السبت، 30 نوفمبر 2013

اليمن في أزمة ما بعد الحوار



شكل الأزمة القادمة
تصاعد الخلافات
تباينات ما بعد الحوار
مآرب حزب الرئيس السابق

لن تنتهي الفترة الانتقالية باليمن في موعدها المحدد باتفاقية نقل السلطة، وبات من المؤكد أن الانتخابات النيابية والرئاسية لن تُجرى في فبراير/شباط 2014 طبقا لما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.

لقد خرجت العملية السياسية عن الجدول الزمني لخارطة الطريق المرسومة لها من الخارج، وأصبحت كل المؤشرات تؤكد أن البلد بحاجة إلى تمديد الفترة الانتقالية لوقت إضافي لاستكمال بقية المهام الرئيسة المنصوص عليها في المبادرة وآليتها التنفيذية.

يقف اليمن اليوم، بعد مرور عامين كاملين على توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (في 23 نوفمبر/تشرين ثاني 2011)، على أعتاب أزمة جديدة بدأت معالمها تتجلى أكثر مع قرب انتهاء الموعد المحدد للمرحلة الانتقالية.

شكل الأزمة القادمة
حددت الآلية التنفيذية عامين فقط للانتهاء من  مهام المرحلة الانتقالية كافة، وطبقا للفقرة الثانية من المادة السابعة في الآلية يبدأ احتساب هذه الفترة مباشرة عقب الانتخابات الرئاسية المبكرة التي أجريت في فبراير/شباط 2012، غير أن ذلك لم يعد ممكنا الآن.
 
لقد خرجت العملية السياسية عن الجدول الزمني لخارطة الطريق المرسومة لها من الخارج، وأصبحت كل المؤشرات تؤكد أن اليمن بحاجة إلى تمديد الفترة الانتقالية لوقت إضافي لاستكمال بقية المهام الرئيسية المنصوص عليها بالمبادرة وآليتها التنفيذية
لقد فرضت عراقيل كثيرة سابقة، إلى جانب ما فرضته مؤخرا خلافات القضية الجنوبية بشكل خاص، من تمديد لفترة الحوار -إشكاليات أخرى تتعلق بطبيعة وشكل وكفاية الفترة التي ستعقب انتهاء مؤتمر الحوار الوطني- للانتهاء كليا من المرحلة الانتقالية.

وهذا الأمر بدوره فرض تساؤلات بشأن إمكانية تمديد المرحلة الانتقالية برمتها، والبحث في الصيغ القانونية أو التوافقية المتاحة لكيفية التعامل مع هذه المرحلة.

لقد اتفقت القوى المتحاورة على أن 21 فبراير/شباط 2014 لم يعد موعدا منطقيا أو عمليا للانتهاء من المرحلة الانتقالية، وفقا لما أكده ياسين نعمان، وهو مستشار سياسي لرئيس الجمهورية ونائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني وأمين عام الحزب الاشتراكي اليمني، في مقابلة صحفية معه مؤخرا،
ذلك أنه حتى لو افترضنا أن مؤتمر الحوار انتهى من القضايا المعلقة كافة، ومن ضمنها القضية الجنوبية، وشكل وتقسيمات الدولة القادمة، مع نهاية العام الجاري، فإن المدة المتبقية لن تكون كافية لمجاراة نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حرفيا في ما يتعلق بتنفيذ بقية المتطلبات والاستحقاقات التي تسبق الموعد النهائي المحدد للمرحلة الانتقالية، والتي ستكون بحاجة إلى أكثر من ثمانية أشهر كحد أدنى لتنفيذها، إن لم يكن أكثر من ذلك.

أبرز هذه المتطلبات بحسب الآلية التنفيذية يتمثل بـ: البدء أولا بتشكيل لجنة لصياغة الدستور بعد الانتهاء من مؤتمر الحوار مباشرة، حيث حددت الآلية للجنة فترة ثلاثة أشهر للانتهاء من مهامها، ومن ثم عرض الدستور الجديد على الشعب للاستفتاء عليه، يعقب ذلك فترة ثلاثة أشهر يعتمد خلالها البرلمان قانونا جديدا للانتخابات بموجب الدستور الجديد، على أن يتبع ذلك أيضا إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإعادة بناء سجل انتخابي جديد وفقا لما سيقرره هذا القانون الجديد.

على أن هذه المتطلبات الاستحقاقية السابقة من المرجح أنها ستتجاوز الثمانية أشهر لفترة قد تطول، فذلك أمر يعتمد على حجم الخلافات والتباينات التي ستتخلل نقاشات الأطراف السياسية بشأن تلك القضايا الجوهرية، لا سيما إذا ما أخذنا في الاعتبار أن مثل تلك المواضيع ظلت مثار جدل وخلافات شديدة بين الأطراف السياسية طوال العقدين الماضيين من حكم النظام السابق، وما زالت حتى الآن تدير الصراع في ما بينها داخل مؤتمر الحوار والساحة السياسية بشكل عام.

