الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

جار الله عمر، الشيخ الأحمر، بن شملان..لحظات وفاء مع الخالدين في مسار التحولات التراكمية لليمن الكبير


في مثل هذا الشهر، واليوم، وبعد أيام قليلة فقط، تهل علينا ذكرى رحيل ثلاثة من أبرز شخصيات اليمن المؤثرين في مسارها السياسي والحزبي والإجتماعي. تلك المسارات التي مهدت لبلوغ التغيير والتحول السياسي الذي تعيشه بلادنا اليوم، بعد 33 سنة من حكم الفرد، والعائلة، والقبيلة..
الشيخ عبد الله الأحمر، الذي وافته المنية في 28 ديسمبر 2007، الأستاذ جار الله عمر، الذي اغتيل في 28 ديسمبر 2002، والمهندس فيصل بن شملان، الذي غادرنا في أول يناير 2010.
ما كان لنا أن ننسى عظمة مثل تلك القامات في خضم هذه التحولات الإيجابية التي تمر بها البلد اليوم، وهم الذين وضعوا بصمات واضحة ومؤثرة، في مسار هذا التحول السياسي التراكمي.
ومع هذه الأفراح التي بدأت تغشى الشعب اليمني الذي ناضل بجساره في طريق تحقيق الحلم وقطف الثمرة، لربما شعرنا أنه لحري بنا أن نتذكرهم طائفين على ثراهم الطاهر، محاولين، بالقدر الذي تستوجبه اللحظة التاريخية ويفرضه علينا الوفاء، الإحاطة بأعمالهم العظيمة.
عبد الحكيم هلال

-------------------------------

في الذكرى التاسعة لرحيله

جار الله عمر: مهندس اللقاء المشترك .. ومرسي أسس التغيير


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
الأربعاء 28 ديسمبر، تحل الذكرى التاسعة لاغتيال رجل السياسة الفذ، المنقذ لحزبه ومؤسس الحوار الداخلي بين المختلفين، مهندس أقوى كيان للمعارضة اليمنية المتمثل باللقاء المشترك.

اغتيل جار الله عمر في المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح في 28 ديسمبر 2002، بعد دقائق قليلة من نزوله من المنصة عقب انتهائه من إلقاء كلمته التاريخية بالمناسبة. وقد اعتبر مراقبون أن تدبير تصفية عمر في هذا المؤتمر بشكل خاص لتحقيق هدفين:

-الأول: التخلص من رجل لطالما ظل يشكل خطورة سياسية تمثلت بمترافقين: تبنيه مواقف تسامحية مستنيرة تدعو إلى ركل الماضي والتقارب بين أحزاب المعارضة لتشكيل قوة معارضة مؤثرة تكون قادرة على التغيير. ولمواقفة القوية والشجاعة المناهضة لنظام صالح وفساده.
-الثاني: محاولة لوأد الجنين المتمثل بتحالف المعارضة - الذي كان قد بدأ يتشكل من خلال مجهوداته - بجره إلى دوامة الخلافات والصراعات البينية.

بدأت خطورة جار الله عمر تتجلى، بداية، من خلال دوره البارز في إعادة بناء الحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب صيف 1994، حين كان ما يزال عضواً في مكتبه السياسي، رئيسا لدائرته السياسية. ومن ثم برز أكثر بعد انتخابه أميناً عاماً مساعداً للحزب في دورته الثانية عام 2000، ليواصل تبنيه حوارات سياسية مع أحزاب المعارضة الأخرى ذات القوة والتأثير في الساحة بهدف توحيد جهودها في كيان واحد يكون أكثر قوة وتأثيراً، وهو ما تم لاحقاً بإعلان تشكيل هذا الكيان تحت اسم «اللقاء المشترك».

كانت نظرة جار الله عمر ليست مستقبلية عميقة فحسب، بل ذات أبعاد وطنية خالصة ترمي إلى إنقاذ الوطن - في وقت مبكر – من وهدة السقوط في براثن الصراعات والتفكك والانهيار. حيث كانت تجليات المشكلة اليمنية – بكافة جوانبها - قد بدأت تنتقل تدريجيا من التشكل لتتحول إلى أزمة معقدة بشكل أكثر وضوحاً.

ولقد كان يمكننا أن نقف أمام عمق تلك النظرة، في كثير من مواقف وتصريحات وكتابات المفكر السياسي ومناضل التغيير الفذ، هذا. بيد أننا هنا نفضل نستعرض تلك النظرة من خلال بعض ما تناولته مضامين كلمته الأخيرة التي ألقاها في مؤتمر الإصلاح، قبل دقائق من اغتياله:
في تسع نقاط، لخص الشهيد «أهم العبر ذات الصلة بالأوضاع الراهنة». ومع أن جميعها تستحق أن تعرض كأجندة عمل متكاملة، إلا أننا – نظرا لطبيعة هذه التناولة – سنكتفي بعرض أهم ما يتعلق بنظرته الخاصة لمستوجبات تأسيس كيان معارضة موحد لإنقاذ البلاد.

في النقطة الخامسة، أعتبر «أن تقوية النظام السياسي للبلاد يفترض وجود معارضة قوية مستندة إلى مجتمع زاخر بالحراك والفعالية والمنظمات الأهلية المستقلة بعيداً عن السيطرة الرسمية وبالصحافة الحرة المؤثرة والإبداع الحر ولا شك أن قيام اللقاء المشترك يشكل خطوة على هذا الطريق بعد أن أصبح اليوم إحدى حقائق الحياة السياسية في اليمن».

وبعد أن سرد تجارب مشتركة سابقة بين أحزاب المعارضة قال أنها أثبتت «الاتفاق على مواقف مشتركة لصالح توفير الشروط لتسوية المسرح السياسي الوطني الذي يسمح بالتنافس الحزبي الحر في ظل الظروف الراهنة ومقاومة نزوع بعض الأوساط الحاكمة نحو مزيد من الهيمنة والسيطرة على إرادة الناخبين واكتساح الساحة السياسية الوطنية برمتها وتوزيع حصص ضئيلة على بقية الأحزاب كهبات».

بعد ذلك، أنتقل إلى البؤرة بعرض المبررات التي تفرض على الجميع في المعارضة العمل على مواصلة هذه التجربة من خلال تأسيس كيان موحد، واضعاً الجميع أمام استحقاقات المرحلة القادمة، من حيث «إن اليمن بحاجة إلى إرساء دولة النظام والقانون، دولة المؤسسات كي نتفرغ لمواجهة التحديات الكبرى في المجالات المختلفة وأهمها تعثر التنمية وشح المياه وتكاثر السكان وتفشي الفقر والفساد والأمية وتهميش المرأة وتراجع الهامش الديمقراطي وسيادة التخلف العلمي والمعرفي حتى بمقاييس البلدان المتخلفة إلى جانب العجز أمام تحديات العولمة وقادها المؤثرة التي ستفرض مصالحها ورؤاها وسياستها وقيمها على الآخرين دون اكتراث باحتجاجاتهم الصاخبة.

إن هذه التحديات الكبيرة الداخلية والخارجية تفرض على كل القوى السياسية الحية والفعاليات الاجتماعية في السلطة والمعارضة النهوض بواجباتها والدخول بدون تردد في حوار جاد ومسؤول وصولاً إلى بلورة ما يمكن الاتفاق عليه من أهداف مشتركة والسعي إلى تحقيق تلك الأهداف ولو بأساليب متباينة حسب موقع كل طرف داخل المجتمع وتأثيره وسط فئاته المختلفة، ذلك أن النجاح في الوصول بالحوار الوطني إلى أهداف مشتركة أنفع للوطن والمواطنين من استمرار الاختلاف على كل شيء مع الاحتفاظ لكل طرف بالحق بالتمسك بما يراد حيوياً من أهداف ورؤى وبرامج خاصة»...وكانت تلك هي أبرز معالم تشكل اللقاء المشترك، لاحقاً، وفقا لتلك المحددات التي قدمها.

واليوم، وبعد مرور تسع عجاف على اغتياله، هاهو الجنين الذي كان ينصح الآباء بضرورة رعايته في رحم الحوار السياسي، من أجل إنقاذ البلاد ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية..هاهو قد ارتوى بدمائه وتخلق ونما وترعرع ونشأ في ظل الحوار الذي أسسه الراحل، حتى بلغ مرحلة الشباب، مرحلة الفتوة والقوة والاستعصاء ليقود مع شباب اليمن «ثورة تغيير شعبية».

ولما كان جار الله عمر يعلن رفضه القاطع للعنف، وينادي بالنضال السلمي لإحداث التغيير، حفاظاً على المواطن والوطن، فقد حدث ذلك بالفعل. وهاهو نظام صالح قد بدأ ينكسر ويتهاوى قطعة قطعة أمام صدور فتية عارية فضلت أن تواجه بها الرصاص والمدافع والقوة الغاشمة.

أما الآن، فقد حق لنا أن نعلمك وأنت في ثراك الطاهر: أن المسار الذي رسمته، كان خريطة للثورة الشعبية السلمية، وأن النتيجة التي حلمت بها، باتت أقرب ألينا من مجرد حلم.
---------------------------------

في الذكرى الرابعة لوفاته

الفقيد الأحمر: حكمة الشيخ لم تمنع جسارته في المواجهة


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
قبل أذان مغرب عقد من الزمان، يوم مقتل الشهيد جار الله عمر، كنت في ديوان الشيخ المرحوم عبد الله بن حسين الأحمر. اليوم الذي كانت تمر فيه البلاد بواحد من أخطر التحديات السياسية في تاريخها السياسي الحديث. فلقد كانت تجربة تحالف المعارضة – التي لم تكن سوى في بدايتها – على المحك. عكس خطورة الأمر، هذا الحشد الكبير الذي اكتظ به ديوان الشيخ بأهم قيادات أحزاب اللقاء المشترك، لمناقشة تداعيات الحادث وموجبات التصرف المفترض والمطلوب فيه التصرف بشكل دقيق وحساس يتماشى وحجم الكارثة..

وفي خضم النقاشات، استقبل الشيخ عبد الله اتصالاً مهماً، جعله يرفع يديه لتهدئة الأصوات التي خفتت بشكل آلي. كان الاتصال من الرئيس علي صالح. ومن خلال الأخذ والرد أدرك الجميع أن صالح كان يطلب من الشيخ تسليمه التسجيل المصور لاعترافات القاتل. رفض الشيخ الطلب بشكل غير قابل للتراجع، قائلا: هذا الأمر لا يخصني وحدي بل يخص جميع قيادات اللقاء المشترك وبالأخص حزبي الإصلاح والاشتراكي، المتضررين الرئيسيين من عملية الاغتيال المدبرة. لدقائق متواصلة من الحديث التلفوني كان إصرار الشيخ واضحاً على الرفض، أمام محاولات وتهديدات الرئيس، التي اتضح لاحقاً – عبر حديث الشيخ للحاضرين - أنه هدد بتحميل الشيخ وأولاده وحزب الإصلاح جريمة التدخل في أعمال الدولة وانتهاك القانون.

كان ذلك التسجيل، الذي تضمن اعترافات المتهم بالجهة التي أوعزت إليه بتنفيذ العملية، نتيجة التحقيق مباشرة معه بعد ارتكاب العملية من قبل قيادات مشتركة في الحزب الاشتراكي، الإصلاح، وبعض أولاد الشيخ، هو الدليل القاطع والمنقذ الذي حافظ على تماسك وحدة المعارضة بعد أن استهدفت بشكل واضح من قبل النظام.

واليوم، ومع حلول الذكرى الرابعة لرحيل حكيم اليمن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، الذي توفى في 28 ديسمبر من العام 2007، في الرياض، بعد معاناة طويلة مع المرض استمرت سنتين تقريبا...في مثل هذا اليوم استهوتني مثل تلك الشجون لتوعز لي ما يستوجب الإنصاف فيما أثاره الشيخ من جدل في حياته.

 وخلال تاريخه السياسي والاجتماعي الطويل والحافل، تعرض الشيخ عبد الله الأحمر – شيخ قبائل حاشد القوية – لمضايقات شخصية كثيرة استهدفت إضعاف قوته وتأثيره الاستثنائي والواضح على الحياة السياسية. لكن ومع ذلك، ظل هناك من يكن له عداوة كبيرة، من خارج النظام، معتبرا إياه أحد حلفاء الرئيس، وعده البعض سببا رئيسيا في تقوية نظامه المتداعي. وفي المقابل كان كثيرون يعدونه رمزا للقوة والبسالة والشجاعة. ما جعله ذلك التناقض مثار جدل أثناء حياته وبعد مماته.

والأرجح، أن التيار العقلاني، ممن عرفوا وعايشوا الشيخ، ظلوا يضعونه موضع تقدير دائم قياسا بمعظم مواقفه التي أتسمت بالوطنية، تباعا لأدواره النضالية التي بدأت قبل ثورة سبتمبر 1962، وتواصلت إلى ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية (1990). وعليه فإن مثل هؤلاء ينظرون حتى إلى تلك المواقف التي يراها البعض منحازة للرئيس، على أنها مواقف طبيعية غلبت عليها الحكمة والتسامح والوطنية وغيرها من الصفات التي تطبع عليها الشيخ وبلغها من طول التجربة والخبرة.

