الأربعاء، 27 يوليو 2011

ما حقيقية ما يجري في عدن وأبين ؟!


ثمة مجموعة من المعطيات من شأنها تأكيد أن ما يحدث في المحافظات الجنوبية لا علاقة له بتنظيم القاعدة

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مؤخرا، طغى صوت الرصاص والمدافع في محافظة أبين والعمليات المفخخة في محافظة عدن على صوت المتظاهرين الثائرين سليما ضد "صالح" ونظامه الأسري في مختلف محافظات الجمهورية.

إذن، لقد وجد نظام يحتضر منفذا صغيرا يعتقد أنه سيساعد في تأجيل إعلان وفاته وإن لفترة ما. وربما سيتمكن من سبر أغوار اللعبة العالمية وينجح في إطالة أمد المعركة والتشبث بها كطوق نجاة محتمل لتفادي تلك السهام المصيبة التي رمت بها الثورة السلمية، طالما وقد اهتزت السنارة وابتلعت أمريكا طعم تنظيم القاعدة.

الأحد، حقق ما يسمى بتنظيم القاعدة نجاحا آخر، يضاف إلى نجاحاته الكثيرة خلال فترة زمنية مداها الشهران الماضيان. وأعلن أمس الأول أن تسعة جنود قتلوا في محافظة عدن إثر عملية قيل إنها انتحارية منسوبة لتنظيم القاعدة، فيما أصيب أكثر من 23 آخرون. فيما تفيد أنباء رسمية أن عدد الجنود القتلى أربعة فقط، و21 مصابا.

العملية التي تمت بانفجار سيارة مفخخة –وفقا لمصادر أمنية رسمية- كانت استهدفت ناقلة جنود، يتبعون اللواء 31 مدرع أثناء خروجها من بوابة معسكر الدفاع الجوي (معسكر أبو حربة) بمديرية المنصورة. ويقال إن الرتل العسكري الذي استهدف كان في طريقه إلى محافظة أبين للانضمام إلى قوات الجيش (اللواء 25 ميكا) التي تقاتل أعضاء القاعدة هناك.

وتشهد محافظة أبين، منذ أواخر مارس الماضي، مواجهات مسلحة تخوضها قوات تتبع الجيش، مع عناصر متشددة، يقال إنها تتبع تنظيم القاعدة. ومؤخرا أعلن أن قبائل من المحافظة انضمت مع الجيش لمقاتلة المسلحين المتشددين.

ومع أن مواقع تتبع الحكومة أعلنت عقب الحادث أن العملية نفذها انتحاري يتبع تنظيم القاعدة، وصفته بـ "أحد عناصر الإرهاب والتطرف من تنظيم القاعدة"، إلا أن الخبر الرسمي نفسه نسب في نهايته لمصدر أمني في محافظة عدن قوله " إن التحقيقات جارية لمعرفة هوية الانتحاري والجهة التي تقف وراءه، ووراء هذا الهجوم الغادر".

عمليات مفخخة في عدن
بحسب مجموعة أخبار منشورة خلال فترة الشهرين الماضيين، فقد شهدت محافظة عدن مجموعة عمليات فخخت فيها سيارات لمسئولين عسكريين وأجنبي. حيث قتل مسئول الإمداد والتموين في اللواء 31 مدرع العقيد مطيع السياني الذي انفجرت سيارته بعبوة ناسفة في مديرية البريقة في 13 يونيو الماضي، تلاه بعد عشرة أيام فقط انفجار سيارة مفخخة أخرى (في 24 يونيو) استهدفت تجمعاً لآليات عسكرية في جولة كالتكس بمديرية المنصورة.

وبعدها بأيام قتل العقيد خالد الحبيشي، وهو قائد إحدى كتائب اللواء 31 مدرع إثر انفجار عبوة ناسفة زرعت داخل سيارته في أحد شوارع مديرية المنصورة. والأربعاء الماضي قتل الخبير البريطاني الملاحي ديفيد موكيت بعد انفجار سيارته بعبوة ناسفة زرعت في سيارته في أحد شوارع مديرية المعلا.

حتى الآن لم تسفر التحقيقات عن أية نتائج فيما يتعلق باستهداف تلك القيادات العسكرية التي تتبع معظمها اللواء 31 مدرع بقيادة اللواء الركن مهدي مهدي مقولة، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية. وهي المنطقة العسكرية الوحيدة التي لم تعلن دعمها للثورة الشعبية السلمية التي انطلقت مطلع فبراير من العام.

على أن الجزء المشترك في كافة تلك العمليات، أن تنظيم القاعدة ظل هو المتهم الوحيد من قبل أجهزة السلطة، وعلى رأس تلك التهم محاولتها السيطرة على محافظة أبين بعد سيطرتها على العاصمة (زنجبار).

لكن، وإذا كان من المقبول القول إن العمليتين الانتحاريتين (الأخيرة، وتلك التي استهدفت الآليات العسكرية في 24 يونيو) يمكن نسبتها لتنظيم القاعدة كون المنفذ –كما يقال– لقي حتفه فيها وتناثرت أشلاؤه، وهو الطابع السائد الذي يرمز إلى عمليات القاعدة، ليس في اليمن وحسب إنما في جميع أنحاء العالم، فإن العمليات الناجمة عن زراعة عبوات ناسفة (التي لا يموت فيها المنفذ) من شأنها أن تثير الشك، لاسيما وأنها تتطلب تخطيطا وإعدادا ومتابعة ودقة عالية، ناهيك عن حاجتها لمنفذين متفرغين قادرين على الرصد والتحرك بحرية كاملة، وهو ما نعتقد –على الأقل حتى الآن– أن تنظيم القاعدة مازال يفتقده في محافظة مثل محافظة عدن المحاصرة بسياج أمني مع انتشار كبير فيها لقوات الأمن.

أضف إلى ذلك، أن تنظيم القاعدة لم يعرف، لا يكاد يعرف أنه قام بعمليات من هذا النوع في اليمن. ذلك أن معظم عملياته اتسمت اما بتنفيذ هجوم من على بعد باستخدام قذائف محمولة، وإما عبر مواجهات مسلحة واقتحام لمقرات ومؤسسات حكومية، وإما عبر التخطيط لكمائن، أو عبر تنفيذ عمليات انتحارية بسيارات مفخخة.

وما يرفع من منسوب التشكيك والاشتباه بكون تنظيم القاعدة يقف وراء تلك العمليات، عدم إصدار التنظيم –حتى الآن- بيانا يعلن فيه تبنيه لها كما درجت عادته حتى في أبسطها. وقد اعتاد التنظيم إصدار مثل تلك البيانات في مدة زمنية قد تطول أحيانا إلى أسبوعين أو أكثر بقليل، لكنه غالبا ما يصدرها خلال أسبوع واحد، فيما شهدت بعض بياناته استثناءات حين تم إصدارها خلال فترة زمنية أقل بكثير لم تتجاوز اليومين. والسبب في ذلك، كما أبان في أوقات سابقة على مواقعه الإلكترونية، أنه غالبا لا يصدر بياناته –لاسيما في تلك العمليات الصغيرة التي لا تخطط من القيادة العليا للتنظيم- إلا بعد أن يقوم بالتأكد من صحتها من الميدان عبر آلية خاصة به تستغرق تلك المدة الزمنية وأحيانا قد تطول.

كما أن هناك سببا آخر، يعود إلى أن بعض العمليات يقوم بتنفيذها عناصر لا يتبعون تنظيم القاعدة لكنهم قد يتبعون جماعات مناصرة أو مؤيدة لفكر ومنهج القاعدة الجهادي، وهذا الأمر يتطلب التأني والمشورة الداخلية حول إمكانية تبني مثل تلك العمليات –وخصوصا بعد حصوله على تفويض بالتبني من الجهة المنفذة- ما قد يؤخر من عملية صدور البيان.

لكن تنظيم القاعدة –وهذا أمر آخر مهم- لا ينتهج سياسة التبني فقط، بل أيضا يصدر بيانات ينفي فيه علاقته بالعمليات التي تنسب إليه دون أن يكون له علاقة بها. كما حدث مع عملية تفجير نادي الوحدة بعدن في بيانه الصادر في (13 أكتوبر 2010). وهذا ما يجعلنا بالمقابل نشكك ونعتقد باحتمالية أن تكون تلك العمليات الأخيرة المنسوبة إليه، هو فعلا من قام بها، إلا أن ظروفا ما حالت دون إعلان تبنيه لها حتى الآن. ويمكن أن يدخل بضمنها العمليات المسلحة الأخيرة بهدف السيطرة على أبين (حتى الآن لم يصدر تنظيم القاعدة بيان تبن أو نفي لما ينسب إليه من تلك العمليات المسلحة في مديرية زنجبار بمحافظة أبين).