أضف إلى ذلك أن المشهد السياسي اليوم هو أعقد من السابق نتيجة وجود قوى جديدة ذات تأثير قوي بحكم قضاياها، مثل الحراك الجنوبي والحوثيين، ولكل منهم رؤاه بناء على مطالبه ومخاوفه الراهنة والمستقبلية. 

تصاعد الخلافات
وإذا كانت الحقيقة المفروضة على أرض الواقع الآن هي أن الجميع متفقون على أن خارطة الطريق المتوافق عليها قد خرجت عن سياقها الزمني بحيث لم يعد من الممكن مجاراة متطلباتها خلال الفترة الزمنية المتبقية، فإن هذه النتيجة -وذلك أمر طبيعي- خلقت إشكالية في كيفية التعامل مع تلك الحقيقة من جهة التفاصيل.

وتوضح المؤشرات الأولية حدوث فرز واضح في المواقف والتوجهات المستقبلية بين الأطراف المتحاورة وفقا لمصالحها ومخاوفها.

وفي خضم ذلك برزت توجهات تحاول أن تستغل هذه الحالة الخاطئة والمفروضة لتصفية الحسابات والابتزاز السياسي باسم الحرص على تطبيق النصوص المتفق عليها.

وبعكس غالبية المكونات المشاركة في الحوار، والتي ليس أمامها سوى القبول بتمديد الفترة الانتقالية (مع خلافات واضحة حول التفاصيل)، يرفض فصيل تابع وموالٍ للرئيس السابق في حزب المؤتمر الشعبي العام، وله التأثير الأقوى على قرار الحزب، التعامل مع تلك الحقيقة كأمر واقع.

ويشدد على ضرورة الالتزام بمهام وحدود المبادرة وآليتها التنفيذية، مع أنه يدرك مثل الجميع أن ذلك بات بحكم المستحيل، هذا مع كونه أبرز المتهمين بوضع العراقيل أمام تنفيذ قرارات المرحلة الانتقالية وإعاقة استكمال مهام الحوار، طبقا لتصريحات أدلى بها مؤخرا المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي اتهم الحزب بالعرقلة بهدف "الابتزاز السياسي".

ومؤخرا، دخل المبعوث الأممي في خلافات مع هذا الفصيل التابع للرئيس السابق، وتعرض لهجوم متكرر من قياداته على خلفية تصريحاته الأخيرة التي شملت أيضا تخطئة تفسيراتهم القائلة بانتهاء الفترة الانتقالية وولاية الرئيس هادي في فبراير/شباط القادم، واعتبر أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تحدد المرحلة الانتقالية بمهام يجب أن تنجز جميعها ولا ترتبط بوقت زمني معين.

إذا كانت الحقيقة هي أن الجميع متفقون على أن خارطة الطريق قد خرجت عن سياقها الزمني بحيث لم يعد من الممكن مجاراة متطلباتها خلال الفترة الزمنية المتبقية، فإن هذه النتيجة خلقت إشكالية في كيفية التعامل مع تلك الحقيقة من جهة التفاصيل
وتزامنت تصريحات بن عمر تلك مع طلب لجنة التوفيق بمؤتمر الحوار الوطني من المكونات كافة تقديم رؤاها حول ضمانات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار، وشملت تلك الرؤى ما يتعلق بإدارة مرحلة ما بعد مؤتمر الحوار الوطني.

تقدمت معظم المكونات برؤاها إلى اللجنة لمناقشتها، وتمسك حزب الرئيس السابق في رؤيته بالإصرار على ضرورة الالتزام بالخارطة الزمنية والاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات في موعدها، باعتبار ذلك الضمانة التي يراها لتنفيذ مخرجات الحوار.

وبعكسه، تضمنت رؤى أهم الأطراف الرئيسة الأخرى أفكارا متنوعة ومختلفة لإدارة المرحلة القادمة.

أربعة مكونات أخرى، إلى جانب المؤتمر الشعبي، قدمت رؤاها حتى الآن إلى لجنة التوافق لمناقشتها، وهي: الحزب الاشتراكي اليمني، الحراك الجنوبي، التجمع اليمني للإصلاح، وحزب الرشاد (السلفي).

لقد كان من الملاحظ في تلك الرؤى أنها جميعا، باستثناء مجموعة الرئيس السابق في حزب المؤتمر، اشتركت في قناعتها بتمديد المرحلة الانتقالية حتى يتم الانتهاء من متطلباتها كافة، مع إضافة مقترحات إلى متطلبات أخرى تضمن من خلالها استقرار البلاد وتقوية مؤسسات الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار بصورة سلسة. 

تباينات ما بعد الحوار
لنترك جانبا رؤية حزب الرئيس السابق التي تشدد على عدم تجاوز نصوص المبادرة وآليتها التنفيذية، ونبحث وفق نظرة سريعة في التباينات الواردة في بقية الرؤى مع التركيز فقط على ما تضمنته بشأن المرحلة القادمة وكيفية إدارتها.

