الاثنين، 21 مايو 2012

مصير أهداف ثورة التغيير بعيدا عن مأساة أطفال اليمن


 في قلب اليونيسيف..ولم يدخلوا بعد عقل الحكومة


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
على مدى عام ونصف – تقريبا – من الثورة الشعبية السلمية في بلادنا، قتل ما يقارب (3000) يمني، عند أفضل التقديرات..

أمام هذا الرقم - يزيد أو ينقص قليلا - يستميت الكثيرين في وجه من يستهينون به، فيما أن الجميع تقريبا لا يأبهون بوفاة (69,000) طفل يمني كل عام، قبل بلوغهم سن الخامسة.

إن هذا الرقم المفزع، الذي مازال يرد، حتى اليوم، في تقارير منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، تم إحتسابه تقريبيا على أساس أن (77) حالة وفاة تحدث بين كل (1000) حالة ولادة حية. ووفقا لمنظمة الدولية فذلك يعد"واحدا من أعلى معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."

عاطفيا، يمكن تبرير ذلك الغضب الجماعي العارم، وتلك الحالة النفسية المفعمة بالحزن، نتيجة لما أحدثته رصاصة قناص قاسي القلب، إذ اخترقت قلب الطفل أنس السعيدي (10 أشهر) في شارع هائل (19 سبتمبر 2011 )..

لكن، منطقيا، لا يمكن تفسير عدم التأثر جماعيا بموت (190) طفلا يمنيا بشكل يومي (هذا الرقم تقريبي محسوب رياضيا على أساس معدل الوفيات السنوية) نتيجة لمرض صحي أو غيره من المسببات الأخرى لهذا العدد الكبير من الوفيات.

• الثورة غيرت في المشهد السياسي فقط
قبل عام وبضعة أشهر خرج اليمنيون إلى الساحات يحدوهم أمل تغيير أوضاعهم المزرية.. في وقت، كانت الأرقام والإحصاءات الحيوية، تضع اليمن واليمنيين في أسوء المراتب العالمية.

وبعد مرور عام وبضعة أشهر، على انطلاقة ثورة التغيير، أصبح من الممكن الحديث عن تقدم وتغييرات ملموسة شهدها الواقع السياسي، فيما أن الحقائق الإحصائية والأرقام الحيوية لم تشهد أي تغييرا إيجابيا. بل على العكس كان يمكن – هنا - ملاحظة حدوث تغييرات سلبية نحو الأسوأ دائما.

وحتى الآن، يبدو أن رأسمال اليمنيين في تغير واقعهم المزري نحو الأفضل ليس اكثر من وعود دولية تجسدها تصريحات أشبه ما تكون بالتوقيع على شيكات مؤجلة الدفع.

• نتيجة أن يظل جيل المستقبل عرضة للخطر
إن الأرقام التي مازالت تقارير منظمة اليونسيف توردها بشأن سوء أوضاع الطفولة في اليمن، تؤكد بأن الخطر المستقبلي مازال قائما، من ناحية، ومن ناحية آخرى، فهي تقرر – في سياق ذلك – أن البلاد ستكون عاجزة عن تحقيق أهداف التنمية. وعلى هذا النحو، قد يصل بنا الحال – إفتراضيا - إلى الحديث عن فشل الثورة في تغيير الواقع..!

في أحد تقاريرها التي نشرتها مؤخرا تحت عنوان "سوء التغذية في اليمن"، تقرر منظمة اليونيسيف هذه الحقائق: "تعتبر اليمن من الدول الأقل نمواً والتي قد لا تستطيع تحقيق أهداف الألفية التنموية بحلول 2015م. ويعيش أكثر من نصف السكان على أقل من دولارين في اليوم ولدى اليمن أعلى معدلات وفيات الأطفال دون سن خمس سنوات في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."، وأستشهد التقرير بتلك الأرقام المفزعة التي أشرنا إليها في المقدمة.