لكن الأمر الأكثر تأكيدا في ذلك كله، أن القاعدة لا تغفل عن إصدار بيانات التبني لعملياتها، على أن هناك استثناءات أخرى قد تفرض عليه منع إصدار البيان لظروف ما، قد تكون أمنية في معظمها، لكنها في نهاية الأمر تصدره وإن لاحقا. أحيانا يحدث ذلك بضمه في إطار تسجيل صوتي أو وثائقي يتبنى مجموعة من العمليات القديمة والحديثة مع تفاصيلها: كما حدث في التسجيل الوثائقي المرئي الصادر في نوفمبر 2010 تحت عنوان "ردع العدوان"، والذي فصل عمليات التنظيم خلال الفترة من 9 رمضان، وحتى منتصف شوال الماضي.

والملاحظ في هذا الفيلم أن القاعدة تبنت مجموعة عمليات سردتها وفقا لتقرير مفصل بالتاريخ، مع أنها لم تكن قد أصدرت بيانات سابقة بتبنيها.

تغيير قواعد اللعبة مع الحلفاء
ظل نظام الرئيس صالح يولي تنظيم القاعدة اهتماما خاصا مبعثه الأساس الاهتمام الدولي به منذ تبنيه تفجير البارجة الحربية الأمريكية (كول) في العام 2000، ليرتفع هذا الاهتمام أكثر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك. وعقب اندماج فرعي التنظيم السعودي واليمني تحت قيادة واحدة مطلع 2009، حظيت اليمن بالمزيد من الاهتمام من قبل المجتمع الدولي، بشكل خاص أمريكا والجارة السعودية.

خلاصة ذلك أن الرئيس صالح استطاع أن يقدم نفسه شريكا وحليفا مهما في محاربة القاعدة بعد أن دفع ضريبة ثمينة بالتخلي عن السيادة الوطنية مانحا الأمريكان صلاحيات واسعة للتدخل في محاربة القاعدة وفق اتفاقيات سرية تمكنهم وتتيح لهم استخدام كافة المحيط الجغرافي اليمني، البري والمائي والجوي، مقابل منحه الدعم المالي واللوجيستي مع تشكيل وحدات يمنية لمحاربة الإرهاب برعاية وتدريب أمريكي إلى جانب تحديث الآلة العسكرية اليمنية الرثة.

لكن، وإلى جانب مجموعة عوامل تتعلق بأسلوب تعامل الرئيس وتلاعبه مع الحلفاء، جاءت الثورة الشعبية اليمنية السلمية، لتحصر "صالح" في دائرة أكثر ضيقا إذ أضعفت قدرته في السيطرة على الحكم. الأمر الذي غير المعطيات لدى الحلفاء الذين يدركون حجم المخاطر التي ستنجم عن الإطاحة بالحليف الاستراتيجي، إلا أن إدراكهم لحجم المخاطر التي قد تنجم عن تشبثه بالسلطة ستكون أكثر كارثية.

وبناء على المعطيات الميدانية، عرف الحلفاء الغربيون والخليجيون أن سقوط صالح بات أمر حتميا، وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا، فتحولوا وفق ذلك إلى انتهاج سياسة واقعية تمكنهم من حجز المكان المناسب لدى الفاعلين الجدد في المشهد اليمني القادم.

ما زالت ضمن الأوراق  
لقد بدأ الحلفاء بإعلان التخلي التدريجي عن حليفهم اليمني اللعوب والمهدد بزوال حكمه. لكن الرئيس ونظامه كان ما يزال ممسكا بخيوط اللعبة الدولية فعمد إلى معاودة اللعب عليها بطريقته محاولا استثارة مخاوفهم عبر تسليم محافظة أبين للمسلحين المتشددين. بدأ ذلك في 28 مارس الماضي حين انسحبت قوات الأمن وحراسة مصنع ذخيرة في مديرية خنفر –محافظة أبين، ليستولي عليها المتشددون الذين يعتقد أنهم يتبعون تنظيم القاعدة بصورة أو بأخرى. 

بعدها، استغرق الأمر قرابة شهرين آخرين للتخطيط من أجل تنفيذ الخطوة التالية. وفي 28 –29 مايو، بدأ الانسحاب الثاني للجيش من عاصمة محافظة أبين (زنجبار) وتسليمها للمتشددين الإرهابيين الذين كانوا قد حصلوا على الذخيرة من الانسحاب الأول إلى جانب الفترة المناسبة للتدريب دون أية مضايقات من أحد ليبدءوا بتنفيذ المرحلة التالية: السيطرة على العاصمة وإعلان أبين "إمارة إسلامية". خلال يومين تم لهم ذلك دون مقاومة من أحد.

المتشددون الذين خلقوا لهم اسماً جديدا هو "أنصار الشريعة" ساروا وفقا للمخطط وكادوا أن يحصلوا على فرصتهم لتنفيذه بكل سهولة لولا أن قيادة اللواء 25 ميكا لم تنصع لأوامر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية (وهي المنطقة العسكرية التي ينضوي في إطارها)، حين دعته للانسحاب وتسليم المعسكر ومعداته للمسلحين.

ومؤخرا استطاع المسلحون المتشددون محاصرة اللواء (25) ميكا الذي لم تجد استغاثته نفعا في وصول الدعم العسكري لفك الحصار عنه مع المدد الغذائي الذي يحتاجه. لكن قبائل تابعة للمحافظة قررت مؤخرا مؤازرة وحدات الجيش الصامدة في الدفاع عن المحافظة ليتم خلال اليومين القليلين الماضيين الإعلان عن إحراز نصر وتقدم في مواجهة المسلحين وطردهم من بعض المواقع التي كانوا سيطروا عليها.

في تلك الأثناء أفادت تقارير صحفية - عظمها أمريكية– أن الولايات المتحدة تشارك في الهجوم ضد الإرهابيين في أبين عبر شن هجمات بين الحين والآخر تنفذها طائرات أمريكية بدون طيار أسفرت بعضها عن مقتل بعض قيادات القاعدة، بحسب ما أعلنته السلطات اليمنية التي قالت إن بينهم "عائض الشبواني"، فيما أعلن -في وقت سابق- عن نجاة "فهد القصع" القيادي في التنظيم المدرج اسمه ضمن قائمة تضم أهم (10) مطلوبين أمريكيا.

التشكيك في طبيعة المواجهات
لم تتأكد حتى الآن دقة تلك المعلومات، لكن الأمر الأكثر وضوحا هنا هو أن الإدارة الأمريكية تبدو سعيدة جدا بهذه الفرصة الأخيرة التي مكنتها من المشاركة في استهداف تنظيم القاعدة. وقبل أسابيع –24 يونيو، مع اشتداد المواجهات في أبين– كتب مدير معهد سياسيات الأمن الوطني في جامعة "جورج واشنطن" دراسة مطولة أوصى فيها إدارة أوباما باستغلال هذه الفرصة المناسبة في اليمن للقضاء على تنظيم القاعدة. وكان اعتبر أن الوضع غير المستقر الذي تمر به اليمن حاليا يمثل فرصة مناسبة لإنجاز هذا الهدف، أفضل من الوضع السابق الذي كانت عليه اليمن، كما لن يكون الوضع القادم أفضل مع طول الفترة الزمنية التي سيستغرقها إعادة بناء اليمن لتستقر من جديد، وبالتالي معاودة الهجوم على القاعدة. فحينها سيكون التنظيم –في نظر الكاتب– قد حصل على وقت كاف للتخطيط والمبادرة. 

في الواقع ثمة تشكيك كبير في أن ما يحدث في أبين هو مواجهات مع تنظيم القاعدة الحيقيقي. وأنه ليس سوى تنظيم قاعدة آخر من صنيعة السلطات.

