الجمعة، 27 مايو 2011

معارك صالح الوهمية


هل بدأت الحرب الأهلية في اليمن؟ لا لم تبدأ بعد، وما حدث ويحدث الآن ماهي إلا مجرد محاولات لحرف مسار معركة بين شعب ونظام غير شرعي إلى معركة ضغائن وأحقاد..


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
بعد يوم واحد فقط من رفضه التوقيع على اتفاقية المبادرة الخليجية وتهديده المعارضة بأنه صامد وسيواجههم ".. بكل الوسائل الممكنة في كل مكان.. إذا لم ينصاعوا.."، ها هو "علي صالح" قد أقدم على تنفيذ وعيده حين حاولت قوات جيشه من الحرس الجمهوري والنجدة اقتحام منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الواقع في الحصبة، مساء قبل أمس الاثنين (23 مايو)، أثناء ما كانت قيادات المعارضة متواجدة فيه.

وقال القيادي في المشترك سلطان العتواني : "كنا في بيت الشيخ صادق وكنا نسمع إطلاق نار من مناطق قريبة من البيت ولم نكن نتوقع أن يستهدفوا منزل الشيخ صادق الأحمر". ويعتقد العتواني أن قادة المعارضة كانوا "بلا شك" مستهدفون من الهجوم.

في وقت متأخر من مساء الاثنين توقفت المواجهات إثر تدخل وساطة قبلية. واليوم (الثلاثاء) تجددت الاشتباكات بصورة أعنف، حين عاودت قوات صالح قصف المنزل مستخدمة هذه المرة الصواريخ إلى جانب الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة.

وفي الهجوم، قتل مشايخ وجرح آخرون ممن تواجدوا في المنزل بعضهم كانوا ضمن لجنة الوساطة والبعض الآخر من المشايخ الذي حضروا للتضامن.

لماذا؟
وإذا كان السؤال الآن هو: لماذا لجأ صالح إلى التصعيد وجر الأوضاع إلى مربع العنف وربما الحرب الأهلية؟ فإن الإجابة عليه تبدو أنها بحاجة إلى استرجاع بعض التفاصيل والتصريحات والمواقف، وربطها بالمعطيات والمؤشرات بهدف تفسير الأحداث واستخلاص الإجابة الأكثر احتمالية.

قبل الخوض في تلك العملية، دعونا هنا نقوم بعملية فرز أولية لأهم الاحتمالات، ومن ثم اختيار ما أعتقد أنه الاحتمال الأكثر منطقية عطفاً على قياسه بالمعطيات والمؤشرات التي تنظر في مدى دقته.

- أن هذا التصعيد يأتي وفقا لمخطط معد مسبقاً من أجل جر البلد إلى مربع العنف الذي يبرع فيه. الأمر الذي سيمكنه من السيطرة على الأحداث وقمع الثورة كونه مازال يمتلك أدوات القوة التي يستطيع من خلالها حسم الأمور.

- أن صالح لجأ مضطراً إلى هذا الخيار بعد أن نفذت كافة الخيارات السلمية الممكنة لتجنيب البلد حرب أهلية.
- ربما خطط فقط للقيام بعملية خاطفة وسريعة يمكنه إيقافها متى شاء. قد يكون الغرض من ذلك توصيل رسائل قوية إلى كافة الأطراف: الوسطاء الإقليميين والدوليين، المعارضة، وشباب الثورة. يقول لهم فيها إنه ما زال قوياً ويمتلك أدوات القوة والقدرة على الحسم بطريقته. كما أنه، بالنسبة لدول الخليج ومعهم الوسطاء الدوليين أيضاً، ربما حملت الرسالة معنى آخر، أبلغ. تتعلق بإثارة مخاوفهم من نشوب حرب أهلية في اليمن تؤثر على مستقبل الخليج والمنطقة والمصالح الغربية.

- أن صالح لم يخطط لشيء من ذلك كله، وأن ما حدث كان محض صدفة تطورت حتى بلغت هذا المنحى الخطير. أو أن بيت الأحمر هم الذين أطلقوا شرارة المواجهات وفق مخطط معد سلفاً للإطاحة بنظام صالح، ما أضطره للرد حفاظاً على الأمن والسكينة وهيبة الدولة.

تثبيت أهم الاحتمالات
بالطبع ليست تلك هي كافة الاحتمالات المهمة. بل قد تكون هناك أخرى، كما قد يكون هناك احتمالات لا يمكن بلوغها أو إثباتها كتلك التي تتعلق بالمواجهات اللفظية بين الأطراف والتي تدار من وراء الكواليس بعيداً عن الإعلام والنشر.

في البداية، دعوني استثني كلاً من الاحتمالين الثاني والأخير. فالثاني لأنه يأتي بعكس الحقيقة إذ أن خيارات السلم وتجنيب البلاد العنف والحرب الأهلية ظلت مفتوحة لصالح على مدى الأشهر الماضية التي يكاد الشهر الرابع منها ينقضي بعد أيام، ومع ذلك كان يرفضها ويتجنبها مع أنها بلغت حد منحه ضمانات تعفيه من المسألة القانونية على الجرائم التي ارتكبها في حق المتظاهرين السلميين هو وأفراد أسرته ونافذوه المقربون.

أما الأخير، فهو خيار لا يستقيم مع حقيقتين. الأولى: أن الهجوم جاء بعد يوم واحد من رفض صالح التوقيع على المبادرة وتهديده للمعارضة بأنه سيستخدم معها كافة الوسائل الممكنة لإخضاعها. أضف إلى ذلك أنه جاء في الوقت الذي كانت تتواجد فيه قيادات المعارضة في منزل الشيخ الأحمر. وأما الحقيقة الثانية: أن المعارك والمواجهات منحصرة في محيط منزل بيت الأحمر في الحصبة وما يجاورها. وهنا دعوني أنقل لكم تعليقاً ساخراً أعجبت به من إحدى الزميلات على الشبكة الاجتماعية "تويتر" حين علقت عند الحديث حول "من الذي بدأ؟"، ردت بشكل ساخر بالقول: ".. يعني مثلا كانوا بالصدفة ماشين بالسبعين جنب الحصبة فقالوا نشرب كلاشنكوف عند الأحمر.."!!

بالنسبة لي يمكن حصر التفسيرات على بقية الاحتمالين، وهما الأول والثالث. وقد يمكن المزج بينهما في سياق تفصيلي واحد.

التخطيط والمسوغات
وحتى نبدأ بعملية الإثبات والربط بين احتمال أن يكون الأمر جاء وفق خطة معدة مسبقاً لتحقيق أهداف محددة، وبين التفاصيل وفقاً للمعطيات والمؤشرات، دعونا نتحدث عن مسار الأحداث وطبيعتها بشكل موجز من زاويتين. الأولى: مسار الثورة الشعبية، والمحافظة على سلميتها وما ترتب عن ذلك. والأخرى: مسار الطرق والأساليب التي واجه بها صالح ونظامه الثورة وما ترتب عن ذلك.

حين حققت ثورتا تونس ومصر أهدافها بنجاح بطريقة سلمية، فرض الخيار السلمي نفسه على اليمنيين –على الرغم من حجم السلاح الذي يمتلكونه- باعتباره الخيار الأنسب والأقوى لإنجاز أهداف ثورتهم الشبيهة بأهداف ثورتي شباب تونس ومصر. ومع أنه يمكننا التأكيد أن المعارضة اليمنية كانت السباقة في التزام الخيار السلمي على مدى العقد ونصف الماضية، إلا أن كافة المحاولات كانت تصاب بخيبة أمل بسبب طغيان النظام وجبروته. فقد استخدم هذا النظام كافة الوسائل العنيفة والناعمة، واللاخلاقية لقمع أي ثورة شعبية سلمية، حتى مع أنها كانت ما تزال تنشد تحقيق أهداف إصلاحية سياسية ومعيشية بسيطة.

طوال سنوات حكمه الـ(33)، عمد "صالح" إلى بناء نظام عائلي ذي طبيعة عسكرية بوليسية للسيطرة على البلاد مدى الحياة، وتوريثه من بعده لنجليه. وطوال تلك الفترة عجزت المعارضة ومعها الأنصار ومعظم أفراد الشعب المسحوق، من تحقيق مكاسب هامة تحدث نقلة نوعية للبلاد.

وبعد ثورتي تونس ومصر، أستهلهم اليمنيين إرادتهم القوية لإنجاز ثورتهم، فخرجوا للاعتصام في الشوارع متحدين القمع والاعتقالات. ولأن نظام صالح يبرع في القمع واستخدام العنف، فقد مثل التزام وإصرار شباب الثورة بمبادئ العمل السلمي كابحاً قوياً لإحباط محاولات النظام بجرهم إلى مربع العنف. وحين خشي صالح وأعوانه من هذه القوة سارعوا بعمل مخططات تفتقر للحد الأدنى من الوطنية والمسئولية في سبيل إخراج الثورة من سلميتها. كانت البداية بتعبئة القبائل، والأنصار، لكن الأمر باء بالفشل. فجاءت مجزرة جمعة الكرامة (18 مارس) كمحاولة أخرى لإطلاق زمام العنف. غير أن المخطط انقلب على المخططين حين انعكست النتائج وأدت إلى انشقاق علي محسن ومعه قادة وضباط كبار.
حينها أوقف صالح وأعوانه مواصلة مخططهم وتريثوا لتغيره وفقا لتلك المعطيات الجديدة.