وعليه يعتقد المسئول الإعلامي في المنظمة، محمد الأسعدي، في تصريحات خاصة بموقع المصدر أونلاين، أنه مالم تشمل وعود المساعدات الدولية حزمة من المساعدات العاجلة، تركز على معالجة الأوضاع السيئة والمتدهورة للطفولة في اليمن، لما من شأنه العمل على خفض المعدل الكبير في وفيات الأطفال، فإن الأهداف الإنمائية التي تسعى بلادنا والمجتمع الدولي إلى تحقيقها، لن تحقق نجاحا كبيرا، وقد تفشل على المدى البعيد طالما ظل جيل المستقبل في اليمن – المعني الأول من التغيير – معرضا إما للموت، وإما لكوارث صحية تبقيه معتلا على الدوام، ما سيجعله غير قادر على أن يكون هو جيل الإنفاذ، الذي من المفترض أن تسند إليه مهمة مواصلة عملية التغيير بنجاح، استثمارا للتغيير الحاصل اليوم على المدى الطويل.

• مستقبل البلاد مهدد 
عندما خرج الشباب والكهول إلى الشوارع في فبراير 2011، إحتجاجا على سوء الأوضاع، مطالبين بتغير النظام الفاسد، فقد كانوا – دون شك - يضعون مستقبل أولادهم في أعلى قائمة أولويات الأهداف المنشودة من التغيير. ذلك من حيث انهم كانوا يدركون جيدا أن التغيير بحاجة إلى تضحيات كبيرة، وعليه فقد كانوا مستعدين على الدوام للتضحية بأغلى ما لديهم، أرواحهم، من أجل خلق مستقبل أفضل لأبنائهم..

لقد أستشهد الألاف وهم ينشدون تحقيق تلك الأهداف المشروعة للثورة السلمية. وشهد من تبقى على قيد الحياة تغييرات جوهرية طالت شخوص ومراكز قوة النظام السابق، لكنهم ما زالوا ينتظرون أن تحقق ثورتهم المزيد من الإنتصارات العملية على أرض الواقع، بما فيها إحداث تغييرات جذرية تطال عمق وبنية النظام السابق وصولا إلى التنمية المستدامة..

لكن التنمية المستدامة، لن تتحقق مالم تركز على المحور الرئيسي فيها: الإنسان. وبحسب التقارير الرسمية المحلية والدولية، فإن الأطفال في اليمن يمثلون أكثر من نصف عدد السكان.

وإذا كان حوالي (69,000) طفل يمني يموتون كل عام في بلادنا، قبل بلوغهم سن الخامسة، فإن ثمة أسباب تقف خلف تلك الكارثة الإنسانية، تتوزع وتتداخل بين أسباب صحية وثقافية تعليمية، وقانونية إجرائية، وغيرها..وقبلها ومعها وبعدها، يمثل السبب الإقتصادي والفقر أكثر العوامل المسببة للوفاة.

ومع هذه الظروف القاسية، لا أحد يمكنه أن يجزم، ان الطفل الشهيد أنس السعيدي، كان سينجوا من الموت بسوء التغذية مثلا، فيما لو كان قد نجا من تلك الرصاصة القاتلة.

• سوء التغذية 
"هناك ما يقرب من مليون طفل في اليمن يعانون من سؤ التغذية المتوسط والحاد والمتمثل في الهزال والتقزم"، طبقا لأخر تقرير أصدرته منظمة اليونسيف بهذا الشأن. كما يؤكد التقرير "أن هناك أكثر من 260 ألف طفل في اليمن يعانون من الهزال الشديد والذي قد يعرضهم للموت هذا العام بسبب سوء التغذية أو قد يعانون مدى الحياة من تأثيره على نموهم الجسدي والذهني، إذا لم نتخذ الإجراءات المناسبة".

وإذ تلفت المنظمة إلى أن "سوء التغذية أمر يمكن الوقاية منه، .."، فإنها تعتبر "إن النزاعات والفقر والجفاف، إضافة إلى الاضطرابات الحاصلة في البلاد منذ العام الماضي وارتفاع أسعار الغذاء والوقود وانهيار الخدمات الاجتماعية، كلها عوامل تهدد صحة الأطفال وبقائهم."