صحيح أن هؤلاء المسلحين المتشددين أقوياء جدا، لكن معظم الأنباء الواردة من سكان محليين في المحافظة يجزمون أن هؤلاء هم فعلا قوة أخرى. وهي قد تعمل بالفعل وفق أجندة القاعدة الجهادية لكن قياداتها قديمة معروفة وأنشئت في المحافظة منذ زمن طويل تحت نظر السلطة. بل هناك من يؤكد أن تلك القيادات حظيت بدعم ورعاية حكوميين سابقا ولاحقا. وهي قوة ظلت متواجدة ومندمجة –في أحايين كثيرة- مع المجتمع المحلي وتعمل بحرية كاملة ولها معسكرات ومناطق معروفة للسكان منذ فترات طويلة. وقالوا إنها ظلت تظهر بشكل واضح لتقوم بممارسات متطرفة، ومن ثم تختفي -بين الحين والآخر- لتعود مرة أخرى كلما لزم الأمر. لكن ومع ذلك، كان من الممكن ملاحظة أن وجوها جديدة انضمت إليها لترفع من عددها، لاسيما خلال الأشهر القليلة الماضية. بحسب تصريحات عبر الهاتف لمصدر محلي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

ويزداد الأمر وضوحا –ربما- عند الحديث عن أعداد قتلى المسلحين الذين تعلنهم الجهات الرسمية بين الحين والآخر. وهي أعداد تفوق الإحصائيات السابقة لتنظيم القاعدة التي زعمتها الجهات الرسمية في تصريحات سابقة ومكررة. وقال المحلل اليمني المتخصص في شؤون القاعدة "سعيد عبيد" لوكالة رويترز إنه أحصى حوالي 300 من متشددي القاعدة تفيد المزاعم بمقتلهم منذ مطلع العام وهو نفس عدد أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذين تقول الحكومة إنهم يعملون في اليمن.

لكن ماذا يعني أن تورد السلطات الرسمية أسماء لقيادات معروفة في تنظيم القاعدة، قالت إنهم لقوا حتفهم في الهجمات الجوية الأخيرة، بينما أن بعضهم نجا منها؟ وبصيغة أخرى: هل يعني ذلك أن القاعدة تشارك فعلا في أبين؟

يعتقد مراقبون أن تلك التصريحات ليست سوى محاولة يائسة هدفها الإيحاء بأن تنظيم القاعدة هو الذي يعمل هناك، لاسيما بعد أن أثيرت شكوك كبيرة أن العملية برمتها عبارة عن لعبة مرتبة قامت بها السلطة لتسليم المحافظة للمتشددين بغية مخاطبة مخاوف أمريكا. وبالتالي القول إن غياب صالح يعني "سيطرة القاعدة" على البلاد.

ويلقى مثل هذا التشكيك أذانا صاغية، ليس فحسب لكون إعلان الوفاة جاء مباشرة عقب الضربة الجوية (أمر مثل هذا يتطلب وقتا للتأكد منه بحسب طبيعة المواجهات لاسيما في الضربات الجوية)، بل لكون القيادي في القاعدة "عائض الشبواني" الذي قالت السلطات إنه لقي حتفه الأربعاء الماضي (20 يوليو) كانت قد أعلنت مقتله في وقت سابق ضمن غارة جوية في يناير كانون الثاني 2010م. كما أن المدعو "عواد الشبواني" الذي قالت إنه قتل إلى جوار "عائض" الأربعاء في أبين، كانت قد أعلنت عن مقتله هو الآخر في 2009م.

مؤامرات واتهامات 
لم يكن ما سبق فقط هو مبعث التشكيك الوحيد في طبيعة المواجهات في أبين، وكنه الجهة التي تسعى للسيطرة على المحافظة، بل ثمة أمر لا يمكن أن يداخله الشك بأن الأمر يسير وفق مخطط تقف وراءه السلطة لغرض في نفسها (هذا الغرض سبق وأن أشرنا إليه وهو: مخاطبة مخاوف الغرب من قوة القاعدة وتصاعدها لاسيما بعد غياب صالح).

فاللواء 25 ميكا الذي وضع نفسه في موقف المدافع عن المحافظة رغم التوجيهات والأوامر التي تلقاها بالانسحاب، تكشف قياداته عن وجود مؤامرة لتسليم السلطة للمتشددين. حيث كشف مسئول عسكري كبير في هذا اللواء، في تصريحات أدلى بها السبت الماضي لموقع «المصدر أونلاين»، أن هناك «تواطؤاً ومؤامرة ضد اللواء".

واتهم قائد المنطقة الجنوبية اللواء مهدي مقولة وقيادات بوزارة الدفاع بالضلوع فيها بهدف إسقاط محافظة أبين بأيدي مسلحين متشددين. وقال المسئول العسكري الذي تحدث عبر الهاتف طالبا عدم الكشف عن اسمه "إن الإمدادات العسكرية والغذائية التي طلبها اللواء من قيادة المنطقة الجنوبية لم تصل حتى الآن". بل أكثر من ذلك، كشف عن تلقيهم أوامر عليا تأمرهم بالتوقف عن مواجهة المسلحين، وقال "على العكس لقد طلب منا ترك المعركة وعدم مواجهة المسلحين"، مؤكدا أنهم وخلال هذا الشهر فقط طلب منهم مرتين "تسليم اللواء بعتاده وتجهيزاته العسكرية والأفراد إلى المسلحين... الانسحاب وإخلاء الموقع وتركه للمسلحين".

بل يقول المسئول العسكري إن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية التي يتبعها هذا اللواء، كان قد رفض قبل أسبوعين طلبا تقدمت به أمريكا إلى الحكومة اليمنية أعربت فيه عن استعدادها لتعزيز اللواء (25) بالمواد الغذائية والعتاد العسكري الذي كان من ضمنه "طائرات مروحية".

ومع أنه أكد بعض المعلومات التي قالت إن ثمة ألوية عسكرية أرسلت للوقوف معهم، إلا أنه أوضح أن تلك الألوية" لم تستطع دخول مدينة زنجبار.."، مبينا أنه "كلما اقترب الحسم جاءت أوامر بالتراجع والانسحاب إلى الخلف".

وبحسب موقع المصدر أونلاين، فإن تصريحات المسئول العسكري هذا تزامنت مع دعوات قبائل أبين وجهتها لقيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة والمنطقة الجنوبية وطالبتها بـ"الكف" عن ما أسمته بـ"التآمر على اللواء"، كما طالبتها بـ"الوفاء معه وإلى ضرورة الحسم السريع".

تساؤلات معلقة
وإلى جانب ذلك كله، تبقى ثمة أسئلة ملحة يتوجب البحث عن إجابة لها، على شاكلة:
- لماذا لم تشارك وحدات مكافحة الإرهاب التي دربتها أمريكا في المعارك في أبين حتى الآن؟ مع أنها –كما قيل– شاركت في حملات أخرى ليس لها علاقة بمهامها التي أنشئت ودربت لأجلها؟

- لماذا لم يقو عود القاعدة إلا في إطار ومحيط المنطقة العسكرية الجنوبية التي تعتبر هي المنطقة الوحيدة التي لم تعلن تأييدها للثورة الشعبية السلمية؟

- لماذا بدأت القاعدة بالظهور والتصاعد في محافظة أبين لاسيما بعد أسابيع قليلة من تعيين اللواء صالح الزوعري -نائب وزير الداخلية- محافظا للمحافظة؟

وسيكون من المهم هنا الإشارة إلى أن الزوعري، عين في هذا المنصب الجديد في 3 مارس، أي قبل أسابيع ثلاثة تقريبا من استيلاء المسلحين المتشددين على مصنع الذخيرة في المحافظة في 28 مارس.

ويذكر أن الزوعري كان عين مشرفا على الحملة الأمنية العام الماضي 2010م ضد عناصر تنظيم القاعدة في مدينة لودر بمحافظة أبين, ومشرفا على الخطة الأمنية لبطولة خليجي 20 نهاية العام 2010).

وفي الأخير ثمة سؤال يفرض نفسه يتعلق بالهجوم الأخير –الأحد الماضي– على ناقلة الدبابات العسكرية التي كانت متجهة إلى أبين لدعم اللواء 25 ميكا، وهو:

- من أبلغ الإرهابي منفذ العملية أن حاملة الدبابات تلك ستخرج في مثل ذلك الوقت الباكر (8 ونصف صباحا) ليكمن لها جوار بوابة المعسكر؟

السبت، 23 يوليو 2011

لهذا يجب العودة إلى نقطة الصفر الثورية


تفاصيل بسيطة لم نأبه لها فعملت عملها في تأخير التحول السياسي المنشود

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
"يكمن النجاح من الانتقال من فشل إلى فشل، بعدم فقدان الأمل". ونستون تشرشل

للنظر في أسباب تأخر الثورة اليمنية عن إنجاز أهدافها في إحداث التحول السياسي المنشود -حتى الآن بعد قرابة ستة أشهر من انطلاق الثورة- خاض الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين في الداخل والخارج في مجموعة أسباب كان على رأسها العامل الخارجي ممثلا بالتدخلات الخارجية، بينما اعتبرت أحزاب المعارضة اليمنية (ممثلة بتحالف اللقاء المشترك) أحد أبرز العوامل الداخلية.

