساس المصلحة الخاصة لا العامة والوطنية. وذلك أمر يتضح من خلال وضع المبادرة الرئاسية في كفة، وفي الكفة الأخرى السير على هدى بنود اتفاقية وضوابط الحوار الموقع عليها منتصف يونيو الماضي، وذلك بحسب تصريح مصدر في أمانته العامة - مطلع أكتوبر الحالي- مفاده أن "لا حوار إلا بالحوار حول مبادرة الرئيس أولاً". وهذا الاشتراط يلغي مبدأ الحوار الذي يجب أن لا يقوم على الاشتراطات المسبقة ذات طابع الفرض بالقوة لا التحاور والتفاهم.

هاهو لقد أصبح لدى الحزب الحاكم ملفاً سيئاً مليئاً بالغدر عند مفترق الطرق "كلما بدا له الأمر غير مجدياً أو سيترتب على وفائه تقديم تنازلات لمصلحة التحول الديمقراطي وإصلاح العملية الديمقراطية".

هذا الملف السيئ جعل أحزاب المشترك تفكر كثيرا وتختلف فيما بينها بالنسبة للموافقة بالدخول من جديد في حوار مع الحزب الحاكم حينما دعا أمينه العام عبد القادر باجمال - بداية هذه السنة- أحزاب المشترك لحوار جديد. لكنها - وكما أوضح عبد الوهاب الأنسي ( أمين عام الإصلاح) في لقائه مع صحيفة الخليج الإماراتية أواخر شهر رمضان- اعتقدت أن إعلان الرئيس رعايته للحوار في خطابه بمناسبة الذكرى الـ17 للوحدة اليمنية، ربما سيضفي على الحوار جدية. وظهر رأي في المشترك يعتقد أنه "..ربما ما وصلت إليه الأوضاع من ترد قد نبه القيادة السياسية وجعلها تقوم بواجبها إزاء هذه القضايا وعدم ترك الأمور تسير كما هي بما سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.." وعلى هذا الأساس رجحت كفة الرأي القائل بعودة التحاور مع الحزب الحاكم، على أساس الرأي القائل " أن الدور الذي يمكن أن يقوم به الرئيس يلعبه كرئيس للبلد وليس رئيساً لحزب." بحسب الأنسي لصحيفة الخليج.
  مسيرة حافلة بالتنصل وعدم الوفاء 
إذا ما أردنا التطرق الى الأساليب ومسار الحوارات التي كان الحزب الحاكم يستخدمها كورقة "إلهاء" و"تمويه" منذ ما بعد الوحدة فإن الأمر سيطول. وسيكون مملاً التذكير بتلك المحطات التي كانت أحد نتائجها حرب صيف 94م، بعد مماطلته تنفيذ ما جاء في وثيقة العهد والاتفاق.

ولعل من المناسب البدء بالحديث عن تاريخ المؤتمر الحاكم مع الحوار للفترة بعد تلك الحرب وبالتحديد منذ عام 1996م، حين اختلف مع الإصلاح شريكه في الحكم وقتذاك على أسلوب إدارة العملية الانتخابية للعام97م، ودخل الإصلاح في حوار مع "مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة" في أغسطس وتوصل معها الى صيغة باسم" برنامج العمل المشترك" لضمان حيادية اللجنة العليا للانتخابات، ولجنة شئون الأحزاب، وضمانة تطبيقها للدستور والقانون، والعمل على تحقيق تكافؤ الفرص أمام الأحزاب، وتحييد مؤسسات الدولة والمال العام، والوظيفة العامة، وضمان توفير رقابة محايدة دولية ومحلية. وكعملية تكتيكية لقتل الحوار بين الإصلاح وتلك الأحزاب عمد المؤتمر الى الدخول في حوار مع الحزب الاشتراكي، مستغلاً حاجة الحزب لإعادة ممتلكاته ومقراته المنهوبة بسبب تلك الحرب، وكان الغرض من هذا الحوار تفتيت وحدة المعارضة وإثارة التهم فيما بينها لإفشال تماسكها. وفي 2 سبتمبر 96م اتفق المؤتمر والاشتراكي على تشكيل لجنة حوار، و أصدر الرئيس ما سمي بمبادرة (النقاط السبع) من أجل حل الأزمة بين المؤتمر والاشتراكي، واشتملت المبادرة على إعادة مقرات الحزب ألاشتراكي وممتلكاته، وإعادة موظفيه(مدنيين وعسكريين) الى وظائفهم، وعودة النازحين من الخارج، وتصحيح الإجراءات الانتخابية، بالإضافة الى مقترح خاص بشأن التنسيق بينهما في الانتخابات. غير أن هذا الحوار فشل بسبب مماطلة المؤتمر الشعبي العام في التنفيذ، وحين أدرك الحزب الاشتراكي عدم الجدية في تنفيذ تلك الاتفاقات قرر عبر لجنته المركزية في مارس 1997م ، مقاطعة الانتخابات. بل كان المؤتمر أثناء حواره مع الاشتراكي قد طالب بعودة حواره مع الإصلاح بغرض الإيقاع بينه ومجلس التنسيق حين خرج الحزبان باتفاق في 25 يناير 1997م سمى بـ "اتفاق التنسيق" الذي نص على تصحيح الخروقات التي حدثت أثناء عملية القيد والتسجيل، ووضع الضمانات القانونية لسير الانتخابات. وكان الإصلاح قد أدرك اللعبة، وأشترط في الحوار إدخال أحزاب مجلس التنسيق المعارض، ليتم التوصل جماعيا الى اتفاق سياسي في 2 مارس من نفس العام، حول الضمانات الدستورية والقانونية لأجراء الانتخابات. لكن وكالعادة لم ينفذ الحزب الحاكم من تلك الاتفاقية إلا ما كان يرى أنها لن تضر مصالحه الخاصة، وتنصل عن تنفيذ ما يخص تصحيح مسار العملية الإنتخابية والتحول الديمقراطي بشكل عام. 

وبالمثل تعامل الحزب الحاكم مع أحزاب المشترك قبيل انتخابات سبتمبر 2006م. إذ وبعد خمسة أشهر من الحوار بين الطرفين كان المؤتمر الحاكم يسعى خلالها لاستنفاذ الوقت الى حين انتهاء اللجنة العليا للانتخابات من جداول القيد والتسجيل – إذ كانت حينها هي أكبر مشكلة قائمة بينهما - دعا الرئيس الى حوار تحت رعايته وتقدم بمبادرة من "سبع" نقاط. غير أن المشترك رد على تلك المبادرة برسالة بعثها للرئيس بتاريخ 12/05/2006م. أوضح خلالها رؤيته حول المبادرة الرئاسية نقطة بنقطة. وطالب ضمن الرسالة بضرورة "توفير شروط أفضل لممارسة المواطنين لحقوقهم الانتخابية كخطوة أولية وأساسية في تصحيح الأوضاع.." وهو الأمر الذي اعتبرت الرسالة فيه أن المشترك وجه مساعيه مع الرئيس ومع قيادة المؤتمر الشعبي العام " نحو توفير ظروف أفضل لإقامتها، وتأمين سمات الحرية والنزاهة لها، وجعلها خطوة مهمة نحو تحقيق التراكم الديمقراطي المفضي الى إنضاج التجربة السياسية اليمنية وانتزاع اعتراف الآخرين بتطورها بدلاً من ملاحظاتهم على تراجعها أو عجزها عن التقدم الى الأمام."

 وأوضحت الرسالة الكثير من الإختلالات التي تعيق عملية التحول الديمقراطي مطالبة بضرورة إصلاحها أولاً، لتنتهي المشاورات في 18 يونيو 2006م الى توقيع اتفاق سمي بـ"اتفاق المبادئ" تحت الرعاية المباشرة له من رئيس الجمهورية، بشأن إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وعده المشترك قاعدة هامة للوفاق الوطني يجب التمسك به..!!

وعلى اتفاق المبادئ لم يمر حتى شهران لتعلن أحزاب المشترك في بلاغ صحفي لها صادر بتاريخ 7 أغسطس 2006م عن جملة المخالفات الكبيرة التي طالت الاتفاق من جهة الحزب الحاكم واللجنة العليا للانتخابات، وتطرقت الى كل المماطلات والمخالفات نقطة بنقطة للبنود الموقع عليها، ومع أنها في نهاية البلاغ هددت بالعودة الى هيئاتها القيادية لتحديد الموقف النهائي من الانتخابات، إلا أن المصلحة الشخصية للحزب الحاكم والخوف من الجدية التي ظهرت عليها لمعارضة في دخول الانتخابات والمنافسة بقوة، جعلته يفضل عدم التجاوب مع التهديد بتدارك الأخطاء وتصحيحها، ولم يلتفت الى الأمر ولسان حاله يقول "ليتها تقاطع.. ليتها تقاطع".
 الهروب مبكراً .. لماذا؟ 
لعل ما حدث مؤخراً من هروب عن الحوار الأخير الذي دعا اليه أمين عام المؤتمر عبد القادر باجمال بداية العام وتبناه الرئيس منتصفه وتم التوقيع على ضوابطه في 16 يونيو الماضي، يعد تطوراً في مراحل الغدر والخديعة من قبل المؤتمر الحاكم كونه جاء باكراً على موعد الانتخابات القادمة (ابريل 2009م). وقد تكون الإحداث الأخيرة والمتأزمة التي تمر بها البلاد سرعت من عملية التنصل، وهو جاء هذه المرة تنصلاً عن بنود وضوابط الحوار الذي لم يبدأ بعد حول قضايا مصيرية حددتها تلك الإتفاقية..

