الجمعة، 27 يناير 2012

دورة حياة الثورة


بين التغيير السياسي الممكن والتحولات الاجتماعية والثقافية العميقة


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
التحولات الاجتماعية والثقافية - وفق صيغة تفصيلية دقيقة جداً - والتي يناضل البعض اليوم في سبيل تحميلها قطار الثورة اليمنية الناهض، ما كان لها حتى أن تتحقق مباشرة عقب أعظم الثورات العالمية في العصر الحديث، ممثلة بالثورة الفرنسية، التي شكلت أولى الحلقات من سلسلة الثورات الأوروبية اللاحقة.

ويقدم لنا التاريخ حقيقة مفادها: إن التغييرات الاجتماعية والثقافية العميقة قد استغرق بلوغها عشرات السنيين لما بعد انطلاقات الثورات، وبعضها طالت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير: في أمريكا مثلاً، التي خاضت حرباً أهلية شرسة في ستينيات القرن التاسع عشر على خلفية مشكلة الرق والعبودية، وجدنا أن التغيير الاجتماعي والثقافي العميق في مسألة التمييز العنصري ضد السود، لم ينتهِ إلا في ستينيات القرن العشرين تقريباً، فيما استغرقت ثقافة القبول بوصول أول رئيس أسود للبلاد أكثر من نصف قرن بعد ذلك.

ومع أن ثمة من يحاجج بالحديث عن فروق كبيرة بين نوعية وطبيعة تلك التغيرات مقارنة بواقعنا الأكثر تخلفاً، في إطار متغيرات عالمية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية أكثر تقدماً، إلا أن تعميمنا القياس هنا سيكون ضرورياً في إطار الحديث عن المنظومة الكلية لمعنى التحولات الاجتماعية والثقافية، مع خصخصة ما يتوافق مع الحالة اليمنية كجزء من الكل، وفق النسبة التي تتناسب مع عدم الإخلال بالنظرية العامة .

• بين التحول السياسي السهل والاجتماعي المعقد
والثورة الشعبية في اليمن حين قامت – مثلها مثل الثورة الفرنسية - كان حلمها الأكبر إسقاط رأس النظام: التخلص من الملك/ فرنسا، والرئيس/ اليمن. أي إحداث التحول السياسي أولاً. وهو وإن كان يعتبر – من زاوية ثورية دراماتيكية – مقدمة ضرورية لجر وحمل بقية التحولات الأخرى (الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية)، في كثير من الأحيان، أخذاً بالاعتبار السياق، أي سياق الفعل الثوري، إلا أن مثل هذه التحولات الأخرى - دون السياسية - غالباً ما ينظر إليها بعين كثير من المفكرين على أنها أصعب بكثير من التحول السياسي نفسه. ذلك أن هذا الأخير من الممكن أن تحدثه ثورة شعبية ميدانية مسلحة عنيفة، أو ثورة شعبية سلمية لا عنيفة ناضجة، أو ربما حتى ثورة وعي ديمقراطي وفق منهجية وأدوات التغيير السلس على شاكلة الانتخابات الديمقراطية. على أن كل تلك التغييرات تشترك في أن حتمية بلوغها تأتي تحقيقاً لتحول بات من المتوقع حدوثه في أي لحظة طالما دخلت في إطار الفترة الزمنية التي تكون الشعوب فيها قد بلغت منحنى التحول الحرج الذي يصعب عنده مواصلة الحياة وفقاً للنسق السياسي القديم.

بعكس تلك التحولات الاجتماعية والثقافية التي من طبيعتها أن تحدث، أولاً، في الأنفس (فرادى)، لتتراكم لاحقاً مخترقة أعماق النسيج الاجتماعي. وهذا يكون حدوثه بشكل بطيء جداً، بحيث يمكن تشبيهه بالتغيرات الجيولوجية للأرض. تلك التغييرات التي يصعب إدراكها وملاحظتها من قبل العامة. وحتى خبراء علوم الجيولوجيا، أنفسهم، يدركونها بعد زمن ليس بالقصير.

ومع ذلك يمكن القول – من زاوية تكاملية لحقل التحولات عامة - أن حدوث التحول السياسي بشكل دراماتيكي (مثير) من شأنه أن يعمل كرافعة (عامل مساعد، مسرع، ومحفز) لبقية تلك التحولات المطلوبة الأخرى. كما سبق وأن أشرنا بقليل من التفصيل، وإن كان لنا هنا أن نذكّر بأهمية أن تقيّم كل ثورة في سياقها الخاص، وبالتالي: لا يمكننا الحديث بالقدر نفسه من الواقعية عندما يتعلق الأمر بتلك الثورات التي تقوم أساساً على فكرة إحداث تغيرات اجتماعية وثقافية بالضرورة. وهذا يحدث غالباً بالنسبة للشعوب التي تتمتع بمسار سياسي متقدم تتوافر معه الرقابة الفعالة والفعل التغيري بكافة أداوته الديمقراطية.

• أثقال إضافية.. وانفصام متراكب
وثم، بالنسبة لنا في اليمن، سيكون من الخطأ جداً في اعتقادي أن نحمل ثورتنا كل تلك الأثقال (التي من شأنها أن تضاف إلى مثقلات الحركة في الوقت الراهن على الأقل) وذلك بمجرد أن ثمة من يعتقد أن التخلف الاجتماعي والثقافي القائم (ومع أنه في الأصل يعتبر إرثاً تاريخياً متأصلاً، فقد زاد من حدته سلوك النظام الحاكم لأغراض بقائه) يتوجب إدراجه، كبضاعة غير مرغوبة، في إحدى مقطورات قطار الثورة للتخلص منه في إطار التحول السياسي المرتقب، جنباً إلى جنب مع النظام الراحل.

وسيكون من غير اللائق، وباعثاً للحيرة في آن، أن يتراكب الخطأ بنسق ازدواجي مشين. ذلك حينما نجد أن مثل هؤلاء الثوريين المتحضرين يرسخون فكرة: أن تأخر حدوث التحول السياسي كاملاً إنما كان بالأصل لارتباطه بذلك الثقل الاجتماعي والثقافي المتخلف، فيما أنهم في الوقت ذاته، وبصورة غريبة باعثة للريبة، يعلنون رفضهم الصريح مبدأ بلوغ غايات التحول السياسي إن أتى عبر انتهاج المسار السياسي التفاوضي السلمي!

ومثل هذا المنهج الرافض للمسار السياسي التفاوضي، حتى مع أنه يشكل أحد أبرز سمات التخلف الاجتماعي والثقافي التقليدي، النازع أصلاً للقوة في إحداث التغيير وحسم الأحداث، إلا أننا مع ذلك نجد أن العرف القبلي- المنتقد غالباً من جهة خصومه التقليديين – ليس فقط أنه يرحب بالمسار السياسي في فض النزاعات القبلية الداخلية عبر التفاوض والحوار لبلوغ الحلول السلمية على قواعد مشتركة حقناً للدماء، بل أكثر من ذلك، نجد أنه يجعل من هذا المبدأ ملاذاً مقدساً لا يمكن رفضه والوقوف في وجه أي تدخل تقوم به أطراف أخرى كوسيطة.

وفي السياق السابق نفسه، فمن المعلوم للجميع (حداثيين وتقليدين) أن المسار السياسي التفاوضي المتمثل بالمبادرة الخليجية، إلى جانب أننا سنجده مساراً مثالياً يجنب البلد مزيداً من العنف ويحقن الدماء، في الوقت الذي لا يبخس الثورة السلمية معظم وأهم غاياتها – وإن بالتقطير – فإننا، أيضاً، سنجد أنه كان خلاصة ضغوط موزعة بين قوى دولية وإقليمية مؤثرة على حاضر ومستقبل البلاد. وهذا أمر سيكون من الحماقة تجاهله: فقط، لمجرد أن هناك من يعتقد أن الثورة ملكه وصنيعته. لأننا في مسلك كهذا سنكون ليس فقط دوغمائيين وانعزاليين، بل ربما أكثر تخلفاً من التيار التقليدي الموصوم بالتخلف الاجتماعي والثقافي؛ لا سياسيين حداثيين؛ نؤمن بالنضال والتغيير السلمي؛ مفتقدين النضوج السياسي الذي يقوم على منطق الحوار والقبول بالأخر، والتكامل مع المحيط.

• والخلاصة في هذه: 
أن من لا يؤمن بخيارات الحلول السياسية المتاحة، بكونها صفقات خلاص مأمونة ومجنبة لمزيد من إزهاق الأرواح والدماء والنزاعات المدمرة،..الخ، فهو بالضرورة أبعد ما يكون عن أن يطال التغيير الثقافي والاجتماعي بشكل سلس، لا على المدى القصير - بفرضه على مسار الثورة والتحول السياسي المرتقب - ولا على المدى البعيد الذي من شأنه أن يطال عمق النسيج الاجتماعي الموروث منذ مئات السنيين.

وعوضاً عن ذلك، فالتشدد في مواجهة المسار السياسي التفاوضي السلمي، يبدو أنه سيصب – في نهاية المطاف - لمصلحة تعزيز الموروث الاجتماعي والثقافي التقليدي المتخلف الضارب جذوره في العمق على قاعدة الندية والمواجهة. والنتيجة: أن الثورة لن تكون بمنأى عن أن أية عواقب كارثية في المستقبل. ذلك أن الثورة ستظل – في أقل تقدير - حاملة جذراً من جذور الصراعات السياسية، الاجتماعية والثقافية العميقة.. ما يجعل منها قابلة للظهور في أي لحظة ندية أو حتى: استفزازية.

• دورة حياة الثورة
وإذا كان ثمة من يفهم أن التحولات التي تترافق مع الثورات الشعبية (العنيفة واللا عنيفة على السواء) تتنوع لتشمل: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليحاجج بعد ذلك برفض تجزيئها، فإنه وإن كان حقاً قد أورد نظرية عامة، إلا أنه بتمسكه المتعصب بمثل ذلك، يكون قد أخرجها من كونها مجرد نظرية - قابلة للتطبيق والفشل وفقاً للسياق والظروف المرافقة – إلى جعلها حقيقة حتمية.