نجد مثلا أن الحزب الاشتراكي اليمني ومعه الحراك الجنوبي اقترحا الدخول في مرحلة تأسيسية تعقب انتهاء مؤتمر الحوار الوطني مباشرة، حددها "الاشتراكي" خلال فترة من أربع إلى خمس سنوات، بينما حددها الحراك الجنوبي بعامين فقط، فيما اتفقت الرؤيتان على أن يصدر الرئيس إعلانا دستوريا يحدد خارطة طريق جديدة تشمل تفاصيل هذه المرحلة التأسيسية.

حزب التجمع اليمني للإصلاح اقترح تمديد الفترة الانتقالية لتنفيذ بقية الاستحقاقات شريطة ألا تأتي نهاية العام 2014 إلا وقد تم الانتهاء من المهام كافة لتجري بعدها الانتخابات، ومثله تحدث حزب الرشاد السلفي عن قناعته بتمديد المرحلة الانتقالية، لكنه اشترط ألا يتجاوز ذلك التمديد فترة ستة أشهر فقط، تبدأ مباشرة بعد انتهاء مؤتمر الحوار.

وحتى ترفع بقية المكونات الأخرى رؤاها، يمكن الإشارة هنا إلى أن خلافات المتفقين على تمديد الفترة الانتقالية، بغض النظر عن التباين حول فترة هذا التمديد، تركزت حول أيهما يوضع أولا: الحصان أم العربة؟ هل يأتي الاستفتاء على الدستور وتقوية مؤسسات الدولة الرئيسة وتشكيلها عبر الانتخابات أولا، لتقوم بعملها لاحقا بعد اكتسابها المشروعية الشعبية؟ أم نبدأ أولا بتقوية الدولة وسلطاتها وأجهزتها ومن ثم الدخول في الانتخابات، حتى تتم هذه الأخيرة بنجاح ودون عراقيل متوقعة؟

من الواضح هنا أن "الاشتراكي" ومعه "الحراك الجنوبي" يختلفان مع "الإصلاح" و"الرشاد" أيضا بشأن أيهما يكون أولا.

يقدم "الاشتراكي" و"الحراك" إنشاء مرحلة تأسيسية بناء على قناعتهما بأن إجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات يجب ألا يتم في دولة لا تزال هشة وقبل تقوية مؤسساتها خلال مرحلة تأسيسية.
بينما يرى "الإصلاح" و"الرشاد" العكس، من حيث أن المرحلة تتطلب أولا الاستفتاء على الدستور الذي بموجبه ستدار المرحلة القادمة، يتبعه مباشرة إنشاء مؤسسات الدولة التشريعية والحكومية عبر الانتخابات. 

مآرب حزب الرئيس السابق
بالعودة إلى رؤية وتصور جناح الرئيس السابق في حزب المؤتمر الشعبي العام لكيفية إدارة المرحلة القادمة، نجد أنها سردت الاستحقاقات المتبقية التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومع علمها أن تلك الاستحقاقات بحاجة إلى زمن أكثر من المتبقي حتى فبراير/شباط القادم، إلا أنها شددت على عدم السماح "بأي حال من الأحوال بالاجتهاد في طرح حلول تخالف أحكام ونصوص الدستور ومضامين المبادرة وآليتها المزمنة أو تخرج عن أحكام ونصوص الدستور أو السعي للتعطيل".
 
الرفض الظاهري من حزب الرئيس السابق لتمديد المرحلة الانتقالية خلافا لبقية المكونات السياسية هو عملية ابتزازية تهدف إلى الضغط من أجل إلغاء أو تعديل مادة العزل السياسي
وعلى الرغم من ذلك التشديد فإنها اجتهدت بطرح حلول تخالف المبادرة من خلال المطالبة بالإسراع فورا بتشكيل لجنة صياغة الدستور لمباشرة عملها فورا، مع أن المبادرة تنص على تشكيل اللجنة عقب الانتهاء من مؤتمر الحوار الذي لم ينته بعد، ومن المرجح أن يتأخر حتى نهاية العام كحد أقصى.
وتاليا أشارت الرؤية إلى أهمية تنفيذ بقية المهام، من الاستفتاء على الدستور واعتماد البرلمان لقانون الانتخابات بموجب الدستور الجديد وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، وهي الاستحقاقات التي يدرك الحزب تماما أنها ستتطلب فترة أطول من تلك المتبقية حتى لو تزامن الإعداد للإجراءات كافة اللازمة للاستفتاء على الدستور مع صياغته.