تحولات معيقة ومحاولات مستمرة
بعد أن أعلن نصف الجيش تقريباً تأييده للثورة والتزامه حماية الثوار، اضطر النظام إلى البحث عن تعزيز قوته عن طريق الحصول على دعم العاهل السعودي. لكن المحاولة نقلت المعركة إلى المفاوضات والحوارات لبلوغ تسوية سلمية تجنب اليمن العنف والحرب الأهلية التي تعتقد دول الجوار والفاعلين الدوليين أنها ستؤثر على مصالحهم الحيوية في المنطقة.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ظل صالح يبحث عن تسوية غير عادلة محاولاً تغيير مسارات الأحداث لمصلحته ومصلحة حزبه من بعده. لكن الثورة كانت قد قطعت شوطاً كبيراً من خلال التضحيات والانتشار الكبير في الساحات. ما فرض على الوسطاء عدم تجاهلها، وبات جل مطلبهم فقط هو تجنيب البلاد أي حرب داخلية مهما كان الثمن باهظاً بالتخلي عن حليفهم. نقض صالح الاتفاق تلو الآخر، ليتحول إلى معيق للتسوية في نظر الوسطاء، لا هم له إلا تحقيق مصالحه حتى على حساب تجاهل مصالحهم.

أثناء المفاوضات حقق الوسطاء الدوليون إنجازاً بالحصول على وعود من صالح بعدم جر البلد إلى العنف. لكن صالح استغل ذلك لتحسين شروط تنحيه، فضل بين الحين والآخر يحاول إرسال رسائله عبر استخدامه العنف ليحقق بعض المطالب لمصلحته في التسوية السياسية.

ما بعد انهيار المحاولة الأخيرة
الأحد الماضي وصلت المفاوضات –كالعادة- إلى طريق مسدود حين تنصل صالح عن التزامه التوقيع على آخر مبادرة خليجية مع أنه كان تم تسويتها وتفصيلها وفقاً للاشتراطات التي كان يصر على تضمينها. وإذاك خاض صالح معركة دبلوماسية معيبة بحق الوسطاء الذين كان هاجمهم واتهمهم بالانقلاب على الشرعية في يوم التوقيع ذاته أثناء اجتماعه بأعضاء اللجنة الدائمة لحزبه. وهو اليوم الذي أطلق فيه تهديداته تلك للمعارضة. واليوم التالي فجر الأوضاع بمهاجمة منزل الشيخ الأحمر.

في الواقع، كان صالح حين دخل مع الوسطاء الخليجيين والدوليين، وينكث بتعهداته معهم كلما حان وقت التوقيع، يستغل الوقت للتخطيط المدمر. وبحسب المعلومات فقد كان يرمي -من خلال حصوله على المزيد من الوقت– إلى إنجاز مخططه العسكري وقيل إنه أعاد توزيع الجيش وأحدث تنقلات كبيرة في المعسكرات التي تتبع الحرس الجمهوري وتلك التابعة له، في الوقت الذي ظل فيه يواصل عملية توزيع الأسلحة لأنصاره في المحافظات والمديريات.

يعتقد البعض أن دخول الرئيس في حرب أهلية لن تكون في مصلحته لاسيما في ظل المستجدات الأخيرة على المستويين الداخلي والخارجي. لكن آخرون يرون أن خيار الحرب بالنسبة للرئيس هو خيار الرجل المنتحر، والذي ربما اعتقد صالح أنه الأنقى تأثيراً على قناعة الوسطاء من جهة قلقهم من نتائجها التي ستطال مصالحهم الحيوية عبر تهيئة المناخ لتنظيم القاعدة وربما دعمه. لاسيما بعد أن اعتبر أن خيار المفاوضات لن يكون قادراً على تجنيبه المسائلة القانونية على مجازره البشعة في حق شعبه المسالم والأعزل، حتى وإن تضمنت المبادرة مادة صريحة بذلك. فالقانون المحلي الذي سيصدره الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى الذي سيمنحه ضمانات عدم المسألة القانونية، يبدو أن المعلومات التي حصل عليها مؤخراً تقول إن مثل هذا الإجراء المحلي لن يكون ملزماً للمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنظمات والمؤسسات الحقوقية العالمية.

وإذا كان ذلك هو القرار الأخير الذي قرر صالح المضي فيه، فإنه سيكون خياراً غير ناضج كون بعض المسئولين الدوليين في أمريكا وأوربا يتحدثون اليوم عن ضرورة استخدام مجلس الأمن لإيقاف صالح من تقتيل شعبه والزج بالبلاد في أتون حرب أهلية. هذا ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أمس.

• مجرد مناورة باهضة الثمن
على أن هناك من يفضل الانحياز للاحتمال القائل بأن المواجهات الأخيرة تندرج ضمن مخطط يقوم على توجيه ضربة خاطفة وسريعة مع إمكانية التراجع عنها لاحقاً، الهدف منه هو فقط توصيل رسائله لمناوئيه وللوسطاء وفقاً للاحتمال رقم ثلاثة. غير أن مسار الأحداث نحت بالمخطط نحو التصعيد بسبب المواجهة الشرسة التي أبدتها القبائل وكبدت الجيش والحكومة خسائر كبيرة على نطاق واسع من المواجهات. الأمر الذي اضطر صالح وأبناءه إلى استخدام أسلحة متطورة جداً مثل الصواريخ التي عادة ما تستخدم في الحروب فقط.

ناهيك عن ذلك التطور الآخر يأتي بسبب مقتل بعض المشايخ الوسطاء وإصابة آخرين بسبب القصف أثناء تواجدهم في منزل الشيخ صادق. وهو ما يعني "عيباً أسود" في العرف القبلي من شأنه أن يؤدي إلى تكالب القبائل ضد صالح بما فيها بعض تلك التي ظلت مناصرة له حتى الأمس واليوم.

هناك احتمال آخر يقول به البعض: أن صالح بمهاجمته منزل الشيخ الأحمر، إنما هي محاولة لحرف مسار الثورة من خلال تصوير الصراع على أنه بين أشخاص وليس بين شعب ورئيس فقد شرعيته. ربما كان لمثل هذا الاحتمال ما يعززه من حقائق هامة. فصالح وآلته الإعلامية حاولوا منذ الأيام الأولى للثورة الشبابية حرف طبيعة الثورة باتجاه تصويرها على أنها صراع بين بيت الأحمر بقيادة الشيخ حميد، مع صالح وأسرته الحاكمة. غير أن الحقيقة هنا تؤكد الفشل ذاته الذي ترافق مع كافة تلك المحاولات السابقة.

في جميع الأحوال، الحقيقة المؤكدة هي أن صالح يواصل -يوماً إثر آخر- خسارة أنصاره الداخليين وحلفائه الخارجيين، بسبب سياساته المتخبطة ومواقفه المتقلبة.
وهو اليوم يبدو أضعف ما يكون. وسيكون ندمه أكثر حين يجد أن الفرصة التي منحت له في السابق لن تكون متوفرة بعد أيام، أو ربما بعد يوم، بل قد يكون بعد ساعات..
 

الأربعاء، 18 مايو 2011

هل تتغير "جيوبوليتيكية" السعودية "الشفافة" تجاه اليمن؟


ضرورة التعامل مع الدور السعودي بوسائل واقعية لا تاريخية


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مجددا، لم يتوان الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني، من أن يستقل طائرته، السبت الماضي، صوب مطار صنعاء. هذه المرة يظهر أن حجم المهمة أكبر لتطول قليلاً -ثلاثة أيام– ما يعني ضرورة التوصل إلى نتائج نهائية حاسمة فيما يتعلق بالموافقة أو الرفض النهائي والصريح للتوقيع على المبادرة الخليجية.
وعليه فقد أكدت مصادر دبلوماسية خليجية أمس، لوكالة فرانس برس، أن الرسالة التي يحملها "الزياني" تخاطب الرئيس اليمني فقط، لمعرفة ما إذا كان سيوقع المبادرة "صراحة" أم لا..! وأضافت: "هذه المبادرة فرصة أخيرة لا يوجد بعدها أي شي".

ومع ذلك، ترجح المعطيات أن الدكتور الزياني الحاصل على شهادة دكتوراه في بحوث العمليات من كلية الدراسات العليا للبحرية الأميركية بامتياز مع مرتبة الشرف عام 1986، لن يحظى بالنجاح المطلوب في أولى مهامه منذ تسلمه منصب الأمين العام مع مطلع شهر أبريل الماضي.

من يعرف تقلبات ومراوغات الرئيس علي صالح، يدرك سلفا أنه سيواصل مناوراته المكشوفة مع أنه –كالعادة- قد يبدي تجاوباً إيجابيا مع مهمة الأمين العام الأخيرة. عوضاً عن أن موقف أحزاب المشترك الأخير –هو بداية- تحول من رفض أي تعديلات جديدة، ليستقر –مؤخراً- عند الحديث عن "موت المبادرة"، مع تصريحات لبعض قادتها تذهب باتجاه التأكيد أنها "لم تعد معنية بمبادرة حريصة على الرئيس صالح وليس الشعب اليمني".

وحتى أمس الاثنين الذي يفترض أن يكون اليوم الأخير للزيارة، لم يعلن رسميا أن الرجل التقى بالرئيس. وحتى، مع أنه أنجز لقائين منفصلين مع قيادات الحزب الحاكم والمعارضة، إلا أن المعلومات الأولية تؤكد أنه لم يخرج بشيء يعتد به. بل المزيد من التعقيدات.

وتؤكد أخبار صحفية أن قيادات في الحزب الحاكم أبلغت الزياني أن الرئيس الذي اشترط جدولا زمنيا لتنفيذ المبادرة كـ"منظومة متكاملة" ورفع الاعتصامات، اشترط أيضاً إدراج "مشكلة الجنوب ومشكلة صعدة مع الحوثيين" في إطار الحلول التي يجب أن تقدمها المبادرة.

إصرار خليجي.. لماذا؟
لقد انتهت صلاحية المبادرة الخليجية بمجرد أن رفض صالح توقيعها في حينه قبل أسبوعين. ساعة أن كانت أحزاب المعارضة اليمنية تحت الضغط الخارجي والإقليمي مرغمة على حسم الأمر دبلوماسيا. بيد أن هناك من يجزم أن المبادرة أصلاً لم تكن أكثر من مجرد تجربة فاشلة لاختبار حقيقة مدركة سلفا. وعلى الرغم من بلوغ منتهاها مبكرا، إلا أن المساعي اللاحقة ظلت تواصل محاولاتها وفق نسق أشبه بـ"ماكنة خياطة" تفصل المبادرة على مقاس شخص الرئيس. وعلى مدى شهر ونيف، ما كان لتلك المحاولات إلا أن تثبت مزيدا من الفشل إذ تحاول عبثا قسر تلك الحقيقة.