وعلينا، في مثل هذا المقام، أن ننوه إلى أن ثمة من يشبّه الثورة بالكائن الحي. ولها دورة حياة كاملة، تبدأ بمرحلة ما قبل الثورة (إرهاصاتها ومبرراتها)، وأثناء الثورة، وما بعد الثورة. كما يرى مفكر الثورة والنهضة الجزائري مالك بن نبي. وفي الوقت الذي يعتقد فيه أن مرحلة ما بعد الثورة تعتبر غاية في الأهمية بالحفاظ على خط التوجه الثوري، والبناء والنهضة..الخ، فإن ثمة من يرى أن هذه المرحلة لا نهاية لها، وأن الثورة تستمر إلى ما لا نهاية.

وأخذاً بالاعتبار وجهتي النظر، فإن تجزيء أهداف وغايات الثورة بتحولاتها المختلفة (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية..الخ) سيعد أمراً حتمياً، بتوزيعها على المراحل الزمنية الثلاث، وفق خطة استراتيجية، آخذين بالاعتبار الأولوية، وما هو ضروري وملح، في كل مرحلة من المراحل، وبالتالي: تأخير ما هو عميق ومعقد وغير ملح للعمل عليها خلال الفترة الزمنية الممتدة خلال المرحلة الأخيرة اللا منتهية بطبيعتها.

أضف إلى ذلك، أنه وبغض الطرف حتى – إلى حدٍ ما - عن مسألة تقييم الثورة على أساس سياقها الخاص، فإن ثمة من يعتقد أن التحولات الجذرية الشاملة في الدول التي تتصارع وتتجزأ فيها الثقافات الاجتماعية، لاسيما إن كانت النسبة متقاربة، ربما من الأفضل لمثلها أن تحدث وفق نسق شبه منفصل – إلى حدٍ ما - عن التحولات السياسية الملحة الفجائية والطارئة. وبشكل خاص: حينما يكون التحول السياسي هو الجذر والمحور الرئيسي الذي قامت على أساسه الثورة.

• ولاحقاً:
سيكون التركيز على فكرة بناء الدولة المدنية الحديثة، باعتبارها قاعدة مشتركة، جزءاً رئيسياً ومهما للغاية لقبول فكرة إحداث تحول طوعي لا قسري للثقافة التقليدية الموروثة على اعتبار أن القانون المتشكل جماعيا بفعل الثورة – كمؤسسة جمعية حديثة – هو المنظومة التعاقدية الجديدة التي يتوجب استبدالها عن المنظومة التقليدية الموروثة، طالما أن هذا العقد الجديد سيعمل على إذابة تلك المسوغات التي جعلت من التمسك بالعرف والتقاليد كمقدس ضامن للقوة والبقاء في وجه الاستبداد والطغيان.

وإن كان مثل هذا بحاجة إلى أن يأخذ مداه الزمني وفقا لنسقه الطبيعي الذي غالبا ما يتسم بالحركة البطيئة. 

المصدر أونلاين
نشرت في صحيفة المصدر الأسبوعية: الثلاثاء 24 يناير 2012 - العدد 180

الأربعاء، 18 يناير 2012

عام على اندلاع الثورة.. المصدر أونلاين والمصدر رافقا أحداثها خطوة بخطوة (ملف خاص)


المصدر أونلاين - خاص
مثلت ليلة فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي رقماً فارقاً في تاريخ المنطقة، وحركت في الشعوب الرغبة في الانعتاق والتحرر من قبضة أنظمة متهالكة. حيث كانت العاصمة صنعاء على موعد مع خروج أول مسيرة لطلاب جامعة صنعاء كانت وجهتها السفارة التونسية للتهنئة بسقوط الديكتاتور والرغبة في التعبير عن الحاجة لفعل مماثل.

وبالفعل تحولت هذه الحركة البسيطة الى نواة لثورة حين انطلقت صرخات من حناجر الشباب المشاركين في المسيرة تردد الشعار ذاته الذي أسقط بن علي «الشعب يريد إسقاط النظام» وتلقوا حينها «علقات» خفيفة من قبل المجاميع الأمنية التي احتشدت جوار السفارة تحسباً لحالة انتقال العدوى، خاصة أن الجو في اليمن كان مهيئاً لثورة مماثلة بعد أن بلغت الأزمة السياسية مرحلة معقدة وعصية على الحل.

وكانت تلك المسيرة بالفعل والتي انتظم فيما بعد الطلبة المشاركون فيها في إطار ثوري أطلقوا عليه «حركة 15 يناير» هي البداية الفعلية لثورة التغيير السلمية التي لا تزال فصولها تتوالى حتى اليوم رغم انقضاء عام، رغم أن كثيرين يعتقدون أنها ليست البداية الحقيقية ويفضلون اعتبار نصب الخيام في الساحات هو البداية الحقيقية للثورة.

في موقع "المصدر أونلاين وصحيفة المصدر" واكبنا كل تلك التحركات وقدمنا لها متابعة تفصيلية منذ كانت تحركات لعشرات من شباب الجامعة تواجه باعتداءات البلاطجة بالهراوات حتى صارت مسيرات يشارك فيها مئات الآلاف، وتتعرض لعنف سقط خلاله عشرات الشهداء ومئات الجرحى. في هذا التقير نقف عند هذه المناسبة محاولين استعراض أبرز محظات الثورة اليمنية التي لم تكتمل فصولها بعد.
 
ثورة الشباب اليمنية أو ثورة التغيير السلمية: هي ثورة شعبية انطلقت شرارتها في 3 فبراير واشتعلت يوم الجمعة 11 فبراير عام 2011 الذي أطلق عليه اسم «جمعة الغضب»، وهو يوم سقوط نظام حسني مبارك في مصر، متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011، وبخاصة الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي وثورة 25 يناير المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. قاد هذه الثورة الشبان اليمنيون بالإضافة إلى أحزاب المعارضة للمطالبة بتغيير نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي يحكم البلاد منذ 33 عاماً, والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.

وكان لمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل فيسبوك مساهمة فعالة في الثورة إلى حد كبير, حيث ظهرت العديد من المجموعات المناوئة للنظام الحاكم بدأت بمطالب إصلاحية ثم ارتفع سقف المطالب إلى إسقاط النظام. ولعبت هذه المواقع دوراً كبيراً في تنظيم الاعتصامات واستمرارها, وفي الخروج بالمسيرات.

بدأت شرارة الثورة في اليمن من جامعة صنعاء يوم السبت 15 يناير 2011 بمظاهرات طلابية وأخرى لنشطاء حقوقيين نادت برحيل صالح، وتوجهوا إلى السفارة التونسية واستمرت خمسة أيام (من 15 إلى 19 يناير) ثم توقفت لمدة يومين ثم عاودت يوم السبت 22 يناير 2011 .

في يوم الخميس 27 يناير آلاف اليمنيين يتظاهرون لمطالبة الرئيس عبد الله صالح بالتنحي. وهي المظاهرات الأولى التي نظمتها أحزاب المعارضة في اليمن ودخول الأحزاب على خط الثورة، والثانية كانت يوم الخميس 3 فبراير 2011 ومن هنا حدد البعض بأن ثورة اليمن بدأت شرارتها في يوم الخميس 3 فبراير اعتماداً على هذه المظاهرات ولو أخذنا بهذا الميزان لكانت شرارة الثورة في اليمن بدأت من 27 يناير وليس 3 فبراير لكن الصحيح ان الشرارة بدأت يوم السبت 15 يناير واشتعلت يوم الجمعة 11 فبراير من تعز وتوسعت يوم جمعة الكرامة 18 مارس 2011.

 الخط الزمني لثورة الشباب اليمنية إعلان الثاني من فبراير (الأربعاء 2/2/2011)
قدّم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تنازلات كبيرة للمعارضة أمام البرلمان في جلسة استثنائية عقدها مجلسا الشعب والشورى يوم الأربعاء 2/2/2011 م قبيل انطلاق تظاهرة كبيرة في صنعاء أطلق عليها "تظاهرة يوم الغضب". وقال في الكلمة التي ألقاها: "لا للتمديد، لا للتوريث، ولا لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء"، داعياً المعارضة إلى العودة للحوار والمشاركة في حكومة وحدة وطنية. وأعلن الرئيس اليمني أنه:

لن يسعى لفترة ولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2013 م. (يذكر أن الرئيس صالح يحكم اليمن منذ عام 1978 م وعندما تحققت الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 م، تولى صالح منصب رئيس اليمن الموحد).
كما تعهد الرئيس اليمني بعدم تسليم مقاليد الحكم لابنه أحمد علي عبد الله صالح بعد انتهاء فترة ولايته.

وأعلن الرئيس عن تجميد التعديلات الدستورية الأخيرة, وتأجيل الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في أبريل القادم للإعداد لتعديلات دستورية تمهد لإصلاحات سياسية وانتخابية. وهذه النقاط كانت مثار خلافات حادة مع المعارضة طوال الأشهر الماضية. كما دعا الرئيس اليمني المعارضة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وتحدث عن برامج حكومية للحد من الفقر وتوفير فرص عمل لخريجي الجامعات وفتح باب الاكتتاب أمام المواطنين في عدد من المؤسسات الاقتصادية العامة. كما تحدث في خطابه عن توسيع صلاحيات الحكم المحلي وانتخاب المحافظين ومدراء المديريات بشكل ديمقراطي.