هناك من يعتقد أن المؤتمر الحاكم أصبح يتخذ قراراته بالتبعية للرئيس بتخبط وعشوائية تحت وقع صدمتين قويتين : الأولى الصدمة التي تلقاها من الرئيس نفسه بإعلان مبادرته دون أن يطلع اللجنة العامة عليها مسبقاً. أما الثانية كردة فعل لموقف المشترك الرافض لأسلوب طرح المبادرة خارج طاولة الحوار. لتصبح ردة الفعل المؤتمرية لا تعدوا عن كونها محاولة إنقاذ لمبادرة الرئيس من "الموت السريري" الذي وضعها فيه المشترك برفضه الحضور لتمثيل دور "المستمع"،"الخانع"، واعتبارها لم تأت بجديد خارج ما هو محدد في بنود وضوابط الحوار. وكان الأمر الذي زاد من مواتها هو عدم تجاوب المجتمع المدني معها على مدى الأسبوع الأول من طرحها. وهو الأمر الذي تنادت له اللجنة العامة لاحقاً في اجتماع خاص لتدارك الموقف وإنقاذه ونتج عن الاجتماع قرارات صبت جميعها في إطار أحياء المبادرة عبر تنفيذ فعاليات مختلفة بدأت بتوجيه الأوامر لمنظمات المجتمع المدني التابعة له لإصدار بيانات تأييد وانتهت بعقد لقاء موسع لتلك المنظمات بمحافظة تعز غرمت ميزانية الدولة بسببه مبلغ (40) مليون ريال بدل مواصلات وحضور وأتعاب وإعداد وتجهيز ومصلحة خاصة للمنظمين والمعديين والداعيين .. الخ.

وهناك آخرون ينظرون الى التخلي المبكر عن الضوابط، أنه أمر مخطط له من قبل الطرف المؤتمري المتضرر من الحوار، والذي كان يحاول أثناء فترة الحوار إفشاله عبر تصريحات ساخنة كنا نقرئها ونسمع بها حينذاك. ولعلنا أدركنا حينها الخلافات التي ظهرت بين أمين عام المؤتمر عبد القادر باجمال – الذي كان يقود الحوار مع المشترك- وبين بعض القيادات المؤتمرية النافذة التي كانت ترى فيما تم التوصل له من نقاط هامة في الحوار ومطالب المشترك الوطنية أنها ناجمة عن قوة حقيقية نابعة من حذر شديد في عدم الوقوع مجددا في الأخطاء التي مرت بها خلال التجارب الحوارية السابقة. ولعل تلك الخلافات المؤتمرية – المؤتمرية كانت هي الأخرى مستوعبة داخلياً في إطار تبادل الأدوار، للوصول الى نهاية مشابهة لهذه النهاية الدراماتيكية.

إن بنود الحوار والضوابط التي تم التوقيع عليها منتصف يونيو الماضي بقلم باجمال وخمسة أحزاب ممثلة بمجلس النواب كانت هي الأخرى – مبدئياً- مباركة من قبل الرئيس ولجنته العامة ومحتفى بها من قبل وسائل الأعلام الحزبية والحكومية والأهلية. غير أن التفحص الدقيق لتلك البنود والضوابط تثبت حقيقة الاستفادة من التجربة الانتكاسية التي كانت تمنى بها أحزاب المعارضة عقب كل حوار.. وهذا بحد ذاته مضافاً اليه عوامل أخرى دخيلة على الجو السياسي العام كقضية الجنوب والفشل المعترف به من قبل الحزب الحاكم في إدارة شئون البلاد، ربما تكون قد غيرت من موازنة المعادلة التي حسبها الحزب الحاكم أثناء توقيعه الاتفاق.. الأمر الذي جعله يتنصل باكراً عن عهد وقعه أمينه العام تحت إشراف أوروبي ودولي متابع ومشترط لتقديم الدعم بتنفيذ تلك الإصلاحات. (وللعلم فإن توصيات الإتحاد الأوروبي التي رفعها حول الانتخابات الأخيرة - ولم ترق للحزب الحاكم ووسائل إعلامه الخاصة والحكومية - تعتبر أحد الأساسيات الموقع عليها ضمن بنود الحوار وضوابطه وهي توصيات تدعو الى إصلاح آليات النظام الانتخابي الحالي، وهو -ربما- الأمر الذي زاد من قتامة المشهد السياسي لدى تلك القيادات المؤتمرية الحريصة على المصلحة الشخصية على حساب مصلحة الوطن والتجربة الديمقراطية).

وبين تلك الآراء يظهر رأي آخر يقول بنظرية "كسب مزيد من الوقت" بإدارة البلاد عن طريق "افتعال الأزمات" ولفت الانتباه عن الضرر الحقيقي المحدق بالبلاد. إذ في نهاية الأمر يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الحزب الحاكم سيعود من جديد بعد فترة تكون قريبة من الانتخابات بمعاودة طلبه مواصلة الحوار ، وهو ما لن يرفضه المشترك كونه ما يزال بعد كل ما جرى يعتبر الحوار الأسلوب الحضاري الأمثل لإنقاذ البلاد والسير في عملية التحول الديمقراطي حسب ما تضمنته بياناته الأخيرة حول الأزمة وتصريحات قياداته. ما لم فإن الأزمة ستزداد تفاقماً إن لم يعد الطرفان للحوار على أساس البنود والضوابط الموقع عليها، سيما وأن خيار المقاطعة بدأ يلوح من الآن إن لم يوافق الحزب الحاكم على إصلاح آليات النظام الانتخابي. وإن كان الأنسي – أمين عام ألإصلاح- قد أعتبر في لقائه مع صحيفة الخليج أن مثل هذا القرار " ليس من السهل اتخاذه على عجالة، خاصة كجهة وأقصد بها “اللقاء المشترك”، الذي يتعامل مع القضايا بجدية وبتضحية كبيرة." غير أنه لم يقل أن التضحية الكبيرة ربما تكون بعدم الاستمرار في المهازل الانتخابية التي يرفض المؤتمر العمل إلا عن طريقها لضمان الفوز والسيطرة.

ومع ذلك فقد أكد الأمين العام للإصلاح أن عدم وجود أي مؤشر جاد لدى السلطة للتعامل مع القضايا الوطنية بحرص "لا يعني أننا لا نستطيع أن نتحرك أو أنه ليس لدينا مجال للعمل إلا من خلال التفاهم مع السلطة." مشيراً الى الاستمرار في برنامج النضال السلمي للمشترك الذي بدأه ميدانياً قبل أشهر.

        والسؤال هو : ما الذي يقف وراء إصرار الحزب الحاكم تمرير مبادرة رئيسه بالقوة ضارباً عرض الحائط بآخر ثقة منحته إياها أحزاب المشترك بالجلوس على طاولة واحدة لمناقشة قضايا الوطن المصيرية؟
  ملحق تساؤلات 
ويأتي هذا السؤال تابعاً لعدة تساؤلات منها : لماذا كل هذه الاستماتة خلف مبادرة قال الرئيس نفسه أنها جاءت ملبية للكثير من نقاط برنامج الإصلاح السياسي والوطني لأحزاب اللقاء المشترك..!! أي : لماذا لم يترك للحوار أن يتواصل ويتم إدراج هذه النقاط طالما أنها متفق عليها سلفاً؟ هل يريد الرئيس أن يبدوا هو صاحب الحلول المناسبة في ظل ما تمر بها البلاد من أزمات؟ أم أنه يريد أن يقتل بقية البنود المتفق عليها في الاتفاقية الموقع عليها مع أحزاب المشترك، ويتنصل بالتالي من أهم النقاط وهي : الحديث عن إصلاح النظام الانتخابي أولاً كما يفضل المشترك والاتحاد الأوروبي؟ أم أن الهدف الرئيسي من كل هذه المناورات هو تصفير العداد والبدء باحتساب فترتي الرئاسة من جديد؟ كما أصبح يعتقد الكثير من المراقبين والمتابعين المحليين والدوليين..!! لا سيما وان أحزاب المشترك ترفض هذا المبدأ من أساسه، وبالتالي فإن مواصلة الحوار معها لن يكون مجدياً طالما وأنها لن تتخلى عن قناعتها تلك..!!

الخميس، 18 أكتوبر 2007

اليمن.. اقحام الأستثمار في الصراعات السياسية


في حقيقة أن السلطة تفضل سهولة المغالطات على الأصلاح
  
- كان الأمر في بدايته مجرد كلمات تخرج هكذا كتوابع في الخطابات دون تركيز.. أما اليوم فقد أصبح ذلك يتكرر ويُركز عليه كشيء مهم يمكن الحديث عنه لتوجيه تهمة التخطيط ضد مصالح الوطن.

مؤخراً وجد الرئيس تهمة "إعاقة الاستثمار" كما لو كانت ستجدي لإيقاف العجلة الشعبية التي دارت ضد سياساته وحزبه الخاطئة. ترى هل يؤمن أن هذا هو الطريق الصحيح لإصلاح الأخطاء..!!