على ضوء ذلك، برزت أهم التساؤلات: لماذا؟ وعند الإجابة كانت معظم الأنظار تتجه صوب الإرث التاريخي الذي تحمله الجارة الشمالية (المملكة العربية السعودية) كلما لزمها التعامل مع جارتها الجنوبية (اليمن). حتى مع أن تلك المبادرات الخليجية جاءت في إطار تكتل دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الكثيرين ما كانوا قادرين على تجاوز الحقيقة المفترضة أن المملكة هي الطرف، ليس الأكثر تأثيراً وحسب، بل الأكثر احتياجا لحدوث ذلك كله.

فيما يتعلق باليمن، يؤمن الكثيرون أن السعودية، أكثر من غيرها من دول الخليج، تحاول توجيه الثورة الشبابية الشعبية في طريق آخر تتوخى فيه حرفها عن مسارها الذي باتت تتجه إليه بعزيمة ثابتة منذ ثلاثة أشهر. ذلك أن أبسط التفسيرات المنطقية تقف عند حقيقة القول إن أي نظام "ملكي" لن يكون في مصلحته تعزيز وتقوية توجهات الشعوب الراغبة في إحداث تغيرات بنيوية في شكل النظام الديمقراطي بحيث يصبح أكثر تعددية تسهل معها عملية التداول السلمي للسلطة.

إن السماح بحدوث ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تأثيرات انعكاسية من المرجح أن تسوق معها اضطرابات داخلية تطال منظومة الحكم السلالي الملكي المتعارض مع الطبيعة البشرية.
ناهيك عن أن حدوث مثل ذلك بفعل العدوى الثورية التي طالت المنطقة العربية سيعمل أكثر على جعل التهديد أقوى من أي وقت مضى. ولعل التوجه الأخير لدول المجلس بسعيها ضم مملكتي الأردن والمغرب إلى التكتل الخليجي يأتي في هذا الاتجاه. ومع أن مثل هذا القرار قد يرتبط بالمقام الأول بمخاوف خليجية جماعية من سياسات وتوجهات دولة إيران، إلا أن ربيع الثورات العربية جاء ليكون العامل المساعد للتسريع في اتخاذه.

ذراع المملكة في اليمن جيوبوليتيكيا
منذ تأسيسها مطلع القرن الماضي، اتسمت المملكة السعودية بديناميكية حيوية في التطور والنمو وفقاً لأحد المبادئ التقليدية القديمة لعلم الجيوبوليتك الذي ينظر إلى الدولة باعتبارها "كائنا عضويا في حركة متطورة". وأن أي كائن حي لا ينمو، فإن مصيره الهلاك أو الزوال.

لقد اتجه النصيب الأكبر من هذا التوسع والنمو العضوي ليطال الجانب الحدودي اليمني أكثر من غيره. مع أن ذلك كان يتم عبر اتفاقيات ومعاهدات أبرزها اتفاقيتي "الطائف" في العهد الإمامي، و"جدة" في عهد الرئيس صالح.

وعلى مدى خمسين عاما تقريباً، احتفظت السعودية بسياسة خاصة في اليمن على قاعدة "تأثير وسيطرة الأقوى". ومع أن مثل هذا السلوك ظل –وما زال- يثير حفيظة وغضب شريحة واسعة من الشعب اليمني، إلا أنه بالنسبة للمملكة –كأي دولة قوية- لم يكن أكثر من حاجة سياسية طبيعية تفرضها مبادئ الجغرافيا السياسة (تأثير الجغرافيا وفقاً لخصائصها الطبيعية والبشرية في السياسة). وفي المقام التالي، فهو لا يخرج عن كونه تجسيدا طبيعيا آخر لأحد المعاني "الجيوبوليتكية" بجزئه المعني بالبحث "عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة لتنمو حتى ولو كان وراء الحدود".

ممارسة المفهوم التقليدي القديم لعلم الجيوبوليتك عبر التوسع والنمو بالاحتلال العسكري أو حتى الخديعة برسم خرائط حدودية جديدة، نحا به ليصبح علما لا أخلاقيا منبوذا حتى كاد يختفي من الميدان. لكن ومع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية، ظهر على المسرح الجغرافي مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو "الحدود الشفافة"، بمعنى الهيمنة الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة.

وفي عصرنا الحديث المكدس بالقوانين الدولية المانعة والمعيقة للتوسع العضوي عبر الاحتلال الجغرافي، فإن فكرة السيطرة "من على بعد" بدت هي الطريقة الفضلى تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية. ومنذ الثورة اليمنية الأولى في العصر الحديث (ثورة 26 سبتمبر 1962) امتدت ذراع المملكة "البعيدة" لتوجه مسار السياسات الداخلية للبلاد. فتارة بدعم الملكيين، وأخرى بدعم الجمهورين، وثالثة بدعم الشمال ضد الجنوب، ورابعة العكس..الخ
ولقد بات من شبه المؤكد لدى الكثيرين، أن التخلف القائم هنا تقف وراءه الجارة القوية. فعوضاً عن المخصصات المالية الكبيرة التي تمنحها شهرياً لمعظم المشائخ، لكسب ولائهم، فهي قد ظلت تخصص أضعافها لصناع القرار اليمني بأعلى مستوياتهم.

التحولات الأخيرة للمواقف
لا تؤثر المملكة على مسار الأحداث في اليمن وحسب، بل باتت تملك أذرعا "شفافة" تمتد إلى دول عربية عدة. حتى أنها أصبحت من أهم حلفاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، لسببين: الأول: لحجم ثرواتها النفطية، والآخر لنفوذها في المنطقة.

غير أنه ومع ذلك كله يبدو الأمر بحاجة إلى التريث وعدم المبالغة بالأحكام النهائية لتبدو هي الحقيقة الوحيدة المتاحة لا غيرها. من وجهة نظر عاطفية، لا ضير أن تملأ الكراهية قلوبنا لهذه الجارة. أما من وجهة نظر العقلية السياسية، فما يحدث بحده الأدنى سيفرض على أي دولة –بغض النظر عن طبيعة نظامها، ملكيا كان أم جمهوريا، ديكتاتوريا أم ديمقراطياً– التعامل مع جيرانها الضعفاء الفاشلين وفق مسارين. الأول يتعلق بالشهية والأطماع، والآخر بالتخوف من آثار ونتائج الاضطرابات.

وفي اعتقادي أن ما يحدث اليوم إزاء اليمن انتقل من المسار الأول، وباتت العلاقة محكومة بالمسار الثاني. لقد أخذت المملكة معظم ما تريده من المساحات الجغرافية الحدودية عبر الاتفاقيات مدفوعة الثمن. بيد أنها اليوم باتت تخشى من آثار الاضطرابات والصراعات في اليمن من حيث أنها ستؤدي إلى تقوية أعدائها الجدد من تنظيم القاعدة وحركة التمرد الحوثي على حدودها.

وخلال العقد الأخير، خاطب الرئيس بشكل تدريجي متصاعد تلك المخاوف من خلال دعم تلك الأطراف وتقويتها، وإن بطرق وأساليب غير مباشرة، ليكسب المزيد من الأموال والدعم والثقة. غير أن الخاتمة لم تكن تشبه النتيجة التي خطط لها. لاسيما بعد أن كشفت وثائق ويكيليكس تشكيكات أمراء القرار السعوديين بنوايا ومصداقية الرئيس "صالح".

ومع ذلك، انقسم القرار السعودي باتجاهين. الأول يتزعمه العاهل السعودي الذي ما زال متجملا من تساهل "صالح" معه بالتوقيع على تجديد اتفاقية "الطائف" بصيغتها التوسعية الجديدة تحت اسم اتفاقية "جدة". والآخر، يتوحد عليه المختلفون على العرش (سلطان ونائف) باعتبار "صالح" شخصا مخادعا و"ألعبانا" كبيرا، يتوجب عدم التعامل معه بثقة مطلقة.

إمكانية التحول السعودي نحو دعم الثورة
على هذا الأساس المتغير، مضافا إليه مسألة التعامل مع كون التأثير السعودي في اليمن أمراً واقعاً لا يمكن التخلص منه على المدى القريب على الأقل، فمن اللازم التعامل مع أي تدخل سعودي قادم في البلاد بطرق ووسائل تتناسب مع الواقع لا مع الإرث التاريخي لكل مكون من مكونات الفعل السياسي.

لا تتمتع المملكة بعلاقات تاريخية جيدة مع مختلف التيارات الحزبية للمعارضة. ومن يتحدث عن علاقات جيدة مع حزب الإصلاح مثلاً، فهو لا يفقه شيئا في تاريخ المملكة السيئ مع الإخوان المسلمين. ومع تلك الحقيقة الناصعة، إلا أن إمكانية التعامل مع الأعداء التاريخين لن يكون مستحيلا لدولة تسعى للتخلص من مخاوفها وفق أي صيغة ممكنة مبنية على تحقيق مصالح متبادلة بما فيها رحيل "صالح" الذي تدرك المملكة أن المراهنة عليه باتت أمراً خارج التاريخ والجغرافيا والسياسة وحتى مفاهيم الجيوبوليتيك التقليدية والحديثة.

ما يعزز ذلك، أن سياسة الأمر الواقع التي ظلت هذه الجارة تتعامل وفقها، جعلتها تبدل مواقفها –حتى تلك الأيديولوجية– وفقاً لبوصلة المصلحة، بدرجات وزوايا متعددة، وصلت بعضها التحول 180 درجة. فمن دعمها للملكيين، إلى التخلي عنهم، ودعم الجمهوريين في وقت لاحق. ثم من دعمها للشمال ضد الجنوب الاشتراكي قبل الوحدة، إلى دعمها هذا الأخير في حرب 1994.

