السبت، 29 سبتمبر 2012

هل ينتهي مصير «صالح» بمحاكمة دولية؟


لماذا سمحت اليمن أخيراً بفتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان الرافضة للحصانة؟ ما هي التوقعات المستقبلية؟


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
بعد قرابة عام من المطالبات الحثيثة، وافقت اليمن أخيرا على السماح للمفوضية السامية لحقوق الإنسان - التابعة للأمم المتحدة – بفتح مكتب قطري لها في اليمن.. والأربعاء الماضي (26 سبتمبر)، على هامش اجتماعات الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، وقع وزير الخارجية اليمني أبوبكر القربي مع الرئيسة الحالية للمفوضية نافي بيلاي، اتفاقاً يقضي بإنشاء مكتب للمفوضية السامية في اليمن. طبقا لما اكدته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).

حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور، تتحدث أمام الدورة الـ(21) لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، لتؤكد في كلمتها ان حكومة اليمن لن تدخر جهدا في تحسين وتطوير أدائها بما يعزز من سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وفتح المجال واسعا للشراكات والتحالفات مع المجتمع المدني على المستويين الوطني والدولي. ولفتت المجتمع الدولي إلى ان الترتيبات تجري حاليا لوضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان تضع الأهداف المتوسطة والبعيدة المدى لتعزيز حقوق الإنسان.

ويحمل قرارا مثل هذا دلالات سياسية إيجابية هامة، لعل أبرزها: تعزيز الجدية في مواصلة السير نحو تأمين متطلبات العهد اليمني الجديد؛ أما اشجعها: الاستمرار الحثيث في محاولات إزالة النتوءات وقسر الحالة اليمنية نحو المزيد من التهدئة المساعدة على فرض الأمن؛ فيما أن أفضلها قد يتمثل بحصد مساعدات المانحين المالية سعياً نحو تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.

خلفية مثيرة للاهتمام
ولعل ما يزيد من أهمية إفراد مساحة مناسبة تركز على هذا القرار، أن اليمن ظلت خلال الفترة التي تلت الثورة الشعبية السلمية (مطلع فبراير 2011)، وحتى الأربعاء الماضي، ترفض طلبات المفوضية السامية بشأن رغبتها فتح مكتب لها في اليمن، والتي جاءت بناءً على توصية رفعها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

بل إنها ظلت، أيضاً، تماطل وتؤجل موافقتها السماح لها بإرسال لجنة خبراء تتبع المفوضية السامية لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في اليمن، متذرعة بعدم قدرتها على ضمان سلامة الوفد الأممي بسبب الحالة الأمنية المنفلتة.. لكن في أواخر يونيو ومطلع يوليو من العام 2011 وصلت لجنة من المفوضية إلى اليمن، في مهمة استمرت قرابة عشرة ايام، التقت خلالها بمختلف الأطراف المعنية.

وفي تقريرها الصادر في سبتمبر 2011، أوصت اللجنة بضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل إزاء الانتهاكات في اليمن. ولفتت في تقريرها إلى أن مئات الأشخاص قد قتلوا وأصيب الآلاف إثر استخدام الحكومة القوة لإخماد الاحتجاجات. وكشف التقرير: أن المتظاهرين المسالمين المطالبين بحريات أكبر وبالقضاء على الفساد وباحترام سيادة القانون قوبلوا بالقوة المميتة المفرطة وغير المتناسبة من قبل الدولة. كما شدد على الحاجة إلى «تحقيقات دولية مستقلة ومحايدة» في إدعاءات انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بحركة الاحتجاج السلمي في اليمن منذ بداية هذا العام 2011.

وخلال الفترة 20-27 من شهر ديسمبر 2011، عاد وفد من المفوضية لمواصلة مهام تقييم الحالة الحقوقية المتصاعدة في البلاد. وكان لقرار مجلس الأمن رقم 2014 (سبتمبر 2011) دور مهم في سماح الحكومة اليمنية للوفد الأممي القيام بمهامه. إذ أشار هذا القرار إلى ضرورة الأخذ بالاعتبار قرار مجلس حقوق الإنسان رقم (A/HRC/RES/18/19) بشأن اليمن، مؤكدا على «ضرورة إجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد بما يتفق مع المعايير الدولية في الانتهاكات والإساءات المزعومة التي طالت حقوق الإنسان، مع التأكيد على مسألة عدم الإفلات من العقاب وضمان المساءلة الكاملة، مشيرا بهذا الصدد إلى تلك المخاوف التي أعربت عنها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة».

وفي 21 مارس 2012، رفعت المفوضية تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته التالية. وضمن مجموعة توصيات، اوصى التقرير بضرورة «تشجيع فتح تحقيقات دولية شفافة في الجرائم الأشد فضاعة والتي نجم عنها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات خلال الأزمة التي حدثت في اليمن».

وفي 27 مارس 2012، عقدت اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان اجتماعا لمناقشة ردود الجانب اليمني على تقرير وفد المفوضية. ورحب الاجتماع بإعلان اليمن الخاص بموافقته فتح مكتب قطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن. وأعربت اللجنة عن أملها في أن تسمح اليمن للمفوضية بالاضطلاع بولايتها بشكل كامل، بما في ذلك في مجالي الرصد والتحقيق المتعلقين بحقوق الإنسان.

بعدها، ومنذ ذلك الحين، مرت خمسة أشهر تقريبا دون الشروع بأية إجراءات عملية على أرض الواقع تجسد الموافقة المبدئية اليمنية المعلنة بفتح المكتب.

حتى على الرغم أن مجلس الأمن الدولي، كان بدوره جدد تأكيده – ضمن قراره الثاني (رقم 2051) بشأن اليمن في جلسته المنعقدة لاحقا في 12 يونيو 2012 - على وجوب «محاسبة جميع المسئولين عن أعمال انتهاك وامتهان حقوق الإنسان». وبهذا الخصوص شدد «على ضرورة إجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد ومستوف للمعايير الدولية بخصوص ما زعم وقوعه من أعمال انتهاك وامتهان لحقوق الإنسان، وذلك لمنع الإفلات من العقاب وضمان الخضوع للمساءلة على نحو تام».

ما يعني – ضمناً – ضرورة البدء بتمكين المفوضية من التواجد رسميا في البلاد؛ من حيث إنها الجهة الوحيدة المستقلة الموثوق بها، التي يمكنها أن تساعد على إجراء تحقيق تتجسد فيه المعايير الدولية.

والأربعاء الماضي فقط، وقعت اليمن على فتح المكتب، لتكون قد بدأت فعلياً بالخطوة الإجرائية العملية الأولى لتمكين الهيئة الحقوقية الدولية من الشروع بمهامها المفترضة للمساعدة في تحقيق العدالة في البلاد.

لكن.. لماذا الآن؟
حالياً يقوم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بجولة دولية هامة، بدأها الأحد الماضي من العاصمة البريطانية لندن؛ والأربعاء (26 سبتمبر) حضر فعاليات الدورة الـ67 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي هذا اليوم أيضا، أعلن التوقيع مع المفوضية، وذلك قبل يوم واحد فقط من افتتاح الرئيس لجلسات أعمال الاجتماع الرابع لمجموعة اصدقاء اليمن، الخميس الموافق 27 سبتمبر - في نيويورك، بمشاركة ما يزيد عن «40» دولة شقيقة وصديقة ومنظمات إقليمية ودولية مانحة.

