الخميس، 2 ديسمبر 2010

فريدمان” في اليمن.. هل ستحل بنا الكارثة قريباً؟



المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
الصحفي الأمريكي الشهير توماس لورن فريدمان في اليمن. مثل هذا الخبر يجب أن يكون له قيمته السياسية قبل الإعلامية. فالرجل يعد أحد صناع السياسات الأمريكية، إلى جانب كونه أحد أشهر الصحفيين في أمريكا والعالم. تربطه علاقة مباشرة بالرؤساء وزعماء العالم، ويتصل مباشرة بالرئيس الأمريكي باراك أوباما ليتجاذب معه أطراف الحديث، وأحياناً: النكت الظريفة حول الشرق الأوسط.
قبل أن نشرع –هنا- في الحديث عن نوعية الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الصحفي الكبير والمؤثر في اليمن من خلال ما سينقله في كتاباته المتابعة على مستوى العالم، والتي لها وزنها لدى الساسة الإمريكان، سنقوم هنا بسرد بعض من سيرة الرجل وحياته أملاً في تقديم صورة واضحة تساعد القارئ على تقدير الأهمية التي يقف عليها.
* * *
من هو فريدمان؟
يعمل الرجل حالياً في صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية الشهيرة. متخصص بالشأن الدولي، وبالشرق الأوسط أكثر من غيره (حاصل على ماجستير من كلية سانت انتوني بجامعة اكسفورد البريطانية في الدراسات الشرق الاوسطية). كتب افتتاحيات الـ "نيويورك تايمز" لعدة سنوات، وتنشر مقالته في أكثر من مائة جريده في العالم، (تلك التي تتعامل مع خدمة نيوزويك للتوزيع). وبلغت عالميته أن أصبح قلمه ذا تأثير بالغ على مستوى العالم بما فيه العالم العربي. حيث تنشر عموده عدة صحف عربية أهمها صحيفتي الشرق الأوسط – الصادرة من لندن – والإتحاد الإماراتية.
ويصف الكاتب والمفكر الموريتاني محمد المختار الشنقيطي، في إحدى مقالاته، تلهف المسئولين العرب للتواصل مع هذا الكاتب الشهير، قائلاً: "فرغم أن فريدمان صهيوني معتز بصهيونيته، عاشق لإسرائيل رغم مساوئها كما يقول في كتابه "من بيروت إلى القدس" .. فإنه ملء سمع وبصر المسؤولين العرب، فهذا وزير الإعلام الكويتي يطارده بالهاتف في محطة المترو ليخبره بأنه (أي معالي الوزير شخصيا) يوزع مقالاته على الصحفيين المحليين ليترجموها إلى العربية، وهذا الملك عبد الله في الأردن يستدعيه في بيته لدعوة أسرية، وينبهه إلى خطورة المؤسسات الخيرية الإسلامية ودورها في الإرهاب، وذاك وزير الإعلام السعودي يتصل بالهاتف ليعتذر له عن كلمة لأحد الصحفيين السعوديين أشار فيها إلى النفوذ اليهودي في أمريكا.. واللائحة تطول.." (جزء من مقال للشنقيطي نشر في العام 2002).
درس فريدمان اللغة العربية في القاهرة، لكنه لم يكمل تعلمها. وبدء مشواره الصحفي الحافل بالعمل مع وكالة «يو.بي.اي» الأمريكية في لندن. ثم مراسلاً لـ"نيويرك تايمز" في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات في بيروت (غطى الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982)، ومن ثم انتقل إلى مدينة القدس المحتلة، حيث عمل مديراً لمكتب الصحيفة هناك حتى عام 1989، عاد بعدها الى أميركا وعمل في مناصب عدة في مجلة "التايمز"، من ضمنها مراسلاً لدى البيت الأبيض. وفي عام 1995 تحول إلى كتابة المقالات، حيث أصبح له عمود ثابت منذ ذلك الحين في صحيفة النيويورك تايمز، ويعد عموده من أشهر الأعمدة على مستوى العالم. فهو ومن أجل ذلك العمود – الذي يوصف أنه أشبه بتقرير- يجوب العالم من أقصاه إلى أقصاه. واشتهر عموده بشكل أكبر بعد كشفه مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز – ملك المملكة العربية السعودية – تلك المبادرة التاريخية للسلام مع الإسرائيليين.