- قال أن الغرض من الاعتصامات والمسيرات وما يرافقها من أعمال هو الحيلولة دون تحقيق أهداف البرنامج الانتخابي وإعاقة الاستثمارات. لكنه ربما أغفل عن قصد ما هي تلك الأعمال التي ترافق المسيرات والأعتصامات، ومن الذي يقوم بها؟؟ . وحتى تتضح الصورة سيكون على الرئيس واجب التفريق في خطاباته –وخصوصاً أمام الشباب الذين حدثهم عن حزبه المستخلص من كل شيء وتجاربه العريقة في استقطاب قيادات الأحزاب وأصحاب التجارب والنفوذ -  أن يوضح لهم الفرق بين الديمقراطية التي من أهم آلياتها الدستورية السماح بالاعتصامات والمسيرات كتعبير عن رفض السياسات الخاطئة - هذا إن كان يؤمن بأن الاعتصامات والمسيرات مشروعة بحكم الدستور والقانون - وبين النظام الاستبدادي الذي يقمع تلك الفعاليات بالجيش، ولا مانع من القتل لإخمادها. ذلك واجب رئاسي وأمر مهم مع علمي أن الشباب اليوم أكثر إدراكاً لهذا الفرق حيث وجد من بينهم من تحول الى ضحية لتلك الأساليب، من موتى وجرحى ومعتقلين.
  أيهما اصح لمستقبل آمن..!!
- ذكر الرئيس برنامجه الانتخابي وربطه بالاستثمار كأهم مقومات التنمية وإتاحة الفرص لتوظيف الشباب وإنقاذهم من غول البطالة والفقر. وفيما كنا نعتقد أن تنفيذ البرنامج سيكون عبر إصلاح الأوضاع وتقويم الإختلالات. أو بتهيئة مناخ الأستثمار كما أفضت نتائج وتوصيات مؤتمر الأستثمار العظيم الذي عقد في صنعاء في الربع الأول من هذا العام. لم نكن نعرف أن مطالبة المواطنين ومعهم المعارضة بتصحيح الإختلالات هو السبب الرئيسي لفرار المستثمرين. ما كان يعتقد هو العكس: أن المطالبة بتصحيح الأوضاع الخاطئة وإرجاع الأراضي المنهوبة لأصحابها سيعمل على استقرار الأوضاع المضطربة وبالتالي يضمن المستثمر أن أرضه لن تنهب من قبل متنفذ أو لن "ينكع" اليه مسئول مطالباً بحقه في الشراكة لتأمين استثماره..!!

- ليس هناك من لا يدرك أن تصحيح الأوضاع المختلة اليوم سيكون ثروة للمستقبل. لأن ذلك سيؤدي حتماً الى عودة الحقوق الى أصحابها وبالتالي يخلوا المستقبل من احتمالات الثورات الحقوقية، لتظل الأوضاع مستقرة دون أن يعكر صفوها احتقان يفضي الى زعزعتها. أليس ذلك بديهياً. بينما أن استخدام الإبر المهدئة دون العلاج الكلي سيزيد من احتقان المرض وعودته بألم أقوى.
  أصل الحكاية
- في خطابه الشبابي طمأن الرئيس المستثمرين وقال لهم عودوا إلينا ووعد بحمايتهم وتقديم التسهيلات لهم. هذا أمر في غاية اللا منطقية. كان عليه أولاً أن يطمئنهم فعلياً عن طريق اتخاذ قرارات حاسمة تنفيذية – وليست ورقية فقط أو خطابية – بإعادة أراضي المستثمرين الذين نهبت في عدن وصنعاء والحديدة وحضرموت وغيرها. كم مستثمر عرفنا أنه تجرأ وناشد رئيس الجمهورية بتخليصه من المتنفذين الذين نهبوا أرضه. في مؤتمر الأستثمار، حضر بعضهم وتحدث بشجاعة عن مثل تلك الأمور قال أحدهم أنه يمتلك أوامر من محافظ محافظة عدن لم يعترف بها الأقوياء وأنه منذ العام 1990م في المحاكم يبحث عن حل لمشكلته. آخر أختتم مناشدته لفخامة الرئيس بالقول" وحيث أن تماطل الجهات المعنية في تنفيذ التوجيهات لا يخدم حركة الاستثمار ولا يشجع المستثمرين في إقامة مشاريع تخدم الوطن والمواطن".

 وماذا بشأن المستثمر في أرضية سوق الخضار بعدن التي استحوذ عليها المؤتمر الحاكم، بعد أن اشتراها المستثمر ولديه الوثائق كاملة..!! حتى اليوم ما زال يبحث: إما عن حقه أو تعويضه.  بل ماذا بشأن لغز المنطقة الحرة. والفساد الإداري الذي رافقها من قمة الهرم الحكومي حتى قدميه. كم بلغت توجيهات الرئيس التي لم يعرها المتنفذون أدنى أهمية، حتى أعتقد بعض أصحاب تلك الأوامر والتوجيهات بوجود شفرة بينية. إذ من سيصدق أن أوامر رئيس الجمهورية تجد صعوبة في التنفيذ..!!
   مشكلة الأراضي أولاً
- لقد أكدت المعلومات التي تضمنها تقرير غرفة العمليات بوزارة المغتربين تناولته وكالة (سبأ) هذا العام، أنه ومن بين أكثر من 115 شكوى وقضية تلقتها وزارة شئون المغتربين من المغتربين اليمنيين في مختلف بلدان الهجرة والاغتراب تتعلق بمشاكلهم داخل الوطن وخارجه من منتصف ابريل وحتى نهاية يوليو من العام الجاري (2007م), كانت 75% منها عبارة عن شكاوي تتعلق بقضايا الاعتداءات على استثمارات وأراضي وممتلكات المغتربين في مختلف محافظات اليمن. تنوعت بين الاعتداء على الاستثمارات والأراضي والممتلكات الخاصة وقضايا الإرث والمتوفيين في الخارج والمساجين بالإضافة إلى قضايا أخرى, واحتلت المرتبة الأولى قضايا الاعتداءات على استثمارات وأراضي وممتلكات المغتربين بنسبة 75 % .

للأسف الشديد لم يقل التقرير الحكومي أن النشاط السياسي الديمقراطي سبباً ولو ثانوياً في إعاقة الأستثمار.
وكما أكد محمد اليدومي –نائب رئيس الهيئة العليا للإصلاح في كلمته الأسبوع الماضي، في المقر الطلابي للإصلاح بصنعاء، أن الأستثمار لم تكن مشاكله آنية بفعل النشاط السياسي المعارض وإنما تتجذر تلك المشاكل عميقاً في أسلوب النظام التطفيشي القائم معظمه على تقاسم الشراكة مع المستثمرين لحماية استثماراتهم.
  الحرية السياسية كالحرية الاقتصادية
- وحتى نكن أكثر وعياً لموضوع الأستثمار، فإنه بحاجة الى  الحرية السياسية كحاجته الى الحرية الاقتصادية، أو القوانين المنظمة للاستثمار. فالمستثمر الذي يجد أن حرية الرأي والتعبير بشتى وسائلها الدستورية، عالية في بلد ما، يدرك تماماً أن استثماره سيكون بأمان وليس العكس. نعم ليس العكس. لأنه حينما يشعر أن السلطة تستخدم الرصاص والقنابل في تفريق المتظاهرين سيكون عليه التفكير بما سيحل به إذا حاول أن يعتصم أو يدعو أهله ومناصريه لمسيرة سلمية من أجل التعبير عن الظلم الذي ربما قد يطاله من قبل متنفذ كبير في الدولة يستولي على استثماره أو يعقه عن تنفيذه..!! وستكون حاجته أشد للحرية السياسية حينما تصل قضيته الى المحكمة ويستغل النافذ سلطته عبرها. لأنه حينها لن يستطيع عمل شيء سوى الاعتصام السلمي والتعبير عن الظلم الذي طاله.  

وباختصار شديد فإن المستثمر يفضل البيئة الحرة الشفافة حتى يستطيع الدفاع عن استثماراته، ويهرب من البيئة المعتمة وغير الواضحة أو تلك التي تعتمد على الأستقواء بالسلطة والجيش في ظل غياب الآليات المناسبة لمواجهتها.
- أواخر السنة الماضية زار اليمن أحد أهم الخبراء الأمريكان هو مارشال ستوكر نائب مدير مركز الحرية الاقتصادية العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية وتحدث في تصريحات نشرها موقع "نيوز يمن" الإخباري حول مخاطر ومعوقات الاستثمار في اليمن.

يقول ستوكر: إن المستثمر حينما يريد اتخاذ قرارا بوضع استثماراته في أي دولة ينظر إلى مستوى الخطر، ودائما ما يجذبه عندما تكون المخاطر قليلة والعائدات كبيرة.

ومع أنه في سياق حديثه أمتدح وجود حرية سياسية لكنه أعتبر بالمقابل انخفاض الحرية الاقتصادية. وتدل تصريحاته على أهمية ترافق الحريتان، فإن انخفضت إحداهما كانت مخاطر الأستثمار كبيرة. وتحدث الخبير عن بعض المخاطر تكمن "في إمكانية أن تصادر الحكومة منشأتك". والبنك الدولي هو الآخر أرجع الاستثمار في اليمن إلى عدم استقرار الاقتصاد الكلي والأعباء الضريبية والقانونية إلى جانب ضعف الحكم المتمثل في الفساد وخدمات البنية التحتية غير الكافية.
 الاستقرار السياسي جزء من أجزاء المناخ
- تلك أجزاء من المشكلة وليست المشكلة كلها، ولمزيد من التوضيح أن المشكلة الإدارية للدولة تقف خلف طرد الأستثمار وليست الأنشطة السياسية الحرة التي تعد محفزة للاستثمار وليس العكس.

تقرير البنك الدولي للعام الماضي 2006م عن ممارسة أنشطة الأعمال في العالم لـ (175) دولة يدرسها التقرير، منح بلادنا درجة مقدارها (118) درجة في مؤشر "حماية المستثمر" بنقص (4) درجات عن العام السابق (2005م). وتقول التقديرات أن المستثمر بحاجة الى (100) يوم للحصول على إذن للبدء في المشروع وهو رقم عالي جداً مقارنة بدول أخرى يحصل فيها المستثمر على ذلك الإذن خلال ساعات أو بضعة أيام.

- ولو فرضنا جدلاً أن ما ذهب اليه الرئيس بالقول أن الفعاليات السياسية وما ترتب عليها من إجراءات مضادة من النظام أثرت على الاستقرار السياسي. فإن علماء الاقتصاد في تعريفهم لمناخ الأستثمار لم يقتصروا على هذا الأمر كمسبب أوحد لهروب الأستثمار بل ذكروا عدة مسببات في إطار التعريف. فالمناخ الاستثماري يعرف على أنه مجموعة الظروف والسياسات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر في ثقة المستثمر وتقنعه بتوجيه استثماراته إلي بلد دون أخر, وهذه مسألة تتفاعل فيها العوامل الموضوعية والنفسية والتشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية.