وإلى حد ما، فإن تلك التفسيرات، أو لنقل الفرضيات، تقف فقط على أجزاء من الحقيقة، غير أنها ليست الحقيقة كاملة. بل إنه، ومن منظار تاريخي بحت، تكاد التجربة العالمية أن تؤكد لنا أنه ما كان لأي ثورة شعبية واضحة الهوية لأن تفشل بسبب من تدخل عوامل خارجية أو حتى داخلية –من تلك الشاكلة– ما لم تكن ثمة عوامل داخلية أخرى قد ساعدت على ذلك، لعل أهمها ترتبط بـ: باليئة الثورية نفسها، وثقافة مكوناتها الإيديولوجية، والتي غالبا ما تخلق قاعدة قوية للتباينات القاتلة، وتعمل كمعيقة لعملية توجيه وإدارة مسار الفعل الثوري.

ثمة عوامل جوهرية، كان من الضروري التركيز عليها –وهو ما يحدث غالبا– لتفسير وتحليل الأحداث، كونها تفرض نفسها بقوة على السطح. وإن كان ذلك يحدث بفرض أهميتها في السياق العام، إلا أنه من النادر التركيز على أنه فعل "لاشعوري" مبعثه تلك السهولة لبلوغ تلك العوامل بشكل أسرع من غيرها. على أن مثل ذلك يحدث -معظمه- على حساب التفاصيل الصغيرة. تلك التي قد لا يكون من المهم التوقف عندها، ربما لكونها معلومة ومدركة في سياق حياتنا اليومية بحيث أصبحت جزء لا يتجزء منها، لكنها في حقيقة الأمر قد تحوي في عمقها على تلك التفاصيل الأكثر أهمية, والتي بها تكتمل أجزاء الصورة، وبدونها تكون إحدى أو أجزاء من حلقات السلسلة مفقودة.

• الجندي والصوفي في مواجهة الثورة
وهنا، إذا ما توقفنا عند الحالة اليمنية سيكون لزاما علينا إعمال وتفعيل تلك التفاصيل البسيطة –لا المعقدة– حتى يتسنى لنا استكمال أجزاء الصورة واكتشاف الحلقة/الحلقات المفقودة لاستكمال ربط حلقات سلسلة المسار الثوري.
بداية، يمكننا المقارنة بين مشهدين مختلفين، بسيطين لكنهما قد يحملان تفاصيل مؤثرة في سياق مسار الفعل الثوري. لعلنا جميعا، أو معظمنا تابع وشاهد بعض تصريحات عبده الجندي، وأحمد الصوفي، وغيرهما من متحدثي النظام القائم، على الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة. وأستطيع أن اجزم –وهذا ربما شأن الكثيرين مثلي- أن معظم تلك الشطحات والأكاذيب التي سيطرت على تصريحات تلك الآلة الإعلامية السلطوية، مع ما اكتنفتها من تناقضات وتباينات إلا أن مبعثها الرئيسي لم يخل من محاولات مستميتة لخدمة "ولي النعمة" رئيس النظام، ربما أكثر من خدمة النظام نفسه.

لكن، بالمقابل، يستطيع مراقب قريب من الساحات أن يكتشف بسهولة أن مجموعة من تلك التباينات والتناقضات التي سيطرت على تصريحات بعض القيادات الشبابية التي تتبع بعض الائتلافات والتكتلات الثورية، كانت معظمها، ربما، تعكس صراعا داخليا مبعثه الانتصار، إما لأيديولوجيات مسيطرة، وإما للنفس المتضخمة، في ظل بيئة سلبية من تباينات بينية نشأت على خلفية صراع الأشخاص أو التكتلات للسيطرة أو الاستئثار على توجيه المسار الثوري.
لم يكن الأمر عبارة عن تنوع حميد وتسابق إيجابي من شأنه العمل على تنوع وتعزيز وتقوية الفعل الثوري، كما كان يفترض، أو يتمنى البعض أن يكون كذلك. بل كان في معظمه أشبه ربما بـ"سلوك صبياني" لم يقتصر فقط على محاولة لفرض الهيمنة والتأثير، أو بهدف التذكير بقوة طرف على آخر، أو شخص على شخص، أو حتى مجرد ردة فعل طبيعية لبعض شخوص التأثير في المسار الثوري، بل وصل الأمر لإعلان العداء الواضح، وأحيانا الانتقام، وأكثر من ذلك: التآمر والتدمير. فكان شخص ما أو تكتل ما –على سبيل المثال– يعمد إلى إصدار بيان ما، ينسف فيه فعل أو نشاط أو دعوة لنشاط ما أعلنه الطرف الآخر المنافس الذي يكون غالبا بمثابة العدو الأقرب، مع أنه لم يكن هو الخصم أو العدو المفترض. وتوغل الصراع من إعلان طرف ما لمشروع يحدد معالم، أهداف، توجهات، وتكتيكات الثورة، إلى إعلان الطرف الآخر مشروعا آخر بتفاصيل أخرى، غالبا ما يتوخى خلاله نسف مشروع الطرف الآخر. حتى إن البعض كان يتبنى ويجاهر بالدعوة لفكرة الحسم الثوري عبر الزحف، لكن حين يبدأ الطرف الآخر بالتنفيذ على أرض الواقع، تنهال عليه الاتهامات التي تحمله تبعات ونتائج ما أقدم عليه. وعلى هذا فقس.

وفيما كانت مثل تلك التفاصيل السالبة تعتمل في الوسط الشبابي الثوري، وتتغول في جسده يوما عن آخر، كان لافتا أن القيادات العليا لتلك الإيديولوجيات، ظلت تنجح -غالبا- في إظهار تماسكها وتوافقها حول معظم تلك التفاصيل الصغيرة، ممتصة كل ما يند عن الأتباع المتحمسين. ولقد ظل ذلك يحدث حتى وقت متأخر من المسار الثوري، وتحديدا إلى ما قبل أسابيع قليلة من الآن، قبل أن تتعرض حالة التماسك البيني "المزعوم" لتشققات حملت معها إلى السطح تباينات ربما لم تكن أشد قوة مما يحدث في القاعدة، لكنها هنا تبدو أكثر تأثيرا على مبادئ الفعل الثوري. وحتى مع أن ذلك حدث من قبل أطراف قيادية محدودة، إلا أنه كان متوقعا ومنتظرا حدوثه، لاسيما أن البعض كان يدرك أن بعض تلك القيادات كانت تقوم بالدور ذاته ولكن بطريقة غيرة مباشرة عبر التسريبات وتغذية الصراعات والتباينات بين الأنصار، لتحقيق أهداف معينة، أو لفرض مواقف يفترض أنهم عجزوا عن فرضها في إطار النقاشات الداخلية أو خسروها أثناء التصويت في إطار ما يفرضه العمل التنظيمي التوافقي المنظم.

أثناء ذلك، كان الجندي، الصوفي، اليماني، والشامي، وغيرهم من ألسنة النظام، يعملون تباعا على معالجة أخطائهم بمحاولة تفادي تكرار التناقضات، والتذاكي في منهجة كذبهم وشطحاتهم لجعلها أكثر قبولا وتأثيرا.

ومؤخرا أثبت الجندي مدى قدرته الاستفادة من الأخطاء السابقة التي وقع فيها هو سابقا، أو وقع فيها زملاؤه، حين خفف من حدة الشطحات والوعود الكاذبة المتكررة، برفضه –هذه المرة، في آخر تصريح له- تحديد يوما بعينه لعودة "رئيسه" إلى اليمن بقوله "الرئيس بصحة جيدة وسيعود قريبا. فهو لا يزال بانتظار نصيحة الأطباء"، رافضا تأكيد شائعات تحدثت عن عودته الأحد أو الاثنين الماضيين وقال ردا على سؤال بهذا الخصوص: "لا أستطيع أن أؤكد ذلك".

في هذه الأثناء، كانت شخصيات قيادية في أحد ائتلافات الثورة، تتعرض لهجوم شرس من نظرائها في الساحة على خلفية مبادرتها بإعلان تشكيل مجلس انتقالي وطني حددت شخصياته بدون تشاور مع بقية الائتلافات الأخرى. بل حتى إنها لم تأخذ مسبقا رأي أو موافقة تلك الشخصيات التي وقع عليها الاختيار لقيادة هذا المجلس. ومع أن الفكرة بحد ذاتها كانت محل إجماع وتداول كبير، وتحظى بمطالب واسعة، إلا أن الجهة التي قامت بها يعتقد أنها مثار سخط كبير، كما أن توقيت الإعلان، ناهيك عن الجدل الذي تفرضه تلك الشخصيات التي تضمنتها قائمة المجلس، قد يعرض الفكرة للفشل.

إذ فيما رأى البعض الخطوة على أنها تسرع غير مدروس، وجاء فقط كمحاولة لاستباق أحزاب اللقاء المشترك (الذي أعلن قبل أيام مشروعا بهذا الخصوص)، يعتقد آخرون أنها ربما محاولة لإفساد ما عزمت على القيام به بعض الائتلافات الأخرى التي أكدت قبلها بأيام عن نيتها الإعلان عن مجلس انتقالي خلال أيام. لم يقتصر الأمر على الرفض العملي للإعلان بشكل صامت أو حتى الهادئ المتعقل، كما تفرضه أدنى معايير الالتزام بمبادئ التعاملات البينية في إطار أي شراكة قائمة على التعاون المفترض لتحقيق أهداف مشتركة، بل لقد تعدى البعض ذلك، إلى التسخيف، التشكيك، التخوين، وكيل تهم العمالة والتورط في تنفيذ مؤامرات خارجية وداخلية.. الخ.

ما سبق، ربما، يكشف عن ترسخ اختلالات معقدة في بنية قيادة الفعل الثوري الذي يعد أحد أهم أسباب نجاحه أو فشله وجود أو عدم وجود قيادة تنظيمية موحدة ومنسجمة تخطط وتقود الفعل الثوري لتحقيق أهدافه بفاعلية أكبر وتكاليف أقل.

ومثل هذه التفاصيل التي قد تكون في نظر البعض صغيرة، مفضلين تجاوزها لمصلحة الثورة، مقارنة بأسباب أخرى أكثر أهمية، إلا أنها مع ذلك تعد –في نظري– من أحد أهم الأسباب التي يمكن النظر إليها على أنها أخرت قطف الثمار في إحداث التحول السياسي المنشود حتى الآن.

• توحيد القيادة والشروع في التخطيط 
ثمة قاعدة عملية شهيرة مفادها "أن التركيز على النوايا وحدها لا يكفي، بل يجب أن يتم التركيز على القدرات أيضا".
يؤمن البعض أنه طالما امتلكت الثورة قوتها من حاجة حقيقية، واستمدت زخمها من إرادة شعبية راسخة، فإن الثورة تضمن استمراريتها. في الواقع، قد يكون ذلك صحيحا، بيد أنه لا يكفي لضمان تحقيق النجاح. الثورة –مثلها مثل أي شركة– كما أنها تكون بأمس الحاجة لترسيخ واستثارة العامل المعنوي، فإنها لا تنجح ما لم يترافق ذلك مع تخطيط سليم وكفاءة عالية لإدارة القدرات. الأمر بحاجة إلى إدارة قوة تلك الحاجة، وتوجيه زخم تلك الإرادة الراسخة وترجمتها في إطار استراتيجية كبرى واضحة وشاملة. وبمعنى آخر: وضع مخطط عام يتضمن الأهداف العامة ورفدها بتكتيكات وأساليب ووسائل مدروسة ومرنة توصلنا إلى تحقيق الأهداف بأقل التكاليف. إنه النجاح في ما يسمى بإدارة الموارد البشرية وفقا للموارد والقدرات المالية المتاحة.

وتكمن أهمية التخطيط، من خلال المبدأ القائل: "بدون تخطيط، فالنجاح هنا يتعلق بالحظ فقط". على أن هذا المبدأ يكون عدما ما لم تكن هناك قيادة موحدة تقوم على رسم الخطة، بداية، وتاليا تعمل على إدارة العملية بالتنفيذ والإشراف والمتابعة وفقا لما تتطلبه من تقسيم على مراحل وتوزيع الأدوار لكل مرحلة.

إن غياب القيادة الموحدة والكفوءة، تعني نتيجته الطبيعية: تشتت وتناثر القدرات المتاحة التي قد تزخر بها مكونات الفعل الثوري كل على حدة. الأمر الذي يعمل عمل التروس المتضادة في الآلة. وإن الترس الذي يدور إلى الأمام يوقفه ويعيقه ترس آخر يدور إلى الخلف. وهو ما يعني تعطل الآلة وتوقفها عن الإنتاج.

هذا بكل وضوح، ودون مواربة، هو ما يحدث ببساطة، في حالة الثورة اليمنية. لا يتعلق الأمر برمته بالعامل الخارجي المتآمر على الثورة، بقدر ما يتعلق بداية بأنفسنا نحن. وإذا كان هناك اليوم –بعد مرور ما يقارب الأشهر الستة– من يعتقد أنه سيكون من الصعب إعادة النظر وإصلاح الوضع، لاسيما بعد كل هذا الخراب، فإن الفرصة دائما ما تزال مواتية. فقط نحن بحاجة إلى التفكير أكثر بمصالح المجموع لا الجزء، التفكير أكثر بما سيكون عليه المستقبل المشرق فيما لو نجحت الثورة سواء تأتى ذلك بواسطتنا نحن أم بغيرنا، مقارنة بالحاضر المؤلم، والمستقبل الأكثر إيلاما فيما لو فشلت الثورة بسببنا.

وما لم يكن ذلك ممكنا، بأي حال من الأحوال، فسيتوجب على الطرف القوي أن يتحمل مسئوليته التاريخية بعيدا عن العواطف المعيقة أو سياسة المراعاة القاتلة، حتى لو تطلب منه الأمر أن يقسو على كل من يقف في طريق إحداث التحول عطفا على أي سبب من الأسباب بما فيها التعمد والقصد أم حتى "حسن النوايا" القاتلة.

وحتى يتحقق ذلك، علينا أن ننتقل إلى الخطوة التالية، وإن بشكل فردي طالما كان العمل الجمعي مستحيلا حتى هذه اللحظة. والتالي هنا هو: الشروع في العمل ورسم المخطط العام بشكل واضح. وسيكون علينا –هنا- ضرورة التوقف مليا لتقييم الحالة التي وصلت إليها الثورة حتى الآن.

علينا أن ننظر إلى الحالة على هذا النحو: طالما كانت هناك ثورة يقوم عليها ثوار يحملون نوايا عميقة للتغيير، لكنها وفي الوقت الذي توافرت فيه معظم عوامل حدوثه، لم تحقق هدف التحول المنشود، فالتوقف للتقييم سيكون معناه أن نعترف بداية بأن العملية بدأت بشكل عشوائي وغير مخطط له, لقد كان ذلك نتيجة محاكاة أو استلهام مفاجئ لحالة أو حالات ناجحة خلقت انطلاقة قوية لكنها توقفت عند مستوى معين من الإنجاز.

في مثل هذه الحالة سيتطلب الأمر إعادة ترتيب الأوراق من جديد. وقد يتطلب ذلك العودة إلى نقطة الصفر "نظريا"، وليس تراجعا حقيقيا على أرض الواقع، إنها عملية افتراضية على الورق تستلزم إعداد مخطط تفصيلي لتحقيق النجاح. وسيلزم ذلك دراسة الحالة وتحليلها وفقا لإحدى طرق أو أدوات التقييم المعروفة وأشهرها تحليل (SWOT). وهو تحليل يعتمد على دراسة: نقاط القوة، والضعف، والفرص، والتهديدات. مثل هذه العملية تعتبر ضرورية قبل الشروع في أي نشاط على أرض الواقع. ولذلك علينا افتراض أننا سنبدأ العملية من بدايتها بتلك الطريقة التحليلية ولكننا هنا سنأخذ بالاعتبار الحالة المنجزة وما تحقق خلالها حتى هذه اللحظة، وضمها إلى التحليل في إطار المعايير الأربعة السابقة.

إن هذا سيساعدنا على وضع وتحديد الاستراتيجية التالية التي تتبع الاستراتيجية الكبرى وهي هنا: إسقاط النظام، ومن ثم نحدد التكتيكات، أو الأنشطة العملية المدروسة والمزمنة التي توصلنا إلى تلك الغاية.

ومن الطبيعي أن يدخل في ذلك: الأخذ بعين الاعتبار "الوضعية الحالية التي سيتم فيها تطبيق المخطط". وحتى تكون الخطة ناجحة سيتطلب الأمر التوقف عند آخر نقطة لـ"الوضعية الحالية التي وصلنا إليها" للتركيز على نقاط القوة لتعزيزها، ونقاط الضعف لتجاوزها في إطار المخطط العام الجديد.

وهنا، في الثورة اليمنية سيكون الأمر الأكثر أهمية –ربما من وجهة نظري- بالنظر في كيفية تحويل نقطة الضعف المتمثلة بتعدد القيادة وتشتت الجهد الجمعي، إلى نقطة قوة عبر "توحيد الجهد المجتمعي الجماهيري" في إطار عمل تنظيمي موحد لتنفيذ المخطط العام وتكتيكاته. أي بمعنى آخر: تجميع القدرات بتوحيد جهود وأنشطة المقاومة المشتتة. أو –بالعودة إلى تشبيه الآلة: تحديد وحهة كل ترس من تروس الآلة بحيث يعمل كل منها على رفد الآخر، لا إعاقته وتدميره.

• دراسة استراتيجية الخصم 
وبفرض أن إنجاز المخطط العام تحقق وفقا للتوقيت المحدد لإنجازه، سيكون من المهم تضمين التحليل والدراسة أموراً أخرى تتعلق بتلك التفاصيل الخارجية التي ساعدت على منح الخصم (النظام وبقاياه) قوة الفعل والمواجهة والاستمرار، وذلك بهدف وضعها في سياق المواجهة المطلوبة لتحقيق النجاح.

وقد تعتبر مجموعة أخرى من التفاصيل البسيطة والدقيقة لكيفية عمل الخصم من الأمور المهمة التي لا يفترض إهمالها في سياق البحث عن أسباب تأخر الحسم الثوري ووضعها في السياق العام للاستراتيجية الثورية المفترضة.

وفي هذا الجانب ثمة أمر يتجاهل البعض أهميته كواحد من معيقات الحسم الثوري وهو: وجود أنصار للنظام لا يمكن تجاهل تأثيرهم هكذا بإفراد التركيز على المؤسسة العسكرية فقط. هؤلاء يمكن تقسيمهم إلى: 1- منحازون إلى الرئيس ونظامه بسبب مصالحهم السياسية والحزبية وكثيرا ما يدخل في إطارهم أولئك المتمصلحون من نفوذهم الحزبي والحكومي. 2- منحازون تحت قيود جغرافية مناطقية أكثر من كونه انحيازا متعقلا. 3- منحازون بفعل الضغط الاجتماعي: ويستغل هؤلاء مشايخ ذوو مصالح مالية ونفوذ وجاه يتمتعون بها من بقاء النظام. 4- منحازون بفعل العامل الاقتصادي، والمصلحة: وهؤلاء معظمهم يتحصلون على أموال الرعاية شبه الدائمة من قبل رموز في النظام والحزب الحاكم في الحارات والدوائر والمديريات. 5- منحازون عن جهل وغواية: وهؤلاء يقعون تحت تأثير آلة إعلام سلطوية تمارس الغواية العاطفية بالدجل والتضليل.

ولقد مارس الحزب الحاكم سياسة أخرى على مستوى التكوينات الاجتماعية الصغيرة مثل الحارات –وهذه تبرز في صنعاء أكثر من غيرها– وذلك من خلال تأزيم الحياة العامة مستخدما العامل الاقتصادي: إطفاء الكهرباء، انعدام الماء، انعدام الوقود، انعدام الغذاء..الخ. وبالتالي ارتفاع أسعار كل تلك الاحتياجات اليومية الضرورية. وعبر تكويناته التنظيمية وعقال الحارات التابعين والموالين عمد إلى استغلال تلك الظروف لمصلحته وفقا لسياستين:

الأولى: تقديم أموال الرعاية لكسب مجاميع معظمهم من فئة الشباب العاطلين في الحارات. ولقد لوحظ تشكل تكوينات أشبه بالعصابات في معظم الحارات في صنعاء، يوالون ويصدحون بولائهم للرئيس والنظام بصوت متحد مدعوم. وبهذا أمكنهم تحقيق غايتين: الإبقاء على صوت مرتفع داعم للرئيس والنظام في حواريهم، وتخويف سكان الحارات من العمل الداعم للثورة.

أما السياسة الأخرى: فقد تم منح بعض تلك المجاميع والتشكيلات –مع عقال الحارات والمسئولين الحزبيين النافذين- صلاحيات ونفوذاً عبر توزيع المواد الغذائية الضرورية للأسر المناصرة، إلى جانب توزيع مادة الغاز بأسعار حكومية، وكذا بيع النفط والديزل بعد توفيره لهم بسهولة، لدرجة أن تحول بعضهم إلى سماسرة معروفين في مناطقهم لبيع تلك المشتقات النفطية والتكسب من ورائها.

• تساؤلات بحاجة إلى إجابة، وقانون "نورفي" كمحفز
وعليه، سيكون لزاما على استراتيجية الفعل الثوري التوقف للإجابة على التساؤلات التالية:
- كيف يمكنك مواجهة تحديات خصمك الملحة لتجاوز المعيقات الخارجية؟
- ما هي قدرات الخصم التي تؤثر على نجاحك؟ وكيف تعمل على تحويلها لمصلحتك ما لم فإضعافها؟
- كيف يمكنك توصيل رسالتك لسكان الأرياف والمناطق البعيدة؟
- كيف يمكنك تنويع رسالتك ليفهمها الجميع: المثقفون في المدن، المزارعون، سكان الأرياف والمناطق النائية، والمنظمات الدولية..الخ؟

- هل يمكنك معرفة الأسباب التي جعلت البعض يواصلون مساندتهم للنظام، وبالتالي: صياغة رسالة خاصة تغير قناعتهم؟
- هل درست أسباب عدم قدرتك الوصول إلى الجنود المساندين للسلطة؟ ما هي استراتيجيتك للوصول؟ وما هو الأسلوب أو التكتيك الذي ستستخدمه للتأثير عليهم؟

وعلى ضوء القاعدة القائلة: "إن الحقائق لا تتحدث عن نفسها، بل عندما توضع في السياق يمكن الحصول على معنى.."، سيكون من السهل –في ظل السياق العام للتقييم– الإجابة على تلك التساؤلات ووضع الحلول المناسبة وفقا للتكتيكات التي يتطلبها كل محور من تلك المحاور.

وحتى لا يشكل العمل المنظم عائقاً لدى البعض بالنظر إلى صعوبة التنفيذ، أو اليأس من طول الوقت المطلوب لبلوغ الإنجاز، وبالتالي العمل على حرق المراحل والقفز على الاستراتيجية، فإنه وفي إطار التحفيز على الاستمرار في العمل، ثمة مجموعة من النصائح يساعدنا قانون "نورفي" على استلهام معانيها العميقة وتمثل حقائقها، وهي:
- أن لا شيء سهلٌ كما يبدو.
- أن كل شيء قد يستغرق وقتا أطول مما كنت تعتقد.
- قبل أن تشرع في شيء ما، يجب أن تنهي أشياء أخرى أولا.

الأربعاء، 13 يوليو 2011

مابين غياب الرئيس وظهوره.. هل ينجح «برينان» فيما فشل فيه «فيلتمان»؟


غاب الرئيس عن المشهد فأرسل اوباما "فيلتمان" الذي عاد خائبا. واليوم ظهر صالح، فأرسل "برينيان"..فهل يعود كما عاد سابقه؟ أم أن الظهور – بعكس الغياب - يقدم فرصة اكبر للإنجاز

المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
لقد ظهر صالح عبر قناة اليمن الفضائية، الأحد (10 يوليو)، ظهوره الثاني بحال أفضل من ظهوره الأول: الخميس (7 يوليو). حسناً إذاً: ما التالي؟


هل يمكن أن يمثل ذلك الظهور فرصة مناسبة لتحريك الركود السياسي القاتل، واستئناف الضغوط الغربية للبدء في إجراءات نقل السلطة؟ أم أن متغيرات جديدة طرأت على موقف الرئيس صالح من شأنها، ربما، أن تؤدي إلى تعديل مضمون الحل السياسي، وفقاً لما يراه هو، وبالتالي تأزيم الوضع أكثر مما هو الآن؟


دعونا نستعرض المؤشرات والدلالات لبلوغ ما يمكن أن يمثله هذا الظهور:
مباشرة، وبعد يوميين من ظهور الرئيس الأول (الخميس)، استقل مساعد أوباما لشؤون الإرهاب جون برينان طائرته إلى الرياض، ليظهر في الصورة إلى جانب الرئيس في ظهوره الثاني (الأحد). كان الأمر، بالنسبة لإدارة أوباما، أشبه بالفرصة التي ظلت بانتظارها منذ شهر ونيف، لمناقشة تفاصيل استقالة حليف انتهت خدمته. فالزعيم الذي قررت واشنطن إعفاءه من خدماته الجليلة بعد 33 عاما من الحكم، وبعد أشهر قليلة فقط من تأكدها أنه لن ينجو من ثورة شعبية تطالب برحيله، اختفى ودخل في فترة علاج طويلة نجا فيها من الضغط الدولي.


