الأحد، 29 يوليو 2012


لماذا رفض «كاك بنك» مشروع ممول خارجياً بأكثر من 4 ملايين يورو لتخفيض الفقر في تعز؟


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
في معظم خطاباتهما وتصريحاتهما، لا يفتئ الرئيس اليمني الجديد، ومثله رئيس الحكومة، من الحديث عن الدعم الخارجي والمساعدات الدولية كضرورة ملحة لإنقاذ البلاد من الفقر المتزايد.

وتلك الدعوات مع أنها في حقيقتها لا تجانب الواقع، إلا أنها على ما يبدو تظل مجرد دعوات نظرية، إذ تصطدم بواقع عملي يشكك بقدرة الحكومة على استيعاب المساعدات الدولية. وحتى نكون منصفين علينا أن نقول: على الأقل حتى الآن..

ولعلنا هنا نمتلك بعض الشواهد العملية التي من شأنها أن تضع الحكومة في موقف صعب أمام استيعاب مساعدات المجتمع الدولي لتلبية الاحتياجات التنموية..

• كاك بنك ومشروع خفض الفقر بمحافظة تعز
حصل موقع «المصدر أونلاين» على وثائق أولية ومعلومات مؤكدة تفيد بأن رئيس بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك)، أوقف العمل بمشروع ممول خارجيا بأكثر من 4 ملايين يورو، كمنحة مالية نقدية عاجلة، وطارئة لمساعدة الحكومة اليمنية في التخفيف من حدة الفقر بمحافظة تعز.

المشروع الذي قررت المفوضية الأوروبية تمويله بمبلغ (4.240.000) يورو، عبر صندوق الرعاية الاجتماعية- مشروع المساعدات النقدية المشروطة، بهدف خفض الفقر في محافظة تعز، كانت مناقصته قد رست على العطاء الأفضل الذي تقدم به بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك) كشريك «مزود للخدمة»، من بين ثلاثة عطاءات، تقدم بهما – إلى جانب كاك بنك - كل من بنكي التضامن الإسلامي، والأمل. وذلك لتقديم خدمات تسليم المبالغ الخاصة بمشروع المساعدات النقدية المشروطة للمستفيدين، مقابل حصول البنك على عمولة لا تزيد عن 3.5% من إجمالي قيمة المبالغ المحولة للمستفيدين في كل دفعة.

وعلى ضوء ذلك، بدأت الإجراءات الأولية لتنفيذ المشروع بالمضي قدما، ولم يتبقى منها سوى توقيع العقد بين الطرفين: صندوق الرعاية الاجتماعية كطرف أول، و«كاك بنك» كطرف ثاني. لكن رئيس البنك، الذي عاد من سفرية خارجية قبل أيام قليلة من توقيع عقد تنفيذ المشروع، فاجئ الجميع برفض التوقيع، بدون إبداء أسباب مقنعة. الأمر الذي – وبحسب مصادر مطلعة لـ«المصدر أونلاين» – جعل المفوضية الأوروبية تفكر بتجميد مبلغ الدعم المخصص للمشروع.

وحصل الموقع على نسخة من صيغة العقد الذي كان يفترض توقيعه الأسبوع قبل الماضي. وتقول تفاصيل العقد أن هذا المشروع كان سيعمل على «تخفيض الفقر في المدى القصير من خلال الحوالات المالية للأسر الفقيرة، وفي المدى الطويل بناء رأس المال البشري للأطفال الفقراء في بعض مديريات محافظة تعز الملحة كمرحلة أولى، وكافة مديريات المحافظة كمرحلة ثانية».

المصادر أكدت أن رئيس كاك بنك كان مطلعا على كافة الإجراءات الأولية، ويتابع العملية أولا بأول. الأمر الذي أثار استغرابا وشكوكا حول الدوافع الحقيقية التي تقف وراء اتخاذ قرار ايقاف التوقيع وتنفيذ المشروع في مثل هذا التوقيت الحرج؛ قبل أيام قليلة من توقيع العقد، حيث كان يفترض أن تقوم الجهة الداعمة بتحويل مبالغ المشروع مباشرة بعد التوقيع..!!

• خسارة فقدان التمويل 
وتلفت المصادر، إلى أن مثل هذا القرار من شأنه أن يحرم فقراء محافظة تعز من معونات مالية عاجلة، كان العقد قد حدد فترة تسليمها بـ13 شهرا من تاريخ توقيع العقد.