إلى جانب كونه صحفياً متميزاً ولامعاً(حصل على جائزة بولتزر عام 1983 عن تقرير له عن لبنان، وجائزة بولتزر عام 1988 عن تقرير له حول إسرائيل)، فهو رجل مثير للجدل، واتهم من قبل الكثير من العرب بتحيزه الواضح لإسرائيل، ومع ذلك فله منتقدوه من الأمريكيين أيضاً بسبب بعض أفكاره وكتاباته. ولعل أكثر ما انتقد بسببه هو تأييده للحرب الأمريكية في العراق، وحشده الأصوات في حملة الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الحرب. ‏
وبالإضافة إلى تخصصه في شئون الشرق الأوسط بدرجة أولى، يعتبر الرجل أحد أهم منظري "العولمة"، وله في ذلك مؤلفان شهيران. الأول تحت عنوان: "لكزس وشجرة الزيتون: فهم العولمة"، والآخر "العالم مسطح" والذي يعتبر آخر مؤلفاته حتى اليوم.
عقب أحداث 11 سبتمبر، اشتهر كتابه المعنون بـ " استكشاف العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر". ومنذ ذلك الحين ركز في كتاباته على نقد المملكة العربية السعودية، حيث كتب سلسلة مقالات في "نيويورك تايمز" تنتقد السعودية، والأسرة المالكة بالذات. وذلك من منطلق أن خمسة عشر من مختطفي الطائرات ومفجريها (يتهمون بقتل ثلاثة آلاف من بني جلدته) هم ممن ينتمون إلى المملكة.
إن تلك الكتابات، يعتقد أنها أثرت كثيراً على السياسة الداخلية والخارجية للمملكة، بحسب بعض المتابعين. ويستشهد هؤلاء بالنتيجة النهائية التي انتهت إليها تلك السياسة من خلال تغيرها بشكل واضح في بعض المناحي. لعل أبرز الشواهد: حصوله هو شخصياً – أثناء زيارته للسعودية مطلع العام 2002 – على مايصفه "استعداد السعودية لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية". حيث يقول في كتابه عن أحداث 11 سبتمبر " أما أنا فيكفيني أني ساعدت على استصدار إعلان من قائد المملكة العربية السعودية – أهم دولة مسلمة في العالم – يعبر فيه لأول مرة عن استعداده لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية.."
* * *
لماذا اليمن؟
إن حضور رجل بهذا الحجم وذلك الوزن من العيار الثقيل إلى اليمن المثخنة بالجراح، يجعلنا لا نفوت التساؤل حول المغزى من حضوره. والسؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني هنا: هل حضر الرجل إلى اليمن بتكليف إداري من إدارة الصحيفة، أم بطلب أمريكي، أم برغبته الشخصية؟
على الأرجح أن الإجابة هي الأخيرة. أو لنتعامل مع الأمر على هذا النحو، استناداً إلى ما جاء في كتابه حول هجمات 11 سبتمبر، حيث يؤكد ذلك بقوله: "أنا الذي أقرر متى أسافر، وإلى أين أسافر، وأتمتع بحرية كاملة في اتخاذ أي موقف أريده حول أي موضوع أختاره".
