الأربعاء، 19 يناير 2011

الثورة التونسية تؤجج مشاعر اليمنيين في "الفيس بوك"

حصد اللون الأحمر أكثر الأسهم، إذ حضر العلم التونسي مرفرفاً بفخر في معظم صفحات الشبكة الاجتماعية الإلكترونية..وأفرغ رواد الانترنت احتقاناتهم حتى لكأن الثورة ملك يمينهم


أفرغ رواد الانترنت احتقاناتهم حتى لكأن الثورة ملك يمينهم


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مساء الجمعة الماضية، 14 يناير، ومع انتشار خبر فرار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، على شاشات القنوات الفضائية ومواقع الأخبار العالمية، كان لافتاً – بشكل كبير- أن الشبكة الاجتماعية التفاعلية الأكثر شهرة: "الفيس بوك"، بدأت معظم ألوان صفحاتها تكتسي تدريجياً بلون الدم.

كان العلم التونسي الأحمر بهلاله ونجمته البيضاويين، يرفرف بنعومة –أو هكذا بدا للرأي ناعماً ومبتهجاً لأول مرة، ربما منذ أكثر من عقدين– باسطاً نعومته وبهجته على مساحة كبيرة على أرض مملكة الفيس البوك. حدث ذلك حينما استبدل معظم الأعضاء صورهم الخاصة، بالعلم التونسي الأحمر، وهوياتهم العربية -المهجنة بالغضب والإحباط- بهوية الغضب الثوري التونسي الفاعل، وولاءهم المكاني بولائهم العربي الأوسع..

بدا لي وكأن ذلك كان يتم بفخر كبير يصعب معه التفريق -بالمقارنة- بمفخرة نظرائهم التونسيين: من نالوا حريتهم وتخلصوا من ربقة الاستبداد لتوهم، مقدمين أكثر من 70 شهيداً.

ولكأن أولئك الغاضبين (التونسيين) انتفضوا على الأرض نيابة عن هؤلاء الذين يبتلعون غضبهم (اليمنيين)، في جوفهم، فما وجدوا غير ساحة الإنترنت لزفر آهاتهم المتكلسة، مستلهمين مشاعر الثائر التونسي وغضبته، لسد عجز عن الفعل طالما رغب – أو حدث نفسه -بالقيام به، ولكن دون جدوى..

في نهاية الأمر، سيمكن للتبرير أن يتدخل لحسم ما جرى ويجري على صفحات الفيس بوك، على أساس من الحداثة. إذ ربما أن ما فرضه التماهي القائم اليوم بين ما جلبته العولمة التقنية، من حرية تعبيرية، وبين سرعة انتقال ما يحدث على الأرض من أحداث.. سيمكنه تبرير الجزء المتعلق بالتفاعل الوجداني الإلكتروني الأخير على الفيس بوك، مع الثورة التونسية الحقيقية على الأرض.

فلكأن الآلام العربية المختزنة تشابهت آهاتها، ولكأن المتألمين قد وجدوا طريقهم عبر الفضاء التكنولوجي (الإنترنت) لتوحيد وتنسيق مشاعرهم الوجدانية التي لا يقلل من أهميتها كونها مشاعر فضائية "معولمة". ولربما كان ذلك الشعور يتدفق على أمل: أن ما أنجزه "إخواننا في تونس"، سيمكنه أن يفتح شهيتنا نحو "إرادة الحياة.."، بانتظار "استجابة القدر". أو ربما أنه يتمكن –حتى- من سد شهية الطغيان، ويحيله من وحش فاغر فاه على كل شيء، إلى قط أليف وديع، يخشى النتيجة التي استخلصتها الأحداث هناك في تونس.
مع غروب شمس الجمعة التاريخية، كانت طائرة الرئيس المخلوع، أو "هبل" حسب وصف الشيخ القرضاوي، تبحث عن مطار يأوي خيبته. في ذلك الوقت، وبينما كانت أدخنة النيران ما زالت تتصاعد من شوارع وأزقة تونس الثائرة، كان الفضاء العالمي يكتسي تدريجياً بحمرة العلم التونسي المرفرف على صفحات الفيس بوك، من شتى بقاع الأرض.

في الواقع، من الصعب القول إن ثوار تونس الأحرار، رغبوا –ليلة ذلك اليوم التاريخي– بالعودة إلى غرف نومهم، أو خلدت أجسادهم المنهكة للنوم. ومثلهم كان رواد شبكة الفيس بوك من كافة بقاع الأرض، بضمنها اليمن، يتسابقون على تخليد وتمجيد الثورة التونسية ويفتخرون بعلمها على صفحاتهم. استبدلوه بصورهم الشخصية التي ما كان لشيء آخر أن يقنعهم بالاستعاضة عنها.

وعلى مدى الأيام التالية من مساء الجمعة الماضية، وحتى مساء الاثنين، نشطت حركة التعليقات على صفحات الفيس بوك، مع التسابق على نشر كل جديد حول الأحداث الأخيرة، والتباهي بجلب الصور النادرة المتعلقة بالحدث، والتعليق عليها بروح الدعابة، وأحياناً بنوع من السخرية، وتارة أخرى بالشعر والحماسة، كمحاولات لاستنهاض الهمة والعزيمة لمحاكاة التجربة..

على غير العادة، هذه المرة انهمرت التعليقات وتدفقت العبارات وضخت الصور بغزارة وبشكل غير مسبوق قياساً لما كانت عليه الحركة  (في الفيس بوك) قبل نجاح الاحتجاجات التونسية الأخيرة، ولقد أظهر البعض إبداعاً لافتاً في كل ذلك..

وعلى الرغم من أن الوجدان الشعبي بطبيعته العامة قد لا يختلف كثيراً بالنسبة للمشاعر المنعكسة حول الكثير من القضايا والأحداث، إلا أن التمايز الفكري الذي من شأنه أن يعكس بطبيعته ما يمكن القول إنه تمايزاً وجدانياً في القيمة والوزن، هو ما يجعلنا نعتقد أن الحياة في مملكة وشوارع الفيس بوك، ستختلف كثيراً عن الحياة الفعلية في شوارع وأزقة الدولة.

ومن شأن هذا أن يحملنا واجب نعتقد أنه لزاماً علينا القيام به، في محاولة للربط بين تلك المشاعر الوجدانية كمجموع كلي وكتلة واحدة. أو لنقل أننا رأينا أنه من الضروري أن تتقارب تلك المشاعر -على الأقل- عند مستوى من التفكير المستخلص للعبر والنتائج..

