الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

ما الذي يمكن أن يحدث في المملكة وتخشاه أمريكا؟



صحة الملك وولي العهد في تدهور مستمر، والأمير نايف في غرفة الانتظار




المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
من على كرسيه الملكي الفاخر تحتم على العاهل السعودي الملك عبد الله (87 عاما) الظهور أمام عدسات التلفزيون في أول أيام عيد الأضحى المبارك (الثلاثاء 16 نوفمبر) لطمأنة شعبه أن قلبه مازال يعمل، وأن ما تردد حول تدهور صحته هو انزلاق غضروفي ليس إلا.
بعدها بيوم واحد (الأربعاء) أصدر الملك قراراً قضى بتعيين نجله الأمير متعب (57 عاماً) رئيسا لقوات الحرس الوطني، وهو المنصب الذي ظل الملك محتفظاً به لنفسه منذ 1962، لكن الأخبار تقول إن تعيين الأمير متعب تأتي بعد أن أعفي الأمير بدر بن عبدالعزيز (شقيق الملك) من منصبه كنائب لرئيس الحرس الوطني بناء على طلبه، كما قالت وكالة الأنباء السعودية.
ويعتبر الحرس الوطني هو مصدر قوة الملك عبد الله، لاسيما بعد أن حوله من قوات شرفية إلى قوة قوامها 260 ألفاً، وأصبح أكثر كفاءة من الجيش السعودي.
والجمعة، أعيد العاهل السعودي إلى مستشفى الملك فيصل بسبب "زيادة في آلام الظهر" حسب ما نقل عن الديوان الملكي، الذي أكد مغادرته المستشفى بعد ساعات من دخوله.
لكن العاهل السعودي – الذي وصفه صحفي أمريكي ذات يوم، عقب توليه الملك رسمياً، أن من يصافحه كأنه يصافح جذع شجرة – غادر الأثنين إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج. وقبل أن يغادر الملك أرض المملكة على كرسيه المتحرك، كانت أقدام ولي العهد الأمير سلطان تطأ أرض مطار الرياض الدولي، في وقت متأخر من مساء الأحد، قادما من إجازته المرضية الطويلة، حيث حظى باستقبال كبير ولافت من أفراد الأسرة المالكة.
ماذا تعني عودة ولي العهد؟
لقد ظل الامير سلطان (86 عاما)، ولي العهد والنائب الاول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، في قصره الفخم في المغرب منذ آخر عودة إليها في اغسطس الماضي. وكان قبلها أمضى أكثر من عام تقريباً خارج البلاد بعد أن أجريت له عمليتان جراحيتان، تأكد بعد ذلك أنه يعالج من مرض السرطان، وذلك عامي 2008 و2009 في الولايات المتحدة. كما خضع قبل ذلك لعملية جراحية لإزالة ورم في الأمعاء في السعودية عام 2005.
وتفيد المعلومات أن الأمير سلطان، الذي يتولى حقيبة الدفاع والطيران منذ عام 1962، جاءت عودته الأخيرة – الأحد الماضي – لإدارة شئون المملكة لفترة غياب الملك عبد الله في رحلته العلاجية في أمريكا، باعتباره ولياً للعهد. ذلك مع أنه نصح من قبل الأطباء – سابقاً- بترك العمل والنقاهة بسبب حالته الصحية المريعة.
لكن العاهل السعودي الملك عبد الله، كان أصدر أمراً ملكياً، في27 مارس 2009 قضى بتعيين شقيقه الأمير نايف بن عبد العزيز(77 عاماً) نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب منصبه كوزير للداخلية، الذي يحتفظ به منذ العام 1975.
وبحسب المحللين المتابعون للشأن السعودي، فإن خطوة الملك تلك تعني أن الأمير نايف قد اقترب خطوة كبيرة أخرى نحو وراثة الملك. وعزا البعض ذلك الأمر الملكي لتخوف الملك من الفراغ الذي يمكن حصوله في حالة حدوث أمر خطير للملك وولي عهده بسبب الحالة الصحية المتدنية لكليهما، وكذا بسبب العمر. غير أن بعض المعلومات تؤكد أن الأمير نايف معتل هو الأخر، لكنها لم توضح تفاصيل أخرى حول المرض الذي يعاني منه.
مستقبل الملك في المملكة
ويقول الباحث الأمريكي سايمون هندرسون – معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى – أن النقاش حول مستقبل القيادة في المملكة العربية السعودية، اشتد منذ مارس المنصرم، عندما تم تعيين وزير الداخلية الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء، وهو المنصب الذي ينظر إليه كـ "ولي العهد في الانتظار". ويضيف: وبسبب اعتلال صحة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، يؤكد التعيين الأخير بأن الأمير نايف هو الأوفر حظاً لتولي منصب ولي العهد المقبل أو ربما حتى الملك.
والأسبوع الماضي ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الملك عبد الله كلف الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس الوزراء بالإشراف على الحج، وهو الأمر الذي كان الملك يقوم به بنفسه كل موسم.
ويعتبر كل من الأميرين سلطان ونايف أخوين شقيقين – من فرع السديري – وهما يعتبران أخوين غير شقيقين للملك عبد الله.
وفي وقت سابق عقب توليه الملك في العام 2005، أنشأ الملك ما يسمى بـ"هيئة البيعة"، التي يعتقد البعض أنها "تهدف إلى نزع فتيل صراع الخلافة داخل عائلة آل سعود". ويرى هندرسون أن الملك حين أنشأ هذه الهيئة وضع في اعتباره أن تكون أداة لعرقلة تقدم ما يسمى بالأمراء السديريين - أكبر وأقوى مجموعة فرعية من أبناء ابن سعود، التي تضم الأمراء سلطان ونايف.
حيث أفاد هندرسون نفسه أن السديريين لا يمثلون سوى خمس هيئة البيعة. لكن هذه النظرية قد لا تكون مفيدة إذا ما ذهبنا إلى تفسير قرار الملك بتعين نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء على أنه قرار تقريب له لولاية العهد. فالأمير نايف هو أحد السديريين السبعة في عائلة الملك الراحل عبد العزيز بن سعود. إذن ربما أن الأمر هنا قد يكون متعلقاً أكثر بالحذر من الوقوع في مشكلة الفراغ الملكي المحتمل. 
سيناريوهات محتملة
"إن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنه قد لا يطول عمر الأمير سلطان البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً، أكثر من عمر الملك عبد الله، مما سيضع ضغطاً هائلاً على الملك لتعيين الأمير نايف ولياً للعهد. ولكن هذه الشراكة الجديدة قد لا تستمر طويلاً، لأنه يقال بأن الأمير نايف نفسه معتل الصحة". كما يعتقد هندرسون في ملخص دراسة نشرت منتصف 2009 تحت عنوان "بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية".
ويضيف: "وإذا توفي الملك عبدالله قبل الأمير سلطان، ربما يطالب ولي العهد بالعرش، على الرغم من اعتلال صحته، ويعين الأمير نايف الرجل الثاني في البلاد. ولكن يتعين على "هيئة البيعة" المشكلة حديثاً وغير المختبرة من قبل، الموافقة على لياقة الأمير سلطان واختياره للأمير نايف ولياً للعهد على حد سواء".
لكنه، ومع أنه يعتقد إن الهيئة ربما تتجنب أي مواجهة وتذعن بهدوء، إلا أنه عاد ليقدم هذه الرؤية: إذا حدث [سيناريو معين] بحيث لا يستطيع الملك عبد الله والأمير سلطان على حد سواء أداء الواجبات الرسمية، فإن "هيئة البيعة"، بعد تعيين مجلس مخصص لحكم البلاد لمدة سبعة أيام، سوف تختار مرشحاً مناسباً ليصبح ملكاً. وفي هذا السيناريو، من المحتمل أن يطالب الأمير نايف بالعرش. وتثير قيادته للعديد من قوى الأمن الداخلي، الاحتمال بأنه اذا كانت هناك معارضة ملكية واسعة لمطالبته، يمكنه أن يقوم وبصورة فعالة بانقلاب [لتولي السلطة].
الواضح جداً أن السعودية تمر بفترة انتقالية حرجة، قد يتمكن أهم رجالها المؤثرين بتجاوزها إذا استمروا بالعمل على قاعدة أبيهم الملك عبد العزيز، الذي وضعها في أبنائه بحسب الأول فالأول، ولكن من دون الأبناء الذين هم لأم أجنبية (يقال أن ابن سعود – مؤسس المملكة قد صرح بأنه ينبغي أن لا يكون ملك المستقبل قد ولد [لأم] أجنبية.. والمعلوم أن من بين اثنين وعشرين من زوجاته، كان نصفهن فقط تقريباً من أصل عربي- هندرسون). وهناك مايزال عشرون من أبناء ابن سعود على قيد الحياة إلا أن أهم عائلتين قويتين و مؤثرتين منهما هما عائلتا: الأمير سلطان، والأمير نايف.