مبادرة الرئيس (الخميس 10/3/2011)
أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أثناء افتتاحه أعمال المؤتمر الوطني عن مبادرة لحل الأزمة السياسية في البلاد تدعو إلى الانتقال من نظام الحكم الرئاسي إلى نظام برلماني، والاستفتاء على دستور جديد للبلاد, وتوسيع نظام الحكم المحلي كخطوة أولى نحو الفدرالية. وقال صالح أن المبادرة تقضي بتشكيل لجنة من مجلسي النواب والشورى والفعاليات الوطنية لإعداد دستور جديد يقوم بالفصل بين السلطات بحيث يستفتى عليه نهاية العام 2011. وأضاف أنه رغم اقتناعه بأن أحزاب المعارضة واللقاء المشترك سترفض هذه المبادرة كما رفضت مبادرات سابقة فإنه سيقدمها إبراء للذمة.

وتنص مبادرة الرئيس على الانتقال إلى النظام البرلماني بحيث تنتقل كافة الصلاحيات التنفيذية إلى الحكومة المنتخبة برلمانيا نهاية عام 2011 وبداية 2012 م، وتنتقل كل الصلاحيات إلى الحكومة البرلمانية.

تغيير مدراء الأمن (الثلاثاء 15/3/2011)
في محاولة لامتصاص الغضب الجماهيري أصدرت السلطات اليمنية اليوم قرارات تقضي بتغيير مدراء الأمن في ثلاث محافظات.

وقضت التعيينات بتولي العميد غازي أحمد علي محسن إدارة الأمن في محافظة عدن خلفا للعميد عبد الله عبده قيران الذي عين مديرا لأمن محافظة تعز فيما عين العميد علي العمري -مساعد مدير أمن تعز الأسبق- مديرا لأمن محافظة الضالع خلفا للعميد غازي. ولاقت هذه التغييرات استياء واسعا في المحافظات الثلاث، نظرا لأنها لم تلب طلبات المعتصمين في تلك المحافظات الذين أعلنوا أنهم لن يقبلوا بحلول ترقيعية وأن مطلبهم واضح، وهو إسقاط النظام ورحيل الرئيس صالح.

إعلان حالة الطوارئ (الجمعة 18/3/2011)
في تطور سريع لأحداث "جمعة الإنذار"، أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مؤتمر صحفي حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر، وذلك بعد أن قتلت قوات أمن ومسلحون 43 شخصا على الأقل بإطلاق نار على المتظاهرين في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء. وقال الرئيس إن مجلس الدفاع الوطني أعلن حالة الطوارئ, مضيفا أن هذا القرار يحظر على المواطنين حمل السلاح. وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إعلان حالة الطوارئ في اليمن خلال أقل من عقدين حيث كانت المرة الأولى منتصف مايو 1994 م عندما اندلعت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.

إقالة الحكومة (الأحد 20/3/2011)
أقال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مساء يوم الأحد 20/3/2011 الحكومة المكونة من 32 وزيرا إثر تقديم عدد من الوزراء استقالاتهم احتجاجا على استخدام العنف ضد المعتصمين بجامعة صنعاء. كما قرر الرئيس تكليف الحكومة المقالة بتصريف الشؤون العامة العادية ما عدا التعيين والعزل حتى تشكيل الحكومة الجديدة.

وفي رد على قرار الإقالة، قال الناطق الرسمي باسم المعارضة محمد الصبري أن الإقالة جاءت في الوقت الضائع، والشعب هو من يقرر مصير البلاد والحكومة التي ستتولى تمثيله. وأضاف أنه كان من الأولى أن يقدم صالح استقالته هو لكي ينجو من محاكمة الشعب.

وتوالت استقالات كبار المسؤولين منذ بدء الاحتجاجات المطالبة بإسقاط صالح، بينهم ثلاثة وزراء وعشرات من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وانسحاب نحو 20 برلمانيا من كتلة الحزب الحاكم في البرلمان.

المبادرة الخليجية
تنص المبادرة على أن يعين الرئيس علي عبد الله صالح رئيسا للوزراء تختاره المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطياف، ثم يقدم الرئيس استقالته لمجلس النواب خلال ثلاثين يوما ويسلم السلطة لنائب رئيس من الحزب الحاكم. كما تنص على منحه وأسرته ومساعديه حصانة من الملاحقة القضائية.

المبادرة الخليجية المعدلة
نصت المبادرة الخليجية المعدلة لحل الأزمة اليمنية على تشكيل حكومة بقيادة المعارضة ومنح الحصانة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد استقالته، بحسب نص الخطة على أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره. وأن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح. وأن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني. وأن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا وأن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطي لهذا الغرض.

وقد تم إعداد آلية تنفيذية للمبادرة الخليجية نصت على أن تنقل صلاحيات صالح الى نائبه عبدربه منصور هادي والحكومة التي ترأسها المعارضة، ثم تجرى انتخابات خلال ثلاثة اشهر لانتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية باتفاق المعارضة وحزب المؤتمر الذي يرأسه صالح وبإشراف الوسطاء الدوليون والأمم المتحدة.

حرب الحصبة 
في شهر مايو اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات موالية للرئيس اليمني علي صالح وأخرى موالية للزعيم القبلي صادق الأحمر بعد توتر بين الطرفين خلفية انضمام ومساندة آل الأحمر للثورة اليمنية.
وقد تجددت هذه الاشتباكات أكثر من مرة بعد ذلك.

وفي شهر اغسطس قالت منظمة هود إن 122 قتيلاً و520 جريحاً سقطوا من المدنيين خلال المعارك، كما قدرت الخسائر التي تكبدها المدنيون بنحو مليارين و793 مليون ريال يمني.

وأضافت أن تلك الخسائر لا تشمل منازل أطراف النزاع والمنشآت الحكومية ومناطق سيطرة الحرس الجمهوري ومحيط وزارة الداخلية حيث لا تزال المنظمة تنتظر رد وزارة الداخلية على طلب تقدمت به لتسهيل فرق عملها في إنجاز المرحلتين الثانية والثالثة من الرصد.

وكان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مطهر المصري قال إن 118 جندياً قتلوا في المواجهات، كما قتل 137 مدنياً. بينما قال مكتب الشيخ الأحمر إن حصيلة قتلى أنصاره في المعارك 104 إضافة إلى مئات الجرحى.

محاولة اغتيال صالح
في الثالث من يونيو 2011، وبعد ما خلص الرئيس اليمني من صلاة الجمعة في جامع يقع بدار الرئاسة، تم استهدافه في عملية غامضة مع كبار مسؤولي الدولة، ونقل بعد ذلك إلى الرياض لتلقي العلاج. قتل في الحادثة 11 شخصا من حراسة الرئيس واصيب 124 شخصا بينهم عدد كبير من المسؤولين لاسيما رئيس الوزراء علي محمد مجور ورئيس مجلس النواب عبد العزيز عبد الغني.

كانت اصابع الاتهام قد وجهت في بادئ الأمر إلى آل الأحمر الذين خاضوا معارك قاسية مع القوات الموالية لصالح في الأسابيع الأخيرة، ثم اتهمت مصادر حكومية القاعدة في وقت لاحق، كما اثير أيضا احتمال تعرض لصالح لهجوم بواسطة طائرة من دون طيار بينما رجح خبراء اميركيون أن يكون الهجوم مدبراً من قبل اشخاص داخل النظام بواسطة قنبلة وضعت في مسجد القصر الرئاسي وليس قصفاً بقذيفة هاون أو مدفع إثر تحليلهم لصور التقطت لمكان الانفجار من الداخل والخارج. أما الحزب الحاكم فقد أكّدت مصادر عنه بأن أصابع الاتهام تتجه نحو دولة قطر والموساد الصهيوني ومشاركة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأولاد الاحمر وقيادة المشترك في "المخطط الإرهابي والإجرامي الذي تم تدبيره لاغتيال فخامة الرئيس علي عبد الله صالح يوم الجمعة" على حد وصفها.

الجمعة 23/9/2011: صالح يعود للوطن بعد رحلة علاج طويلة
عاد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى بلاده صباح الجمعة بشكل مفاجئ بعد رحلة علاج في السعودية استمرت نحو أربعة أشهر إثر محاولة الاغتيال أثناء صلاة الجمعة أوائل يونيو الماضي بالرغم من توقيعه مرسوما خوّل بموجبه نائبه عبد ربه منصور هادي التوصل إلى اتفاق لنقل السلطة في البلاد. وهاجم صالح أحزاب المعارضة والقبائل التي انحازت إليها، ووصفهم بأنهم "قطاع طرق وانتهازيون"، وأبلغ المحتجين بأن حركتهم سُرقت. وقد أثارت عودته ردود فعل متباينة من مؤيديه ومعارضيه على حد سواء، واندلعت مواجهات بين قوات موالية لصالح وأخرى تساند المحتجين الذين يطالبونه بالتنحي، وبات اندلاع حرب أهلية خطرا يهدد البلاد. وفي تقرير لاحق أشارت التقارير إلى أن 13 شخصا قتلوا جراء الاشتباكات بين القوات الحكومية والمعارضين لها.

الأربعاء 23/11/2011 (توقيع المبادرة الخليجية)
وقع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في الرياض على اتفاق نقل السلطة في اليمن في ضوء المبادرة الخليجية حيث اتفقت الأطراف على تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال 14 يوما وإجراء انتخابات رئاسية خلال 90 يوما.

وجرت مراسم التوقيع بحضور عاهل السعودية عبد الله بن عبد العزيز، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، ووفد من المعارضة اليمنية. كما وقع على الاتفاق وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد لكون بلاده ترأس الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي. ورحبت الولايات المتحدة الأمريكية بالتوقيع واعتبرها أوباما «خطوة مهمة إلى الأمام للشعب اليمني الذي يستحق فرصة تقرير مصيره».