وأخذاً بالاعتبار أن كافة اللقاءات المستديرة الدولية الثلاثة السابقة لمجموعة «أصدقاء اليمن»، لم تنتهِ إلى نتائج إيجابية واضحة، وعلقت البت في حجم أموال الدعم إلى هذا الاجتماع، فقد كان من الواضح أن الرئيس هادي بحضوره هذا المؤتمر، وتوجيهه وزير الخارجية التوقيع على الموافقة بفتح مكتب للمفوضية في اليمن، كان يعقد آمالاً كبيرة على هذا الاجتماع لحشد الدعم الدولي اللازم لإنقاذ البلاد وإخراجها من أزمتها الاقتصادية التي تشكل محورا رئيسيا لديه باعتبارها بداية الطريق نحو حلحلة بقية الجوانب السياسية والأمنية.

وربما كان مدركاً أن المانحين الدوليين الكبار توصلوا إلى إجماع يربط تسليم المساعدات الاقتصادية بضرورة تنفيذ إصلاحات سياسية، إدارية، قانونية وحقوقية، وعلى ما يبدو، يأتي التوقيع الأخير - بالموافقة على فتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان- استجابة لمشورة صادقة من بعض الأطراف الدولية الصديقة.

ويضاف هذا التوقيع إلى جانب تلك القرارات الإصلاحية الجريئة في المؤسسة العسكرية، التي أصدرها الرئيس هادي خلال الأسابيع والأشهر السابقة، وجنبا إلى جنب مع تلك المرونة التي أبداها الرئيس هادي في مسألة التعاون في مكافحة الإرهاب .. لتشكل جميعها رزمة من الإجراءات المساعدة على إنجاح مؤتمر المانحين في نيويورك.

ميدان المفوضية في اليمن
بحصولها أخيراً على الموافقة بفتح مكتب قطري لها في اليمن، من المتوقع أن تتمثل أعمال المفوضية طابعا دوليا، بمراقبتها عن كثب الانتهاكات الحقوقية المتواصلة، إلى جانب دورها المفترض في العمل على تحقيق قرارات مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بخصوص ضرورة إجراء تحقيقات شاملة محايدة وشفافة لمنتهكي حقوق الإنسان والتأكد من عدم إفلاتهم من العدالة عبر المساعدة في تسهيل إجراءات إحالتهم إلى المحاكمة الدولية، طبقا لمبادئ حقوق الإنسان الدولية.

في تقارير بعثاتها الخاصة، وقرارات مجلس حقوق الإنسان المتعلقة باليمن، ظلت المفوضية السامية تشدد على ضرورة محاسبة المتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان... وحين ضغط على الأطراف اليمنية للتوقيع على تنفيذ المبادرة الخليجية، لتتوالى في إثرها الترحيبات الدولية مع وعود بالمساعدة والمراقبة والإشراف..الخ، كانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان – على العكس من ذلك - تعلن بكل قوة رفضها مخالفة تلك الاتفاقية للمبادئ الدولية العامة لحقوق الإنسان. وشددت بشكل متكرر على رفضها بند الحصانة التي منحتها المبادرة للرئيس السابق ومن عملوا معه والتي تعفيهم من المحاكمة والمحاسبة على كافة جرائمهم السابقة المرتكبة بحق المعارضين، المطالبين بإسقاط النظام.

وفي تقرير اللجنة الدولية المعنية بحقوق الإنسان، الصادر عن اجتماعاتها الخاصة بشأن اليمن يومي 27 - 28مارس 2012، أعربت عن القلق الذي يساورها بهذا الشأن، وأكدت أنه «يتعين على الدولة الطرف (اليمن) أن تلغي قانون العفو رقم «1» لعام 2012، وأن تمتثل للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحظر منح الحصانة للأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي يقع بشأنها التزام على الدول بتقديم الجناة إلى العدالة».. وعلى مدى الفترة التي تلت التوقيع على المبادرة، ظل المسئولون المعنيون في هيئة الأمم المتحدة وبشكل خاص في المفوضية السامية، يجددون بين الحين والآخر رفضهم منح الحصانة للرئيس السابق ومعاونية.. الأمر الذي ربما عزز مسألة إصرار وتمسك المسئولين اليمنيين المعنيين (من بقايا النظام السابق) بقرار رفض منح المفوضية إذناً بفتح مكتب في اليمن، مستخدمين كافة الوسائل لعرقلة أي جهود داخلية تسعى إلى فتحه.

حصانة مرفوضة.. ومنتهية
ومؤخراً، لوحظ إصرار لافت من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر، على إطلاق تصريحات تؤكد أن الأمم المتحدة ليست معنية بقرار منح الحصانة.. وجاءت تصريحات بن عمر تلك، في أثناء زيارته الأخيرة إلى اليمن مطلع هذا الشهر. قال بن عمر لقناة سكاي نيوز عربية إن «الأمم المتحدة لم تكن طرفا في قانون الحصانة»، مشددا على أن المنظمة الدولية «تؤكد ضرورة محاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان». وأضاف إن الأمم المتحدة لا «تدعو للحصانة بشكل مطلق، لأن القانون الدولي لا يسمح باتفاقات تعطي حصانة خاصة في جرائم فيها خرق للقانون الدولي».

تلك التصريحات جاءت في سياق كان الحديث فيه يتطرق إلى الأطراف المعرقلة لتنفيذ المبادرة الخليجية. حيث أكد بن عمر بالقول: إن «المعرقلين معروفون عند الشعب اليمني كله. والرئيس عبد ربه منصور هادي اتخذ قرارات شجاعة وصمد في وجه عدد من التحديات والعراقيل وفعلا بدأت مسيرة التغيير.. من المؤسسات العسكرية والأمنية».. وإذا كان ذلك هو حال بن عمر، ربما على إثر تأكده – في زيارته الأخيرة - من صعوبة إقناع الرئيس السابق وأعوانه بالتوقف عن فرض العراقيل والمساعدة على تسهيل مهمته والرئيس هادي في تنفيذ بقية بنود المبادرة.. فإن حال السفير الامريكي في اليمن، لم يكن بأفضل من سابقه، ولكن وفق حيثيات اخرى لا تتعلق برفض الحصانة، بل بعدم جدواها في الوقت الراهن.. فبعد أيام من تصريحات الأول، وجه السفير الأمريكي في اليمن رسالة واضحة للرئيس اليمني السابق، حين أعرب عن أسفه لعدم احتواء المبادرة الخليجية على بند يمنع صالح من العمل السياسي، بل أكثر من ذلك ذهب – للمرة الأولى منذ توقيع المبادرة – للفت الانتباه إلى أن الحصانة الممنوحة انتهت عملياً في 21 فبراير 2012؛ بعد انتخاب الرئيس هادي؛ من حيث إن قانون الحصانة المقر في البرلمان اليمني نص على حصانة لفترة حكمه فقط.

كان ذلك أشبه بتحذير للرئيس اليمني السابق – الذي ما يزال يمارس العمل السياسي بحرية - بضرورة توقفه عن عرقلة تنفيذ المبادرة، وذلك ربما على خلفية بروز أدلة تثبت تورطه ونجله وقيادات عسكرية موالية لهم بالتمرد على القرارات الخاصة بالهيكلة، وبعض الأعمال التخريبية، إلى جانب التورط بالوقوف خلف مجموعة أحداث أمنية بينها اقتحام وزارة الداخلية ومحاولة اقتحام وزارة الدفاع، وربما عملية اقتحام السفارة الأمريكية مؤخراً.

مؤشرات أولية لنهاية سيئة 
على نحو ما سبق، ربما يمكن النظر إلى توقيع اليمن الأخير بالموافقة على فتح مكتب للمفوضية في صنعاء، على أنها رسالة تحذير واضحة للرئيس السابق وأعوانه، وهي تأتي في سياق مواصلة تعزيز سلسلة الإجراءات الاحترازية التحذيرية التي تضمنها قرار مجلس الأمن الأخير (2051) بفرض عقوبات اممية ضد من يثبت عرقلتهم تنفيذ بقية بنود المبادرة.