فيما احتفت وسائل الإعلام المحلية (الرسمية) بظهور صالح ببدلته الرسمية الأنيقة، قادراً – هذه المرة - على تحريك يديه والانسياب بصدره المحترق، إلى الأمام، وإن ببطء، ليدحض تشكيكات خصومة القائلة بعجزه، كانت الصحافة ووكالات العالمية تركز أكثر على بيان البيت الأبيض الذي كشف أن مبعوث الرئيس الأمريكي طلب من صالح الإيفاء بوعده بشكل فوري وسريع لنقل السلطة سلمياً وفقا للمبادرة الخليجية. وبحسب البيان الصحفي ربطت أمريكا تدفق مساعداتها إلى اليمن بتوقيع وتنفيذ الاتفاق.


ولقد كان من الملاحظ أن وسائل إعلام السلطة تجاهلت بيان البيت الأبيض، حين حاولت تفادي مضمونه بلفت الانتباه للاحتفاء بصحة وسلامة الرئيس.


واليوم التالي (الاثنين)، كان برينان في صنعاء، ليلتقي نائب الرئيس، القائم بأعماله بالإنابة، عبد ربه منصور، ثم بنجل صالح، أحمد علي، في لقاءين منفصلين. وقالت وكالة أسوشيتد برس – مقرها نيويورك – أن المبعوث الأمريكي ناقش في اليمن مسألة نقل السلطة المتفق عليها على ضوء المبادرة الخليجية. لم تقدم وكالة «سبأ» الرسمية أية معلومات تفصيلية حول هذه المسألة. ورفض مصدر في السفارة الأمريكية – في اتصال أجراه المصدر أونلاين مساء الاثنين- الإدلاء بأية تفاصيل، لافتا إلى أن السفارة ستصدر بلاغاً صحفيا هذا يوم الثلاثاء يوضح أهم نتائج زيارة المبعوث الأمريكي. 


وترجح مصادر سياسية خاصة أن يعرض برينان على قادة المشترك تعديلات جوهرية على المبادرة الخليجية على ضوء نتائج لقاءاته مع الطرف الحكومي اليمني، ومعرفة وجهة نظرهم حول تلك التعديلات.


لقرابة أربعين يوما، منذ خروجه إلى الرياض لتلقي العلاج من الإصابات الكبيرة التي لحقت به جراء هجوم 3 يوليو، ظلت الأنباء حول حالة الرئيس الصحية متضاربة. وخلال تلك الفترة شهدت حركة الفعل الثوري في مختلف ساحات الجمهورية حالة عجز لم يسعفها القيام بشيء. ترافق ذلك مع معارضة «مشتتة» القدرة أمام ضغط دولي وإقليمي وفقاً لتحركات متواصلة برزت فيها الولايات المتحدة كفاعل ومهتم رئيسي أكثر من غيرها. بينما كانت المملكة السعودية حاضرة بقوة كفاعل مؤثر في المشهد الجديد أكثر من ذي قبل، مع أنها ظاهرياً لم تكن حاضرة في إطار تلك التحركات الدبلوماسية الأخيرة التي شهدتها اليمن مع خروج صالح.


في الواقع، حضور الجارة الشقيقة في الذهنية اليمنية كفاعل رئيسي مؤثر على القرار السياسي في اليمن ليس بجديد. فهو يضرب أطنابه إلى ما قبل أكثر من 40 سنة. ومن هنا، فإن قرار استضافتها صالح للعلاج، وحرصها على التعتيم الإعلامي حول حالته الصحية، لم يكن هو الأمر الذي رمى بها إلى واجهة المشهد السياسي اليمني الجديد فحسب، بل كان ذلك مرده – أكثر – إلى تلك الحقيقة المؤكدة بأن الرياض تحرص على ترتيب المشهد اليمني القادم في ضوء سياساتها تلك.


وعليه، وضعت الولايات المتحدة والمملكة السعودية، خلال الأسبوعين الأخيرين، على رأس قائمة المتآمرين على الثورة الشعبية اليمنية، في نظر معظم – إن لم نقل كل – مكونات وائتلافات الثوار. وحولت المظاهرات والمسيرات الأخيرة تركيزها باتجاه توصيل رسائل استنكار وتنديد ضد واشنطن والرياض ومطالبتها رفع «وصايتها» عن الثورة، بدلا من تركيزها على مواصلة إنجاز أهدافها لتحقيق التحول السياسي المنشود. وسميت الجمعة الأخيرة (8 يوليو) بـ«جمعة رفض الوصاية». في إشارة إلى رفض ذلك التدخل الخارجي.

• اليمن في أجندة واشنطن والرياض
عقب خروج صالح بأيام، حظيتُ بمقابلة مع مسؤول دبلوماسي غربي رفيع في صنعاء للحديث حول الموقف الغربي وطبيعة التحركات الدبلوماسية. وبعد 20 دقيقة – حددها مسبقا – من تجاذب أطراف الحديث، كان بإمكاني بسهولة اكتشاف حرص وجدية المجتمع الغربي على تنفيذ مبدأ ضرورة «التسريع بنقل السلطة سلمياً». وهي الرغبة التي ما فتئ الوسطاء والدبلوماسيون الغربيون التشديد عليها – سواء أثناء وجود الرئيس، وحتى بعد مغادرته.


بالنسبة لي كان هذا هو الخبر السار. لاسيما وقد أكد لي هذا الدبلوماسي الرفيع – الذي رفض نشر اسمه – أن كافة الأطراف الدولية والإقليمية، ومعها المحلية أيضا، متفقة على هذا الأمر، بمن فيهم الرئيس اليمني نفسه. كان ذلك بعد أيام قليلة جداً من تصريحات نسبت لصالح أكد فيها قبوله التوقيع على المبادرة الخليجية من مشفاه في الرياض.


ومع ذلك، كان ثمة خبر غير سار أيضا. وهو: أن نجاح الأمر يجب أن يرتبط بالحالة الصحية للرئيس. بحسب الدبلوماسي، الذي قال لي أن الشروع بتنفيذ إجراءات نقل السلطة في الوقت الراهن (أي في ذلك الوقت: منتصف يونيو) أمرا صعبا، فحالة الرئيس الصحية – حينها - لا تمكنهم من مناقشة الأمر معه. وقال انه لا يعلم متى سيكون ذلك ممكنا فالأمر متعلق بـ«حالته الصحية».

بعدها بأسبوع واحد، حضرت مؤتمراً صحفياً مصغراً في السفارة الأمريكية لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان. وكان هو الآخر يواصل تكرير المبدأ الغربي، الأمريكي ذاته: «ضرورة التسريع والبدء الفوري بنقل السلطة سلميا في اليمن». وهو المبدأ الذي تردد على مسامعنا منذ أكثر من ثلاثة أشهر تقريبا.

وكان الأمر غير السار هنا، أكثر تطورا: أن «أي قرار تسوية في اليمن أو حل، يجب أن يكون بموافقة سعودية» كونها المتضرر الأكبر من مآلات الأحداث في اليمن. بحسب ما كاشفنا به فيلتمان ردا على أحد الأسئلة.


بالنسبة للرياض، لم تكن بحاجة إلى توضيح حقيقة موقفها الواضح أصلا. عدا تصريح صغير منسوب لوكيل وزارة الخارجية للعلاقات متعددة الأطراف، الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير، قال فيه «إن السعوديين حثوا الرئيس صالح للتخلي عن السلطة في الوقت الذي مازال فيه يحظى بالشرف، بدلا من تركها تحت الخطر والإزعاج» بحسب مجلة «السياسة الخارجية» الأمريكية (الثلاثاء: 5 يوليو). لكن وفي اليوم ذاته (الثلاثاء)، تطرق الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية البريطاني – بشكل مقتضب- للحالة اليمنية، موضحاً ان «المبادرة الخليجية ما تزال قائمة»، في إشارة إلى أن السعودية مازالت تعتبرها حلا «حفاظا على وحدة اليمن واستقراره وتجنبه مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية».

• المبادرة الخليجية مؤخراً
تبدو زيارة برينان الأخيرة، مهمة للغاية كونها، في نظر كثير من المراقبين، من المحتمل أن تضع النقاط الأخيرة على الحروف بالنسبة لمصير اليمن القادم. بالنسبة لتصريحات الجانب الأمريكي، والسعودي، تبدو المبادرة الخليجية– حتى الآن – وكأنها ما تزال هي محور الارتكاز. غير ان دلالات الموقف اليمني - الرسمي – تشير إلى حدوث متغيرات جديدة في المعادلة.


