الخميس، 8 مايو 2008

اليمن .. الرئيس يستدرك فشل انتخابات المحافظين بالتعيين



لم تكن الحسابات دقيقة، كما لم يكن الأمر سهلاً على الحزب الحاكم في تزكية أعضائه، بالرغم من مقاطعة المعارضة ما سمي بانتخابات المحافظين. وهو ما تطلب تداركاً سريعاً لإعادة السيطرة بإعلان الرئيس عن وجود تعديلات قانونية تصب باتجاه تعيين أمناء عموم المجالس المحلية، يعتقد الكثيرون أنهم سيمنحون صلاحيات أوسع للسيطرة على ما أفرزته أخطاء تلك التزكية

استدراك لاحق لفرض السيطرة


- عبد الحكيم هلال 


- فيما كانت "المهزلة" الانتخابية ما تزال في ساعاتها الأولى من اليوم النهائي للتنفيذ في 20 محافظة يمنية وأمانة العاصمة، صباح السبت الماضي، كشف رئيس الجمهورية النقاب عن مهزلة جديدة، كان من شأنها أن تطغى على كل المحاولات التي ظل الحزب الحاكم وحكومته يسعون فيها إلى تغطية المهزلة الانتخابية الأولى، بالحديث عن حكم محلي واسع الصلاحيات، والقول أن ما يسمونه بانتخابات المحافظين خطوة أولى للانتقال إلى تجربة أكثر توسعاً بحيث يتم تكون الانتخابات من الشعب بشكل مباشر.

لقد كان الرئيس أكثر صراحة من قيادات حزبه ووسائل إعلامه، أو ربما أقل حصافة منهم، حين أعلن عن "تعديلات قانونية تتضمن تعيين أمناء عموم المجالس المحلية في المحافظات والمديريات، وبحيث يكونوا ممثلين للسلطة المركزية وليس شرطا أن يكون الأمين العام من أبناء المحافظة أو المديرية المعين فيها". هكذا جاء نص الخبر الرسمي من وكالة "سبأ" والذي تحدث عن زيارة الرئيس الى وزارة الإدارة المحلية صباح السبت الفائت بينما كان أعضاء الحزب الحكم في المحليات ينفذون دورهم المرسوم لهم في وضع كروت الزكية في صناديق بيضاء مصمتة.

- لقد بدا الأمر فضيعاً بالنسبة للمتابعين ولاسيما من بعض أعضاء الحزب الحاكم الذين كرسوا جهودا كبيرة للحديث عن الديمقراطية وما اعتبروه التجربة الفريدة في الشرق الأوسط..!! لقد تساءل أولئك المرهقون من الحزب قبل غيرهم : كيف يتم ذلك، ونحن لم ننتهي بعد من هذه المشكلة التي بين أيدينا. لكن العارفين منهم بمضمون الإعلان أوضحوا لهم أن الخطوة الثانية التي أعلن عنها رئيس حزبهم ورئيس الجمهورية أنما جاءت لترميم الخطوة الأولى أو كما يحلو للبعض تسميتها "المشكلة الأولى".
فتعين أمناء عموم المجالس المحلية في المحافظات والمديريات، تأتي بغرض فرض سيطرة حكومة الحزب "المركزية" على المجالس التي يفترض أن تكون "لا مركزية".

   ما بين الرئاسة والوزارة 
والسؤال الذي يبحث عن أسباب هذا الإعلان المفاجئ هو: لماذا قرر الرئيس زيارة وزارة الإدارة المحلية ليقدم هذا الإعلان، وفي ذات اليوم؟ هل كان ذلك بغرض إحراج وزير الإدارة المحلية الذي ظل يحاول الحديث عن "المهزلة" الانتخابية، كتجربة ديمقراطية نادرة..؟!! هناك من يقول أن "هلال" هو من أقنع الرئيس في وقت سابق أن انتخاب المحافظين سيحل جزء كبير من الإشكاليات القائمة في الجنوب. ولكن حينما تورط الحزب الحاكم بهذه العملية، لم يكن من الرئيس – كما أعتبر البعض – إلا أن تصرف على هذا النحو الأخير، الذي اعتبروه إنما جاء ليوقف "هلال" عن حده ويعلمه درساً بقدرته على السيطرة اللاحقة للازمات.