لكن صالح، طبقا لمراقبين، يسعى من خلال ذلك الإصرار إلى استخدام هذا الخلل الزمني، ربما كوسيلة ضغط جديدة سيحاول من خلالها مواصلة عملية الابتزاز السياسي، لا سيما وقد كشف المبعوث الأممي عن أن رفض أعضاء الحزب حضور اجتماعات لجنة القضية الجنوبية المصغرة "للضغط في موضوع العزل السياسي"، وهي المادة المقرة من فريق الحكم الرشيد باسم شروط تولي المناصب العليا في الدولة والمؤسسات التشريعية والأحزاب.

وعليه يرى البعض أن هذا التمسك المعلن ظاهريا بالحرص على عدم السماح بتمديد الفترة الانتقالية، إنما هو في باطنه محاولة للتوصل إلى تسوية لاحقة تضمن أحد أمرين: إما إلغاء المادة أو تعديل بعض تلك الشروط لتتيح إمكانية ترشح نجله للرئاسة القادمة من جهة، ومن جهة أخرى لضمان احتفاظه هو بقيادة حزبه.
المصدر:الجزيرة
الجمعة 25/1/1435 هـ - الموافق 29/11/2013 م (آخر تحديث) الساعة 17:33 (مكة المكرمة)، 14:33 (غرينتش)


الأحد، 3 نوفمبر 2013

صالح أم الإصلاح.. من يدعم «الإرهاب» في اليمن؟

ما وراء اتهامات الرئيس السابق لحزب الإصلاح باغتيال الضباط

عناصر من تنظيم القاعدة في اليمن يتدربون

في آخر مقابلة تلفزيونية مسجلة ومقتضبة له، خرج الرئيس السابق علي عبد الله صالح من صدمته المرضية ليكيل اتهامات جديدة لما أسماها بجماعة الإخوان المسلمين باليمن.

كان صالح رتب لهذه المقابلة، السبت الماضي، 26 أكتوبر، على قناتي "اليمن اليوم" و "آزال" التابعتين له، ردا على شائعات قالت بوفاته - مع أنه تم تداولها على نطاق ضيق في صفحات "الفيس بوك" - أو على الأرجح لما أراد أن يبدو وكأنه كذلك. بدأ باتهام حزب الإصلاح بالوقوف وراء تلك الشائعات ليتمدد بعدها باتهامه بالترتيب لحادثة دار الرئاسة، وتمدد أكثر حين أتهمه بالوقوف وراء الاغتيالات وكافة القضايا الأمنية التي تمر بها البلاد اليوم.

اتهم "صالح" من أطلق عليهم "إخوان اليمن" بأنهم "ربما وراء كل الأحداث لاغتيال الضباط من العسكريين والأمنيين..ويرمون بها إلى ظهر تنظيم" القاعدة"، الذي قال إنه "فصيل من فصائل حركة الإخوان المسلمين وخرج من عباءتهم".

وبعد ساعات من تلك التصريحات، خرج جلال بلعيدي المرقشي، زعيم جماعة "أنصار الشريعة" المحسوبة على تنظيم القاعدة في اليمن، في تسجيل تلفزيوني مسجل، ونادر جدا حدوثه، ليعلن تبني جناح القاعدة للعمليات التي استهدفت ضباطا وجنودا في الجيش اليمني في أكثر من محافظة خلال الشهرين الماضيين.

كما أن تصريحات صالح الأخيرة تزامنت أيضا مع نشر صحف محلية تقريرا، قالت إنه عن المخابرات المصرية، يتهم إخوان اليمن (الذي يفترض أن يكون هنا "حزب الإصلاح")، بالتعاون مع إخوان مصر، بإيواء قياداتهم الفارة وتدريب مجاهدين وإرسالهم إلى مصر لتنفيذ عمليات إرهابية. 

ومن ذلك، يمكن بلوغ مجموعة دلالات مستوحاة من الإيعازات الضمنية. بدأ بتسريب ما زعم أنه تقرير للمخابرات المصرية، ثم بالتسبيق – الذي قام به صالح – بإسناد فعل "الإغتيالات" للجماعة، وتاليا بالربط بين الجماعة والتنظيم الإرهابي (المتهم أصلا من قبل السلطات بتلك الأعمال). ومن ثم سيأتي التعزيز بتبني التنظيم لها، ليؤدي دوره الإيحائي – المستهدف - في وعي المتلقي.  

وحيث سنحاول، هنا، أن نستقصي الدلالات الإيحائية (المستهدفة) من هذا التزامن والتطابق الضمني بين تلك المسارات الثلاثة، سنعمل على تقسيم هذه التناولة إلى محورين أثنين منفصلين. الأول: سيركز على تحليل التطابق والتزامن والربط بين تلك المسارات. بينما سيتناول الأخر – بشكل مستقل – الاستدلالات التي تثبت العكس تماما وصولا إلى "من هو المرتبط فعلا بالإرهاب"؟.