لكن الحقيقة القائمة اليوم أن ولي العهد المفترض - الأمير سلطان – يبدو واضحاً أنه غير قادر (عملياً) على قيادة زمام أكبر دولة مزودة للطاقة في العالم، وأهم دولة مؤثرة في الشرق الأوسط. وفيما يبدو أن الفرصة تكون أكثر مواتاة لشقيقة الأصغر - بتسع سنوات تقريباً - الأمير نايف. وهو ربما ما يسعى الملك ويخطط للوصول إليه – أو ما يبدو على الواجهة - حفاظاً على الاستقرار، ولكن ربما، لتحقيق مثل هذا، قد يتطلب الأمر صفقة من نوع ما قد تؤول فيها وزارة الدفاع لنجل سلطان الشاب القوي الأمير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية (يعتقد البعض أن قوة خالد بدأ التشكيك فيها في الحرب الأخيرة مع الحوثي، وربما كانت الحرب مفتعلة لبلوغ مثل هذه النتيجة) لكن إذا ما حدث مثل هذا الأمر فإن الصفقة قد تتطلب توابع أخرى تتعلق بتحديد ولي العهد القادم.
مستقبل يهم أمريكا أكثر
إلا أن النظر لمستقبل هذه البلاد يبدو ذا أهمية أكبر بالنسبة للدولة العظمى في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية بإعتبارها من أكبر الدول المستهلكة للنفط الخليجي في العالم، إلى جانب حاجتها الملحة لملك سعودي منفتح، يواصل شراكته معها ويعمل على تحقيق الأهداف السياسية المشتركة في المنطقة كـ:السلام في الشرق الأوسط، وملف إيران، وملفات الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان وباكستان، وأخرى لا تقل أهمية بالنسبة لأمن الدولة اليهودية، الحليفة الكبرى لأمريكا في الشرق الأوسط. حيث تمتلك المملكة تأثيراً مباشراً على لبنان وقليلاً في سوريا. ذلك إلى جانب الشراكة في ملف محاربة الإرهاب، ولا يقل أهمية ملف مواصلة الإصلاحات التعليمية والفكرية في المملكة لتجفيف منابع التشدد والتطرف، والتي كان الملك عبد الله بدأها ولاقت خطواته ترحيباً ودعم أمريكي.
وهنا سيبدو شخص مثل الأمير نايف – أو الملك نايف ربما في المستقبل القريب – رجلاً صعب المراس بالنسبة للأمريكان كما يعتقد محللوها وسياسيوها. حيث يعتقد هندرسون أن العلاقات الأمريكية السعودية ستواجه عقبات خطيرة في ظل حكم الأمير نايف؛ "فهو رجل من الصعب العمل معه ويُسمع عنه بأنه قريب من رجال الدين المحافظين. كما أنه تحدث ضد الانتخابات الديمقراطية، لأنه ينظر إلى تعيين مسؤولين بصورة مباشرة خياراً مضموناً. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يقوم الأمير نايف بإلغاء بعض إجراءات الإصلاح التي اتخذها الملك عبد الله، ومن الواضح بالفعل بأنه منذ التعيين الأخير للأمير نايف، فقد برنامج الإصلاح الذي اتبعه الملك عبد الله زخمه".
لكن النظرة الأمريكية للأمير نايف قد تختلف من شخص إلى آخر، فالرجل وصف من قبل سفير واشنطن السابق في السعودية روبرت جوردن، بأنه "قادر على تحمل المسؤولية عن أمن البلاد".
وجوردن الذي عين سفيراً هناك بعد فترة وجيزة من وقوع الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر، جاء بشهادته تلك بعد حديثه عن الأعمال التي نجح فيها الأمير نايف، لاسيما في محاربة المتطرفين. وجاء في شهادته: وفي المقابل، قام المسؤولون السعوديون بقيادة الأمير نايف بإزالة عدد من الخلايا الارهابية في السنوات القليلة الماضية، وهي الخلايا التي لم تعترف المملكة حتى بوجودها في عام 2001. وقد أثبتت هذه الانجازات بأن الأمير نايف قادر على تحمل المسؤولية عن أمن البلاد".
خلاصة الفهم الأمريكي لمصالحها
تنظر الولايات المتحدة الأمريكية – منذ وقت ليس بقصير – إلى التغييرات المؤكد حدوثها – على المدى القصير - في زعامات دول عربية معينة، بنظرة قلق متزايدة، ذلك لكونها تتفهم جيداً مدى الارتباط المباشر بين تلك الزعامات – في الوقت الحاضر – أو من سيخلفونهم في المستقبل القريب وبين استمرار تطور مصالحها، أو احتمالية تدهورها وفتورها وفقاً لشخصية الرئيس أو الملك القادم.
إن الأمر – في نهاية المطاف - سيتعلق بمدى قابلية الوارث الجديد وإستجابته لمواصلة توجهات وسياسات سلفه في المحافظة على مصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى.
وفي الحقيقة – ومنذ سنوات خلت – بدأ المحللون السياسيون الإمريكيون المتخصصون بشئون الشرق الأوسط (العربي)، يتشاركون مع إدارتهم هذا القلق المبرر. بل إن ذلك يتم بصوت مرتفع وحاد – ربما بدى أحياناً أنه أكثر من اللازم - دون أن يساورهم قلق من انكشاف ما يسوقونه من تحليلات – لا تخلو من تلميحات وتوجيهات لما يجب أن تكون عليها الأوضاع في المستقبل، أو احتمالات، غالباً ما تنتهي بنصائح يغلب – بل يسيطر عليها – الطابع البرجماتي البحت الذي تمتاز به أمريكا في تسيير شئون سياساتها الخارجية بشكل واضح دون الحاجة – غالباً - إلى تقية أو تستر.
وتبرز تلك المخاوف أكثر حول التغيير المتوقع حدوثه – على المدى القصير - في كل من المملكة العربية السعودية ودولة مصر. فكلا الحليفين يمران بظروف صحية صعبة، عوضاً عن كونهما في سن تقترب بهما من نهاية وشيكة الحدوث. بل يعتقد أنهما يمران في الوقت الحالي من حالة لا تمكنهما من مواصلة القدرة على تسيير شئون البلاد.
ولأن الرئيس المصري - إن تركنا الحديث عن أمر رحيله جانباً – ربما ما زال أمام تغييره أشهراً قليلة حتى الإنتخابات الرئاسية القادمة في العام القادم، إلا أن حالة الملك السعودي الصحية الأخيرة تجعل من الحديث عن مستقبل القيادة في المملكة هو الأمر الباعث على القلق في الوقت الحالي. أضف إلى ذلك: أهمية المملكة لدى الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى.
في الحقيقة ترتكز مصالح الإدارة الأمريكية وصناع السياسة فيها، على مفهوم برجماتي حين تنظر إلى مستقبل القيادة في المملكة وما يمكن أن يحدث فيها. فهي - إن عجزت عن مسك زمام توجيه الأوضاع، كثيراً ما تلجأ إلى فكرة ترتكز على سياسة إمكانية إحداث ترويض مستقبلي.
وهنا قد يغدو التخوف من وراثة ملك مثل نايف – يوصف عندهم بإنه أقرب في فكره إلى الطبقة الدينية المتشددة في المملكة – أمراً ثانوياً أمام قدرة الدولة العظمى الأقوى في العالم على التشكيل والصناعة وفقاً لمصالحها.
ومما أكده السفير جوردن في هذا الجانب قوله "على الرغم من المخاوف الأمريكية حول الخلافة السعودية، من المرجح أن يحافظ العاهل السعودي المقبل - كائناً من كان - على مواقف البلاد الحالية حول العديد من القضايا."
لمثل هذه الأفكار ما يؤيدها على أرض الفعل. حيث يستشهد السفير بحالة الملك عبد الله، يقول "على الرغم من التصريحات العلنية في الماضي. وقبل أن يصبح ملكاً، كان يُعتقد بأن عبد الله عارض تماماً الغزو الأمريكي للعراق ولكن ثبت بأن ذلك لم يكن صحيحاً. فقد قدمت الرياض دعماً أساسياً للولايات المتحدة خلال الحرب، وأثبتت بأن "الضرورة تؤدي إلى بعض التوافقات من وقت لآخر".
وهنا، يعتقد بعض المحللين الأمريكين، أن التحدي الإيراني سيقف أمام أي وارث جديد للعرش السعودي، كعامل من ذلك النوع الذي يؤدي إلى التوافق.
وأخيراً: إن كل ما تقدم من تحليل وسيناريوهات، قد تشكل حقائق أمام المهتمين بالمشهد السعودي، وما يمكن أن يكون عليه القادم. ولكن دعونا نختتم بهذه المقولة التحذيرية التي أوردها الباحث "هندرسون" في مقدمة دراسته سابقة الذكر: "هناك مثل قديم مفاده أن الذين يعرفون في الواقع ماذا يجري في العائلة المالكة السعودية لا يتحدثون عن ذلك - وأن الذين يتحدثون عن ذلك لا يعرفون ماذا يجري [في المملكة]".
وبحسب الرجل فـ: غالباً ما يُستخدم هذا المثل من قبل أولئك المقربين من آل سعود كوسيلة مريحة لتقويض التقارير الانتقادية حول المملكة العربية السعودية. بيد أن هذا المثل يشكل أيضاً تذكرة هامة بأن معرفتنا بالسياسات الغامضة للمملكة لن ترقى يوماً إلى المستوى المطلوب.
------------------
نشرت في صحيفة المصدر بتاريخ 23 نوفمبر 2010
الرابط على الموقع الألكتروني:
http://www.almasdaronline.com/index.php?page=news&article-section=10&news_id=13466