السبت 26 نوفمبر الدعوة للانتخابات الرئاسية 
أصدر نائب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي اليوم السبت مرسوماً رئاسياً بدعوة اليمنيين لانتخابات رئاسية مبكرة يوم 21 فبراير من العام المقبل، كأول خطوة لتنفيذ اتفاق نقل السلطة الذي يزيح الرئيس علي عبدالله صالح عن الحكم بعد 33 عاماً.

وبموجب الاتفاق، انتقلت معظم صلاحيات الرئيس إلى نائبه، حيث من المتوقع أن يكلف هادي القيادي في المعارضة محمد سالم باسندوة لتشكيل حكومة وفاق وطني يتقاسم الحزب الحاكم والمعارضة فيها المقاعد نصفين.

وبحسب الاتفاق أيضاً، سيقدم الطرفان عبدربه منصور هادي مرشحاً رئاسياً توافقياً، ليستمر بعد ذلك لمدة عامين، يتم فيها صياغة دستور جديد، وإعادة هيكلة الجيش، وعقد مؤتمر وطني لحل المشاكل الوطنية.

07/12/2011 تشكيل حكومة الوفاق الوطنية 
أصدر نائب الرئيس مرسوماً يتضمن تشكيلة الحكومة اليمنية الجديدة المؤلفة من 35 عضوا بينهم رئيسها المعارض محمد سالم باسندوة، و34 وزيرا ينتمون مناصفة إلى الحزب الحاكم وحلفائه من جهة، وأحزاب اللقاء المشترك من جهة أخرى.

التلاحم الوطني بين الشمال والجنوب
ساهمت الاحتجاجات اليمنية المستمرة في مختلف المدن والمحافظات في إعادة التلاحم الوطني إلى حد ما خاصة بين الشمال والجنوب، كما أن قمع قوات الأمن للمتظاهرين المعتصمين في مختلف ساحات التغيير كرس هذا التلاحم. وأشار بعض المراقبين للوضع اليمني إلى أن شعارات الانفصال خفتت وحلت محلها تلك المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح. قبل ان تعود إلى الواجهة مجددا.

وقال النائب الجنوبي المعارض علي عشال: "صنعاء تستنكر ما يحدث في تعز، وتعز تستنكر ما يحدث في عدن، وعدن تستنكر ما يحدث في حضرموت"، مشيرا إلى أن ذلك له تأثير في وجدان اليمن واليمنيين, وأن اللحمة الوطنية تزداد كلما تقوى التغيير وسار قدما.

تلاحم القبائل ودوره في إسقاط الرئيس
إن انخفاض دعم القبائل اليمنية للنظام أضعف قبضة الرئيس علي عبد الله صالح، فبعد تقربه إليهم بالأموال تارة وسعيه لبعث الفتنة بينهم تارة أخرى، تخلى معظمهم عنه، وصار شيوخ وأبناء القبائل المتناحرة سابقا يجلسون جنبا إلى جنب داخل خيام التغيير.

بالإضافة إلى تواجد العديد من شيوخ القبائل اليمنية داخل الخيام التي نصبها أبناء الثورة الشعبية اليمنية في العاصمة صنعاء وفي شتى الأنحاء الأخرى في البلاد، فيما يوصف بميادين التغيير أو الثورة الشعبية الساعية إلى إسقاط نظام الرئيس اليميني. ومما قد يدعو إلى الدهشة والاستغراب هو جلوس شيوخ قبائل متجاورين في خيام المحتجين على الرغم من الخلفية التنافسية والاقتتالية بينهم فيما مضى، حيث تحدث بعضهم عن الاستغلال الذي تعرضوا له من جانب الرئيس صالح على مدار سنوات حكمه.

والتقى أحد وجهاء قبيلة عابدة وأحد وجهاء قبيلة مراد المتعاديتين فيما مضى، وتحدثا بشأن كيفية استغلال الرئيس لهما، بحيث حملت كل قبيلة منهما السلاح في وجه الأخرى، ليكتشف أبناء القبيلتين في نهاية المطاف أنهم كانوا يتلقون السلاح من ذات المصدر.

وأبناء القبائل الذين سبق أن حاربوا الحوثيين في شمال اليمن، أصبحوا اليوم يجلسون بجوار أبناء الحوثيين أنفسهم في مخيمات الثورة في ميادين التغيير في أنحاء البلاد.

وانشقت أعداد كبيرة من قادة الجيش اليمني والسفراء والدبلوماسيين والنواب عن صالح وانضموا إلى أبناء الثورة الشعبية الموجودين في ميادين التغيير، وذلك على إثر المجزرة التي اقترفتها الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس اليمني في حق العشرات من المدنيين العزل في ساحة التغيير بصنعاء يوم الجمعة 18/3/2011.

لكن أكثر ما أضعف قبضة صالح هو انخفاض دعم القبائل اليمنية لنظامه، وجرت عادة الرئيس اليمني على التقرب من بعض شيوخ القبائل اليمنية عن طريق المال، وأحيانا أخرى عن طريق أساليب متعددة يصفها البعض بالفتنة وبالدهاء، بحيث يتعامل مع الجميع على مبدأ "فرّق تسد".

وقال بعض وجهاء القبائل اليمنية إن حكومة صالح ربما تنظر إليهم بوصفهم بسطاء وجهلة لا يفهمون، مؤكدين أن الواقع عكس ذلك، وأنهم يفهمون ما يجري في البلاد وما يجري حولهم بشكل جيد.

فقدان الرئيس ورقة القبيلة
تغيرت الخريطة القبلية في اليمن بعد اندلاع ثورة الشباب حيث إن ميزان القوة القبلي لم يعد يرجح كفة النظام بسبب الانشقاقات المتتالية وزخم الثورة, واستمرار توافد القبائل إلى ساحات التغيير.

وما يفسر فقدان الرئيس علي عبد الله صالح ورقة القبيلة -الركيزة الأساس التي استند إليها نظامه- قبوله للمبادرة الخليجية تمهيدا للتنحي، ويرى مراقبون أن خطابات صالح المتكررة عن الرحيل هي نتيجة قراءة دقيقة لمتغيرات الواقع السياسي والقبلي في اليمن بعد الثورة. فالدولة فقدت سيطرتها على كثير من المحافظات القوية قبليا حيث تعد صعدة والجوف ومأرب وشبوه وأبين وحضرموت والبيضاء, وحتى صنعاء خارج سيطرة الدولة.

ويؤكد خبراء أن سعي السلطة للبحث عن مخارج سياسية للأزمة, ومحاولتها تجنب أي تصعيد عسكري, يعكس إدراكها بأن موازين القوى لن تكون في صالحها. فلا يخفى على أحد أن القبائل اليمنية تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة وأوقعت خسائر في صفوف الحرس الجمهوري عندما تصادم مع قبائل في أكثر من منطقة.

وتعد زيارة شخصيات قبلية كثيرة بارزة منها شيخ مشائخ قبيلة بكيل أمين العكيمي, وشيخ مشايخ قبيلة حاشد صادق الأحمر, وشيخ مشائخ البيضاء علي عبد ربه العواضي لساحة التغيير بصنعاء إعلانا ضمنيا بتأييد قبائلهم للثورة, وتنحي الرئيس صالح فورا. ورغم حرص صالح منذ بداية الأزمة على ضمان ولاء قبيلتي حاشد وبكيل -أكبر القبائل وأكثرها نفوذا- إلا أنه فشل.

وتساند قبائل كثيرة محيطة بصنعاء تتبع قبيلتي حاشد وبكيل الثورة منها قبيلة أرحب التي منعت اللواءين 61 و62 من الحرس الجمهوري من التوجه بالأسلحة الثقيلة والدبابات إلى صنعاء خشية استخدامها لقمع المتظاهرين. ويؤكد خبراء أن انضمام قبائل نهم وسفيان وهمدان وخولان, وقبائل الحيمة وعيال وسريح بالإضافة إلى بني بهلول, وبني حشيش وبني مطر وعيال يزيد وقبائل الحدأ, هو ما دفع صالح للتفكير جديا التنحي.

وتوضح وتيرة الاحتجاجات المتصاعدة في محافظات مأرب والجوف والبيضاء وشبوة وحضرموت والمهرة، أن قبائل الصحراء أيدت الثورة الشبابية حيث قامت بتسيير قوافل متتابعة إلى ساحات الاعتصام, كما قامت بتكوين لجان شعبية لحماية مناطقها وحفظ الأمن بعد انسحاب وحدات الجيش من مواقعها إلى صنعاء. وتعد قبيلة عبيدة في مأرب, وقبائل العوالق والحوارث في شبوه، وكذلك قبائل رداع وقيفة والرياشية والصباح, والعواض في البيضاء, من أكثر القبائل مساندة للثورة حيث أُرسل كثير من أبنائها إلى ساحات الاعتصام للمشاركة، وسقط كثير منهم في مواجهات مع قوات الأمن. ويرى مراقبون أن استخدام النظام مؤخرا القوة العسكرية مع قبائل مأرب ويافع يعكس مدى يأس الرئيس في معالجة العصيان والتمرد بين قبائل الصحراء.

وسعى الرئيس بداية الأزمة إلى إنشاء تكتل قبلي موال له حيث دُعي رجال القبائل لمؤتمر سمي "المؤتمر الوطني العام للمشائخ والأعيان" بيد أن رفض قادة قبليين بارزين الحضور أفشل المؤتمر الذي اُختصرت مدته من يومين إلى ساعتين فقط.

مخاوف وإعلام غير محايد
يخشى البعض أن تخرج الثورة في اليمن وغيرها بنتائج سلبية أكثر من إيجابيتها بسبب التوجهات الحزبية والدينية التي يتسلح بها غالبية شباب الثورة كما يبدو جلياً من الخطب والأدعية الدينية الملقاة كل يوم تقريباً داخل الساحات. يرى محللون أيضاً أن القنوات الإعلامية لعبت دوراً كبيراً في مساندة هذه الثورات وبأسلوب غير محايد. في اليمن لعب حزب التجمع اليمني للإصلاح دوراً كبيراً في التأثير على الشباب سواء في ثورة الشباب اليمنية أو قبلها في حرب صيف 94 حين صرح الرئيس اليمني باستغلاله ككرت مؤقت في تلك الحرب. بيد أن بعض الشباب قد تنبهوا على ما يبدوا لما يجري وتبرأوا بدورهم محملين أحزاب المعارضة مسؤولية استغلال شباب الثورة بشكل خاطئ.