أولا: القاعدة..الإصلاح..وإرهاب مصر..لماذا الأن؟
ربما سيكون من المناسب ربط مضامين التسجيلين الأخيرين (لصالح والقاعدة) بالتوقيت الزمني للنشر. إذ يمكن الجزم هنا أن تسجيل البيان الصوتي الأخير لجناح القاعدة، كان سابقا لتسجيل مقابلة "صالح" – نظرا لما يحتاجه القيام بمثل هذا العمل-، بينما جاء توقيت النشر عكسيا، حيث سر�'ع مطبخ الأخير نشر مقابلته الشخصية المسجلة قبل ساعات من نشر تنظيم القاعدة تسجيله.  

في الواقع، قد يمكن التشكيك بالنوايا، إذا ما وقفنا أمام ما بات يشكل حقيقة شبه مؤكدة، مفادها: أن تنظيم القاعدة ظل - طوال الفترة السابقة – يتجاهل تبني أية عملية اغتيال طالت قيادات رفيعة في الجيش والأمن، عبر بيان رسمي (كما يفعل عادة مع بقية عملياته)، فهو لم يتبن - بشكل خاص - تلك الاغتيالات المتزايدة باستخدام الدراجات النارية، التي تمت خلال العامين الماضيين..!!

ملاحظة: مع أن السلطات دأبت على رمي تهمها لتنظيم القاعدة، إلا أن هناك من ظل يشكك بدقة ذلك، طالما لم يصدر التنظيم بيانا رسميا يتبنى مثل تلك الاغتيالات الفردية. حتى ظهر المرقشي ليقوم بذلك في مثل هذا التوقيت، وبتلك الطريقة التي ندر أن يستخدمها التنظيم في غير العمليات النوعية الكبرى. أضف إلى ذلك أن تبني عملية المنطقة الثانية بحضرموت في هذا التسجيل الصوتي الأخير، يمكن اعتباره غريبا، أيضا، كون التنظيم كان قد أصدر قبل أيام بيانا مكتوبا تبنى فيه تلك العملية بتفاصيل أكثر.  

بيد أن تزامن اتهامات صالح الأخيرة، مع تسريبات نشرتها بعض الصحف، من شأنها أن تعزز التسويق ألإيعازي ذاته، ويساعد أكثر على بلوغ بعض الحقائق.

 ففي نفس اليوم الذي أطلق فيه صالح ادعاءاته نشرت بعض الصحف تقريراً صحفياً يتحدث عن علاقة الاصلاح بالقاعدة، وأنه يقوم باغتيالات ويخطط للقيام بالمزيد". هكذا يلفت انتباهنا مصدر إعلامي في حزب الإصلاح في تصريحات نشرها موقع "المصدر أونلاين"، ردا على تلك التصريحات الأخيرة للرئيس السابق. والتي وصفها المصدر الإعلامي بـ"هذرمات صالح الذي يعيش حالة احباط بسبب حالة الرفض له حتى داخل حزبه وهو ما يجعله يفتش في خبرته في استخدام العنف كسلاح لإيقاف العمل السياسي الذي، وكما هو واضح، لا يسير في الاتجاه الذي يتمناه". وذلك في سياق تحذيره من أن صالح "يدب�'ر أمراً سيئاً لليمن"، قراءة لتصريحاته.

كان مصدر حزب الإصلاح، يشير إلى تطابق تصريحات صالح مع ما نشرته صحيفة محلية – قبل يوم من تصريحات الأخير- نسبت، هذه الصحيفة، إلى من قالت إنه مسئول أمني كبير، قوله إن الإستخبارات المصرية سلمت رئيس جهاز الأمن القومي اليمني ملفا يتضمن معلومات إستخباراتية تفيد بوجود علاقة لإخوان اليمن بالإرهاب الذي يحدث في مصر، من خلال إيواء قيادات وعناصر من إخوان مصر "وتدريب مقاتلين وإرسالهم من اليمن إلى مصر للقيام بأعمال إرهابية ضد الجيش المصري هناك".

وأعتبر المصدر الإعلامي في الإصلاح أن ما نشر منسوباً لتقرير للمخابرات المصرية "متطابقا إلى درجة التماهي في اتهام الإخوان المسلمين بتدبير التفجير واعتبار القاعدة فصيلاً لجماعة الإخوان". وتسائل: "هل يعني ذلك أن من يكتب تقارير المخابرات المصرية حول اليمن هو نفسه الذي أطل على قناته ليردد بنفس الصيغة تلك ألاتهامات"

ومن الواضح أن المصدر يشكك بصحة تلك التسريبات المهدفة، من حيث أنها – إذا فرضنا جدلا أنها إستخباراتية حقا – فكيف تسربت بهذه السرعة؟ بعد أيام قليلة من عودة رئيس جهاز الأمن القومي اليمني من زيارته الأخيرة إلى مصر؟

الأمر الذي يجعل من التساؤل السابق الذي أطلقه المصدر الإعلامي في الإصلاح، وكأنه استدلال منطقي بكون التطابق هنا، إنما جاء متماشيا مع تلك الرغبة ذاتها في الربط – المتزامن - بين الإرهاب والإصلاح.