وفي الواقع، ومن خلال تلك المواقف، فإن النسبية تؤكد أن الشيخ عبد الله الأحمر لم يكن منحازا للرئيس، أكثر من انحيازه للوطن. ويدرك السياسيون الحصيفون، ارتكازا على حجم الشيخ وقوته وتأثيره، أن حكمة الشيخ أنقذت اليمن من صراعات كبيرة مبكرة، كتلك التي واجهها الوطن بعد وفاته حتى بلغت ما يشبه الحرب الأهلية في الحصبة خلال الأشهر الماضية. وأغلب الظن أن هذا التيار العقلاني المتعاظم، في الوقت الذي يؤمن فيه بشكل راسخ أن معظم مواقف الشيخ عبد الله المتسامحة والحكيمة جنبت اليمن صراعات كبيرة، إلا أنه لم يتوانَ لحظة في معارضة تجبر وتسلط الرئيس ونظامه بشكل صريح وقوي، لاسيما في تلك القضايا المصيرية التي لا تتعلق بالعلاقات الشخصية الحميمية. كما أن الشيخ، الذي ظل محافظا على خصلة الوفاء في المواقف التي لا تتعدى تأثيراتها الحياة العامة، إلا أنه كان يعمل بخبره وذكاء على تفكيك منظومة القوة الخاصة للرئيس صالح في إطار حزبه التجمع اليمني للإصلاح، لاسيما بعد أن شعر بجنونية الرغبة في توريث الوطن، ما جعل صالح يتعامل معه كرجل خطير يتوجب إزاحته، ولكن بحرص شديد كان يتوخى فيه أن لا يفقده كحليف بشكل صريح. وفي الوقت الذي كان يحاول فيه إضعافه وقصقصة أجنحته، كان الشيخ عبد الله، يدرك ذلك تماما، ليتعامل معه بالطريقة ذاتها عبر عدة محاور كان بضمنها (إلى جانب الاندماج غالبا مع سياسة حزبه التجمع اليمني للإصلاح في إطار قرارات تحالف اللقاء المشترك)، تأليب القبائل ضده، وتشجيع نجله الشيخ حميد في مواصلة منهجه المناوئ لصالح. لكن، وفيما كانت مواقف الشيخ المخالفة لرغبات صالح تتشكل وتتضح أكثر أثناء وبعد انتخابات 2003 النيابية، وما بعدها، إلا أن المرض الذي أقعده الفراش وغادر به إلى العلاج في الخارج والتغيب عن العمل السياسي لقرابة عامين، كان فرض عليه تهدئة المواجهة من جهته فقط، دون حزبه ونجله وأنصاره من شيوخ القبائل. وذلك ربما في أغلب الظن، خشيته من أن ينشب صالح – الذي عرفه تماما – أظافره في الحياة السياسية العامة وفي أسرته أثناء ضعفه ومن بعد رحيله.

ومع ذلك، فإنه وأولئك الذين اقتربوا منه، وكذا أولئك العارفين أكثر بطبيعته الجسورة، يجزمون أن موقف الشيخ - بعموميته - من حكم صالح لم يكن ليتجاوز ما قام به أبناؤه من بعد وفاته. إذ أن ذلك العداء الذي برز مع الأحداث الأخيرة بشكل جلي وكبير، ليدل أصلاً على ما كان الشيخ يرغب به في حياته، غير أن الفرصة المواتية لم تكن قد سنحت له بعد كما سنحت لأبنائه، مع قدوم «الربيع العربي» وإصرار الشعب اليمني على إزاحة صالح ونظامه.

على أن الاختلاف هنا ربما كان أكبر من حيث قدرة الشيخ المرحوم في التأثير على القبائل وجعلها تواجه بقوة أكبر جبروت وصلف هذا النظام العسكري الأسري. وثمة حقيقة أخرى، تأتي من الإجابة على السؤال التالي: إذا كان أولاد الشيخ عبد الله قد واجهوا تلك العنترية غير المبررة بتلك البسالة والشجاعة، فكيف كان سيكون الأمر فيما لو كان الشيخ موجودا؟

أغلب الظن لربما ما كان لصالح وأنجاله وأولاد أخيه أن يقومون بما قاموا به مؤخراً من استهداف منزل الشيخ على ذلك النحو الاستقوائي البغيض. وإن حصل فربما كانت العاقبة أشد وطأة من تلك التي تعرضت لها قوات الأسرة الحاكمة من هزائم متكررة، لم تزد إلا أن أعادت هيبة الشيخ وقوته من بعد رحيله.
------------------------------

في الذكرى الثانية لرحيله

بن شملان والتضحية من أجل اليمن.. رأس حربة التغيير


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
 1 يناير من هذا العام، تحل الذكرى الثانية لوفاة المهندس فيصل بن شملان الذي توفى الجمعة أول يناير 2010، «أول رئيس من أجل اليمن.. رئيس للمقهورين». ومع أنه لم يفز بالرئاسة، إلا أنه وعلى هذا النحو يفضل تسميته قرابة أكثر من مليون ونصف يمني، هم قوام من منحوه أصواتهم في أول انتخابات رئاسية (في سبتمبر 2006) يجد فيها الرئيس صالح منافساً وخصماً شرساً.

لقد خاض فيصل بن شملان أول منافسة انتخابية حقيقة ضد صالح، تحت شعار«رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس». وكان اعتبر قبوله المنافسة والترشح في ظل تلك الظروف الصعبة والحرجة والمعقدة، بمثابة «التضحية» من أجل اليمن. ولإنقاذ اليمن من الانهيار، ولكسر حاجز الرهبة، ولإرساء مداميك التغيير.

فبعد مسرحية صالح الشهيرة حين عاد وأعلن قبوله الترشح مجددا للرئاسة في 24 يونيو، (استجابة لـ«دموع النساء والأطفال والمسنين» بحسب ما قال)، ناكثاً العهد الذي كان قطعه قبل عام تقريبا (في يوليو 2005) بأنه لن يترشح، قررت المعارضة أن تبدأ مرحلة العمل الجدي وكسر الرهبة والجمود الذي سيطر على الحالة السياسية اليمنية لأكثر من عقد ونصف (منذ قيام الوحدة اليمنية 1990) بسبب سيطرته على مفاصل وأجهزة الدولة. وحين قررت ذلك، لم يكن أمامها رجل أقدر وأقوى وأجسر غير المهندس فيصل بن شملان. ولهذا، ولأنه قبل الترشح للرئاسة بعد محاولات إقناع عديدة، فقد وصفه البعض أنه قبل القيام بعمل جبار أن يكون «رأس حربة التغيير».

ليس ثمة شك من ذلك. فآنذاك، ومذاك، كُسر «صنم التقديس» للرجل الوحيد. ولقد شُرخت الرهبة التي سادت المعترك السياسي لسنوات. الرهبة من مواجهة «سوبرمان» اليمن، الذي ينام و«يمدد» جسده وأطرافه ملء عرش الدولة، ثم يصحو دون أن يجد حتى مجرد ريح طفيفة تلفحه. بجسارة خاض المهندس المنافسة، وحقق ما هو أكثر من المتوقع. وعوضاً عن جسارته، بكلماته الشجاعة والصريحة التي هزت عرش «السوبر مان»، كان الطاؤوس يفرد ريشه المزهنق بالألوان، أمام الحشود المليونية، في التلفاز (للمرة الأولى)، خلال المقابلات الصحفية...الخ، كاشفاً أسراراً وفظائع لم يكن ليجرؤ أن يقول بمثلها أحد من قبل، في ظل تلك الظروف التي كانت ما تزال تمنح صالح كل مفاصل القوة والبطش. لكن، هاهو، كل ذلك التاريخ السابق، بات جزءاً من الماضي، وبدأ الناس – بعده – يصرخون أكثر، يرفعون رؤوسهم أعلى، يقولون بالعلن ما كانوا يتهامسون به بالسر.

لقد بدأت المعارضة بتدشين مرحلة جديدة من العمل السياسي عبر بن شملان، وحظي المهندس الخلوق بخاتمة «المسك» لحياته الزاخرة بالنزاهة والعفة والوطنية.

دعونا من ذلك التعميم، ولنتحدث عن مبادئ بن شملان في التغيير. نظرته لما يجب أن يكون عليه الحال في دولة ديمقراطية، مدنية، رشيدة، ترغب في تجاوز أزماتها. نظرته في الحل الذي يجب أن يكون للخروج من النفق المظلم الذي أدخلنا فيه رئيس بصلاحيات خارقة.

ومع أنه لم يكن ليهدأ بخصوص الحديث عن المشاكل الاقتصادية المتكالبة على البلاد، إلا أنه كان كثيرا ما يركز على أن المشكلة الرئيسية التي تواجه اليمن تنبع أساساً من المشكلة السياسية، ومن دون إصلاح النظام السياسي «لا يمكن تحقيق أي شيء»، هكذا بدأ بن شملان تدشين العملية السياسية الاستثنائية في أول مؤتمر صحفي (في 8/7/2006) عقده بعد قبول أوراق ترشحه. وفي لقاء مع قناة الجزيرة (30/8/2006) أكد الفكرة ذاتها، وزاد فيها: أن تأتي البداية بالانتقال إلى نظام سياسي «يكون فيه الرئيس شبيه برمز البلد ولكن السلطة الحقيقية نريد أن ننقلها إلى الأجهزة الحقيقية مجلس الوزراء والنواب والشورى والقضاء».

ألم تكن تلك هي المشكلة حقاً؟ بلى. وهل بلغنا هذا الحد من التخلف المجانب لكل نظريات التحول السياسي في البلدان الديمقراطية، إن لم يكن الحال كذلك. بل أكثر من ذلك، في مقابلة مع جريدة الرياض السعودية في 18 يوليو 2006، طالب بن شملان بإخضاع رئيس الجمهورية للمحاسبة والحد من صلاحياته.

ولاحقاً، سمعنا أن أحزاب المعارضة بدأت تتحدث بمثل تلك الأفكار. ومن تلك الأفكار، وبعد أن فتح المهندس الباب، تدحرجت الصخرة الضخمة لتستقر وسط الغرفة. ودخلت المعارضة في حوار شديد الخصوصية، شديد الصرامة حول مبادئ النظام السياسي المطلوب لإدارة البلاد خلال المرحلة القادمة، كانت تضع تغيير شكل النظام في مقدمة اشتراطاتها. وبعد عام من وفاة المهندس، كانت الصخرة تواصل تدحرجها إلى الأمام، حتى توقفت قبل مسافات من الهدف. حينها (أواخر العام 2010) مزق صالح مسودة الاتفاق ووضع نفسه في فوهة البركان. في هذه الأثناء، لم تكن المعارضة لتقبل التراجع عن ضعف. واصلت التصعيد واستقبلت نفحات الربيع العربي على ذلك النحو، لتجدف في الاتجاه الذي فرضه شباب الثورة، مع أنها من صنعت المركب بداية.

كان اللقاء المشترك، بنضاله الطويل والمتواصل، جزءاً من العملية من قبل ومن بعد. ولقد كان لابن شملان تصريحات سابقة تؤكد أن هذا الكيان هو من بيده إنقاذ اليمن. وطالب الجميع بالعمل معه، وقال: إن المشترك «بكل تأكيد سيواصل تواصله وتقاربه لإنجاح مشروعه في الإصلاح السياسي والوطني». لقد كان، فعلاً، يؤمن - بنظرته الثاقبة - أن اللقاء المشترك هو الرافعة التي من المفترض أن تحمل التغيير، من حيث «أن إصلاح الوطن –أي وطن- يتم عبر تنفيذ برنامج يحمل مشروعا متفقاً عليه، يشخص المشكلات ويضع الحلول، وهذا هو برنامج اللقاء المشترك، والذي يحتاج أيضا ليكون وثيقة وطنية بدلا من كونه برنامجا حزبيا. وفي الحقيقة نريد حتى الناس الآخرين أن يدخلوا فيه، لأنه خطوط عامة في الأساس». (مقابلة مع النداء، 5 يوليو 2006م). في نفس الوقت، الذي كان يحفز الشباب على التغيير وعدم السلبية، قائلا: أرجو أن يكون ذلك حافزاً لكل الشباب أن يتجمعوا للمعترك السياسي الاجتماعي دون خوف أو وجل وأن يوقنوا من أن حالة البلد في خطر حقيقي من حيث الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وأن الفساد السياسي القائم أصل كل فساد وعليهم ألا يتفرجوا فقط على مستقبل بلادهم وأولادهم.

وبشكل عام، أكد على ضرورة النضال من أجل التغيير «وفي النهاية ليس أمام الناس إلا أن يناضلوا حتى يتغير الوضع، وهذا التغيير لن يحدث تلقائياً. ومشكلة اليمن ليست الرئاسة فقط، لكنها في توجه الحكم والسلطة؛ لذا لا بد أن يتحرك الناس من أجل التغيير، لأن هذه الأوضاع ليست دستورية وليست قانونية وليست وطنية وليست دينية». (مقابلة النداء:5 يوليو 2006م).

لقد ظل رأس حربة التغيير هذا، يتحلى، كما هو اليوم حال شباب الثورة الشعبية، بموقف أكثر عدائية من رأس النظام، لا سيما بعد استمرار هذا الأخير السعي لتأميم الحياة السياسية بالقوة. فبعد انتهاء الانتخابات، ظل مصرا على رفضه تهنئة صالح على الفوز، من حيث أن التراجع عن موقفه سـ«يعتبر خذلاناً للناس»، معتبرا «أن هذا الحكم مغتصب»، حسب مقابلة أجرتها معه صحيفة النداء بعد الانتخابات، أواخر العام 2006. وقال إن «النظام يريد أن يستمر الناس في الطاعة العمياء، وفي اعتقادي هذه هي المشكلة الحقيقية».