ثروة الرئيس علي عبد الله صالح
ذكرت تقديرات أجنبية عن أن ثروة الرئيس صالح -بمفرده من غير عائلته- بأنها تتفاوت بين 40 و50 مليار دولار موزعة على شكل أرصدة بنكية خاصة واستثمارات متنوعة وقصور فارهة ومنتجعات وشاليهات سياحية في مختلف دول العالم وأسهم في شركات سيارات عالمية.

لكن تقديرات ترى مبالغة كبيرة في هذا الرقم وتقول ان ثروة صالح قد لا تتجاوز خمسة مليارات دولار، في حين يرى آخرون أنها قد تصل إلى عشرة مليارات دولار متضمنة كل أملاكه وأملاك أبنائه.

إتلاف وثائق وزارات الدولة
كشفت "منظمة برلمانيون يمنيون ضد الفساد" عن عمليات إتلاف وإخفاء كمّ هائل من الوثائق والمستندات المهمة التي تدين النظام اليمني. ووفقا للمنظمة فإن عمليات الإتلاف جرت في مرافق حكومية منها "رئاسة الجمهورية ووزارة الأوقاف ومصلحة عقارات وأراضي الدولة"، وتحتوي على وثائق تتعلق باتفاقيات النفط والغاز والمعادن والثروة السمكية إلى جانب إثبات حق الدولة في الأراضي والعقارات.

وأكد المدير التنفيذي للمنظمة وعضو البرلمان عبد المعز دبوان للجزيرة نت أن عمليات طمس الأدلة -التي تدين النظام- ماضية على قدم وساق، واصفا إياها "بالجريمة العظمى". واتهم دبوان من سماهم "الأسرة الحاكمة" بالقيام بعمليات الإتلاف وخاصة وثائق ملكيات الأراضي التي اعتاد الرئيس علي عبد الله صالح توزيعها على شكل هبات ومنح لصالح نافذين وشيوخ قبائل لكسب ولائهم.

ويتبوأ أرشيف رئاسة الجمهورية مركزا متقدما، حيث يعد بمثابة بنك للمعلومات لاحتوائه على نسخ أصلية وصور لجميع وثائق وزارات الدولة ومؤسساتها والاتفاقيات المبرمة مع دول العالم والشركات الأجنبية. وبحسب دبوان فإن الوثائق المتوافرة في دار الرئاسة لا يستخدمها النظام للخطط التنموية المستقبلية، ولكنها تستخدم لابتزاز المسؤولين والضغط عليهم ومساومتهم.

تنظيم القاعدة
نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن دبلوماسيين أميركيين ومحللي استخبارات ومسؤولين في مكافحة الإرهاب قولهم إن عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن توقفت، وهو ما يسمح لأعتى فروع تنظيم القاعدة خارج باكستان بالتحرك بحرية أكبر داخل البلد وزيادة التآمر للقيام بهجمات محتملة ضد أوروبا والولايات المتحدة.

وأضاف المسؤولون أنه في المحنة السياسية المحيطة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح تخلى كثير من القوات اليمنية عن مواقعها أو استدعيت إلى العاصمة للمساعدة في دعم الحكومة المترنحة. وقد تسللت القاعدة في شبه جزيرة العرب لملء فراغ السلطة، وأصبحت قوات الأمن اليمنية تحت هجمات متزايدة في الأسابيع الأخيرة.

وهناك تدفق صغير لكنه متنام لمقاتلي القاعدة والقادة الأقل مستوى من أماكن أخرى في العالم، بما في ذلك باكستان، يشقون طريقهم إلى اليمن للانضمام إلى القتال هناك، رغم أنقسام مسؤولي الاستخبارات الأميركية حول ما إذا كانت الأزمة السياسية في اليمن تجذب متمردين أكثر من الذين يسافرون إلى هناك في الظروف العادية.

وهذه التطورات يمكن أن تساعد أيضا في تفسير سبب صيرورة الولايات المتحدة أقل استعدادا لدعم صالح حليفها المقرب، نظرا لأن قيمته في مكافحة الإرهاب قد تضاءلت منذ أن عمت المظاهرات البلد.

وأشارت الصحيفة إلى أن بعض الخبراء في الشأن اليمني الذين كانوا يراقبون هيمنة صالح الطويلة من خلال دهاء سياسي تكهنوا بأنه قد يسحب قواته عمدا من ملاحقة القاعدة لزيادة الإحساس بسوء الأزمة وإجبار الأميركيين على دعمه، بدلا من دفعه إلى التنحي.

ونوهت إلى ما قاله وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بأن "الولايات المتحدة كان لديها تعاون كبير في مكافحة الإرهاب مع الرئيس صالح وقوات الأمن اليمنية وأنه إذا ما انهارت هذه الحكومة أو استبدلت بها أخرى أضعف فإننا سنواجه تحديات إضافية من خارج اليمن، وهذا يمثل مشكلة كبيرة".

وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إن الظروف الأمنية المنفلتة في اليمن قد تجرئ كبار مسؤولي القاعدة هناك على الخروج من مكمنهم.

وقالت الصحيفة إن المسؤولين الأميركيين يعترفون سرا أن لهم تأثيرا هامشيا فقط على معركة صالح من أجل بقائه السياسي والخروج من السلطة. وفي أحسن الأحوال، كما يقول المسؤولون، يتطلع الأميركيون إلى تحديد وتأييد حذر للضباط الأقل رتبة والمسؤولين المدنيين الذين يمكن أن يتولوا الهيئات الأمنية بعد إجبار أقارب صالح على الفرار.

ردود الفعل الدولية
اعتبر الرئيس اليمني في كلمة له يوم الثلاثاء 1/3/2011 أن ما يجري من ثورات في المنطقة العربية ليس إلا "مجرد ثورة إعلامية تديرها الولايات المتحدة من غرفة في تل أبيب". وفي نفس اليوم دعت الولايات المتحدة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للاستجابة لطموحات شعبه، ونفت أن يكون للاضطرابات التي تشهدها بلاده أي عامل خارجي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي في رسالة عبر موقع تويتر "الاحتجاجات في اليمن ليست نتاج مؤامرات خارجية. الرئيس صالح يعرف ذلك جيدا. شعبه يستحق استجابة أفضل". وقال المتحدث باسم البيت الأبيض غاي كارني في مؤتمر صحفي أن البحث عن كبش فداء ليس الرد على تطلعات الشعب اليمني المشروعة، بل التركيز على إصلاحات سياسية.

منظمات عالمية
منظمة العفو الدولية: نددت منظمة العفو الدولية بطريقة تعامل قوات الأمن اليمنية مع المتظاهرين. وأدانت قيام الشرطة بضرب المتظاهرين بالهراوات والعصي الكهربائية.

جامعة الدول العربية: 20/2/2011: دعت جامعة الدول العربية إلى الوقف الفوري لكافة أعمال العنف وعدم استخدام القوة ضد المظاهرات السلمية في الدول العربية التي تشهد مظاهرات احتجاجية للمطالبة بإصلاحات سياسية. وأعربت عن مشاعر الحزن والأسى الشديدين لسقوط الضحايا الأبرياء الذين تناقلت وسائل الإعلام أنباءهم في كل من ليبيا والبحرين واليمن.

مجلس التعاون الخليجي: 4/4/2011: اتفقت دول مجلس التعاون الخليجي على إجراء "اتصالات" مع الحكومة والمعارضة في اليمن لحل الأزمة الداخلية هناك، لكن وزير الخارجية الإماراتي اعتبر أنه من السابق لأوانه الحديث عن وساطة خليجية بين الجانبين.

فيسبوك عزز الاحتجاجات باليمن
دخل موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك معترك الحياة السياسية في اليمن وأصبح بمثابة المتنفس والموجه للشباب الراغب في التغيير، واختفت من صفحات مشتركي الموقع القصائد الشعرية والأغاني والموضوعات العلمية والأخبار التقليدية والصور والمقاطع وحل بديلا عنها تكرار مفردات الثورة بإسهاب. وبدا جليا ازدياد المجموعات الشبابية المطالبة بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح. وتضم هذه المجموعات ناشطين حقوقيين وصحفيين وكتاب ومحامين ومنظمات مجتمع مدني وشباب عاطل عن العمل ممن يقودون ثورة التغيير في صنعاء وتعز وعدن وإب والحديدة ومدن أخرى.

وإدراكاً منها لخطورة فيسبوك أقدمت السلطات اليمنية على توظيف العديد من الشبان برواتب مجزية لمراقبة نشاط الشباب على فيسبوك الداعي إلى تغيير النظام السياسي القائم. ولاحظ عدد من مستخدمي الموقع تدفق شخصيات جديدة ووهمية بأسماء مستعارة والكثير منها نسائية وشبابية تقوم بالرد والدفاع المستميت على أي مشاركات تهاجم النظام اليمني وتطالب بإسقاطه-بحاجة لمصدر مستقل . بينما هوّن رئيس قسم الصحافة والإعلام بجامعة العلوم والتكنولوجيا يوسف سلمان من تأثير فيسبوك في مجتمع يغلب عليه طابع الأمية التكنولوجية.