وبموجب الاتفاقية، فإن على صندوق الرعاية الاجتماعية (الطرف الأول) إعداد قائمة (وقد فعل ذلك) تشمل المستفيدين والمدارس والمديريات التي كان يفترض على الطرف الثاني (البنك) أن يقوم بصرف المساعدات المالية لها، وفق آلية صرف منظمة ومحددة، لتحقيق ما توقعه معدي المشروع من أن «الاستثمار في رأس المال البشري للأشخاص والأسر سوف يخرجهم من دائرة الفقر». من حيث أن المشروع يشترط على الأسر الفقيرة - التي ستتلقى حوالات مشروع المساعدات النقدية المشروطة - أن «تقوم باستثمار محدد مسبقا في رأس المال البشري لأطفالهم وبالتالي الحد من الفقر اليوم وغدا».

وكان مشروع المساعدات النقدية المشروطة هذا سيسلم حوالات نقدية مشروطة لمستفيدي المشروع المسجلين في 4 مديريات (محافظة تعز) في يوليو 2012، ولـ10 مديريات (شاملة الـ4 مديريات المستهدفة حاليا من مشروع المساعدات النقدية المشروطة) في العام الدراسي 2012/2013: جميع المديريات في محافظة تعز.

هذه الدفع ستكون مشروطة بحضور الطلاب المستفيدين إلى المدارس. وفي الوقت الحالي يقدم مشروع المساعدات النقدية المشروطة، الإعانات لحوالي 8000 طالب وطالبة، بينما يتوقع أن عدد الطلاب المستفيدين سوف يزيد إلى أكثر من 30000 خلال العام الدراسي 2012/2013.

• لماذا رفض المشروع إذن؟
فيما عدى بعض التبريرات التي لا ترقى إلى رفض مشروع خدمي - وطني بهذا الحجم، تفيد مصادرنا أن الأسباب الحقيقية وراء رفض المشروع ما تزال غير واضحة تماما، على الأقل حتى الآن.

وعليه، ذهبت التفسيرات مذاهب تشكيكية عدة، بينها، على سبيل المثال: أن البعض يرجع ذلك إلى التشديد الذي تضمنه بند العقد رقم (11) تحت عنوان «النشاطات الممنوعة تحت هذا العقد»، الذي يفرض على الطرف الثاني: «عدم ربط تأدية الخدمات المنصوص عليها في هذا العقد بأي طرف سياسي أو حركة أو منظمة بواسطة أي من وسائل التواصل الشفوية آو المرئية». وكذا عدم «الارتباط بآي نشاط قد يتداخل مع او يقلل من جودة الخدمات تحت هذا العقد او يعرضها للشبهة».

ولعل مثل هذين الاشتراطين - بحسب بعض المراقبين – قد فرضا صعوبة كبيرة على القبول بالتنفيذ من قبل بنك لطالما عودنا القيام بخدماته بهدف الإعلان والترويج السياسي لطرف بعينه.

وربما يدخل في ذلك، ايضا - بحسب آخرين - أن البنك، الذي مازال محسوبا على طرف بعينه في السلطة، أتخذ قراره بناء على تلك التبعية؛ من حيث أن ثمة من يخشى أن تحسب انجازات المشروع على القيادة الجديدة للبلاد والحكومة، لاسيما إذا تحققت أهداف المشروع في تخفيض نسبة الفقر لما يزيد عن 30 الف مستفيد من محافظة تعز..!!

ولعل هذا أمر يمكن ترجيحه بشكل كبير، طالما وقد تحقق ذلك في ظل هذه القيادة الجديدة، التي أفضت إليها الثورة الشعبية التي اسقطت أهم رموز ورؤوس النظام السابق، التي كان الفساد وزيادة نسبة الفقر والعجز في إحداث تنمية مستدامة، من أهم الأسباب التي قامت لأجلها الثورة.

• قرارات إثبات إضافية 
لعلنا هنا، نورد بعض الحقائق المعززة لما ذهب إليه المفسرون لقرار رئيس البنك برفض تنفيذ المشروع.

فقد أكدت مصادرنا أن رئيس البنك أتخذ قرارات إضافية تتعلق بقراره السابق، من شأنها أن تعزز الاحتمالات التي قال بها البعض، مالم يقدم رئيس البنك توضيحاته ودوافعه لرفض المشروع. ومنها أنه أصدر قرارات بالفصل وأخرى بتغيرات إدارية داخلية شملت الموظفين الذين عملوا على المشروع.

وتؤكد المصادر أن إحدى المديريات اللائي تم فصلهن من العمل، كانت إحدى الناشطات الثائرات في ساحة التغيير بصنعاء.

قبل كتابة هذا التقرير، كنا قد حاولنا التواصل أكثر من مرة مع رئيس البنك لتوضيح الأسباب الحقيقية وراء قراره رفض التوقيع على العقد، لكن تلفونه الشخصي كان مغلقا. وعليه فإن تلك التأويلات السابقة (التي ننوه أننا استقيناها من بعض المصادر المطلعة على تفاصيل المشروع)، تظل احتماليات قائمة، حتى يقدم رئيس البنك تبريراته لدحضها. بضمنها صحة اتخاذ قرارات الفصل والتغير التي أشرنا إليها أنفا..