والسؤال هنا : هل قامت حكومة الحزب الحاكم بإصلاح مناخ الأستثمار على الأقل عند بقية العوامل الأخرى.؟

- ذلك أمر. الأمر ألآخر: ولو كانت التهمة التي يحاول النظام إلقائها على المواطنين الثائرين ضد سياساته وظلمه "شبه" حقيقية فلماذا يتم الإعلان بين يوم وآخر – هذه الأيام بالذات - عن زيادة حجم المستثمرين الذين يريدون الأستثمار في البلاد..!! وللإجابة قد نقول بالمقابل – استناداً الى التهمة الرئاسية- أن هؤلاء إما ترتبط استثماراتهم بقوى في السلطة أو أنهم أغبياء لا يفهمون..!! أو أن هناك أمر آخر لا يستبعد في ظل نظام تطغى مصالح أشخاصه على مصلحة الوطن. ذلك الأمر أن قيادة النظام بتركيزها خلال الفترة الأخيرة، على مثل تلك الخطابات ربما كان الغرض منه الإيعاز للمستثمرين الجادين بضرورة الخوف والقلق والتراجع عن الأقدام. بهدف أن تخلوا الساحة الاستثمارية لجهات محددة لا يستبعد أن تكون مقربة أو مملوكة لمقربين. وبذلك وبدلا من ترك الساحة للمنافسة واختيار الأفضل يكون الأمر مبرراً، حتى لا يضطر الى إعاقتهم بطرق أخرى ربما تؤدي الى فضائح جديدة حول طرد المستثمرين، والتي سمعنا بجزء منها ولم نسمع بأكثرها مما يتم تداوله سراً منذ فترة.
  من المستفيد من الأستثمار؟
- ليس هناك مجال للمزايدة أمام تلك الحقائق البديهية التي يحاول الرئيس وأركان حكمه تظليل الشعب عنها باتهامات مخترعة بين الحين والأخر.. فتارة تسيطر تهمة "أعداء الوحدة والوطن" وتارة "مخالفة الدستور والقانون" وأخرى "الارتهان للخارج"، ورابعة "استهداف البرنامج الانتخابي للرئيس".

- قال الرئيس في خطابه أمام الشباب مخاطباً الباحثين عن حقوقهم : دعوا المستثمرين يعملون ليحصل الشباب على فرص التوظيف وتحسين دخولهم..!!  وكأن الأستثمار سيحل اليوم كافة العقد والمشاكل التي ظل النظام يفرزها طوال ما يقارب من ثلاثة عقود. أو حتى لنقل طوال عقد ونصف على الأقل. لو كان الأمر كذلك فعلينا أن ننظر الى الأستثمار القائم طوال هذه المادة - لنترك ما سيأتي جانباً – ماذا سنجد؟ لماذا لا تكشف الدولة بالأرقام كم حجم العمالة اليمنية المفروضة بالقانون على الشركات النفطية وغيرها؟! وكم هي على أرض الواقع؟ لماذا وعد الرئيس أبناء شبوه وحضرموت والمهرة في مهرجاناته الخطابية أنه سيحلل العمالة اليمنية بدلاً عن العمالة الأجنبية في شركات النفط.؟ حتى اليوم لم يقم بالأمر بعد مرور أكثر من عام. لماذا تنتج مشاكل بين الحين والآخر بين شركات النفط وقبائل شبوة بسبب العمالة؟ ألا يدرك الرئيس أن الحقائق الموجودة تقول أن تلك الشركات النفطية بالتخصيص تستقدم حتى الطباخين والسائقين والحراس والمنظفين ووو..ألخ من خارج اليمن؟ لدينا كشوفات لتلك الشركات بالاسم والمهنة والراتب والجنسية..!! لم تبلغ العمالة اليمنية في تلك الشركات حتى 10% رغم أن العقود المبرمة معها تقول أن الوظائف التخصصية النادرة هي فقط من يحق للشركات استجلابهم..!! إن كان للدولة كشوفات أخرى عليها أن تعلنها للعامة. 

- أما العائدات التي تجنيها اليمن من الاستثمار الحاصل حالياً فلا يستفيد منها إلا القليل. مع أن دول أخرى معروفة. بها من الأستثمار أقل ما في اليمن وعدد سكانها أكبر الا أن خير الأستثمار وصل الجميع بشكل إصلاحات حقيقية في البنية التحتية والعمالة وغيره.
  بين يدي الرئيس للإصلاح
- وطالما تحدث الرئيس عن الأستثمار أولا، فإن هذا يجعلنا نطرق باب إصلاحه من كافة النواحي وليس فقط من ناحية المهاترات السياسية وتسجيل الأهداف. نحن بحاجة أولا الى تنفيذ توصيات مؤتمر فرص الأستثمار. كإصلاح البنية التحتية من طاقة ومياه ومباني وطرق ووو..ألخ ثم أننا بحاجة الى إصلاح التشريعات القانونية. وتخفيض الضرائب والجمارك على المستثمرين وعدم فرض إتاوات مانعة للمستثمر من إدخال رجله الى البلد. والتخلص من هيمنة النافذين على رقاب المستثمرين ومحاكمتهم أو على الأقل محاكمة بعضهم حتى يرتدع بقيتهم. إصلاح القضاء بشكل سليم حتى يطمأن المستثمر ان لا سلطة لأحد عليه. الشروع جدياً بالقضاء على الفساد ومحاكمة أول دفعة من الفاسدين علنياً كخطوة مشجعة لاستجلاب ثقة المستثمر والمواطن على السواء.

ومن الأشياء المهمة إتاحة مزيد من الحريات السياسية وإبعاد الجيش عن الصراعات السياسية. وإعادة الحقوق المسلوبة من المواطنين حتى تنتهي مظاهر القلق السياسي ويعم الاستقرار. فرض ألأمن العام على كافة مناطق الجمهورية لمواجهة الإرهاب وحماية المستثمرين والسياح. التسريع في الحكم المحلي بدلا من الإعلانات والمراوحة بالتصريحات والوعود.  

إن كافة تلك القضايا مهمة لتكون بيئة الاستثمار سليمة، صحيحة تجذب إليها المستثمرين لا سيما وأن التقارير والتصريحات الدولية المبنية على دراسات تقول أن الأستثمار في اليمن سيكون خصب إذ صلحت السياسات العامة والقوانين والبيئة الاستثمارية.

- إن أهم طرق الحل تكمن دائماً بالتخلي عن المغالطات التي بفعل الإعلام والأتباع تتحول الى حقائق لدى من خطط لها.. لكنها تقود دائما الى طريق معاكس تماماً للحل. حينها سيتحتم على الرئيس وحزبهً مضاعفة خطوات العودة لأدراك الوقت قبل فواته.
  بانتظار وعد الأرض والسكن
 - التقى الرئيس بالشباب في عدن وقال لهم كلاماً كثيراً عن الوطن والوحدة والتصرفات الهوجاء للمعارضة وأصحاب الحقوق. وختمها بذات الوعود الوردية التي يكررها بين سنة وأخرى " توزيع الأراضي الزراعية والأراضي السكنية للشباب". ذلك أمر جيد، نحن بانتظار تحققه بين كل إعلان وآخر. وما يعزينا هذه المرة الأمل بأن يكون الأمر جاداً. إذ لم يعد الوقت يكفي للوعود الوردية في خضم الألم الذي نعانيه يوماً بعد آخر وهو يزداد بفعل استغلال أصحاب العقارات السكنية لارتفاع الأسعار وغياب القانون. بل كلما أعلنت الحكومة أنها سترفع مرتبات الموظفين – حتى وإن لم تفعل ذلك صراحة - يهرع المؤجر لأخذ نصيبه منها..!! 

- نتمنى.. بل يفترض أن لا يتحول المشروع الى مشكلة جديدة، بتخصيصه من مشروع عام لشباب  الوطن الى مشروع خاص لشباب حزب بعينه. فهناك إشاعات يصدرها بعض من أعضاء الحزب الحاكم أن قوائم بالأسماء سجلت مسبقاً لمنحهم أراض زراعية وسكنية كمكافأة لهم على مجهودهم في الانتخابات الأخيرة وكدافع للارتباط والاستمرار. تلك ستكون جريمة مخالفة لحقيقة أن صراع الأحزاب في الانتخابات هو صراع على  كفاءة إدارة السلطة والثروة للجميع، وليس لفئة تمكن من السيطرة على الوظيفة العامة أو تستحوذ على مساحة الحياة والأرض. 

يكفي أن الفهم الخاطئ للديمقراطية جعل من الأحزاب الحاكمة في الوطن العربي تعتبر المال العام والجيش قطاعاً خاصاً لها. بينما أن  الفرق بين الحزب الحاكم والمعارضة في حقيقة الديمقراطية في الأنظمة الغربية أن الحزب الحاكم يصبح أكثر تحملاً لمسئولية إدارة السلطة لجميع المواطنين. تخيلوا لو كان أمر الديمقراطية أن من ينجح يملك الوطن. من سيترك الأخر لينجح. قطعاً: لا أحد.
------------------
أكتوبر 2007


الجمعة، 12 أكتوبر 2007

اليمن..جبل الطير يتفجر.. وحوار مخيط بـ"صميل"


انتقلت مرحلة الحوار بين المختلفين السياسيين في بلادنا من الحوار الجاد الى ما يمكن أن يطلق عليه - في ظل ما يحدث حالياً – بـ"الخوار"..

فمن الطاولات والكراسي المتجاورة الى الصحف والتصريحات المتباعدة. ومن تربع باجمال - أمين عام المؤتمر الحاكم – لرئاستها، الى تسيد المصادر الإعلامية والمقربة من اللجنة العامة..!!
هكذا انفرطت المسبحة لتكشف عن هشاشة تأكيدات الرئيس المستمرة في خطاباته (كانآخرها خطابه الأخير بمناسبة ذكرى الثورات اليمنية) بأنه لا غنى عن الحوار باعتباره  الوسيلة الوحيدة لمواجهة كافة الإشكاليات.