إقرأ المزيد:
-----------------------------------------------

بعد عام من انطلاقتها

أبرز المحطات الدامية في مسيرة الثورة اليمنية


المصدر أونلاين - خاص
ينشر المصدر أونلاين أبرز المحطات الدامية في مسيرة الثورة الشعبية السلمية اليمنية بعد مرور عام على انطلاقتها: 

- 15 يناير 2011: انطلقت في مثل هذا اليوم الشرارة الأولى لانطلاقة الثورة الشعبية السلمية في اليمن عبر مظاهرة طلابية قام بها مجموعة بسيطة من طلاب جامعة صنعاء وكانوا أول من نادوا صراحة برحيل علي عبد الله صالح، وتعرض بعضهم للاعتقالات التعسفية والاعتداءات من قبل قوات الأمن.

- الجمعة 11 فبراير: شباب تعز يتخذون أول قرار لتنفيذ اعتصام متواصل في ساحة الحرية بتعز، وأعتقل ما لا يقل عن 15 شاباً فيما تعرض مجموعة كبيرة منهم لاعتداءات قوات الأمن التي حاولت منعهم من مواصلة الاعتصام.

- الأربعاء 16 فبراير: في هذا اليوم سجلت الثورة الشعبية السلمية في اليمن سقوط أول شهداء الثورة من محافظة عدن، الشهيد محمد العلواني

- الجمعة 18 فبراير: أول جمعة تمر على الثورة بعد أول قرار أتخذه شباب تعز لتنفيذ اعتصام متواصل في ساحة الحرية. وفي هذا اليوم ألقيت قنبلة يدوية على المعتصمين أدت إلى سقوط أول شهيد بمحافظة تعز وإصابة 44 آخرين.

- السبت 19 فبراير: تسجيل سقوط أول شهيد في أمانة العاصمة، أثناء اعتداء قوات أمن ومسلحين بلباس مدني على مسيرة سلمية منادية بإسقاط النظام

- الأربعاء 23 فبراير: محافظة الحديدة تخرج في أول مسيرة مطالبة بإسقاط النظام وتتعرض اعتداء مسلحين بلباس مدني في حديقة الثورة وإصابة أكثر من 10 متظاهرين

- الخميس 3 مارس: محافظة البيضاء تسجل أول شهيد من أبنائها المعتصمين بالمحافظة، هو الشهيد عبدالله الضيف

- الجمعة 18 مارس: أول وأكبر وأبشع مجزرة، مجزرة الكرامة (في جمعة الكرامة)، بساحة التغيير بصنعاء، استشهد فيها ما لا يقل عن 53 شهيداً وجرح أكثر من 500 آخرون معظمهم بالرصاص قناصة تمركزوا في المنازل المحيطة بالساحة عقب صلاة الجمعة

- الاثنين 28 مارس: مقتل ما لا يقل عن 170 شخصاً وجرح العشرات إثر انفجار كبير في مصنع ذخيرة في مدينة الحصن بمديرية خنفر – محافظة أبين، بعد يوم من انسحاب حراسة المصنع وقوات الأمن من المنطقة وتركها لمسلحين متشددين للاستيلاء عليها. في عملية وصفها البعض بأنها مدبرة لتخويف العالم من خطر تنظيم القاعدة في ظل الاحتجاجات الثورية المنادية بإسقاط النظام

- الأربعاء 27 ابريل: مجزرة مدينة الثورة الرياضية، ومقتل ما لا يقل عن 13 متظاهر وجرح ما يزيد عن 811 شخص منهم117 بالرصاص الحي حين تعرضت مسيرة سلمية مرت جوار المدينة الرياضية للاعتداء من قبل مسلحين يتبعون النظام ممن يتخذون من صالة مدينة الثورة مخيما لهم

- السبت 30 ابريل: اقتحام ساحة الشهداء بمديرية المنصورة من قبل قوات الأمن التي استخدمت الأسلحة الثقيلة والمدافع ما أدى إلى مقتل خمسة معتصمين، وإصابة عشرين آخرين.

- الأربعاء 11 مايو: ارتكاب قوات الأمن والجيش لمجزرة "بنك الدم" بأمانة العاصمة ومقتل 13 شهيدا وأكثر من خمسين جريحا معظمهم في حالة حرجة، وإصابة المئات بحالة اختناق بالغازات واختطاف عشرات الجرحى والمتظاهرين.. وواصلت قوات الأمن والجيش محاولاتها لاقتحام ساحة التغيير حتى وقت متأخر من الليل.

- الاثنين 23 مايو: البدء في شن حرب شرسة في الحصبة من قبل قوات الجيش التابعة للنظام ضد أسرة بيت الأحمر، محاولة اقتحام منزل الشيخ عبد الأحمر بالحصبة باستخدام الأسلحة الثقيلة. ويعد يومين من الحرب أطلق صاروخ حكومي إلى منزل الأحمر وقتل مجموعة من المشايخ أثناء تواجدهم في المنزل للقيام بدور الوساطة لإيقاف الحرب.

- الأحد 29 مايو – الاثنين 30 مايو: على مدى اليومين نفذت قوات الأمن بمحافظة تعز واحدة من أبشع جرائمها في حق المعتصمين في ساحة الحرية، والتي شبهت بالهولوكوست، حيث قتل فيها مالا يقل عن 50 شهيد – بحسب بعض الإحصائيات وإصابة أكثر من 1500 مواطن، 1000 منهم بالرصاص الحي، تعرض المئات منهم لإصابات خطيرة. وذلك حين اقتحمت قوات الحرس الجمهوري والأمن بمساعدة مسلحين بلباس مدني بالقوة مخيم الاعتصام (ساحة التغيير) بالمحافظة، وأحرقت الخيام والمستشفى الميداني واختطفت وأخفت قسريا العشرات ونهبت أدوات وأغراض المعتصمين.

- الجمعة 3 يونيو: تعرض جامع النهدين التابع للرئاسة لتفجيرات مدوية في محاولة فاشلة لاغتيال رئيس النظام بينما كان يؤدي الصلاة في الجامع مع أبرز أركان حكمه، حيث أعلن عن مقتل ما لا يقل عن 13 شخصا ما بين ضابط وصف وجنود، فيما أعلن عن إصابة أكثر من 100 آخرين، بينهم علي صالح وكبار المسئولين في الدولة.

- الأحد 18 سبتمبر: ارتكاب مجزرة كنتاكي بأمانة العاصمة، التي انتهت بسقوط 20 شهيداً على الأقل وعشرات الجرحى والمصابين أثناء تعرض مسيرة سلمية للاعتداء من قبل قوات الجيش والأمن ومسلحين بلباس مدني وقناصة تابعين للنظام.

- 24 ديسمبر: سقوط ما لا يقل عن 9 شهداء وجرح ما يقارب مائة آخرين في مسيرة الحياة الراجل التي قدمت من تعز ووصلت في مثل هذا اليوم إلى مشارف صنعاء، حيث استقبلتها في منطقة دار سلم قوات الأمن والجيش التابعة للنظام بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع.
---------------------
الملف نشر في صحيفة المصدر الأسبوعية الثلاثاء 17 يناير 2012. وعلى موقع المصدر أونلاين الأربعاء 18 يناير 2012

الأربعاء، 11 يناير 2012

ما يدركه الجميع عدا صالح



المجتمع الدولي كأحزاب المشترك.. باتوا على خبره كافية ليدركوا تماما مع من يتعاملون اليوم


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
تفصلنا أسابيع قليلة فقط عن الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة ثورة الشعب اليمني (15 يناير بخروج أول مسيرة طلابية منادية بإسقاط حكم صالح) ضد نظام حكم كرست كل تفاصيله لرئيس وأسرته.

وربما كان للقدر مصادفاته الرمزية وإشاراته الروحية المجسدة للحق وحقائقه بأن يكون اليوم الأول الذي نصبت فيه أول خيمة في ساحة التغيير بصنعاء في 21 فبراير 2011، هو اليوم الأخير لصالح في السلطة. على افتراض أن تجرى الانتخابات الرئاسية لانتخاب رئيس جديد للبلاد في 21 فبراير القادم، بحسب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

ومع ذلك، على ما يبدو أن تلك المخاوف التي حذر منها كثيرون، بدأت ملامحها تتجسد في مجموعة من السلوكيات المعيقة، التي ربما ترقى لتكون مقدمات واضحة للتنصل عن التنفيذ، وبالتالي خوض معارك سياسية إضافية، يخشى البعض أن تتعقد وتسد معها أفق الحلول الممكنة لتتحول إلى معارك عسكرية طاحنة. حتى إن ثمة من ظهر ليتحدث عن الحاجة للمزيد من التفاصيل، المزيد من الأوراق والاتفاقيات المتضمنة شروحاً تفسيرية للآلية التنفيذية..!

بات لدينا، في الوقت الراهن، والمجتمع الدولي الوسيط، كثير من الأوراق الموقعة، وكثير من الاتفاقيات، ومعها كثير من الالتزامات، وهناك قرار مجلس الأمن الدولي، وإلى جانبه تقرير وتوصيات المفوضية العليا لحقوق الإنسان..

لكن، ومع كل ذلك الإرث المستندي، الإجرائي والنظري، إلا أن معظمنا مازال يفتقد للأمن الداخلي في قرارة نفسه، خشية الخديعة والغدر المتأصلين في قلب رجل ظل قابضاً على مفاصل السلطة والفعل، طوال فترة تجاوزت ما هو أبعد بكثير من نقطة الممكن في علاج مرض التسلط.

ومع ذلك، فقد وقع صالح على قرار تنحيه بنفسه. ولكن، ربما وقع ليغدر، لا ليغادر..! وهذا - في نهاية المطاف- هو ما جهد صالح ونجح فعلاً على تكريسه في نفوس كثيرين. أولئك الذين يعتقدون اليوم إنه إنما يعول على تلك المسافة التي تتيحها له الآلية التنفيذية من خلال بقائه في السلطة، ليتلاعب مجدداً ويمارس غوايته في النكوص والخديعة. وهو إن لم يسعفه الوقت وتعقيدات الواقع في الانقلاب على مبدأ الرحيل أو حتى تأخيره، فربما على الأقل سيكون بمستطاعه خلط الأوراق، وربما أيضاً السعي لتحقيق بعض الإنجازات على أرض الواقع، والتأسيس لصناعة مستقبل مختلف يرى أنه يجب أن يتجاوز الواقع ورغبات خصومه وما يرسمه مناوئوه له ولأسرته.