وسؤ التغذية هنا ليست مرتبطة بالتغذية فقط، حسب تقرير المنظمة، فهناك مجموعة عوامل تسهم في وصول إلى الأطفال إلى مرحلة سؤ التغذية منها: عدم توفر المكونات الغذائية اللازمة في الطعام الذي يتناوله الطفل، وعدم توفر المعادن اللازمة لعملية بناء الجسم، إضافة إلى عدم توفر المياه الآمنة للشرب – وغياب الصرف الصحي، وتراجع وربما إنقطاع الخدمات الصحية والرعاية الأسرية في معظم أرجاء البلاد جراء الأزمة وطوال عام 2011.

وهنا تضع المنظمة اليمن كثاني دولة في العالم، بعد أفغانستان، من حيث ارتفاع معدل سوء التغذية المزمن بين الأطفال. إذ تصل نسبة النمو المتعثر فيها إلى 58 بالمائة. ويعاني حوالي 30 بالمائة من الأطفال في بعض المناطق من سوء التغذية الحاد، وهي نسبة تشابه ما يشهده جنوب الصومال حاليا وتصل إلى ضعف الحدود المعترف بها دولياً والتي تنذر بوجود حالة طوارئ.

وفي الواقع، فإن الأطفال المصابون بسوء التغذية، يكونون أكثر عرضة لخطر الموت عند تعرضهم لأمراض وإصابات أخرى أقل خطر. وعلى سبيل المثال فإن مرض الحصبة يتعافى منه معظم الأطفال في غضون أسبوعين أو ثلاثة، لكنه يتحول إلى مرض خطير وفتاك عندما يصاب به الأطفال المصابين بسوء التغذية، لأنهم في مثل هذه الحالة سيعانون من مضاعفات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى الموت.

وهذا ما أدى إلى إرتفاع نسبة الوفيات من الأطفال دون سن الخامسة بسبب مرض الحصبة إلى 126 طفلا، من بين 3600 حالة حصبة تم التبليغ عنها خلال الأشهر القليلة الماضية.

• الاضطرابات المدنية 
إن اطفال اليمن، لا تقتصر مشاكلهم على الفقر والصحة وسوء العناية والإهتمام، بل تتجاوز ذلك – وربما دونا عن معظم نظرائهم في الدول الفقيرة - لتتضاعف أكثر بفعل الاضطرابات والنزاعات المسلحة.

ويقول تقرير بهذا الشأن لمنظمة اليونسيف أن إجمالي عدد النازحين في المحافظات الشمالية والجنوبية والوسطى، بفعل الإضطرابات والمواجهات المسلحة والحروب بلغ (420.000) نسمة، منهم حوالي (80.000) من الأطفال دون سن الخامسة، و (80.000) امرأة حامل أو مرضع في مواقع الطوارئ وحدها. وأدى نقص المياه الصالحة للشرب إلى زيادة تفشي الأمراض المنقولة عن طريق المياه، مثل الكوليرا والاسهال المائي الحاد.

كما أن تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة في أجزاء أخرى من البلاد يثير مخاوف متزايدة. وقد أثرت الاضطرابات على رفاه الأطفال نفسياً واجتماعياً، وزادت عمالة الأطفال والإتجار بالأطفال واحتمالات الزواج القسري المبكر للفتيات كإحدى آليات التكيف الاقتصادي. تقول المنظمة الدولية.

إضافة إلى تلك الكوارث، تشير اليونسيف إلى كوارث ومأس إضافية، تخلفها الإضطرابات والنزعات المسلحة والحروب البينية، مثل تلك التي تخلفها الألغام الأرضية. وبهذا الصدد أعربت المنظمة – في أبريل الماضي - عن قلقها البالغ حول تزايد عدد القتلى بين الأطفال نتيجة حوادث الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة خلال الفترة الماضية.

وقالت أنه "تم الإبلاغ عن مقتل 13 طفلا وتشويه 12 اخرين بسبب إنفجار الألغام الأرضية ومخلفات الصراعات المسلحة في 12 حادث خلال الثلاثة الأشهر الأولى فقط من العام الجاري. ووقعت تلك الحوادث في أبين وعدن ولحج (جنوب البلاد) وحجة وصنعاء (شمال البلاد).