• وأخيرا..
وحتى يحدث ذلك، وسواء حدث أم لا، فإن الواضح راهنا هو أن الحكومة اليمنية (التي لا تكل ولا تمل من أن تستجدي المساعدات الخارجية في معظم تصريحاتها ولقاءاتها مع الممولين الخارجيين)، تبدو وكأنها قد وضعت رغما عنها في موقف العاجزة عن اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لتصحيح الأخطاء القائمة حتى تكون قادرة على تلبية متطلبات المرحلة الاقتصادية الراهنة، والحرجة.

وإذا كان الأمر كذلك في ظل أن بنك التسليف التعاوني والزراعي يدخل ضمن سلطاتها، فكيف كان الأمر سيكون، فيما لو كانت المناقصة قد رست على أحد البنكين الاخرين..؟

في واقع الحال، سيتوجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات حاسمة تثبت من خلالها جديتها في أن تحوز على ثقة مجتمع المانحين، وقبلهم الشعب الذي ما زال ينتظر منها الكثير لتقوم به في سبيل تحقيق الأهداف الانتقالية التي تقوم عليها شرعيتها، بضمنها التنمية الاقتصادية.
----------------------------


الأربعاء، 18 يوليو 2012

اليمن.. تحديات نموذج الحل المثالي




نظرة نسبية
بؤرة الصراع ومراحلها التصاعدية
أبرز التحديات المؤجلة للانفجار
مهمة بن عمر المعقدة