وبالأمس فقط، برزت نبرة أكثر حدية إزاء الرئيس "صالح" من قبل مصادر دبلوماسية خليجية أكدت عبر الصحافة أن زيارة الزياني الأخيرة إنما تأتي فقط لتنتزع من "صالح" قراره النهائي من المبادرة بنعم أو لا. وألمحت إلى أن نتائج هذه الزيارة ستحدد طبيعة التعامل القادم مع النظام. وقبلها بيومين قال مصدر مقرب من دوائر الدبلوماسية الخليجية في صنعاء أن دول الخليج –وعلى ضوء نتائج زيارة أمينها العام- ستتخذ موقفاً قد يصل إلى حد سحب المبادرة ودعوة صالح إلى التنحي الفوري.

لعل مثل تلك التصريحات، التي سبقتها كتابات وانتقادات لاذعة لصالح ونظامه خلال الأيام الماضية، لاسيما في صحف سعودية ومن قبل كتاب سعوديين مرموقين ومقربين من أصحاب القرار، لتدل في معانيها على التوجه الخليجي والسعودي القادم إزاء هذا النظام الذي بات من يوم إلى آخر يفقد ثقة المجتمع الخليجي بعد المجتمع الدولي.

الحوثي ورسم ملامح اليمن الحديث
تتبدل المواقف السياسية وفقا للمصلحة العامة. وعليه فليس من الحصافة تكريس العداء بشكل مطلق، كما أن بعثه لن يكون هو السبيل الصحيح لدعم توجهات الثورة الشعبية، سواء في تحقيق إنجازها التاريخي، أم بعد إنجازه. الأمر بحاجة إلى خطاب تطميني أكثر منه خطاباً متهوراً، يستقوي بخيار الثورة وفق نبرة تهديدية سمجة.

ومن هنا، قد يكون من اللازم أن يفكر المحسوبون على جماعة الحوثي –إعلامياً– بطريقة سياسية أفضل من تسويق جماعة الحوثي على أنها القوة العاتية التي أذلت المملكة والتي ستهد أركان الإمبراطورية السعودية.
إن مثل هذا الخطاب القتالي الاستعدائي المترافق أصلا مع واقع قتالي توسعي نحو محافظات أخرى، لن يتمترس ضده من هم خارج الحدود اليمنية فحسب، بل من شأنه أن يخيف شركاء الثورة من المستقبل الدامي الذي يرسمه هؤلاء لما هو قادم أسوأ.

وإذا كان البعض في هذه الثورة العظيمة قد بدأ يشهد تحولا في نظرته إزاء مستقبل تلك الجماعة حينما انضوت في إطار العمل السلمي للثورة، إلا أن استمرار بعض النخبة المحسوبين على هذا التيار في بعث وتكريس حديث العداء الأيديولوجي للفكر الآخر، جنباً إلى جنب في سياقات الحديث عن الفعل الثوري، لهي حماقات سمجة تجر هذا الحدث الثوري العظيم بنقاوته وسلميته إلى مربعات الذاكرة التاريخية الأكثر بعثا على القلق.

في النهاية سيتوجب على قادة الحركة الحوثية أن يثبتوا حسن نواياهم بإعلان تخليهم عن العمل المسلح كخيار حتمي والانضواء في العمل السياسي المدني لاسيما وقد زالت مسببات حمل السلاح مع خروج معظم أبناء الشعب سلميا لإسقاط النظام الذي أذاق الجميع ويلات سياساته العمياء.
 

الأحد، 15 مايو 2011

الأشقاء في الخليج.. أتركوا "حاوي" الثعابين حتى لا يطالكم "سمه"


عبد الحكيم هلالa.hakeem72@gmail.com
الذي ظن - من أشقائنا الخليجين - أن "علي صالح" كان جاداً في مفاوضاته معهم على تسليم السلطة، بطريقة سلمية وآمنة، فربما يتوجب عليه من الآن التخلي عن التعامل مع شخص مثله بطريقة ساذجة تسودها "حسن النوايا".

وإذا لم تكن تقلبات ومناورات "صالح" السمجة، الأخيرة، كافية لفرض تغييرات هامة وجوهرية على موقف صناع القرار الخليجيين – من أصحاب النوايا الحسنة كما نعتقد – باتجاه إجباره على نقل السلطة بطرق سلمية وآمنة، عبر الانتقال إلى استخدام وسائل ضغط أخرى غير المفاوضات، فليس ثمة من بد لأن ندعوهم للتوقف فوراً عن مواصلة التورط في شئوننا الداخلية بطريقة تمنح "الديكتاتور" وقتاً إضافياً للعبث والتلاعب من أجل تنفيذ مخططاته الإجرامية، الدموية للقضاء على ثورتنا الشعبية بطبيعتها السلمية.

وما لم يتم اتخاذ مواقف جدية صارمة، ضده، أو – كأضعف الأيمان - التوقف عن منحه الشرعية ومزيد من الوقت للقتل وسفك المزيد من دماء الشعب اليمني الزكية، فسيتورط أشقائنا في متاعب جمة بتعاملهم مع "مخادع"، يتلون كل دقيقة كـ"الحرباء". ولعل ما يأتي في مقدمة تلك المتاعب، ربما، مواصلة استخدامهم كغطاء لارتكاب تلك الجرائم التي سارع إلى استئنافها، وبات ينفذها كل يوم وبوتيرة عالية أكثر من قبل، سيما بعد أن ضمن توريط أشقائنا الخليجيين بمنحه غطاءاً شرعياً وضمانات مسبقة تعفيه من العقاب والملاحقة القضائية.

نعم، استجاب الأشقاء لنداءات "صالح" بالتدخل تحت ذريعة إنقاذ البلاد من الغرق في بركة من الدماء، وهو المبرر الذي ما فتئ يخوف به الأشقاء للتدخل من أجل إنقاذ المنطقة من الفوضى التي ستفيض حتماً متجاوزة الحدود لتطال كل جار، بل والإقليم بأكمله. غير أن الحقيقة الواضحة اليوم أنه استغفل الجميع على حين غرة لإنقاذه هو، حين رمى بهم إلى واجهة الأحداث، وأستخدمهم كـ"قشة" إنقاذ بعد أن كان يلفظ أنفاسه الأخيرة. وهاهو اليوم وبعد أن قضى وطره لم يتورع عن التعامل معهم كأوراق قصدير لامعة أمام العالم، بعد أن أستخدمهم كعصا غليظة لشق المعارضة وإبعادها عن مطالب الشارع، بهدف إضعافها.

إكراماً للأشقاء أرخت المعارضة اليمنية عضلاتها حين وافقت الدخول في مفاوضات كانوا في السابق يصرون بشدة على عدم التورط في خوضها مع نظام فاقد للشرعية حرصاً منهم تجنب أن يعمل ذلك على منحه شرعية مستمدة من التفاوض. لكنهم حين قبلوا بذلك اليوم، كانوا - ربما – يحرصون على عدم عكس مواقف سلبية متشددة أمام أشقائهم الخليجيين، في الوقت الذي أنهم كانوا يدركون فيه تماماً أنهم بذلك يضعون أنفسهم في مواجهة مصيرية خاسرة أمام قواعدهم وشباب الثورة الرافضين للحوار، مدركين أن القبول سيعني ضمنياً بداية في تحويل "الثورة" إلى " أزمة". وهو ما قد يأتي على ثورتهم الشعبية السلمية التي تنادوا فيها لإسقاط نظام فاشل، واستبداله بآخر راشد، بعد أن فقد كل مقومات بقائه.

مهما كانت تجربة الأشقاء الطويلة مع رجل، يفخر بوصف نفسه بأنه"راقص ثعابين"، فلن تكسبهم تلك التجربة القدرة على التعامل بنجاح مع أساليب المكر والخديعة التي يتمتع بها هذا "الحاوي". وهاهو بعد 33 سنة كبيسة، أدرك الشعب اليمني أن الأسلوب الوحيد للتعامل مع شخص مثله، لن يكون إلا عبر ثورة شعبية سلمية. ومن الضروري جداً أن يدرك الأشقاء أن النسبة الأعظم من هذا الشعب، حين خرجت إلى الشارع، كانت تدرك تماماً أنها لم تخرج للتنزه، بل سيتعرضون للقتل والقمع والسحل والاعتقالات من رئيس خبروه تماماً، لا شيء يسكن رأسه أكثر من الحفاظ على السلطة مهما كان الثمن. ولو أنهم كانوا يؤمنون بذرة واحدة من أن التحاور أو التفاوض معه سيؤتي ثماره لما ترددوا عن ذلك لحظة.

على أشقائنا اليوم أن يتعلموا درساً جديداً، أن لا يخشوا تهديدات صالح التي تقلقهم بجر اليمن إلى حرب أهلية تفيض نيرانها إليهم. بل عليهم أن يعولوا على جيل الشباب الثأئر في إنجاز مهمتهم بأقل التكاليف بصدورهم العارية. ما عاد أحد يجهل منهم كم أن قوتهم السلمية أقوى بأضعاف كثيرة من قوة العنف التي باتوا يدركون تماماً أن صالح يسعى لجرهم إليها ليجد طريق خلاصه.

وحتى يتحقق ذلك، فسيتوجب على أشقائنا أن لا يخذلوهم، وأن يبدءوا على الفور بتحويل غطائهم المساند لصالح إلى غطاء إقليمي دولي لمساندتهم في إنجاز مهمتهم النبيلة بسرعة. ذلك أن استمرارية الثورة بطبيعتها "السلمية" منوط بهذا الدعم الإقليمي والدولي، ما لم فقد ينجح صالح في جر البلاد إلى العنف. وما مناورته الأخيرة في التعامل المتناقض واللا محترم مع جهود الأشقاء في إطار المبادرة الخليجية إلا أحد تلك الأساليب التي يستخدمها للقيام بذلك.

أيها الأشقاء، ابدؤوا الآن، ولتكن البداية بإعلانكم استنفاد جهودكم الدبلوماسية في إقناع "صالح" بتسليم السلطة بطريقة آمنة. ثم لتكن الخطوة المرافقة إعلان مجموعة توصيات للمجتمع الدولي، أهمها –في الوقت الراهن– شيئان: إيقاف المساعدات المالية عن نظام صالح، والثانية تجميد أمواله وأفراد أسرته وكل مسئول تورط معه في القتل وسفك الدماء.