الأحد، 21 نوفمبر 2010

قراءة في تفاصيل التسجيل الوثائقي الجديد للقاعدة في اليمن



هل نجحت محاولة تبرير المعركة الداخلية ضد قوات الأمن، أم عززت شهية القتل والدمار؟!  

المصدر أونلاين- خاص -عبدالحكيم هلال
 دنت سيارة الشبح، ذات اللون الصحرواي، وعليها أربعة مسلحين من تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، من نقطة عسكرية نائية تتبع مديرية "جعار" – أبين، ولما لم يعد أمامها سوى أمتار قليلة، بدأ صوت أحدهم يلهج بالدعاء: "اللهم سدد الرمي يا رب العالمين..". وفجأة.. بعد لحظات، أنهمر سيل من الرصاص الكثيف على جنود النقطة الأمنية، وسط أصوات التكبير المرتفعة تدريجياً من حناجر المسلحين الذين قفزوا من ظهر سيارتهم إلى الأرض مواصلين إفراغ عبوات آلياتهم على صدور ورؤوس الجنود الذين تم مباغتتهم، لتسقط جثثهم على الأرض مضرجة بالدماء.
لم ينته المشهد، فلقد اختلطت التكبيرات مع هدير القذائف وصوت الرصاص، بينما كانت كاميرا التصوير تهتز وهي تحاول التركيز على أحد "مقاتلي القاعدة" وهو يصوب قاذفة الـ "آر بي جي" من على كتفه، بإتجاه الطقم العسكري القابع جوار النقطة، لتندلع منه النيران في كل اتجاه، ومباشرة توجهت قذيفة أخرى لتسكن مبنى إدارة النقطة المجاور، فشبت فيه النيران هو الآخر.
وحينما بدا وكأن كل شيء قد انتهى، وجاء أمر المغادرة، شوهد مسلح آخر، لم يشبع غريزته بعد، وهو يتوجه إلى أحد الجنود الملقين على الأرض كانت ندت منه حركة صغيرة وهو ينازع سكرات الموت الأخيرة، ليجهز عليه بما تبقى من ذخيرته. لحقه آخر وباشر معه بإطلاق سيل من الرصاص التأكيدية على جثث الجنود القتلى. أرتفع صوت أحدهم "لقد أنذرناكم مراراً وتكرارا، وقلنا لكم أبتعدوا..."، بعدها التقط المسلحون أسلحة الجنود وعادوا أدراجهم..
 أقفلت السيارة عائدة بالغنائم، مخلفة جثث الجنود ومبنى وطقم ما زالت النيران تأتي على ما تبقى منها. وعلى ظهر السيارة التقطت الكاميرا مشهداً "لمقاتلي القاعدة" وهم يضمدون جراح بسيطة على يد أحدهم. حينها ظهر صوت المعلق في تسجيل مرئي، وهو يقول "ويمضي الأبطال ليعيدوا الحقوق إلى أهلها، ويرفعوا الظلم عن المظلومين، ويحكموا الشريعة، وينشروا العدل ويبسطوا الشورى ويصونوا الحرمات، ويحرروا المقدسات محطمين كل القيود..". ثم يظهر أسامة بن لادن في خطابه التبشيري لمدد اليمن: " ونبشركم أن مدد الإسلام قادم، وأن مدد اليمن سيتواصل بإذن الله الواحد الأحد".
 أمس الجمعة، بث تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، فيلماً وثائقياً مدته 31 دقيقة و22 ثانية، تضمن توضيحات وإيحاءات لما يريده التنظيم في اليمن، والعالم. وفي الفيلم قدم التنظيم مجموعة موجهة بعناية من اقتباسات وتصريحات لمسئولين، وحقوقيين، ومواطنين، هدف من خلالها في الوصول إلى تبرير ما قام ويقوم به من عمليات ضد ضباط وجنود ومنشآت أمنية كان نفذها في اليمن، وقام الفيلم بسردها خلال الفترة من 9 رمضان الماضي، وحتى منتصف شوال. وقد تضمن توثيقاً ميدانياً لبعض تلك العمليات وبينها عملية الاقتحام السابقة للنقطة العسكرية في جعار..
 لماذا هذا الفيلم؟
ليست المرة الأولى التي يقوم فيها تنظيم القاعدة بتوثيق عملياته في أشرطة مرئية مسجلة من أرض المعركة مباشرة، ومن ثم نشرها على مواقع الإنترنت. إذ أن التنظيم - قديماً في أفغانستان، وحديثاً في العراق – قد دأب على مثل هذا الأمر. وحتى في اليمن وثقت القاعدة بعض عملياتها في مأرب، وغيرها، وبثتها على الإنترنت. غير أن هذا التسجيل ربما يكون هو الأول من نوعه على هذا النحو المتضمن مونتاجاً إعلامياً حديثاً رتبت فيه العناصر بشكل فلم وثائقي شمل: مقدمة عاطفية مؤدلجة، وجسماً مفصلاً للأحداث يمهد فيه لما يريد أن يصل إليه من أهداف، ورسائل، إلى جانب خاتمة مبرمجة تعزز الفكرة الرئيسية للتسجيل.
 وبشكل أكثر إيجازاً، يمكننا بسهولة بلوغ رسالة التنظيم الرئيسية من هذا العمل على أنها: محاولة تبريرية لاستهدافهم الجنود وضباط الأمن اليمنيين. بما يوحي أنها محاولة لحسم جدلاً ربما ما زال يدور حول شرعية مثل هذا الفعل. يأتي ذلك مع أن تنظيرات أصوليي التنظيم حسمت هذا الأمر في أوقات سابقة، حينما اعتبرتهم عملاء أو يدافعون عن العملاء – من رؤوسا الأنظمة العربية والإسلامية – الذين يتعاملون مع الصليبيين والنصارى قاتلي المسلمين في كل بقاع الأرض. وخلصت فتاويهم إلى أن الواجب الشرعي يأتي بقتلهم بداية وإعتبار أن الجهاد الأكبر بقتل هؤلاء الذين يسمونهم بـ"الطواغيت".
 بل ربما كان الأمر – من زاوية أخرى – عبارة عن محاولة تبريرية أمام المجتمع المتدين، اليمني خصوصاً - والعالمي عموماً، والذي تتوخى القاعدة جعله محايداً في المعركة، إن لم يكن مناصراً أو مؤيداً لما تقوم به. وتتعز مثل هذه المحاولة في التسجيل الجديد عند وصم السلطة اليمنية بأنها ظالمة وقاتلة للأبرياء، ومنتهكة للحقوق وفاسدة، بل وخارجة عن تطبيق الشريعة الإسلامية، ناهيك عن كونها عميلة للغرب الكافر..الخ. فكل ذلك ونحوه، يمكن أن يأتي في سياق المحاولة لتبرير: أن المعركة يجب أن تبدأ داخلية. وعليه فإن من يدافع عن تلك السلطة، من ضباط وجنود، يضعون أنفسهم في طائلة الاستهداف والقتل. على أن الثمرة الأخرى من هذا هي أن: إزالة هؤلاء سيتيح تنمية التنظيم بشرياً وجغرافياً، ليتسنى له الانطلاق إلى تحرير فلسطين. كما يقولون في أدبياتهم، ويتجسد مثل ذلك، في أمكان وأجزاء عدة في التسجيل. بل يمكن القول أن محور الشريط الوثائقي يدور حول هذه المحاولة برمتها. وهذا ما سنحاول هنا توضيحه.
 محتوى الفلم الوثائقي:
الخلاصة التمهيدية الأولى: عدوان لا بد من ردعه
أفتتح التسجيل بقراءة آيات تحث على الدفاع عن المستضعفين، وتحرض على الجهاد والقتال في سبيل الله. بعدها يعرض مجموعة من مقاطع مسجلة مقتبسة من برامج وتقارير إخبارية مختلفة لقنوات فضائية محلية ودولية، اختير منها – على نحو ربما يكون منسجما إلى حد ما – مع ما يؤكد القول أن السلطة القائمة تمارس الظلم والاعتقالات والانتهاكات ضد الشعب المسلم. يعزز ذلك اقتباسات من تصريحات لأعضاء مجلس نواب خلال جلسة برلمانية ركزت على الانتهاكات التي تمارسها السلطة ضد المواطنين، ومداهمات واعتقالات تقوم بها خارج أطر القانون. وأخرى لمواطنين يتحدثون عن مداهمات قوات الأمن لقراهم ومناطقهم واستخدامها القوة القاتلة والمفرطة بالقتل دون هوادة.
 وعطفاً على ماسبق، يدخل المونتاج، صوت المعلق الخارجي وهو يقدم الخلاصة التمهيدية الأولى للرسالة المطلوبة، قائلاً: "حقوق مسلوبة..قهر وظلم..فساد واستبداد..كل ذلك عندما يطغى العدوان على الحق، ولابد للحق من قوة تحميه وتردع هذا العدوان". ليظهر عنوان التسجيل مكتوباً "ردع العدوان"..محدداً فيه الزمن: ذي القعدة 1431 هـ
 الخلاصة التمهيدية الثانية: دور مشبوه للجيش يجب مواجهته
يلي ذلك مباشرة، مقاطع مقتبسة لصور استعراض آليات عسكرية وجنود رسميين يمنيين.. يترافق معها شرحاً توضيحياً للمعلق، يقرر فيه "أن هذه الترسانة العسكرية تدعم وتصرف عليها الأموال الطائلة وتدعم وتدرب من قبل الصليبيين الذين مازالوا يقتلون المسلمين ويحتلون أراضيهم وينهبون ثرواتهم". يتم تعزز ذلك مباشرة بإقتباس تصريحات مسجلة للسفير الأمريكي الجديد "جيرالد فايرستين" وهو يتحدث عن تركيز إدارته على دعم القوات اليمنية لمواجهة تهديد القاعدة في جزيرة العرب. وانسجاما مع ذلك تظهر مباشرة صورة للعميد يحيى محمد عبد الله صالح – أركان حرب الأمن المركزي – ببزته العسكرية ومرافقيه وهو يشير بيده اليسرى إلى مجموعة من الآليات العسكرية في أحد هناجر معسكر ما، قائلاً "هذا كله من عند الأمريكان.." ثم وهو يشير إلى سيارات الهامر الأمريكية الحديثة يواصل القول: " وهذا الهامر من الأمريكان".
 بعدها يظهر تسجيلاً للشيخ أنور العولقي، ليعزز ذلك كله، بالحديث عن آلية تعامل الإدارة الأمريكية مع السلطات اليمنية حول رغبة الأولى في تصفية من تريدهم في اليمن، بدون حاجتها لتقديم الأدلة، مستشهداً بما حدث مؤخراً من قتل عبد الله المحضار في الحوطة بمحافظة شبوة. يأتي ذلك مع عرض لصور المنزل المهدم للمحضار مع صورة جانبية صغيرة له. ثم يظهر تسجيلا مقتبسا من تقرير قناة فضائية لمواطن من المنطقة يتحدث عن 200 طقم عسكري حضروا لمحاصرة المنزل وقتل عبد الله المحضار.
 يعقب ذلك، تصريحات لوزير يمني سابق، اقتبست من مقابلة مع قناة فضائية يمنية خاصة، وهو يستنكر فيها قتل المواطنين خارج القانون بدون محاكمة، متسائلاً: كيف يمكن السماح للآخرين باستخدام طائراتهم لقتل المواطنين اليمنيين؟، ومحذراً من انعكاس مثل ذلك على زيادة نمو القاعدة وكسبها المزيد من الأنصار، وتحولها لتصبح جزء من نسيج اجتماعي كما حصل في أفغانستان.
 تعقبها مقاطع لصور أخرى لما جرى في حوطة شبوة من تدمير واستهداف للمواطنين الآمنين وفقاً لما يرد في التعليق التوضيحي للمعلق الخارجي، وتصريح أحد المواطنين في المنطقة. وعلى النسق ذاته يستغل تنظيم القاعدة تصريحات لمسئول سياسي في المعارضة اقتبست من مؤتمر صحفي أثناء حديثه عن تحول دور الجيش لحماية النظام وقياداته، وإقحامه في القتالات والنزاعات المختلفة التي تدور في البلاد، إلى جانب استخدامه في قمع الشعب.
 ويختتم المعلق هذا الجزء ببلوغه الخلاصة التمهيدية الثانية التي تمهد للرسالة التي أرادها التسجيل، بقوله "ولقد بدا واضحاً أكثر من أي وقت مضى الدور المشبوه الذي تقوم به هذه القوات حتى أصبحت كمثال آخر للجيش الباكستاني العميل الذي يقاتل شعبه في باكستان". وللتعزيز يورد مقاطع مسجلة لتصريحات مشايخ من مأرب حول ما جرى هناك من قبل قوات الأمن. ويتم تعزيز نتيجة هذه الخلاصة بجزء من خطاب للشيخ أيمن الظواهري – المسئول الثاني لتنظيم القاعدة الدولي – وهو يخاطب عاطفة قبائل اليمن "العزيزة الشريفة" ويحثهم على عدم قبول أن تصبح بلادهم مركز إمداد للحملة الصليبية على بلاد المسلمين..