وأضافت "لقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في مقتل 28 طفلاً وتشويه تسعة اخرين عام 2011، بمن فيهم ضحايا حادث إنفجار مصنع الذخيرة في محافظة أبين، في مارس من العام الماضي، والذي أودى بحياة 18 طفلاً وإصابة أربعة اخرين".

ويعتبر السيد جيرت كابيليري، ممثل منظمة اليونيسف في اليمن أن هذه الإحصائيات مثيرة جداً للقلق، ويقول: "أن عدد الضحايا من الأطفال في الثلاثة الأشهر الأولى من عام 2012 يقترب كثيراً من مجموع الضحايا لعام 2011 وهذا أمر مقلق للغاية."

بل أن الاضطرابات المدنية، تتعدى نتائجها لتزيد من سوء الأوضاع الصحية. وبحسب المنظمة اليونسيف، فإنه وكنتيجة مباشرة للنزاع في عام 2011، انخفضت معدلات التحصين بشكل كبير، بنسبة تصل إلى 60٪ في بعض المناطق. وهذا الانخفاض في تغطية التحصين يعرض الأطفال إلى أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة مثل شلل الأطفال والحصبة.

• احتياجات الإنقاذ وتحذير من الفشل
تسعى منظمة اليونسيف في اليمن، وفق خطة طموحة للعام 2012، إلى معالجة تلك المشاكل وإنقاذ جيل اليمن القادم، محاولة إخراجه من أزماته المتكالبة والمتراكمة، حتى يكون قادرا على إستثمار التغيير الحاصل اليوم ومواصلة بناء مستقبل اليمن الجديد بنجاح وقدرات عالية.

وبالتوافق مع متطلبات عملية النداءات الموحدة (CAP)، تطلب اليونيسيف (49) مليون، و(807) ألف دولار أمريكي لشراء اللوازم الأساسية وتنفيذ التدخلات المقترحة في جميع المحافظات اليمنية.

لكن المنظمة الدولية، تحذر من أن نقص التمويل سيؤدي إلى إضعاف حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإهمال وسوء المعاملة والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة بصورة خطيرة. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون حوالي 53000 طفل معرضين لمخاطر سوء التغذية ونقص المياه والصرف الصحي وزيادة الوفيات والأمراض.

وحتى الأن، نجحت اليونيسف في الحصول على تمويل بنسبة 30% من المبلغ المطلوب حتى الآن من عدد من المانحين، وسط مخاوف من عدم توفر المبلغ اللازم لمساعدة ملايين الأطفال سواء باللقاحات والتغذية العلاجية ودعم التعليم والحماية والتأهيل النفسي للمتضررين من النزاعات المسلحة والنزوح وتوفير مياه الشرب لألاف الأسر المتضررة.

ويبقى السؤال: إذا كانت منظمة اليونيسيف تحمل في قلبها هم إنقاذ مستقبل اليمن على المدى المنظور والبعيد، من خلال تركيزها على معالجة كوارث وأزمات الطفولة (جيل المستقبل)..فأين يتموضع هذا الجيل بمشاكله وكوارثة بالنسبة لهموم حكومة التوافق الوطني نفسها؟

في الوقت الراهن، ستظل الإجابة معلقة، لكنها ربما لن تكون كذلك بعد ثلاثة أيام بالكثير. وسيتوجب علينا أن ننتظر حتى ينفض مؤتمر أصدقاء اليمن المقرر إنعقاده في الرياض، الأربعاء 23 مايو الجاري..لنعرف الإجابة من خلال نوعية المشاريع والمطالب التي ستقدمها الحكومة للمؤتمر.
----------------------------------
نشرت على موقع المصدر أونلاين بتاريخ 20 مايو 2012

الأربعاء، 9 مايو 2012

هادي يخوض مواجهة مزدوجة المصالح





يواجه الرئيس اليمني الجديد، عبد ربه منصور هادي، رزمة كبيرة من المشاكل المعقدة، المتداخلة والمتنوعة بين سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، كان قد ورث معظمها –إن لم يكن جلها- من النظام السابق.