بذلك، لن تتمكنوا من الحفاظ على أمنكم فحسب، بل ستقدمون معروفاً للشعب اليمني لن يسعه إلا أن يرده لكم بمثله.

المصدر أونلاين

الأربعاء، 11 مايو 2011

المبادرات الخليجية لإنقاذ اليمن







عبد الحكيم هلال




قدمت دول الخليج نفسها كمنقذ مفترض لليمن. وعلى مدى شهر ونيف من المحاولة بدا وكأنها تواجه مسارات معقدة أكثر من اللازم. وحتى الآن عقد مجلسها قرابة ستة لقاءات استثنائية لوزراء خارجيتها، أفضت إلى أربع مبادرات، ظلت تتطور تباعاً، حتى بلغت صيغتها الأخيرة، التي ما زالت هي الأخرى مثار جدل وتجاذب مواقف ثلاثة أطراف يمنية هي: النظام الحاكم، والمعارضة، وشباب الثورة السلمية.
مبررات التدخل الخليجي
بعد ما يقارب الشهرين على البدايات الأولى لانطلاق الثورة السلمية في اليمن، المنادية بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي -وبشكل جماعي– باتخاذ قرار حاسم بالانتقال من دور المراقب السلبي للأوضاع اليمنية المتصاعدة إلى التدخل المباشر وممارسة دورها المفترض في إنقاذ البلاد والنأي بها من الدخول في حرب أهلية وشيكة.
"
قرار التدخل الخليجي في الشأن اليمني جاء متأخراً، مع أن مبرراته الجيوسياسية ظلت متوفرة منذ البداية، لعل أبرزها الموقع الإستراتيجي الهام والمؤثر على تلك الدول والمنطقة
"
قرار التدخل هذا، يعتقد البعض بأنه جاء متأخرا، مع أن مبرراته الجيوسياسية ظلت متوفرة منذ البداية، لعل أبرزها الموقع الإستراتيجي الهام والمؤثر على تلك الدول والمنطقة.
غير أن البعض يعزو تأخره إلى التخوف من رفض وتجريم فكرة التدخل المباشر في الشأن الداخلي لدولة أخرى. ولذلك كان من الواضح أن هذا التدخل جاء بعد أن كسر الرئيس "صالح" حاجز الخوف هذا حين طلب من الملك السعودي التدخل لإنقاذ اليمن من "حرب أهلية مدمرة من شأنها أن تهدد المملكة والمنطقة برمتها". هذا ما كشف عنه في وقت لاحق.
بالنسبة للعاهل السعودي عبد الله لجأ هو الآخر إلى فكرة إشراك مجلس التعاون في الحل. وربما ترافق ذلك مع اعتقاد شبه مؤكد بوجود توجه خارجي (أميركي أوروبي) لتحميل المملكة ومعها دول الخليج ملف الأحداث الأخيرة في اليمن.
مسار المبادرات الأربع
في الثالث من أبريل/نيسان الماضي عقد المجلس الوزاري لدول الخليج دورته الاستثنائية الحادية والثلاثين، التي خصصت لإجراء اتصالات مع الحكومة والمعارضة اليمنية لعرض المبادرة الخليجية (الأولى).
وفي 7 أبريل/نيسان كشف رئيس الوزراء القطري خلال مؤتمر صحفي عقد على هامش زيارته إلى واشنطن "أن دول الخليج تأمل في إبرام اتفاق مع الرئيس صالح كي يتنحى". أثارت تلك التصريحات حفيظة السلطة. وفي اليوم التالي (الجمعة) هاجم "صالح" قطر وتصريحات رئيس وزرائها.
كانت تلك المبادرة مكونة من بندين فقط. البند الأول: "أن يعلن الرئيس علي عبد الله صالح التنحي عن السلطة وتسليم صلاحياته إلى نائبه". والبند الثاني: "تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة المعارضة".
أعلن صالح رفضه لها، متذرعا بتصريحات المسؤول القطري، لتدخل المبادرة مشرحة التعديل. يوم الأحد 10 أبريل/نيسان عقد وزراء خارجية مجلس التعاون اجتماعا استثنائيا لتدارس الأمر. أفضى الاجتماع إلى ما عرف لاحقاً بـ"المبادرة الثانية". حولت المبادرة الجديدة البند الأول إلى النص التالي "يعلن رئيس الجمهورية اليمنية نقل صلاحياته إلى نائبه".
في 17 أبريل/نيسان سافرت المعارضة إلى الرياض لمناقشة الأمر مع المجلس الوزاري الخليجي. وبعد الانتهاء، خرجت المعارضة لتعلن تمسكها بمبادرة الثالث من أبريل/نيسان الداعية لـ"تنحي" صالح عن الرئاسة بشكل صريح. وفي 19 أبريل/نيسان عقد المجلس الوزاري لقاءً مع وفد السلطة في أبو ظبي. صدر بيان رسمي يعلن مواصلة المجلس جهوده. ومن اللقاءين صاغ المجلس مبادرته الجديدة.
وفي 21 أبريل/نيسان وصل الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني إلى صنعاء لتسليم السلطة والمعارضة نص المبادرة الجديدة (ما عرفت بالمبادرة الثالثة) تضمنت تعديلات كثيرة شملت الخطوات التنفيذية التي أصبحت 10 بنود، بدلاً من بندين في المبادرة السابقة. ومن البنود الجوهرية التي أضيفت: "تسليم السلطة إلى النائب بعد 30 يوماً من التوقيع عليها"، في حين ألزم البند الثاني الحكومة المشكلة برئاسة المعارضة بـ"توفير الأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني وإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا". ومنح البند الثالث "الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس ومن عملوا معه خلال فترة حكمه".
وحين بدأت تصريحات المعارضة تكشف عن توجه رافض لها، أعلنت السلطة موافقتها وسلمت ردها رسميا في 23 أبريل/نيسان. في حين تركزت مخاوف المعارضة على تفسير البند الثاني: ".. إزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا".
وحين تلقت طمأنة خليجية بعدم دخول الاعتصامات الميدانية ضمن هذا البند، أعلنت موافقتها بشكل رسمي، لكنها اشترطت أن تشكل الحكومة من الحزب الحاكم فقط، بذريعة "عدم قبولها العمل تحت قيادة الرئيس صالح". ولاحقاً في 25 أبريل/نيسان أعلنت قبولها الكلي بمبرر: "أن مسؤولين خليجيين وممثلي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قدموا توضيحات وضمانات".
"
قبل أربعة أيام من التوقيع على المبادرة الخليجية, افتعل الرئيس صالح أزمة مع دولة قطر حين اتهمها بالضلوع في "مؤامرة" وتمويل "الفوضى" في اليمن
"
بعد الموافقة، كان الاتفاق على التوقيع النهائي في الرياض بتاريخ الثاني من مايو/آيار الحالي. لكن، وقبل أربعة أيام من الموعد، افتعل الرئيس أزمة جديدة مع دولة قطر حين اتهمها في مقابلة مع تلفزيون "روسيا اليوم" في 28 أبريل/نيسان بالضلوع في "مؤامرة" وتمويل "الفوضى" في كل الدول العربية ومن بينها اليمن، التي قال إن أموالا قطرية تتدفق إليها لتمويل القتل والفوضى. وهدد بالتحفظ عن التوقيع –المقرر في الرياض- إذا حضر ممثلو قطر.
واليوم التالي (الجمعة) تحدث في خطبته الأسبوعية –كعادته- أمام حشد من أنصاره عن "عدم تسليم السلطة إلا وفقاً للشرعية الدستورية"، وأن يتم الالتزام بالمبادرة "كمنظومة متكاملة دون تجزيء". والسبت كررت قيادات في حزبه الأمر ذاته، ولكن بتفاصيل أكثر، أهمها "أن الرئيس لن يوقع على المبادرة بصفته رئيسا للجمهورية، وإنما كرئيس للحزب الحاكم". وهو ما يتعارض مع المبادرة التي تشترط توقيعه شخصيا.
كما تضمنت تفاصيل أخرى تحدثت عن ضرورة إزالة عناصر التوتر التي اعتبر "المعتصمون" أهمها، إلى جانب القوات العسكرية المنشقة عن الجيش، والمتمردين وقطاع الطرق والانفصاليين.. إلخ.
ومع أن المعارضة اعتبرت ذلك رفضاً صريحاً وتصعيداً جديداً، رافضة أي تعديلات إضافية، وشككت بوجود نوايا انقلابية لدى الرئيس لإصراره على عدم التوقيع بصفته الرئاسية.. فإن المبادرة عدلت لتتواكب مع هذا الشرط حين غيرت صفة توقيع الرئيس من طرف رئيسي إلى راع للاتفاق.
مواقف المعارضة والسلطة
بالجملة، يتضح أن المبادرات الخليجية الأربع السابقة تغيرت على مدى شهر ونيف لتتكيف مع رغبات الرئيس على النحو المختصر التالي: من "تنحي" صريح إلى "تسليم صلاحيات"، إلى "البقاء في السلطة شهراً" وفرض "ضمانات لتجنب الملاحقة القانونية"، وأخيراً: اعتباره "راعياً" وليس طرفا.
"
العامل المشترك في المبادرات الثلاث الأولى أن الرئيس كان يعلن قبوله مبدئيا ثم يلحقه بالرفض، في حين ظلت المعارضة تراوح بين الرفض الأولي لكل تغيير يشملها، ومن ثم القبول النهائي
"
العامل المشترك في المبادرات الثلاث الأولى أن الرئيس كان يعلن قبوله مبدئياً ثم يلحقه بالرفض، في حين ظلت المعارضة تراوح بين الرفض الأولي لكل تغيير يشملها، ومن ثم القبول النهائي بعد حصولها على ضمانات وطمأنة خليجية وخارجية. غير أن المبادرة الأخيرة (الرابعة) تبدو مثيرة للشك أكثر من غيرها بالنسبة للمعارضة. وهي حتى الآن ما زالت تتدارس عواقبها مع الأطراف الخليجية.
ومع ذلك، فليس من المستبعد القول إنها في نهاية المطاف ستوافق كما ظل ديدنها في السابق. وستبرر الأمر بحصولها على "ضمانات وتطمينات وتفسيرات خليجية وخارجية مناسبة". هذا الاستنتاج يمكن استخلاصه من تغيرات مواقفها خلال مسار المفاوضات.
فهي في الثانية أبدت إصراراً على تمسكها "بالمبادرة الأولى– 3 أبريل/نيسان"، ثم وافقت، لتقول في الثالثة إنها متمسكة بـ"الثانية– 10 أبريل/نيسان"، وهي اليوم تقول إنها متمسكة بـ"الثالثة".
قد تبدو تصريحات بعض قياداتها حاسمة هذه المرة، بدعوة دول الخليج والمجتمع الدولي إلى ممارسة المزيد من الضغط على نظام صالح، للقبول بتوقيع المبادرة بصيغتها الثالثة، كونها بحدسها تشعر بوجود خدعة ما وفقاً لتقلبات وألعاب "صالح" التي مكنته من حكم اليمن على مدى الـ33 عاماً الماضية. ناهيك عن أن المنطق المجرد هنا من وراء رفض صالح التوقيع بصفته الرئاسية، يفرض مبدأ التشكيك بقوة. كأنه يتوخى إتاحة مجال لانقلاب قادم ومناورة جديدة.
وبشكل منطقي أيضاَ يمكن التأكيد أن رجلا نقض ثلاث مبادرات الواحدة تلو الأخرى، خلال شهر واحد، دون أي مبرر منطقي، فستكون احتمالية حدوث انقلاب بذريعة التأويل وليّ النصوص التي يصر اليوم على تغييرها بتلك الطريقة المكشوفة، هي الأقرب إلى الحقيقة.
في الواقع، بالنسبة لتغيرات مواقف المعارضة على ذلك النحو، يمكن تفسيرها على أنها عمل سياسي بحت، فرضته دبلوماسية مبنية على احتمالين، الأول: أنها قبلت الدخول في المفاوضات منذ بدايتها مع علمها المسبق أن العملية أشبه بمن "يحرث في بحر"، وذلك حرصاً منها على تمثل دبلوماسية مرنة مع دول الخليج والمجتمع الدولي توخياً لعدم مواجهتها لرغبات تلك الأطراف الهامة والمؤثرة.
"
موافقة المعارضة اليمنية على المبادرات الخليجية كان بهدف كسب تعاطف الأطراف الإقليمية والخارجية مع مطالبها, وكذلك كسب ثقتها في تعاملاتها المستقبلية
"
الاحتمال الآخر، وهو بالمناسبة يأتي كنتيجة للسابق، يتعلق بإيصال دول الخليج والمجتمع الدولي المهتم إلى الحقيقة التي يعتقد أنهم يدركونها لكنهم –ربما- يتغاضون عنها لسبب ما، وهي: أن هذا النظام لا يمكن الوثوق به. ومن كلا الأمرين سيمكنها (المعارضة) من جني أهداف دبلوماسية كبرى: قصيرة، وطويلة الأجل.
أما القصيرة فتتمثل في كسب تعاطف تلك الأطراف الإقليمية والخارجية مع مطالب الشعب ودعمها في تحقيق هدفها الأكبر بـ"إسقاط النظام"، بعد أن تكون كافة السبل والمحاولات قد أفضت إلى تلك النتيجة الجوهرية.
وأما الأخرى (الطويلة الأجل) فتتمثل في كسب ثقة تلك الأطراف في ما يتعلق بتعاملاتها المستقبلية ودعم بناء اليمن الجديد وما يترتب عليها من سياسات اقتصادية وتعايشية بعد سقوط النظام الحالي.
المبادرة ومزاج الشارع
من الواضح أن بلوغ النتيجة الثانية (الطويلة الأجل) مرتبطة بتحقيق الأولى (إسقاط النظام). وعليه فمن المهم القول إن اتخاذ قرار "إسقاط النظام الحالي"، بالنسبة للمجتمعين الإقليمي والدولي، لن يكون بتلك السهولة التي تتوقعها المعارضة.
فقرار مثل هذا يندرج في إطار القرارات الإستراتيجية التي تتطلب نظرة عميقة شاملة لطبيعة ومكونات وأهداف من سيحكمون اليمن بعد "صالح". إلى جانب دراسة مستفيضة لأبعاد أخرى ترتبط بمستقبل أنظمة دول الخليج والمنطقة. ولا يستبعد تأثير التباينات بين مواقف دول الخليج البينية على النتيجة.
وعليه كان من السهولة ملاحظة تلك المرونة الكبيرة –وغير المنطقية- التي اتبعتها دول المجلس –أو بالأحرى المؤثرة منها- لمواكبة رغبات ومطالب رئيس النظام الحالي، حتى بلغت المبادرة الأخيرة.
لكن، ومع ذلك، لا يمكن مواصلة إغفال مزاج الشارع اليمني لوقت أطول من اللازم، مضافاً إليه تقلبات وانتهاكات نظام صالح. هذا يعني لزومية التخطيط لمستقبل ما بعد صالح باعتباره أمراً حتمياً سواء التزم حرفياً ببنود المبادرة أم لم يلتزم.
شباب الثورة اليمنية بكافة تكتلاتهم وائتلافاتهم المناهزة للمائة في مختلف محافظات الجمهورية، يجمعون على رفض أي مبادرة لا تلبي تطلعات ثورتهم بتنحي "صالح" ونظامه، الفوري ومحاكمتهم على جرائمهم.