وإذا ما افترضنا أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يعمل بمفرده دون دعم لوجيستي من أي جهة أو طرف سواء داخلي أم خارجي، فإننا هنا علينا أن نجزم أن لدى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحدة رصد وتوثيق متكاملة، ترصد وتوثق كل ما يدور في القنوات الفضائية حول اليمن من تصريحات ومؤتمرات صحفية لمسئولين ومعارضين ومتذمرين. كما أن لديها كاميرات ووحدة إنتاج حديثة متكاملة وفنيين وخبراء يعملون عليها. وهو أمر ربما من المسلمات القول به، إلا أن السؤال هنا يبقى: حول قدراتهم في الوصول إلى بعض تلك التسجيلات التي عرضت في الفلم بينما أنها لم تنشر على الملا بواسطة الإعلام..!
 الخلاصة التمهيدية الثالثة: طغيان أدى إلى مواجهة وانتقام
إن ما سبق تقديمه خلال مدة اقتربت من نصف مدة الشريط، لم يكن أكثر من مقدمات وأجزاء تمهيدية مهمة لما أراد التنظيم أن يقوله ويؤكده. وما بعد ذلك يفترض أنه سيكون مبرراً لما حدث لاحقاً من انتفاضة للقاعدة في المناطق الجنوبية من البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية..
 لهذا الجزء، يمهد التسجيل، لما أقدم عليه من تكثيف للاغتيالات وعمليات الاقتحام والقتل الأخرى التي طالت ضباطاً وجنوداً يمنيين مسلمين، بذكر ما يعتقد أنه السبب الأعظم. ذلك أنه أعتبر أن النقطة التحولية الفاصلة جاءت بعد أن أقدمت قوات الأمن في التاسع من رمضان الماضي بحملة عسكرية إلى مدينة لودر – محافظة أبين، ضد معاقل التنظيم. غير أن المعلق يصف تلك الحملة أنها نفذت ضد المواطنين في المنطقة.
 من هذه النقطة الفاصلة، سيمكننا ملاحظة أن التنظيم استغنى كلياً عن الاقتباسات الأخرى، مكتفياً بما تلتقطه وتوثقه عدسات كاميراته. حيث يتضح من التسجيل أنه قام بجولة صحفية حول المنطقة (لودر)، ربما لم يستطع أحد من الصحفيين القيام بها هناك، وقام بتصوير وتوثيق الدمار الذي لحق بالمنطقة، مع أخذ تصريحات من المواطنين حول خلفية ما حدث. ليس هذا فقط، بل إنه قام بأخذ تصريحات من قياديين في التنظيم يشرحون الدرس الذي لقنوه لقوات الأمن ويهددون بالمزيد. وهو يقوم بكل ذلك، كان يعمل على تمويه وإخفاء وجوه كل من أدلى بتصريح أو توجهت عدسة الكاميرا نحوه، سواء أولئك الذين كانوا يتحدثون باسم أنهم مواطنين أم أولئك الذين تحدثوا باسم تنظيم القاعدة.
 على أن هذا قد يؤكد أمراً ما يتركز حول حقيقة أن تنظيم القاعدة يسيطر فعلياً على تلك المنطقة، الأمر الذي يتضح من حرية تحركاتهم هناك دون أي خوف من مضايقات، حيث أظهرت الكاميرا مجموعة ملثمين حاملين أسلحتهم بين قاعد ووافق، يكبرون ويتحدثون عن تكبيدهم الجيش خسائر فادحة بالأرواح والعتاد. والأهم هنا أن بعض من وقف منهم متحدثا أمام الكاميرا لم يكونوا ملثمين غير أن المونتاج عمل على إخفاء وجوههم. والمعنى هنا أنهم لم يكونوا حريصين على إخفاء هويتهم أمام عدسة كاميرا (صديقة). أضف إلى ذلك، أن مضمون تلك الأحاديث التي أدلى بها بعض من يفترض أنهم مواطنون عاديون هناك (تحت أسم شهود عيان)، أشاروا فيها للبطولات التي واجه بها أعضاء تنظيم القاعدة لتلك الحملة الأمنية، مكللة بدعوات النصر لهم من رب العالمين..!
ظلت الكاميرا تجول كثيراً هناك، حتى أنها سجلت جلسة زامل خاصة لمسلحي القاعدة بينما كانوا يجلسون مع أسلحتهم على الأرض على شكل حلقة وهم يرددون الزامل خلف منشدهم. "وراحوا يحدون، ويتذاكرون النصر الذي حباهم الله" بحسب ما جاء على لسان المعلق الخارجي. لقد كانت لهجة بعض المتحدثين تشي بأنهم من خارج المنطقة. ربما هي أقرب إلى لهجة معروفة يتسم بها أعضاء تنظيم القاعدة القادمين من خارج اليمن.
 إن الخلاصة التي قالها المعلق هنا، بلغت الهدف والرسالة المهمة التي أراد التنظيم قولها بعد ذلك كله: "فلم يسكت المجاهدون على هذا الظلم، ولم يقعدوا مكتوفي الأيدي، ودافعوا عن أعراض الناس وبيوتهم، وقاموا بما أوجبه الله عليهم من دفع الصائل المعتدي على الدين والحرمات..". وهنا جاءت الصورة لتعزز ما قاموا به بعرض أطقم عسكرية ومصفحات محترقة، وجثث مكومة لجنود متفحمين ومجندلين على الأرض بملابسهم العسكرية..
 ومن هنا فصاعداً، سينتقل الفلم الوثائقي إلى نقطة فاصلة، ليكتفي بتقديم شروحاً وعروضاً لبطولات المجاهدين، رداً على ما أفترض أن يكون عدواناً – بحسب وصفهم – على المواطنين الأبرياء وحرماتهم. ويمكننا في السياق ملاحظة ذلك من خلال محاولة تكريس فكرة أن ما حدث وسيحدث لاحقاً بعد 9 رمضان، ما هو إلا رداً على ما قامت به السلطة، وردعاً لعدوانها. 
ولقد بدأ معلق الفلم، يتحدث عن ذلك، قائلاً: "وأنتفض جند اليمن في جميع الولايات منقضين على أوكار العدو العميل..". أما الحصيلة التي جاءت بعد ذلك، فتم تقديمها بالتفصيل منذ تلك النقطة الفاصلة (من التاسع من رمضان) وحتى 16 شوال. وهي على النحو التالي:-
-     في صعدة: أسر نائب مدير الأمن السياسي علي محمد صلاح الحسام.
-     في مأرب: اغتيال نائب مدير البحث محمد فارع، وهجوم بقذائف الـ (أر بي جي) والأسلحة الخفيفة على مقر القيادة العسكرية داخل المجمع الحكومي، وهجوم على نقطة عسكرية للجيش.
-     في شبوة: تدمير طقم للأمن المركزي في مدينة "عتق "، وتفجير أنبوب الغاز التابع لشركة توتال الممتد إلى ميناء بلحاف.
-     في لحج: استهداف مبنى الأمن السياسي في الحوطة ومقتل 8 من الضباط والجنود، اغتيال القائم بأعمال نائب مدير الأمن السياسي ومدير التحقيقات العقيد علي عبد الكريم البان، وتفجير في مبنى الأمن العام في مدينة الحوطة بعبوتين ناسفتين.
-     في أبين: تفجير عبوة ناسفة على عربة عسكرية للأمن المركزي، الهجوم على عربة عسكرية وقتل من فيها وغنيمة أسلحتهم، وكمين على عربة عسكرية وقتل جندي وإصابة آخر. وفي مدينة جعار: اقتحام نقطة عسكرية وإحراقها كاملة وغنيمة الأسلحة.
-     في صنعاء: كمين على حافلة للأمن السياسي وقتل 14 ضابط فيها من الأمن السياسي شعبة مكافحة الإرهاب وإصابة آخرين.
  استعراض للقوة:
بعد كل تلك المقدمات والتمهيدات التبريرية التي قدمها التسجيل، ربما أنه بات مطمئناً لعرض عملياته القتالية وبطولاته لقتل الجنود والضباط، دون أن يخالجه شكا أو شعورا بأن أحداً يمكنه أن يحمل في نفسه السوية عتاباً أو لوماً أو ربما إستنكاراً، لشهيته المفتوحة على إزهاق الأرواح ورؤية الدماء وجثث الجنود المتفحمة، واستعراضاته المختلفة في ذلك كله باعتبارها بطولات لا ثلمات يمكن أن تأخذ على انحراف مسار الجهاد وتشويه أهدافه ومبادئه الإسلامية السامية والسمحة.
 ففي التسجيل يظهر مجموعة مسلحين ملثمين وهم يجلسون حول قائدهم الذي يلقي عليهم توجيهات ويحرضهم على قتال "هؤلاء الطواغيت لأخذ الثأر لإخوانهم وأخواتهم الذين أهينوا من هؤلاء المرتدين". ويقرر دون هوادة: أن أفضل جهاد اليوم هو "جهاد هؤلاء الطواغيت".
 تتواصل الصورة، وقائدهم ممسكاً بعصا صغيرة يخط بها على الأرض شارحاً المخطط القادم لاستهداف جنود في إحدى النقاط العسكرية في جعار. يتواصل التوثيق الميداني، عارضاً تفاصيل العملية من خلف تلة صغيرة وأشجار، حينما بداءو بالتنفيذ. سيل من الرصاص باتجاه النقطة التي لم يظهرها التوثيق واكتفى بإظهار أربعة مسلحين يتناوبون على إطلاق الرصاص الغزير على الهدف لفترة طويلة. تلاها مباشرة عرض توثيقي لعملية استهداف أخرى لطقم عسكري بعبوتين ناسفتين، بجعار. بعد إنفجارين متعاقبين شوهد الدخان وهو يتصاعد في الهواء. ثم ينتقل الفلم ليستعرض تلك العملية الكبيرة التي أوردناها في المقدمة (الاقتحام الذي نفذ على نقطة عسكرية في جعار وإحراقها كاملة بالياتها وقتل جنودها وغنم أسلحتهم..)
 الخاتمة: فلسطين.. نحن قادمون..
الشريط لم ينته بعد، إذ لا بد له من نهاية عاطفية مؤثرة. كان صوت "أبو هاجر عبد العزيز المقرن" يرتفع حاداً من خطبة تحريضية على القتال والبطولة. ولقد ظلت الكاميرا تواصل توثيق عودة الحملة إلى مكامنها في الجبال البعيدة، وفي الفضاء كانت تتناوب خلفية مكثفة من الزوامل تحث على النهوض والجهاد والصحوة بينما كانت الكاميرا مصوبة على سيارات الشبح والحبة - بدون أرقام - وهي تمخر طريقها بين الوديان الوعرة المحاطة بالجبال القاسية، وعليها مجموعة من المسلحين يحملون راية سوداء كتب عليها بخط أبيض كبير:"لا إله إلا الله" وفي الدائرة البيضاء في منتصفها كتب بداخلها: "محمد رسول الله". كان الركب يمضي وهم يرددون كلمات الزامل: "اصحى يا مسلم لا تغفل، فلدينا بشرى نبوية..أن فلسطين ستتحرر..والبشرى بشرى يمنية..سنهب اسودا وسنثأر.. ثورة من أبين عدنية..".
 وفي منطقة وعرة كان في استقبالهم مجموعة من المسلحين بعضهم كان يلبس الفانلة العسكرية المموهة، حيث يختتم المشهد بإبراز حديث الرسول "يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم) مكتوب باللغتين العربية والإنجليزية.
 وقبل أن يتوقف الفلم عن الحركة معلناً نهايته تبرز هذه العبارة: قادمون يا أقصى، مع ترجمة لها بالإنجليزية: Aqsa, We are Coming
انتهى الفلم. لكن علامات الاستفهام حلت مكانه: هل فعلاً، نجحت القاعدة في توصيل رسائلها بالشكل المطلوب؟ أم أنها عززت فكرة شهيتها المفتوحة على الدماء والجثث والدمار، وخدمة ما تسميهم بالصليبين والطواغيت؟
---------------------------
نشر في المصدر أونلاين بتاريخ 2010-11-12