وفي الحقيقة، علينا أن نعود قليلا إلى الوراء لندرك أن هذه المضامين (الإيحائية) لم تكن سوى تعزيزات لاحقة لمقاصد سابقة، ترجع تحديدا إلى ما بعد أحداث (الإنقلاب) الأخيرة في مصر. وأن ما يحدث هنا يصب في سياق محاولات استغلال ما يعتقد أنها موجة جماهيرية نشأت بعد نجاح إسقاط حكم الإخوان هناك.  

نظرية صالح قبل المخابرات المصرية
إذ يمكن التأكيد هنا أن مضمون ما زعم أنه التقرير الإستخباراتي المصري الأخير، لم يكن سوى تصريحات سابقة للرئيس اليمني السابق، وتداولته وسائله الإعلامية على نطاق واسع ومتكرر، عقب نجاح الإنقلاب الأخير في مصر.

في مقابلة سابقة نشرتها صحيفة حزبه "الميثاق" تزامنا مع قناته الخاصة "اليمن اليوم" في 24 أغسطس الماضي (أي بعد أقل من شهر من إنقلاب مصر)، قال "علي صالح": "أنا متأكد أن قيادات من الاخوان المسلمين في مصر سيهربون الى اليمن، على أساس أنهم سيأمنون في جبال اليمن وبمناطق محصنة.. ونحن كنا نقول: إن المنبع هي مصر ولكن اليمن الآن أصبحت منبعاً للإخوان المسلمين.."..!!

ويعتقد الرجل ذلك، كون "الاخوان عندهم اعتقاد منذ أيام حسن البنا كما ورد في بعض الاحاديث لا ندري مدى صحتها "إذا هاجت الفتن عليكم باليمن" لذا فالإخوان الآن يهربون الى اليمن..!! طبقا لما ورد في نص المقابلة.

حينها لم يكن الرجل، قد راودته فكرة الربط مع "العمليات الإرهابية". فهي فكرة من المرجح أنها باتت أكثر قبولا اليوم، بعد ربطها من قبل سلطات الانقلاب العسكرية بمصر، بعدوهم الأقوى. 

ومن المهم هنا، الإشارة أيضا، إلى أن تصريحات صالح تلك، الواردة في مقابلة (24 أغسطس)، جاءت بعد أقل من أسبوع على استقباله سفير جمهورية مصر العربية "اشرف عقل"، في 19 أغسطس.

ربما من المهم أيضا الإشارة إلى أن هذا اللقاء، أعقبه بيومين – 21 أغسطس – لقاء آخر جمع بين السفير المصري ويحي محمد عبد الله صالح، الذي لم يعد له اية صفة رسمية بعد إقالته من قيادة الأمن الخاص (الأمن المركزي سابقا).

ووفقا للخبر المنشور عن اللقاء، نُسب ليحي صالح قوله "نحن جميعاً مع إرادة الشعب المصري التي فرضها بثورة 30 يونيو، ونقف في خندق واحد ضد الإرهاب التي تمارسه الجماعات الاخوانية"، لافتاً إلى أن "استهداف هذه الجماعات الارهابية للمؤسستين العسكرية والأمنية هو مؤامرة صهيونية منظمة ينفذها الأخوان بهدف تدمير القوة العربية وتفكيك دولها"..!!

بل، حتى تتضح الصورة أكثر، يمكن الإشارة هنا إلى أنه وقبل يوم واحد من عزل "السيسي" للرئيس "مرسي"، أعلن في 2 أغسطس عن لقاء جمع بين نجل صالح، احمد علي، سفيرنا الجديد في الإمارات مع عبدالله بن زايد وزير الخارجية الامارتي، الذي يشاع أنه أحد أبرز مهندسي الانقلاب في مصر.  وذلك وسط تردد معلومات عن اجتماعات خارجية وداخلية تدرس نقل التجربة المصرية إلى اليمن.

تخبط ما قبل الانقلاب
قد تبدو تلك الاستدلالات السابقة، كافية إلى حد ما لاستخلاص النتيجة النهائية المستهدف منها الوصول إلى تأكيد: أن الاتهامات الجديدة الأخيرة للرئيس السابق، ضد الإصلاح، ليست سوى محاولة طارئة لاستغلال الموجة المضادة الأخيرة، في طريق تعزيز الكراهية للإخوان - الإصلاح في اليمن – كهدف مرحلي تتبعه مخططات لاحقة من المرجح أنها قد أعدت سلفا.

إلا أن ما يرفع من نسبة تعزيز تلك الاستدلالات، سيمكن بلوغه بالعودة أكثر إلى الوراء، إلى ما قبل انقلاب 30 يوليو/3 أغسطس، في مصر.