إنهم يعتبرون تلك المبادرات محاولات لتحويل "ثورتهم" إلى "أزمة"، وهو أمر غير مقبول. ويدعون دول الخليج للتوقف عن إنقاذ نظام متساقط. ويزداد الأمر كلما واصل "صالح" ونظامه ارتكاب مجازر جديدة، فتراهم يحذرون –في بعض بياناتهم- دول الخليج والمعارضة من إمكانية اعتبارهم "شركاء في الجرائم التي يرتكبها النظام" لا سيما بعد ظهور مسألة الضمانات القانونية التي تجنبه الملاحقة.
"
يعتقد البعض أن أحد أهداف الرئيس المرافقة للمبادرات الخليجية وتعديلاتها هو شق صفوف المعارضة، وضربها بالشارع
"

كما طالبهم البعض بالتوقف عن أي مبادرات "يترتب عليها استعداء للشعب اليمني".
يعتقد البعض أن أحد أهداف الرئيس المرافقة للمبادرات الخليجية وتعديلاتها هو شق صفوف المعارضة، وضرب المعارضة بالشارع، وصولاً إلى إفقادها الثقة وإضعافها، كخطوة أولية. كما أن ذلك من شأنه أن يحدث خلافاً في الساحات نفسها بين الموجودين فيها من أنصار المعارضة الحزبيين والمؤيدين لها، وبين المستقلين الرافضين للمبادرات الخليجية.
وبينما لا يزال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي يعلن تمسكه بالمبادرة الأخيرة للحل، والحديث عن قرب التوصل إلى موافقة على التوقيع خلال الأيام القادمة، يبدو المشهد الميداني مختلفاً ويسير نحو التصعيد أكثر من أي وقت مضى. وبعد الرفض الرئاسي الأخير، بدأت تظهر بقوة أصوات تنادي بضرورة الحسم والزحف إلى دار الرئاسة، مقابل حديث آخر عن استعدادات وتجهيزات من قبل النظام لتفجير الوضع.
المصدر:الجزيرة

الخميس، 5 مايو 2011

لهذا أقيل النائب العام


عندما اتجه صوب إدانته مباشرة اضطر الرئيس لإزاحته من الطريق ليتجنب الملاحقات القضائية مستقبلاً


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
الخميس الماضي (28 ابريل) أصدر الرئيس علي عبدالله صالح قراراً جمهورياً رقم 17 لسنة 2011 بتعيين الدكتور علي أحمد ناصر الأعوش نائباً عاماً للجمهورية بدلاً عن الدكتور عبدالله العلفي. على المنظمات الحقوقية الدولية أن تعرف لماذا حدث ذلك؟ إذ سيتوجب عليها ضم هذا الفعل كقرينة إثبات لتورط صالح في ارتكاب جرائم القتل.

المنطق الظاهري، يقول إن الظروف الحساسة والصعبة التي يمر بها النظام في الوقت الراهن، لا تؤهل الرئيس صالح الذي يتصاعد صوت الشارع اليمني بإقالته ومحاكمته من اتخاذ قرارات ذات طبيعة تأثير ارتدادية على نظامه المتداعي. بيد أن ذلك حدث بالفعل. وما قد يمثل ارتدادا سلبياً هنا هو أن ذلك القرار جاء بعد أيام قليلة من تشديد الدكتور العلفي على مطالب قانونية بالقبض على شخصيات أمنية كبيرة ثبت تورطها في قضايا قتل راح ضحيتها عشرات المحتجين وآلاف الجرحى.

قد لا يكون بمستغرب أنه وفي بلادنا أكثر من غيرها، هكذا بكل سهولة يمكن للرئيس أو لمسئول كبير ارتكاب الفضاعات، ثم يتلوها بتصرف غريب وشاذ ليغدو السير وفق المنطق مجرد شيء تافه طالما أنه يهدد مصالح وتكتيكات استراتيجية. وما كان غير متوقع في عرف مجتمع السياسة، يصبح أمراً ممكناً، بل وضرورياً في عرف الاستبداد لتجاوز حتمية ما هو أسوأ إلى الأقل سوء أو ما يفترض أنه كذلك.

في واحد من التفسيرات السوسيولوجية، يمكننا النظر إلى ما حدث على هذا النحو: إن أي نظام استبدادي -بدأ بالتهاوي– حينما يتعرض للمزيد من الضربات (الضغظ)، يزداد ترنحاً (فقدان المزيد من التوازن)، حينها تصبح ردود الفعل اللحظية هي المتاح الوحيد. وإذاك يغدو التفكير بالتعامل مع الأحداث بقرارات تراعي أبسط أخلاقيات المجتمع الدنيا، منطقاً عدمياً، والتريث لتوخي مسألة الارتدادات السلبية، عبثاً غير مجد.

الواضح أن هذا يحدث، مع أن الرئيس ومرشديه يدركون أكثر من غيرهم، أن قراراً مثل هذا - في ظرف وتوقيت كهذا- تنعدم فيه فرص الحديث عن فرضيات مثالية على شاكلة: عدم تحميل الأمر أكثر من كونه مجرد قرار يصدر عن رئيس مازال قادراً على الإقالة والتعيين! فالرئيس، وجميعنا –سواء نحن المنادين برحيله ومحاكمته، أم أولئك المتمصلحين حوله– نؤمن أن منطق مثالي كهذا كان يمكن قبوله في ظروف سابقة ترجع إلى ما قبل الأشهر الـ3 الأخيرة.

وإلى جانب أن الجميع يدرك أن النائب المقال يحمل ملفاً جنائياً خطيراً، فإن تحولات جوهرية اتسمت بها مواقفه الأخيرة، من شأنها أن تثير الرعب في قلب النظام. ذلك أن النائب العام المقال بدا مؤخراً –وبشكل مفاجئ– أكثر حرصاً على المضي بجدية لاستكمال التحقيق في قضايا القتل والاعتداءات التي تعرض، ومازال يتعرض لها شباب الثورة اليمنية المنادين بإسقاط هذا النظام الأسري القمعي البوليسي الجاثم على صدور اليمنيين منذ 33 عام.

الإقالة.. إثبات الجرم لا انتفائه
ما سبق، قد يبدو كافياً لجلاء الأمر، وتحسس مسوغات ودواعي تلك الإقالة المثيرة للجدل دون الحاجة لمزيد من التوضيح. ومع ذلك، دعوني، كعادتي المملة للكثيرين، مواصلة تقديم المزيد من التفاصيل التي يقال إن الشيطان يكمن فيها. وسأتناول هنا –محاولاً الإيجاز قدر استطاعتي– بعض الجزئيات التي تتعلق بالنائب العام ومواقفه الأخيرة، تعزيزاً لتلك الحقيقة الواحدة لا سواها: إدانة رأس النظام والمتورطين من حوله.

إلى حد ما، ومن زاوية ضيقة، يمكن اعتبار الإقالة قراراً يتسم بالشجاعة. غير أنه –من زاوية أخرى– يظهر كقرار يعوزه الذكاء، لما يعكسه من مؤشرات تؤكد –بما لا يدع مجالاً لحسن الظن- أن نتائج التحقيقات كانت تتجه حتماً صوب الحقيقة المفترضة.

مع أن الدكتور العلفي عرف تمتعه بأخلاق رفيعة، إلا أنه بالمقابل –مثله مثل الكثير من المسئولين الحكوميين في كنف نظام استبدادي دموي- ظل مجبراً على العمل بوفاء كبير كخادم لرأس النظام، لا كشخص قوي يتمتع بصلاحيات قانونية كبيرة. فعمد إلى تفضيل وتقديم مصالح النظام على حساب المصلحة العامة للوطن والمواطنين بشكل امتهن فيه حكم القانون. وبين سلوكه الشخصي وسلوكه العام تكونت شخصية إنفصامية كان غالباً ما يمضي توقيعه على مسودات الشكاوى بأوامر توجيهية للجهات المعنية، فيما أنه يدرك النتيجة بلا جدواها مع عدم اتخاذه الإجراءات اللاحقة لفرضها، حتى بلغ به الأمر أن حاز بجدارة على وصف نائب عام "طيب"، لكنه عديم الشخصية.

وبمثل ذلك استطاع أن يحافظ على موقعه كنائب عام لسنوات طويلة. وطالما ظل محافظاً على ولائه الشخصي، ولم تند عنه انحرافات كبيرة كتلك التي تجعله –مثلاً- ينحاز لمهنته الشريفة بما يعرض النظام ومصالحه للمخاطر، فقد ظلت حاجة الرئيس لإقالته غير ماسة. وقياساً على ذلك، يمكن الجزم اليوم أن قرار الإقالة ما اتخذ إلا بعد أن لُمس في ولاء الرجل تغيراً واضحاً، على ذلك النحو الجالب معه للمخاطر. سيما في ظل ظروف حساسة وصعبة، تجعل من الرئيس أحوج ما يكون لأدنى مسئول بهدف الحفاظ على ما تبقى له من مناصرين ومؤيدين بعد أن توالت عليه الاستقالات الكبيرة محدثة تشققات هائلة طالت جدار نظامه، بفعل ما أحدثته الثورة الشعبية المنادية بإسقاطه ومحاكمته.

وإذ يمكن -في عرف النظام- تشبيه تحولات النائب العام السابق، بحدوث تمرد، فهي بالنسبة للرجل ربما تندرج في إطار محاولة –قد تكون متأخرة، نعم، لكنها مهمة- لتصحيح مسار خاطئ، واستعادة سمعة مفقودة. وأياً يكن الأمر، فالنتيجة النهائية تبرز تلك التغيرات وربما أخرى غيرها لم تعلم بعد أمام الرئيس لتبدو ملحة أكثر لتسريع إعفائه من مهامه. ذلك حتى إن كان هذا القرار، في واقع الحال، ينطوي على إثبات واضح من شأنه أن يعزز ثبوت الجريمة لا انتفائها.

تحولات النائب العام 
في البدء، ومع فتح النائب العام ملفات قضايا القتل الجماعي التي اتهمت الأجهزة الأمنية بارتكابها ضد المحتجين، كان البعض يؤمن بما لديهم من خلفيات بحقيقة واحدة: أن الرجل، وكعادته سيُستخدم من قبل النظام كخادم لا كمسئول مهم. وبالتالي فتمييع تلك القضايا وإغلاق ملفاتها في أحسن الأحوال، سيكون والنتيجة الحتمية. ذلك إن لم يحرفها عن مسارها الحقيقي ويفصلها لتتواءم مع رغبات النظام بجعل الضحية هي المتهم مع إعفاء الجلاد. وهذا هو بالفعل ما ظل الرئيس يكرره في خطاباته –عقب كل جريمة– بتحميله تلك الجرائم على شباب الثورة، ما كان يفهم سلفاً على أنه توجيه موجب لمسار القضية.

غير أن حقائق أخرى بدأت تتكشف تباعاً كانت تسير بعكس تلك التصورات السابقة. كانت البداية في 24 فبراير حين أصدر مكتب النائب العام بلاغاً صحفياً "بشأن حماية المشاركين في الاعتصامات والمسيرات السلمية". وجهت النيابة "رؤساء ووكلاء النيابات العامة في عدد من المحافظات بمضاعفة جهودهم في سبيل تجسيد أحكام النصوص القانونية التي تكفل حماية حقوق وحريات الأفراد وذلك من خلال سرعة التحقيق قي الشكاوى والبلاغات التي ترد إليهم عما يقع من أفعال معاقب عليها قانوناً تقع على المشاركين في المسيرات والاعتصامات السلمية مهما كانت اتجاهاتها السياسية".

وفي البلاغ ذاته، أهاب مكتب النائب العام بوزير الداخلية ومدراء أمن المحافظات وجميع منتسبي وزارة الداخلية التزام التعليمات العليا بشأن حماية جميع الموطنين المشاركين في الاعتصامات والمسيرات السلمية. وقال إن النيابة العامة لن تتوانى "عن القيام بواجباتها في التحقيق بالشكاوى والبلاغات التي تقدم إليها عن الأفعال التي تشكل جرائم جنائية".

إلى هنا، قد يرى العارفون أن لا جديد. فمثل هذا يعد إجراء روتينيا مللنا سماعه، إذ يتكرر دائماً على نحو مسف. إذن فتلك لم تكن البداية الحقيقة الواضحة.

مجزرة الكرامة.. التحول يتعزز أكثر
المحامي والقانوني المعروف محمد ناجي علاو –منسق منظمة هود الحقوقية– بدا متأكداً جداً بأن إقالة الدكتور العلفي من منصبه كنائب عام جاء بسبب مواقفه الأخيرة، والتي بدأت بشكل واضح وجلي مع تبنيه الجاد لملفات القتل التي طالت المتظاهرين سلمياً، إلى جانب إصداره تصريحات وبلاغات صحفية مرافقة شكلت إزعاجاً غير متوقعاً للنظام. يعتقد علاو.

وفي اتصال تلفوني معه، بعد ساعات من صدور قرار تعيين النائب العام الجديد، امتدح علاو الدكتور العلفي الذي قال إنه "فتح ملفات جادة في قضايا قتل المتظاهرين سلمياً في المحافظات التي طالتها الاعتداءات، وتولى بنفسه على رأس جهاز يتبع مكتبه الفني التحقيق في قضية مجزرة "جمعة الكرامة" التي حصدت أكبر عدد من الشهداء". ذهب علاو في معرض تفسيره لقرار الإقالة.

في الواقع، بدأ التحول يتكشف بشكل أكبر مع تولي النيابة العامة التحقيق في الجريمة الجسيمة رقم (88) لسنة 2011م، الخاصة بمقتل المحتجين السلميين في ساحة التغيير بصنعاء (جمعة الكرامة 18 مارس)، وهي المجزرة التي راح ضحيتها 53 شهيداً ومئات الجرحى.

في 22 مارس قام النائب العام بنفسه بنزول ميداني إلى ساحة التغيير لمتابعة القضية والاستماع إلى الجرحى والشهود. لكن الصحافة لم تتورع عن نسج خبر انضمامه إلى "ثورة الشباب السلمية"، الأمر الذي اضطره اليوم التالي للنفي عبر وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ".