وفي الأخير، ربما يمهد هذا القرار – مع تلك الرسائل التحذيرية - لحزمة قرارات هيكلية أخرى مؤثرة، من المتوقع أن يصدرها الرئيس خلال الأيام القادمة.. ومنذ فترة ظل بعض السياسيين يتوقعون نهاية سيئة للرئيس السابق، عطفاً على إصراره على مواصلة العمل السياسي على نحو يتوخى من خلاله التمكن من الانتقام من خصومه الذين أسقطوه. الأمر الذي من المتوقع أن يفضي به – في نهاية المطاف – إلى الانزلاق نحو الأساليب التي تجعل من محاكمته أمر أكثر ترجيحا.. على أن ذلك، من المتوقع ايضا أن يسبق بقرارات عقابية دولية على شاكلة المنع من السفر، وتجميد الأموال..الخ، وثمة بعض المؤشرات الأولية المعلنة مؤخرا – وإن بشكل مقتضب - من بعض الدول الأوروبية بخصوص شروعها بدراسة إمكانية فرض بعض العقوبات. بل إن الولايات المتحدة أعلنت الأسبوع الماضي - بشكل صريح - أنها رفضت منح صالح تأشيرة دخول للعلاج.

وعلى ما يبدو، فثمة قرار جماعي، أقليمي ودولي، اتخذ ولكن بشكل غير معلن يقضي بعدم استقبال الرئيس السابق..! سواء للبقاء أو الضيافة أو حتى العلاج..!!
 -----------------------------------
- نشر في صحيفة الجمهورية - الجمعة 28 سبتمبر 2012

- أعاد نشرة موقع المصدر أونلاين

الخميس، 13 سبتمبر 2012

رجال الرئيس كأهداف مغرية للقنص


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
كاد الثلاثاء الماضي أن يكون يوما حزينا في حياة اليمن الجديد عموماً، وهو بالنسبة للرئيس عبدربه منصور هادي، بشكل خاص، ربما كان سيكون أكثر حزنا فيما لو نجحت المحاولة السادسة – تقريبا - في اغتيال رجله المخلص، والقوي: اللواء الركن محمد ناصر أحمد، وزير الدفاع..

سبق لهادي أن ذرف دموع الحزن قبل أربعة اشهر، ذلك حينما كان يشيع أحد رجاله المخلصين، الأقوياء: اللواء سالم قطن، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، الذي اغتيل في 18 يونيو 2012 في عدن. حينها كان وزير الدفاع إلى جواره، يشاركه مغالبة الألم على فقدان زميله هو الآخر.

وفي موكب تشييع الشهيد البطل: قطن، ربما يمكننا أن نتخيل ما كان يراود زميله (الوزير) من ذكرى حميمية وهو يسترجع في نفسه شريط محاولة اغتيالهما الفاشلة معا، في 27 سبتمبر 2011، بمحافظة عدن (آنذاك كان قطن ما يزال رئيسا لهيئة الأركان العامة للقوى البشرية).

تصفية رجال الرئيس
في الحقيقة، إذا ما عدنا قليل لاستعراض شريط الأحداث، سنجد أنه لم يكن لا الراحل سالم قطن، ولا وزير الدفاع هما فقط رجال الرئيس الجديد، الأقوياء (أو ربما حتى المواليين له، أو شخصيات كبيرة من منطقته قد تكون محسوبة عليه بطريقة أو بأخرى) الذين يتعرضون إما للقتل (اغتيالا) وإما لمحاولات اغتيال متكررة. فثمة الكثير مما تفصح عنه الأحداث في هذا الجانب، وهي بدأت بشكل أكثر تحديدا، منذ تولي هادي زمام قيادة البلاد؛ سواء في الفترة التي كان مايزال فيها قائما بأعمال الرئيس، أو ما بعدها عقب انتخابه رئيسا شرعيا للبلاد.

بعض محاولات الاغتيال تلك نجحت، كاغتيال اللواء سالم قطن، بينما أن معظمها منيت بالفشل، على الأقل حتى الآن. وهذه الأخيرة كثيرة، لعلنا هنا نستعرض أبرزها، على سبيل المثال: محاولة الاغتيال التي تعرض لها اللواء الركن عبدالله علي عليوة ـ وزير الدفاع السابق ـ في 22 سبتمبر 2011، أمام منزله بصنعاء، والتي أسفرت عن مقتل أحد مرافقيه وإصابة آخرين. وقبلها بأسابيع قليلة، 6 سبتمبر، كان العميد الركن فيصل رجب ـ قائد اللواء 119 - تعرض لكمين مسلح في جبهة دوفس، نجا منه بأعجوبة، بينما أسفرت العملية عن مقتل 4 من جنود اللواء بينهم قائد الكتيبة الأولى (ويعد رجب من القيادات التي واصلت حربها ضد القاعدة في أبين، تحت قيادة الرئيس هادي حينها بعد أن فرت قيادات بعض الألوية هناك وسلمت عتادها لمسلحي القاعدة). ويدخل في السياق ايضا محاولة استهداف الشخصية السياسية بمحافظة أبين: محمد حسن عشال، عبر وضع عبوة ناسفة بالقرب من منزله بمديرية مودية، في شهر سبتمبر ذاته، ما أدى إلى مقتل أحد أقربائه. تأتي هذه المحاولة بعد أيام من اغتيال نجله عبدالحكيم برصاص مجهولين يستقلون دراجة نارية أمام منزله بمدينة صوفان صنعاء (12 سبتمبر 2011). (المصدر: أخبار اليوم بتصرف).

وبالنسبة لوزير الدفاع، كانت تلك المحاولة (التي اشرنا إليها عاليه: 27 سبتمبر 2011- عدن)، ما تزال هي المحاولة الثانية التي يتعرض لها في غضون شهر. فهو كان قد نجا، قبلها، وتحديدا في 30 أغسطس 2011، من محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها في محافظة أبين، حين انفجرت بموكبه عبوة ناسفة خلال زيارة تفقدية للألوية المرابطة بالمحافظة؛ نجا الوزير، بينما قتل ثلاثة من مرافقيه في الحادث.

في تلك الأثناء (أي أغسطس، وسبتمبر من العام 2011)، لم يكن عبد ربه منصور هادي، رئيسا شرعيا للبلاد، كان ما يزال قائما بأعمال الرئيس، لكنه كان قد بدأ فعلا الشروع بإجراء ترتيبات أولية لاختيار - وربما اختبار- رجاله المخلصين. لقد بدأ بتفويض ومنح وزير الدفاع بعض صلاحياته العملية التي تجعل منه قادرا على التحرك كوزير دفاع حقيقي، متحملا مسئولياته الفعلية، بعد أن كان – في السابق - مجرد شخص يتقلد منصبا هاما ليس إلا.

برز وزير الدفاع عقب تكليف الرئيس له باستلام ملف «الإرهاب»، ليبدأ زياراته الميدانية إلى محافظة أبين التي كان تنظيم القاعدة قد سيطر عليها مسبقا. وقبل يوم من محاولة اغتياله هناك، كان الجيش قد أعلن استعادته منطقة «دوفس»، في 29 أغسطس 2011، من أيدي عناصر القاعدة. بعدها بيوم واحد، بدأ العداد يتحرك ليسجل أول محاولة اغتيال للوزير.

بداية البروز لوزير مغمور
عين اللواء محمد ناصر وزيرا للدفاع في شهر فبراير من العام 2006. ثم أعيد تعينه مجددا في الموقع ذاته في التعديل الحكومي اللاحق، في أبريل 2007م.