وليس بمستبعد أن يتطلب مثل ذلك محاولات يسعى من خلالها إلى تصفية بعض خصومه الأقوياء، سواء في حزبه – ممن بات يشعر بمخالفتهم لرغباته وربما رغبتهم في إزاحته – أو من قيادات أحزاب المشترك والمشايخ والقادة العسكريين، ممن يشعر بأنهم سيكونون حجر عثرة أمام هذا المستقبل الذي يسعى لصناعته.

إن قانون الحصانة المثير للجدل، والذي من الواضح انه يعول عليه كثيراً في تأمين المستقبل له ولأولاده وأتباعه المقربين، ليس فقط سيمنحه حصانة الإفلات من العقاب، بل قد يمنحه القدرة على تحقيق أهدافه تلك والتحرك بحرية وآمان في خضم الفعل السياسي خلال المرحلة القادمة. وعوضاً عن ذلك، فهو قانون يتوقع أن يثير جدلاً داخلياً وخلافات بين مكونات أحزاب المشترك والثوار، ما يمكنه من استغلاله في مصلحته.

على أن ذلك ربما لن يتحقق كله أو بعضه على أرض الواقع في حال ظل المجتمع الدولي الوسيط مواصلاً رقابته عن كثب، حريصاً على مواصلة مسيرة الإنقاذ، في الوقت الذي يتوجب فيه أن يكون قادراً ليس على التهديد فحسب وإنما على اتخاذ قرارات تنفيذية قوية وعقوبات رادعة وشجاعة ضد كل من يثبت عرقلته عملية التنفيذ.

إن أحزاب المشترك اليوم، من جهتها، باتت أكثر خبرة وتجربة بألاعيب صالح وخدعة، وهي لذلك من الواضح أنها قررت أن تواصل عملية تنفيذ المبادرة وآليتها التنفيذية جنباً إلى جنب مع المجتمع الدولي. ومع أنها تدرك جيداً حجم تلك الصعوبات التي ستواجهها ليس فقط من خلال العراقيل والألاعيب المتوقعة من جهة حزب صالح فحسب، بل أيضاً تلك الصعوبات الآتية من جهة رفض الشارع الثائر بسبب تنفيذ بعض النقاط المثيرة للجدل، ومع ذلك إلا أنها قررت المضي قدماً بكل شجاعة، كونها تدرك النتائج التي ستتحقق للوطن ككل من وراء ذلك على المدى البعيد.

والحق، أن من يراقب تصرفات صالح وأبرز معاونيه فإنه سيلحظ أن ثمة تخوفاً من سلوك أحزاب المشترك الأخير في تمهيد الطريق لتنفيذ بنود المبادرة من طرفها بكل حماس، بما في ذلك إصدار قانون الحصانة واختيار مرشح التوافق للرئاسة عبد ربه منصور هادي. وهو ما يثير حفيظة الطرف الآخر، الذي ربما كان يخطط للتنصل عن التنفيذ ولكن بعد أن تمنحه أحزاب المشترك المبرر أولاً. وهو ربما كان - لبلوغ ذلك - يعول على تكريس الخلافات القائمة بين أحزاب المشترك مع مكونات الشارع المندفعة بقوة نحو رفض مجموعة من البنود التي تضمنتها المبادرة وآليتها التنفيذية مثل: بقاء صالح في السلطة لثلاثة أشهر إضافية، ومنحه ومعاونيه الحصانة من المحاكمة وكذا الاتفاق على انتخاب عبد ربه منصور هادي مرشحا وحيدا للرئاسة.

وفي جلسة مجلس النواب الاثنين (9 يناير)، فشل مخطط آخر لحزب صالح (بعد فشل مخطط الاستفزاز الذي حدث مع مسيرة الحياة والذي كان يهدف من ورائه إلى إحداث تصدع وتفكك نتيجة الخلافات بين مكونات الثورة مع أحزاب المشترك). وتنبهت كتلة المشترك بمجلس النواب لهذا المخطط الجديد حين لم تأكل الطُّعم الذي قدم لها من رئيس المجلس الراعي الذي كان طلب بضرورة أن يقرأ أحد أعضاء كتلة المشترك قانون الحصانة ويدرجه ضمن جدول المجلس بدلاً عن الحكومة. وكان يهدف من ذلك إلى إثارة الشارع - الرافض للقانون – ضد المشترك الذي كان سيظهر على أنه هو من يسعى قبل المؤتمر لمنح صالح الحصانة. لكن المشترك بدلاً من ذلك كان هو من أوقع حزب صالح في مصيدة أخرى حين قدم عريضة موقعة من مجموعة من الأعضاء تدعو كتلة المؤتمر للموافقة على إعلان عبد ربه منصور مرشحاً توافقياً وحيداً للرئاسة تنفيذاً لبنود المبادرة الخليجية. وهو ما أثار ارتباكاً داخل كتلة المؤتمر، التي ظهرت وكأنها ترفض هذا الترشيح. ما يعزز، ربما، حقيقة تلك التسريبات عبر الصحافة بوجود خلافات بين صالح ونائبه.

على أن مثل هذه القضايا، من وجهة نظر أخرى، توحي بوجود إشكالية عميقة تتعلق بمسألة انعدام الثقة بين طرفي حكومة الوفاق الوطني. وهذا بحد ذاته يتناقض تماماً مع أهم القواعد الأساسية التي تؤسس على ضوئها أي حكومة وفاق وطني: ضرورة تطبيع العلاقات. ما سيعني في نهاية المطاف أن الحلول الواردة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لم تزد على أنها ربما تكون قد نجحت في تأخير حتمية الانفجار، إلا أنها لم تحسمه بشكل نهائي.

ومع أن الآلية التنفيذية المرافقة للمبادرة الخليجية، تضمنت 30 مادة تنفيذية مفصلة، ومع أن معظم تلك المواد كانت تتضمن هي الأخرى بنوداً وتفرعات تفصيلة دقيقة، حرصت فيها على احتواء وتفصيل أغلب ما كان يتوقع أنه سيثير مشكلة قادمة.. إلا أن ثمة، ربما، من يريد أن يؤكد أن الأمر ما زال بحاجة إلى مزيد من التدخل الدولي في تفسير وشرح مواد تلك الآلية، وهذا ربما يهدف من وراءه إطالة أمد الأزمة وصولا إلى تحقيق المزيد من المكاسب.
وما يدعوا للتفاؤل قليلاً هو أن المجتمع الدولي ربما يكون قد اكتسب تجربة ثرية خلال أشهر السنة طوال فترة تعامله مع الأحداث المرافقة للثورة اليمنية. ومن المفترض أنه بات يدرك تماماً أساليب المكر والخداع والتضليل.

فلأكثر من ثلاث مرات متقاربة تكررت وعود صالح والتزاماته أمام المجتمع الدولي بقبول المبادرة الخليجية، ومن ثم نقضه لها لاحقاً، بهدف كسب الوقت وتحقيق مزيد من المكاسب من خلال تعديل المبادرة أربع مرات، بطلب منه. لكنها (المبادرة الخليجية)، بعد كل ذلك، ظلت بحاجة لملحق تنفيذي، كان صالح أيضاً هو من طالب به، فكانت «الآلية التنفيذية».

ولأن المجتمع الدولي الوسيط كان يدرك أن رجلاً مثل صالح لا يمكن الوثوق به، فقد كان قرار مجلس الأمن رقم 2014، بمثابة الضامن الأكثر فاعلية لإجباره على التوقيع.

مع ذلك كله، إلا أن كثيرين لم يبارحوا يقينهم بأن الرجل غير جاد بتنفيذ التزاماته، مشككين في أنه أنما وقع فقط تحت مكابس الضغوط الدولية المكثفة، حتى يتجنب ما كان سيترتب من إجراءات وعقوبات فيما لو انتهت الفترة الأولى التي حددت بقرار المجلس الدولي، ولذلك فهو لن يتوقف عن التآمر والتخطيط والالتفاف على كل ما يمكن أن يفصله عن السلطة بسهولة.

ولعل مثل تلك التجربة الدولية الخصبة مع رجل مثل صالح، هي التي جعلت مسؤولاً في الخارجية الأمريكية يشكك بنواياه، بعد يوم واحد فقط من توقيعه على المبادرة الخليجية في الرياض، وذلك حين أعرب هذا المسؤول الأمريكي لجريدة الشرق الأوسط عن تشككاته تلك بالقول: «هناك شيء ما يجعلنا نشكك في نواياه الحقيقية».
----------------------
صحيفة المصدر الأسبوعية المستقلة - 10 يناير 2011/ العدد 188

الأربعاء، 4 يناير 2012


تعقيدات زيارة صالح إلى واشنطن

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مع أنه بات في حكم المنتهي سياسيا، إلا أنه ما زال يروق لصالح أن يظل مثار جدل على النحو الذي يجعل منه مادة مثيرة تتصدر العناوين الرئيسية للأخبار.

وعلى شاكلة ما يثار اليوم من جدل حول مسألة أنه: سيسافر إلى أمريكا. لا، لقد قرر مؤخراً أن لا يسافر..!، على غرار ذلك، كنا قد قرأنا الكثير من الجدل في السابق على النحو ذاته: هل سيوقع؟ لا, لقد رفض أن يوقع..! هل سيعود؟ لا، لن يعود..! بل لقد قرر مؤخراً أن يعود..!