- لماذا لم يلبي اللقاء المشترك دعوة الرئيس للاستماع الى مبادرته الأخيرة؟ تقول تصريحات المؤتمرين.
- لماذا لم يلتزم المؤتمر بضوابط الحوار الموقع عليها في 16 يونيو2007م؟ ترد تصريحات المشترك.

نعم هناك اختلافات ساقتها مبادرة الرئيس الأخيرة في وضع نحن بأمس الحاجة فيه الى الحوار إن على مستوى إتمام الاتفاقات السابقة، أو على مستوى ما أستجد.
ليست الصحافة مكانا جيداً للحوار حول قضايا الوطن المصيرية. إنها على العكس  تصنع مناخاً حاراً يفسد كل شيء.
  جبل الطير.. الطبيعة تحذر
الوطن على صفيح ساخن.. وهناك على جزيرة "جبل الطير" سبقت الأرض وأفرغت حممها البركانية.. وكأنها ترشدنا الى شدة المصير المحتوم لكل شيء يغلي ولا يجد متنفساً لتصريف حرارته.

من حسن حظ الرئيس أنه شاهد من علو حمم الانفجار حين تواجه شدة الحرارة شدة الضغط عليها. ولعل الأمر مر عليه وكأنه مجرد منظر مبهر من على طائرة لا تتسع الى جواره إلا لصديق ومرافق وطيار. لكن.. ماذا لو أن الصديق كان له من العلم ما ينظر به الى المستقبل؟ أيتمعن ويتساءل: لماذا الآن بعد هدوء دام لمئات السنوات؟ ولماذا أحياناً يشعر العلماء بنشاطات البراكين لكنهم أبداً لا يستطيعون تحديد ساعة انفجارها؟ كم مرة خدع هدوء بركان متابعيه لينفجر دون سابق إنذار؟ ما وجه التشابه بين ما يحدث في الطبيعة وما يحدث في النفس والمجتمع؟ هل ترشدنا الطبيعة لشيء ما؟ لماذا الآن ينفجر بركان ظل هادئاً لقرون؟ محض مصادفة.!! ربما. وربما لا.

فسر جيولوجيون الأمر أن ما حدث سيعمل على زحزحة الجزيرة العربية الى شمال شرق. وإن صدقوا فإن ذلك يعني أن الطبيعة – حتى - تنفجر لتغيير من أوضاعها الجغرافية. ويشير البعض الى أن انفجار بركان قد يكشف عن ثروات معدنية كبيرة. وهذا أيضاً قد يدخل في معنى أن الانفجار يوصل الى تحسين الأوضاع المعيشية.

قد يكون ذلك برمته غير مهم وإن كانت الأرض   تسبق الإنسان في كل شيء (ربما لأنها خلقت قبله وبالتالي حسب المثل الشائع : أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة).
المهم أن الإنفجارات تحدث دائماً عندما يعيش كلٌ من الضغط والحرارة في مكان واحد ويرفض كل منهما أن يتحاور مع الآخر. ويساعد على تسريع الانفجار وجودهما في مناخ حار متزايد. أما إذا تحاورا وخرجا بصيغة مشتركة يقتنع بموجبها الضغط أن يتراجع الى الخلف ويسمح لذرات الحرارة أن تتحرر بهدوء فإنها حتما ستتبخر في الهواء. على الضغط أن لا يستمع الى صوت القوة عندما يواجه اشتعالا شديدا في مساحة ضيقة لا توجد فيها خيارات متعددة. عليه أن لا يندفع في الاتجاه المضاد لحركة الذرات المثارة.

كأن ذلك يقول: على الحزب الحاكم كما على المشترك أن ينظرا الى المناخ الحار من حولهما وضيق المساحة التي يتحركان فيها. الحرارة تزداد يوماً بعد آخر، هذا شيء معلوم. وهناك تراجع طفيف لحركة الضغط الى الخلف (معالجة وإصلاحات) لكنه يترافق مع فترات من الحركة في الاتجاه المعاكس(قتل، حبس، تضييق).

الصحافة غالباً تساعد في تسخين الأجواء وتجعل من الجو حارا معظم الوقت، فتزداد الحرارة ويزداد الضغط فتقل مساحة الحركة وفي أي لحظة قد يحدث الانفجار عند النقطة الحرجة.

كل شيء موزون بدقة وحكمة الاهية بالغة. ما يحدث في الطبيعة يحدث في النفوس والمجتمعات.
كل الحوارات السابقة لم تنجح لكنها ربما تكون قد منحت الأحزاب ما يمكن تسميته بقوة الإصرار على تصحيح خطوات التجربة الأخيرة. وهذا بحد ذاته جعلها في حالة مثارة من الحذر والخوف من الوقوع في الخطأ. وبالمقابل كان يتم مواجهتها من الحزب الحاكم بالقوة العددية والقوة المادية والقوة العسكرية.

اليوم دخلت عوامل جديدة يجب على الطرفين التنبه لها كـ "قوة الشارع" و "قوة الجوع" و"قوة الحقوق"، و"قوة الوعي".
ليس الحاكم وحده المعني بالحذر وحسن التعامل، فالمواجهة إن وصلت نقطتها الحرجة ستصيب حمم الانفجار كل من في مدى قوته.
  دعوة الى الحذر
هذا صحيح. المعني بالدرجة الأولى هو الحاكم، وعليه أن يتخلى عن خطاب الأستقواء.. سواء بنتائج الانتخابات الأخيرة في خطابه مع المعارضة، أو بالرصاصة والمدفع والسجن  في خطابه مع جمهرة الشارع. فالأمر الأول يجب التخلي عنه لسببين: أولاً لأن الرئيس والحزب الحاكم كانا قد حصدا أصوات دوائر المحافظات الجنوبية –بحسب النتائج المعلنة-
،غير أننا اليوم نلحظ أن من خرج ليهتف بإسقاطه هم أبناء تلك المحافظات أكثر من غيرهم. وثانياً: لأن تقارير المنظمات والجهات الدولية التي راقبت الانتخابات شككت بتلك النتائج وأشارت بوضوح الى أسباب ذلك الفوز. وهو الشيء الذي يؤمن به جيداً الرئيس وقيادات المؤتمر. وإلا لم الخوف من اشتراطات إصلاح العملية الانتخابية على ضوء النقاط التي أوصت بها بعثة الإتحاد الأوروبي.؟

أما ضرورة التخلي عن الأستقواء بالرصاصة والسجن ضد جمهرة الشارع.. فذلك من الحكمة التي يجب الأفتطان إليها من خلال الأحداث الأخيرة. فالرصاص الذي قتل بعض المتظاهرين لم يمنع أو حتى يقلل لا من عدد المظاهرات ولا من عدد المتظاهرين، على العكس زاد من درجة التعاطف مع الضحايا والتعصب ضد الجلاد. ومثله السجن لم يردع أحد وأحال المسجونين الى شخصيات أسطورية ترفض الرضوخ والقبول بالذل والمهانة.
هذا ليس من عندي. على الحاكم أن يجيد قراءة النتائج كما يجيد التسبب بها.

أما المشترك فهناك أمران عليه أن لا ينجر للإستقواء بهما وإن بدا أنها ستكون مكاسب لا مضار.

الأول: أن لا يندفع وراء  موجة الغضب المنفلت أو تعزيز الفوضى الخلاقة ليستمد منها قوة يواجه بها قوة وصلف الحزب الحاكم وينتزع بواسطتها ما يعتقد أنه لا يستطيع انتزاعه منه بدونها.

الأمر الثاني: أن لا يندفع وراء ردود أفعال تدفعه للتعامل مع ما يخالف معتقداته أملا في زيادة إضعاف الحزب الحاكم بفتح مزيد من الجبهات ضده للوصول الى نفس النتيجة السابقة.

صحيح. قد تكون من الفرص النادرة للمشترك اقتناص مثل هذه الأحداث لمواجهة خصمه السياسي الذي لا يألوا جهدا من أجل تفكيكه والقضاء عليه دون النظر الى الطريقة التي يستخدمها في ذلك. وإن فعل المشترك هذه الأمور بذكاء دون أن يواجه نتائج عكسية، فإن ذلك يدخل سياسياً في المعركة التي فتحها الحزب الحاكم على مصراعيها دون ضوابط أخلاقية يلتزم بها ليجعل منها عرفا في التعامل بعين تتجاهل النظر الى المستقبل.

غير أن ردة الفعل تلك ستوقع المشترك في نفس الشراك مستقبلاً. وبدلا من أن يعمل على تصحيح الأخطاء وغرس مبادئ المعارضة الوطنية الملتزمة والفعالة في مواجهة سلطة فاسدة وفاشلة، سيعمل على توعية عكسية في المدافعة والمواجهة تلغي الحدود والضوابط وتعتمد على القنص والتثعلب.
هذه ليست دعوة للتحول الى نعامة أو عرض الخد الأيسر بعد الأيمن أو تسليم الروح الى الجوع وتحويل منظر براميل النفط التي تغادر الميناء الى مشهد غروب ممتع وشاعري.

قد تكون دعوة الى مزيد من التبصر في الاستغلال الحذر والنظر في العواقب أكثر من فرص الانتقام العمياء. النضال السلمي من أجل توسيع الوعي التراكمي هدف لا يمكن أن يخيب وإن تأخر تحقيقه.
   كلهم سواء ولكن
عدم قبول دعوة الرئيس كان خطاء، على الأقل من ناحية عدم إجابة دعوة "ولي الأمر". إنما عدم التعامل مع مبادرته ليس بالضرورة أن يكون خطاء في ظل وجود شروط وبنود لاتفاقات موقعة لم يكن قد أعلن عن توقفها بعد. وكان من الممكن الجمع بين الاثنين : حضور الدعوة وعدم التعامل مع المبادرة.