وفي الواقع، منذ ذلك الحين وحتى نهاية العهد السابق، لم يكن الكثيرين يعرفون – على وجه الدقة - من هو وزير الدفاع: ما هي قدراته، إمكانياته، إخلاصه، وطنيته وشجاعته..؟

بل، وللأسف الشديد، كان أول أبرز ظهور له بعد جريمة مذبحة جمعة الكرامة (18 مارس 2011)؛ بعد أيام قليلة من بداية الانهيار الكبير للنظام؛ وكان من سوء قدره أنه وفي الوقت الذي تحولت فيه قيادات عسكرية كبيرة، وسياسية ودبلوماسية ومدنية..الخ، إلى الثورة الشعبية السلمي، ظهر الوزير في تسجيل تلفزيوني – في محاولة لإيقاف الانهيار وإعادة تماسك النظام السابق. في ذلك الوقت العصيب والمتوتر، ظهر الوزير المغمور، المخفي، ليقول للشعب كلماته المرتعشة: إن «القوات المسلحة ستظل وفية للرئيس صالح، وأنها لن تسمح تحت أي ظرف بأي محاولة للانقلاب على الديمقراطية والشرعية الدستورية، أو انتهاك أمن الوطن والمواطنين».

وحول ذلك الموقف غير المحسود عليه، والاستغلال المدمر للرجل، قيلت الكثير من التكهنات، لعل أفضل ما ناله تلك التي أحسنت الظن به، حين اعتبرت أنه كان مجبرا بالقوة على الظهور بتلك الصورة المهينة؛ الصورة التي قذفت به – عمدا - في مواجهة ثورة شعبية سلمية عارمة؛ بل حينما كانت دماء ابنائها ما زالت تسيل على الأرض، ولما تضمد جراح تلك المذبحة البشعة بعد.

لكن الرجل الستيني - الحاصل على ماجستير علوم عسكرية / قيادة وأركان من الإتحاد السوفيتي سابقاً - ربما كان قرر في قرارة نفسه، سرا، البدء بلملمة جراحاته، متوخيا كتابة نهاية تاريخه النضالي، الوطني بيده اليمنى هذه المرة. وشيئا فشيئا أستطاع أن يعيد رسم معالم صورته الحقيقية. لقد وجد البيئة المناسبة ليقوم بذلك: أغلب الظن، أن هادي كان واحدا - من قليلين جدا - ممن يعرفون سر الرجل وقدراته وإمكانياته وإخلاصه..، ذلك حين إصر (الرئيس هادي) على احتواءه ولملمته كأحد رجالاته الأقوياء. وفي غضون أشهر، سرعان بدأ الرجل في تنظيف اللطخة القذرة التي علقت في الأذهان عن رجل ضعيف، لينجح في استعادة حقيقته المغيبة؛ وكانت معركة القاعدة هي فرصته ومعتركه الأول وميدانه الخصب الذي أبدع – مخلصا - في مواجهتها.

حدث ذلك بعد تولي «هادي» قيادة البلاد، كقائم بأعمال الرئيس، بداية، بصلاحيات محددة، ليحظى رجله بفرصته، ثم واصل تألقه عقب حصول «هادي» على الشرعية الكاملة بانتخابه رئيسا للبلاد (نوفمبر 2012). آنذاك كان «هادي» قد أصر – وللمرة الثانية - على إبقاء رجله في موقعه ضمن حكومة الوفاق الوطني، ديسمبر 2012. ومنذ ذاك بدأ الرجل بالظهور أكثر قوة من ذي قبل، ممارسا صلاحياته الكاملة كوزير دفاع حقيقي.

تحول مفاجئ.. وشجاعة نادرة..
بعد أن أطمئن لمساندة الرئيس له ومخاطرته بالتمسك به، قرر الرجل أن يكون عند مستوى المسئولية التي أولاها إياه رفيقه القديم ورئيسه الجديد. ومطلع شهر أبريل (تحديدا 2 إبريل 2012)، أستدعي الوزير، ومعه وزير الداخلية، إلى مجلس النواب للمسائلة حول استمرار الاختلالات الأمنية. وفي الجلسة فجر الوزير ناصر مفاجأة لم تكن بالحسبان (على الأقل بالنسبة للكثيرين ممن كانوا يعتقدون - تماما - انهم يعرفونه جيدا، عطفا على ما كان عليه في السابق). وبشجاعة نادرة وثقة غير مسبوقة، رد الوزير على تساؤلات النواب، قائلا «خلال أسبوعين ستشاهدون شيئاً جديداً من اللجنة العسكرية (التي كان هو أحد أعضاءها بحكم منصبه)»، مستدركا «وإذا لم نقم بإزالة المظاهر المسلحة والمتارس من أمانة العاصمة سنقول لكم باي باي».

ليس ذلك فحسب، بل أزيد من ذلك، أضاف الوزير - بالشجاعة والثقة ذاتها - ملمحا: «لقد واجهنا ما واجهنا وسنظل في صنعاء مهما كانت الظروف مثلما بقينا فيها عام 94م». حدث ذلك فجأة، فيما أنه كان ارجع الانفلات الأمني في المحافظات إلى سحب النقاط الأمنية إلى عواصم المحافظات وانشقاق القوات المسلحة، الأمر الذي قال أنه «أدى إلى توسع وانتشار تنظيم القاعدة». وكانت تلك أول إشارة واضحة منه إلى تورط بعض الأطراف المتهمة دائما بالتسهيل لتنظيم القاعدة ومساعدته على التوسع والانتشار. بل هاجم الوزير تلك الأطراف بالتأكيد على «ان هناك قوات وأجنحة متصارعة داخل اليمن سببت الانفلات الأمني»، كاشفا عن عملية تدوير وظيفي ستشمل جميع منتسبي القوات المسلحة.

بعدها، لم تخلو أصابع الاتهام من الإشارة إليه، بالتخطيط سويا مع رئيس الجمهورية لإحداث تلك التغيرات التي أطاحت – للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة وتولي هادي الرئاسة - بعض من أهم وأبرز القيادات العسكرية، والتي كان معظمها إما تنتمي إلى عائلة الرئيس السابق، وإما محسوبة عليها.

ومن هنا، بدأت الخصومة مع الوزير تتصاعد تدريجيا من قبل أولئك الذين كانوا يعدونه تابعا لهم في الوقت الذي لم يبدو فيه كأنه كذلك.. كما أنها كانت (تلك العداوة) قد حددته باعتباره هدفا مهما من قبل تنظيم القاعدة الذي كان قد بدأ فعلا بتوجيه الضربات إليه ميدانيا..

الوزير المتحول تحت التهديد
بعد انتخابه رئيسا شرعيا للبلاد، كان الرئيس هادي قد قرر البدء بتثبيت شرعيته كرئيس فعلي من خلال محاولته إعادة سيطرة الدولة على الأجزاء المسلوبة؛ تلك التي سيطرت عليها - منذ العهد السابق - المجاميع المسلحة التابعة للقاعدة، في محافظة أبين. لقد بدء الرئيس الجديد بإرسال رجله، وزير الدفاع، إلى الميدان تعزيز قوة الدولة عبر القيام بعمليات عسكرية بسيطة على الأرض لمواجهة محاولة توسع القاعدة. لكن تلك العمليات لم تكن كافية كونها لم تشمل – بداية - قرار توسيعها لتنفيذ عمليات عسكرية تكتيكية أبعد، بهدف طرد تلك الجماعات.