ليس في المسألة دهاء بقدر ما يمكن إثبات وقائع جدية تؤكد أن الأمر لا يعدو عن كونه تخبطاً وعدم قدرة على تقدير النتائج. وعلى الأرجح فإن المسألة برمتها ربما تكون في الأساس نابعة من القلق، الخشية التي تستبد بكل ذي جرم من المصير السيئ. وليس ثمة ما هو أسوأ من مصير ينتظره من عاث وأفسد، قتل وأمر بالقتل، اعتقل، خطف وعذّب، ..الخ، وهاهو اليوم، فوق أنه بات محاصراً في زاوية ضيقة، يعاني من أمراض خطيرة يقال إنها تتهدد حياته بشكل جدي. ومع ذلك، حين يقرر أن يسافر – سواء كان قراراً للنجاة والتملص أم للاستتطباب –يواجه صعوبات إجرائية وتهديدات بتلقفه للعقاب.

مساء مسيرة الحياة (24 ديسمبر)، كان واثقاً أثناء المؤتمر الصحفي وهو يرد على أحد الأسئلة بخصوص سفرة، مؤكداً: أنه سيغادر إلى الولايات المتحدة، في زيارة ليست للعلاج – فهو، كما ادعى، بخير – بل لإفساح المجال للحياة السياسية أن تستوي وتستقر بدونه.

وخلال الفترة مذّاك اليوم، وحتى الأمس (الاثنين 2 يناير) تعقدت إجراءات السفر ومسألة منح التأشيرة، على خلفيات وخلافات كبيرة اصطرعت – على ما قيل ونشرته كبريات الصحف الأمريكية - داخل أروقة ودهاليز البيت الأبيض وصانعي القرار الأمريكي والرأي العام هناك، بين مؤيد لاستقباله (لتجنيب اليمن مهالكه)، ورافض له بقوة (باعتباره مجرماً انتهك حقوق شعبه).

حتى كان التصريح الصادر عن أحد أعضاء السكرتارية الإعلامية له، أمس، من أنه (صالح) ألغى قرار السفر إلى الولايات المتحدة. في الواقع بدا التصريح في ظاهرة أشبه بكونه رضوخاً للأمر الواقع لمواجهة كل تلك المنغصات. بيد أن جهة وطريقة صدوره تشي أن باطنه يحمل تهديداً أريد له أن يوجه ضد الجميع، مفاده: لن يغادر وسيظل هنا، ثم انظروا كيف يمكن للحياة السياسية أن تتعكر بسبب ذلك؟ وهذا أمر من السهل استنباطه قياساً بتصريحاته في المؤتمر الصحفي أنه سيغادر من أجل عدم تعكير الأجواء السياسية وإفساح المجال أمام حكومة الوفاق لإنجاز مهامها.

فأما أحمد الصوفي، وهو واحد من مجموعة من السكرتيرين الإعلاميين لصالح، فقد برر قرار إلغاء السفر، في تصريحات لراديو سوا أمس، بسبب الاختلاف – مع واشنطن - حول طبيعة الزيارة. والتي لم يكن ميعادها قد تحدد بعد. وقال إن واشنطن أرادت «أن تحصر الأمر لغرض العلاج». وهو ما كان محل نقد الصوفي الذي اعتبر أن التعامل مع رئيس عربي على هذا النحو «لا يمكن التعاطي معه باعتبار أنه طالب علاج إنساني».

لكن صحيفة أخبار اليوم – اليمنية – وفي عددها الأحد الماضي، كانت كشفت على لسان دبلوماسي خليجي رفيع لم تسمه، قوله: إن حزب المؤتمر الشعبي العام اشترط المصادقة على قانون الحصانة من الملاحقة للرئيس علي عبد الله صالح وأبنائه ومعاونيهم قبل سفر صالح خارج اليمن لاستكمال العلاج. وبحسب الدبلوماسي، فإن قرار إرجاء السفر إلى أجل غير محدد، كان اتخذ في اجتماع السبت الماضي الذي ضم صالح وقيادات حزبه، وذلك على خلفية تأخر إقرار قانون الحصانة في البرلمان.

وإذا كان الأمر كذلك، وهو الأكثر ترجيحاً، فإن تصريحات الصوفي تلك لم تكن إلا لتشتيت الانتباه. ذلك أن إصرار واشنطن على منح تأشيرة زيارة للعلاج لربما كانت محاولة للالتفاف – وهذا أمر ربما كان الصوفي يدركه تماماً – بهدف تحقيق غايتين: الأولى تجنب انتقادات الجهات والمنظمات الحقوقية الأمريكية للبيت الأبيض، والأخرى: توخي مصلحة حليفها السابق من حيث أن ذلك – وهذا أمر بحاجة إلى المزيد من التأكد – قد يفوت على المنظمات الحقوقية الأمريكية رفع قضية ضد صالح أمام المحاكم المتخصصة هناك في حال وصوله واشنطن باعتباره أحد الرؤساء المستبدين الذين ثبت ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية بحق شعوبهم. وذلك من حيث أن «التأشيرة ستمنح لجوءاً ضمنياً لصالح» بحسب ما توقعته صحيفة واشنطن بوست في إحدى افتتاحياتها نهاية الأسبوع الماضي.

وكان مركز «الحقوق الدستورية»، وهو منظمة أمريكية، هدد بمقاضاة صالح حال وصوله الأراض الأمريكية. وقال إنه سيستند إلى قانون أميركي «في تقديم الرئيس اليمني إلى العدالة بسبب جرائم ضد الإنسانية ارتكبها في حق الشعب اليمني»، وفق ما قال الناشط الأميركي من أصل يمني إبراهيم القعطبي في نيويورك. (صحيفة الحياة الصادرة من لندن – الجمعة 30 ديسمبر).

وتؤمن أوساط، داخل حزب صالح ومقربة منه بأهمية إصدار قانون الضمانات قبل زيارة صالح، في الوقت الذي تعتقد فيه أن صدور مثل هذا القانون في ظل وضعه الحالي كرئيس للجمهورية سيجنبه أي تحرك قانوني داخل الولايات المتحدة.

وهذا الاعتقاد يستند ربما إلى تصريحات مايكل هانا زميل مؤسسة «ذا سينشري» وخبير القانون الجنائي والعدالة الانتقالية، الذي قال لوكالة رويترز، الجمعة 30 ديسمبر: «إن من المرجح أن يحمي هذا الوضع صالح من أي تحرك قانوني خلال وجوده في الولايات المتحدة ولكن ليس بعد أن يفقد وضعه الحالي».

والتصعيد الأخير من جهة صالح ومناصريه في حزبه، ربما كان يهدف إلى الضغط من أجل إصدار قانون منح الحصانة والضمانات، وجاء على خلفية ما تردد مؤخراً بخصوص أن ثمة اتفاقاً أولياً، لم يتأكد صحته بعد، مازال قيد الدراسة والتمحيص بين أطراف دوليه، معنية بالإشراف على تنفيذ بنود المبادرة وآليتها التنفيذية، مع حكومة الوفاق الوطني، يتجهون فيه إلى سن تشريع للمصالحة الوطنية بدلاً عن مشروع قانون للحصانة. وذلك بحسب صحيفة البيان الإماراتية نقلاً عن مصادر سياسية يمنية.

وأضافت المصادر للصحيفة انه وفقاً لقواعد مبدأ العدالة الانتقالية المعمول به دولياً، ولتجنب الجدل الذي أثاره الالتزام بمنح صالح ومعاونيه حصانة من الملاحقة القضائية، فان الاتجاه الآن سيكون نحو إعداد مشروع قانون للمصالحة الوطنية, ستقوم الحكومة بإعداده خلال الأسبوع المقبل على أن يعرض على البرلمان ليصادق عليه في النصف الثاني من يناير.

وهو الأمر عينه الذي أشار إليه الدبلوماسي الخليجي لصحيفة أخبار اليوم، الأحد، من أن الوسطاء الدوليين يتجهون نحو إقرار «مشروع العدالة الانتقالية» بدلاً عن قانون الحصانة الخاص بصالح ومعاونيه غير أن ذلك، وبحسب الدبلوماسي نفسه، «لم يلقَ أي استحسان لدى الحزب الحاكم».

وعليه، وعلى ما يبدو، فإن ذلك أدى إلى التراجع عن تلك الفكرة والعودة إجباريا نحو إقرار قانون الحصانة تنفيذاً لما نصت عليه المبادرة. إذ وحسبما ذكرت صحيفة الخليج الإماراتية، أمس الاثنين، فقد أقرت الحكومة اليمنية، الأحد، مسودة مشروع قانون الحصانة.

وفيما ذهبت الصحيفة، التي استقت معلوماتها مما قالت إنها مصادر سياسية، انه من المقرر أن تحيل الحكومة القانون إلى مجلس النواب لإقراره، فإنها لم تشر أو تحدد سيكون ذلك بالضبط.

وعليه، فمن المتوقع أن ينال صالح مراده بإصدار قانون الحصانة خلال الأيام القادمة، إلا أنه لم يعد واضحاً فيما إذا كان ذلك سيضفي أطمئناناً على مخاوفه من مسألة المحاكمة، وبالتالي يقرر مجدداً زيارة واشنطن؟ على أن القرار النهائي بهذا الشأن سيكون مرده حاجته الماسة للاستطباب في واشنطن من عدمها.

وبفرض أن ذلك تم له، بحيث باتت مسألة تفادي المحاكمة مأمونة الجانب، وذلك فيما لو نجحت فكرة منحه التأشيرة للعلاج مع ما يمكن أن تضمن له «لجوءاً ضمنياً»، إلا أن مسألة المحاسبة، على أية حال، ستظل قائمة مستقبلاً. وبحسب مايكل هانا، لوكالة رويترز، فإن «قدومه [صالح] إلى الولايات المتحدة من عدمه لا يصادر على أي عمليات محاسبة مستقبلاً». وأضاف: «سجله مدوّن في سجله وهذا سيبقى».
--------------------
نشرت في صحيفة المصدر الأسبوعية: الثلاثاء 3 يناير 2012 - العدد 187