وعليه رأينا –في هذه المساحة– بضرورة نقل جزء من مشاعر وإبداعات أبناء اليمن في غرف ومقاهي الإنترنت التي قامت على خلفية الأحداث الأخيرة في تونس. على أنه من اللازم التأكيد أن النقل هنا ليس فقط ما كان ليمكنه أن يستوعب الكم الهائل من ذلك التدفق الفيس بوكي، بل كان من الصعب نقل معظم تلك التعليقات والصور لاسيما تلك التي عبرت عن مشاعر أصحابها بحنق كبير، جعلتهم يكتبون ويرسمون ويصممون (من تصميم الرسومات والصور) ربما بحرية "زائدة" (هذه الكلمة الأخيرة جاءت اضطراريا لتتلاءم وتتسق مع سقف الحرية المتاح للنشر في الصحافة المكتوبة مما جعلنا نحجم عن نشرها لتضمنها ألفاظاً وعبارات من غير الممكن نشرها، أحياناً حفاظاً على الذوق العام، وأحياناً أخرى، التزاما بالقانون).

أمر أخر: لقد فضلنا عدم نشر أسماء المعلقين وناشري الصور التي تم التعامل معها (دمجاً وتصميماً)، لسببين. السبب الأول: أن طبيعة تصفح الفيس بوك الذي يعتمد على الصفحات الشخصية، وبالتالي آلية تدفق المعلومات إليها، فإن تلك التعليقات والصور كانت تتكرر كثيراً وتحمل في كل مرة أسماً مختلفاً من حين إلى آخر، الأمر الذي جعلنا غير متأكدين من هم أصحاب الحق الحقيقيون.

أما السبب الآخر: إننا نؤمن أن بعض المعلقين أو المصممين، مع أنهم لا يخشون من نشر أسمائهم على الفيس بوك، إلا أنهم لا يفضلون نشرها في الصحافة المكتوبة. 

بعض مشاعر وإبداعات اليمنيين في الفيس بوك:
مجد معظم المعلقين الثورة التونسية، بعبارات وأشعار، بعضها لشعراء كبار وأخرى تم تحريفها لتتناسب مع الحدث، بينما نشر البعض أشعاراً كتبوها لتوهم. وفي التعليقات كان معظمهم يطالب بمحاكات التجربة التونسية، تارة باستنهاض العزائم، وأخرى باستجداء النخوة، ورفض الفساد والظلم.

وسيطرة قصيدة أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر) والتي كان التونسيون يهتفون بها في الشوارع، على معظم ما نشر..

ولكثرة تلك الأشعار والتعليقات، وللمساحة المحدودة للنشر، حاولنا أن نختار بعضاً منها والتي تضمنت إبداعاً وصالحة للنشر..
- كتب أحدهم هذين البيتين من الشعر:
- ها هو تونس أراد الحياة
وودّع حاكمه بن علي
- وشعبي اليماني أراد الحياء
من القول كلا ولا يا علي
- وكتب آخر:
- بن علي قال احمد الله
يا علي في كل ساعة
- الشعوب نعمة من الله
لا تفرط في الوداعة
- قلهم كلمة رقيقة
تزرع البسمة زراعة
- قلهم ما مثل شعبي
في العرب ما شفت ساعة
- انتبه حسك معاهم
لا تقل ماشي وماعه

- وكتب أحدهم التعليق التالي:
لماذا لا تخرج مسيرات تطالب باتفاق جميع الأطياف السياسية في اليمن على أن يكون اليمن أولا وليس مجرد شعارات، وأن يكون هناك اهتمام حقيقي بالتعليم والذي يعتبر مفتاح التنمية المستدامة، وأن يتم فرض هيبة القانون على الجميع شيخ كان أو رعوي، وأن تطالب بالكف عن التلاعب بالمواعيد الدستورية من أجل التقاسم والمصالح الشخصية!؟

- وآخر علق قائلاً: سادتي وسيداتي: من لديه استعداد ليخرج للشارع رافعاً علم الجمهورية اليمنية رفضاً لمشروع الفساد السياسي من تمديد وتوريث ووأد لمبادئ الثوره والجمهوريه والوحده ودفاعا عن الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية..

- وفي تعليق آخر كتب أحد الأعضاء التالي: قد يكون الرئيس التونسي كبش فداء لكن ليس آخر كبش لأن الحاكم أثبت أنهم يستفيد من الدرس موقتاً ثم يعود إلى غيه والشعوب تنام ولكن لا تموت تتخدر ثم تصح وتنتفض كالبركان الذي لا يمكن السيطرة عليه وأتوقع سقوط عدد من الحكومات والحكام العرب خلال عام 2011.

- وكتب آخر: بالنسبة لي ما حدث في تونس مصدر حزن إضافي على بلادي الحاكم وأسرته هناك نقطة سوداء في ثوب أبيض. حين انتفض الناس تهاوى.

- في بلادنا سحب التخلف كرسي وطرح رجل على رجل يتفرج على تونس ويقول: الحمدلله أنا في اليمن، حتى لو ثار اليمنيون سياسيا، فكل الأطراف تحملني في قلبها، لن أضطر للهجرة.

- أصلا لم تعد هناك بلاد تعطي فيز لهذا العمق من التخلف.

- وعلق آخر: ونسي يحرق نفسه وجزائري يحرق نفسه ومصري يحرق نفسه.. واليمنيون رجال لإطفاء الحريق..

- وفي تعليق آخر، كتب أحدهم: بعد سقوط بن علي المدوي وصفحات الفيس بوك تشتعل باللون الأحمر التونسي، والشباب يتبادلون التهاني ومشاعر البهجة والاستبشار عبر رسائل الS M، في هذه اللحظة بالذات أجد نفسي مشفقا على مشاعر الطغاة، متشفيا بمشاعر المنافقين وأبواق التطبيل والتزمير للزعماء الملهمين..