بيد أنه، وبعد سريان تنفيذ قراراته الرئاسية ورضوخ تلك القيادات المنتمية لعائلة الرئيس السابق بتسليم المعسكرات التي تقف عليها (بعد وساطات متواصلة من قبل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر)، بدأ هادي بالتركيز أكثر على تنفيذ الخطوة الثانية من خلال توسيع الحملة وإرسال الألوية تحت قيادة وزير الدفاع، وهذه المرة: لطرد القاعدة من تلك المناطق التي سيطرت عليها. لقد كان وزير الدفاع هو قائد الحملة ورأس الحربة دائما في تلك الحرب. تواجد بنفسه في الميدان ليخطط ويدير المعركة الحاسمة عن قرب. وبشكل متواصل استمرت الحملة حوالي شهرين ونيف لتنتهي بطرد القاعدة من محافظة أبين.

ولقد عكست النجاحات التي حققتها تلك العمليات العسكرية الموسعة، الرغبة الوطنية الحقيقية للرئيس الجديد في مواجهة مثل تلك التنظيمات «الإرهابية» المسلحة، في الوقت الذي جسدت فيه أيضا قوة وقدرات وحماس وزير الدفاع نفسه.

وكنتيجة طبيعية – غير مباشرة - للنجاح، فإن ما كان في السابق مجرد تشكيكات بنوايا النظام القديم الحقيقية بشأن رغبته في التخلص من تلك الجماعات الإرهابية المسلحة، قد أصبح الآن حقيقة، بعد أن كانت مجرد تشكيكات، تفتقد للأدلة العملية.

لكن وزير الدفاع، في الحقيقة، كان قد تعرض لثاني أخطر محاولة اغتيال جدية، من قبل تنظيم القاعدة، في 21 مايو 2012؛ كان ذلك قبل البدء رسميا بالحملة العسكرية الموسعة؛ في أثناء زياراته الأولى لميدان المعركة، حين كان يضع اللمسات الأولى للمعركة الحاسمة؛ حينها كانت قيادة اللواء الثالث حرس جمهوري بصنعاء ما تزال تواصل تمردها على تنفيذ قرار الرئيس هادي القاضي.

لقد حدثت محاولة الاغتيال تلك (الخامسة عملياً بالترتيب)، في العاصمة صنعاء، أي هذه المرة: بعيدا عن ميدان المعركة في أبين. ذلك حين فجر انتحاري نفسه وسط تمرين مخصص لعرض عسكري بميدان السبعين، بأمانة العاصمة، ما أسفر عن مقتل حوالي مئة جندي، فيما أعلن تنظيم القاعدة أن العملية كانت تستهدف بالأصل وزير الدفاع الذي كان حاضرا لمتابعة بروفة العرض الأخيرة استعدادا للاحتفال بعيد 22 مايو.

بعدها، بأيام (مطلع يونيو 2012)، كان الوزير على موعد آخر مع حادثة مريبة أخرى، حينما تعرض موكبه لإطلاق نار من قبل بعض الجنود أثناء محاولته دخول مقر قيادة اللواء 111 المرابط في محيط مدينة لودر في محافظة أبين، لكن أحد لم يصب بأذى.

إذن، لقد بات من الواضح جدا، أن هذا الوزير كان يتحول تدريجيا من رجل عادي جدا (كما ظل في عهد الرئيس السابق)، إلى رجل قوي، ليصبح واحدا من أهم وأبرز المطلوبين لدى تنظيم القاعدة.

كما أنه، وبالتوازي، فيما كان الوزير يتحول ليصبح أحد أهم رجال الرئيس – الجديد – الأقوياء، كان، في الوقت ذاته، يتحول تدريجيا إلى خصم لدود لمن باتوا يعتقدون أنه خرج عن طوعهم من بقايا العهد السابق. لذلك لم يكن محض صدفه أن يتكفل الناطق الرسمي لحزب الرئيس السابق بمهاجمته في مؤتمر صحفي (أبريل 2012).

ولذلك أيضا، كانت بعض التسريبات تتحدث عن مطالبة حزبه بتغييره واستبداله بآخر - لأكثر من مرة - كونه يعتبر وزيرا من حصة الحزب، لكن الرئيس كما قيل كان يرفض تلك المحاولات معتبرا وزير الدفاع خطا أحمر. وبحسب ما قيل أيضا، كان الرئيس (هادي) نفسه هو من أصر سابقا على ترشيحه في حكومة التوافق ضد رغبة «صالح»، حينها، بتسمية وزير آخر بدلا عنه.

وربما كان لازما علينا المزيد من التوضيح بشأن تراكم الخلافات بين بقايا النظام السابق ووزير الدفاع، لاسيما وأن بعض التسريبات تحدثت عن مواجهة ساخنة دارت بين الشيخ محمد الشايف والوزير عقب اللقاء التشاوري للمؤتمر الشعبي العام، نهاية ديسمبر 2011، على خلفية إتهام الأول للوزير رضوخه للاحتجاجات في دائرة التوجيه المعنوي وتعيين مدير جديد للدائرة، وكذا إتهامه بالوقوف إلى صف الرئيس هادي ضد توجهات الرئيس السابق وحزبه، الأمر الذي – بحسب ما نشر – تطور حتى كاد يصل إلى اشتباك بالإيدي..

صراحة أضفت المزيد من الاستهداف 
الواقع، أن هذا الوزير، لم يتحول ليكون عدوا مهما للقاعدة، أو خصما لدودا بالنسبة لبعض قيادات حزبه فحسب، بل يمكن أن نلاحظ ايضا أن الخصومة والعداء، ربما تعدت تلك الأطراف إلى غيرها من دعاة الانفصال وغيرهم من دعاة الطائفية والمذهبية ممن يسعون إلى إثارة الفوضى في البلاد. فالوزير – على سبيل المثال – كان في إحدى تصريحاته، في 9 مايو 2012، في عدن، يوجه تهمة العمالة صراحة لأطراف - وصفها بأنها فقدت مصالحها – و«تسعى إلى إثارة الفوضى وعدم الاستقرار في محافظة عدن وتتلقى الدعم بشكل مباشر من إيران..». في إشارة ربما تكون واضحة لما يوصف بـ«الحراك المسلح»، والحوثيين.

في نهاية المطاف، يمكن القول أن رجلا مثله بات مهددا بالاغتيال في أي لحظة من عدة أطراف تناصبه العداء بشكل مباشر، واضح، وأخرى ربما تستبطن عداوتها وخصومتها معه (اغلب الظن أنها ربما كانت تشعر بأنه قد يمثل حجر عثرة تقف في طريق تحقيق مشاريعها المستقبلية الخاصة).

على أن عداوة تنظيم القاعدة المجاهر بها ضده تعد هي الأكثر حضورا من خلال محاولتين أو ربما ثلاث محاولات اغتيال، على الأقل، كان قد تعرض لها حتى الآن. وفيما أن هذا التنظيم المتشدد قد أعلن تبنيه بعضها، تظل المحاولة الأخيرة (11 سبتمبر 2012)، وهي الأكبر والأكثر خطورة، غامضة الجهة؛ على الأقل حتى الآن: طالما لم تعلن أي جهة تبنيها..

في هذه الأثناء، سيتوجب على الرئيس، الذي نجا - هذه المرة – بأعجوبة من مكابدة دموع الحزن، أن يرفع يديه إلى السماء لاهجا بالشكر، لكن دون أن ينسى أن رجاله الأقوياء سيظلون أهدافا مفتوحة ومغرية للراغبين في إضعافه وثنيه عن مواصلة اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية نفسه من الضربة القادمة.

الصورة للرئيس هادي وقادة عسكريين أثناء الصلاة على اللواء سالم قطن (رويترز).
-----------------------
نشرت على موقع المصدر اونلاين في 13 سبتمبر 2012
http://almasdaronline.info/index.php?page=news&article-section=1&news_id=35951

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

نهاية قيادي اعتقل وأصيب وقتل أكثر من مرة


«المصدر أونلاين» يستعرض أبرز محطات حياة «سعيد الشهري» رجل القاعدة الثاني في جزيرة العرب


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
وأخيرا، على ما يبدو هذه المرة بالفعل، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية، الاثنين، مصرع الرجل الثاني في جناح تنظيم القاعدة بجزيرة العرب السعودي سعيد الشهري، في عملية وصفتها بالنوعية في محافظة حضرموت شرقي البلاد.

 وذكر موقع يتبع الوزارة على شبكة الانترنت نقلاً عن مسؤول رفيع أن سعيد علي الشهري قتل إلى جوار ستة آخرين كانوا برفقته في عملية نوعية، لم تشير إلى تفاصيلها في وادي حضرموت.

وأضاف: «مقتل الشهري يمثل ضربة موجعة لما تبقى من فلول العناصر الإرهابية».

وكان في السابق، أعلن عن مقتل وأسر الشهري في واقعتين منفصلتين، عامي 2009، 2010 على التوالي، لكن تلك الأخبار أثبت عدم صحتها بعد ظهوره في تسجيلات مرئية وصوتية لاحقة.

لكن، وفيما يبدو هذه المرة، فإن خبر مقتل الشهري، بات مؤكدا، وفقا لعدة مصادر تطابقت تأكيداتها مع إعلان وزارة الدفاع اليمنية عن مقتله، الاثنين. حيث نقلت المصادر أن عملية قتل الرجل الثاني لتنظيم القاعدة لم تكن بغارة جوية، إنما عبر كمين مسلح.

وفيما لو تأكد الخبر بشكل نهائي، فسيمثل مقتل الشهري ضربة قوية جديدة ضد تنظيم القاعدة، الذي تلقى مجموعة من الضربات الموجعة خلال اقل من عامين، قتل فيها كل من: أنور العولقي (سبتمبر 2011)، تلاها مقتل القيادي في التنظيم، والمطلوب دوليا: فهد القصع (مايو 2012)، إلى جانب تلك الهزيمة التي مني بها التنظيم نتيجة دحره وطرده من محافظة أبين خلال الأشهر القليلة الماضية: مايو، يونيو، ويوليو..، ما رافقها من مطاردات وتضييق للخناق وأسر مجموعة من أعضاء وأنصار التنظيم..

سيرة وبدايات..ويعتبر سعيد علي جابر الشهري، (39 عاما)، وكنيته «أبو سفيان الأزدي الشهري، و أبو سيَّاف الشهري»، واحدا من قيادات الصف الأول في تنظيم القاعدة، ولديه سيرة حافلة بالعطاء والعمل في إطار تنظيم القاعدة الدولي، ومؤخرا ضمن فرعه الحديث والخطير في اليمن، الذي يتقلد فيه موقع الرجل الثاني باعتباره «نائب زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، الذي يتخذ من اليمن مقرا له.

وتعود بدايات الشهري من التنظيم الإرهابي إلى العام 2000. وطبقا لوزارة الدفاع الأمريكية، فقد قضى الشهري، شهرين تقريبا في أفغانستان في العام 2000، وتدرب في معسكر التدريب الليبي بشمال كابول.

وفي عام 2001، غادر الشهري المملكة العربية السعودية، متوجها إلى البحرين، ووضع ضمن قائمة المراقبة للاشتباه بتمويله سفريات المقاتلين الآخرين إلى أفغانستان، لاسيما بعد هجوم 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة الأمريكية. كما أتهم أيضا بمساعدة السعوديين للحصول على وثائق سفر مزورة لدخول أفغانستان.

وبشكل أكثر تحديدا، أتهم بأنه أجتمع بمجموعة من المتشددين في إيران، وشرح لهم الإجراءات الخاصة بكيفية دخول أفغانستان عن طريق عبور الحدود الإيرانية.

اعتقاله واحتجازه وتحريرهاعتقل الشهري للمرة الأولى في ديسمبر 2001، أثناء تواجده على الحدود الباكستانية - الأفغانية. وكانت إحدى ساقيه مصابة جراء تعرضه للقصف الجوي الأمريكي حينها. وقيل أنه أعتقل وكان بحوزته قرابة 1900 دولار أمريكي.

وقال الشهري – بحسب بعض الروايات – انه كان يزمع تسليم هذا المبلغ لجمعية الهلال الأحمر الخيرية. فيما – وطبقا لرواية أخرى – برر تواجده في تلك المنطقة لشراء السجاد في إطار العمل التجاري لعائلته في بيع وشراء الأثاث، منكرا صلته بأية أعمال مسلحة أو مشاركته في أية أعمال عدائية، أو مساعدة المجاهدين للسفر إلى أفغانستان. وذلك طبقا لما توضحه سجلات التحقيقات الخاصة بالمعتقلين في جوانتناموا، والتي نسب للشهري، ايضا، قوله فيها بأن اسامة بن لادن «لا يمثل الدين».

بعد اعتقاله، كان أحد الذين تم ترحيلهم إلى المعتقل الأمريكي بخليج جوانتناموا بكوبا، في 21 يناير 2002. وهناك عرف بالسجين رقم (372)، وظل محتجزا لمدة 6 سنوات. ثم، ولأنه كان أحد الذين لا توجد ضدهم أدلة كافية لإدانتهم وتقديمهم للمحاكمة، فقد تقرر إطلاقه وإعادته إلى وطنه، المملكة العربية السعودية، التي أعيد إليها في 9 نوفمبر 2007، مع 13 معتقلا سعوديا آخر، ليخضع هناك لبرنامج إعادة التأهيل في مركز الأمير محمد بن نايف المخصَّص للجهاديين السعوديين السابقين.

وعقب الانتهاء من برنامج إعادة التأهيل أطلق سراحه «تحت الرقابة المستمرة» لكنه بعد اختفى من منزله في السعودية، وعلم فيما بعد أنه سافر إلى اليمن للالتحاق بالقاعدة. حيث ظهر لأول مرة في اليمن في أواخر يناير عام 2009 في التسجيل المرئي الذي أعلنت القاعدة من خلاله عن دمج فرعي التنظيم في اليمن والسعودية تحت تنظيم واحد أطلق عليه أسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (أو ما بات يعرف احيانا باسم: القاعدة في جزيرة العرب) واختير الشهري نائبا لزعيم التنظيم الجديد الذي بات يتزعمه القيادي اليمني ناصر الوحيشي.

بداية مرحلة جديدة في اليمنضمته المملكة السعودية إلى قائمة المطلوبين الأمنيين، بعد تسلله إلى اليمن وانضمامه لصفوف تنظيم القاعدة هناك، وقيامه بالتهديد المباشر بأعمال إرهابية وعمليات اغتيال لمسؤولين ورجال أمن في المملكة. حيث كان المطلوب رقم 31 على قائمة الـ85 التي أعلنتها الداخلية السعودية.

ومع أن أول ظهور رسمي له - بعد اختفائه – كان في اليمن في يناير 2009، إلا انه سبق وأن ورد اسمه – قبل ذلك - كمشتبه به رئيسي بالتخطيط لعملية التفجير الانتحارية التي استهدفت السفارة الأمريكية في العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر/أيلول 2008. وراح ضحيتها قرابة 18 قتيلا بينهم مجنسين أمريكيين.

وفي 27 مايو 2009، نشرت وكالة الاستخبارات الأمريكية اسم الشهري ضمن قائمة الأسرى المطلق سراحهم والذين عادوا مرة أخرى للعمل الإرهابي.

جاء ظهوره الرسمي الثاني في 30 سبتمبر 2009، حين نشرت قناة «العربية» الإخبارية تسجيلا يظهر فيه، بصفته نائب قائد تنظيم القاعدة في اليمن، وهو يوجه رسالة يطلب فيها الدعم المالي للمجاهدين.

إعلان مقتله ثم أسرهوفي 24 ديسمبر 2009، أعلنت الداخلية اليمنية أن الشهري ربما كان ضمن أعضاء قيادات القاعدة الذين قتلوا في ضربة جوية في محافظة أبين، إلى جانب زعيم التنظيم، ناصر الوحيشي، وأنور العولقي.

غير أن السلطات عادت وأعلنت - في 19 يناير من العام 2010 - أنها أسرته، بينما كان يحاول تفادي المرور من نقطة تفتيش أنشئت حديثا. وقالت إنها ألقت القبض عليه وهو مصاب بعد أن انقلبت العربة التي كان يستقلها إلى جاور شخص آخر بجانبه.

وإثر تلك الإنباء التي تحدثت عن مقتله، نقلت جريدة الوطن السعودية عن والد الشهري قوله: «لم أتلق ما يفيد بمقتل سعيد، وأتمنى أن تصدق الأخبار بمقتله وإصابة من معه من الخارجين على الدين والقانون دون أن يتضرر أحد من الأبرياء، ومن يبشرني بذلك فله البشارة». وتبرئ من ولده قائلا أنه «ليس له مكان عندي، وهو لا يمثل إلا نفسه، وأنا بريء منه ومن أعماله».

لكن، وبعد تلك الأنباء، ظهر صوت الشهري مجددا في تسجيل صوتي، أطلق في فبراير 2010. وفي التسجيل أكد الشهري تبني القاعدة في جزيرة العرب للمحاولة التي قام بها النيجيري عمر الفاروق، 25 ديسمبر 2009، لتفجير طائرة أمريكية كانت متجهة إلى ديترويت. كما هدد الشهري بان جماعته حددت أهدافا جديدة للسيطرة على مضيق باب المندب. وقال إن تنظيمه يتطلع إلى السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي بالتعاون مع «المجاهدين» في الصومال، كاشفا أن مقاتلين صوماليين وصلوا إلى اليمن لمساندة التنظيم الذي يتعرض لملاحقات يومية هناك، مستعرضا في الوقت ذاته أهمية هذا المضيق وأهمية السيطرة عليه إستراتيجيا.

كما ودعا إلى الجهاد ضد مصالح الأميركيين و«الصليبيين»، وقال: «يا أمة الجهاد عليكم بالجهاد في سبيل الله، فمصالح الأميركيين والصليبيين منتشرة في كل مكان، وعملاؤهم يتنقلون في كل مكان».

القبض على زوجة الشهريفي العام 2010 أعلن أنه تم إلقاء القبض على زوجة الشهري، وفاء الشهري، وكنيتها «أم هاجر الأزدي»، المطلوبة أمنيا هي الأخرى. وجاء ذلك بعد أشهر قليلة من إعلان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هروبها إلى اليمن في مايو 2009. حيث كانت مجلة «صدى الملاحم»، التي يشرف عليها زعيم التنظيم ناصر الوحيشي، أوضحت في أحد اعدادها، أن زوجة سعيد الشهري، وصلت إلى اليمن برفقة إثنين من أطفالها. بينما قالت زوجته في تصريحات للمجلة، إنها هربت بصحبة طفليها إلى اليمن، بعد أن علمت بوجود زوجها هناك من خلال المقطع المرئي الذي نشره التنظيم على مواقع الانترنت.

موقف قبيلته منهبعد الإعلان الأول عن مقلته (2009)، نقلت جريدة الوطن السعودية عن قبائل بني شهر التي ينتمي إليها سعيد الشهري، تصريحات أعلنت خلالها تجديد ولائها للقيادة والوطن، وتبرئها من سعيد الشهري.

وبحسب الصحيفة فقد اعتبرت القبيلة أن سعيد الشهري وغيره ممن سبق أن أعلنت عنهم وزارة الداخلية لا يمثلون إلا أنفسهم في أفكارهم الهدامة التي يتبنونها، وأنهم يقفون صفا واحدا مع وطنهم وقيادتهم لمواجهة الفكر الضال الذي لا يمت لشريعتنا السمحة بأي صلة..

وقال شيخ قبيلة آل وليد فهد بن ظاهر بن دعبش إن مقتل سعيد الشهري (عند الإعلان الأول عن مقتله في 2009) يعتبر رد كيد هذه الفئة الضالة في نحورها، داعيا إلى محاربة هذا الفكر الضال والتخلص منه. كما دعا جميع أفراد القبائل إلى التكاتف والتعاون مع رجال الأمن والوقوف صفا واحدا لردع كل عدوان على هذا الوطن. 
--------------------------------------------
نشر على موقع المصدر أونلاين الأثنين 10 سبتمبر 2012http://almasdaronline.info/index.php?page=news&article-section=1&news_id=35863

السبت، 1 سبتمبر 2012

حرب الافتتاحيات بين الرئيس و«الزعيم»


رداً على محاولة «صالح» غسل ماضيه السيئ.. «سبتمبر» تهاجم «القوى القديمة المتهالكة»


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
شنت صحيفة 26 سبتمبر، في افتتاحية عددها الأخير (الخميس 30 أغسطس)، هجوما لاذعا على من وصفتهم بـ«القوى القديمة المتهالكة»، من الذين قالت أنهم غير قادرين على إيقاف «عجلة التغيير» بعد أن تحركت إلى الأمام، في إشارة واضحة إلى ما تبقى من منظومة النظام السابق، والتي اعتبرت الصحيفة أن مشاريعها الصغيرة تكبلها «بسلاسل الماضي القريب والبعيد إلى ذلك الحد التي أصبحت فيه منقطعة الصلة بهذا الوطن ووحدته وأمنه واستقراره.. ومنقطعة الصلة أيضاً بحاضر ومستقبل أبنائه».

ونصحت الصحيفة – الناطقة باسم الجيش – هذه القوى القديمة المتهالكة بأنه «بات عليها ان تفهم ان التاريخ لا يكرر نفسه إلا مرتين، مرة كمأساة ومرة كملهاة..»، مشيرة – بهذا الصدد – إلى ماضيها «في مطلع التسعينات بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية من تأزيم مفتعل للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية, وممارسة عمليات الاغتيالات للهامات والقامات الوطنية..». وفيما ذهبت – في هذا السياق – إلى استعراض أسماء بعض الشخصيات التي تم اغتيالها خلال تلك الفترة، أضافت «ونقول لتلك القوى ان مطلع التسعينات ليس كمطلع العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين، وعليهم ان يدركوا ان الشعب قد خرج مارداً من قمقم أكاذيبكم وأضاليلكم وارهابكم وظلمكم وجبروتكم».

ومع الثورة الشعبية استطاع الرئيس هادي أن يخرج صحيفة 26 سبتمبر – التابعة لدائرة التوجيه المعنوي للجيش – من تبعيتها للرئيس السابق، بإقالة القيادات العليا الموالية لصالح، وتعيين بدلاء عنهم ممن يدينون له (هادي) بالولاء.

حرب باردة بين عهدين
في الواقع، وضعت افتتاحية صحيفة وزارة الدفاع، حادثة محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان كبؤرة انطلاق في هجومها، إلا ان مراقبين ربطوا أيضا بين هذا الهجوم اللافت وبين الافتتاحية التي كتبها الرئيس السابق، على عبدالله صالح، لصحيفة الميثاق – الناطقة باسم حزبه – الاثنين (27 أغسطس)، تحت عنوان «البداية الثانية». وذلك من حيث أن بعض المضامين التي احتوتها افتتاحية صحيفة الجيش، يعتقد أنها تجسد ردا غير مباشر على معظم ما احتوته مقالة الرئيس السابق من تشويه للحقائق.