بيان البيت الأبيض حول لقاء برينان بالرئيس، شدد على المبادرة الخليجية، وجعل الموافقة عليها وتنفيذها شرطا لمعاودة تدفق المساعدات الدولية والخليجية. بيد ان التصريحات المنسوبة للرئيس – وفقا لوكالة سبأ الرسمية – أشارت إلى أن صالح اعتبر المبادرة الخليجية إلى جانب مبادرة أخرى جديدة تتبناها الأمم المتحدة، أساسا وقاعدة للحوار. وهذا يعيد إلى أذهاننا تلك المواقف والتصريحات التي ظل الرئيس يتمسك بها إبان صدور المبادرة الخليجية وتعديلاتها خلال شهري ابريل ومايو السابقين، والتي كان الغرب والخليجيون لا يركزون عليها، ليكتشفوا لاحقا انه كان يضع العقبات والعراقيل أمام التنفيذ في اللحظات الأخيرة. واعتبر تقرير لوكالة اسوشيتد برس، الاثنين، أن حديث الرئيس بهذا الشكل (أي النظر إلى المبادرة الخليجية كقاعدة او أساس للحوار) بمثابة الرفض للمبادرة الخليجية.


ومع ذلك، إلا ان المبعوث الأمريكي، وأثناء لقائه الاثنين بنائب الرئيس، أشار إلى انه قد تحدث مع الرئيس «بهذا الموضوع ولمس تجاوباً كبيراً ..» طبقا لوكالة سبأ.


وأكد الأخ نائب رئيس الجمهورية انه قد تم معالجة الكثير من الأمور وصولاً إلى التهدئة الإعلامية والأمنية واللقاءات مع المعارضة بكل أطيافها بما في ذلك الشباب .. مشيرا إلى أن هناك شبه اتفاق على الحوار بأسلوب جاد وبخطة جديدة بما يؤدي إلى الوئام والسلام وتجنيب اليمن المآسي وويلات الحروب. (سبأ).

قبلها بيوم، كان هادي في لقاء مع السفراء في صنعاء، بضمنهم سفير واشنطن، استعرض معهم مستجدات وأفكار الحوار المزمع إجراؤه مع المعارضة معتبرا أن «الخروج الآمن من هذه الأزمة» يأتي «عبر جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار على قاعدة المبادرة الخليجية التي طورت بمبادرة مستشار الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر».

بل وأثناء لقائه الاثنين ببرينان لفت أيضا لوجود مبادرة جديدة. وأشار «إلى أن هناك شبه اتفاق على الحوار بأسلوب جاد وبخطة جديدة بما يؤدي إلى الوئام والسلام وتجنيب اليمن المآسي وويلات الحروب». طبقا لوكالة سبأ أيضا.


يأتي ذلك فيما تداولت وسائل إعلامية في وقت سابق، مؤخراً، وجود مبادرة جديدة ترعاها الأمم المتحدة عبر مستشار الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر. وبحسب المعلومات – التي لم تتأكد دقتها بعد – فإن هذه المبادرة الجديدة تتضمن منح نائب الرئيس صلاحيات الرئيس لمدة عامين، يقول البعض حتى 2013، بينما يظل الرئيس صالح رئيسا فخريا طوال تلك المدة التي يفترض فيها الإعداد لانتخابات رئاسية وتعديلات دستورية وإصلاحات مختلفة.


غير أنه - و بحسب بعض المصادر - فإن المعارضة لم تلتق النائب حتى الآن الذي دعاها لمناقشة تلك الأفكار الجديدة. وفيما يبدو، فقد تلقى المبعوث الأمريكي رؤية الرئيس المتفقة مع نائبه بهذا الخصوص، ومن المرجح ان يكون عرضها الثلاثاء على قادة المعارضة لمعرفة موقفهم.

• مجدداً..عودة الرئيس
عقب ظهوره الأخير بهيئة وحالة صحية أفضل من ظهوره الأول، ترددت أخبار تؤكد رغبة الرئيس بالعودة. وبحسب ما نقلته قناة العربية، الأحد، على لسان مصدر في الحزب الحاكم، فإن صالح يعتزم العودة إلي اليمن يوم الأحد المقبل (17 يوليو) للاحتفال بمرور‏33‏ عاما علي توليه السلطة‏. ونقلت قناة العربية عن المسئول الحزبي، قوله «إن صالح يعتزم العودة إلي اليمن لتوجيه رسالة مفادها أنه لا يزال الرئيس الشرعي للبلاد حتى نهاية فترة رئاسته الحالية في سبتمبر2013» وأضاف المصدر (الذي طلب عدم الكشف عن اسمه) إن صالح سيستكمل عملية تعافيه في العاصمة صنعاء وأن فريقاً طبياً سعودياً سيرافقه مشيراً إلي أن محادثات نقل السلطة في اليمن لن تبدأ قبل عودة الرئيس اليمني إلي البلاد.


يأتي ذلك أمام رفض قوي من شباب الثورة اليمنية السلمية عودة صالح، في الوقت الذي رجحت فيه تقارير لباحثين غربيين وعرب ان عودة صالح لن تكون لمصلحة السلم في اليمن، وان ذلك سيكون بمثابة «إعلان لدخول البلاد في حرب أهلية مدمرة».


وكانت صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرا الأحد، تطرقت فيه للقاء برينان الرئيس صالح الأحد في الرياض. وقال كاتب التقرير ديفيد إي سانجر، أن مبعوث اوباما، جون برينان، الذي عمل في وقت سابق رئيسا لمكتب وكالة الاستخبارات المركزية في المملكة العربية السعودية وكان وسيط الحكومة إلى الزعيم اليمني المحاصر، يعتقد أنه قد حث السيد صالح بعدم العودة إلى صنعاء، عاصمة اليمن.


واستطرد في سياق تقريره، قائلا «السيد صالح لم يكن واضحاً حول متى، أو ما إذا، كان ربما يريد العودة إلى صنعاء. لكن المسؤولين الأميركيين والسعوديين من المحتمل أنهم يحاولون منعه من العودة».


• الخلاصة:
من كل ما سبق، يمكننا استخلاص الآتي:
- إن الموقف الأمريكي يتقدم كثيراً عن الموقف السعودي بالنسبة لمسعاه الجاد في تخليص اليمن من التعقيد الحاصل في معادلة التحول السياسي.
- إن مسالة تقدم الموقف الأمريكي يفرضه الضغط الذي تواجهه الإدارة الأمريكية من النخبة والمجتمع الأمريكي، إلا أن ما يعمل على عدم بلورة هذا الموقف بشكل واضح ويعيق تحقيق الرغبة الأمريكية بنقل السلطة هو ارتباط مصالحها بالموقف السعودي.
- تنظر أمريكا إلى المبادرة الخليجية كحل حقيقي لإخراج اليمن – ونفسها - من المأزق الحالي، لكنها قد تقبل بتعديلات طفيفة عليها تساعد على حلحلة الوضع.


وعليه فإن الحديث حول المبادرة الجديدة (ذات المسعى الأممي) والتي يتبناها الرئيس ونائبه، قد تفرض محاولة جديدة تقوم بها واشنطن لعرضها على المعارضة. ومن المحتمل أنها قد تمارس ضغوطا جديدة على قادة المعارضة للقبول بها، في سبيل الوصول إلى حالة توافق جماعي من قبل السلطة والمعارضة، ما لم فقد وضعت لها خط رجعة بربط المساعدات الدولية والخليجية بالموافقة على المبادرة الخليجية والبدء بتنفيذها.


على أن المهم هنا، أن الأنظار تتجه أكثر صوب واشنطن. ما يتوجب عليها التوقف كثيرا أمام الموازنة بين مصالحها السياسية والقبول الشعبي بها كحاملة لمبادئ التحرر العالمي، وبين مصالحها الاقتصادية المتغيرة زمانا ومكانا. عليها إذن ان لا تخل كثيرا بسياساتها الخارجية، ما يحتم عليها – بالنسبة لليمن - إثبات أنها فعلا تأخرت عن حسم الحالة اليمنية بسبب الحالة الصحية للرئيس، لا بسبب انتظار بلورة الرياض لموقفها إزاء اليمن.

وأخيرا، من المهم ملاحظة أننا قد أهملنا طرفاً هاماً ومؤثراً في المعادلة القائمة. ذلك هو موقف شباب الثورة الشعبية. ما يعني أن نجاح هذا الطرف المهم في تنويع وتطوير أساليب وطرق عمله واحتجاجاته خلال الأيام القليلة القادمة قد يفرض تغيراً في المعادلة.