ففي مقابلة له مع قناة "روسيا اليوم"، أوآخر مارس الماضي، سُئل "صالح" عن تنظيم القاعدة، واستمراره في الحفاظ على قوته، والأسباب التي تجعله يجد في اليمن ملاذا آمنا؟

وإذ لم تكن فكرة ربط الإصلاح بالجماعات ألإرهابية أنذاك، قد طرأت، فإن صالح لم يجد أمامه سوى "الحراك الجنوبي" ليرمي بالتهمة عليه..!!  رد قائلا: "شوف الأسباب متعددة. أولاً ما يسمى بالحراك الجنوبي هو جاب مادة خصبة للقاعدة.. لو سلمنا الحراك الجنوبي كانت الدولة قد سيطرت على القاعدة".

كما أكد أيضا، أن الحراك الجنوبي كان هو الحامي والمسهل للقاعدة "فالدولة في حيرة مع الحراك ومع القاعدة". وأكثر من ذلك، حين سأله المذيع: كيف يعني تتم عملية التسهيل هذه؟ أجاب: "يعني في خلط.. القاعدة في الشارع هذا والحراك في الشارع الثاني الدولة محتارة والسلطة المحلية محتارة معهم".

القنــاة: هل هذا نتيجة الفوضى في اليمن؟
صالح: زيادة الفوضى ما تقدر أجهزة الدولة تدخل في عنف معهم مع الحراك، لأنه بيقول هو حراك سلمي خلاص سلمي.. والقاعدة تستغل الحراك السلمي هذا ما يسمى بالحراك السلمي وتقوم بالتفجيرات والاغتيالات والاعتداء على المنشآت يعني عمل تخريبي بحت.

وفي مكان أخر في سياق المقابلة ذاتها أيضا أتهم علي سالم البيض "الذي يستعين بإيران في اليمن لزعزعة امن واستقرار اليمن"

أضف إلى ذلك، أيضا، أن الرجل وطوال فترة حكمه الـ33، لم يوجه يوما تهمته إلى الإصلاح كحزب إرهابي أو يدعم الإرهاب. مع أن كافة أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والإستخباراتية، والحكومية، ورجال القبائل المدعومة ماليا منه..، مع أن كل ذلك كان تحت يده وتصرفه، إلا أنه  لم يستطع، ليس فقط أن يثبت، بل أن يوجه حتى أي تهمة إلى "الإصلاح" فيما يتعلق بالإرهاب..!! بعكس ما يحدث اليوم، بعد خروجه من السلطة وإقالة أبنائه وأشقائه وأبناء أشقائه ومقربيه من الدرجة الأولى والثانية..الخ
-
ثانيا: صالح هو الأوفر حظا بتهمة الارتباط بالقاعدة
إذا كن�'ا، من خلال المحور السابق، قد حاولنا بلوغ حقيقة ما وراء مسوغات اتهام الرئيس السابق للإصلاح بالإرهاب، لاسيما في مثل هذه المرحلة. فإننا هنا سننتقل إلى إثبات العكس تماما، بكون صالح هو المتهم الرئيسي ألأول أكثر من غيره – فيما لو افترضنا أن هناك متهمين آخرين.

في إحدى البرقيات السرية التي بعثتها السفارة الأمريكية بصنعاء إلى وزارة الخارجية الأمريكية، وسربها موقع ويكيليكس، حاول صالح، في أحد اللقاءات الخاصة مع السفير الأمريكي السابق "ستيفن سيتش"، أن يصف حزب الإصلاح بأنه حزب إسلامي متشدد، مستشهدا بخطابات متشددين في الإصلاح ضد الضربات الجوية الأمريكية في اليمن. إلا أن السفير لم يعر ذلك أدنى انتباه سوى أن قدم في برقيته ملاحظة بين قوسين تفيد أن الإصلاح معروف عنه بأنه "حزب إسلامي معتدل".

وعلى ذكر وثائق "ويكيليكس"، التي ترجمت صحيفة "المصدر" بعضها ونشرتها في حينه (بعد تسربها مباشرة في أواخر 2009)، فإنه يمكننا، من خلال الاستدلال ببعض مضامينها، تأكيد مسألة التشكيك بنوايا الرئيس السابق في الحرب ضد الإرهاب.

إذ أن عددا غير قليل من تلك البرقيات، كانت تؤكد – فيما بعضها فضلت التلميح فقط – على عدم وجود رغبة حقيقية لدى الرئيس السابق في مكافحة الإرهاب، متمثلا بتنظيم القاعدة في اليمن، كون ذلك يمكنه من مواصلة ابتزاز الإدارة الأمريكية بالحصول على المزيد من الأموال بحجة استمرار محاربة القاعدة.

أضف إلى ذلك، أيضا أن بعض المحللين الغربيين المشهورين ذهبوا إلى القول بأهداف أخرى، أكثرها سياسية، تكمن وراء رغبة صالح في إبقاء هذا الملف مفتوحا بشكل دائم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، سنكتفي – في هذا السياق الأخير- بإيراد عبارة واحدة فقط، وردت في تقرير مطول للكاتب "جيرمي سكايل" نشر في 30 مارس 2011 في مجلة (ذا ناشيونال) الأمريكية تحت عنوان "لعبة الولايات المتحدة الخطرة في اليمن".