وورث هادي بلدا شبه فاشل, فهو إلى جانب أنه أصبح في حكم المنهار اقتصاديا، مازالت الاختلافات والتوترات السياسية محكومة –حتى اليوم- بانعدام الثقة، مع توسع ملحوظ للتشظيات الاجتماعية، في وقت مازالت فيه المؤسسة العسكرية منقسمة إلى جبهتين شبه متكافئتين بالقوة: الأولى تتبع عائلة رأس النظام السابق، بينما الأخرى تتبع القيادات العسكرية المناصرة للثورة الشعبية.في الواقع، ربما كان هادي –قبل انتخابه رئيسا توافقيا في 21 فبراير/شباط الماضي– يدرك تماما أنه سيرث تركة ثقيلة من نظام كان هو نفسه جزءا منه، إلا أن المرجح أنه حين قبل بذلك، ربما كان ينظر إلى مستقبل البلاد بعيون المجتمع الدولي، الذي قدم وعودا مغرية والتزامات كبيرة بالمساعدة والوقوف إلى جانبه خطوة بخطوة، في سبيل حلحلة كافة تلك القضايا، وبشكل خاص خلال فترته الرئاسية المحددة بعامين من بداية انتخابه.
غير أن جزءا مما يحدث اليوم، قد يضع هادي أمام أعباء إضافية، من حيث مواجهة مصالح دولة عظمى، أكثر تأثيرا كأميركا, سواء تجاوب كليا مع رغباتها في توسيع نطاق عملياتها في محاربة الإرهاب، أم حتى في حال أبدى تجاوبا جزئيا مشروطا، لكنه قد يخرج عن السيطرة، تبعا لما قد تفرضه حاجته الماسة إليها للمساعدة في التخلص من التحدي الأكبر والمشترك، القادم من تنظيم القاعدة.


مع انتخاب هادي رئيسا، لوحظ تصاعد سيطرة القاعدة على عدة مناطق جنوبية، تركزت معظمها في محافظة أبين التي ينتمي إليها الرئيس، وهو ما يعد تحديا شخصيا له
مواجهة القاعدة.. أكثر الأولويات الملحة 
مع أنه كان جزءا من النظام السابق، الذي خاض اليمنيون ثورة عارمة لإزاحة رموزه عن السلطة مع مطلع عام 2011، إلا أن رجلا هادئا، كـ "هادي"، كان هو الخيار الوحيد المتاح –كحل توافقي- أمام إتمام الصفقة السياسية، التي قادها المجتمع الدولي، عبر المبادرة الخليجية.
ولقد قبل الرجل بأن يكون هو المنقذ، بكونه الأنسب، مدركا في حينه أن المرحلة التي أسندت إليه، ستكون هي الأخطر في تاريخ البلاد. طبقا لتصريحات متكررة أصدرها في مناسبات مختلفة. ومع ذلك، فربما أصبح من الممكن القول: إن "هادي"، اليوم، ربما بات يدرك –أكثر من السابق- حجم وعظم المخاطر والصعوبات، والعوائق التي سيتوجب عليه مواجهتها، وتجاوزها لإنقاذ البلاد.
ومع انتخابه رئيسا، لوحظ تصاعد سيطرة هذا الفرع الإرهابي على عدة مناطق جنوبية، تركزت معظمها في محافظة أبين التي ينتمي إليها "هادي"، ما اعتبر بمثابة التحدي له شخصيا. وبدا أن مثل هذا المتغير، انعكس على تحديد الأولويات الأكثر أهمية على المدى القصير في أجندة الرئيس الجديد. وبحيث بات من الملاحظ أن المسألة الاقتصادية العويصة، أو إشكالية الخلافات والتجاذبات السياسية، القائمة على أساس من انعدام الثقة بين طرفي المعادلة السياسية المورثة من الماضي، وربما، في السياق أيضا، تلك التشظيات الاجتماعية المتوسعة، لم تعد هي القضايا الرئيسية الهامة التي يفترض بها أن تثير اهتمام ومخاوف الرجل بقدر ما كانت تقلقه أكثر مسألة توسع وانتشار وطغيان حضور فرع تنظيم القاعدة في اليمن، المعروف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وحتى حين كانت تحضر تلك القضايا الأخرى، باعتبارها رئيسية في مجال اهتماماته.. كان يمكننا –بقليل من التركيز- أن نتأكد، غالبا، من حضور قضية الحرب على القاعدة، بشكل أو بآخر، باعتبارها -في نهاية المطاف– هي القضية الأكثر أولوية.
وعلي سبيل المثال، كان قرار إقالة قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، مهدي مقولة، الموالي لرئيس النظام السابق، والذي أصدره "هادي" مباشرة كأول قرار بعد انتخابه، قد اعتبر على أنه يجسد أحد أهم الأهداف الملحة للثورة (المتمثل بإزاحة وإقالة أتباع وأنصار النظام السابق).
فيما اعتبر بالنسبة للرئيس هادي والداعمين الغربيين له، قرارا ملحا يدخل في سياق الترتيب لمواجهة تنظيم القاعدة هناك. لاسيما بعد التشكيكات المتواترة والاتهامات المتكررة بوجود تعاون وإسناد للقاعدة هناك من جهة قيادة تلك المنطقة العسكرية.
ناهيك عن أنه قد لوحظ تحسن واضح في تصاعد وتيرة وقوة ونجاحات العمليات العسكرية في مواجهة المجموعات الإرهابية المسلحة في المناطق والمساحات التابعة لتلك المنطقة العسكرية، والتي كان التنظيم سيطر عليها بسهولة.