 والذي يتابع موقع وزارة الإدارة المحلية الخاص بتغطية الانتخابات سيلاحظ موقف الإدارة المحلية من إعلان الرئيس الأخير. فقد اقتبست الخبر من وكالة سبأ بشكل مقتضب ولم تورد عبارة الرئيس الأخيرة التي نشرتها الوكالة والتي تشير إلى أن تعيين الأمين العام ليس شرطا أن يكون من أبناء المحافظة أو المديرية المعين فيها. بل أن اللجنة الاستشارية الإعلامية التابعة للوزير صاغت خبر زيارة الرئيس إلى الوزارة – والذي أرسلته إلى قائمة أيميلات الصحفيين وحصلتُ على نسخة من الخبر في بريدي الالكتروني - دون أن تشير مطلقاً إلى إعلانه القاضي بإحداث تعديلات دستورية بتعيين أمناء عموم المجالس المحلية. وهو ما يوضح جلياً عدم رضا الوزارة عن هذا الإعلان حتى الآن.
ويبدو أنها (أي الوزارة) ستعد تفسيرا مناسباً لهذا الإعلان، لتخرج به للرأي العام، كما فعل الوزير مع إعلان الرئيس الذي أكد فيه أن انتخابات المحافظين ستكون في 27 ابريل، فقد فسره "هلال" بعد فترة أن القصد هو دعوة الناخبين في هذا التاريخ بينما أن عملية الانتخاب ستكون في 17 مايو. وهو تفسير سُكت عنه بالرغم أنه غير قانوني. إذ لم يحدد لا الدستور ولا القانون أن على الرئيس أن يدعو الناخبين إلى هذه الانتخابات، كما يحدث لتلك الانتخابات التي تتم من الشعب مبشرة (رئاسية –نيابية – محلية) والتي حددها القانون. كما أن الدعوة هنا غير سليمة لأن من سيدعوهم الرئيس هنا هم "هيئة ناخبة"محددة بعدد وإطار معين، وليسوا بحاجة إلى تقييد أسمائهم أو سجلات ناخبين أو تلك الإجراءات المفقودة هنا والتي تتم في غيرها مما ذكرناه سابقاً.

وإذا كان القصد من الدعوة هو الأعداد للانتخابات فقد أعدت الوزارة لها من قبل هذا التاريخ. بل ليس منطقياً بالجملة أن يعلن الرئيس في وقت سابق أن يوم 27 ابريل، سيكون يوما للدعوة للانتخابات، بينما يتجاهل يوم الانتخابات نفسه..!!
ولذلك لن يكون غريباً أن تقدم الوزارة في وقت لاحق من إعلان الرئيس تعيين أمناء عموم المجالس، تفسيراً آخر غير الذي سمعناه وقراء ناه في الصحافة الحكومية بشكل واضح.

· لماذا تعين أمناء عموم المجالس المحلية 
إلى جانب ما سبق وفي ذات السياق الذي يجعلنا نخوض في "المهزلة" الأخيرة، وما ترتب عنها، وصولاً إلى إعلان الرئيس إحداث تعديلات قانونية بخصوص تعين أمناء العموم في المحافظات. هناك تفسيرات عدة لهذا الإعلان.

فهناك من يتحدث – إلى جانب ما سبق عاليه – أن الرئيس شعر بخطورة بعض أمناء عموم المجالس المحلية ممن يحسبون على الحزب الحاكم، وخصوصاً أولئك الذي رشحوا أنفسهم لمنصب المحافظ مؤخراً ورفضوا الانسحاب بعد أن شعروا بشعبيتهم في المحافظات من خلال انتخابهم كأمناء عموم في المجالس المحلية في وقت سابق وحازوا على ثقة أعضاء الهيئة الناخبة. ولذلك يرغب الرئيس بقراره الأخير من قصقصة أجنحتهم بهذه الطريقة.
والمعروف أنه قد ظهر بعض أمناء عموم المجالس المحلية في بعض المحافظات ممن لهم القبول والشعبية بين أعضاء تلك المجالس، وأصروا على مخالفة توجهات الحزب – رغم انتمائهم له - ورشحوا أنفسهم. مثل أمين عام المجلس المحلي بمحافظة لحج، علي حيدره ماطر، عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الحاكم، والذي رفض الانسحاب أمام مرشح اللجنة العامة لحزبه، وكان آخر من حاولوا إقناعه للانسحاب هو أمين عام الحزب لقطاع السياسة الشيخ سلطان البركاني، لكنه رفض وأصر على النزول والمنافسة، ليحصل على 135 صوتا أمام مرشح الحزب الحاكم محسن علي النقيب الذي فاز بفارق بسيط جداً عنه وهو ثمانية أصوات فقط، إذ حصل على 143 صوتاً، بعد تكريس الحزب الحاكم كل جهوده معه وتقديمه الإغراءات والوعود المختلفة لأعضاء الهيئة الناخبة.