كتب سكايل: "إن صالح نظر إلى تنظيم القاعدة كحليف مناسب لبعض الوقت، يمكنه أن يستغله لحمايته من التهديدات المحدقة التي تهدد سلطته، بما في ذلك الحراك السلمي في الجنوب و الحوثيين في محافظة صعدة الشمالية".

وبالتوقف عند تاريخ نشر هذا التقرير، سنكتشف أن مثل هذا الوصف كتب بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة الشعبية الشبابية السلمية ضد صالح ونظامه، بل ومباشرة بعد الأيام الأولى التي تلت استيلاء "أنصار الشريعة"، الذي اعلن لاحقا أنه أحدى أجنحة تنظيم القاعدة، على مساحات شاسعة في محافظة أبين، وإعلانها "إمارة إسلامية". 

وثائق ويكيليكس تؤكد
وبالعودة سريعا إلى بعض ما ورد في وثائق ويكيليكس، يمكن الاستشهاد ببعض المضامين التي تعزز فكرة استخدام الرئيس السابق لمسألة الحرب على الإرهاب كـ"نعامة" تدر عليه بيضا من ذهب.

في سلسلة من الوثائق تحدثت عن ثلاثة لقاءات تمت مع صالح في العام الماضي (2009) لمناقشة الوضع الامني في البلاد، وصف فيها الأخير حالة اليمن بأنها على حافة الانهيار. "وحذر من انه في حالة عدم مساعدة امريكا اليمن فسيتحول الى صومال جديد"

وتطابقت برقيات متعددة، على تأكيد المسؤولين الأمريكيين أن صالح يناور من أجل الحصول على المزيد من أموال الإدارة الأمريكية.

وتظهر عبارات كثيرة، وردت في برقيات مختلفة، أن صالح كان يرغب في مواصلة محاربة الارهاب ولكن حسب شروطه هو. وترى 'نيويورك تايمز' أن الوثائق لا تغير كثيرا في صورة صالح المعروفة لكن التفاصيل تمنح صورة اقرب عن تلك المشوشة وبالأسود والأبيض. فصالح حسب الصحيفة لم يعد يطلب كما فعل مع جيمس بيكر عام 1990 مساعدة اليمن بنصف مليون طن من القمح لإطعام شعبه بل أموال وأسلحة ثقيلة.

وبعبارات أكثر وضوحا، تتهم واحدة من تلك البرقيات الأمريكية المسربة (كتبت في 29 يوليو من العام 2009) نظام صالح بتساهله مع تنظيم القاعدة. جاء في نهاية تعليق البرقية: "..وإن الإرادة السياسية الضعيفة للبلد المضيف في مكافحة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من شأنه أن يزود العناصر المتطرفة ببيئة عمل سهلة للغاية..".

وفي برقية أخرى، رفعت عام 2009، نقل السفير الأمريكي السابق سيش، عن مسؤول عسكري قوله "إن 80 بالمئة من المعلومات (الإستخباراتية) لا تصل الى القيادة الميدانية". ومع هذه البرقية أشارت إلى أن نظام صالح طالما أبدى رغبة في مواصلته التعاون مع الإدارة الأمريكية في محاربة الإرهاب، إلا أن المسؤول الامريكي لم يخف شكوكه من استعداد اليمن لمواجهة القاعدة، مشيرا الى ان "الادارة ستظل ترى تأكيدا من اليمن لمواجهة القاعدة ولكن الادارة ستنتظر مزاوجة القول بالفعل".

برقية أخرى صادرة بتاريخ 3/12/2010م، أشار فيها كاتبها إلى أن صالح يشعر بضغوط تجعله يسعى إلى تعزيز تقوية قاعدته السياسية المحلية من خلال عرض إمكانية إتباع أسلوب أكثر نعومة تجاه الفئات الدنيا من تنظيم القاعدة.

ولفتت هذه البرقية السرية إلى القول: "ويعرف عن صالح قدرته على التفاوض مع الخصوم المحليين بما في ذلك تنظيم القاعدة. فقد تفاوض لعدة سنوات مع المتطرفين الإسلاميين في اليمن الذين تم استغلالهم ورشوتهم ومداهنتهم لتحقيق مكاسب سياسية خاصة".

وقيادات جنوبية تؤكد ايضا
 ثمة الكثير من البرقيات السرية تبدي مخاوف الإدارة الأمريكية من تعامل نظام صالح المتساهل – والمتقلب - مع قضية كبيرة بهذا الحجم. إلا أننا هنا – ونظرا للإطالة – سنكتفي بما سبق، على أن نختتم بالإحالة إلى ما ورد من تصريحات مهمة لقيادات جنوبية، نقلتها السفارة الأمريكية بصنعاء، في برقية سرية رفعتها بتاريخ 28-10-2009، على ضوء تواصلها مع تلك القيادات. وهي تