الثلاثاء، 23 يوليو 2013

حفل "إفطار" وطني بأصناف "خمور" فاخرة في السفارة الفرنسية يصنعاء


السفير الفرنسي طلب من شركات يمنية حاصلة على وكالات لشركات فرنسية دعماً مالياً لمواجهة نفقات الحفل


عبد الحكيم هلال

"كان من اللافت جداً لدى بعض الضيوف الوقورين والمحترمين؛ المدعوين للاحتفال بيوم الباستيل، أن البار الواقع في أحد أركان حديقة منزل السفير الفرنسي بصنعاء، كان الأكثر ازدحاماً باليمنيين".
وما كان باعثاً للغرابة أكثر أن "عدداً لا بأس به من النساء اليمنيات خلعن براقعهن، وحجابهن، واتجهن بنشوة ملفتة إلى الطاولة القصية المزدانة بأصناف الخمور الفرنسية الفاخرة" - يقول أحدهم بينما كان يعرب عن استيائه من الأمر.

 في الـ 14 من شهر يوليو من كل عام، يحتفل الفرنسيون، منذ العام 1880، بعيدهم الوطني، ابتهاجا بانتهاء الحكم الملكي المطلق، والذكرى السنوية الأولى لاقتحام سجن الباستيل (ولذلك يسمى هذا اليوم أيضا بـ"يوم الباستيل").

وفي هذا اليوم من شهر يوليو الجاري، الذي صادف الرابع من شهر رمضان الكريم، شهدت الحديقة الواسعة لمنزل السفير الفرنسي بصنعاء حفل "إفطار"، حضره قرابة 800 مدعوٍ؛ من دبلوماسيين غربيين، ومسؤولين وسياسيين يمنيين، ورجال مال وأعمال، ومجموعة مختارة من الصحفيين، ومقرّبين من السفارة؛ كما أن السفير الفرنسي هذه المرّة لم ينس دعوة التشكيلة السياسية اليمنية الحديثة "أعضاء مؤتمر الحوار الوطني".

وكان السفير الفرنسي السيد فرانك جُلِه ألقى على الحاضرين كلمة، بدأها بتهنئة اليمنيين بقدوم شهر رمضان المبارك: "أود، قبل كل شيء، أن أرحب بكم في منزلي وأتمنّى لكم رمضان مليئاً بالسعادة.. رمضان كريم"، مضيفاً: "وأتمنّى أن يجلب لكم معه النعم والخيرات التي ترجونها منه لكم ولليمن الذي يسكن في قلوبنا، وهذه اللحظة المميزة المليئة بالروحانية هي أيضاً لحظة ارتقاء فكري".

 وفي حفل "الإفطار" الوطني الفرنسي في صنعاء، أتاحت السفارة فرصة ذهبية، قلّما يتاح مثلها، لأصحاب الكيف، الذين - وللأسف الشديد - كان معظمهم من اليمنيين، بعرض وتقديم أصناف من الخمور والنبيذ الفرنسي الفاخر والشهير.

بالنسبة للسفارة الفرنسية في صنعاء، فهذا الكرم غير المقيد دأبت القيام به في مثل هذا اليوم من كل عام، كما هو في مناسبات أخرى. ولطالما سمعت مجاميع من الصحفيين اليمنيين وهم يتحدثون بامتنان وإعجاب عن احتفالات السفارة الفرنسية غير المقيّدة بعادات وتقاليد أبناء البلد (اللا حداثية)؛ الكريمة جداً بتقديم مثل تلك الأنواع الجيدة والفاخرة والنادرة من النبيذ الفرنسي المعتق والخمور الجيدة المنوعة.

 في الواقع، لقد اشتهرت السفارة الفرنسية بهذه العادة الجيّدة بالنسبة لـ"الموالعة"، رغماً عن أنف زملاء آخرين لا يروق لهم سوى الحديث عن "البهذلة" التي تنعكس عن "ثمالة" البعض، ولهفتهم الملفتة للانتشاء، وعدم مغادرة البار إلا بحملهم على الأكتاف.

وبالنسبة لبعض الضيوف المحترمين والوقورين، ممن يحضرون لأول مرة مثل هذا الاحتفال الإبتهاجي غير المقيّد، فقد مثل ذلك إساءة بالغة؛ يلومون فيها - أولاً وقبل كل شيء - السفارة الفرنسية؛ لكونها لم تبدِ حرصاً "بروتوكوليا"، على الأقل، للحفاظ على مشاعر بعض من يقدّسون روحانية الشهر الكريم. وفي المقام الثاني، يوجّه هؤلاء امتعاضهم لأولئك البعض من أصحاب البلد، الذين أبدوا حماساً لافتاً، مخزياً وشرها للازدحام حول طاولة قوارير الانتشاء الملونة.

أحد أعضاء الحوار الوطني، على سبيل المثال، أعرب لي، في حديث خاص، عن استيائه الشديد من سلوك الطرفين: السفارة، وأصحاب الكيف اليمنيين. ويوضح مستنكراً: "لقد حضرت عدّة حفلات لسفارات غربية في صنعاء، ووجدتها تبدي حرصاً واضحاً على احترام وتقدير عاداتنا وتقاليدنا، إذ تكتفي بتقديم الطعام فقط بدون (خمور)". وللتأكيد يستشهد الرجل بآخر احتفال حضره للسفارة الأمريكية قبل أيام بمناسبة عيد الاستقلال، والذي حضره تقريباً العدد نفسه في السفارة الفرنسية. ومثلها السفارة الألمانية أيضا، وغيرها. يقول عضو الحوار الوطني، مضيفاً: "كان بإمكان السفارة الفرنسية، على الأقل، ومن باب الحرص على مشاعرنا، أن تقدّم احتفالها أسبوعاً على الأقل، إبداءً لحسن النوايا في الحرص على تجنّب مصادفة احتفالها بشهر رمضان الكريم، كما فعلت السفارة الأمريكية، بحسب علمي".

وحرصاً منه على تجنّب التشهير، حرص محدثي على تجنب ذكر أسماء السياسيين والمثقفين اليمنيين، وأعضاء وعضوات مؤتمر الحوار الوطني، الذين هرعوا بدون ضوابط أخلاقية للتحلق بشره لافت حول طاولة البار، "حتى قبل أن يبدأوا بالإفطار..!!"

ثمة أمر أخر غريب، يدعو هو الآخر إلى وضع علامات استفهام كبيرة؟؟!

 فبحسب أحد المصادر ذات العلاقة، حرص السفير الفرنسي بصنعاء، السيد "فرانك جُلِه"، وبطريقة ذكية، على استغلال رأس المال اليمني في دعم الاحتفال؛ لقد ابتكر طريقة جديدة، غريبة وذكية في آن، للحصول على دعم مالي كبير من حوالي 15 شركة لديها وكالات في اليمن لعلامات تجارية تتبع شركات فرنسية..!!

لم يحدث من قبل أن تقدّم سفير دولة أجنبية بطلب دعم حفل أو مناسبة وطنية لبلده أو أية مناسبة أخرى، كما فعل السفير الفرنسي في صنعاء، حين طلب من تلك الشركات الوكيلة في اليمن مشاركتها في دعم الاحتفال الوطني لبلده، مقابل نشر شعارات الوكالات على اللوحات التوضيحية الخاصة بالاحتفال..!!

وعكس مثل هذا التصرف تذمراً كبيراً لدى بعض رجال المال والأعمال الملتزمين، ممن لديهم وكالات لشركات فرنسية في اليمن، وشاركوا في دعم حفل "الإفطار" الفرنسي. بحسب حديث المصدر، الذي قال إنه لمس هذا التذمّر من خلال حديثه في الحفل مع بعض أولئك التجار، مضيفاً: "قال لي أحدهم مازحاً: أتمنى أن يكون دعمي الذي قدمته للاحتفال قد توجه لشراء الأجبان الفرنسية المقدّمة على طاولات الأكل".

وكان السفير في ثنايا كلمته، ركّز على المرحلة الراهنة لليمن، مقدماً نصائح بلاده لليمنيين، فيما أسهب كثيرا في امتداحه أهمية ودور الشركات الفرنسية العاملة في اليمن في مختلف المجالات، لاسيما في مجال الغاز، والشركات اليمنية الشريكة مع فرنسا، وذكر بالإشادة بعض أسماء تلك الشركات.

وأبدى عضو مؤتمر الحوار الوطني، الذي تحدثت معه بشأن الاحتفال، ارتيابه من الدور الذي ستقدمه السفارة الوطنية فيما يتعلق بمؤتمر الحوار الوطني، قائلاً: "ما يجعلني مرتاباً هو أن السفارة الفرنسية، التي لم تبدِ حرصاً على احترام تعاليم وشعائر ديننا الإسلامي، ولا مشاعرنا، أو حتى عادات وتقاليد معظم اليمنيين، هي المعنية بالاشتغال على الدستور اليمني الجديد، الذي من المفترض يمثل خلاصة ديننا وأعرافنا وتقاليدنا..!!".


واختتم السفير فرانك جُلِه كلمته بالقول: "وبكل ثقة سوف نمضي معاً، فرنسا واليمن، بعد هذه الفترة التي التزمت بها فرنسا، وأقول لكم: تحيا الصداقة الفرنسية - اليمنية، تحيا اليمن، تحيا الجمهورية، تحيا فرنسا..!!
------------------------------------------------------
نشرت المادة في عدد صحيفة "المصدر" رقم (394) الإثنين الموافق 22 يوليو 2013

الخميس، 18 يوليو 2013

ورطة «اليقين»

عبد الحكيم هلال

حقيقة
‫‏مصر "أم الدنيا" وملهمتنا دائما..وليس بمستغرب – بل تكاد تكون هذه إحدى الحقائق المتناوبة – أن تنعكس أحداثها، ليس على اليمن فحسب، بل – في كثير منها - على العالم العربي.

شك
وأنت من أجهد نفسه يوما لتعليمي أصول "النزاهة" عند الحديث فيما هو مختلف فيه، دونما إقحام لـ"اليقينيات"..، أربأ بك أن تكون أنت هذه المرة من وقع في ورطة "اليقين"، تفسيرا لما وراء استماتة طرف بعينه هنا في الدفاع عن متاشبهيهم هناك في مصر..!!.

قناعة
قد تعلم جيدا، أن الصراع المصري الأخير لم يتمدد بظلاله إلى اليمنيين فقط، كما لم يكن حكرا على فصيل عربي بعينه دون آخر؛ ولقد أنبعثت الإيديولوجيات القديمة المختلفة - بعد فترة هدنة افتراضية تواطؤية فرضتها الظروف السياسية لما قبل ثورات الربيع العربي - بفعل المستجدات الأخيرة لتعلن نهاية شهر العسل (المر)، وعودة صراع الفرقاء المتضادين، إبتداءا من نقطة الارتكاز داخل مصر، وتمددا إلى الأطراف خارجها.

وإذ ذاك شهدنا من كل فصيل، له إمتداد في مصر – وبدون استثناء – تطرفا حادا، منتقما من فترة الهدوء الطويلة، ظاهره الدفاع عن قناعاته لما يحدث هناك، وباطنه التحيز الأيديولوجي، المستجر لعناصر الصراع القديم وما يفضي إليه من معاني النصر والهزيمة.

إعتراف
ربما كنت متفق معك تماما، أن هذا التمدد الصراعي بالوكالة، طغى عن حده، وربما كان مبالغا فيه إلى حد كبير؛ كما وسأتفق معك أيضا أن طرف بعينه كان أكثر إستماتة، حتى فاحت من جهته رائحة تطرف فكرية ولفظية بدت أكثر وضوحا من تلك التي فاحت أيضا من بقية الأطراف التي تسببت بردة الفعل تلك.

تجرؤ
لكني سأتجرأ عليك هنا - ولكن بدون "يقينيات"، محاولا التزام دروسك عن النزاهة – لاسألك: ألم تكن أنت أيضا- وأنت تنتقد حماسة الطرف المدافع عن شرعية الرئيس الطيب – متحمسا ومتحيزا ومتطرفا مع قناعة الطرف الذي وهبته صفة "الشعب المصري"، الذي أعتبرته في صراع مع "الجماعة" في مصر وخارجها..؟؟؟

‫‏لنتفق
كما تحمس الطرف المحسوب على الإخوان في اليمن لما يعتقدونها قناعاتهم في الدفاع عن الديمقراطية الدستورية في مصر ضد الإنقلاب العسكري، تحمس القومين والليبراليين وبعض اليساريين هنا للدفاع عما يعتقدونها قناعاتهم في أن ما حدث ليس إلا ثورة شعبية أو إنقلاب عسكري تأييدا للشعب..!!

لنتفق إذن إن من حق كل طرف أن يتحمس أو يدافع عن قناعاته – وأنا وأنت منهم - في تفسير ما حدث هناك، دون الحاجة لشيطنة الأخر، أو إصدار الأحكام اليقينية القاسية ضد هذا أو ذاك.

إنهيار
بإمكانك أن تظهر إلتزامك الحداثي أمام أصدقائك الليبراليين والقوميين واليسارين، في مصر، بالمزيد من النقد والسخرية من أسلوب وتصرفات ردة فعل الطرف المدعي حفاظه على الشرعية الديمقراطية والدستورية؛ لكنك ستخسر الرمزية التي وضعت نفسك عليها لدى الكثيرين خلال سنوات ليست قليلة، حينما تطغى لتتجاوز بيقينيتك أبسط الحقائق البدائية في العمل السياسي التدافعي، لتعتسف – كالأخرين المدفوعين بالأيديولوجيات – معنى الديمقراطية الدستورية، الليبرالية، لمصلحة الديمقراطية الشعبوية الشوارعية المكللة ببيادات العسكر.

‫‏خاتمة
في مقال له قبل أيام، في جريدة الحياة، أختتم حازم صاغية مقاله بالقول: "وفي معزل عن النيّات الحسنة لدى بعض المهلّلين للانقلاب، ليس هناك وراءنا ما يطمئن إلى أنّ الجيوش تسلّم السلطة هكذا، خصوصاً أنّ الحركة الشعبيّة الباهرة التي رأيناها قبل الانقلاب سوف تخضع للتسريح عاجلاً أو آجلاً.."
----------------------------------------------------