القرارات الرئاسية الأخيرة
وفي 6 أبريل/ نيسان الماضي، أصدر الرئيس الجديد حزمة قرارات رئاسية -وصفت بالهامة والجريئة– استهدف بها إقالة واستبدال رموز وقيادات عسكرية بارزة. ومع أنه كان يدرك مسبقا أن معظمها ستثير حفيظة مراكز القوى التي مازالت قابضة على مفاصل المؤسسة العسكرية، وبالتالي من المتوقع جدا أنها (أي تلك القرارات) سترمي به إلى بداية المواجهة في أتون معركة داخلية يدرك أنها لن تكون سهلة, إلا أنه ربما كان قد أدرك، أيضا، أن هذه المعركة -حتمية الحدوث- سيتوجب عليه البدء بخوضها الآن، لتعزيز قوته وسيطرته على مفاصل الجيش كرئيس شرعي منتخب وقائد أعلى للقوات المسلحة.
وبدون ذلك، أو في حال تأخر الأمر، فإن "أنصار الشريعة"، الجماعة "الإرهابية" التابعة للقاعدة، والتي أعلنت نفسها بهذا الاسم في محافظة أبين وما جاورها، سيتاح لها المجال لتنجح أكثر في تعزيز حضورها هناك، وربما إلى الحد الذي قد يصعب عنده النجاح في فكفكتها لاحقا، لاسيما مع إعلانها إحراز المزيد من النجاحات ضد القوات العسكرية المرابطة، في الوقت الذي كان يزداد فيه ضعف الجيش وانكساراته في ظل استمرار الانقسام والتشتت وتعدد الولاءات بين القيادات العسكرية التي يتبع بعضها –وأهمها- المعسكر المحسوب على النظام السابق.
أصدر الرئيس هادي حزمة قرارات رئاسية كان يدرك أنها لا بد منها لتعزيز قوته وسيطرته على مفاصل الجيش كرئيس شرعي منتخب وقائد أعلى للقوات المسلحة 
الواقع أن تلك القرارات لم تنفذ كاملة، وبشكل خاص من جهة الطرف التابع للرئيس السابق. وبصورة أكثر تحديدا، فقد تمرد عليها قائد القوات الجوية اليمنية، محمد صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق لصالح، وكذا طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق صالح، والذي كان عين قائدا للواء الثالث حرس جمهوري مدرع (أكبر الألوية العسكرية المحيطة بالعاصمة صنعاء) بقرار أصدره مؤخرا أحمد علي، نجل صالح، وقائد الحرس الجمهوري (القوة العسكرية الأكثر عددا وعتادا وتدريبا في اليمن).
وكان قرار أحمد علي، هذا، فسر على أنه إجراء احترازي هدف إلى محاولة تأمين قيادة هذا اللواء الضارب، بإسناده إلى إمرة ابن عمه، والذي كان أصدره بعد أيام من انتخاب هادي، وقراره الأول بإقالة قائد المنطقة الجنوبية. لكن هادي اعتبر ذلك التصريف تحديا لسلطاته العليا على القوات المسلحة، ليعمل لاحقا على تغييره في سياق قراراته الأخيرة.
وحتى الآن، ما زال نجل شقيق الرئيس يرفض تنفيذ القرار، فيما رضخ الأول، مؤخرا، ووافق على تسليم قيادة القوات الجوية، في 24 أبريل/نيسان، أي بعد 18 يوما من التمرد، تحت ضغوطات وتهديدات المجتمع الدولي بإمكانية فرض عقوبات دولية في حال استمر التمرد.
وقبل يومين فقط، من إعلان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، جمال بن عمر (الذي حضر في 18 أبريل/نيسان، لحل الإشكالية) عن نجاحه في إقناع صالح وأخيه غير الشقيق على التنفيذ والتسليم، بعث السفير الأميركي بصنعاء، برسالة واضحة –في مؤتمر صحفي مصغر، الأحد 22 أبريل/نيسان– حين أكد أن التغييرات الرئاسية الأخيرة انعكست بشكل إيجابي على عمليات الجيش في أبين ضد تنظيم القاعدة، وأن قرارات الرئيس يجب أن تنفذ كاملة، موصيا بعدم التراجع عنها.