لكنه في واقع الحال استغل الأمر ليضمن تصريحاته توضيحاً رآه مهما، حين أكد بأن "النائب العام قاض مستقل ولا ينتمي إلى أي تيار سياسي، والسلطة القضائية سلطة مستقلة وفقا للدستور وأن النائب العام نائب عن المجتمع بكل أطيافه السياسية". تلك التصريحات –بحسب علاو- أزعجت النظام، لتضمنها إشارات واضحة بالمنحى الذي ستعمل وفقه النيابة العامة خلال المرحلة القادمة. وقال علاو: "لا شك أن كلمة نائب عام للشعب وليس للنظام تغضب رأس السلطة، بل وكل أعضاء السلطة الموظفين لديه.

بما يعني ضمناً أن مرحلة العمل كخادم للنظام يتوجب أن تنتهي هنا، لتبدأ مرحلة العمل الجدي كـ"نائب عن المجتمع بكل أطيافه السياسية". ولقد فهم رأس النظام الرسالة بالطريقة التي أراد لها النائب العام أن تُفهم، لكنه حاول التغاضي. وربما شعر أنه مازال يمتلك القدرة على تصحيح الخطأ الوارد في تلك التصريحات وفقاً للطريقة التي دأب على استخدامها في الماضي.

لكن النائب العام –السابق– بدا أنه قرر ذلك بالفعل، ليواصل -بعد زمن طويل من الرضوخ الإجباري- السير في طريق شائك لاستعادة ما فقد من مكانته المحترمة في المجتمع. ولاحقاً، عقب التصويت المشبوه لمجلس النواب على إقرار حالة الطوارئ في البلاد، نسبت قناة "الجزيرة" في 2 ابريل للنائب العام قوله إن "إعلان حالة الطوارئ في البلاد غير قانوني ولا معنى له". ما وجه ضربة موجعة للنظام من قبل جهة قانونية معتبرة، لتضعه في موقف لا يحسد عليه بعد أن كان النظام جند الكثير من إمكانياته المادية والعملية والإعلامية لإقرار وتسويغ حالة الطوارئ تلك.

حقائق مازالت تتكشف وتهديد بالاستقالة
مضت النيابة في تحقيقاتها، في قضية "جمعة الكرامة" لتتكشف لها حقائق هامة، ومتهمين جدد فارين من العدالة، كانت النيابة وجهت بملاحقتهم، بيد أن التجاوب كان منعدماً. وفي 11 ابريل، وجه النائب العام رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال طالبه فيها بـ"سرعة القبض على المتهمين الذين ارتكبوا جريمة القتل والشروع في القتل لعدد كبير من المعتصمين" والذي سبق أن وجهت النيابة العامة بملاحقتهم والقبض عليهم للتحقيق معهم وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما ارتكبوه من جريمة نكراء في حق المعتصمين -بحسب الرسالة التي تضمنت طلبا من رئيس الحكومة "توجيه أجهزة الأمن بالتحري والكشف عن هويات أفراد العصابات الملثمة التي اشتركت في هذه الجريمة". واختتمت الرسالة بهذا التهديد القوي: "وفي حالة لم يتحقق ذلك فإن النائب العام سيقدم استقالته من منصبه".

كان الأمر أشبه بقنبلة. ومن وراء الكواليس قيل إن الحكومة حاولت التعامل مع الأمر بطريقة هادئة تجنب التصعيد في محاولة منها لإيقاف تداعياته الخطيرة عند هذا المستوى حين وجهت الجهات المعنية بالتجاوب مع النيابة العامة. لكن الأمر لم يتجاوز الأوامر مع تقديم بضعة مطلوبين صغار، لتجنب الاقتراب من الأسماك الكبيرة. فيما كانت جهات شبحية غير ظاهرة حاولت وضع الرجل في مواقف محرجة منذ توليه ملف القتل. ونشرت أجهزة الإعلام الرسمية تصريحات على لسان الرجل تضمنت توجيه اتهامات مباشرة للمعتصمين في ساحة التغيير بالوقوف وراء ما حدث من قتل للمعتصمين. غير أن الرجل اتصل بالساحة نافياً تلك التصريحات.

وأثناء مواصلة النيابة تحقيقاتها مع بعض المقبوض عليهم، تكشف لها المزيد من الحقائق الخطيرة. وعليه وبحسب بلاغ صحفي صدر بتاريخ 19 أبريل وتضمن تصريحات لمصدر مسئول في النيابة العامة، فإن النيابة أمرت "بالقبض على تسعة عشر متهما فارين من وجه العدالة كشفت التحقيقات ضلوعهم في جرائم القتل التي حدثت. كما تم تكليف الأجهزة الأمنية وأجهزة البحث والتحري بالكشف عن المتهمين المجهولين المساهمين في الجريمة والقبض عليهم وإحالتهم مع محاضر جمع الاستدلالات إلى النيابة العامـة" .وأضاف المصدر: "ولازال يتكشف للنيابة من خلال التحقيقات ضلوع متهمين جدد وظهور أدلة أخرى تعزز ما هو متوفر لدى النيابة". ومرة أخرى طالب البلاغ الأجهزة الأمنية "سرعة القبض على المتهمين المطلوبين الذين أمرت النيابة بالقبض عليهم الفارين من وجه العدالة"، كما وجددت مطالبتها بـ "سرعة الكشف عن هوية المتهمين المجهولين باعتبارهم متهمين أساسيين يجب القبض عليهم لكي يتسنى للنيابة العامة التصرف في القضية بإحالة جميع الجناة إلى المحكمة المختصة لينالوا عقابهم جزاء لما ارتكبوه من جريمة بشعة في حق المجني عليهم".

إيقاف قسري وإقالة خوفاً من التقدم أكثر
في الواقع، جاء البلاغ الصحفي قبل أسبوع فقط من قرار الإقالة وتعيين نائب جديد الخميس الماضي. وبين البلاغ والإقالة حملت الكواليس أسراراً شتى. قيل إن الرئيس أوقف النائب العام عن أعماله في مواصلة التحقيق، بل أشيع أنه وضع تحت الإقامة الجبرية في منزله، بهدف إيقافه عند مستوى تلك المعلومات التي بلغها دون تجاوز حدودها إلى أولئك الذين سماهم البلاغ بذوي "الهويات المجهولة" الذين طالبت النيابة بسرعة الكشف عنهم باعتبارهم "متهمين أساسيين يجب القبض عليهم". حتى أعلنت الإقالة بشكل رسمي بتعيين خلفه، الخميس الماضي.

بالنسبة لـ"علاو" أضفت عليه مواقف النيابة تلك "بإجراءاتها القوية والحاسمة في قضية قتل المعتصمين" شعوراً آخر يتسم بالأمل، وقال "لقد شعرنا لأول مرة بأن النيابة جادة" وأنها "حين وجهت رسائل قوية جداً بدأنا نشعر فعلاً بالاستقلالية إلى حد كبير من خلال جدية التحقيق في هذه القضايا".

ويكشف علاو –جازماً- ما توارى وراء تلك الكواليس، قائلاً "كانت النيابة قد بدأت بالفعل بالتحقيق مع قادة الأجهزة الأمنية (الأمن المركزي، والجهات الأخرى المتهمة)، الأمر الذي شعرت معه السلطة بخوف وقلق بالغين كون التحقيقات اتسمت بالجدية فعلا، وأن الأمر إذا ما ترك له أن يسير على ذلك النحو، فإنه حتماً سيصل إلى رأس النظام باعتباره المسئول الأول سياسياً وجنائياً عن كافة قضايا القتل والإصابات والاختطافات والإخفاءات القسرية التي حصلت في طول اليمن وعرضه"، لافتاً إلى أن ذلك كون رئيس الجمهورية "هو المسئول عن تصرفات وأفعال هذه القوات والجرائم التي ترتكبها أجهزته".

مصير مبارك كابوس مقلق
لقد بات من المؤكد أن الرئيس كان حريصاً بطريقة لا يعيبها أن تكون مكشوفة، توخي مستقبل لا تنغصه الملاحقات القضائية، بتنظيف كل ما يرتبط بهذا الملف نهائياً. وقد يكون من المهم النظر إلى ما حدث –لاحقاً- للرئيس المصري المخلوع وأبنائه من إحالة النائب العام المصري لهم إلى المحاكمة ووضعهم في السجن والمصير الحتمي الذي ينتظرهم، بمثابة كابوس فضيع ينتصب أمام عيني "صالح" ويقض مضجعه. كان المشهد ليس مهيناً فحسب، بل قاسياً ومخيفاً ومن شأنه أن يجعل كل شبيه معرض لنفس المصير أن يحرص ويتوخى الحذر ويضرب أخماساً في أسداس لتجنب الوقوع في المآل ذاته.

بالنسبة لصالح فقد أجهد نفسه كثيراً في هذا الجانب وأصر على أن تمنحه المبادرة الخليجية الأخيرة ضمانات تجنبه محاكمة لاحقة بعد رحيله. بل ولمزيد من الحرص اشترط ضرورة أن يأتي ذلك عبر إصدار تشريعي ينبثق عن اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى قبل يوم واحد من رحيله.

غير أن ذلك لم يكن كافياً وفرض عليه الخوف القابع في أعماقه من حتمية الإدانة والملاحقة، أن قرر إقالة النائب العام، كضمانة إضافية، سيما بعد أن شعر مؤخراً بوجود تغيرات مقلقة وغير مطمئنة في مواقف هذا الأخير، على نحو ما سبق الإشارة إليه.

إن الخطورة تتمثل أكثر بكون المتهمين الرئيسيين في تلك القضايا يتجاوزن ما يسمى بـ"البلطجية" التابعين للنظام، إلى الحرس الجمهوري، الحرس الخاص، الأمن المركزي، الأمن القومي، وهي المؤسسات التي يقف على رأسها جميعاً أبناء الرئيس وأبناء أخيه.

ومن وجهة نظر قانونية فإن "الجرائم التي ارتكبت ليست جرائم جنائية، أو تجاوزات فردية من قبل قادة الأمن والحرس الجمهوري والخاص، بل هي جرائم موجهة تقع تحت مسئولية المسئول الأول عن هذه الأجهزة وهو رئيس الجمهورية". يقول علاو.