طرح المبادرة الرئاسية بهذا الشكل كان خطاء.. على الأقل من حيث عدم احترام الاتفاقات والعهود الموقعة مع "الرعية".  أنما طرح المبادرة للحوار والنقاش لكافة القوى السياسية والمنظمات المدنية ليس بالضرورة أن يكون خطاء سعياً لتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المصيرية. وكان من الممكن الجمع بين الاثنين: عرض المبادرة على طاولة الحوار، ومن ثم الاتفاق على توسيع أفق الحوار بشأنها بعد الوصول الى قاعدة اتفاق مشتركة بخصوصها.

ليس هناك مشكلة حقيقية تستدعي هذا التمترس وتبادل الاتهامات عبر الصحافة والوصول الى وضع المبادرة بكفة والحوار بكفة أخرى. ضوابط الحوار تطرقت لكل شيء وعملت حساب لكل ما يمكن أن يحدث في المستقبل، حتى الأعلام حين كاد يقضي على الحوار في بدايته، أكدت الوثيقة على ضبطه بين الجانبين وأفردت له باباً خاصاً به.
 قرار إيقاف الحوار بهذا الشكل وهذه المبررات الواهية.. قد يذهب الى إثبات اتهامات المشترك منذ بداية الحوار بوجود جناح في المؤتمر يرفض استمرار الحوار.
  تذكير ونصيحة 
في مواجهة بين الطرفين نشرت في صحيفة السياسية، عقب التوقيع على الضوابط، اتفق باجمال – أمين عام المؤتمر- والدكتور ياسين – رئيس المجلس الأعلى للمشترك- على أن الحوار هو السبيل للاتفاق. ولو لم توجد خلافات لما اجتمعوا على طاولة واحدة لحلها. بل زاد الاثنان على أن المخرج الوحيد من الوصول الى الاضطرابات والأحترابات هو الحوار. وقال باجمال أن المؤتمر الشعبي منهجه قائم أساسا على الحوار منذ تأسيسه في 1986م. ورفض ياسين الحديث عن شيء اسمه "فشل الحوار" لأن الحوار شيء مستمر ولا يمكن أن يتوقف أو يفشل.

إذن هو الحوار ولا شيء غيره يمكن أن يخرج الحزب الحاكم من مأزقه، ويحقق للمشترك أهدافه في إصلاح آليات العملية الانتخابية. وهو الذي سيخرج الوطن من الغليان والضغط والانفجار.

وليس من مصلحة الحزب الحاكم أن يثبت للشعب أنه يعمل من أجل فرد أو أسرة أو قبيلة..  ولذا لا يتوجب عليه أن يربط بين حوار لإنقاذ الوطن وتصحيح جسده الديمقراطي. وحوار لإنقاذ حزب أو شخص أو أسرة أو فئة، ويقايض هذا بذاك.
فقط على الحزب الحاكم أن يؤمن أن مصالحه الحقيقية الدائمة وليست الآنية تقع خلف:
- مصلحة أبناء الوطن- كافة أبناء الوطن دون تفريق على أساس الحزب أو المنطقة أو المذهب.

- المناخ السياسي الجيد لنمو الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
- وجود معارضة قوية تمتلك آليات مواجهة ألأخطاء والفساد.
----------------------------
أكتوبر 2007


الخميس، 4 أكتوبر 2007

اليمن .. تحويل النظام



مفارقات ومقاربات في الحلول:

 النظام الرئاسي .. تكريس سيطرة الفرد هروبا من شؤم المستقبل

  المفارقة رقم(1) 
- في نوفمبر 2005م، حين أعلنت أحزاب اللقاء المشترك مشروع الإصلاح الوطني،.. تصدرت وسائل الإعلام الحكومية مع إعلام الحزب الحاكم، حملة اتهامات كبيرة ضد "المشترك" أتهمته بالعمالة للخارج والخيانة الوطنية، وسفهت مشروع الإصلاحات واعتبرته استهدافاً للرئيس.

- اليوم وبعد عامين تقريباً، بلغت تلك الوسائل الإعلامية الحقائق التي كان المشترك ينادي بها، لكن مع إبقاء ذات التهم لصيقة بالمشترك. إذ تقول أن المبادرة التي عرضها الرئيس مطلع الأسبوع قبل الماضي تشابه الى حد كبير مشروع اللقاء المشترك في الإصلاح السياسي (ذلك المشروع الذي سُفه وأتهم بالعمالة والخيانة)..!!

الشاهد أنه وفي كلا الحالتين كان الغرض من تلك الحملات الإعلامية هو استهداف اللقاء المشترك، واعتباره خائنا ويستهدف الرئيس مباشرة.. !! مع فارق أنه في الحالة الأولى : كان خائناً وعميلا إذ بادر وقدم مشروع الإصلاح الوطني والسياسي من جهته. أما في الحالة الثانية: فهو عميل وخائن لأنه رفض دعوة الرئيس لحضور مراسم إعلان مبادرته – الشبيه الى حد ما بمشروع المشترك !! غير أنها هنا  بدت أشبه ما تكون بـ"خواطر رمضانية" حد وصف محمد الصبري – الناطق باسم اللقاء المشترك- في تصريحات لقناة الجزيرة بهذا الشأن.
 المفارقة رقم (2) 
- في نوفمبر 2005م طرح المشترك مشروعه الإصلاحي للحوار والمناقشة. وحينها رفضت دعوته تلك وقال الرئيس ما معناه أنه من حق أي طرف أن يقدم مبادراته للإصلاح السياسي غير انه ليس مفروضاً على المؤتمر "الحاكم" قبولها..!! أو مناقشتها. بمعنى واضح إعلانه رفض الحوار بهذا الشأن.

- أما اليوم فالمفارقة تكمن أن مجرد رفض المشترك لدعوة خرجت عن الاتفاق المسبق لها، جلبت عليه ويلات النظام وتلك التهم المتنوعة، مع أنه هنا لم يرفض الدعوة الى الحوار بل زاد أنه أكد عليه  وأعتبره الطريق الأسلم لمناقشة مثل هذه القضايا. ولذلك أعتبر في بيانه الأخير (الصادر صباح الاثنين الماضي) أن ما جاء في تلك المبادرة الرئاسية "احتوته قضايا مطروحة على أجندة الحوار وقد تم التوقيع عليها في الوثيقة التي أعلنتها الأحزاب وكل وسائل الإعلام في 16 يونيو الماضي".  وأعاد التأكيد على تمسكه بالحوار الجاد والصادق والنزيه وفي إطار القضايا والضوابط التي تم التوقيع عليها, وجدد مواقفه السابقة المطالبة بأن تقدم كل الرؤى والأفكار والمبادرات إلى طاولة الحوار, وانه يتعامل مع ما قدم أو ما سيقدم من ناحية مسئوليته الوطنية واحترام التزاماته ودفاعه عن الحقوق والمطالب الشعبية والجماهيرية.
  المفارقة رقم (3)
- في 16 يونيو 2007م وقعت أحزاب اللقاء المشترك مع الحزب الحاكم ما سمي بـ "وثيقة ضوابط الحوار" كانت خلاصة لاجتماعات مطولة توقفت ثم استأنفت بعد دعوة الرئيس الى استئنافها تحت رعايته الشخصية في خطابه بمناسبة عيد الوحدة الماضي. وفي الاتفاقية الموقع عليها ذكرت كافة بنود الحوار المتفقة، وكان المحور الثاني وهو الضوابط الناظمة للحوار وجاء في البند الأول : تقديم مواضيع وقضايا الحوار المقدمة من أيٍ من أطراف الحوار في وقت مسبق وتحديد ما يتطلب الوقوف عليه في الحوار في كل قضية أو مشروع مقدم سواءً بصورة عامة أو جزء منه يتعلق بجانب معين وإقرار ذلك وتضمينه في جدول الأعمال.

الرئيس الذي وعد برعاية الحوار كان أول المخالفين للاتفاقية إذ قدم مبادرته تلك في 25 من الشهر الماضي، بمخالفة هذه المادة ودون وضع أي اعتبار للعهد والاتفاق المبرم بين الأطراف، فيما كان يتوجب عليه التزام الضابط بتقديم أية مقترحات عبر طاولة الحوار وضمها في جدول ألأعمال..

والمفارقة هنا تكمن بأن الرئيس – الذي خالف ضوابط الحوار بطرح القضايا خارج أطرها المحددة- ليس متهما، بل أنه قدم ثورة من خلال تلك المبادرة..!! بينما أن اللقاء المشترك الذي تمسك بالضوابط ورفض مخالفتها.. متهم برفض الحوار واللا مسئولية. بل أنه وعندما أعلن المشترك حقيقة رفضه تلك الدعوة عبر بيانه الصادر بهذا الخصوص في حينه.. قيل: لماذا لم يحضر ويطرح تلك الحقائق والمبررات عبر طاولة الحوار..!!. والحقيقة أن هذا السؤال كان يجب أن يوجه الى الرئيس وليس الى المشترك. إذ كان يجب على الرئيس أن يمثل القدوة في التزام ضوابط ما يتم التوقيع عليه بين الأحزاب وطرح كافة القضايا والمواضيع التي يريد إدراجها في الحوار ضمن جدول أعمال مسبق بحسب ما نصت عليه أول مادة في تلك الضوابط.
 النتيجة 
- مما سبق يمكننا الوصول الى حقيقة أن: النظام الحاكم بوسائل إعلامه الخاصة(الحزبية) والعامة(التي يفترض أن تكون مملوكة لعامة الشعب) يتعامل مع قضايا الوطن المصيرية بـ"برغماتية" عالية..!! الى جانب انه ليس فقط يتقمص بل ويسعى الى خلق سلوكيات سياسية اجتماعية شاذة في الحياة السياسية تمثلها"الدوغمائية"، و"الديماغوجيا". وهما مصطلحان سياسيان سلبيان تفضل تتعامل بهما الأنظمة الاستبدادية الفردية، أو تلك الأنظمة التي تدعي أنها ديمقراطية لكن تفرض فيها سيطرة الحزب الواحد على مقومات الأمة وتشريعاتها بغرض تطويل أمد بقائه على رأس الحكم.  