إذاً.. لنقل أن أحداث اليمن الأخيرة، منحت الكاتب – الذي يقف على ميزانية غير محدودة في سفرياته – رغبة في اتخاذ قرار بأول زيارة له إلى اليمن. وفي أول مقال له منذ وصوله اليمن - مطلع هذا الشهر– أكد فريدمان ذلك، بقوله: "لم يتردد رئيس الوزراء اليمني السابق عبد الكريم الإرياني في التعبير عما كان يدور في خلده عندما وصلت إلى منزله في صنعاء للعشاء: "إذاً، يا توماس، هل احتاج مجيئك إلى هنا في نهاية الأمر إلى النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب؟". واعترفت بأن هذا صحيح..". يقول فريدمان
لكنه مع ذلك بالغ كثيراً حين قال "..قررت أن أرى اليمن رأي العين مباشرةً. واعترفت أيضا للإرياني: "كنت قلقاً إلى حدٍ ما في مجيئي إلى هنا. توقعت نصف توقع أن يستقبلني عند أسفل سلم طائرة الخطوط القطرية التي حملتني أسامة بن لادن نفسه". وهي مبالغة لا تعكس جهل الرجل بما يدور في اليمن باعتباره متخصصاً بالشأن الخارجي، بقدر ما تعكس مفهوم المبالغة ذاتها توخياً لروح النكتة التي يتمتع بها، عكساً على ما ينقل عن اليمن من مبالغات في العالم الخارجي.
لكن ومع ذلك، فالرجل يحاول المحافظة على سمعته الصحفية رغم ترديها كثيراً في العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص، بسبب حرب العراق ومحاولاته المكثفة لفرض السلام العربي الإسرائيلي بشكله غير العادل من خلال حرصه الشديد على اختيار الكلمات المناسبة، فهو في المقال المعنون بـ "بطاقة بريدية من اليمن" يتوصل إلى النتيجة التالية " لكن من حسن الحظ أنني وجدت أن صنعاء ليست كابول وأن اليمن ليست افغانستان أو هي ليست مثلها حتى الآن".
ليس من الجيد الغوص في تحليل تلك العبارة، وحملها من التفسيرات أكثر من اللازم، غير أني أعتقد أن مثل هذا الأمر كان لزاماً علي، لو لم يكن الكاتب هنا صحفي مثل فريدمان، بحنكته ودبلوماسيته وقدرته الحريصة على انتقاء الكلمات لتصب في جميع الاتجاهات. بدت العبارة هنا أكثر وضوحاً أنها أرادت مزج شيئين في شيء واحد، بحيث تستوي معه عملية التوافق وكسب جميع الأطراف. فهو في الوقت الذي أراد فيه أن يشعر أصدقاؤه ومستضيفوه من الجانب الحكومي بإيجابية ما توصل إليه من أن اليمن ليست مثل أفغانستان، عكساً على ما استقاه منهم. إلا أنه لم يرد أن يغلق الباب على مثل تلك النتيجة فقط، حرصاً منه أيضاً على أن لا يغرد خارج السرب الدولي، والأمريكي تحديداً، بقوله "أو هي ليست مثلها حتى الآن" بما يفهم أن هناك مؤشرات قد تؤدي حتماً إلى تلك النتيجة في وقت لاحق!
* * *
إذن: ما الذي يمكن أن يقدمه الرجل بدرجة أساسية لإدارته الأمريكية من خلال هذه الزيارة، وبدرجة تالية لجمهوره من القراء في العالم، ومن ثم -إن افترضنا أن يحدث ذلك- لليمن؟
علينا أن نتمثل الواقعية بعيداً عن مدى إعجابنا بقلم الرجل ومكانته وذلك بالنظر إلى تلك الميزانية المفتوحة المتاحة له للسفر حيثما يشاء ووقت ما يشاء. والتساؤل: هل يمكن أن يصرف رجل مثل فريدمان وقته وأموال صحيفته ليكتب مجرد بطاقات بريدية تتوخى المجاملة لأصدقائه ومستضيفيه، دون أن يقدم تشخيصاً مناسباً ودقيقاً للأوضاع التي تمر بها اليمن؟ لعل السؤال له ما يسنده، مع ما توليه الإدارة الإمريكية، ومعها أوروبا والعالم، من اهتمام بما يحدث في اليمن، وخصوصاً بعد زخم الأحداث الأخيرة التي عكست تهديداً عالمياً من تنظيم القاعدة في اليمن.
للرجل علاقات واسعة مع كبار المسئولين في معظم دول العالم، وفي اليمن تربطه علاقة قديمة بالدكتور عبد الكريم الإرياني. وربما كان في استقباله الزميل الخلوق فارس السنباني –أحد سكرتارية الرئيس اليمني في الجانب الإعلامي، ورئيس تحرير صحيفة يمن أوبزرفر– الأمر الذي قد يفسره البعض على نحو من الاقتصار على تدفق المعلومات من طرف واحد. لكن ذلك قد لا يتناسب -إلى حد ما من وجهة نظري– مع شخص مثل فريدمان، وإن شكك البعض من جهة أن للرجل علاقة بالعمل السياسي أكثر من كونه إعلامياً خالصاً.
وقد يمكن استشفاف ذلك من خلال ما جاء في مقالته –سابقة الذكر عن اليمن– وحديثه عن القاعدة وتطرقه إلى جوانب الضعف في الحكومة اليمنية. قال "يمكن تشبيه القاعدة بالجرثومة التي يوحي ظهورها بين الملأ على أن هناك خطأ في نظام الحصانة في البلاد. وهناك أشياء خاطئة في اليمن. فهناك حكومة مركزية ضعيفة في صنعاء تحكم على مجموعات مختلطة من القبائل القروية مستخدمة اسلوباً ارتجالياً من الحماية والتعاون والفساد والقوة".
حتى أنه أضاف أيضاً "وهناك مساحات واسعة من البلاد تظل خارج إطار السيطرة الحكومية، وخاصة في الجنوب والشرق، حيث وجد ما بين 300 إلى 500 من مقاتلي "القاعدة" مأوى لهم. ومع ذلك تمكنت هذه "الطريقة اليمنية" من الإبقاء على تماسك البلاد ودفعها إلى الأمام بحذر رغم الحركات الانقصالية في الشمال والجنوب. إلا أن ذلك الأسلوب العتيق والتسارع في تحقيق الأشياء لم يعد بإمكانه أن يسابق الخطوات السلبية". كما قدم معلومات وإحصائيات أخرى وردت في المقال بما فيها الحديث عن شحة المياه. أضف إلى ذلك إيراده عدة مجاملات لبعض الصحفيين الذين التقاهم في منتدى الإعلاميات اليمنيات، وطبع مجاملة أخرى لرئيسة المنتدى وموظفاتها..
لكن مرة أخرى: هل ذلك ما تنتظره منه صحيفته وأمريكا، قياساً على ما ينتظر منه من معجزات؟ هل هذا هو فقط: مجرد معلومات قديمة ملت منها الصحافة والتقارير الغربية. وبضعة مجاملات! قطعاً لا. ولا يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو.
* * *
لماذا علينا أن نشكك ببساطة الأمر؟ ولماذا تتملكنا رغبة عارمة في الحديث عن أن ما يجب أن يقدمه الرجل يجب أن يكون شيئاً آخر.. شيئاً أكبر، ربما بمستوى ماهو مطلوب منه دائماً كصحفي مرموق ومؤثر.
الواقع أن خلفية الرجل، ومكانته وأفكاره ومواقفه، هي من تجعلنا في موقف التشكيك. أتصور أن ذلك المقال الأول لم يكن سوى المقال المطلوب منه – شخصياً- بداية للجانب اليمني. وأنه سيقدم سلسلة مقالات حول اليمن تتعرض لنظرته القادمة عما يجب على أمريكا القيام به هنا في هذا البلد الذي يتمنى أن تزوه ابنتاه الوحيدتان.
في الحقيقة لقد بدأ ذلك بالفعل. فقد تلى ذلك المقال بآخر، كان أكثر وضوحاً، وإن لم يكن بالمستوى المطلوب منه بعد. ففى مقال كتبه بتاريخ 9 من الشهر، تحت عنوان "الأمر كله يتعلق بالمدارس" دعا فيه بلده (الولايات المتحدة الأمريكية) "لبناء المدارس والاهتمام بالنظام التعليمى فى اليمن للحيلولة دون تحول هذه الدولة الفقيرة إلى ملاذ جديد آمن لتنظيم القاعدة".
إذن ربما بدأ بالحديث عما هو منتظر منه. وإنها – بداية - لفكرة جيدة، وجديدة لم تتطرق لها التقارير الغربية بعمق. تلك التي ركزت كثيراً على ضعف النظام، وفساده، والتركيبة الاجتماعية المعقدة.
وهو يعتقد أن هذه الطريقة – التركيز على التعليم - "ستكون ذات تأثير أكثر إيجابية من الصواريخ التى تقصفها أمريكا ضد معاقل القاعدة فى اليمن". لماذا؟ ألا يؤمن فريدمان بالقوة في مواجهة التطرف الإسلامي؟ قد تتسائلون!
الجواب: لا، ليس كما تعتقدون. فالرجل عرف بتمجيده للقوة في حسم الأمور لمصلحة أمريكا. وهذا ما يؤكده قوله "إن واشنطن يجب أن تبنى 50 مدرسة جديدة تدرس العلوم والرياضيات والتفكير النقدى للطلاب من البنين والبنات، مقابل كل صاروخ ضد القاعدة". وهنا عليكم أن تضعوا ثلاثة خطوط حمراء تحت كلمة "مقابل كل صاروخ ضد القاعدة". إنها دعوة واضحة لإشراك أمريكا في الضربات العسكرية ضد القاعدة، لكن تلك الدعوة غلفت بدعوة أخلاقية: الاهتمام بالتعليم وبناء المدارس. عليكم ربط ذلك بخلافات الصقور والحمائم في الإدارة الأمريكية حول ضرورة التدخل الأمريكي باليمن من عدمه.
هاكم أيضاً، اقرأو ما جاء في المقال، يقول: "إذا تقيدنا بصرامة بهذه النسب بحيث كان عدد الحضانات ورياض الأطفال التي نفتتحها مساوياً لعدد عمليات ‏القتل والاستهداف فإن لدينا فرصة لمنع اليمن من أن يتحول أرضاً لتفريخ القاعدة‏". إنه لا يتورع عن كتابة ألفاظ مثل "القتل والاستهداف" بل باتت تخرج منه كأنها أمور عادية، بل وضرورية.
ومع ذلك فتركيزه على التعليم يدخل أيضاً في إطار أفكاره المتعلقة بتجفيف منابع الإرهاب. إذ يعتقد فريدمان أن نظام التعليمفي العالم الإسلامي يأتي كأحد الأسباب المهمة في صناعة آلة الإرهاب. ولنأخذ مثلاً بعضاً من سلسلة مقالاته التي هاجم فيها المملكة العربية السعودية عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. وفي هذا المضمار، يقول الشنقيطي في مقالته التي أشرنا إليها في مقدمة المقال (نشرت في 2002): "بدأ فريدمان حملة عنيفة على السعودية بعيد هجمات 11 سبتمبر 2001، وكتب سلسلة مقالات في "نيويورك تايمز" تطعن في السعودية دولة ومجتمعاً، سياسة وثقافة، مع نقد لاذع للأسرة المالكة بالذات. أحد هذه المقالات عنوانه "عزيزتي العربية السعودية"، وهو في شكل رسالة خيالية إلى صالح الشيخ الوزير السعودي للشؤون الإسلامية من الرئيس جورج بوش، باعتباره أول رئيس أمريكي يرغب في أن يكون صديقاً للسعودية لا مجرد زبون لها" (سلسلة المقالات بما فيها الرسالة نشرت جميعها في كتابه حول هجمات 11 سبتمبر - ص129).
ويضيف الشنقيطي: تدعو الرسالة الوزير السعودي إلى إعادة النظر في البرامج الإسلامية المقررة في المدارس والجامعات السعودية، لأن "عصر الترابط الدولي الذي جعل الأفراد قادرين على امتلاك أسلحة الدمار الشامل يجعلنا بحاجة إلى تأويل لتعاليم الإسلام بما يخدم التسامح والسلم"(ص128).
ولنترك جانباً حديثه عن النسبة والتناسب فيما يتعلق ببناء المدارس مقابل الضربات الصاروخية الأمريكية ضد القاعدة. فإذن تلك هي الفكرة الجديدة التي تفتق عنها ذهن الكاتب الأمريكي الشهير: في البداية ضرورة الاهتمام بالتعليم، وصولاً إلى ضرورة تغيير المناهج، بحذف الأفكار المتطرفة منها. في الحقيقة لقد انتشرت في الآونة الأخيرة – خلال السنوات الخمس الأخيرة تحديداً – أخبار عن توجه سعودي لتغيير المناهج، للتخفيف من حدة تطرفها. ونشرت بعض التقارير الغربية - الأمريكية تحديداً - تضمنت دراسات وأفكار ومعلومات حول عملية التغيير تلك وأهميتها.
بالعودة إلى اليمن، يقدم فريدمان في مقالته حول التعليم خلفية حول نظم التعليم في العالم العربي وما آلت إليه، يقول: "ولا غرو في ذلك، فبدءاً من السبعينات كان الاتجاه في اليمن والمغرب ومصر والخليج الفارسي، كما يوضحه ‏البروفيسور في جامعة الرباط "الحسن حداد" والخبير في الحكم وأنظمة الإدارة الدولية والمتعاقد مع الحكومة ‏الأمريكية، يتمثل في أسلمة التعليم كوسيلة لمحاربة اليسار ومناصري الشيوعية بمباركة الولايات المتحدة". ثم في ‏العام 1979 بعد أن هُزت العائلة المالكة في السعودية بهجوم في مكة شنه متطرفوها الوهابيون، قرر النظام ‏السعودي أن يتقي غضب الوهابيين عبرإطلاق العنان لهم لأسلمة التعليم والحياة الاجتماعية في السعودية ودول ‏الجوار".‏. ضعوا خطاً تحت كلمتي "دول الجوار".
وعليه يؤكد: "عندما ذهبت لرؤية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قال لي في لحظة تأمل "أتمنى أن ينتهي سباق الجيوش هذا ‏ونستعيض عنه بسباق نحو التنمية".‏ على أن فريدمان – وله الحق في ذلك – يعتقد أن تلك التنمية يجب أن تبدأ أولاً بالتعليم. حيث يرى أن "هذه هي الوسيلة الوحيدة التي سيكون فيها لليمن مستقبل. لذا، أجل، فلنقاتل هؤلاء الوحوش أينما كانوا، لكن ‏فلنساعد على بناء مدارس وتمويل منح لأمريكا قدر المستطاع". ومخاطباً إدارته الأمريكية يقول "وأرجوكم، أرجوكم، فلننه إدماننا على النفط، ‏فهو ما يمنح وزارة الأوقاف السعودية والجمعيات الخيرية المال لنشر التفكير المناهض للاعتدال في المنطقة".‏
* * *
ربما كانت تلك الفكرة جيدة، بالنظر إلى أن التطرف بمقدماته إنما جاء عن طريق المناهج المتطرفة. وبإزالة المسبب (باستبدال النظم التعليمية المتطرفة بنظم منفتحه تنبذ التطرف وتجرمه) سينتهي الأمر. لكن هناك من يرى أن تلك النظرة مازالت قاصرة، لاسيما وأن هناك دول غربية درس مناهجها الكثير من المتطرفين، ولم تؤثر فيهم. إن أحد جذور المشكلة لم يقترب منه الرجل. ذلك ما يعتقده البعض: إن تعقيدات ملف الشرق الأوسط، والتعامل الغربي مع المسلمين والعرب على أساس التحيز الواضح لإسرائيل، يأتي في مقدمة أسباب تعزيز التطرف. هذا ما تستند إليه زعامات تنظيم القاعدة في خطاباتها أكثر بكثير مما تستند فيه إلى الاستدلالات الدينية المتطرفة.