بعد عام ونصف على انطلاق الثورة الشعبية، مطلع فبراير/شباط 2011، يبدو اليمن اليوم وكأنه قد استكان إلى فترة من الهدوء الإجباري، بفعل ما فرضته مبادرة الحل الخليجية الدولية -لزوما- من مغادرة لمربع الفعل الثوري المضطرب إلى مربع الفعل السياسي المنظم.
ومن بين ثورات ما اصطلح على وصفها بـ"ثورات الربيع العربي"، اعتبر البعض الحل اليمني نموذجا مناسبا لـ"الحكمة" والمثالية. وفي الوقت الذي ظهر فيه من ينادي بتطبيقه على "سوريا"، كانت مشاعر الخذلان التي انتابت بعض ثوار اليمن قد بدأت تتوسع أفقيا، بالنظر إلى ما أنجزته الثورة اليمنية، قياسا بنظيراتها في كل من: تونس، ومصر، بل وربما حتى في ليبيا..!
نظرة نسبية
الواقع أن الحلول التي تضمنتها المبادرة الخليجية كان يمكنها أن تحظى بنسبة كبيرة من التأييد باعتبارها نموذجا مثاليا، ليس لأنها فقط نجحت في انتشال البلاد من حافة حرب أهلية محققة، بل لأنها، أيضا، تضمنت قائمة علاجات ناجعة (إجراءات وآليات نظرية وعملية، أشبه بخريطة طريق مدعمة بإشراف، وضغوط سياسية، مع وعود، دولية باذخة من المساعدات السياسية والاقتصادية التنموية المرافقة..) من شأنها أن تساعد البلاد على تجاوز المخاطر المحدقة، وصولا إلى تحقيق الاستقرار السياسي المنشود.
ومع ذلك، كان يمكن أن ينظر إليها أيضا -من زاوية أخرى– على أنها ليست أكثر من مجرد محاولة -أو حتى مقدمة- لحلول لا ترقى لمرتبة "المثالية، بقدر ما يمكنها أن تكون إطارا لحلول "محفوفة المخاطر": من حيث إنها (افتراضية) تعتمد بدرجة رئيسية على تحقق فرضية التوصل إلى توافق جماعي لحلحلة كل الملفات الأهم، الشائكة والمؤجلة.
وبالنظر إلى مقدار الدمار الذي لحق بالجسد اليمني جراء السياسات التدميرية التي دأب عليها النظام السابق على مدى أكثر من 33 عاما من الحكم الشمولي الأسري العسكري البيروقراطي، ثم مقارنة تلك الفترة الزمنية الكبيرة بفترة السنتين المحددة في المبادرة للتخلص من ذلك الإرث التدميري الهائل كله، فإن النموذج المثالي للحل سيتراجع لمصلحة النموذج اللامثالي "المحفوف بالمخاطر" بفعل مجموعة كبيرة من التحديات الثقيلة.
وبعبارة أخرى، فإن هذا الهدوء قد ينتهي إلى عاصفة تقضي على كل ما أنجزته "المثالية" خلال الفترة السابقة. على أن ذلك قد يحدث فقط عند النقطة الحرجة التي تنفجر عندها الخلافات المؤجلة.
بؤرة الصراع ومراحلها التصاعدية
وفقا للآلية التنفيذية، فإن "الحوار الوطني الشامل" بين كل القوى اليمنية الفاعلة يمثل العمود الفقري الذي ترتكز عليه متطلبات هذه المرحلة الهامة، ويفترض –من خلاله- التوصل إلى توافق سياسي بشأن مجموعة الملفات المؤجلة الثقيلة والشائكة، وأبرزها إعادة هيكلة الجيش، وصياغة دستور وقانون انتخابي جديدين، انتهاء بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
لكن هذا الحوار، كي ينجح، يتوجب عليه تجاوز أربع مراحل إجرائية مرتبة في سياق زمني متصل، تمثل في الوقت نفسه أهم التحديات الرئيسية في مسار الحوار، وهي:
- مرحلة التواصل مع مختلف القوى والأطراف الفاعلة، للحصول على موافقتها المؤكدة على المشاركة في المؤتمر.
- يليها مباشرة تحدي تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، التي ستتولى تحديد متطلبات الحوار الرئيسية (قوامه ومكوناته المشاركة ومحاوره وبرنامجه الزمني، شاملا كل القضايا الرئيسية التي سيتم التحاور حولها).
- ثم يأتي التحدي قبل الأخير وهو تدشين أعمال المؤتمر عمليا (النقاشات والتوصل إلى النتائج والحلول، مع تحديد الضمانات العملية الفاعلة التي تلزم كل الأطراف بالتنفيذ".
- وفي حال تم تجاوز تلك التحديات السابقة بنجاح، فسيكون المحك أو التحدي الأخير التجسيد العملي بالتزام التنفيذ على أرض الواقع.
بالنظر إلى ما حققته لجنة التواصل من إنجازات أولية، يظل الجزء الأكبر والأهم من هذا التحدي إلى جانب ما تبقى من المراحل التحديات المتعلقة بالحوار الوطني مخاطر قائمة بذاتها
حتى الآن، وبعد أربعة أشهر من دخول المرحلة الانتقالية الثانية (من المبادرة)، لم ينجز من ذلك كله سوى المرحلة أو التحدي الأول، وهو تشكيل اللجنة الرئاسية للتواصل مطلع مايو/أيار الماضي، التي أعلنت في 30 يونيو/حزيران الماضي انتهاءها من مهامها التواصلية، وحصولها على وعود بالمشاركة من قبل أبرز الأطراف والقوى المهمة، غير الموقعة على المبادرة، ومنها قيادات بارزة ومهمة في الحراك الجنوبي داخل وخارج اليمن، إلى جانب جماعة الحوثي.
وبعد أن رفعت اللجنة تقريرها النهائي إلى الرئيس تكون قد وضعته وجها لوجه أمام الجزء الأول من التحدي الثاني، وهو البدء بتشكيل اللجنة التحضيرية المكلفة بالإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني.
وعلى أية حال، فحتى بالنظر إلى ما حققته لجنة التواصل من إنجازات أولية، يظل الجزء الأكبر والأهم من هذا التحدي إلى جانب ما تبقى من المراحل التحديات المتعلقة بالحوار الوطني مخاطر قائمة بذاتها، لتمثل مع أخرى غيرها أحجارا ونتوءات على طريق إنجاز متطلبات المرحلة الانتقالية الثانية، من المبادرة الخليجية ككل.
أبرز التحديات المؤجلة للانفجار
- القضية الجنوبية: تعد هي التحدي المصيري الأكبر، ومع أن لجنة التواصل أكدت حصولها على موافقات قيادات جنوبية بارزة في المنفى، أعلن القيادي الجنوبي نائب الرئيس السابق علي سالم البيض رفضه المشاركة في المؤتمر، متمسكا بالحل الوحيد المطالب صراحة بـ"فك الارتباط"، وتفيد المؤشرات الميدانية بأن تيارا عريضا في الجنوب يميل عاطفيا إلى هذا المطلب..!
حتى بفرض أننا تجاهلنا ذلك، فإن التحدي يظل قائما من خلال نظرة أولئك القادة الموافقين على المشاركة في الحوار، فالمؤشرات الأولية القادمة من نتائج مؤتمراتهم الخارجية -التي عقدت في القاهرة وغيرها– حددت الحل بفدرالية من إقليمين (شمالي وجنوبي)، تستمر لخمس سنوات، لتنتهي بعدها إلى استفتاء من أجل تحديد المصير: بالمواصلة أو الانفصال، وهو ما يتعارض مع المبادرة الخليجية القائمة على أساس عدم المساس بسيادة ووحدة اليمن، وتعززها تصريحات الأطراف الموقعة والداعمة للمبادرة الخليجية، الرافضة صراحة للحل الفدرالي على إقليمين.
ومما يزيد من حجم التحدي أكثر تعدد الكيانات التمثيلية باسم القضية، لا سيما بعد أن أعلن مؤخرا عن تشكيل مجالس ثورية جنوبية في أكثر من محافظة هناك، يعتقد أن معظمها تتبنى الوحدة قاعدة للحوار.
وكل تلك التعقيدات وربما غيرها من الواضح أنها ستزيد من حدة الخلافات، وتعقد من إمكانية التوصل لحل توافقي جماعي بشأن القضية الجنوبية.
الفدرالية وتقرير المصير يتعارضان مع المبادرة الخليجية القائمة على أساس عدم المساس بسيادة ووحدة اليمن، وتعززها تصريحات الأطراف المختلفة الرافضة للحل الفدرالي على أساس إقليمين
- صعدة والحوثيون: لعل انتهاء الحرب في صعدة بشكل نهائي في 2010، جعل البعض ينظر إلى هذه القضية بتفاؤل كبير، من حيث إنه لم يتبق أمامها سوى إجراءات ميدانية بسيطة، من السهل التوصل بشأنها إلى توافق سياسي سريع، فمن حيث المبدأ ثمة شبه إجماع على حقوق الحوثيين بحرية ممارسة شعائرهم التعبدية وفق مذهبهم، كما أنه ليس ثمة خلاف حول ضرورة إعادة إعمار ما دمرته الحرب هناك.
بيد أن مثل تلك النظرة تبدو قديمة جدا، إذ تتجاهل الحقائق والمتغيرات الأخيرة، فمطالب الجماعة اليوم لم تعد كما كانت بالأمس!! لقد تطورت وتوسعت مع توسع الحوثي وتمدده -بقوة السلاح- إلى مناطق مجاورة لمعقله الرئيسي في صعدة.
وبالتالي من المؤكد أن يرتفع سقف المطالب لتلبية هذا المتغير الجديد، وفي حال اتفق على فدرالية متعددة الأقاليم، من المرجح أن يطالب بإقليمه الخاص (الذي يضم صعدة، مع محافظتي الجوف وعمران، أو أجزاء منها، ومحافظة حجة). وليس بمستبعد، أيضا، المطالبة بإضافة جزيرة ميدي القريبة كميناء للإقليم.
وفي المحصلة النهائية، فإن الحوثي، الذي من المؤكد أنه لن يتخلى عن حمل السلاح، لن يقبل بما هو أقل من ذلك، تنفيذا لرغبة إيران بتعزيز قوتها على الحدود الجنوبية لعدوهما التقليدي: المملكة السعودية، وهو ما سيواجه برفض كبير من السعودية وحلفائها في الداخل والدول الكبرى.
-هيكلة الجيش.. والعدالة الانتقالية: مع أن هاتين القضيتين قد تعدان أقل أهمية من القضيتين المصيريتين السابقتين أعلاه، فإنها تعد من القضايا المؤجلة المرافقة التي من المرجح أن تنفجر على طاولة الحوار الوطني أو ربما خارجها قبل بلوغها. ومما يزيد من تعقيد الخلافات بشأنها أن الرئيس لم يصدر حتى اللحظة قرارا بتشكيل اللجنة الخاصة المعنية بتفسير بنود الآلية التنفيذية وفقا لما نصت عليه الآلية، وهو ما يجعل الباب مفتوحا على مصراعيه للمزيد من الخلافات، التي قد ترتفع حدتها مع إعلان أسماء لجنة التفسير بداية، ومن ثم وربما بحدة أكبر مع شروع اللجنة بأعمالها.
- خلافات أخرى: ودون تلك الملفات الأكثر ثقلا ثمة خلافات أخرى، قد ينظر إليها في الوقت الراهن على أنها أقل أثرا، لكنها قد تتطور لاحقا وتنفجر على طاولة المؤتمر القادم. منها -على سبيل المثال- اختيار ممثلي الشباب في الحوار، وقد أعلنت اللجنة التحضيرية للثورة الشبابية رفضها لإجراءات لجنة التواصل الحكومية بهذا الشأن، ووضعت شروطا مسبقة لقبولها الدخول في الحوار، على رأسها إعفاء من تبقى من أقارب الرئيس السابق من مواقعهم على رأس الجيش والأمن، ومحاكمتهم، وعدم إشراك المتورطين في قتل الشباب والاعتداء عليهم في الحوار.
مهمة بن عمر المعقدة
قبل نهاية يونيو/حزيران الماضي، عاد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر إلى اليمن، في إطار مهمة أغلب الظن أنها لن تقتصر على الرقابة ورفع التقارير كالسابق، بل ستتجاوز ذلك إلى التخطيط والإعداد والتنفيذ والإشراف على إنجاح ما تبقى من التسوية السياسية، المرتكزة على "مؤتمر الحوار الوطني".
وتعزيزا لذلك، كشف بن عمر عن تشكيل فريق من الخبراء الدوليين، للعمل معه في مكتب الأمم المتحدة بصنعاء، ممن لديهم "تجارب حوارات وطنية في دول مختلفة".
مهمة بن عمر قد لا تكون سهلة، ليس فقط بسبب التحديات بالغة التعقيد، بل أيضا لأنه ما زال سيتوجب عليه البحث أولا عن المعالم والأسس الرئيسية للدولة التي طمرت على مدى ثلاثة عقود 
وهذه المرة، وربما أفضل من سابقاتها، سيكون لدى بن عمر أدوات ضغط أممية أكثر فاعلية لاستخدامها، على شاكلة قرار مجلس الأمن الأخير (رقم 2051) الذي يمنح تفويضا بفرض عقوبات دولية على أي طرف يثبت تورطه في عرقلة التنفيذ.
ومع ذلك، قد لا تكون المهمة أمامه سهلة، ليس فقط عطفا على ما ذهبنا إليه من تلك التحديات بالغة التعقيد، بل أيضا لأنه ما زال سيتوجب عليه البحث أولا عن المعالم والأسس الرئيسية للدولة، التي يفترض أن تساعده على إسقاط مخططات الخبراء عليها، وذلك أمر لن يكون من السهل بلوغه في دولة تعرضت عمدا للتدمير وطمر معالمها الرئيسية لأكثر من ثلاثة عقود كبيسة.
قد يدرك بن عمر –ولكن ربما في وقت لاحق من الآن- أن النوايا الطيبة لا تكفي وحدها لاستعادة دولة حولها الأشرار إلى "خرابة ملغومة"، وفي الوقت الذي لا يملك فيه الأخيار المنقذون سوى خريطة غير واضحة المعالم والحدود، يمتلك المخرب الرئيسي -القابع  بالقرب– كل ما يجعله قادرا على مواصلة التدمير.


المصدر:الجزيرة


الثلاثاء، 17 يوليو 2012


لماذا سرب حزب صالح إلغاء الاحتفال بذكرى الجلوس الـ34؟

عبد الحكيم هلالa.hakeem72@gmail.com
مؤخرا كشف قيادي مؤتمري أن حزبه قرر إلغاء فكرة الاحتفال بالذكرى الـ34 لسيطرة الرئيس السابق على كرسي السلطة في اليمن..!

في الواقع؛ لمجرد أن يوجد من قد يفكر بالاحتفال بتنصيب رئيس أزاحته ثورة شعبية غاضبة، قد يبدو بحد ذاته أمرا غبيا ومستفزا للغاية..!

إلا أن موقع «العربية نت»، الجمعة الماضية نسب تصريحات لشخص أسمه محمد عبد القوى (وصف على أنه «قيادي في حزب المؤتمر الشعبي») جاء في خلاصتها: أن «التيار المعتدل» داخل الحزب – حسب ما وصفهم - نجحوا بإلغاء الاحتفال الذي كان أعد له في يوم (17 يوليو) القادم، بمناسبة الذكرى الـ34 لتولي الرئيس السابق، علي عبدالله صالح السلطة في 1978.

أما السبب، فلان مجلس الأمن الدولي حدد هذا اليوم (17 يوليو) بعينه، لعقد جلسته القادمة بشأن اليمن. وعليه فقد تقرر إلغاء تلك الاحتفالات «حتى لا تفسر على أنها رسالة استفزازية وتحديا للمجتمع الدولي الذي يرعى العملية الانتقالية في اليمن - على أساس المبادرة الخليجية».

ولمزيد من إضفاء المصداقية، قال بأن خلاف حدث بهذا الشأن في إطار قيادات الحزب المنقسمة، لكنه في نهاية المطاف «بات شبه محسوما» لمصلحة القيادة المعتدلة «بعد أن رأت أن إقامة تلك الاحتفالات في نفس اليوم الذي سيعقد فيه مجلس الأمن جلسته القادمة بشأن اليمن»، من شأنه أن يبعث «رسالة مشوشة مفادها أن حزب الرئيس صالح يتحدى الجهود الدولية.. وبالتالي هو من يعيق العملية الانتقالية».

والآن: هل قد يبدو ذلك حقيقيا؟

• لكن..
ماذا لو لاحظنا أن تلك التصريحات المسربة، جاءت بعد يوم واحد فقط من التهديدات التي أطلقها جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للامم المتحدة إلى اليمن، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الخميس (أي قبل يوم واحد من تلك التصريحات) في ختام زيارته الاخيرة، والتي جدد فيها التذكير بأن «مجلس الأمن يتابع الحالة في اليمن عن كثب»، ثم هدد بالقول: «وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2051 لا يوجد مجال للتساهل مع من يعيق عملية الانتقال السلمي للسلطة، وكل من يحاولون إخراج العملية من مسارها، هم الآن قيد الرصد وتحت المجهر».

عمليا، أطلق بن عمر تلك التهديدات، بعد مجموعة لقاءات كان عقدها مع قيادات من مختلف القوى والأطراف السياسية، الحزبية، الشبابية، والمجتمعية...الخ، في إطار ما توجبه مهمته الأممية لتقييم مسار العملية السياسية؛ التي ستنتهي برفع تقريره النهائي إلى مجلس الأمن يوم (17 يوليو) الجاري، بخصوص التطورات الأخيرة في العملية السياسية والجوانب المتصلة بوجود خروقات من أي طرف كان.

• مختبر الفحص والتدقيق السياسي
إن السياق التوضيحي السابق، قد يضع تصريحات القيادي المؤتمري تلك، موضع الريبة والتشكيك، ما يفرض التعامل معها ليس كمجرد تصريحات سياسية عادية، بل ربما كتسريبات موجهة تنطوي على مغاز وأهداف سياسية محددة..!

ولعل مجرد التفكير بإقامة مثل هذا الاحتفال، في ظل المتغيرات الأخيرة، هو بحد ذاته فكرة تنطوي على وقاحة سياسية..! ومن الغباء أن يفكر سياسي بمثلها، ليس لأن مجلس الأمن سيعقد جلسته بشأن اليمن في اليوم ذاته، كما زعم، بل لانتفاء مبرر حدوث مثله بعد قلع من يفترض الاحتفال به من السلطة عبر ثورة شعبية عارمة..!

وحتى بفرض وجود قيادات في المؤتمر تتمتع بهكذا غباء سياسي، فلمَ قد يفكر قيادي في الحزب بتسريب ذلك للصحافة؟ بل لم هذه المرة قد يحدث التسريب بطريقة غبية – غير مألوفة في العمل السياسي – تخالف أبسط قواعد التسريب البديهية: «سرية المصدر».

ليس إذا كان من صرح (أو بالأحرى: سرب)، قد أطمئن – وفق ترتيب مسبق - بأن كشف هويته، لن يترتب عنها أية عواقب مفترضة.

ناهيك عما قد تضفيه حقيقة أن تيار المتشددين الموالي لصالح مازال هو الأقوى وصاحب الكلمة الفصل داخل الحزب – على المستويين: العمودي والأفقي، من تساؤلات إضافية مثيرة؛ لن تقودنا سوى إلى إجابة منطقية واحدة: أن ثمة توجه سياسي – يفترض ان يكون مخطط له – لتحقيق أهداف بعينها من نشر تلك التسريبات.

• الاحتمالات.. التوقيت.. والمؤشرات
وبتتبع بعض المؤشرات المرافقة، والبناء عليها، سيمكننا التوصل إلى اكتشاف ما وراء الأكمة. ولعل توقيت تلك التصريحات الحزبية، بعد يوم واحد من تهديدات المبعوث الأممي، في المؤتمر الصحفي، تأتي لتضعنا في بداية الطريق الصحيح.

قبلها كان بن عمر التقى بقيادات المؤتمر الشعبي العام، وناقش معها ابرز القضايا العالقة، لاسيما تلك التي يصر أصحاب القرار في الحزب على رفضها؛ ابرزها مناقشة مشروع قانون العدالة الانتقالية للمصادقة عليه.

وقبل أيام قليلة فقط، من المؤتمر الصحفي، شدد بن عمر على ضرورة حسم الحكومة لقانون العدالة الانتقالية خلال الأيام المقبلة من أجل تهيئة الأجواء للحوار الوطني. وقال إن قرار مجلس الأمن «واضح وصريح في طلبه من الحكومة حسم موضوع العدالة الاجتماعية»، مؤكدا أنه «لا يعقل ألا تتحقق مطالب الشباب والضحايا في المساءلة وتعويض الضرر وضمان حقهم على المستوى القانوني والمؤسساتي، لمنع حدوث أي خروقات جديدة أو انتهاك لحقوق الإنسان».