واليوم، هاهم الشباب اليمني الطامحون للتغيير، ومعهم في المقدمة أحزاب اللقاء المشترك، قد كسروا كل تلك القيود، لينتصروا على الظلم والطغيان.
-----------------------
نشرت في صحيفة المصدر الأسبوعية: الثلاثاء 27 ديسمبر 2011 - العدد 186






الأحد، 25 ديسمبر 2011

السفير الأمريكي بصنعاء: المبادرة الخليجية حققت 90 % من مطالب الشباب (تقرير موسع)


قال انهم يترقبون إصدار قانون الحصانة.. ولم ينف الاستعدادات لمغادرة صالح إلى واشنطن

المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
لم ينف السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين الأنباء التي تحدثت عن استعدادات جارية لسفر الرئيس علي عبدالله صالح إلى الولايات المتحدة للعلاج.
وفي حين أشاد بمستوى الأداء الحكومي وانجاز المطالب الرئيسية في إطار المبادرة والآلية التنفيذية، أكد أن التحديات الأكثر صعوبة لا زالت قائمة، وقال إن المجتمع الدولي بانتظار إصدار وتفعيل قانون الحصانة المتضمن أحد بنود المبادرة الخليجية.

وعقد فايرستاين مؤتمرا صحفيا مصغرا عصر اليوم السبت في مقر السفارة حضره المصدر أونلاين إلى جانب وسيلتين إعلاميتين أخريتين، تحدث فيه عن ابرز القضايا الراهنة وما يتعلق بمسار تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.

• تمهيد وإشادة بالإنجازات
وفي كلمته التمهيدية للمؤتمر، أشار السفير إلى أن هذا اللقاء يأتي بعد مرور شهر على المرحلة الانتقالية والتوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة في الرياض (23 نوفمبر). ومن وجهة نظره يرى أنه قد تم إنجاز ما هو أكثر من المتوقع خلال هذا الشهر، وأنه "تم الوفاء بالمطالب الرئيسية" التي تضمنتها المبادرة والآلية، مشيدا بجهود كل من نائب الرئيس عبده ربه منصور ورئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوه، وفي هذا الصدد، قال "نعتقد أنهم قد ابلوا بلاء حسنا".

وإذ أعرب عن سعادته بمستوى أداء الحكومة والكفاءات التي اختيرت لها من الطرفين، قال "نحن مقتنعون بأداء الحكومة حتى هذه المرحلة"، موضحا بأن الاجتماعات التي عقدت خلال الأيام الماضية مع الوزراء الجدد "كانت مثمرة ونتطلع للعمل معهم خلال العامين القادمين"

• تحديات المرحلة القادمة
ومع ذلك، إلا أن السفير أكد بأن المجتمع الدولي "يدرك بأن التحديات الأكثر صعوبة ما تزال ماثلة أمامنا". وإذ أشار إلى أن ثمة مطلب «الانتهاء من الإعداد للانتخابات»، وبالتالي «العمل على تفعيل قانون الحصانة»، قال أن التحديات الأخرى تتمثل بمواصلة جهود تحسين الوضع الإنساني والأمني في الطرقات لإكمال سيطرة الحكومة على المحافظات والعاصمة، معتبرا أن ما سبق الإشارة إليه «ما تزال من التحديات الرئيسية الماثلة أمام الحكومة».

وفي السياق دعا السفير الحكومة الجديدة لأن تعمل خلال الأسابيع القادمة على ترجمة التطور المحرز خلال الفترة الماضية في العملية السياسية إلى إحراز تقدم ملموس في جانب التنمية الاقتصادية. واستدرك: «ولكن لسوء الحظ أن الخطوات التي من شأنها أن توفر الخدمات الضرورية إعادتها للمواطنين لم يتم العمل عليها بعد»، مستشهدا بهذا الصدد بإعادة خدمة التيار الكهربائي، وتوفير المشتقات النفطية والغاز المنزلي، والمياه..الخ

ويعتقد السفير بأن ثمة تحدي آخر لا يقل أهمية ويتمثل بعدم وضوح المعلومات وعدم كفايتها لدى العامة من الناس بخصوص مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية «حتى يدعمونها خلال المرحلة القادمة»، وعليه أضاف «ولسوء الحظ فنحن ما زلنا نشهد تظاهرات مثل هذه المسيرة اليوم» في إشارة إلى مسيرة الحياة التي كانت – أثناء هذا اللقاء - على مشارف العاصمة صنعاء.

• الموقف من مسيرة الحياة
أبدى السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين موقفاً معارضاً لمسيرة الحياة معتبرا أنها غير سلمية واستفزازية الهدف منها إثارة الفوضى.

وفي رده حول ما إذا كان لدى السفارة موقف معارض لمسيرة الحياة، قال «نعم»، وأضاف «نحن لا نعتقد أن مثل هذا العمل يصب في مصلحة البلاد». ومع انه أستدرك بتأكيد وقوف الولايات المتحدة ودعمها لـ«حقوق الشعب اليمني بالتظاهر السلمي..ونستمر في مواصلة هذا الدعم»، إلا انه عاد وقال: «يبدو لنا أن نية هؤلاء [أي من قاموا بالمسيرة] ليس القيام بمسيرة سلمية ولكن الوصول إلى صنعاء بهدف إثارة الفوضى والتسبب برد عنيف من قبل الأجهزة الأمنية» وأضاف «وهذا ليس قانونيا، وبالتالي فإن الحكومة لديها الحق بالحفاظ على القانون، وتقع عليها المسئولية في ذلك». وأضاف «وإذا قال الناس أنهم يريدون أن يصلوا إلى قصر الرئاسة والبرلمان لمحاصرتهما فإن هذا ليس شرعيا».

وكانت مسيرة الحياة التي انطلقت من تعز الثلاثاء الماضي (20 ديسمبر) ووصلت مشارف صنعاء مغرب هذا اليوم، قد تعرضت لهجوم من قبل قوات الأمن المركزي التي استخدمت الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع ما تسبب بمقتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص وإصابة العشرات في إحصائية أولية نشرت في وقت سابق.

وردا على سؤال المصدر أونلاين بشأن دقة المعلومات التي استقتها السفارة للحكم على المسيرة بأنها غير سلمية، مع أنها تعلن سلميتها، جادل السفير بهذا الشأن حول معنى السلمية، متسائلا «أنا لا أدري ما هو تعريفك لمعنى السلمية»...وقال أن وجهة نظره أن «السلمية ليست فقط بعدم حمل السلاح...فمثلا إذا قرر ألفين شخص عمل مظاهرة نحو البيت الأبيض فإننا لا نعتبرها سلمية ولن نسمح بذلك». وأضاف «أن لا تحمل سلاحا، فهذا لا يعني بالضرورة انك سلمي»..فالاستفزازات – في نظره - قد تؤدي إلى المزيد من ردة الفعل والعنف، وهذا لا يفيد البلاد والحكومة الجديدة وقد يعيق تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

•الموقف الأمريكي من مواصلة الاعتصامات 
أثناء حديثه التمهيدي كان السفير قد أعرب عن وجهة نظره بخصوص مواصلة الشباب اعتصاماتهم في الساحات، وقال"نعتقد أن الوقت قد حان لأن تنتهي هذه الأنشطة من الشوارع". ورؤية السفير تلك تأتي من حيث أنه يرى بأن «المبادرة الخليجية والحكومة الجديدة توفر الفرصة للشباب في تحقيق الأهداف التي خرجوا إلى الساحات من أجلها»، مضيفا «والناس الجادون الذين يرغبون بناء يمن جديد وديمقراطي، يتوجب عليهم أن ينتهزوا الفرصة هذه الفرصة لتحقيق الأهداف».

وإذ أكد أنهم يدركون فعلا أن البعض غير مقتنع بهذه العملية السياسية [المبادرة الخليجية]، ولا يمكن إقناعهم إطلاقا بهذا الحل، لكنهم قليلون جدا. ومع ذلك أعتبر - في سياق اللقاء - أن «هؤلاء لديهم الحق في شرح وجهة نظرهم كما لديهم الحق في الخروج بمسيرات ومظاهرات...إلا أنه ليس من حقهم نشر الفوضى وتدمير الحكومة الجديدة التي ارتضى بها غالبية اليمنيين».

وأكد السفير أنه قد تم الجلوس مع النائب وآخرين لمناقشة مسألة التواصل مع تلك الأطراف الرافضة للمبادرة، من أجل العمل على توضيح مضمون المبادرة وما سيترتب عنها من نتائج تحقق أهداف كافة الأطراف، لافتا إلى أن أحد بنود المبادرة يدعو إلى تشكيل لجنة للتواصل مع تلك الأطراف، وقال "لقد فهمنا من الحكومة أنها ستبدأ بتشكيل اللجنة والتواصل بعد منحها الثقة من قبل البرلمان مباشرة".

وفي السياق، يرى السفير أن المبادرة، في واقع الحال، تحقق (90%) من مطالب الشباب في الساحات; فهم أرادوا نهاية لحكم صالح، وقد تم لهم ذلك، وأرادوا فرصة لبناء مؤسسات ديمقراطية، وأرادوا التعامل مع الأطراف الفاعلة الأخرى في الجنوب والشمال، وأرادوا إعادة هيكلة الجيش والمؤسسات العسكرية.. وهذا كله توفره وتتيحه المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية. بحسب السفير

ومع ذلك، إلا أنه، وفي سياق الإجابة على سؤال يتعلق بالصعوبات التي تواجه تنفيذ بنود المبادرة، وضع معظم تلك النقاط التي ذكرها أعلاه كمطالب هامة ستعمل المبادرة على تحقيقها، في مقدمة تلك الصعوبات; التعديلات الدستورية، إعادة الهيكلة، قضيتي الجنوب والحوثي. وأعتبر جميعها قضايا كبيرة جدا ومعقدة

•الضمانات والمغادرة إلى واشنطن
وردا على سؤال المصدر أونلاين، حول حديثه بخصوص ضرورة الانتقال إلى مرحلة تفعيل قانون الحصانة، وغرابة أن يصدر مثل ذلك الحديث من سفير دولة تنادي بالعدالة وحقوق الإنسان، ناهيك عن أنه يخالف قرار مجلس الأمن رقم 2014 الداعي لمحاسبة المتورطين في الانتهاكات..قال السفير أنه وإلى جانب «أننا جميعا ندرك أن المبادرة تتضمن بند يمنح الحصانة...»، فثمة الكثير من الطرق والنماذج للتعامل مع قضية الحصانة بالنظر إلى تجارب ونماذج دولية سابقة. وأضاف «تؤمن الولايات المتحدة، وقلنا ذلك مرارا، أن كل إنسان مسئول عن أعماله، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هناك محاكمات»، مشيرا بهذا الصدد إلى تجارب دول مثل أفريقيا، تشيلي، والمغرب، وغيرها من الدول التي طبقت مثل هذا النموذج بتتبع أساليب مختلفة للوصول إلى مثل هذه النتائج. وأكد أن تلك الدول كانت لديهم برامج مختلفة في إطار المصالحة الوطنية بطريقة تدل على أن العدالة أخذت مجراها دون إجراءات قانونية.

وفي رده على سؤال آخر متصل، قال «أنا لا أبني بالضرورة علاقة ما بين المحتجين وقضية قانون منح الحصانة..<، مضيفا «وقد سمعنا من الحكومة الجديدة بأنها ملتزمة بإصدار قانون منح الحصانة...وأنا أعلم أن هناك نقاشات قائمة حاليا حول كيفية تنفيذ هذا الأمر، ونأمل أن ينجز ذلك بطريقة تساعد على بناء وفاق وطني وليس على التفكك...ونعتقد أن هناك طرق كثيرة لإنجاز هذا الأمر».

وواصل قائلا «نحن نؤمن بأن المبادرة كانت واضحة جدا بخصوص حديثها عن ضرورة أن تلتزم الجهات المشاركة في الحكومة بإنهاء دعمها للمظاهرات والإحتجاجات». وعليه، يتوقع السفير «بأن تلتزم جميع تلك الجهات بهذه الفقرة لإنجاح تنفيذ المبادرة وآلياتها التنفيذية..»

وبخصوص وجود ترتيبات تتعلق بعملية سفر صالح إلى واشنطن للعلاج وفقا لما كانت تناقلته وسائل إعلامية بهذا الشأن قبل أيام، أكد السفير بالقول «كانت هناك الكثير من التصورات بهذا الخصوص تناقلته وسائل الإعلام...ونحن لا ننفي حدوث ذلك». واكتفى السفير بهذا الرد، رافضا تقديم المزيد من التفاصيل حول طبيعة هذا السفر وموعده.

• إنجازات لجنة الشئون العسكرية
قال السفير الأمريكي إن لجنة الشئون العسكرية أنجزت الكثير من النجاحات وأزالت الكثير من المتارس والخنادق وأعادت بعض الجنود والمعدات العسكرية إلى ثكناتها. وقال أنه من الواضح أن الوضع الأمني في صنعاء، تعز، أرحب، ونهم..بات هادئ وأكثر استقرارا في الوقت الراهن..ومع ذلك يتبقى أمام اللجنة طريق طويل لإنهاء وإنجاز كافة مهامها المناطة وفقا للآلية التنفيذية للمبادرة. وأكد ان القلق ما زال حاضرا بسبب تواجد بعض الجنود والمسلحين في بعض الشوارع، وعليه فإن الوضع قد يسوء لاحقا..

وحيث دعا السفير الأمريكي اللجنة إلى مواصلة جهودها بخصوص هذه القضايا، أكد أن عليها أن تبذل المزيد من الجهد في صنعاء وفتح الطرقات وإزالة العناصر المسلحة من الحصبة.