فريدمان نفسه، وفي تشخيصه للمشكلة الشرق أوسطية، يذهب في بعض آرائه إلى أن التعامل الغربي مع مشكلة التطرف، كان له نصيب من التعقيد. ففي مقال له بعنوان "1977 ضد 1979"، وهو أحد نتاجات زيارته لليمن، يوضح أن "الشرق الأوسط الذى نتعامل معه اليوم ما هو إلا نتاج اتجاهات طويلة يعود تاريخها إلى عام 1979، ولكن ساعدت واشنطن فى دفع هذه الاتجاهات قدماً، عندما أدارت أذناً صماء لانتشار الوهابية فى المملكة العربية السعودية، بينما مجد الرئيس الأمريكى الأسبق، رونالد ريجان المجاهدين الأفغان وأشاد الأوربيون بثورة الخومينى فى إيران واعتبروها حدثاً تحريريا.." .
مجدداً، دعونا من ذلك، ولنواصل الحديث عما يمكن أن يقدمه الصحفي الشهير لأمريكا والعالم من أجل حل مشكلة التطرف. منذ فترة طويلة، ترجع إلى بداية شهرته، يتهم البعض فريدمان – من خلال كتاباته – بتطرفه ضد العالم الإسلامي والمسلمين. وإن بدت بعض مقالاته المتأخرة متخففة من مهاجمة المسلمين والعالم الإسلامي، وأكثر قرباً من الحلول العامة المستقاة غالباً من واقعنا المعاش. ربما يكون قد توصل إلى قناعة متأخرة بعدم القدرة على تغيير ذلك الواقع بمواجهة القضايا المقدسة لدى العالم الإسلامي والعربي.
بالنسبة لشخص فريدمان: هل يمكن للرجل أن يتحدث عن حلول جيدة، بعيدة عن التطرف والعنف؟ يشكك البعض في ذلك. ويستشهد هؤلاء بمواقفه الداعمة للقوة والحربمثلاً: عندما هددت فرنسا باستخدام الفيتو إذا عُرض مشروع حق استخدام القوة ضد ‏العراق، كتب توماس فريدمان، مقالاً في "نيويورك تايمز" بتاريخ (9/2/2003)، يطالب فيه بطرد فرنسا ‏من مجلس الأمن، لأنها حسب وصفه: "ما زالت في روضة أطفال ولا تجيد اللعب مع الكبار". كما أنه كتب ‏قبل ذلك عن الفلسطينيين يقول: "إن كل ما يريده الفلسطينيون هو الدم والقتل"، وكان للسيد فريدمان موقفاً ‏‏"مميزا" من الانتفاضة الأولى حين قال للصحافة الإسرائيلية في أبريل عام 1988، على إسرائيل أن تفعل في ‏الأراضي الفلسطينية ما فعلته بجنوب لبنان، أي أن تكثف ضرباتها العسكرية ضد الفلسطينيين". (مقتبس من مقال دموع وأحزان توماس فريدمان !! لكاتبه: أحمد بوقرين- صحيفة القدس العربي( .