لكنه على ما يبدوا، لم يجد تجاوبا من تلك القيادات بهذا الخصوص. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة أخبار اليوم (عدد الأحد) عن مصادر مطلعة، أن الرئيس السابق، علي عبد الله صالح هدد بسحب ممثلي حزبه من حكومة الوفاق الوطني في حال صدور قانون العدالة الانتقالية.

من هنا كان يمكن للمؤتمر الشعبي أن يتأكد بأن المبعوث الأممي كان يلمح إليه - بدرجة رئيسية – بكونه هو الطرف المعرقل. الأمر الذي من المرجح فرض عليه التخطيط لإطلاق تلك التسريبات، كمحاولة لتغيير ما علق في ذهن الرجل المهم، قبل أن يبدأ بكتابة تقريره.

وهنا يمكننا ببساطة ملاحظة أن المؤتمر - من خلال تلك التسريبات – أراد أن يوصل رسالتين تطمينيتين. الأولى: أن الحزب ما زال حريصا على التعاون مع المجتمع الدولي لإنجاح عملية الانتقال السياسي، لدرجة انه يحرص حتى على عدم إرسال رسائل قد توحي بالاستفزاز والتحدي..الخ.

أما الثانية: أن التيار المعتدل داخل الحزب هو الذي – في نهاية المطاف – القادر على اتخاذ القرار الداخلي، وفرضه وتمريره، ما يعني انه من يمتلك القوة التأثيرية وكلمة الفصل الأخيرة، ما سيجعله قادرا على التعاون مع المجتمع الدولي لإنجاح ما تبقى من متطلبات العملية الانتقالية.

• لكن هل ستنجح المحاولة..؟
في الواقع، لطالما اعتاد الحزب ان يتخذ مسار التهدئة هذا قبل انعقاد جلسات مجلس الأمن. لكن السؤال: هل سينجح هذه المرة أيضا؟

ربما بات حزب الرئيس السابق ومستشاريه السياسيين المقربين، يدركون أن بن عمر، هو أيضا، يعمل وفق قاعدة تهدئة الأجواء لإنجاح مهمته. وتدعوه هذه القاعدة إلى ترخية الحبل وعدم سحبه من جهته بقوة حتى لا ينقطع. ما يفرض عليه أيضا ليس فقط إتاحة الفرصة مجددا، بل ايضا خلقها بقدر ما يمكنه ذلك.

والسؤال هنا: هل مازال بن عمر قادرا اليوم على مواصلة العمل وفق تلك القواعد؟

لعل المؤشرات الأخيرة، تقدم نسبة لا بأس بها لترجيح الإجابة: (لا). في كلا الحالتين: سواء نجاح «تهدئة» المؤتمر في اللحظات الأخيرة، أم قدرة بن عمر على مواصلة العمل وفق قواعد النجاح الخاصة به.

فمؤخرا شدد بن عمر على مسألة «الوقت» الذي لم يعد كافيا لإنجاز بقية المتطلبات.

والأحد، نقلت صحيفة الخليج الإماراتية عن دبلوماسيين غربيين توقعاتهم أن يقدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، توصية – مرفقة بتقريره – تتضمن مقترحات بفرض عقوبات على عدد من الشخصيات اليمنية المعرقلة لمسار التسوية السياسية.

وكشفت الصحيفة، على لسان الدبلوماسيين، قولهم إن بن عمر ناقش مع ممثلي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وسفراء دول الاتحاد الأوروبي، خريطة التحديات القائمة أمام اليمن، بينها «إسهام بعض الأطراف في تأجيج الاضطرابات وخلق تعقيدات إضافية، بهدف إفشال مساعي الحكومة الرامية إلى استعادة الاستقرار المنشود، والمضي قدماً في تطبيق بقية بنود المبادرة الخليجية».

وأشارت المصادر إلى أنه تم التوافق على ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بدور فاعل في مساعدة اليمن على مجابهة هذه التحديات، من خلال اتخاذ إجراءات عقابية مؤثرة ضد المتهمين بالوقوف وراء محاولات عرقلة التسوية السياسية القائمة في البلاد.

ومع ذلك، فقد تدخل هذه التسريبات الدبلوماسية الأخيرة، هي الأخرى، في سياق الضغط الذي غالبا ما ظل يسبق جلسات مجلس الامن بشأن اليمن، بهدف الحصول على تنازلات من الطرف المتشدد في بعض القضايا.

أو ربما كانت الحجر ذاتها التي اعتادت الدول الثلاث دائمة العضوية الداعمة بقوة للمبادرة، رميها قبل الجلسة، بهدف قياس ردة فعل ومواقف روسيا والصين، الأولية، لفرض خيارات ضغط أخرى تكون أكثر فاعلية من سابقاتها..

---------------------------------
نشر في صحيفة الجمهورية الثلاثاء: 17 يوليو 2012