وأما من هو الطرف المعيق والرافض للتنفيذ ورفع المظاهر المسلحة في الحصبة وحي صوفان، لم يحدد السفير أي طرف، مكتفيا بالحديث عن أنه تم مناقشة الأمر، وان هناك محاولات للتوصل إلى اتفاقية بهذا الشأن. وأضاف «لقد تم إحراز بعض التقدم في النقاشات، إلا أنه لم يتم الانتهاء منها بعد..<. كما وأستدرك «وسنستمر بالمحاولة إلى أن نجد التركيبة المناسبة والسليمة لإنهاء الوضع القائم في الحصبة وصوفان».

• مراقبة الأوضاع عن كثب
لم يشأ السفير أن يعلق حول البيان التصعيدي الأخير الصادر عن المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، والذي كان [البيان] هدد بعدم التعامل مع المبادرة وآليتها التنفيذية ما لم تتدارك أحزاب المشترك وشركائها [ما وصفها البيان] بالتجاوزات للمبادرة وآليتها التنفيذية، لكنه [السفير] فضل الحديث بهذا الخصوص عن ملاحظاته لبعض التصريحات والبيانات الصادرة عن كلا الطرفين، والتي وصفها بأنها لم تكن «حكيمة». وقال لن أفرد الحديث عن أي من الطرفين بشكل خاص، فكلا الطرفين وقعا على المبادرة واتفقا على آلية تنفيذها «ورؤيتنا بأن التطور حتى الآن يعتبر جيدا...ولكن تبقى الكثير مما يتطلب الالتزام بتحقيقه..». وأضاف «يجب أن نفهم أنه ونتيجة لأن العملية طالت مدتها، فإن الحل سيستغرق زمنا طويلا أيضا..»

وقال «بالنسبة لنا كمجتمع دولي نتحمل مسئولية مراقبة التنفيذ..فإننا نشدد على أن يواصل كلا الطرفين تنفيذ التزاماتهما بهذا الخصوص..»، مضيفا «واعتقد انه من الأفضل على الأطراف – والناس – أن يتوقفوا عن التفكير حول كيفية التنصل عن المبادرة، وأن يركزوا بشأن كيفية العمل على إنجاحها».
------------------
المصدر اون لاين/ الأحد 25 ديسمبر 2011


السفير الامريكي بصنعاء: مسيرة الحياة ليست سلمية وهدفها الفوضى والتسبب بالعنف


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
مع قرب وصول مسيرة الحياة إلى هدفها في صنعاء وقبل لحظات من تعرضها للرصاص والقنابل المسيلة للدموع، كان السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين يعرب عن موقف صريح معارض للمسيرة، منوهاً إلى أن المجتمع الدولي بانتظار إصدار وتفعيل قانون الحصانة في إطار المبادرة الخليجية.

وقال السفير الأمريكي في مؤتمر صحفي مصغر حضرته ثلاث وسائل إعلامية أحدها المصدر أونلاين بمقر السفارة بصنعاء اليوم السبت إن مسيرة الحياة «ليست سلمية»، وأضاف «يبدو أن لديهم نيه بأن لا يقوموا بمسيرة سلمية ولكن الوصول إلى صنعاء بهدف إثارة الفوضى والتسبب برد عنيف من قبل الأجهزة الأمنية».

واعتبر جيرالد فايرستاين هذا الأمر «لا يعد قانونياً.. وبالتالي فإن الحكومة لديها الحق بالحفاظ على القانون». وأضاف «إذا قال الناس أنهم يريدون أن يصلوا قصر الرئاسة والبرلمان لمحاصرتهما فإن هذا ليس شرعيا»

وكانت مسيرة الحياة التي انطلقت من تعز الثلاثاء الماضي (20 ديسمبر) ووصلت مشارف صنعاء مغرب هذا اليوم، قد تعرضت لاعتراض من قبل قوات الأمن المركزي وأطلقت عليها الرصاص والغازات المسيلة للدموع مما تسبب بمقتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص وإصابة العشرات في إحصائية طبية أولية نشرها المصدر أونلاين في وقت سابق.

وشهدت العاصمة صنعاء خلال الساعات القليلة الماضية إزدحاما كبيرا لاسيما في مذبح وشارع الستين بانتظار وصول مسيرة الحياة التي حظيت بتغطية واسعة من قبل مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية.

وجادل السفير بخصوص المعلومات التي لدى سفارة بلاده وبشأن سلمية المسيرة من عدمها، وقال رداً على سؤال للمصدر أونلاين بهذا الخصوص «السلمية ليست فقط بعدم حمل السلاح فإذا قرر 2000 شخص مثلا عمل مظاهرة نحو البيت الأبيض فإننا لا نعتبرها سلمية ولن نسمح بذلك».

وقال السفير الامريكي ان الاستفزازات قد تؤدي إلى المزيد من ردة الفعل والعنف، وهذا لا يفيد البلاد والحكومة الجديدة وتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

وتحدث السفير في المؤتمر الصحفي عن الكثير من القضايا الراهنة شاملة الإجراءات التي تم تنفيذيها في إطار تنفيذ المبادرة الخليجية وما تبقى من قضايا حساسة وجوهرية بما فيها تفعيل قانون الضمانة للرئيس وأعوانه.

كما تحدث عن حقيقة ما يشاع حول إمكانية سفر الرئيس إلى أمريكا إلى جانب الحديث عن القضايا الجوهرية والحساسة في المرحلة القادمة وأعمال لجنة الشئون العسكرية ودور الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والإقليمي في تأمين مستقبل اليمن في كافة الجوانب الأمنية والإجتماعية والإقتصادية، وما توصلت إليها اللقاءات مع الوزراء والأطراف السياسية المعنية بخصوص الالتزام ببنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية

وينشر المصدر أونلاين في وقت لاحق تفاصيل كاملة حول تصريحات السفير الأمريكي بصنعاء.
---------------------------
المصدر اونلاين/ الأحد 25 ديسمبر 2011


الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

اللجنة العسكرية ..أكثر من مجرد مرحلة انتقالية


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
أصدر نائب الرئيس (المكلف مؤقتا بإدارة شئون البلاد) يوم الأحد الفائت القرار الرئاسي رقم 29 لسنة 2011 بتشكيل لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، وفقا لما نصت عليها آلية تنفيذ المبادرة.
ربما تأخر القرار أسبوعاً تقريباً عما نصت عليه الآلية التنفيذية التي نصت مقدمة مادتها رقم 16 على أن يتم تشكيلها من قبل النائب «في غضون 5 أيام من بدء نفاذ مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآلية تنفيذها...الخ». وللتذكير فقط، فقد بدأ نفاذ المبادرة وآليتها التنفيذية في 23 نوفمبر الماضي (يوم التوقيع عليها في الرياض).

من الواضح أن الإجراءات اللازمة لإنقاذ البلاد - أو كما ينظر إليها المراقبون أنها كذلك - ممثلة بتنفيذ المبادرة وفقا للآلية، تتسم بالبطء المشوب بالترقب والحذر.

وفي اعتقادي أن معظم اليمنيين في الداخل والخارج، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين أو حتى متشككين من المبادرة، يترقبون أيضاً كل خطوة بفارغ الصبر. ربما بداعي الحرص أحياناً، وغالباً: بداعي الفضول والمتابعة.

ومساء الأحد الماضي تجاوز عدد من تصفحوا خبر إعلان تشكيل لجنة الشؤون العسكرية على «المصدر أونلاين» 4 آلاف متصفح. فقط في غضون ساعة ونصف أو ربما ساعتان على أعلى تقدير. وهي بدون أدنى شك نسبة كبيرة جداً، تمثل طفرة قلما نشهد مثلها بالنظر إلى الزمن (بمعدل 33 متصفحاً كل دقيقة تقريباً).

قبل يوم أو يومين ربما من الإعلان ترددت بعض المعلومات حول وجود خلافات بين أحزاب المشترك والمؤتمر الشعبي العام، وحتى نكون أكثر وضوحا قيل إن الخلاف كان مع النائب، وهو أمين عام المؤتمر الشعبي بالمناسبة، بشأن ما قيل إنه (أي النائب) كان يرى أن يتم إعلان اللجنة بعد إعلان تشكيل الحكومة الوطنية المنتظر إعلانها من قبل رئيس الوزراء المكلف محمد سالم باسندوة (المختار من قبل المشترك لرئاسة الحكومة).

هذا ما نسب لمصدر إعلامي في مكتب النائب، السبت الماضي، مع التنويه إلى أن ليس كل ما ينسب لمكتب النائب يجب أن نؤمن أنه بالفعل يمثل رغباته، فثمة سوابق تشكك بهذا المبدأ، ما لم يصدر على لسانه ما يؤكد ويعزز المضمون، بشكل خاص. وبحسب التصريحات التي نشرت على وكالة «سبأ» الرسمية، فقد أكد مصدر إعلامي بمكتب نائب رئيس الجمهورية أن سبب تأخير تشكيل اللجنة العسكرية مرتبط بالتفاهم على تشكيل حكومة الوفاق الوطني الجديدة. وقال المصدر في تصريح لوكالة «سبأ» إنه من المعروف أن اللجنة العسكرية مهمتها تنفيذ سياسة الحكومة الجديدة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.

مضمون التصريح نفسه يوحي- ربما- بأن لا علاقة النائب به، إلا أن يكون غير مطلع على محتوى الآلية التي كان له دور كبير في صياغتها. وهذا أمر استبعاده أحرز من القول به.

والواقع أن الآلية، عوضاً عن أنها تنص على خمسة أيام تفصل إعلان اللجنة من دخول المبادرة حيز النفاذ، و14 يوماً للتشكيلة الحكومية، فإن مهام هذه اللجنة قد حددتها الآلية بدقة، ما يعني ضمناً أن عملها ومهامها معظمها على الأرجح منفصلة عن الحكومة..

لا يستبعد أن ثمة خلافاً ما بالفعل أخّر إعلان تلك اللجنة، إلا أن المرجح أن ذلك الخلاف ربما تركز على اختيار الشخصيات، ورغبة فلان في إزاحة فلان من التشكيلة أو ما شابه ذلك.

• من الآخر
لندع تلك التفاصيل جانباً، ونحاول التركيز على مهام اللجنة، والحمل الكبير الملقى على عاتقها، وما ستتطلبه المرحلة الراهنة والقادمة من تحرك وإنجاز مطلوب بشكل عاجل، أو متوسط أو طويل الأمد.

بعد 33 عاماً، من الحكم (الشمولي، العائلي، العسكري، البيروقراطي المدمر)، وبعد 11 شهراً من الثورة الشعبية المنادية بإسقاطه، وبعد نصف شهر تقريبا من فتح نافذة أمل لبدء بناء اليمن الجديد..الخ، ما زال يمكننا التأكيد على: إن المرحلة التي تمر بها بلادنا في الوقت الراهن حساسة جداً، وتتطلب إعمال وإعادة بعث وتفعيل المسؤولية الوطنية لدى الجميع، وبشكل خاص من تقع عليهم المسئولية العليا حاليا، بدءاً بنائب الرئيس (المكلف بأعمال الرئاسة)، ومرورا بما يوازيه وما دونه من المسؤولين (في كلا الطرفين: الحزب الحاكم والمعارضة- سابقا)، ويدخل بضمن ذلك، أيضا، ووزراء حكومة التوافق (التي ستعلن خلال يوم أو يومين وبالكثير ثلاثة أيام في أبعد تقدير)، وأعضاء البرلمان..الخ.

وإذا كان من شأن طبيعة ومهام المرحلة الراهنة – مع حساسيتها – أن تتيح لنا التريث ربما لفترة زمنية قد تتجاوز الأجل القصير، لتصل إلى الأجلين المتوسط والطويل (وذلك خلال مرحلتي الانتقال المحددتين؛ الأولى: 90 يوما، والثانية: سنتان)، وانتظار ما سينجزه غالبية من شملهم الذكر أعلاه بالصفة والمسؤولية، من حيث تحملهم مسؤولياتهم فيما أسند إليهم، فإن أعضاء «لجنة الشؤون العسكرية» بشكل خاص يفترض أن يبدؤوا بتحمل مسؤولياتهم حالا. ذلك أن أي تقصير أو تهاون هنا في تنفيذ مهام هذه اللجنة ( لاسيما ذات الطبيعة العاجلة) لن تكون نتائجه السالبة مشابهة لتلك التي قد تنجم فيما لو كان ذلك التقصير والتهاون قادماً من الوزراء وبقية المسؤولين الحكوميين والبرلمان (الشكلي) على الأقل في المدى الأقصر. فبالنظر إلى مهام المرحلة بالنسبة للجنة الشئون العسكرية، سنجد أنها ذات طابع زمني دائم يتخلل كافة الفترات الزمنية (القصيرة، المتوسطة، والطويلة).

ربما أن القلق الذي يساور أولئك الذين ينظرون إلى مسألة التباطؤ الشديد في تنفيذ بنود ومواد الآلية كما هي مزمنة، ونحن ما زلنا على عتبة المرحلة الانتقالية، هو ما يجعلهم يتشككون بخصوص ما يمكن أن يتسبب به ضعف الثقة، بل انعدامها حتى الآن، من إعاقة السير بسلاسة في تنفيذ ما يعتبر بطبيعته أكثر تعقيداً من مسألة إعلان اللجنة العسكرية أو التشكيلة الحكومية. ثمة في عمق الآلية من التعقيد ما يدعو إلى وضع أيدينا على قلوبنا متوجسين: هل نحن على أعتاب حل حقيقي فعلا؟ هل سننجو أيها الأصدقاء؟

• اللجنة العسكرية..أكثر من مجرد مخاوف 
إنه ما لم تشرع هذه اللجنة في البدء بتنفيذ مهامها الأولية المسندة إليها عطفاً على ما تضمنته آلية التنفيذ، فإن ذلك من شأنه، ربما، أن يضع توقيع 23 نوفمبر موضع الخطر، ومن المرجح أنه قد يهدد عملية الإنقاذ المأمولة، ويغلق نافذة الأمل تلك التي فتحها توقيع المبادرة الخليجية.

إن القلق الذي ساور المناهضين للنظام السابق، والمبادرة أيضاً، بسبب تأخير إعلان تشكيلة اللجنة العسكرية لحوالي أسبوعين، بعد التوقيع على المبادرة وآليتها التنفيذية، لربما كان معظمه نابعاً من مخاوف جمة، لعل أقلها: الاعتقاد أن ثمة أمراً ما غير طبيعي تسبب بالتأخير، وأشدها: أن ثمة تواطؤاًً ما على إتاحة الفرصة لآلة الموت العائلية في حصد مزيد من أرواح الضحايا في تعز وأرحب ونهم، ومدن يمنية أخرى.

وهو قلق، على الأرجح، لن يبارحنا إلا حين نسمع بأول قرارات تلك اللجنة تجسيداً لتحملها المسؤولية المناطة بها بإشاعة الأمن والسلم الاجتماعيين والذي يبدأ بـ: «عودة القوات المسلحة وغيرها من التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن، وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المليشيات والمجموعات المسلحة وغير النظامية» بحسب ما نصت عليه الآلية التنفيذية.

إن تلك فقط هي البداية الملحّة لنزع الفتيل، وتجنب أسباب القلق من انهيار المبادرة. ومع أننا نؤمن أن ما تبقى للجنة من مهام ليست بأقل أهمية، بيد أنها ليست أكثر إلحاحاً على المدى الأقصر.
فإلى جانب تلك النقطة أعلاه، ووفقاً لبنود الآلية، فإن المادة رقم 16، أيضا، تنص على أن تعمل هذه اللجنة لضمان:
«إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابة، إنهاء جميع النزاعات المسلحة، ...، إزالة حواجز الطرق ونقاط التفتيش والتحصينات المستحدثة في كافة المحافظات، وإعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وأية إجراءات أخرى من شأنها أن تمنع حدوث مواجهة مسلحة في اليمن».

كما وتنص المادة رقم 17 من الآلية التنفيذية على «تقوم لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار خلال مرحلتي الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون».

• مخاطر سلطات المؤسسة العسكرية مع استثناء ظرفي
وفيما يبدو، فإن تلكما المادتين بمضامينهما، لتبدوان وكأنهما كافيتان لجعل المؤسسة العسكرية المنقسمة، والأمنية المنفلتة في البلاد تحت يد وسيطرة تلك اللجنة.

ومع أن منح المؤسسة العسكرية مثل تلك السلطة – هذا في حال فقط أن أتيح لها، بشكل عملي لا نظري، التمتع بالسلطة الكاملة غير المنقوصة لتأدية مهامها – ليعد من الناحية العملية، المعيارية أمراً في غاية الخطورة فيما يتعلق بأسس بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي يتوجب فيها أن تكون المؤسسة العسكرية أقل سلطة من سلطة وقوة المؤسسة الحزبية التي يجب أن تكون في المرتبة الأولى، تأتي بعدها المؤسسة التمثيلية في المرتبة الثانية، فيما تكون المؤسسة العسكرية في المرتبة الثالثة، من حيث التأثير والقوة. بحسب ما تقرره نتائج دراسة «رالف م. غولدمان» في كتابه «من الحرب إلى سياسة الأحزاب».

ومع ذلك، وبطبيعة الحال، فإن منح المؤسسة العسكرية سلطة التأثير الأولى قد يبدو أمراً مناسباً، بشكل خاص في مثل ظروف اليمن الحالية. وذلك من حيث أنه يتماشى مع جوهر ما تستلزمه طبيعة المرحلة الراهنة، حيث ما يزال شبح الحرب الأهلية يطل بقرنيه مع انقسام حاد في الجيش، وانفلات أمني واسع ومشهود ومخيف، في ظل انهيار شبه كلي للدولة، مع انعدام شبه تام لشرعية المؤسسة التمثيلية النيابية والمحلية وضعف واضح في حضور وتواجد وقدرات المؤسسة الحزبية، ما أتاح الفرصة بشكل واضح لبروز وتأثير التجمعات والتكتلات غير الرسمية، وغالبا تلك المهمشة، أو المقموعة، ذات الأهداف والغايات المحدودة، التي كان من الصعب تحقيقها في ظل ظروف طبيعية.

على أن ما يفترض أن يبرر مثل هذه الاستثنائية (منح المؤسسة العسكرية سلطات فعل واسعة)، هو أن تكون ظرفية، محددة بزمن تنتهي بانتهاء المهام الموكلة لها.

• ما يستلزمه النجاح
وحتى يكتب لها النجاح، قد يكون من الضروري، وبشكل خاص جداً في ظل أي دولة تمر بمرحلة تحول انتقالية لإنقاذ وبناء وتأسيس داخلي للدولة، أن تبدأ هذه اللجنة عملها بسن قوانين عامة، ولوائح عمل داخلية مناسبة تكون معلنة، من شأنها أن ترتب مهامها وتنظم خط سير عملها، تجنباً للخلافات والتمردات والاستقواءات المعيقة للتنفيذ وإنجاز المهام، والتي قد تفرضها الاصطفافات والتحيزات الظاهرة أو المستبطنة.

وسيكون ضمن تلك القوانين العامة ولوائح العمل الداخلية مسائل جوهرية كثيرة. على سبيل المثال: النص على ما يحدد معايير عملية اتخاذ القرار والتنفيذ. كما من الضرورة أن تتضمن تستوجب معلنة على كل من يرفض التنفيذ أو يعيق بشكل واضح، لا يدعو إلى الشك، كل ما من شأنه أن يصب في مصلحة الوطن والشعب. على أن لا يدخل في ذلك بالطبع حرية الرأي أثناء النقاش والتصويت، والتصريح لوسائل الإعلام دفاعاً عن وجهة النظر، في الحالات التي لا تضر بالمصلحة العامة.

• على المدى المتوسط والطويل..إعادة الهيكلة
وإذا كانت طبيعة المرحلة الراهنة، أو المهام المناط القيام بها وإنجازها على المدى الأقصر والقصير، تفرض على لجنة الشؤون العسكرية الإسراع لتجنيب البلاد شبح الحرب الأهلية، وكذا إنقاذ الضحايا من آلة الموت التي ما زالت تعمل وتحصد أرواح الضحايا الأبرياء، فإن المهمة التالية الأكبر، والأكثر أهمية، التي سيتوجب القيام بها على الأمدين المتوسط والطويل (وتحديداً: خلال فترة المرحلة الانتقالية الثانية)، ستتمثل بتحقيق وإنجاز المهمة التي تضمنتها المادة رقم 17، والتي تدور بشكل عام حول عملية «..إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية في إطار سيادة القانون..».

إن عملية كهذه لن تتطلب جهوداً كبيرة وجبارة فحسب، بل إنها ستتطلب مسؤولية وطنية عالية، كونها ستتطلب تجاوز عقبات صعبة وتعقيدات كبيرة، هي نتاج تراكمات طويلة تشكلت وتجذّرت بفعل سياسة التمييز والمحسوبية ومعايير القرابة والمناطقية..الخ. الأمر الذي أفرز تشوهات أدت إلى فقد روح الولاء للوطن، وبدلاً عنه خلقت روح ولاء أخرى لشخص القائد أو ولي النعمة، ما خلق شروخاً سهّلت ودفعت نحو الانشقاقات والتمردات القائمة المؤسسة على الاصطفاف والولاء الشخصي..الخ.

وكانت محصلة ذلك كله أن تحولت عملية التنافس بين النخب السياسية المتصارعة على الجيوش كعنصر حاسم للصراع، بدلاً مما كان يفترض في حالة النموذج الديمقراطي السليم أن يكون تنافساً على الأحزاب والمناهج والمبادئ وقوة الشارع.

وإذا كان القدر، وحتى اللحظة، قد منع اليمن من خوض حرب أهلية شاملة – كانت مبرراتها قائمة، والتي على رأسها انقسام الجيش – فإن فرصة أن تودع اليمن شبح أي حرب أهلية، باتت سانحة أكثر، وهي اليوم بيد لجنة الشؤون العسكرية من خلال النظر بجدية في إعادة بناء جيش قوي على أسس ومعايير وطنية في إطار سيادة القانون، وتحت قيادة مركزية واحدة. تلك ستكون الخطوة الأهم التي تتبعها خطوات أخرى. منها على سبيل المثال أن تتحول المؤسسة العسكرية لاحقاً تحت سلطة نهائية مدنية توجه عبر البرلمان، الذي يمثل في نهاية الأمر سلطة الشعب. ما سيعني أن القرارات المصيرية لن تخرج عن مسألة الدفاع عن الشعب (مالك السلطة) وتوخي كل ما يتعلق بمصالحة. بتلك الطريقة ستتمكن اليمن من مغادرة شبح العنف في المستقبل، وستتوجه نحو البناء والتنمية أكثر من أي شيء آخر.

يأتي بعد ذلك، أو ربما يسبقه – وذلك بحسب أولويات المرحلة التي تحددها اللجنة بناء على دراسات تقدر المصلحة وتتوخى النجاح والإنجاز - عملية «إعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية». وفي كل الأحوال فإن مسألتي إعادة الهيكلة وإعادة التأهيل قد تتطلبان تسريح كثير من القيادات التي تنطبق عليها مرحلة التقاعد، أو عدم الأهلية والكفاءة، أو التوظيف غير القانوني أو حتى عدم انطباق معايير أخرى مثل العمر، أو القدرة على العمل..الخ.

وعليه سيكون من المهم أن يتم ذلك وفقا للقانون وعدم تعريضهم للبطالة، التي قد تشكل خطراً مستقبلياً لما قد تتسبب فيه من تشكيل تجمعات وأجنحة قد تصل إلى مرحلة تشكيل جبهة عريضة من شأنها مع المدى أن تتحول إلى جبهة عريضة متمردة تحمل السلاح في وجه الدولة، كما حدث في حالة المسرّحين من الجيش لمجموعة من أبناء المحافظات الجنوبية عقب حرب صيف 94. كما أن التسريح والإقصاء النهائي دون معالجات مناسبة يسهل عملية الاستقطاب والتوظيف الدائم لبعض وربما معظم من تحولوا إلى عاطلين عن العمل.

• أهم عوائق البداية
ليس ما سبق سوى أجزاء بسيطة جداً مما سيتوجب على اللجنة العسكرية التنبه له، أثناء العمل على تأسيس وبناء اليمن الجديد. فثمة الكثير والكثير مما يلزم القيام به.
في نهاية المطاف، سيكون الأمل معقوداً على شخوص اللجنة، ومدى استيعابهم لخطورة المرحلة، مع حجم المسؤولية الوطنية التي يتمتعون بها. على أن ذلك، بداية، وقبل كل شيء، سيكون مرتبطاً بمدى قدرتهم والسلطة المتاحة لهم من أجل بلوغ تحقيق الأهداف.

هذا ما يجعل الكثيرين يساورهم القلق المشوب بالتشكيك، من حيث الصلاحيات المتاحة للجنة، أو على الأرجح، التي ستتاح لها لتتمكن من تجاوز العقبات. إن ذلك يدعونا إلى انتظار ما ستسفر عنه الخطوات التالية أمام تساؤل كبير: هل ستتمكن اللجنة من انتزاع صلاحياتها بالقوة لتكون قادرة على توجيه الأوامر واتخاذ القرارات المصيرية كتلك التي تتعلق بإيقاف النزيف بداية، ومن ثم تمرير قراراتها في إعادة الهيكلة والتأهيل وجعل المؤسسة العسكرية تحت قيادة مركزية موحدة على أسس وطنية؟

التساؤل بصيغة أكثر وضوحاً: ما مدى قدرات اللجنة في إرضاخ القيادات العسكرية التابعة لأسرة أو قبيلة النظام العائلي السابق لتوحيد المؤسسة العسكرية على أسس وطنية تحت سيادة القانون؟
لننتظر الإجابة، على أمل أن تسير الأوضاع بسلام.
---------------------
صحيفة المصدر الأسبوعية/ الثلاثاء 6 ديسمبر 2011

الأحد، 4 ديسمبر 2011

المرحلة الانتقالية.. وموجبات البقاء أو الموت



المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال

إذا كان من الملاحظ، بشكل مثير للشفقة، أن علي صالح وآلته الإعلامية يحاولون بذل جهد كبير لتصوير «رضوخه» للتهديدات الدولية بتوقيع المبادرة الخليجية على أنه إنجاز سياسي، ليّاً للحقيقة، فإن الملاحظ أكثر، بشكل يبعث على الغرابة، أن أحزاب المعارضة ظهرت على العكس لتوحي أنها الطرف الخاسر من الاتفاق. ذلك على الرغم أن الحقيقة تخبرنا أنها على أعتاب إنجاز سياسي، لطالما فشلت في تحقيق ولو نسبة يسيرة من مضامينه بعد أن ظلت تصارع النظام على مدى العشرين عاما التي خلت.

والواقع أن ذلك التعاكس مع الحقيقة، من المرجح أن أسبابه ترجع إلى أمرين اثنين يتوزعان بين النظام والمعارضة.

أما الأول، وهو ما يتعلق بصالح وآلة نظامه الإعلامية، فالهدف من ذلك الاحتفاء، المتعارض مع الواقع، لا يبرره سوى أنه إنما يسعى إلى الحفاظ على ولاء أتباعه في الجيش وعدم تسرب وتخلي ما تبقى له من أنصار في النظام والإيحاء إلى المتذبذبين من أفراد الشعب بأن شعرة المصلحة التي تبقيهم صامتين، مازال النظام يمسك بطرف منها.

وأما الآخر، والذي يتعلق بالمعارضة، فإن مظهرها وهيئتها البائسة التي ظهرت بها أثناء وبعد التوقيع، فربما أن مرد ذلك لكونها: إما تدرك تماماً، نظراً للتجربة الطويلة التي خاضتها معه، بأن صالح ونظامه غير جادين ولم يكونا يوماً كذلك أمام الالتزام بالاتفاقات والتعهدات التي يبرمها. وإما، من زاوية أخرى، لكونها ربما أجبرت، هي الأخرى، أمام الضغط الدولي، على قبول ما كانت تعتبره أحد المستحيلات، وهو بقاء صالح ولو رئيساً فخرياً لمدة 90 يوماً، وهي أشهر الفترة الانتقالية الأولى التي من المفترض أن تبدأ بتشكيل حكومة إنقاذ وطنية وتنتهي بإجراء الانتخابات الرئاسية (21 فبراير القادم) وتنصيب رئيس جديد. على أن كلا الاحتمالين مجتمعين، بالنسبة للمعارضة، يمكنهما أن يشكلا سبباً واحداً.

• المتشائمون والجدية بين مستقبل المؤتمر وصالح
في الواقع، ثمة تباين ما في الاعتقادات تتجلى في إطار توقعات المناهضين لصالح بشكل خاص. هذا التباين، مع أنه مرتبط بمبررات ومؤشرات محددة، يتقاسمه مجموعة من المتشائمين والمتفائلين بمستقبل اليمن على ضوء المتغيرات الأخيرة المتمثلة بتوقيع صالح على المبادرة الخليجية، وتوقيع طرفي حزب المؤتمر والمعارضة على آلية تنفيذها (الأربعاء الفائت في الرياض).

لم تكن المعارضة وحدها فقط من يعتريها التشكيك، بل إن معظم المراقبين المتشائمين يجزمون بأن حزب صالح لن يكون له دور مؤثر في إحراز أي تقدم جدي بشأن المرحلتين الانتقاليتين القادمتين (الـ90 يوما، أو السنتين). وبالطبع فهذا التشاؤم قد يكون له ما يبرره عند كثيرين بفعل التجربة الطويلة والسيئة التي اتسم بها تاريخ الحزب، ليس فقط لكون مبررات نشأته الأولى لم تتجاوز ما هو أبعد من فكرة المصالح الخاصة، بل لكون مبررات ومردات تلك النشأة الطارئة كانت قد بسطت سيطرتها على كافة مكونات الحزب، حتى أنها، بصيرورتها الثقافية، السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية..الخ، لم تزد أكثر من أنها ساهمت هي الأخرى في تبرير انتهاج مسار يتعارض مع المساقات المفترضة للخلاص من التخلف، ومبادئ البناء الوطني المفضية إلى التقدم والازدهار. حدث ذلك كله، فيما كان «ميثاق» الحزب «الوطني»، على العكس من ذلك، يطلق مبادئ أخرى تسمت بالسمو، لكنها خلت من الروح.

وفيما كان الحزب حريصا بالحفاظ على وطنه «الخاص»، كان، مع المدى، يقود الوطن «العام» إلى نفق مظلم لم تكن حدوده الضيقة تتسع لأكثر من مجموعة أشخاص احتل معظمهم الأطر العليا للحزب. ومع ما كانت تتطلبه تلك الحالة من ضرورة فتح نافذة يشترك فيها الجميع لإخراجه (الوطن العام) إلى الضوء، إلا أن قيادة «المنصة العليا» في الحزب ظلت تخشى من ذلك، جزعا من أن تلك النافذة حين تفتح فإن ذلك سيتطلب ليس فقط إتاحة مساحة ما من جدار وطنهم «الخاص»! بل إن العملية بحد ذاتها ستكشف عورة «المنصة العليا». وعوضاً عن التضحية، ظلت تلك القيادات العليا حريصة على المضي قدماً في الظلام حتى بلغت التماهي بين ما يفترض أنها «السلطة» الشعبية، وبين ما كان يفترض أنها «مكونات الحزب» الخاصة. بل أبعد من ذلك، وما زاد الطين بله، أن كافة قرارات الحزب، بما فيها المصيرية، ظلت منحصرة، أكثر، بمصالح المنشئ (صالح) رئيسه، مالك العلامة التجارية، وصاحب اليد الطولى فيه.

ومن هنا، كان هؤلاء (المتشائمون)، يصرون على أن لا تخلو توقعاتهم بمصير ومستقبل البلاد، خلال المرحلتين القادمتين، من التشكيك بقدرة الحزب على أن يتمثل الجدية في تنفيذ التزاماته. ذلك أنه، ووفقا لذلك السرد أعلاه، ولتلك الصيرورة فإن النتيجة الأكثر احتمالا تؤكد لهم أن رجلا مثل صالح الذي بات في نظرهم يدرك تماما أنه أصبح في حكم المنتهي سياسيا لن يكون حريصا على ترك الوطن «العام» يمضي بعيدا عن النفق المظلم، طالما لن يكون فيه حزبه «الخاص» سوى جزء من كل لا أكثر، في الوقت الذي لن يكون فيه هو شخصيا أكثر من رئيس«سابق» – وبشكل أكثر تحديدا: بعد الـ 90 يوما. بل ما هو أشد من ذلك أنه سيكون الرئيس اليمني السابق الذي لفظه شعبه، واعتبره «مجرما» و«قاتلا» لشعبه، ما يستوجب ملاحقته ومحاكمته!

إن كل ذلك، بنظر هؤلاء، من شأنه أن يضعنا أمام رجل يسعى للانتقام، لا البناء والوئام. المسألة لا تخرج كثيرا عن تشبيهها بـ«الكيمياء» الحيوية، إلا بقدر ما لـ «الكيمياء» الحياتية، ولـ«كيمياء» النفس الإنسانية غير السوية، بشكل خاص، من قدرة على التقلب والتلون والتستر على ما تضمره تلك النفس المنتقمة من خبث شيطاني. بل إن النفس الإنسانية غير السوية المنتقمة تتجاوز خبث الشيطان نفسه من حيث الإضمار والإعلان، ذلك أن هذا الأخير كان واضحا إذ لم يضمر أو يتستر على رغبته الانتقامية، كاشفا للخالق عز وجل عنها بقوله: «فبما أغويتني لأغوينّهم أجمعين».

إن هذا المنطق ربما لا يختلف كثيرا، بالمعنى الجوهري مع اختلاف السياق، عن منطق: «أنا ومن بعدي الطوفان»، العبارة التي تنسب للسيدة «بومبادور»، زوجة الملك لويس الخامس عشر، ومعناه الشائع: أن كل شيء، فيما عداي أنا فقط، ليس مهماً! هو منطق كل ذي قوة وجبروت بدأ يشعر بفقدان ملكه وسطوته، ليصبح، آنذاك، لسان حاله أو مقاله: إذا ذهبت أنا فليذهب الجميع إلى الجحيم!. وثمة من يقول بمعنى آخر، وهو الأكثر تداولا، وهو: في حال حكمت الضرورة بأن أترك الملك والسطوة، فإني، وبما تبقى لي من سلطة وقوة، سأدمر كل شيء، ولن أدع لكم شيئاً لتتمتعوا به من بعدي!

• المتفائلون: الفرصة بيد الحزب الآن
ومع ذلك، إلا أن هناك القليل – وربما القليلين جدا- من المتفائلين يرون أن حزب الرئيس سيعمل على انتهاز هذه الفرصة الاستثنائية التي لم يحظَ بمثلها نظراؤه من الأحزاب التي كانت حاكمة واندثرت نهائيا بفعل ربيع الثورات العربية.

ويعتقد هؤلاء أن الجدية هذه المرة ستفرض نفسها بقوة خلال المرحلة القادمة، وذلك ربما لعدة اعتبارات طارئة. منها على سبيل الأهمية: أن الصفقة التي منحت الحزب فرصة البقاء على قيد الحياة في السلطة جاءت نتيجة عملية قيصرية معقدة أجريت من قبل المجتمع الدولي والإقليمي الوسيط بعد مخاض طويل وصعب، وبالتالي فإن المولود القادم سيوضع في الحضانة - لثلاثة أشهر- تحت رقابة طبية لصيقة حتى يستكمل فترته الانتقالية بأمان.

الأمر الآخر: أن الشعب اليمني أصبح أكثر رسوخاً ووعياً في الفعل السياسة، بفعل الممارسة الثورية الميدانية الطويلة، وبالتالي: أكثر قوة وإصراراً على صناعة ومواصلة الفعل الثوري التغييري.

أضف إلى ذلك، يرى المتفائلون، أنه لمن المرجح، إلى درجة شبه مؤكدة، أن حزب المؤتمر لن يكون ساذجاً بعد الآن ليواصل ربط مصيره المستقبلي بمصير رجل بات من المحتم أنه سيكون جزءاً من التاريخ المندثر بعد أشهر قليلة جداً. وعليه، فإن مثل تلك التبعية المدمرة من المرجح جداً أنها لن تستمر، ليس بعد أن كادت رغباته (صالح)، في البقاء والاستئثار الجنوني بالحكم وتوريثه لأسرته من بعده، تقضي على الجميع وترسل الحزب – مثل غيره – إلى مقبرة التاريخ. وتباعاً، فإن ذلك لن يحدث، ليس بعد أن أدرك الحزب أن هذه الفرصة الأخيرة التي سنحت له في البقاء والمواصلة – بصورة استثنائية لن تتكرر مقارنة بنظرائه المندثرين – قد انتزعت انتزاعاً بصعوبة بالغة. وعليه فسيكون من السذاجة والحماقة معاً، أنه سيقضي على تلك الفرصة التاريخية الاستثنائية التي ما شهد التاريخ مثلها ولن تتكرر على الإطلاق.

وإذن، يقرر هؤلاء المتفائلون، بعد كل ذلك، سيتوجب على المؤتمر أن يكون مدركاً تماماً أن المرحلة القادمة لن تكون كسابقاتها، وأن الجدية والحصافة من عدمها ستكون هي العامل الحاسم الأكثر تأثيراً في المرحلة الانتقالية لتحديد الطرف الذي سيتوجب أن يبقى أو يموت.

• البداية.. من الحكومة والكفاءات 
ما بين تشاؤم المتشائمين وتفاؤل المتفائلين، فإن الحكم على جدية المؤتمر الحاكم من عدمها لن يطول انتظار إدراكه كثيراً. ذلك أن أول اختبار سيتوجب عليه خوضه، وهو أقرب ما يكون (أيام قليلة فقط تفصلنا)، من شأنه أن يجعلنا نقرر مدى جدية المؤتمر من عدمها. إن ذلك سيتجلى، بداية وقبل كل شيء، من خلال إحداث أو لا إحداث تغييرات جوهرية في الشخصيات المرشحة من جهته لحكومة الإنقاذ الوطني. ذلك أن نوعية الأشخاص المرشحين ستكشف لنا هل يريد المؤتمر أن يتجدد ويحافظ على بقائه في الواجهة خلال المرحلة القادمة - التي ستكون مختلفة وصعبة ومعقدة - أم إنه لن يستفيد من الفرصة التي أتيحت له – استثناء دونا عن غيره من الأحزاب العربية الحاكمة التي تبخرت بفعل الربيع العربي.

وما لم يتجنب المؤتمر الانجرار وراء التحدي الذي سيستمر صالح في خوضه، من خلال فرضه شخصيات يتوخى فيها إما طابع «المواجهة» والندية، لا الكفاءة، وإما شخصيات أثبتت ولاءها وبلطجتها وقسوتها، لا القدرة والنزاهة، بقصد أن يمرر عبرها رغباته في تدمير فكرة البناء والإصلاحات وتحقيق ما يصبو إليه الشعب اليمني، راجياً من ذلك إفشال مساعي المعارضة – التي ستقود الحكومة القادمة – ليثبت للعالم أنه الأفضل وما دونه هو الأسوأ.. نقول: ما لم يتجنب المؤتمر الانجرار وراء ذلك الانتقام الشخصي، فإنه سيؤكد ليس فقط عدم قدرته على أن يكون حزباً حقيقياً، ويتجاوز مرحلة العدمية والصنمية التي تجعل من قياداته وأفراده مجرد مجموعة عرائس وأراجيز تتحرك تباعاً لرغبة الممسك بخيوطها من الخلف.. ليس ذلك فحسب، بل إنه سيثبت، أيضاً، أن فكرة التخلص نهائياً من الأحزاب الحاكمة الحاملة لفيروس الاستبداد والتخلف، هي الفكرة الأكثر صواباً من الاكتفاء فقط بالوقاية منها أو المعالجة بواسطة المضادات الحيوية.

• المعارضة والحكومة
لعلنا الآن بتنا ندرك لِمَ لم تحتفي المعارضة بتوقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية بالقدر الموازي لما حاول صالح وبقايا نظامه أن يظهروا عليه! ذلك أن المعارضة تدرك، بدايةً، مخاطر بقاء مثل هذا الرجل خلال المرحلة الانتقالية الأولى. وعلى الرغم من تحوطها من نزع أسنان الثعبان السامة إلا أنها تخشى من عدم وجود حزب حقيقي قادر على اتخاذ قراره بنفسه بعيداً عن رغبات رجل لم يعد لديه ما يملكه ليدمر كل شيء.

إن ذلك يجعل البعض على يقين بأن المعارضة حين قبلت أن ترضخ لحل وسط يبقي صالح لفترة أشهر، بل أسابيع قليلة قادمة، كانت مدركة تماماً أنها بذلك تكون قد قررت الوقوف وجهاً لوجه أمام عمقها الشعبي.

ومع ذلك، يرى آخرون أن مثل هذا الأمر لن يكون هو الأخطر مقابل أنها، وبدرجة سابقة ورئيسية، قد قررت خوض مغامرة أكبر مع النظام. ربما تكون بالفعل قد حرصت فيها، قدر ما تستطيع، على توخي الحذر من المجهول. إلا أن المؤكد أنه لن يكون بمقدورها توقع كل ما يمكن أن يحدث في حقل مليء بالألغام.

وإذا كان أقل ما يمكن أن يتوقعه المتشائمون هو أن تقع المعارضة في مأزق مواصلة العمل كرافعة لإنقاذ مريض تتهدده علل الموت من كل جانب، عوض أن تعمل، كما هو منتظر منها، كرافعة لوطن بأكمله، فإن المتفائلين يؤمنون بأن الواقع اليوم قد منح المعارضة رافعة حديثة الصنع (وكالة) من صناعة الربيع العربي، أحد مميزاتها القدرة السريعة على التخلص من كل الحمولات الزائدة والقذف بها بسهولة إلى ما وراء التاريخ.

إن ذلك، برأي هؤلاء المتفائلين، قد يحدث، فقط، عند أعلى التوقعات، وذلك، فقط، فيما لو ظل الحزب الحاكم مغيباً عن الوعي، يواصل التعامل مع عالم ما بعد 2010 بالطريقة نفسها التي كان عليها من قبل.

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

قراءة في «تحولات الموقف الأمريكي» خلال الثورة اليمنية


  
-       عبد الحكيم هلال
كان للولايات المتحدة جهد واضح في إيصال ملف اليمن إلى مجلس الأمن الدولي، وصياغة -وكذا اتخاذ - القرار الأممي رقم 2014 في 21 أكتوبر الماضي، والذي حاز - وبشكل استثنائي- على إجماع كافة أعضاء دول المجلس الـ15 الدائمة، وغير الدائمة العضوية.
موقف أمريكا هذا قد يبدو أمرا لا جدال فيه، سواء لاحظه المتابعون على مضض، أم أكده السفير الأمريكي لدى صنعاء، جيرالد فيرستاين، في تصريحات أو مقابلات صحفية، أم تم تعزيز تأكيده من قبل مسئولين أمريكيين آخرين، من واشنطن; إما خلال الفترات التي سبقت القرار (من خلال تحركات أمريكية نشطة سعيا لاتخاذه) وإما بعد ذلك (بهدف تأكيد هذا الدور..). 
لكن، ومع ذلك، إلا أن الموقف الأمريكي، بشكل عام (ولنقل: المفترض، ذو التأثير والفاعلية على مسار الأحداث في اليمن) ما زال يثار حوله كثير من التشكيك!
بالنسبة للسفير الأمريكي، هنا في صنعاء، يزعجه مثل سوء الفهم هذا، وتغضبه مثل تلك التهم فـ«هناك كثير من الإشاعات..»، قال السفير – بلهجة أقرب للغضب – بينما كان يرد على سؤال (ذو طبيعة اتهامية بشأن ما يشاع حول ما تريده أمريكا وما لا تريده في اليمن!) في مقابلة سابقة كانت أجرتها معه «المصدر» بتاريخ 11 أكتوبر الماضي. «كما أن الكثير من الناس يتنبأ بحدوث الكثير من الأمور..»، أضاف السفير واصفاً من يطلقون الأحكام، بأنهم «يفترضون أنهم يعلمون الكثير عن السياسات والرؤى الأمريكية التي وببساطة لا توجد على أرض الواقع..».
وببساطة كبيرة، كان يمكننا أن نكتشف قدرات السفير فايرستاين الدبلوماسية في رده على أكثر الأسئلة إحراجاً – حول سياسات بلده وتحركاتها، ورغباتها - خلال مقابلات صحفية مباشرة (وهذا بعكس كثير من السفراء الغربيين والعرب الذين إما يصرون على أن ترسل إليهم الأسئلة عبر الفاكس للرد عليها، أو ببساطة يرفضون إجراء الحوارات الصحفية، مع استثناء السفير البريطاني).
ومع ذلك، إلا أن أسئلة كثيرة ما زالت بحاجة إلى إجابات صريحة، وواقعية، يطالب بها بعض السياسيين والمتابعين! وهذا ينطبق ليس على المتابع والسياسي اليمني، بل، أيضا، ظهر باحثون غربيون – بعضهم أمريكيون بالطبع– مازالوا يشككون حول ما يريده، وما لا يريده البيت الأبيض في اليمن.

•       السياسة الأمريكية في اليمن
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، كتب جيرمي إم شارب، وهو متخصص بشئون الشرق الأوسط، دراسة مطولة تحت عنوان «اليمن: الخلفية والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية»، قدمت إلى/ ونشرت عبر (خدمة الأبحاث في الكونجرس) في 8 يونيو 2011، وقد غاصت الدراسة في عمق الأحداث الجارية في اليمن على خلفية قيام الثورة الشعبية السلمية. وتحت العنوان الفرعي:«الاستجابة السياسية للولايات المتحدة»، قال شارب: إن «الاستجابة السياسية للإدارة الأمريكية طوال الأزمة اليمنية الحالية تمثلت بتجنب إدارة الرئيس اوباما دعوة الرئيس صالح للتنحي عن السلطة بشكل مباشر وصريح، لكنها انتقلت للتصديق على عملية نقل [صالح للسلطة] مجاراة [تماشيا] مع خارطة مجلس التعاون الخليجي لتصحو بعد ذلك مباشرة بشأن إثارة مسألة مغادرة صالح للسلطة».
وأضاف شارب، على لسان مسئول أمريكي مجهول الهوية، قوله أن الإدارة الأمريكية ما كانت لـ «تتصور أو تحاول التنبؤ بهذه النتيجة». ويستشهد الباحث بتصريحات لمساعد مستشار الأمن القومي بن رودز، قال فيها «أعتقد أن وجهة نظرنا هي أن التحرك هناك يجب أن يكون واضحا بالمضي نحو إحداث حل سياسي في اليمن بحيث يشمل هذا الحل حكومة تكون أكثر استجابة لتطلعات الشعب اليمني...تلك كانت رسالتنا المبدئية الثابتة للرئيس صالح».
وفيما يبدو أن الاستشهاد بتلك التصريحات هنا إنما جاءت في سياق تعزيز الحديث عن ضعف التحرك وعدم تطور الموقف قياسا بقوة الإدارة الأمريكية وتأثيرها المفترض في حث صالح والضغط عليه للتنحي. ولذلك لم ينتظر الباحث الأمريكي الشهير (المعروف بكتاباته ومؤلفاته المنتشرة على نطاق واسع والتي تنظر وتحث على «الكفاح اللاعنيف» من أجل إحداث التغيير في الأنظمة الاستبدادية) لينتقل إلى إيراد ما تضمنه تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية العالمية - مقرها أمريكا – وذلك عقب مجزرة (18 مارس - جمعة الكرامة) حين حثت الرئيس أوباما على ضرورة إيقاف المساعدات الأمريكية، العسكرية والاقتصادية، فورا، والتي كانت خصصت لليمن (115 مليوناً أقرها الكونجرس ضمن ميزانية 2012)، وذلك حتى «تتوقف الهجمات التي يتعرض لها المحتجون السلميون على نطاق واسع، ويحال المتورطون فيها للمحاكمة». وبحسب الباحث فإن جيف موريل، أمين سر الإعلام في البنتاجون، حين سئل، مطلع أبريل، حول ما إذا كانت الإدارة تدرس مسألة إيقاف المساعدات، رد أنه «على حد علمي فإن تلك المساعدات لم تكن... من الواضح أننا نراقب الوضع عن كثب. إنه مقلق. ونحن نعمل على تقييم ودراسة الوضع معتمدين على مدى تقدمه..». (المصدر: عن وكالة رويترز: «الولايات المتحدة تحث اليمن على نقل السلطة، والبنتاجون لم يقطع المساعدات» – 5 ابريل 2011).
ومع ذلك، فإن تصريحات لاحقة، نسبت لمسئولين أمريكيين ويمنيين، أكدت أن واشنطن قطعت/ أو خفضت مساعداتها لليمن. لكن السفير الأمريكي – في مقابلة المصدر المشار إليها سابقا، أكتوبر الماضي – أجاب صراحة بقوله «لم نقم بتقليص مساعداتنا لليمن»، بل أكد أن بلاده في واقع الأمر قامت «برفع المساعدات المقدمة إلى اليمن خلال الأعوام القليلة الماضية..»، مع أنه في نفس سياق الإجابة، تحدث عن تقلص المساعدات الاقتصادية بسبب الوضع الأمني. وحين طلب منه تحديد الإجابة بخصوص «المساعدات العسكرية»، بشكل خاص، لا الاقتصادية، تجنب الإجابة المباشرة، بداية، مكررا حديثه حول تأثيرات الوضع الأمني، إلا أنه عاد وأكد «ومع هذا فإن تعاوننا الأساسي مع اليمن فيما يتعلق بالجانب الأمني سوف يستمر»، وبعد إصرار على تحديد إجابة مباشرة بخصوص ما ورد على لسان أركان حرب الأمن المركزي اليمني، نجل شقيق الرئيس، يحيى صالح، بخصوص تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية، أوضح السفير أن ما حدث هو أن «برامج التدريب التي كنا ننفذها مع تلك الوحدات قد توقفت لأن تلك الوحدات قد توقفت عن التدريب، وبالتالي فإن قرار وقف التدريب تم اتخاذه من قبل تلك الوحدات وليس من قبلنا». بعدها بيوم أو يومين تقريبا، التقى السفير بيحيى صالح، دون أن تكشف المعلومات ما الذي دار في اللقاء، غير تلك العبارات الرسمية المعهودة التي دأبت عليها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية أن اللقاء ناقش جوانب التعاون الأمني بين الجانبين!

•       ما بعد قرار مجلس الأمن
ولاحقاً، وبعد إصدار قرار مجلس الأمن (رقم 2014)، في 21 أكتوبر، وحين كان متوقعا ممارسة مزيد من الضغط على صالح ونظامه من أجل تطبيق مضمون القرار، إلا أنه وعلى العكس، لوحظت بعض التغييرات - ربما - في تصريحات الدبلوماسية الأمريكية ممثلة بالسفير فايرستاين، بشكل خاص. ففي لقاء مع صحيفة الصحوة الأسبوعية المعارضة، نشرت الخميس (27 أكتوبر)، كانت نبرة السفير متغيرة – أو ما أعتقد البعض أنها كذلك - تجاه المعارضة اليمنية وأطراف الصراع الأخرى التي تعارض أو انشقت عن صالح. والتي حملها السفير جزءاً من مسئولية ما يحدث من انتهاكات، وخروقات.. وبطريقة غير مباشرة، فقد ساوى في جزء من تصريحاته بين النظام وبين المعارضين الفاعلين!
ولوضع ما يمكن اعتباره تحولا في المواقف، في سياق أكثر وضوحا، فقد جاءت تلك التصريحات بعد يوم واحد من نشر خبر حول لقاء تم بين صالح والسفير الأمريكي (الثلاثاء 25 أكتوبر). 
وقد اعتقد البعض أن مثل هذا التحول المعلن، ليس فقط أنه اعتبر سببا رئيسيا ساعد صالح ومنحه فرصة جديدة لمواصلة التلاعب والمماطلة في توقيع المبادرة الخليجية بموجب ما يلزمه قرار مجلس الأمن، بل أكثر من ذلك، جعله يواصل لعبته باستخدام العنف وقمع المناهضين له في محافظة تعز، ومديريات أرحب ونهم- محافظة صنعاء، وذلك بهدف جرجرة المعارضة للدفاع عن نفسها بما يعزز فكرة المساواة بين انتهاكات الطرفان. بل غير ذلك، جعله يطالب بإضافة تعديلات على الصفقة تمنحه فرصة البقاء رئيسا رمزيا حتى إجراء الانتخابات الرئاسية. وهو أمر، مع انه يخرج عن إطار ولب محتوى المبادرة (التي تدعوه بشكل واضح إلى التنحي مباشرة عقب التوقيع وتسليم السلطة لنائبه)، إلا أن مثل هذا الأمر، كما يبدو، قد وجد قبولا وتأييدا من قبل واشنطن. ومثل هذا القبول أورده السفير في مقابلته مع صحيفة الصحوة أيضا، وإن بشكل تلميح وبصورة غير مباشرة. فحين سئل حول ما يتردد من القول بإمكانية أن تتضمن التسوية الجديدة «بقاء صالح رئيسا رمزيا حتى إجراء الانتخابات»، أجاب «أعتقد أن هناك إشكالية ما، وبمعنى آخر أن الآلية التي ناقشها كلا الطرفين لا تتطلب استقالة رسمية لرئيس الجمهورية، لكنها وبالتأكيد ستنقل قيادة البلد وبشكل يومي إلى يد نائب الرئيس مع حكومة ائتلاف، لذا فسلطة اتخاذ القرار ستكون في يد نائب الرئيس..». وهذا يعني بوضوح غير قابل للتشكيك، تفسيرا جديدا للآلية التي يتم مناقشتها مع المعارضة، يحمل تبريرا لبقاء صالح رئيسا رمزيا!
الأمر على هذا النحو، يتعارض مع تصريحات الدبلوماسية الأمريكية السابقة التي ظلت تدعو على وتيرة واحدة بضرورة التنحي الفوري، حتى دون أن تتطور أو تتوافق مع متغيرات الأحداث وتسارعها على الأرض!

•       ليس جديداً.. بل على النسق ذاته
وفي الوقع، إذا ما عدنا قليلا، وأمعنا النظر في موقف الإدارة الأمريكية إجمالا إزاء اليمن، سنلحظ بشكل أكثر وضوحا أن السفير الأمريكي لم يكن وحده ملتزما بهذا التوجه السياسي.
بل إننا سنجد أن موقف الإدارة الأمريكية إزاء صالح، وما يحدث في اليمن، ككل، لم يشهد تغييراً كبيراً، طوال فترة الأحداث، في سياق تصريحات معظم مسئولي الإدارة، وذلك بالنظر إليها من جهة التطور المفترض إزاء الأحداث، سواء من حيث التطور الزمني أم التطور الميداني.
ثمة مؤشرات واضحة في هذا السياق. أهمها: أن الإدارة الأمريكية لم تكن لتضع الحالة اليمنية موضع الخطر الكبير الذي يتوجب الإسراع في حله (ومسألة المخاوف من تنظيم القاعدة هنا، مع أنها قد تبدو حقيقية، إلا أنها لم تكن تمثل ذلك القلق البالغ الذي يجبرها على رفع مؤشر الخطر إلى اللون الأحمر). وما يدل على هذا التوجه أن أعلى مستوى قيادي سلم إليه ملف اليمن هو السفير الأمريكي في صنعاء، بداية. وحين تطورت الحالة، اقتسم الملف مع المملكة السعودية. وهذا أمر يمكن ملاحظة دقته، بمقارنته مع بقية ملفات ثورات الربيع العربي في المنطقة (تونس، مصر، ليبيا، وسوريا..). وإذا ما كنا واقعيين أكثر، فيمكن القول – من خلال الملاحظة – أن أعلى مسئول أمريكي في واشنطن أبدى اهتماما بملف اليمن – بعد السفير – لم يتجاوز الناطقين الرسميين باسم وزارة الخارجية. وحتى هؤلاء كانوا يطلقون التصريحات مجبرين بالرد على أسئلة الصحفيين. أما أهم أشخاص الإدارة الأمريكية وهم: الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، فمدى قياس اهتمامهم بملف اليمن، يتضح ضعفه بالمقارنة مع بقية الملفات الساخنة. ومن خلال إطلاقهم التصريحات، فإنها حتى لم تساوِ الـ10 بالمائة من التكرارات قياسا بالفترة (10 أشهر من الثورة اليمنية، لم تبلغ فيها التصريحات حتى بنسبة مرة واحدة على الأقل شهر. مع أن بعضها ساقتها أحداث كبيرة مثل اغتيال العولقي).
وخلاصة الأمر، في هذا: يمكننا القول إن الإدارة الأمريكية، وضعت ملف اليمن بيد السفير، والأقدار، ترمي بها حيث تشاء..ففي نهاية المطاف، لا تمثل اليمن الأولوية القصوى– إذا ما استثنينا موضوع الإرهاب – التي من شأنها أن تؤثر على بؤر اهتمام وأولويات الإدارة على مستوى العالم.
وبالعودة إلى الدراسة التي أجراها شارب حول اليمن، فإن التقارير أشارت إلى أن إدارة أوباما، وطوال فترة الجدل السياسي حول شروط المبادرة الخليجية الداعية لإحداث انتقال سياسي للسلطة في اليمن، ظلت تمارس ضغطا على صالح لتوقيع الصفقة. وفي خطاب أوباما في 19 مايو، أمام وزارة الخارجية الأمريكية، فقد حث أوباما الرئيس صالح علنا على توقيع المبادرة. غير أنه أضاف «ولكن إذا كانت أميركا تريد أن تكون ذات مصداقية، فيجب أن نقر بأن أصدقائنا في المنطقة، في بعض الأحيان، لم يستجيبوا لجميع مطالب التغيير الثابتة – أي التغيير الذي ينسجم مع المبادئ التي أوجزتها اليوم». وأضاف أوباما «تلك هي الحقيقة في اليمن، حيث أن الرئيس صالح بحاجة إلى متابعة لتنفيذ التزامه بنقل السلطة». وبعدها بأيام قليلة فقط، وعوضا عن التوقيع، رتب الرئيس صالح، بحسب التقارير، حصارا عبر مناصريه حول سفارة الإمارات العربية المتحدة بصنعاء وبداخلها السفراء، بينهم السفير الأمريكي، بعد أن رفض التوقيع على المبادرة في نفس ذلك اليوم (22 مايو). لكن، مع أن هذا كان عيبا دبلوماسيا غير مسبوق (إلا ما فعله ميلوسوفيتش مع بعثة الأمم المتحدة) إلى جانب كونه يعد يعتبر الرفض الثالث للتوقيع، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارك تونر، علق قائلا «نحن نعتقد أن الرئيس صالح مازال لديه القدرة والفرصة لتوقيع هذه المبادرة ليعمل على كسر الجمود الحاصل». كان ثمة مقترحات بأن ترفع واشنطن من نسبة الضغط أكثر لإرضاخ صالح على التوقيع، بما في ذلك مقترحات بعقوبات ضده وضد أسرته ومقربيه، عبر مجلس الأمن. إلا أن ذلك لم يحدث، وعوضا عنه، سافر جون برينيان، مستشار الرئيس لشئون الإرهاب، إلى الخليج، عقب تصاعد المواجهات في الشارع اليمني. والتقى بزعماء الخليج ليتدارس معهم كيفية إعادة صالح إلى طاولة المفاوضات واستئناف المحادثات بشأن نقل السلطة. (كل تلك التفاصيل التي تضمنتها دراسة جيرمي شارب، هي في الأصل معلومة لدى الكثيرين. ومع ذلك، إلا أن حجم الكاتب، والجهة الصادرة عنها، ربما، هما العاملين اللذين يمنحانها تلك الأهمية).

•       السبب: الفيل في الغرفة
إن شارب مثله مثل كثير من الباحثين الأمريكيين، وبشكل خاص المسئولين الأمريكان، وغيرهم من الباحثين الغربيين، يصلون في نهاية المطاف إلى تفسير سببي هو الأكثر انتشارا كسبب رئيسي يربط  تلك السياسة الأمريكية، المتخاذلة، بمخاوف من استغلال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة للاضطرابات المتوقعة في اليمن، والتي قد تتفاقم في كلا الحالتين: سواء في حال تنحى صالح عن السلطة نهائيا، أم تمسك بها بشكل جنوني، ورفض التخلي عنها.
ففي الحالة الأولى تأتي المخاوف، من كون رحيل صالح سيترك فراغا كبيرا في السلطة، في الوقت الذي تفتقر فيها أمريكا لشريك قوي قادر على التصرف بسرعة وفق المعايير الأمريكية في مواجهة أي خطر إرهابي. حيث أن صالح – وهنا نستشهد بشارب – "كان مدركا بشكل جيد للمخاوف الأمريكية والسعودية والقلق الدولي حول استمرار التعاون في الحرب على الإرهاب، وأنه طوال فترة الأزمة أثار تلك المخاوف بسحب قواته من المحافظات البعيدة من أجل إرغام المجموعة الدولية على القبول بمبدأ استمرار بقاء حكمه. استشهد التقرير بأحداث محافظة أبين كنموذج أكثر وضوحا للخطة التي يزمع صالح مواصلتها في حال تواصلت الضغوطات المطالبة بتنحيه الفوري.
أما في الحالة الثانية، وهي تشبّثه الجنوني بالسلطة، فيمكنه أن يوصل إلى حتمية نشوب حرب أهلية. وبالتالي إتاحة مناخ مناسب للقاعدة للتوسع والانتشار! 
هذا ما يجعل الخيارات الأمريكية المفترضة محدودة. ووسط الحيرة على مستقبل اليمن السياسي، يقول شارب، فإن المسئولين الأمريكيين يناضلون من أجل الإبقاء على التعاون في مكافحة الإرهاب المستقبلي باعتباره خيارا رئيسيا. ويضيف «إن حجم العلاقة الأمريكية بالمعارضة السياسية اليمنية أو القادة العسكريين من خارج الدائرة المقربة لعائلة صالح، هي علاقة مجهولة». وطبقا لـ جوشوا فوست، وهو زميل في مشروع الأمن الأمريكي والمحلل السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية، فإن «الحاصل هو أن مهمة التدريبات الأمريكية، وكذا برامج جمع وتبادل المعلومات الاستخباراتية الساري المفعول مع اليمن – لا احد يعرف ما إذا كانت ستتأثر أو المدى الذي ستتأثر به [تلك البرامج] في ظل حكومة جديدة». وأضاف «ليس لدينا علاقات جيدة مع حركات المعارضة، التي تعتبر هي نفسها مرتبكة ومن المحتمل أن تبدأ المشاكل الداخلية قريبا على أية حال، ولذلك من الصعوبة التنبؤ بالكيفية التي سيتفاعلون بها مع مثل هذه البرامج» (المصدر: خطورة اللعبة الأمريكية في اليمن – الأمة The Nation ، 30 مارس 2011).
وإذا كان من الممكن التغاضي على أن يهاجم السفير فايرستاين بعض اليمنيين الذين وصفهم بأنهم يفترضون معرفتهم كل شيء عن السياسية الأمريكية، فما الذي سيتوجب عليه قوله، هنا، أمام تصريحات خبراء أمريكان شغلوا مناصب أمنية سابقة؟
تقرير آخر، يستشهد به الكاتب، يؤكد أن «مسئولين أمريكيين يقرون بشكل خاص بأنهم ليس لديهم النفوذ القوي الذي يمكنهم من مواجهة صالح بخصوص مسألة بقائه وخروجه من السلطة. وأنهم في أفضل الأحوال، يقول المسئولون الأمريكيون، أن الأمريكان ينظرون [يبحثون] بعناية كبيرة في مسألة تحديد هوية ودعم مسئولين على المستوين العالي والمنخفض وكذا مسئولين مدنيين من الذين يمكنهم أن يسيطروا على المؤسسات الأمنية في حال أن أجبر  أقرباء صالح على الفرار». (المصدر: النظر إلى الاضطرابات في اليمن كفرصة ملائمة لفرع القاعدة – صحيفة «نيويورك تايمز» 5 أبريل 2011).

•       خطورة الاستمرار في اللعبة
وعلى هذا المنوال، وغيره، من الاستشهادات والتصريحات والتقارير، التي تعزز المخاوف الأمريكية من القادم المجهول في اليمن، بغض النظر عن واقعية تلك المخاوف من عدمها، فإن معظم المتابعين يضعون تفسيراتهم وانطباعاتهم حول طبيعة الموقف الأمريكي من قضية التغيير المنشود في اليمن، باعتباره أحد الدعامات الرئيسية لإطالة أمد الأزمة، على أمل أن تتغير مواقف أحد الطرفين: صالح ونظامه، أو المعارضة وأنصارها. وفي كل الأحوال فقد حاولت الإدارة مرارا لكنها أثبتت فشلها في تجريب إنفاذ الخيار الأول. وذلك، وفي أحسن تقدير، لكونها أجبرت عليه بسبب تسارع الأحداث المتجهة صوب حتمية إسقاط نظام صالح، لاسيما بعد جمعة الكرامة. وربما بات عليها الآن أن تنتقل إلى محاولة إنفاذ الخيار الثاني بالضغط على المعارضة، وهو الخيار الذي باتت مسوغاته أكثر مواتة، من حيث أنها أصبحت تعتقد، الآن، أن قبول المعارضة ببقاء صالح رئيسا فخريا حتى إجراء الانتخابات، سيمثل الحل الأسهل، الذي ساقته الأقدار، وليس بينها وبين تحقيقه سوى أن تضغط على المعارضة, الباحثة عن تعزيز ثقة المجتمع الدولي بها. والبداية كانت من حيث بدأ السفير نفسه: التهديد بعقوبات تطال الجميع من خلال إطلاق تصريحات تساوي في الانتهاكات وتجعل من المعارضة متورطة في الجرم مثلها مثل نظام صالح!
بيد أن الأمر، ربما سيكون أكثر كلفة، من حيث أنها تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ويساعد ويمنح صالح عذرا ومبررا وفرصة أخرى وحياة جديدة لمواصلة محاولاته ومساعيه في البقاء في السلطة. ليس ربما بشكل رمزي حتى الانتخابات الرئاسية القادمة، بل بفاعلية لن يعدمها طالما ظل يمتلك المال وقوة الجيش – بيد أسرته – ما قد يغريه ويحفزه على إحداث إرباكات سياسية قد يصل مداها إلى تغيير المعادلة السياسية المفترضة خلال الفترة الانتقالية، وبالتالي إطالة أمد الأزمة مجددا. وفي حال افترضنا جدلا أن شباب الثورة قبلوا بتلك التسوية السابقة، وهو أمر مستبعد جدا، فإن القادم سيكون أكثر خطورة ودماراً، في حال لم تسر الأمور وفقا لآخر تسوية سياسية تم التوصل إليها. ليس على مستوى الداخل اليمني فحسب، بل على مستوى أبعد من ذلك بكثير، قد يطال الإقليم والمصالح الدولية برمتها في اليمن والمنطقة.
------------------------------------------------
نشرت في صحيفة المصدر الإسبوعية - العدد (181) - الثلاثاء: 21 نوفمبر 2011