وفي الإطار ذاته يضيف بوقرين: وكان لفريدمان أيضا موقف "مميز" من التغيير في العراق، فأثناء تمرد الجيش العراقي في الجنوب عام 1991 ‏شرح فريدمان الموقف الأميركي بالقول: "علينا أن نسمح لصدام حسين بسحق المقاومة، وأن أفضل شيء للولايات ‏المتحدة أن توجِد في العراق عصبة عسكرية تحكم بقبضة حديدية، بطريقة صدام نفسها على أن تحظى هذه العصبة ‏بتأييد المملكة العربية السعودية وتركيا والولايات المتحدة، ومن الأفضل أن لا يكون على رأس النظام صدام نفسه، ‏لكن نسخة منه تفي بالحاجة، وهذا ما نسعى إليه ".
الغريب أنه، وفي إحدى مقالاته القديمة (يناير 2004) تحت عنوان " حرب الأفكار"، يتحدث فريدمان عن صعوبة مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة، يقول:"فإننا نواجه أشخاصاً يكرهوننا أكثر مما يحبون الحياة". وفيما أنه لم يتطرق بالتحليل والتقييم لسؤال: لماذا يكرهوننا؟ فقد قدم ثلاثة حلول يعتقد أنها ستكون هي الأنسب للمواجهة، وهي: تحسين معلوماتنا الاستخباراتية لردع واعتقال الارهابيين قبل شروعهم بفعلهموتعلم العيش في أجواء خطر أكبر بينما نحافظ على مجتمعنا المنفتح.وأخيراً: والأكثر أهمية إيجاد سبل لجعل المجتمعات التي يأتي منها هؤلاء الإسلاميون تردعهم أولاً، فهم الوحيدون ‏الذين يعرفون أناسهم، وهم الوحيدون القادرون على كبح متطرفيهم.
إن تلك الحلول الثلاثة، لا تتوخى أبداً مصلحة العالم، بقدر ما تتوخى مصلحة أمريكا فقط، على حساب العالم، والعالم الإسلامي والعربي تحديداً. وإذ قد يدخل في إطار سبل الحل الثالث، المطالبة بتغيير المناهج الدينية، فإن الأخطر في الحل ذاته: مطالبته بجعل الصراع داخلياً بين الجماعات المتطرفة وحكوماتها الإسلامية والعربية.
أخيراً: إن ما سبق لا يقلل من كون الرجل صحفياً وسياسياً بارعاً ويمتلك القدرة على التشخيص وتقديم الحلول. لكنه ربما يجعلنا نعزز قناعاتنا أن الأمة الأمريكية، بكثرة تنوعاتها الثقافية والفكرية، تمتلك رجالاً مؤثرين في العالم، لكن ثبت أنهم يضعون مصلحة أمريكا فوق مصالح مادونها من الأمم.
وأما ما يتعلق بالشأن اليمني، فالواضح أن الرجل مازال لديه الكثير مما سيكتبه في الأيام القليلة القادمة. فهو لم يخرج من المعلومات التي حصل عليها من خلال لقاءاته بالرئيس اليمني والمسئولين سوى القليل جداً.
خلاصة الأمر هنا أن كل ما سيكتبه، يعتقد أنه لن يتجاوز مصلحة بلده "أمريكا" التي يكن لها حبه الكبير، ويضعها فوق كل اعتبارات المهنة والأخلاق. على أن الأمر غير المدرك هنا: كيف سيمكنه الإلمام وتفكيك تعقيدات الدولة والنظام والحكومة والتركيبة الاجتماعية اليمنية..تلك التي أفضت إلى مجموعة متراكبة من الأحداث السلبية المترابطة بعضها ببعض؟ يبدو أن هذا الأمر لن يكون مهماً بالنسبة لرجل حضر ليقدم حلولاً لبلده، يسعى من خلالها إلى عدم تعرض مصالحها للخطر في المستقبل. هذا ما ستكشفه بقية قصة زيارته لليمن.
-------------
نشر في فبراير 2010