- فالدوغمائية وهي كلمة يونانية تعني التأييد الأعمى لمبادئ مذهب أخلاقي ما أو مطالبه, بدون إمعان النظر فيها, ومن دون تفهم قيمتها الاجتماعية ومن دون دراسة الحالة الملموسة ومن دون مراعاة العواقب الاجتماعية التي قد تنجم عنها. وهي الحالة التي يفرضها النظام على الأعلام الحكومي اليومي تحت فعل الارتباط الوظيفي به. ويتجسد ذلك بعدة أمور نستشهد بآخرها هنا حينما أعتبر ذلك الإعلام أم مبادرة الرئيس عبارة عن ثورة إصلاحية. في الوقت الذي أعتبر فيه ذات الأفكار حينما جاءت من المعارضة أنها خيانة وطنية وعمالة للخارج ووو..الخ 
والدوغمائية كظاهرة اجتماعية  تميز بصورة خاصة الأخلاق المسيطرة في المجتمع الاستغلالي والتي تبذل شتى الجهود للتستر على مغزاها الاجتماعي والتي تقف ضد التقدم الاجتماعي والتمويل الثوري للمجتمع.

- أما الديماغوجيا وهي كلمة يونانية تعني شعبا أو قائدا أو سياسيا متلاعبا، وهو مصطلح يدل على التقييم الأخلاقي السلبي لنمط من الأفعال والتصرفات التي تشكل لونا من الرياء والنفاق في السياسة والتي تهدف إلى الاستحواذ على وعي الجمـاهير باسم أغراض أنانية. ومن بين أهدافها خلق الإيمان الكاذب بالإخلاص للشعب. وقد تمثل ذلك بمعظم تصرفات النظام الذي يوقع الاتفاقيات تلو الأخرى مع شركاء العمل السياسي ثم يتلاعب بها إذا ما حصحص الحق أثناء تنفيذها، وهو بأفعاله تلك لا يتوخى مصلحة الوطن بقدر ما يبحث عن مصالحة الأنانية المتمثلة بفئة بعينها على حساب الفئة العظمى من الشعب.
   أساليب ملتوية نتائجها لم تعد مجدية
إن التجارب المجتمعية السياسية تخلص الى أن أمد تلك الأساليب لا يمكن أن يكون طويلا لا سيما في المجتمعات التي تعاني من حقائق اقتصادية متخلفة تمس معيشة غالبية المواطنين. ويزداد الأمر وضوحا حينما تترافق تلك الحقائق مع أخرى تعمل على سلب حق التغيير مع تضييق حق التعبير. وبالمجمل تتكشف الحقائق سريعاً بتعطيل  الحقوق السياسية التي كانت تمثل الأمل بالتغير السلمي نحو الأفضل. فتصبح الممكنات السياسية مستحيلات بفعل تعطيل الأنظمة الحاكمة لآلياتها. وبالتالي تتساوى الخيارات لتصبح شيئا واحد يتجاوز مسميات التقديس أو ما يمكن تسميتها بالخطوط الحمراء. وتتكسر تلك الخطوط تدريجياً في العقل الاجتماعي وتتوسع أكثر كلما ازدادت حدة المواجهة بين تلك الأنظمة وشعوبها.  

- كما إن أسلوب المناورات السياسية عند مفترقات الطرق لن يكون مجدياً على الدوام، سيما إذا لم تفضي تلك المناورات الى مزيد من الوقت لحلحلة المشاكل وليس لتأخير تفاقمها وانفجارها بقوة أكبر مما كانت ستكون عليه من قبل.

حتى أن أسلوب لفت الانتباه من المركز الرئيسي الى الفروع عبر صناعة أحداث جديدة قد تساعد على قلب المعادلة من التركيز على لب المشاكل الى قشورها.. هو الآخر أسلوب ليس من شأنه أن ينجح دائما في الهروب من الالتزامات بشكل نهائي، خصوصاً تلك التي تظل باستمرار على السطح وتمس ثواني ودقائق وساعات غالبية المواطنين.

كما إن الحلول التي تأتي من أجل تسجيل المواقف ضد طرف ما دون وضع الاعتبار لجذور المشكلة وتاريخها ومترتباتها المستقبلية ستكون بمثابة زراعة الألغام في طريق العودة الوحيد.
  جوهر الحل ليس بتغير الشكل
إذا ما انتقلنا هنا الى الحديث عن مبادرة الرئيس التي لم تأت بجديد لم يأت بها مشروع المشترك من حيث الإجمال بعيداً عن التفاصيل التي ربما ستشكل نقاط خلافية إذ ما أدركنا أن القبول بوضع تلك الإصلاحات على طاولة الحوار إنما جاء من كل طرف لتحقيق مصالح بعينها. يتضح من خلال المناورة السياسية الأخيرة أن الحزب الحاكم يسعى من خلال وضع المبادرة الى الهروب من المشاكل التي صنعتها سياساته، مع حرصه الشديد بعدم التنازل عن مصالحة الشخصية التي ظل يبنيها على مدى أكثر من عقد ونصف، حتى وإن كان الحل يكمن أساساً بذلك التخلي.

خطاب الرئيس الذي أعلن فيه مبادرته للإصلاح يفسر نفسه بنفسه، فهو تحدث عن أن موجبات الانتقال الى النظام الرئاسي مؤداها أن تتحول تلك التهم - التي ترمي عليه بأسباب ارتفاع أسعار الطماطم - الى واقع، ويصبح هو المسئول الأول في كل شيء وكل تهمة.. بيد أن الإشكالية الحقيقية ليست بمعرفة من هو المتسبب في ارتفاع الأسعار هل هو الرئيس أم رئيس الوزراء أم وزير الاقتصاد أم التاجر. فهذه المشكلة حلها بسيط جداً وهو تحميل الحزب الذي يحكم تلك المسئولية. وهذا ما يفرضه المنطق وليس أكثر من ذلك ولا أقل. وفي الأنظمة البرلمانية يخضع رئيس الحكومة للمسائلة والذي غالباً ما يكون هو رئيس الحزب الحاكم. بينما في الأنظمة الرئاسية يخضع الرئيس وهو أيضا يكون رئيس الحزب الحاكم. وحتى في النظام المختلط الذي نعيشه يتحمل المسئولية الحزب الذي يحكم. هذه الأمور لا تمثل مشكلة حقيقية مستعصية الفهم. بل أن المشكلة الحقيقية تكمن بالإجراءات التي يجب أن تتخذ بشأن كل متهم سواء الحزب أو الرئيس أو رئيس الوزراء أو أو أو .. الخ. ففي كافة الأنظمة يمكن التملص والتخلص من كل التهم إذا كانت القوانين مجرد عبارات للتفاخر والتطبيق بالمزاج الشخصي أو الحزبي
. إذ لا فائدة من تغيير شكل النظام إذا كانت الثقافة السياسية متخلفة، والقوانين التي بموجبها يجب إحالة الفاسدين والمتلاعبين بمصير الشعب والأمة تحت قبضة رأس النظام. وباختصار شديد: إذا كانت المشكلة تكمن في ثقافة الأشخاص الذين يسيطرون على الحكم، فهل سيكون تغيير شكل النظام حلا؟  


وهنا يمكن التذكير بأن شارون –رئيس وزراء إسرائيل السابق- في نهاية العام 2005م حين أراد أن يحل مشكلته مع الأحزاب فكر في تغيير نظام الحكم الى نظام رئاسي ( إذ – حينها- أكد مصدر مقرب من شارون أنه معني بتطبيق نظام الحكم الرئاسي من اجل تقليص قوة الأحزاب السياسية. وقال المصدر أن شارون معني بالنظام الرئاسي لتخفيف وطأة القيود التي يفرضها البرلمان على قيادة الدولة).

وقياسا على ما سبق فإنه وعلى أرض الواقع، ما الذي سيفيد في حل مشكلة الجنوب –مثلاً- حينما يتحول النظام الى رئاسي؟ لا شيء. لأن المشكلة حلها هنا يتطلب عملا تنفيذيا يبدأ بإزالة آثار حرب 94م وليس بتغير شكل النظام..!!

إذا نستطيع القول أن أهم نقاط الخلاف في تلك المبادرة إنما جاءت لتحل مشكلة الرئيس مع حزبه وليست حلا لمشاكل الوطن المتزايدة بفعل سياسات تزايد الخطأ.!! ربما بصورة أوضح يمكن القول أن المشكلة الأساسية هي عدم وجود نظام كلي للبلاد. وبالتالي فإن ما يمهد له سيكون عبارة عن انتقال اللا نظام الى لا نظام آخر.

وعلى ذلك فإن الحل الأفضل الذي كان يتوجب المضي فيه توافقاً يتمثل أولا السير في بناء نظام برلماني حقيقي لتظهير صورة الديمقراطية أولاً ونقلها من "المزحة" السياسية الى "الفعل" السياسي عبر الفصل بين السلطات والاحتكام الى الشرعية الدستورية والقوانين النافذة فعلا لا تمثيلاً. ومن ثم وبعد ترسيخ ثقافة القانون وتظهير الديمقراطية بصورتها الحقيقية يمكن بعدها الحديث عن تغير شكل نظام الحكم كحل لابد منه لمواجهة الإشكاليات الجزئية التي تنجم تراتبية النظام البرلماني وتداخلاته. إن الحقيقة التي يعدمها بعض المهرولين تؤكد أن نظام الحكم الرئاسي لا يصلح أن يكون مثالا فعالا للديمقراطيات الناشئة ناهيك عن الديمقراطيات الكاذبة.

فالنظام الرئاسي لا يمكن أن ينجح إلا  في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكامله والتي يكون فيها مستوى النضوج والوعي السياسيين عالياً. (. ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغير الديمقراطي في الوطن العربي، بيروت، مركز الدراسات الوحدة العربية،1997).

ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون التغير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية. (يحيى الجمل،1984، 363).
 ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.
   النظام الأمريكي في واقع متخلف
دائما ما يضرب المثل بنجاح الأنظمة الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية. غير أن هذا القياس لا يستقيم دون النظر الى التجربة الأمريكية تاريخيا وثقافياً. وكما أشرنا مسبقا فإن الأمر منوط بالوعي الثقافي السياسي وترسيخ التجربة الديمقراطية كما هو الحال في أمريكا.

ولكن..دعونا نترك تلك النظريات والأفكار المعقدة حول نظام الحكم الرئاسي. ودعونا نتساير مع ما يمكننا اعتباره دائما ضرورة"الأمر واقع".. مع أن مثل هذه الضرورة غير علمية أوعملية في الأنظمة الديمقراطية التي تمكنها آلياتها من العمل ضد هذا المعنى الاستسلامي..

فلو تسايرنا مع مبادرة الرئيس برغبته تغيير شكل نظام الحكم الى رئاسي بعيداً عن الإمكانية من عدمها.. فسيتوجب علينا مع هذا الافتراض أن نتساءل : هل سيعمل هذا التغيير على إصلاح البلاد والقضاء على الازدواجية القائمة بين اتخاذ القرارات والمحاسبة الناجمة عنها؟

- وبالإشارة الى أن هناك من السلطة من يشبه مبادرة الرئيس بتحويل النظام الى رئاسي إقتداء بالنظام الأمريكي.. فهل سيقبل الرئيس بكامل شروط النظام الرئاسي أم أنه سيتخير منها المناسب لفرض مزيد من السيطرة؟ هل مثلاً سيقبل الرئيس أن يحدد مجلسي النواب والشورى ميزانية الدولة وإقرارها ومتابعة تنفيذها، ومراقبة الصرفيات بحيث لا يحق للرئيس أن يتخذ قرارات الصرف الكبرى إلا بعد موافقة المجلسين؟ وهل سيوافق الرئيس على أن تكون هناك محكمة عليا تشرف على الرئاسة والمجلسين ومحاسبتهما والفصل بينهما ويكون أعضاء هذه المحكمة منتخبون وليسوا معينين.

إن تلك الأمور هي بعض ما يستدعيه العمل بالنظام الرئاسي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات. لذلك نجد الدستور الأمريكي يجعل اختيار القضاة بالانتخاب وينص على عدم إمكانية تعديل نظام المحكمة الاتحادية العليا إلا وفقاً للأوضاع الخاصة بتعديل الدستور نفسه، وكذلك عدم إمكانية الجمع بين العضوية البرلمانية والمنصب الوزاري في مقابل عدم مسؤولية الرئيس والوزراء –سياسياً وليس تنفيذياً-ً أمام البرلمان.  وبالمقابل لا يحق للرئيس- في النظام الرئاسي الأمريكي- حل البرلمان سواء بالنسبة لمجلس الشيوخ أو لمجلس النواب، وليس للوزراء أن يحضروا جلسات مجلس البرلمان بهذه الصفه. (ثروت بدوي، النظم السياسية، القاهرة، دار النهضة العربية،1975).

 كما ويقر يقر الدستور الأمريكي بعض الامتيازات لمجلس الشيوخ يمارسها تجاه السلطة التنفيذية فيستلزم موافقة مجلس الشيوخ لتعيين بعض كبار موظفي الدولة مثل السفراء وقضاة المحكمة الاتحادية العليا وكذلك ضرورة موافقته في مسألة المعاهدات والاتفاقات الدولية. ( عبد الغني بسيوني، النظم السياسية- أسس التنظيم السياسي الدولة والحكومة الحقوق الحريات، الإسكندرية، الدار الجامعية،1985).

- وبشكل عام تقول الدراسات بأن "التجربة العالمية تدل على فشل النظام الديمقراطي الرئاسي في خلق استقرار سياسي في الدولة, ولا يمكن تعميم الحالة الأمريكية على سياقات سياسية أخرى. ففي أمريكا اللاتينية, معظم الدول التي تبنت نظاما ديمقراطيا رئاسيا انتهى بها الأمر إلى دكتاتوريات, أو أزمات سياسية وانتهاكات لحقوق الإنسان, وتشير الأدبيات السياسية التي تدرس النظام الديمقراطي وأنماطه أن النظام الديمقراطي البرلماني هو أكثر الأنظمة استقرارا بين الأنماط الأخرى" ويعتبر نجاح الديموقراطية الرئاسية الأمريكية, نجاحا خاصا ينبع من وجود «كونغرس» قوي ونوعي يراقب ويكبح جماح مؤسسة الرئاسة ووجود ثقافة سياسية متقدمة.

إن بلادنا ليست بحاجة الى نظام يزيد من استبداد الدولة ويوسع من أزماتنا السياسية ويكرس مزيدا من انتهاكات حقوق الإنسان .. على العكس من ذلك كله إننا بحاجة الى التخلص من هذه السلبيات المتجذرة في البلاد.
  نظام رئاسي .. لماذا؟
الحديث عن أن النظام الرئاسي يمكن أن يكون حلا ، يجلب معه تخمينات وتحليلات عدة في الإجابة على تساؤل : لماذا؟

إنه لمن الضروري الربط بين هذه المبادرة وأهوال المرحلة التي تقدم عليها بلادنا.
تتشبه الأوضاع في بلادنا هذه الأيام بمخاض لمولود جديد ليس بالضرورة أن يكون هذا المولود "ثورة" حمراء. ربما أنها "ثورة" برتقالية. وذلك منوط برد فعل النظام

وقد يكون الأمر قد أوصل الى أفكار عديدة لاستقبال هذا المولود من جهة النظام كطرف متسبب بالحمل، ومن جهة غالبية أبناء الوطن كطرف متحمل لتلك المخاضات.

على أن فكرة الهروب من تحمل المسئولية كعادة الطرف القوي دائماً ليست بالفكرة المجدية في مثل هذه المواجهات التي تصل نهايتها لمصلحة المجموع كقوة مقابلة في مواجهة القوة التقليدية.
وفي مثل هذا على النظام أن يتخلص من أخطائه بتصحيحها وليس بمزيد من الأخطاء.

لماذا؟ السؤال الذي يجب الإجابة عليه لمقاربة حقيقة اللجوء الى تغيير النظام الى رئاسي لمواجهة المشكلة.
 هناك من يعتقد أن ألأمر ما يزال مجرد هروباً تكتيكياً من مواجهة الأخطاء وهو ما ستسفر عنه لواحق الأيام. المثل المصري يقول"مصير الحي يتلاقى"

هناك من يرى أنها أخطاء استشارية لا تدرك الواقع وإمكانياته في استواء الفكرة وتلقيحها بشكل ناجح.
وهناك من ينظر الى الأمر بنظرة سياسية بحته، ويرى أن المعطيات الحالية تنبأ عن فشل قريب يجب محاولة توجيهه مع أقل الأضرار. فالتذمر الذي بدأ بسيطاً توسع سريعاً وقد يوصل الى نتائج فشل في الانتخابات البرلمانية القادمة، وبالتالي فإن برلمان بأغلبية معارضة ونظام غير واضح المعالم سيتسبب في إشكاليات تنفيذية ومواجهة صلاحيات بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية كطرف والمؤسسة الرئاسية طرف (النموذج الفلسطيني نموذجاً).

لذلك كانت فكرة تغيير نظام الحكم الى رئاسي واسع الصلاحيات من شأنه أن يضعف سلطة البرلمان. كما أن النظام الحالي إذا ما فازت المعارضة بالأغلبية النيابية سيوصلها الى تشكيل الحكومة فيما أن ذلك الفوز في حالة النظام الرئاسي لن يمكنها من ذلك، لأن الوزراء سيتبعون رئيس الجمهورية مباشرة.

فالأنظمة الرئاسية أنواع منها ما يؤدي إلى السلطة التنفيذية(الرئاسية) وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.

ومنها ما يدخل ضمن عيوبه إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسئول الحقيقي عن الخطأ. لا سيما في دول الديمقراطيات الناشئة التي تتعدد فيها القوانين وسيطرة مراكز القوى على مفاصلها.

ويشير الى هذا الأمر د. جهاد عودة في مقالة له بعنوان "نحو تطوير النظام الرئاسي" وهو يتحدث عن مصر (بلاده) إذ يقول :".. وبالمقابل فإننا الآن نعيش في ظل شكل من أشكال نظام رئاسي معطلة فيه آليات المحاسبة البرلمانية والمحاسبة السياسية بحيث قزمت الإرادة البرلمانية في الممارسة اليومية‏,‏ وربما هناك وقائع عديدة تشير إلي أن نظاما بهذا الشكل لا يساعد علي حياة اقتصادية وسياسية سليمة حيث إن تعطيل رئة البرلمان لا تساعد الجسد السياسي علي الصحة والحياة بقوة‏.‏" د.جهاد عودة – الحديث عن مصر مقال بعنوان "نحو تطوير النظام الرئاسي.
  الغرابة في تجديد الولاية 
على أن ما يمكن أن يخرجنا من مرحلة التفكير الى الاستغراب في مبادرة الرئيس هو الرأي الذي يقول أن الرئيس من خلال هذه المبادرة والتعديلات الدستورية يهدف الى تجديد ولايته فترات قادمة..!!

داعي الغرابة أن الرئيس قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة كان مقتنعاً بالتخلي عن ترشيح نفسه لولايته الرئاسية الحالية،وكان حينها يقول أن قراره هذا ليس مسرحية للمزايدة بل أنه أقتنع كلياَ من الجلوس على كرسي من نار. ولولا أن الشعب خرج لثنية عن قراره لكان الآن يسمع العبارة التي قال ذات لقاء أنه يحب سماعها وهي "الرئيس السابق".

---------------------
أكتوبر 2007