توسيع الضربات الجوية الأميركية
لعل من المناسب أن تقرأ تصريحات السفير الأميركي السابقة في إطار التحركات الأميركية الأخيرة في اليمن لتوسيع إستراتيجيتها بشأن الضربات الجوية للطائرات بدون طيار التابعة لها. حينها ربما يمكننا القول إن السفير كان يبعث رسالة مزدوجة، بحيث كان الجزء الواضح والمباشر فيها تهديدا موجها إلى المتمردين على شرعية الرئيس، بضرورة الانصياع. بيد أن الجزء الأخر، غير المباشر، قصد به إبلاغ الرئيس هادي، أن الحكومة الأميركية تعلن بقوة وقوفها مع قراراته الرئاسية.
وبالنظر إلى الحوارات الجانبية التي تواصلها الإدارة الأميركية مع الرئيس هادي، وأخذا بالاعتبار تركيز وحاجة هذا الأخير إلى محاربة تنظيم القاعدة، فإنه سيمكننا القول بأن تصريحات السفير الأميركي تلك، كانت تصب في مصلحة تقوية سلطات هادي الرئاسية، طالما أنها ستفضي إلى تحقيق مصالح الطرفين.
وفي 26 أبريل/نيسان نشرت وكالة أسوشيتد برس –مقرها الرئيسي في نيويورك– تقريرا ضمنت فيه تصريحات على لسان مسؤولين أميركين ويمنيين، أكدت على حاجة الرئيس اليمني "هادي" للدعم والمساندة الأميركية في القضاء على القاعدة. ومع أنها قالت إنه منح الضوء الأخضر لوكالة الـ(CIA) لتنفيذ ضربات جوية عبر الطائرات بدون طيار، إلا أنها أكدت أيضا على أنه قصرها على ما يسمى بـ"الضربات المفوضة"، أي تلك التي يتم الموافقة عليها مسبقا. كما يجري الأمر في باكستان. وذلك خوفا من تعرض المدنيين للقتل، مما قد يؤدي إلى المزيد من العداء القبلي العشائري ضد الحكومة اليمنية.
يأتي ذلك، فيما كانت تقارير نشرت –في اليوم نفسه– بواسطة وسائل إعلام أميركية –بشكل خاص– تحدثت عن مصادقة البيت الأبيض –في وقت سابق من هذا الشهر- على قرار توسيع نطاق ضربات الطائرات الأميركية –بدون طيار– في اليمن. وإن كانت نوهت إلى أن المسؤولين الأميركيين أكدوا "على أن الغارات الأميركية في اليمن ستظل مفروضة عليها الكثير من القيود، بشكل أكبر مما هو الحال عليه في باكستان" حسب واشنطن بوست.
وبحسب المعلومات المنشورة في الصحافة الأميركية، فإن المحادثات بخصوص توسيع نطاق البرنامج كانت قد بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي. أي بعد توقيع الرئيس اليمني السابق على المبادرة الخليجية، التي قضت بتفويض هادي في معظم صلاحياته الرئاسية، مع بقاء صالح رئيسا لمدة ثلاثة أشهر تنتهي بانتخاب هادي رئيسا توافقيا.