- وآخر: هل دنى أجل الأنظمة العربية؟ تونس سقط، بن علي ورحل، اليمن في المخاض، والأردن في حراك، والجزائر خفض للأسعار، ومصر تتفرج على تونس، والليبي يقول إن على الشعوب أن تحكم نفسها.
- واستوحى أحدهم كتابة نص رسالة من الرئيس التونسي للرئيس اليمني، ولكون الرسالة طويلة ننشر أجزاء منها من المقدمة:
رسالة من الرئيس التونسي المخلوع إلى الرئيس اليمني، بعد التحية:
أخي فخامة الرئيس علي عبدالله صالح.. المحترم

- أكتب لك رسالتي هذه من غرفة في ملجأ ضاق بي كجحر حشرة مهانٍ محتقرٍ، بعد أن ضاقت بي الدنيا بما رحبت، وتَنَكَّر لي الصديق والقريب والمعاون والعميل، فلا حراسة لي ولا أمن حولي، لم أصدق ما حدث ولا زلت على أملٍ أن أكون في حلم مرعب، أيعقل بعد عِزِّ الرئاسة والفخامة وحفاوة الاستقبال والتوديع، أعيش الآن خائفاً أترقب ملاحقة قضائية تبهذل بي أمام المحاكم الدولية أو في بلدي، أو مصيراً كمصير تشاوشسكو وزوجته اللذين سُحِلا في الشوارع، أو ضياعاً كضياع شاه إيران ونميري السودان وغيرهما ؟!
- أخي فخامة الرئيس علي عبدالله صالح.. المحترم

- حكمت 23 عاماً، كانت لدي كل الصلاحيات بلا حدود، فالدستور لعبتي أعبث به كما أريد توسيعاً لصلاحياتي وتجديداً وتمديداً وتوريثاً، والبرلمان مسخرتي حشرت فيه أغلبية من المرتزقة والمخابيل فسخرتهم لخدمتي وتبرير نزواتي وفساد عائلتي وأقاربي وماسحي أحذيتي، يفعلون ما يشاؤون، وينهبون كل شيء بلا رقيب ولا حسيب، وإن أدى إلى إفقار البلد وجوع الشعب ورداءة الخدمات وغياب التنمية.

- وكانت تحت سيطرتي ونفوذي جميع إمكانات البلد والوسائل، فخزينة الدولة وثرواتها أعبث بها كما يحلو لي وأوزعها لمن أريد، أعطي هذا وأمنع ذاك، أشتري هذا وأبيع ذاك، لاعتقادي أن من حولي مجموعة كلاب وقطط يوالون من يرمي لهم الفتات، والإعلام الرسمي والموالي بصحفه وإذاعاته وقنواته الفضائية والمحلية تسبح بحمدي فلا شغل لها ولا قضية سوى تمجيد شخصي والدوران في فلكي، تنقل أخباري وتحلل خطاباتي وتلوِّن صوري.

• الصور والتصاميم:
شكلت الصورة والتصاميم حضوراً قوياً، وأكثر تعبيراً. ولقد حازت صورة العلم التونسي، على معظم الصفحات، تلهتها صورة الشاب التونسي محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه، بهيئات مختلفة، قبل أن يحرق نفسه، وأثناء احتراقه. ثم جاءت صورتا الرئيس اليمني، والرئيس التونسي السابق في المرتبة الثالثة تقريباً، بعدها صور متنوعة للمظاهرات التونسية..

ولأنه لا يمكن نشر الكثير منها كونها تضمنت تعليقات مخلة يحضر نشرها في الصحافة المقروءة، فقد اخترنا لكم بعضاً منها في هذه المساحة.
 

الجمعة، 14 يناير 2011

كلينتون في صنعاء لترميم النوافذ المتكسرة





المصدر أونلاين - عبدالحكيم هلال  
ربما لم يحظ اليمن منذ عقود بزيارة مسئول أمريكي كبير بمقام وزير خارجية، مع أنه شهد الكثير من الزيارات لمسئولين أمريكيين أقل أهمية لاسيما عقب دخول اليمن كشريك عالمي مهم في مكافحة الإرهاب.
 بالنظر إلى الظروف الصعبة وتصاعد الأزمات المعقدة التي تمر بها البلاد، من المتوقع أن تحمل زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون المقرر وصولها صنعاء اليوم الثلاثاء، أهمية كبيرة مع أنها تأتي في سياق جولة خليجية تشمل أبو ظبي، عُمان، والدوحة.
 وينظر إلى قضايا مثل: تعزيز التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب، وربما نتائج ما خلفته وثائق ويكيليكس، كقضايا ملحة لتكون على قائمة أولويات أجندة الوزيرة. على أن تزامن الزيارة مع تصاعد الأزمة بين السلطة والمعارضة اليمنية، الأسبوع الماضي، وإصدار وزارة الخارجية الأمريكية بياناً بهذا الشأن رفضته وهاجمته السلطة، قد يضع الأزمة وتداعياتها والبحث في إمكانية حلها، في سياق القضايا المهمة المطروحة للنقاش. ويدعم ذلك ما أكده مصدر في اللقاء المشترك مساء أمس لموقع "المصدر أونلاين" حين أكد أن سفارة الولايات المتحدة بصنعاء أبلغت قيادات المشترك عن رغبة وزيرة الخارجية اللقاء بهم خلال زيارتها لليمن.
 تمثل الزيارة أهمية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في المقام الأول. وعليه فمن المهم التأكيد على أنها تأتي لترميم النوافذ المتكسرة من حيث أن هناك حديثا -غير مؤكد- عن خلافات يمنية أمريكية على خلفية ما تضمنته وثائق ويكيليكيس. وقد تردد أن الرئيس صالح كان قد رفض استقبال مسئولين أمريكيين خلال الأيام التي أعقبت نشر الوثائق. كما أن الاتصال التلفوني الذي قام به -بعد يوم من النشر- مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب والأمن الوطني جون برانيان، لوحظ أنه تلي بتصريحات ذات لهجة شديدة إزاء اليمن من جهة برانيان ونشرتها وسائل الإعلام العالمية. ومؤخراً تضمن رد حزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) على بيان الخارجية الأمريكية حول الأزمة الانتخابية جملاً وعبارات شديدة اللهجة تضمنت رفضاً للتدخل في الشأن المحلي.
 ذلك قد يعني أن الزيارة تقد تعكس رغبة واشنطن في ترميم علاقتها مع أحد حلفائها (المهمين) في المنطقة، سعياً لمواصلة تنفيذ الاتفاقات التي تم التوقيع عليها سابقاً بضمنها توسيع العمليات الأمريكية داخل اليمن. وقد يعزز هذا الأمر ما تناقلته وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين من الحديث حول نقاشات تتعلق بتواجد أمريكي وبريطاني واسع في اليمن.
 بالنسبة لأزمة المعارضة والسلطة، ففي الحقيقة لا يمكن -بأي حال من الأحوال،- جعلها والبحث عن حلول لها بمثابة الاهتمام الرئيسي بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. ذلك مع أنه يمكن القول -وفق تقديرات أخرى- بإمكانية إدراجها في سياق الحديث عن أهمية استقرار اليمن من جهة الحديث المتكرر عن أن وضعاً مضطرباً من شأنه أن يقدم مناخاً وبيئة خصبة لتنامي الإرهاب، ويدخل -في السياق- الحديث عن قلق دول الجوار من أي تداعيات مؤثرة على المنطقة.
 لا تحفل أمريكا بتطبيق الديمقراطية إلى الدرجة التي يتصورها البعض والمستمدة من تنظيرات مفكريها. ذلك أن السياسة الخارجية الأمريكية باتت اليوم تعكسها المصلحة القومية الخاصة أكثر من المصالح الإنسانية العالمية. وقبل أن تجرى الانتخابات المصرية الأخيرة بيومين انتقدت صحيفة الواشنطن بوست (الأمريكية القريبة من الديمقراطيين –الحزب الحاكم) كلا من أوباما وكلينتون لعدم اتخاذهما مواقف صارمة ضد الحكومة المصرية التي كانت حينها تعد لانتخابات قالت الصحيفة أنها محسومة النتائج سلفاً. وكشفت الصحيفة أنه وعوضاً عن ذلك، رفض الرئيس ووزيرة خارجيته دعم ما كان الكونجرس يسعى إليه من قانون يربط بين مواصلة المساعدات المالية الأمريكية (تبلغ مليار ونصف دولار بالنسبة لمصر) وبين إحداث إصلاحات سياسية. بل دعت الصحيفة الرئيس الأمريكي والوزيرة أن يقوما بعمل صارم في هذا الاتجاه [المساعدات] ضد الرئيس المصري، حتى لا تنتقل العدوى إلى دول عربية وأخرى في المنطقة ممن تنتهج الديمقراطية. وهذا العام من المفترض أن تواصل واشنطن ضخ أموال المساعدات إلى اليمن، والتي رفعتها إلى أكثر من نصف مليار دولار العام الماضي
حين تحدث الصحفي العربي المعروف (محمد حسنين هيكل) حول وثائق ويكيليكيس لفت إلى أن الإدارة الأمريكية تبدو أنها عاجزة عن إرغام حلفائها العرب لإحداث إصلاحات سياسية حقيقية. وأنها تبدو وكأنها تفضل السكوت مقابل الحصول على مصالحها. لكنه نوه إلى أمر بالغ الأهمية حين قال إن الإدارة الأمريكية حين تظهر في الوثائق وهي تتحدث عن ضرورة إحداث إصلاحات سياسية، أمام حلفائها، فإنها قد تكون جادة من حيث أنها لا تريد تكرار التجربة الإيرانية حين ثار الشعب ضد الشاه بسبب الاحتقانات الكبيرة الناجمة عن القمع، وهو الأمر الذي قلب المعادلة رأساً على عقب.
 في اليمن، قد يؤدي التقاعس الإمريكي في حسم القضايا السياسية الملحة بشكل صحيح إلى تعزيز كراهيتها في مجتمع ربما ما زالت شريحة كبيرة فيه تؤمن أن واشنطن دولة لا تنام إلا على تقتيل العرب والمسلمين، الأمر الذي من شأنه أن يصعب من عملية التخلص من التطرف.

الجمعة، 7 يناير 2011

عين الرئيس الحمراء ويد المعارضة القصيرة





عبد الحكيم هلال
a.hakeem72@gmail.com


تبدو عين الرئيس الحمراء التي يتعامل بها مع قيادات المعارضة اليمنية كلما لزمه الأمر عند الملمات الحرجة، أسلوبا ناجعاً يؤتي ثماره بشكل أفضل وأسرع من طاولة حوار الدكتور الإرياني الرتيبة ذات الطبيعة التفاوضية المملة، المبنية على أسس عقد الصفقات السياسية والتنازلات المستعصية غالباً في نظام لم يتعلم النظر أبعد من قدميه.
قبيل كل أزمة متوقعة، قد ينتج عنها تحرك مؤثر وفعال للمعارضة، بما يمكنه أن يطال أو حتى يمس –بالأحرى– أحد تفاصيل أو مكونات سلطته القائمة، يمتلك الرئيس منحاً آخر للحل: يلقي وراء ظهره بصيغة النظام الجديد وفقاً لاستحقاقات دولة الوحدة (المتشكلة في 22 مايو 1990)، ليعود أدراجه مستلهماً أساليب وسلوكيات نظام الفرد الشمولي، ويبدأ بممارسة سلطات ما قبل الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية. ذلك فقط ما يمنحه قوة خفية تتعلق بقدرته على إثارة مخاوف خصومه.. هكذا يشعر الرئيس.
عندما تشتد العاصفة، وفي أوقات صعبة وفاصلة، لطالما راود الحنين الرئيس لرفع سماعة تلفونه الخاص، مهدداً قيادات في المعارضة أن الدبابات ستحاصر منازلهم خلال دقائق إن لم يتراجعوا عن تصريحات محددة قيلت، أو قرارا ما اتخذ -أو ربما ما زال يعد لاتخاذه- أو رغبة ما في تحريك الشارع، بصورة قد تمس أركان المعبد وسلطاته الواسعة، أو شيء من هذا القبيل!
أحياناً، قبل أن يشرع في اتخاذ قرار حاسم ومؤثر على الحياة السياسية أو العامة، لا أحد يعلم كم مرة قال لمجموعة من قيادات المعارضة إن تحركاتهم تحت المجهر وأن الوقت المناسب لاعتقالهم سيحين في اللحظة المناسبة بتهم من بينها إثارة الفوضى وزعزعة الأمن وربما التخطيط لانقلاب ضد النظام!
في الواقع، لقد تكرر مثل ذلك، على مدى العقدين الماضيين في عدة مناسبات سابقة. من بينها على سبيل التمثيل لا الحصر: ما تلا انتخابات 2003 من تصريحات ساخنة لقيادي في المعارضة، اعتقد الرئيس أنها تجاوزت الحد المسموح به، وعكرت مزاجه! ولقد أمسك تلفونه الحاسم، ثم سحبت تلك التصريحات لاحقاً بطريقة غير مباشرة، بعد تلقي تهديد عصبي بإنزال الدبابات لمحاصرة منازلهم.
 وقبل أن يقدم النظام على تنفيذ جرعة 2005 السعرية (تقريباً)، كانت تلفونات قيادات المعارضة ترن بتهديد يحذرها من أن أي إثارة للشارع سيرافقها اعتقالات واسعة ومحاكمتهم بتهمة إثارة الشغب والفوضى..الخ
ومع أن المعارضة لا يمكنها –في الغالب- أن تثير مثل هذه التصرفات والتهديدات عبر الصحافة أو غيرها من الوسائل المتاحة الأخرى –في عصر الحرية المدعمة بتطور كبير لتكنولوجيا الاتصالات الفضائية- وتفضل الاحتفاظ بها سراً لنفسها، إلا أنه من غير الممكن منعها من التسرب كلياً من قبل البعض، وإن بصورة شخصية، على أنها غالباً ما كانت تأتي في سياق الدفاع ومواجهة تهمة العجز من القيام بفعل مؤثر يعيد ثقة الأتباع والموالين. بل غالباً ما كان يتم إلحاق ذلك بالحديث عن ضرورة عدم التهور في ظل ضعف التجربة الديمقراطية الحقيقية وعدم ترسخها بعد. كما أنها أحياناً (مثل تلك التسريبات) لم يعدم سماعها من قبل قيادات في الحزب الحاكم، لكنها هنا كانت تأتي في سياق التبجح ربما أحياناً، وغالباً في سياق الحديث عن ضعف المعارضة وقوة شخصية الرئيس القادر على عمل أي شيء حتى في أحلك المواقف والظروف.
مؤخراً، وقبل أن يتخذ الحزب الحاكم قرار الانقلاب الأخير على اتفاقية فبراير، وإدراج التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس فترات حكم جديدة، وتقول المعارضة: منحة التأبيد الرئاسي. لوحظ التمهيد لها بتوجيه عدة رسائل ذات صبغة تهديدية غير مباشرة. وقد تبدو حادثة اعتقال القيادي في الحزب الاشتراكي محمد غالب بتهمة كيدية (قد تودي به إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جريمة جسيمة ضد الوطن)، وما رافقها من تهديد المصدر الأمني لبقية قيادات المعارضة من ملاقاة نفس المصير! وأيضاً، ما سبقها من اعتداء مسلحين على القيادي في المشترك: سلطان العتواني، أمين عام الناصري، وعضو مجلس النواب.. قد تبدو بمثابة رسائل استبقاية سهلة، يمكن القيام بما هو أكبر وأفضع منها في حالة أي تحرك فعال ومؤثر يمكن –حتى ولو لمجرد التوقع- أن تثيره المعارضة كردة فعل طبيعية على خلفية تلك القرارات الانقلابية التي كانت قيادات المشترك أبدت إزاءها تمنعاً على طاولة الحوار (هذا ما تقوله المعارضة).
وما لم تستطع أساليب الإتيكيت الحوارية والسياسيات الناعمة أو حتى الصفقات في حسمه، فمن المؤكد –لدى نظام غير آبه بالنتائج الكارثية- أن يتم حسمه وفق أساليب على تلك الشاكلة! وما حدث قبل يوم واحد لانتخابات 2006 الرئاسية من إثارة الذعر والرهبة (بتلفيق تهمة الإرهاب للمعارضة بعد فبركة حادثة تفجيرات إرهابية وما لحقها من عملية مرتبة هدفت إلى إلحاق الحادثة بالمعارضة عبر أحد الحراس الذين رافقوا مرشحها الرئاسي!) من الواضح أنه جاء ضمن هذا السياق نفسه، ليؤكد أن قيادات المعارضة تعيش تحت تهديد رهبة المساءلة القانونية على الدوام، وفقاً لأساليب النظم البوليسية ذات النزعة الاستبدادية للفرد.
ومع كل ما مضى من تلك الشاكلة، يبدو أن النظام ما زال يمتلك في جعبته الكثير ليقوم به، في سبيل الحفاظ على المعبد، كلما ندت -أو حتى توقع أن تند– حركة أو تحركات تثير المخاوف لديه.
وفي الخلاصة: لا يمكن لنظام مدمن على التصرف وفقاً لتلك الأساليب، أن يغادرها طالما أنها تثبت نجاعتها، غير آبه لنتائجها المدمرة في نهاية المطاف..! إنها التصرفات والسلوكيات ذاتها التي يمكن القول إن العنف الداخلي في صعدة، والاضطرابات التي تنمو في المحافظات الجنوبية (التي بدورها بدأت تنزع وتقترب هي الأخرى نحو العنف أكثر فأكثر)، تعتبر أهم وأسوأ نتائجها الكارثية على الوحدة والنسيج الاجتماعي الداخلي.
وإذا كانت حرب صعدة قد برزت عقب انتخابات 2003 البرلمانية، بينما أسست انتخابات 1993 البرلمانية للقضية الجنوبية التي برزت للسطح بعد انتخابات 2006 الرئاسية، فإن سير الأمور على الشاكلة ذاتها لخوض انتخابات 2011 النيابية و2013 الرئاسية، قد تفضي إلى ما هو أخطر من ذلك عبر توسيع خيارات العنف لتشمل معظم جغرافية البلاد.
ليس من المنطق أن يقال إن الحفاظ على أمن خليجي 20 في مساحة صغيرة لا يتعدى عدد سكانها المليونيين على أكبر تقدير (مع الوافدين من محافظات ودول مجاورة)، ليس من المنطق ولا من الحكمة أن يقال إنه خلق شعوراً بالقوة ورسم معالم القدرة في السيطرة على 22 محافظة يبلغ تعداد سكانها الـ23 مليون على أقل تقدير! وإن كان مثل هذا التفكير وارداً، فربما سيتعين على مجتمع علماء الفيزياء والرياضيات والكيمياء، أن يعقدوا اجتماعاً عاجلاً مع علماء الجغرافيا السياسية والاجتماع ورسم السياسات وعلماء الاتصال، لمراجعة نظرياتهم بشأن القوة، الكم، المجموع، المساحة، السكان، المناخ، الأفكار، ومسوغات وأسباب العنف والثورات والتغييرات الاجتماعية..الخ، وفقاً لفكرة القوة والسيطرة المكانية.
إن أي نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، أو حتى ديمقراطي ناشئ يتكون من ثلاثة مؤسسات أساسية مؤثرة، هي: المؤسسة العسكرية، المؤسسة التمثيلية (المنتخبة من الشعب)، المؤسسة الحزبية (الأحزاب السياسية). وفيما يعتقده مؤلف كتاب (من الحرب إلى الأحزاب السياسية) الأمريكي رالف غولدمان، فإن نقطة التحول الحرجة للتخلص من العنف تكمن في جوهر ترتيب الأولوية لتلك المؤسسات.
ففي دراسته التي استعراض فيها –بالتركيز- تجارب كل من: الولايات المتحدة، انجلترا، والمكسيك، إلى جانب تعرضه لتجارب عالمية أخرى.. خلص إلى النقطة الجوهرية التي تؤكد على أن نقطة التحول الحرج لتخلصها من العنف الداخلي (الذي انغمست فيه تلك الدول لفترات طويلة جداً) لم يتحقق إلا بعد بلوغ تلك الحقيقة: تقديم المؤسسة الحزبية في تراتبية سلم الأولويات إلى المرتبة الأولى، والمؤسسة التمثيلية ثانياً، وتأخير المؤسسة العسكرية إلى المرتبة رقم 3. بحيث تتحول هذه الأخيرة إلى أداة بيد المجتمع المدني في نهاية المطاف. ويعتبر تفعيل واحترام القوانين المتوافق عليها، المستوعبة للخلافات، والناظمة للحياة العامة، معززاً لفكرة التخلص من العنف بشكل نهائي.
ومن دون بلوغ هذه الحقيقة، فإن الدراسة تؤكد أن العنف يظل قائماً، ولا يمكن التخلص منه بشكل نهائي. وهو وإن اختفى لفترة معينة تحت ظروف بعينها، فإنه يتنامى داخلياً، ثم لابد له أن يبرز إلى السطح بشكل أكبر من ذي قبل، كنتيجة طبيعية لواقع غير سوي اختلت معادلته. لاسيما حين لا يجد المجتمع، أو طرف بعينه، ما يسمح له من التنفيس وتحقيق طموحاته وأهدافه أمام قبضة عسكرية قوية. بل على العكس، فإن تلك القبضة تعمل عمل المبرر لاستخدام العنف، وأنه مهما كانت قوة تلك القبضة فلن تمنعه من العنف كوسيلة لإحداث عملية التغيير التي ينشدها.
بعد الانقلاب الأخير على اتفاق فبراير مع المعارضة، كتأكيد على أن المؤسسة الحزبية تأتي في آخر الأولويات، قال الرئيس في أحد خطاباته بتاريخ 25 ديسمبر "على من لديه رأي فليعبر عنه في الإطار السلمي بعيداً عن اللجوء للعنف"، جاء ذلك بعد أيام من إدراج تعديلات قانون الانتخابات في جدول مجلس النواب منفرداً، وقبل أيام قليلة (29 ديسمبر) من الانقلاب على الدستور بإدراج تعديلات دستورية تمنح الرئيس حكماً أبدياً. فهل كان الرئيس يؤمن أن النتيجة ستصل إلى العنف لكنه قرر المضي؟
حتى إن كانت المعارضة، ما تزال تحت تجربة العمل الديمقراطي تخوض امتحان النوايا العسير في مواصلة النضال السلمي، فإن الشارع الذي يغلب عليه الرأي العام المزاجي والمتقلب، لن يقدر على مواصلة الانتظار طويلاً حتى تنجح (المعارضة) في تجاوز الامتحان. وكما تجاوز الشارع الجنوبي قياداته الفعلية، وتخلى عنها في لحظة ما شكلت النقطة الفاصلة، فإنه هنا أيضاً سيمكنه تجاوز قياداته طالما وجدها عاجزة ووجد نفسه في موضع تحدي مع نظام يواصل تحديه معه في انتهاك أهم عقد اجتماعي (الدستور) ويتلاعب بأبسط معايير التحاكم من خلال تطويع القانون والدستور لمصلحة استمرار بقائه جاثماً على صدره.
وليس أدل على إمكانية بلوغ نقطة التحول تلك ما حدث مؤخراً من ردة فعل وثورة شعبية في تونس التي عرف نظامها بممارسة دكتاتورية صامتة (لكنها قوية)، لدرجة أن المعارضة هنا استنكرت ما قامت به الجماهير. وحتى لا نذهب بعيداً فهنا، في 2005 حدثت ثورة شعبية طبيعية وعفوية ضد أول الجرعات السعرية مع أن المعارضة كانت قسراً ممنوعة من إثارة أو تسيير أي مظاهرة أو مسيرة ترفض الإجراء.
وبشكل نهائي، يمكن قياس ما قد يحدث، بما يحدثه النظام القائم اليوم ركضاً مع رغبة الرئيس في تصفير عداد الرئاسة والتمديد لنفسه. فهو هنا يمكن القول إنه وبعد أن عجز عن مواصلة الانتظار أكثر لانتزاع التعديلات الدستورية سلمياً من المعارضة (الطباخة على نار هادئة)، فقد خشى أن ينتزع منه سلطاته، ليتصرف على نحو تجاوز فيه القانون والدستور (رفع حدة السخونة لحرق المحتوى). ذلك، مع أن العقل والمنطق كان يحتم عليه أن لا يغامر بالوطن في ظل الاضطرابات التي يمر بها، وبدلا من ذلك فضل أن ينتقل إلى المربع الأخطر الذي قد يجلب معه الدمار. 
المصدر أونلاين 
07 يناير 2011

الثلاثاء، 4 يناير 2011

اليمن..بين عين الرئيس الحمراء ويد المعارضة القصيرة



"إن تفضيل المؤسسة العسكرية، ووضعها في المقام الأول، وتجاهل المؤسستين الحزبية والتمثيلية وجعلهما في نهاية الأولويات.. من شأنه أن يعزز العنف، ويجعله الملجأ الأكثر قدرة على التغيير".
     لماذا كلما اشتدت العاصفة، يحن الرئيس للتعامل مع خصومه وفقاً لسلوكيات النظام العسكري الشمولي، رامياً باستحقاقات نظام ما بعد الوحدة وراء ظهره؟
    - ولماذا تلجأ مؤسسة المعارضة إلى أسلوب النعامة بإخفاء رأسها في التراب، وترك بقية جسدها بالكامل (الشعب) عرضة للرياح العاتية؟
-     هل يمكن اعتبار ما يحدث على هذا النحو، هروباً من العنف، أم منحه حافز القوة؟

-      عبد الحكيم هلال

تبدو عين الرئيس الحمراء التي يتعامل بها مع قيادات المعارضة اليمنية كلما لزمه الأمر عند الملمات الحرجة، أسلوبا ناجعاً يؤتي ثماره بشكل أفضل وأسرع من طاولة حوار الدكتور الإرياني الرتيبة ذات الطبيعة التفاوضية المملة، المبنية على أسس عقد الصفقات السياسية والتنازلات المستعصية غالباً في نظام لم يتعلم النظر أبعد من قدميه.
قبيل كل أزمة متوقعة، قد ينتج عنها تحرك مؤثر وفعال للمعارضة، بما يمكنه أن يطال أو حتى يمس –بالأحرى– أحد تفاصيل أو مكونات سلطته القائمة، يمتلك الرئيس منحاً آخر للحل: يلقي وراء ظهره بصيغة النظام الجديد وفقاً لاستحقاقات دولة الوحدة (المتشكلة في 22 مايو 1990)، ليعود أدراجه مستلهماً أساليب وسلوكيات نظام الفرد الشمولي، ويبدأ بممارسة سلطات ما قبل الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية. ذلك فقط ما يمنحه قوة خفية تتعلق بقدرته على إثارة مخاوف خصومه.. هكذا يشعر الرئيس.
عندما تشتد العاصفة، وفي أوقات صعبة وفاصلة، لطالما راود الحنين الرئيس لرفع سماعة تلفونه الخاص، مهدداً قيادات في المعارضة أن الدبابات ستحاصر منازلهم خلال دقائق إن لم يتراجعوا عن تصريحات محددة قيلت، أو قرارا ما اتخذ -أو ربما ما زال يعد لاتخاذه- أو رغبة ما في تحريك الشارع، بصورة قد  تمس أركان المعبد وسلطاته الواسعة، أو شيء من هذا القبيل!
أحياناً، قبل أن يشرع في اتخاذ قرار حاسم ومؤثر على الحياة السياسية أو العامة، لا أحد يعلم كم مرة قال لمجموعة من قيادات المعارضة إن تحركاتهم تحت المجهر وأن الوقت المناسب لاعتقالهم سيحين في اللحظة المناسبة بتهم من بينها إثارة الفوضى وزعزعة الأمن وربما التخطيط لانقلاب ضد النظام!
في الواقع، لقد تكرر مثل ذلك، على مدى العقدين الماضيين في عدة مناسبات سابقة. من بينها على سبيل التمثيل لا الحصر: ما تلا انتخابات 2003 من تصريحات ساخنة لقيادي في المعارضة، اعتقد الرئيس أنها تجاوزت الحد المسموح به، وعكرت مزاجه! ولقد أمسك تلفونه الحاسم، ثم سحبت تلك التصريحات لاحقاً بطريقة غير مباشرة، بعد تلقي تهديد عصبي بإنزال الدبابات لمحاصرة منازلهم.
 وقبل أن يقدم النظام على تنفيذ جرعة 2005 السعرية (تقريباً)، كانت تلفونات قيادات المعارضة ترن بتهديد يحذرها من أن أي إثارة للشارع سيرافقها اعتقالات واسعة ومحاكمتهم بتهمة إثارة الشغب والفوضى..الخ
ومع أن المعارضة لا يمكنها –في الغالب- أن تثير مثل هذه التصرفات والتهديدات عبر الصحافة أو غيرها من الوسائل المتاحة الأخرى –في عصر الحرية المدعمة بتطور كبير لتكنولوجيا الاتصالات الفضائية- وتفضل الاحتفاظ بها سراً لنفسها، إلا أنه من غير الممكن منعها من التسرب كلياً من قبل البعض، وإن بصورة شخصية، على أنها غالباً ما كانت تأتي في سياق الدفاع ومواجهة تهمة العجز من القيام بفعل مؤثر يعيد ثقة الأتباع والموالين. بل غالباً ما كان يتم إلحاق ذلك بالحديث عن ضرورة عدم التهور في ظل ضعف التجربة الديمقراطية الحقيقية وعدم ترسخها بعد. كما أنها أحياناً (مثل تلك التسريبات) لم يعدم سماعها من قبل قيادات في الحزب الحاكم، لكنها هنا كانت تأتي في سياق التبجح ربما أحياناً، وغالباً في سياق الحديث عن ضعف المعارضة وقوة شخصية الرئيس القادر على عمل أي شيء حتى في أحلك المواقف والظروف.
مؤخراً، وقبل أن يتخذ الحزب الحاكم قرار الانقلاب الأخير على اتفاقية فبراير، وإدراج التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس فترات حكم جديدة، وتقول المعارضة: منحة التأبيد الرئاسي. لوحظ التمهيد لها بتوجيه عدة رسائل ذات صبغة تهديدية غير مباشرة. وقد تبدو حادثة اعتقال القيادي في الحزب الاشتراكي محمد غالب بتهمة كيدية (قد تودي به إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جريمة جسيمة ضد الوطن)، وما رافقها من تهديد المصدر الأمني لبقية قيادات المعارضة من ملاقاة نفس المصير! وأيضاً، ما سبقها من اعتداء مسلحين على القيادي في المشترك: سلطان العتواني، أمين عام الناصري، وعضو مجلس النواب.. قد تبدو بمثابة رسائل استبقاية سهلة، يمكن القيام بما هو أكبر وأفضع منها في حالة أي تحرك فعال ومؤثر يمكن –حتى ولو لمجرد التوقع- أن تثيره المعارضة كردة فعل طبيعية على خلفية تلك القرارات الانقلابية التي كانت قيادات المشترك أبدت إزاءها تمنعاً على طاولة الحوار (هذا ما تقوله المعارضة).
وما لم تستطع أساليب الإتيكيت الحوارية والسياسات الناعمة أو حتى الصفقات في حسمه، فمن المؤكد –لدى نظام غير آبه بالنتائج الكارثية- أن يتم حسمه وفق أساليب على تلك الشاكلة! وما حدث قبل يوم واحد لانتخابات 2006 الرئاسية من إثارة الذعر والرهبة (بتلفيق تهمة الإرهاب للمعارضة بعد فبركة حادثة تفجيرات إرهابية وما لحقها من عملية مرتبة هدفت إلى إلحاق الحادثة بالمعارضة عبر أحد الحراس الذين رافقوا مرشحها الرئاسي!) من الواضح أنه جاء ضمن هذا السياق نفسه، ليؤكد أن قيادات المعارضة تعيش تحت تهديد رهبة المساءلة القانونية على الدوام، وفقاً لأساليب النظم البوليسية ذات النزعة الاستبدادية للفرد.