وكذا مثل العقيد حسن أحمد هادي الهيج (أمين عام المجلس المحلي بمحافظة الحديدة) الذي كان رشح أمام مرشح اللجنة العامة للحزب الحاكم أحمد سالم الجبلي. وكان الهيج في بداية الأمر رفض الانسحاب أمام الجلبي لشعوره بقدرته على منافسته، والفوز عليه نظراً للشعبية التي يمتلكها في الهيئة الناخبة. وقد أرسل الحزب الحاكم قياداته إليه لإثنائه فعجزوا. والى ما قبل الانتخابات بيومين تقريباً قرر الانسحاب من المنافسة، وهو ما يزال في نفسه شيء. إذ يقال أن حزبه كان قد بدأ يلمح بإظهار بعض ملفات الفساد الخاصة به في المحافظة. وهو مالم يتم التأكد منه بعد. غير أن المؤكد أنه قرر الانسحاب من المنافسة وهو مازال يشعر أنه لو نافس لفاز في السباق.

وغير هؤلاء كان هناك أمين عام المجلس المحلي بمحافظة تعز الذي استبعد من المنافسة بحجة عدم استيفائه الشروط القانونية، لكنه أصر ورفع طعناً باللجنة الإشرافية إلى المحكمة. لكن القضية لم تعرف نتائجها بعد ذلك إذ تدخلت قيادات لحزب الحاكم في الموضوع.
ومن تلك المؤشرات السابقة، يرى البعض أن قصصت أجنحة هؤلاء قد حان بتعين أمناء عموم المجالس المحلية التابعين للسلطة المركزية بحيث سيتم تهميش أولئك السابقين المنتخبين، بإعطاء جزء كبير من صلاحياتهم لمن سيعينهم الرئيس أو الوزير.

  استدراك متأخر للسيطرة 
وغير ماسبق هناك من يرى أن قرار التعيين الذي أعلنه الرئيس أنما جاء ليلتف على المحافظات الخارجة عن السيطرة وهي تلك المحافظات التي أسقطت مرشح اللجنة العامة للحزب الحاكم.

وهو ما ذهب إليه "محمد قحطان" – عضو الهيئة العليا للإصلاح – وأعتبر - في تصريحات للصحوة نت - أن هذا التوجه الرئاسي أنما جاء بغرض إحداث حركة التفاف سريعة على المحافظات التي انتخبت المرشح الذي لا يريده الرئيس.
وكانت ثلاث محافظات قد شبت عن طوق اللجنة العامة وفضلت الهيئة الناخبة فيها أن تزكي المرشح الذي تريده هي لا الذي يزكيه حزبها بشكل مركزي. وهي محافظات : مأرب – البيضاء – الجوف.

وفيما يبدو أن صعود بعض المحافظين من غير المعينين من لجنة الحزب العامة قد يؤثر على سلباً على توجهات الحكومة والحزب من حيث اعتبار أنفسهم معينين من الهيئة الناخبة وليس من الحزب الذي لم يمنحهم الثقة.

ولما كان من تم تزكيتهم ينتمون للحزب الحاكم نفسه لكنه لم يمنحهم ثقته، فإن هذا الخيار قد ينتج عنه عدم التزام كلي لهؤلاء بقرارات الحزب المركزية طالما وأن الثقة لم تأتيهم إلا من أعضاء الهيئة الناخبة. وهو ربما ما خشاه الرئيس ليحاول بقراره تدارك الأمر بهذا الإعلان بحيث يضع بالقرب منهم أمناء مجلس محلي يعينهم هو ويدينون له بالولاء والنعمة، وربما يعملون بصلاحيات حكومية أوسع.
وهو ما ذهب إليه الدكتور محمد السعدي – الأمين العام المساعد للإصلاح – إذ أعتبر هو أيضا - في تصريحاته للصحوة نت - أن حديث الرئيس "تعبير عن ندم السلطة على الخطوة الشكلية التي أسقطت مرشحيها في بعض المحافظات في انتخاب المحافظين وتكريس لحكم الفرد والقرار الفردي" وأكد على الجزئية التي ذهبنا إليها بإمكانية منح المعينين صلاحيات أوسع تداركا للفشل، حينما قال بان قرار مثل هذا "سيسحب صلاحيات المحافظ المنتخب شكلياً".

وعلى ذات النسق، أعتبر القيادي الاشتراكي في محافظة الضالع فضل الجعدي أن تصريحات الرئيس بشأن تعيين أمناء عموم المحافظات، يمثل انقلابا على الحكم المحلي" كما عده مقدمة لسحب صلاحيات المحافظين المنتخبين شكليا. وقال بأن " المعين أقوى في الصلاحيات من المنتخب".

وكان محمد قحطان قد قال في تصريحاته أنه كان الأجدر بالرئيس أن يتقبل ما يمكن أن يكون شبيهاً بالتنوع المتخلق في إطار حزبه، ولكن كما يبدو "أنه لم يتم تحمل النتيجة". بل وأعتبر أن العودة إلى تعيين الأمين العام للمجلس المحلي يمثل انتكاسة عن القانون من الناحية النظرية. بينما أكد الدكتور السعدي بأنه تراجع عن الديمقراطية ودليل لمنهجية المؤتمر الشعبي العام في المرحلة القادمة. وقال الجعدي أن"ما يعطى باسم الديمقراطية في الميدان يأخذ بالقوة".

  محاولة السيطرة على الجنوب أولاً 
حينما برزت خلافات المؤتمر، أثناء الترشيحات الداخلية لأسماء من سيتم تزكيتهم من قبل الهيئات الناخبة. كان هناك جدل سري على مستوى عالي حول إمكانية تسليم المحافظات التي في الجنوب الى محافظين من أبناء المناطق نفسها. وكان هناك رأي خاص يعتبر أن مثل هذه الخطوة بداية حقيقية للانفصال، لاسيما وأن الكثير من أعضاء الحزب الحاكم في تلك المناطق ينتمون إليه بحكم المصلحة لا أكثر. وقد يحدث مع زخم الاحتقانات وتحركات الشارع أن يفرض على من سيصعدون لموقع المحافظ تغير قناعاتهم كما غير الزخم والحراك الشعبي هناك قناعات الكثير من أفراد الحزب الحاكم من القيادات الوسطية وأعلنت بعضها خروجها من المؤتمر كما أعلنت مجاميع من القواعد ذات الشيء وأحرقت بطائقها أثناء المظاهرات.

هذا التخوف قابله تخوف آخر فيما إذا لم تمنح تلك المحافظات محافظين من أبنائها. لا سيما وأن الغرض من هذا الانتخابات الشكلية إنما هو التخفيف من حدة الاحتقانات.

وبين الخيارين كان الحل الوسط أن يعين أمناء عموم المجالس المحلية من قبل الرئيس أو الوزير المختص. وربما كان تحديد الرئيس بشكل واضح - في تصريحاته - بعدم الاشتراط أن يكون المعين من أبناء المحافظة ذاتها، مقدمة واضحة لهذا الأمر.
وفي هذا السياق أعتبر الجعدي أن تغني السلطة بتلك التعديلات باسم الديمقراطية لا تمثل سوى حقيقة واحدة مطلقة هي :الهروب من أزمات تعيشها سياسيا واقتصاديا. وقال : أن ما تعتبره السلطة إنجازا اليوم، يكتشفها المواطن بعد حين بأنها أزمة جديدة.

  من تعديلات الى أخرى 
- ومن أزمة إلى أخرى يقود الحزب الحاكم الوطن باقتدار لا نظير له سوى ذلك الاقتدار الذي يؤخر فيه استحقاقات وطنية كبيرة، حتى يكون قادراً على فرض خيارات محددة تمكنه من مواصلة القيادة وإن الى "الهاوية".

ولعل من حق الجميع أن يتسائل – وأولنا أعضاء الحزب الحاكم العقلاء – ألم يدخلنا الحاكم في حفلة تعديلات قانونية قبل أيام بهدف إجراء هذه الإنتخابات الشكلية. والسؤال : لماذا يفضل أن يلهينا من تعديلات الى أخرى فيما أنه كان قادراً على إجرائها مرة واحدة بحكم أغلبيته النيابية.

لقد اكد الرئيس في خطابه السبت الماضي أننا قادمون على تعديلات قانونية تخص تعيين أمناء عموم للمجالس المحلية. وتحدث أيضا عن انتخابات لمدراء المديريات. وهو سيقوم بكل خطوة على حدة. تعديلات الأمناء أولا. وربما بعدها بفترة طويلة تعديلات انتخاب مدراء المديريات..!! والواضح أن ذلك لعب واضح بالشارع وهمومه وتطلعاته. وتلاعب بالقوى السياسية ومحاولة إخراجها من دائرة اهتماماتها الأولية بتلمس هموم المواطن.

-------------------
نشرت في مايو 2008