رغبة الولايات المتحدة في توسيع ضربات طائراتها -بدون طيار- ضد أهداف إرهابية, تشكل مبررا قويا للإدارة الأميركية في الانحياز الواضح والمعلن لدعم الرئيس هادي وقراراته 
أعباء إضافية في حضن الرئيس
إجمالا، يمكن القول إن رغبة الولايات المتحدة في توسيع ضربات طائراتها -بدون طيار- ضد أهداف إرهابية وأفراد بمجرد الشك بأنهم على علاقة بتنظيم القاعدة في اليمن، حتى دون أن يكون قد تم التأكد تماما من هويتهم وانتمائهم للقاعدة، تبرز -جنبا إلى جنب مع رغبة الرئيس هادي في توسيع التعاون والدعم الأميركي للتخلص من سيطرة وحضور تنظيم القاعدة في اليمن- لتشكل مبررا قويا للإدارة الأميركية في الانحياز الواضح والمعلن لدعم الرئيس هادي وقراراته. كما قد يشكل الأمر ذاته، مع رفع وتيرة الدعم والتأييد الأميركي المعلن، مبررا لرضوخ هادي وتجاوبه اللاحق مع الرغبات والمصالح الأميركية.
على أن ذلك، يعتقد بأنه في الوقت الذي يمكن أن يمثل قوة إضافية للرئيس هادي تمكنه من مواصلة إصدار قرارات أخرى، أكثر قوة وجراءة، في سبيل فرض سيطرته وشرعيته الرئاسية على المؤسسة العسكرية، بداية، ثم وصولا إلى إعادة السيطرة على كامل البلاد، والنجاح في إضعاف تنظيم القاعدة واستعادة المناطق التي خرجت عن السيطرة. فإنها –ومن زاوية أخرى- قد تمثل عبئا إضافيا عليه، لاسيما في حال انعكست إستراتيجية توسيع نطاق عمليات الضربات الأميركية الجوية سلبا على المدنيين من غير المقاتلين في تلك المناطق. وأن مثل تلك الانعكاسات السالبة، لن تطال فقط ولاءات رجال القبائل المتضررين، بل أكثر من هذا، فهي ربما تتجاوز ذلك لما هو أبعد بحيث تطال عملية الحوار الوطني القادم الذي بدأ الشروع في التحضير له هذه الأيام.
وأخيرا، ربما كان من المهم التأكيد على أن احتمال كهذا، مازالت نسبة ترجيح حدوثه مرتفعة بشكل كبير جدا، طالما وأن أجزاء كبيرة ومهمة من المؤسسة العسكرية، والأمنية في اليمن، بما فيها قوات مكافحة الإرهاب، مازالت تحت سيطرة وقيادة عائلة رئيس النظام السابق. وبشكل أكثر تحديدا يمكن تخصيص الحديث أكثر على الاستخبارات اليمنية التي مازالت كلية تحت سيطرة عمار محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، ووكيل جهاز الأمن القومي، المعني بتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجانب الأميركي.
المصدر:الجزيرة