الخميس، 11 نوفمبر 2010

تقرير رسمي عمره 33 عاماً يروي بدايات قضية الجعاشن


حسم الرئيس الحمدي قضيتهم مبكراً، لكنها عادت مجدداً مع قدوم صالح



المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال

حين تمر على مخيم أبناء الجعاشن المهجرين في العاصمة صنعاء، تبدو لك القصة مليئة بالتراجيديا الإنسانية المستوحاة من غابر العصور المندثرة. تلك الحقبة البشرية التي ميزت بين إنسان قوي مستند على مقومات اجتماعية واقتصادية وسياسية مرتفعة وكان اسمه (السيد)، وآخر ضعيف مفتقد كل ذلك، أطلق عليه صفة (العبد)، وجعلت من الثاني سخرة للأول..
 
ومع ما حملته تلك الحقبة من مآس إنسانية مخالفة للإرادة الإلهية التي خلقت الناس على قاعدة المساواة، إلا أنها جسدت الضرورة المعيارية لما يجب أن تكون عليه المجتمعات الحديثة المستوحاة من الشكل المناقض لما قد سلف. وكان القانون بداية هو الاحتياج الأولي، الناظم لحياة البشر وفقاً للصيغ التوافقية على قاعدة المصالح العامة التي تجعل من الحياة أمراً ممكناً: للضعيف أمام القوي، والفقير أمام الغني، والمحكوم أمام الحاكم..
 
وعلى أنقاض الحروب العالمية الكبيرة والصغيرة، الساخنة والباردة، وصلت البشرية لما يعتقد – حتى الآن - أنه أفضل صياغة عالمية من القانون والتحاكم الدولي والمحلي. وكانت الدولة المدنية الحديثة، التي نهضت على جماجم ودماء ملايين الضحايا، تزحف في كل اتجاهات الأرض، بقوة تجسدها رغبة الإنسان بحريته وكرامته قادراً على الوقوف بجسارة في وجه كل من يحاول مواصلة الحط من مكانته، وتضييق المجالات المتاحة لاختياراته المختلفة.
 
على أن مجاميع قليلة من جيل عشرينيات القرن الماضي، وفتات من جيل الثلاثينيات المتخلف، ظلوا خارج نسق مدافعة الحياة المتغيرة، حينما ظلوا يعكفون على مواصلة تطويع أذهان وإرادات وكيانات محيطهم الاجتماعي وفقاً للنسق الموروث ليس فقط من قانون الدولة الدكتاتورية المتخلفة، بل أبعد من ذلك بكثير لما قبل دولة القانون المندثرة.
ماذا بشأن الجعاشن
 
في أحد بياناتهم الكثيرة، يقول أبناء الجعاشن المهجرين (هجرة الجعاشن الثالثة، منذ مطلع يناير الماضي) أن لديهم "توجيهات ووثائق من عام 74م حتى الآن تقدر بحدود عشرين ألف وثيقة". منها ما تدين شيخهم، ومنها ما تتحدث عن ظلمه المسرف لهم.
 
- تتساءل: من هذا الشيخ الذي ما برح يسومهم سوء العذاب منذ 36 عاماً؟ 
- ربما من قبيل المبالغة التي تسيطر على كل إنسان مظلوم يريد أن يلفت الإنتباه لمظلوميته. تقول لنفسك..
 
- ولكن: ماذا لو أنها فعلاً تعود لذلك التاريخ؟ هنا تتوسع المأساة لتبلغ عمق المجتمع والسلطة والدولة المدنية الحديثة.
- حسناً: في 5 أبريل 1977، بعث الرئيس الحمدي مذكرة إلى محافظ إب، يأمره فيها بـ"العمل بمقتضى ما نص عليه قرار
اللجنة، وطلب الشيخ محمد أحمد منصور وإلزامه بالتعهد بعدم التدخل في شؤون المواطنين.. وأفيدوا..". هذه العبارة نشرت في تقرير لصحفي فرنسي جاء إلى اليمن قبل أشهر ونفذ تحقيقاً استقصائيا حول مأساة أبناء الجعاشن. ويؤكد الصحفي الفرنسي المستقل أنه حصل على نسخة من رسالة الرئيس الحمدي عبر أحد أبناء الجعاشن المهجرين.
 
- حديث الرئيس الحمدي عن العمل بمقتضى ما نص عليه قرار "اللجنة"، يدل على أن القضية أقدم من هذا التاريخ، وقد تم تشكيل لجنة بخصوصها أقرت إلزام الشيخ بالتعهد بعدم التدخل بشؤون المواطنين.
-  بعدها بعام ونصف أي في 16 أكتوبر، 1978 رفع تقريراً من قبل لجنة رئاسية تم تشكيلها من جهة المقدم علي عبد الله صالح - رئيس الجمهورية العربية اليمنية الجديد - بخصوص ما توصلت إليه من تحقيقات بموجب الشكوى التي رفعت إلى مكتب الرئاسة من قبل مواطنين في منطقتي الجعاشن والقاعدة على خلفية انتهاكات الشيخ محمد أحمد منصور.
 
- حينها لم يكن قد اكتمل الشهران على تولي الرئيس الجديد كرسي الرئاسة، ليواجه امتحانا صعباً يمس سيادة القانون. القانون الذي كان الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي قد شكل أطره وفقاً لمعطيات الحركة التصحيحية التي وصل عبرها للحكم، وما فتئ يجهد لتنفيذه بزخم اتسم به الحمدي ليغدو الرئيس الأكثر شهرة وحباً – على الرغم من قصر فترة رئاسته - في مسار الدولة اليمنية منذ قيام الثورة وحتى اليوم.
 
- كان يجب على المقدم علي عبد الله صالح، الوارث الجديد للرئاسة، أن يعمل على تجاوز تلك المشكلة وحسمها بشكل سريع ليثبت قدراته على إدارة البلاد، وإنفاذ القانون. لاسيما وهو الذي تعهد في خطاب التنصيب على مواصلة أهداف الحركة التصحيحية التي بدأها الرئيس الحمدي. وعليه، في 3 أكتوبر، وجه الرئيس "صالح" أمراً لرئيس الوزراء (عبد العزيز عبد الغني)، تضمن التوجيه بتشكيل لجنة تحقيق حدد أسماء ومواقع أعضائها، على النحو التالي: وكيل الجهاز المركزي للأمن الوطني، قائد لواء إب ، مندوب عن المحافظة، ومدير فرع الجهاز المركزي للأمن الوطني بإب.
 
- فما الذي حدث مع اللجنة الرئاسية؟ وما هي النتائج والتوصيات المهمة التي خلصت غليها؟ ثم: ما الذي حدث بعد تلك التوصيات؟ في هذه التناولة ربما تجدون أجزاء مهمة من الإجابة.
 
• خلفية القضية
من مضمون تقرير اللجنة أمكن معرفة خلفية الشكوى المرفوعة من المواطنين. فالشيخ محمد احمد منصور قام أتباعه بمداهمة منزل المواطن (عبده الحاج عماد) في قرية مُعاين الجعاشن. كان رب المنزل غائباً، فتسن للأتباع عمل ما يلزم من تفتيش وتكسير وتمزيق ومصادرة. ولأن المطلوب الرئيسي لم يكن موجوداً فقد قام أتباع الشيخ بملاحقته في كل مكان حتى تم القبض عليه، وإيداعه سجن الشيخ بداية ثم نقله إلى سجن "الزاجر" بمدينة إب.
 
أما الحجة فكانت ملاحقته وحبسه بتهمة "التخريب". أعد الشيخ محرزات الجريمة من أسلحة (بازوكا، ست دانات، لغم) قال أن أتباعه وجدوها في منزل المعتقل.
 
وبدعوى إلقاء القبض على المخربين أيضا، نفذ أتباع الشيخ عملية أخرى داهموا فيها منزل المواطن (محمد عبده سعيد ) بمدينة القاعدة، وحين لم يجدوا فيه – إلى جانب الأطفال والنساء - سوى والده الكهل، اقتادوه إلى السجن، وأستمر الشيخ وأتباعه في مطاردة الابن والإبلاغ عنه كمخرب فار من وجه العدالة.
 
لكن وبطريقة ما، تمكن أقارب ومعارف ومناصري المعتقلين والمطاردين من إيصال شكواهم إلى مكتب رئيس الجمهورية الجديد، ليتم بموجبها تشكيل لجنة التحقيق وفقاً للتفاصيل التي قدمناها أعلاه.
 
وبناء على أوامر الرئيس تلك، أصدر رئيس الوزراء مذكرة رقم (8026) وتاريخ 4/10/1978، قضت بتشكيل اللجنة وسرعة التحقيق وتقصي كل الحقائق حول موضوع الشكاوى بالشيخ المذكور. وفي 9 أكتوبر 1978م، بدأت اللجنة بممارسة أعمالها ووصلت الجعاشن للتحقيق في القضية.
 
• سير إجراءات اللجنة
تقول اللجنة في تقريرها النهائي، أنها التقت بمواطنين في المنطقة ممن هم غير مرتبطين بالقضية حتى تضمن الحقيقة، وأنها استفسرتهم حول ما حدث باعتبارهم شهود محايدين، وأنها لاحقت الشيخ "منصور" إلى محافظة تعز التي غادر إليها فور وصول اللجنة. وتم الإشارة إلى مثل هذا في جزء من مقدمة التقرير على النحو التالي: " وحيال ذلك فقد قررت اللجنة تحرك قائد لواء إب ورئيس اللجنة مع مندوب القيادة إلى تعز للاتصال بالأخ قائد لواء تعز نظراً لتواجد الشيخ محمد أحمد منصور ليتم إلزامه بالحضور إلى اللجنة حيث كان منقطعاً عن الحضور إلى إب زاعماً أن له خلاف مع بعض المسئولين". وبعد أن نجح التنسيق تم إيصال الشيخ إلى فرع الجهاز المركزي للأمن الوطني بتعز وتم لقائه برئيس اللجنة مساء يوم الجمعة الموافق 12/10/78م ، وفي اللقاء تم إلزام الشيخ بالحضور إلى لواء إب ليتسنى أخذ أقواله من قبل كافة أعضاء اللجنة. وهو ما تم بالفعل
 
• ملخص ما تضمنه تقرير اللجنة: تبرئة المواطنين وإدانة الشيخ
حتى لا نسهب في سرد وتوضيح تفاصيل التقرير كاملة على هذا النحو، ارتأينا أنه من الأنسب لنا وللقارئ أن نتوقف هنا لنحيلكم إلى نص التقرير الأصلي، الذي حصلت المصدر على نسخة منه، كون التقرير ممتلئ بالتفاصيل التي توضح نفسها بنفسها. على أنه من اللازم علينا توضيح أمرين قبل الإحالة.
 
- الأول: أننا فضلنا اجتزاء التفاصيل السابقة من مقدمة التقرير لتوضيح خلفية القضية على النحو الموضح أعلاه، وعليه فقد فضلنا تجاوز نشر مقدمة التقرير لتضمنه ذات المعلومات، وأكتفينا بنشر النتائج التي توصلت إليها اللجنة.
-  الأمر الثاني: أننا فضلنا عدم نشر بعض الأسماء والترميز لها بالحروف بسبب حساسية الموضوع لاسيما وأن معظم الأسماء الواردة في التقرير مازالوا على قيد الحياة. كما أننا قمنا بوضع نقاط عند بعض الكلمات التي لم تكن واضحة.
فإلى نص نتائج التقرير:
 
...وبعد ذلك ومن خلال هذه الأعمال التي قامت بها اللجنة وبعد التقصي الكامل والتأمل الممعن في كل ما ورد وثبت للجنة، [فقد] توصلت إلى النتائج التالية:
أولاً: ما يخص موضوع عبده الحاج محمد عماد - الجعاشن:
1- لقد شهد له المواطنون الذين حضروا إلى اللجنة وحققوا بصلاحه وحسن سيرته وسلوكه مع كل المواطنين وأنه من أعيان القرية ونفى ما لصقت به من التهم وأن بينه وبين الشيخ منصور خلافاً قديماً على قطعة أرض.
 
2- قيام الشيخ منصور بإرسال العسكر لتفتيش منزل عبده الحاج عماد وإلقاء القبض عليه وإرساله إلى سجن إب كان بناءً على ما تلقاه الشيخ من بلاغ ومعلومات من: ...........، بأن عماد مأوياً للمخربين ياوييهم في بيته ويمرون عن طريقه إلى جهات أخرى.
 
3- اعترف الشيخ منصور بأنه لم يكن لديه مما أدعى به عبده الحاج أُخذ من بيته من قبل خبرة الشيخ محمد سوى بندقية أبو عيار ومسدس وجنبيته وأنكر عن باقي المدعى به من ذهب أو نقود أو أوراق وطلب يمين زوجة عبده الحاج وإخوانه على ما أُخذ من منزل عبده الحاج وأخذ العهد على يد السيد مطهر عيسى وعلى أن يعوض ذلك.
 
4- لم يثبت لدى اللجنة بأن البازوكة والست الدانات واللغم أخرجت من منزل عبده الحاج أو عثر عليها في منزله فالتحقيق الذي قام به فرع الجهاز مع سائق السيارة التي حملت ذلك يثبت أن البازوكة والست القذائف واللغم تم نقلها من بيت الشيخ منصور من العنسيين على سيارة السائق المذكور (ع. م.) إلى فندق عبده مرعي بالقاعدة ويدلل أن تلك الأسلحة نقلها السائق من بيت الشيخ منصور بعد ثلاثة أيام من تفتيش منزل عبده الحاج ومما ثبت للجنة من اعترافات السائق المذكور والمحتفظة بفرع الجهاز كما يثبت ذلك المواطنون الذين شهدوا بحسن سلوك عبده الحاج أنهم لم يشاهدوا خروج شيء من ذلك من منزله عند التفتيش سوى سلاحه الشخصي بندقية أبو عيار.
 
5- تبين للجنة من خلال شهادة مواطني معاين وبعض من أهالي ذي الحود المجاورة أنهم شاهدوا جماعة الشيخ منصور الذين قاموا بتفتيش المنزل خارجين من منزل المواطن المذكور ومعهم شنطة يد مليئة لم يعرفوا ما فيها كما شاهدوا أن بيد (ر. ح. م.) أحد المكلفين بالتفتيش مسودة حافظة بممتلكات المواطن عبده الحاج وإخوانه من أراضي.
 
6- كما ثبت للجنة من خلال إفادة الشيخ منصور أنه كلف ستة أشخاص من جماعته بتفتيش منزل المواطن عبده الحاج دون أن تشاركه الجهات المختصة بذلك في اللواء ويبرر ذلك أن لديه أوامر بمطاردة المخربين ..الخ، من الأخ الرئيس والقائد.
 
7- بعد عملية تفتيش منزل المواطن المذكور شهد بعض الشهود أنهم دخلوا إلى منزل المذكور عبده الحاج وشاهدوا مجموعة من الشناط والصناديق عدد(4) شناط و(2) صناديق قد أكسرت أقفالها وبعثرت الملابس والأوراق وما بداخلهن في قاعة الغرفة كما أنهم وجدوا ضجيج من الأسرة وصراخ بأن القائمين بالتفتيش قد نهبوا عليهم نقود وذهب وأوراق تخص ممتلكاتهم ولكن الشهود لم يحددوا ذلك، وفي يوم الاثنين الموافق 9/10/78م بعد أن توجهت اللجنة إلى منطقة المعاين لتقصي الحقائق أقرت الانتقال لمعاينة المنزل المذكور وقد وجدت بالمشاهدة 4 شناط مكسرة أقفالها مع اثنين صناديق وكذا تكسير مغلقة البوابة العمومية وإحدى غرف المنزل والأدوات مبعثرة حيث تفيد أسرة عبده الحاج عماد للجنة بأن ما شاهدته اللجنة عن المعاينة هو باق على أصله ووضعه التي تركت عليه بعد عملية التفتيش.
 
8-  بعد أخذ العهد من قبل اللجنة من عبده الحاج وولده أحمد أن يقول الحق في سرد ما أخذ من منزله من المكلفين بالتفتيش من قبل الشيخ منصور وبناءً على ذلك فقد سرد المأخوذات عليه من المنزل الأشياء التالية:
1)  بندقية أبو عيار – مسدس نصف وجنبيته، وجنبيه التي لم يحترمها أثناء القبض عليه وهذه الأشياء معترف بها من قبل الشيخ منصور.
 
2) مبلغ(96000) ألف ريال كانت بإحدى شنطاته منها ودايع لديه أمانه خاصة من فئة (50 و 100) بالإضافة إلى أخذ مبلغ آخر قدره (20000) عشرون ألف ريال خاصة بولده أحمد كذلك (12) اثنا عشر جنيه (....) وأنه أخذ عليهم من شنطة زوجته أربعة خواتم ذهب كبير، وخمس دبل ومريتين ذهب وساعة رولكس وساعة صليب.
 
3) شنطه بداخلها وثائق أي بصائر ممتلكات أرضه الخاصة وشنطه فيها وثائق أي بصائر مشتركة بينه وبين أخوته من بعد والدهم مع (.......) وهذا ما أنكره الشيخ منصور لكنه طالب العهد من زوجة المدعي عبده الحاج على يد السيد مطهر عيسى وكذا من إخوانه بعد ذلك مستعد وضامن بالتعويض بالمضاعف.
 
•  أما بخصوص موضوع محمد عبده سعيد (القاعدة) فإن اللجنة توصلت إلى ما يلي:
1-  إن الشيخ منصور وصل إلى جانب بيته مع مرافقين لغرض البحث عنه والقبض عليه وإيصاله إلى اللواء للتحقيق معه بحسب ما تلقاه من المعلومات من العدول والأعيان أنه مخرب بشهادة مدير ناحية ذي سفال ومدير الأمن والمحرر عليها منهم. وكان وصول الشيخ منصور إلى جوار منزل المذكور لعدم تمكن جنود الأمن من القبض عليه بحسب أمر المحافظ ومدير أمن اللواء المحرر إلى الرائد (غ. ع. ي.) وكلف الشيخ محمد شخصين من عساكره بالانتقال إلى منزل المذكور للقبض عليه حيث فر إلى صنعاء ليشتكي بالشيخ.
 
2- ومن خلال تقصي الحقائق بالنسبة لتشكي المدعي ضد الشيخ والذي ورد موضوعه تبين لهيئة اللجنة من الأخوة قائد اللواء ومحافظ اللواء وفرع الجهاز المركزي للأمن الوطني والاستطلاع للأمن الحربي موافاة اللجنة بما لديهم من أولويات من تهمة المذكور وقد اطلعت اللجنة على التهمة وموضوع التشكي بالشيخ بالقيام بتكليف عساكره بمهاجمة منزل الشاكي وادعاء نهب ذهب زوجة الشاكي وفلوس(96000) ألف ريال وأخذ مكينة الخياطة ورميها إلى باب المنزل وذلك بإسناد التهم إلى محمد عبده سعيد بأنه مخرب وهذه التهمة نتيجة لممارسة الشيخ المذكور (........) لذا فقد قامت اللجنة بتقصي الحقائق حيث استدعت محمد عبده وحققت معه ثم انتقلت اللجنة إلى منزله للمعاينة وكذلك طُلب منه إحضار ما لديه من براهين وأدلة من أن عساكر الشيخ المذكور قد دخلوا إلى منزله وفي غيابه وأخذوا ما أدعى به كما ذكر آنفاً وكذلك تم استدعاء والده عبده سعيد وتوصلت اللجنة إلى الآتي:
 
1) أن محمد عبده سعيد لم يحضر أدلة قاطعة تثبت صحة دعواه بما أخذ عليه من المنزل من قبل عساكر الشيخ منصور وحيث أن الشهود الذين أحضرهم وهم (م. أ. م.) أحد مواطني القاعدة والمجاور لمنزل محمد عبده لم يثبت الشاهد إخراج ....أي أشياء من منزل المذكور من قبل عساكر الشيخ منصور سوى ما أثبت من وصول الشيخ إلى جوار منزله ومشاهدتهما للجنود يدقون باب منزل محمد عبده سعيد وسماع الشاهد الثاني لصراخ عائلة محمد عبده سعيد إن العساكر قاموا بالدخول إلى المنزل وكسر الشناط وأخذ ما فيهن مع كسر مكينة الخياطة وهذا لم يثبت للجنة.
 
2) ثبت للجنة أن محمد عبده سعيد بذيء لسان ويتدخل فيما لا يعنيه بالنسبة للمواطنين باعتباره وكيل للشريعة ومعارضته للشيخ وللمواطنين فيلزم وضع حد حازم حتى يكف عن مشاغلة الناس.
 
3) كما ثبت للجنة أن الشيخ منصور قد فرض على والد محمد عبده سعيد خمسة آلاف ريال والذي يبلغ من العمر خمسة وثمانون سنه وذلك أجرة الطقم الذي تنفذ إلى المجزف للقبض على محمد عبده ودفع المبلغ على أساس تخلية سبيل الأب حيث كان سيحجز بالزاجر حتى يحضر ابنه وقد ثبت هذا أيضاً بحسب إفادة الشيخ منصور ويلزم ضبط محمد عبده سعيد بدفع المبلغ المذكور لوالده تعويضاً عما دفعه بسببه.
 
• الرأي بخصوص موضوع عبده الحاج عماد:
- بما أن اللجنة تأكدت من عدم صحة ثبوت المعلومات التي تبلغ بها الشيخ منصور فإنه لا يعد أن تكون تلك المعلومات صادرة من جوانب مغرضة تحاول إثارة الاستياء من الدولة بين صفوف المواطنين فإن اللجنة ترى:
 
أولاً: الإفراج عن المواطن السجين عبده الحاج عماد وإعادة بندقيته وجنبيته ومسدسه الموجودات حالياً بحوزة الشيخ منصور بحسب اعترافه للجنة.
 
ثانياً : التقصي بأخذ اليمين المطلوبة التي طلبها الشيخ منصور وزوجته وإخوانه عما أخذ من منزل عبده الحاج بصدق وعن يد متولي أخذ العهد حسب طلب الشيخ المذكور من قبل (أ. م. ع.) المقيم في المعاين وذي الحود ذي سفال وبعد ذلك ينفذ ما التزم به الشيخ أمام اللجنة بدفع ما ثبت أخذه من منزل عبده الحاج في أيدي عساكر الشيخ المذكور.
 
ثالثاً: بخصوص ما لصقت من تهمة بالمواطن المذكور وسمعة، لم تثبت ضده، فترى اللجنة بأن على الدولة رد اعتبار المذكور كمواطن ليس له تدخل في أي شيء مما لصق به، وكانت الأسباب هي نتيجة أن الجهات التي وجهت إليه تهمة التخريب قد أصدرت ذلك دون رؤية وقبل أن تستقي المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوقة وهذه الجهات هي: مدير ناحية ذي سفال (......)، ومدير أمن ذي سفال (النقيب.......)
 
رابعاً: بما أن الدولة قائمة وقوية هناك جهات مختصة مسئولة عن أمن وسلامة المواطنين في حماية حقوقهم وفروضهم وحيال ذلك فإن اللجنة ترى عدم إسناد أي إجراءات أو مهام إلى جهة غير مسئولة في الدولة وإذا كان ضرورياً والأمر يستدعي ذلك فلها المشاركة حيث توصلت اللجنة أن مثل هذه الأعمال تستغل وتؤدي إلى متاهات وأمور تشغل الدولة عن مهامها الأساسية.
 
خامساً: تود اللجنة أن تلفت الانتباه إلى أن المواطنين الذين شهدوا بالحقيقة يخشون التعرض مستقبلاً للانتقام منهم نتيجة لما أوضحوه للجنة من مآسي ومآثم سيتحصلونها من الشيخ منصور عقب مغادرة اللجنة من المنطقة خصوصاً عندما تعرض أسماؤهم ولما فيه الصالح العام للجنة ترى الاهتمام والحرص على حمايتهم من أي شيء قد يحدث لهم كما سبق الإشارة بذلك.
 
وكما ترى اللجنة أن تأخذ الضمانات اللازمة من المواطنين السجين عبده الحاج عماد و محمد عبده سعيد وذلك بعدم استغلالهم لما قامت به الدولة برد اعتبارهم واهتمام الدولة بمواطنيها وهكذا بالنسبة للشيخ منصور حيال المواطنين.
 
سابعاً: الرأي بخصوص موضوع محمد عبده سعيد مع والده:
أخذ اليمين البالغ من الشيخ ( ) أن جماعته لم يقوموا بالدخول إلى منزل المواطن المذكور وأخذهم بما ادعى به والموضح سابقاً لسبب أن اللجنة لم تتوصل من خلال تقصي الحقيقة وشهادة الشهود من أن عساكر الشيخ/ قاموا بنهب منزل المذكور، كما تود اللجنة أن تشير إلى أن المواطن المذكور ثبت لديها تدخله في أشياء لا تعنيه مثل قيامه بالوكالات من المواطنين الأمر الذي يؤدي إلى إثارة المشاكل الشرعية والفتن كما أن اللجنة لم تتوصل إلى أي أدلة تدين المواطن المذكور بأنه مخرب بحسب التهمة التي ألصقت إليه من قبل الشيخ المذكور ولذلك ترى اللجنة براءته.
 
وعلى أن يلتزم المذكور بعدم التدخل في شئون المواطنين وإثارة المشاكل الشرعية التي بينهم كما ترى اللجنة سحب بطاقة المحاماة منه التي منحته وزارة العدل.
 
هذا أهم ما تراه اللجنة حسماً للقضية بين الأطراف المذكورة وترجوا الاهتمام بالتنفيذ بعمل ما يلزم بعدم تكرار مثل ما حدث وما يحدث مستقبلاً ولتكن الإجراءات عبرة للآخرين ورادعة.
 
ذلك هو رأي اللجنة لما توصلت إليه من نتائج والرأي الأول والأخير متروك لسيادتكم.
 
مفارقات الـ 33 عاماً المأساوية
           المفارقة (1) - ما بين: أبريل الرئيس الحمدي 1977، وأبريل 2010
-           المشهد الأول
-           في عهد الرئيس الحمدي: شيخ الجعاشن ممنوع من التدخل في شؤون المواطنين
-           الزمن: 5 أبريل 1977
-           المكان: العاصمة صنعاء
- الحدث: رئيس الجمهورية العربية اليمنية الرئيس إبراهيم الحمدي يوجه رسالة خطية إلى محافظ محافظة إب.
جاء فيها: "الأخ المحافظ ليكن منكم العمل بمقتضى ما نص عليه قرار اللجنة، وطلب الشيخ محمد أحمد منصور وإلزامه بالتعهد بعدم التدخل في شؤون المواطنين.. وأفيدوا. وتقبلوا تحياتنا". التوقيع: الرئيس إبراهيم الحمدي.
 
-           المشهد الثاني
-           الوضع بعد 33 عاماً على رسالة الرئيس الحمدي الحاسمة
-           الزمن: 5 أبريل 2010. بعد 33 عاماً كاملة من الحدث السابق
-           المكان: خيمة كبيرة في عاصمة الجمهورية اليمنية (صنعاء)
-  الحدث: أكثر من 145 مواطن يمني من منطقة الجعاشن ما زالوا يفترشون أرض خيمة كبيرة وسط العاصمة صنعاء.
-           التفاصيل
-  في حالة يرثى لها، ما زال: 45 طالبا، و 33 امرأة، و 33 طفلا دون سن الدراسة، و 68 شاباً وكهلاً، يتواجدون حاليا في مخيم المهجرين. فاقدين أي أمل يمكن أن يأتيهم من السلطة وأجهزتها المختلفة التي لم تعر مأساتهم أي اهتمام منذ حوالي ثلاثة اشهر على نزوحهم الثالث من المنطقة مطلع يناير 2010 هرباً من بطش شيخهم (إنه الشيخ نفسه الذي وجه الرئيس الحمدي – قبل ثلاثة وثلاثون سنة – محافظ إب بإلزامه بعدم التدخل في شؤون المواطنين). وزاد المأساة سوءً حين فشلت آخر لجنة شكلت من مجلس النواب للنزول الميداني إلى المنطقة لتقصي الحقائق. لكن اللجنة عادت إلى صنعاء دون أن تنجز شيئاً من مهامها بسبب منعها من دخول المنطقة مطلع مارس من العام.
 
- وفي يوم 27 من شهر أبريل نفسه، وبينما كانت الحزب الحاكم، وسلطاته يحتفلون بيوم الديمقراطية (ذكرى إجراء أول انتخابات نيابية أجريت في 27 أبريل 1993)، قرر المهجرون المشاركة للفت السلطات والمجتمع المدني لقضيتهم المنسية. وعبر بيان وجه لرئيس البلاد وأكثر من 20 مليون يمني، وجهوا نداء استغاثة تحت عنوان: "وااايمناااه...واااعلياااه...وااامؤتمراااه..".
 
- بعد كل تلك السنوات العجاف – لمذكرة الرئيس الحمدي القوية والشديدة والحاسمة – تبدو المأساة بتجلياتها التراجيدية وكأنها ما تزال طرية، مؤلمة، وأكثر قساوة كما تضمنها بيان الاستغاثة:"لقد قيدنا في سجون طغيان (......) وعصابته بل لم يسلم منا حتى الأطفال، وليس هذا فحسب بل هذا الشخص أصبح سوطاً فوق رؤوسنا ولديه مئات الميلشيات وكذ العديد من الطقومات وعنده مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة.." وإلى جانب ذلك تضمن البيان إتهامات مختلفة لما يمتلكه الشيخ من نفوذ وقوات مدنية وعسكرية وأسلحة خفيفة وثقيلة وتأثير على المنطقة..الخ
 
           المفارقة (2) - ما بين: أكتوبر 1978، و أكتوبر 2010
            المشهد الأول
            شيخ الجعاشن بعد أقل من شهرين من اعتلاء الرئيس كرسي الحكم
-           الزمن: 12 أكتوبر 1978
-           المكان: جهاز الأمن الوطني بمحافظة تعز
-           الحدث: في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس الموافق 12 أكتوبر 1978 أحضر الشيخ محمد أحمد منصور إلى فرع جهاز الأمن الوطني بتعز للتحقيق معه بخصوص الإنتهاكات التي أرتكبها بحق بعض مواطني منطقة الجعاشن، ومدينة القاعدة.
 
-           التفاصيل
- لم يمر حتى شهران على وصول المقدم على عبد الله صالح، لكرسي رئاسة الجمهورية العربية اليمنية، ليواجه اختبارا صعباً.
 
لقد تمكن مواطنين يمنيين ينتمون لمنطقة الجعاشن والقاعدة - القريبة منها - من إيصال شكاوهم إلى مكتب الرئيس الجديد.
 
تضمنت الشكوى أسم شيخ الجعاشن محمد أحمد منصور. وفي يوم 3 من شهر أكتوبر 1978م، قرر الرئيس الجديد تطبيق القانون، وخط أمراً وجهه إلى رئيس الوزراء عبد العزيز عبد الغني، لتشكيل لجنة رئاسية تضمنت شخصيات ومواقع كبيرة للتحقيق في الشكاوى المرفوعة ضد الشيخ منصور من قبل بعض المواطنين من الجعاشن والقاعدة.
 
- بعد التوجيه الرئاسي بيوم واحد، أصدر رئيس الوزراء قراراً قضى بتشكيل اللجنة من الأسماء المحددة. وفي 9 أكتوبر 1978م، عقدت اللجنة اجتماعها الأول في مدينة إب، بحضور المحافظ وقائد اللواء، واختارت رئيساً لها وأقرت ضرورة التحرك الفوري إلى الجعاشن للبدء في تنفيذ مهاما. وفعلاً تحركت اللجنة عقب الاجتماع مباشرة إلى قريتي معاين وذي الحود بالجعاشن، وشرعت بالتحقيق.
 
- لكن الشيخ حين علم بأمر اللجنة، غادر إلى محافظة تعز، قبل أن تصل إليه. على ضوء ذلك عقدت اللجنة اجتماعاً طارئاً في الجعاشن وقررت تكليف رئيسها الرائد حميد الصاحب،وقائد اللواء محمد عبد الخالق بالتحرك إلى لواء تعز للتنسيق مع قائد اللواء هناك لإحضار الشيخ،وبعد البحث والتحري عن المكان الذي يتواجد فيه، أََََََُحضر الشيخ محمد أحمد منصور في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس الموافق 12 أكتوبر 1978 إلى فرع جهاز الأمن الوطني بتعز للتحقيق معه.
 
- لكن الرائد حميد الصاحب – رئيس اللجنة الرئاسية المكلفة بالتحقيق معه – والذي كان بإنتظاره هناك، قرر أن يتم التحقيق مع الشيخ في محافظة إب أمام بقية أعضاء اللجنة وعليه فقد ألزم الشيخ بالحضور إلى إب للتحقيق معه، وفعلاً أذعن الشيخ وحضر إلى مدينة القاعدة بتاريخ 14 أكتوبر 1978 وتم التحقيق معه.
 
- لم تمر أكثر من ستة أيام فقط، على بدء العمل الميداني للجنة في 9 أكتوبر، حتى استوفت التحقيق في 14 اكتوبر. وبعد يوم واحد فقط (أي في 15 أكتوبر) رفعت تقريرها الذي أدان الشيخ على ضوء ما تبين لها من التحقيقات مع المواطنين وأصحاب الشكوى، والشيخ نفسه.
 
- تقرير اللجنة – الذي تنشر «المصدر» نصه منفرداً – تضمن مجموعة من التوصيات نقتبس منها هنا التوصية التالية: " بما أن الدولة قائمة و قوية، وهناك جهات مختصة ومسئولة عن أمن وسلامة المواطنين في حماية حقوقهم وأعراضهم، فإن اللجنة ترى عدم إسناد أي إجراءات أو مهام إلى جهة غير مسئولة، حيث توصلت اللجنة إلى أن مثل هذه الأعمال تُستغل وتؤدي إلى متاهات وأمور تشغل الدولة عن مهامها الأساسية".
 
-           المشهد الثاني
-           الوضع بعد مرور 32 سنة
-           - الزمن: 12 أكتوبر 2010
-           المكان: أمانة العاصمة
-           الحدث: قوات الأمن بأمانة العاصمة تداهم إعتصاماً نظمته منظمات حقوقية لأبناء الجعاشن المهجرين، وتعتقل مجموعة منهم، وتودعهم السجون.
 
-           التفاصيل
-  32 عاماً كاملة انقضت على حادثة التحقيق مع شيخ الجعاشن من قبل لجنة رئاسية في الانتهاكات التي مارسها ضد مجموعة من المواطنين واعتقالهم خارج نطاق القانون. وقرابة 10 أشهر وبضعة أيام، مرت على آخر نزوح لأسر بأطفالها ونسائها وشيوخها من منطقة الجعاشن فراراً من أعمال التنكيل التي قام ويقوم بها ضدهم شيخ المنطقة محمد أحمد منصور. وذلك وفقاً للأسباب والإتهامات التي يقول بها المهجرون.
 
- في مثل هذا اليوم: 12 أكتوبر (الذي طبق فيه القانون قبل 32 عاماً ضد شيخ أقرت اللجنة الرئاسية حينها أنه يمارس أعماله خارج القانون) داهمت قوات الأمن اعتصاما جماهيرياً في العاصمة صنعاء نفذته منظمات حقوقية مع مهجري الجعاشن لتفعيل قضيتهم، واستخدمت القوة لاعتقالهم بعد جرجرتهم إلى الأطقم العسكرية، واقتادت 35 مهجراً إلى السجون. دون إبداء الأسباب حسب البيانات الصادرة من منظمات المجتمع المدني الحقوقية التي أدانت العملية.
 
- بعد ساعات أطلقت السلطات سراح مجموعة منهم، بينما أبقت على 13 آخرين في خمسة سجون مختلفة بالأمانة. وبعد اعتصامات وإدانات حقوقية واسعة، أفرجت السلطات عنهم لاحقاً، لكن منظمات حقوقية اتهمت السلطات الأمنية بتعذيب مجموعة من المهجرين المعتقلين لديها.
 
-  .....حتى الآن ما يزال قرابة العشرات من أطفال ونساء وشيوخ أبناء الجعاشن المهجرين (الهجرة الثالثة إلى أمانة العاصمة) يعيشون في مخيمات في العاصمة منذ مطلع شهر يناير هذا العام..
 
- مع نهاية شهر أكتوبر المنصرم، ومطلع هذا الشهر، كشر البرد القارس عن أنيابة وهجم على العاصمة بقسوة لم يسبق لها مثيل.


ما بعد التقرير..!
 بداية علينا الحديث عن القضية من زاوية تتعلق بمواصلة قيام الشيخ محمد أحمد منصور بتلك الأعمال في الجعاشن. إن الأمر قد يعود إلى السلطة والقوة والجاه، وأحياناً قد يعود إلى النظرة التمايزية القائمة على تصنيف الناس إلى أسياد وأتباع. بيد أنه حين يواجه كل ذلك بالقانون وصحوة شعبية مناسبة، فإن مثل هؤلاء يمكنهم أن يجدوا حججاً ومبررات مختلفة لمواصلة تصرفاتهم المريضة.
 
فعلى سبيل المثال: حين كاد القانون – في العام 1978– يصل إلى عنق الشيخ، وجد مبرراً يقوم على مخاطبة الدفاع عن الوطن وحمايته من المخربين. كون مثل هذا الواقع كان هو الواقع المعاش في تلك الفترة، حين كانت أجهزة الدولة تطارد جبهة التخريب في المناطق الوسطى وما جاورها. وهي حجة مع أنها لامست مطلب ورغبات السلطة، إلا أنها استغلت للفتك وتصفية الحسابات الخاصة كما أوضح التقرير الذي أكد أن من أنتهكت حقوقهم لم يكونوا ينتمون لا من قريب أو من بعيد لجبهة التخريب. وأن المشكلة القائمة مع الشيخ تعود لخلاف سابق مع أحدهم، ولكون الآخر يقوم بتبني قضايا المواطنين كونه يمتهن الشريعة والمشارعة أمام المحاكم..
 
وفي يومنا، تتواصل الانتهاكات على النسق ذاته، ولكن عبر حجة أكثر مواكبة للواقع الحالي، في ضرورة الدفاع عن الوطن، ليس بمطاردة المخربين، ونهب ممتلكاتهم، ولكن بالحفاظ على صناديق الاقتراع من الاختراق وحتى لا تصبح متعارضة مع رغبات السلطة القائمة.
 
ليس ثمة فرق، بين الأمرين، حين يتعلق المعنى بممارسات خارج إطار القانون. وفي كل الأحوال، تبدو التوصية الثالثة من اللجنة، ذات قيمة جوهرية ومعنوية لو تم الالتزام بها سواء في السابق أم اليوم: إنها تلك التي تتحدث عن ضرورة قيام الدولة برد اعتبار من شوهت سمعتهم بسبب ما لصق بهم من تهم كيدية، ثبت أنهم أبرياء منها.
 
 وفي سياق مماثل، لو أن السلطة ألتزمت بتنفيذ تلك التوصيات التي قدمتها اللجنة الرئاسية في العام 1978، فلربما كان أبناء الجعاشن اليوم ينعمون بخيرات منطقتهم الخصبة، ولما كانت السلطة قد واجهت ما تواجهه اليوم من إحراج يثقل كاهلها أمام التزاماتها بأسس ومعايير الدولة اليمنية الحديثة. إن هذا كان ليحدث، في واقع الأمر، لو أنها [أي السلطة] تحمل تلك الالتزامات على محمل المسؤولية والجدية.
 
وهنا يأتي المثال منسجماً مع التوصيتين: الرابعة والخامسة، التي تحدثت أولاها عن قوة الدولة تفرض على الجهات المختصة تحمل مسئوليتها عن أمن وسلامة المواطنين في حماية حقوقهم وفروضهم، الأمر الذي يفرض عليها هنا: "عدم إسناد أي إجراءات أو مهام إلى جهة غير مسئولة في الدولة ".. حيث توصلت اللجنة أن مثل هذه الأعمال تستغل وتؤدي إلى متاهات وأمور تشغل الدولة عن مهامها الأساسية"
 
أما الأخرى، فتحدثت عن مسئولية الدولة في ضمان حماية المواطنين الذين شهدوا بالحقيقة. كونهم، كما تلفت اللجنة الانتباه: "يخشون التعرض مستقبلاً للانتقام منهم نتيجة لما أوضحوه للجنة من مآسي ومآثم سيتحصلونها من الشيخ منصور عقب مغادرة اللجنة من المنطقة خصوصاً عندما تعرض أسماؤهم ولما فيه الصالح العام للجنة ترى الاهتمام والحرص على حمايتهم من أي شيء قد يحدث لهم كما سبق الإشارة بذلك".
 
إن هذا بحد ذاته، ليقودنا إلى الحديث عن حقيقة ما يحدث اليوم من انتهاكات تطال المواطنين، ليس لكونهم قدموا شهاداتهم ضد الشيخ، بل لكون من شهدوا يعرفون جيداً: طبائع الاستبداد التي تقطن شيخهم، وما يمكن أن يقوم به معهم عقب رحيل اللجنة.
 
وهو ما يحمل في المعنى الجوهري معاناتهم القائمة اليوم. لاسيما وأن السلطة تجاهلت كلياً تنفيذ تلك التوصيات (حتى أن متابعة مراسل الصحيفة بمحافظة إب للمصير الذي آل إليه حال المواطن: عبده الحاج عماد، الذي أوصت اللجنة بإطلاق سراحه، فقد تأكد لنا أنه لم يتم الإفراج عنه إلا بعد تدخل (م . ع ) وهو أحد الشخصيات الاجتماعية في المحافظة وذلك عقب قيام أولاده وأقاربه بوصلة هذا الأخير، وهو ما تفهمه القاضي ( ع . ز ). وتحتفظ الصحيفة بالأسماء الكاملة لحساسية الأمر) . كما اتضح لنا أن المواطن المذكور انتقل بعد صراع طويل مع الشيخ المذكور إلى رحمة الله تعالى.