ومع كل ما مضى من تلك الشاكلة، يبدو أن النظام ما زال يمتلك في جعبته الكثير ليقوم به، في سبيل الحفاظ على المعبد، كلما ندت -أو حتى توقع أن تند– حركة أو تحركات تثير المخاوف لديه.
وفي الخلاصة: لا يمكن لنظام مدمن على التصرف وفقاً لتلك الأساليب، أن يغادرها طالما أنها تثبت نجاعتها، غير آبه لنتائجها المدمرة في نهاية المطاف..! إنها التصرفات والسلوكيات ذاتها التي يمكن القول إن العنف الداخلي في صعدة، والاضطرابات التي تنمو في المحافظات الجنوبية (التي بدورها بدأت تنزع وتقترب هي الأخرى نحو العنف أكثر فأكثر)، تعتبر أهم وأسوأ نتائجها الكارثية على الوحدة والنسيج الاجتماعي الداخلي.
وإذا كانت حرب صعدة قد برزت عقب انتخابات 2003 البرلمانية، بينما أسست انتخابات 1993 البرلمانية للقضية الجنوبية التي برزت للسطح بعد انتخابات 2006 الرئاسية، فإن سير الأمور على الشاكلة ذاتها لخوض انتخابات 2011 النيابية و2013 الرئاسية، قد تفضي إلى ما هو أخطر من ذلك عبر توسيع خيارات العنف لتشمل معظم جغرافية البلاد.
ليس من المنطق أن يقال إن الحفاظ على أمن خليجي 20 في مساحة صغيرة لا يتعدى عدد سكانها المليونيين على أكبر تقدير (مع الوافدين من محافظات ودول مجاورة)، ليس من المنطق ولا من الحكمة أن يقال إنه خلق شعوراً بالقوة ورسم معالم القدرة في السيطرة على 22 محافظة يبلغ تعداد سكانها الـ23 مليون على أقل تقدير! وإن كان مثل هذا التفكير وارداً، فربما سيتعين على مجتمع علماء الفيزياء والرياضيات والكيمياء، أن يعقدوا اجتماعاً عاجلاً مع علماء الجغرافيا السياسية والاجتماع ورسم السياسات وعلماء الاتصال، لمراجعة نظرياتهم بشأن القوة، الكم، المجموع، المساحة، السكان، المناخ، الأفكار، ومسوغات وأسباب العنف والثورات والتغييرات الاجتماعية..الخ، وفقاً لفكرة القوة والسيطرة المكانية.
إن أي نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، أو حتى ديمقراطي ناشئ يتكون من ثلاثة مؤسسات أساسية مؤثرة، هي: المؤسسة العسكرية، المؤسسة التمثيلية (المنتخبة من الشعب)، المؤسسة الحزبية (الأحزاب السياسية). وفيما يعتقده مؤلف كتاب (من الحرب إلى الأحزاب السياسية) الأمريكي رالف غولدمان، فإن نقطة التحول الحرجة للتخلص من العنف تكمن في جوهر ترتيب الأولوية لتلك المؤسسات.
ففي دراسته التي استعراض فيها –بالتركيز- تجارب كل من: الولايات المتحدة، انجلترا، والمكسيك، إلى جانب تعرضه لتجارب عالمية أخرى.. خلص إلى النقطة الجوهرية التي تؤكد على أن نقطة التحول الحرج لتخلصها من العنف الداخلي (الذي انغمست فيه تلك الدول لفترات طويلة جداً) لم يتحقق إلا بعد بلوغ تلك الحقيقة: تقديم المؤسسة الحزبية في تراتبية سلم الأولويات إلى المرتبة الأولى، والمؤسسة التمثيلية ثانياً، وتأخير المؤسسة العسكرية إلى المرتبة رقم 3. بحيث تتحول هذه الأخيرة إلى أداة بيد المجتمع المدني في نهاية المطاف. ويعتبر تفعيل واحترام القوانين المتوافق عليها، المستوعبة للخلافات، والناظمة للحياة العامة، معززاً لفكرة التخلص من العنف بشكل نهائي.
ومن دون بلوغ هذه الحقيقة، فإن الدراسة تؤكد أن العنف يظل قائماً، ولا يمكن التخلص منه بشكل نهائي. وهو وإن اختفى لفترة معينة تحت ظروف بعينها، فإنه يتنامى داخلياً، ثم لابد له أن يبرز إلى السطح بشكل أكبر من ذي قبل، كنتيجة طبيعية لواقع غير سوي اختلت معادلته. لاسيما حين لا يجد المجتمع، أو طرف بعينه، ما يسمح له من التنفيس وتحقيق طموحاته وأهدافه أمام قبضة عسكرية قوية. بل على العكس، فإن تلك القبضة تعمل عمل المبرر لاستخدام العنف، وأنه مهما كانت قوة تلك القبضة فلن تمنعه من العنف كوسيلة لإحداث عملية التغيير التي ينشدها.
بعد الانقلاب الأخير على اتفاق فبراير مع المعارضة، كتأكيد على أن المؤسسة الحزبية تأتي في آخر الأولويات، قال الرئيس في أحد خطاباته بتاريخ 25 ديسمبر "على من لديه رأي فليعبر عنه في الإطار السلمي بعيداً عن اللجوء للعنف"، جاء ذلك بعد أيام من إدراج تعديلات قانون الانتخابات في جدول مجلس النواب منفرداً، وقبل أيام قليلة (29 ديسمبر) من الانقلاب على الدستور بإدراج تعديلات دستورية تمنح الرئيس حكماً أبدياً. فهل كان الرئيس يؤمن أن النتيجة ستصل إلى العنف لكنه قرر المضي؟
حتى إن كانت المعارضة، ما تزال تحت تجربة العمل الديمقراطي تخوض امتحان النوايا العسير في مواصلة النضال السلمي، فإن الشارع الذي يغلب عليه الرأي العام المزاجي والمتقلب، لن يقدر على مواصلة الانتظار طويلاً حتى تنجح (المعارضة) في تجاوز الامتحان. وكما تجاوز الشارع الجنوبي قياداته الفعلية، وتخلى عنها في لحظة ما شكلت النقطة الفاصلة، فإنه هنا أيضاً سيمكنه تجاوز قياداته طالما وجدها عاجزة ووجد نفسه في موضع تحدي مع نظام يواصل تحديه معه في انتهاك أهم عقد اجتماعي (الدستور) ويتلاعب بأبسط معايير التحاكم من خلال تطويع القانون والدستور لمصلحة استمرار بقائه جاثماً على صدره.
وليس أدل على إمكانية بلوغ نقطة التحول تلك ما حدث مؤخراً من ردة فعل وثورة شعبية في تونس التي عرف نظامها بممارسة دكتاتورية صامتة (لكنها قوية)، لدرجة أن المعارضة هنا استنكرت ما قامت به الجماهير. وحتى لا نذهب بعيداً فهنا، في 2005 حدثت ثورة شعبية طبيعية وعفوية ضد أول الجرعات السعرية مع أن المعارضة كانت قسراً ممنوعة من إثارة أو تسيير أي مظاهرة أو مسيرة ترفض الإجراء.
وبشكل نهائي، يمكن قياس ما قد يحدث، بما يحدثه النظام القائم اليوم ركضاً مع رغبة الرئيس في تصفير عداد الرئاسة والتمديد لنفسه. فهو هنا يمكن القول إنه وبعد أن عجز عن مواصلة الانتظار أكثر لانتزاع التعديلات الدستورية سلمياً من المعارضة (الطباخة على نار هادئة)، فقد خشى أن ينتزع منه سلطاته، ليتصرف على نحو تجاوز فيه القانون والدستور (رفع حدة السخونة لحرق المحتوى). ذلك، مع أن العقل والمنطق كان يحتم عليه أن لا يغامر بالوطن في ظل الاضطرابات التي يمر بها، وبدلا من ذلك فضل أن ينتقل إلى المربع الأخطر الذي قد يجلب معه الدمار.