وكان صالح كرس مقالته للحديث حول ما أعتقد أنها إنجازات المؤتمر خلال الفترة الماضية، ليقرر في نهاية الأمر: ان الوطن بحاجة إلى أن يصبح حزبه «قادراً على تحمل المسؤولية التاريخية لاستكمال مهام التطور التاريخي ومواجهة تحديات المرحلة الراهنة..»، في الوقت الذي كان هاجم فيه السلطة الحالية التي وصفها بأنها «مفسدة جالبة للدجالين والمتزلفين والمتسلقين»، بل اعتبر «أن اغتصابها يمثل خطراً كبيراً يهدد وجود الدولة واستقرار المجتمع وينخر في العلاقة بين مكونات الحياة السياسية..».

تجسيد الصراع الخفي 
في الواقع، لقد كان يمكن ملاحظة أن المقالتين عكستا صراعا خفيا بين الماضي والحاضر؛ صراعا اشبه بحرب باردة بين رئيس «مخلوع»: يمتدح ماضيه، ليقرر حاجة المستقبل له على رأس حزبه، أو «دمار» هذا المستقبل بدونه؛ وبين رئيس (منتخب)؛ بديل قام على أنقاضه؛ يشنع الماضي ليؤكد ضرورة تخليص المستقبل منه.

على انه، عمليا، يمكن تحفيز حالة الصراع هذه، بالنظر إلى الخلافات القائمة في أطر الحزب نفسه الذي ينتمي اليه الرجلان، والتي ظهرت بجلاء عقب الاستبدال القسري المفروض لقيادة الدولة، من حيث أن القديم أراد تسليم السلطة الحاكمة للدولة، فيما أنه كان يستبطن إمكانية الاحتفاظ بسلطة القيادة الخفية لرئيس الدولة عبر الإبقاء على التراتبية القيادية داخل الحزب. وعلى تلك الخلفية كان ولابد لحالة الصراع على الشرعية القيادية أن تتفاقم وتكبر تدريجيا ككرة ثلج. الأمر الذي كان من المتوقع أن يعمل مقال كهذا، كتب بطريقة توحي بالاستعلاء على نسق أريد من خلاله تجسيد شخصية الرجل الأول في قيادة وتوجيه المستقبل، أن يثير حفيظة من يشعر بأنه المعني الأول من هذه المهزلة السخيفة.

كتب صالح عن الحزب الذي مازال يفرغ سلطته المريضة عبره أنه وبعد ثلاثين عاماً أصبح هذا الحزب «خارطة من الآمال والأشواق التاريخية للمجد والعطاء وتاريخاً سياسياً نظيفاً من الدماء».

بيد أن حادثة محاولة اغتيال أحد مستشاري الرئيس السياسيين، هو الدكتور ياسين سعيد نعمان، ربما جاءت لتقدم الفرصة المناسبة لصياغة رد قاس. واتهمت صحيفة سبتمبر – في افتتاحيتها – من وصفتهم بـ«القوى القديمة المتهالكة»، بممارسة «عمليات الاغتيالات للهامات والقامات الوطنية كاستهداف عمر الجاوي، واغتيال الشهيد الحريبي، وماجد مرشد، وعبدالحبيب سالم، والربادي»، مضيفة بالقول «والقائمة تطول لمن اغتيلوا وتعرضوا لمحاولات الاغتيال قبل هذه الفترة وبعدها..».

وللتذكير بالحاضر والمستقبل قياسا بالماضي، قالت افتتاحية سبتمبر بأن اليمن اليوم يمضي «قدماً صوب استكمال وانجاز بنود المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية المزمنة، والمهام المرتبطة بها والدخول في حوار وطني للوصول الى صيغة بناء الدولة اليمنية المدنية الديمقراطية المؤسسية الحديثة التي في ظلها - كما أكد الأخ رئيس الجمهورية - لا ظالم ولا مظلوم وقاعدتها العدالة والمواطنة المتساوية ومنهجها الحكم الرشيد المحقق لآمال وطموحات وتطلعات شعبنا، وعلى نحو نتجاوز به معاناة كل العقود المنصرمة، وما رافقها من جبروت وتجبر وصراعات وحروب وتهميش واقصاء واستبعاد ونهب وافساد في المال، وإفساد في الأرض، لنؤسس للمستقبل الذي بدأ شعبنا ينسج خيوطه وخطوطه حين دشن ثورة التغيير..»، وكانت بذلك تستقصد نسف كل ماكان الرئيس السابق قد حاول أن يغسل من خلاله ماضيه السياسي بالحديث عن إنجازات عهده المنقشع.

التاريخ لن يعود إلى الوراء
ووجهت افتتاحية صحيفة الجيش حديثها إلى «من يحاولون التمرد على خيارات الشعب والاجماع الدولي، ويسعون الى خلط الأوراق وقلب الطاولة على رؤوس الجميع عملاً بمبدئهم المعروف علي وعلى أعدائي»، داعية أياهم إلى «ان يعوا ويفهموا ان التاريخ لن يعود الى الوراء، وان مرحلة إبقاء الوطن معتقلاً بأزماتهم المفتعلة وحروبهم العبثية ونشر الفوضى، واستهداف الشخصيات الوطنية بأعمال الاغتيالات والتصفيات هي ليست إلا أعمال حمقاء ورعناء مكشوفة ومفضوحة، ويعرف اليمنيون أطرافها ومن يقف وراءها حتى وان كان في الماضي..». وإذ اعتبرت أن «ما يحدث الآن من تميع لمثل هذه الممارسات الاجرامية عمداً، إنما يأتي "بهدف محوها من ذاكرة الناس..»، قالت بأنهم «غير مستوعبين ان ذاكرة الشعوب تختزن ولا تنسى»، محذرة من أن: «الاستمرار في هذا المنهج سيفتح الملفات القديمة والجديدة التي يظن أصحابها انها قد طويت، وفعلاً هذا ما نريده، لكن ليس بهدف الاستمرار فيه، بل سعياً الى القطيعة مع الماضي والنظر الى الامام بعقل وروح جديدة».

واختتمت صحيفة سبتمبر بالقول «ان ما حصل ويحصل من محاولات بائسة لإعاقة مسارات التحولات في هذا البلد لا يمكن ان تثني شعبنا وقيادته ورموزه الوطنية النضالية عن الدفع بحركة هذه التحولات بشكل متسارع وهو ما يتحقق اليوم.. فاليمن يمضي بثبات نحو التقدم، بعد أن نهض للتخلص من براثن الماضي وتعقيداته المتخلفة، وبدأ يرسم ملامح المستقبل المشرق الجديد».

حقيقة
في نهاية المطاف، قد يكون الحديث عن مواجهة مستعرة بين معسكر رئيس الدولة ورئيس حزبه من خلال الافتتاحيتين، وفقا للنسق السابق، ليس أكثر من حديث افتراضي، بيد أنه – ومن زاوية استقرائية للمضامين الرئيسية للمقالتين– لا يمكننا ان نخطئ ملاحظة الحقيقة التالية:

أن الرئيس السابق، سعى من خلال مقالته إلى إحداث عملية غسيل لماضيه المتهالك بتمجيده على نحو يتعارض مع الحقائق التي استندت عليها الثورة الشعبية، ليقرر تعسفا ان مستقبل البلاد يحدده مستقبل الحزب، الذي هو على رأسه..

بينما أن افتتاحية صحيفة سبتمبر، وعلى العكس تماما، أرادت تأكيد حقيقة أن جوهر الثورة قائم على ضرورة رفض الماضي المظلم، بقواه القديمة المتهالكة ومسالكها المدمرة، لتقرر أن مستقبل البلاد منوط بالمتغير الجديد الذي أفرزته الثورة على أساس مواصلة تنفيذ بنود المبادرة الخليجية، لتحقيق تطلعات وأهداف الشعب المشروعة، لا الحزب.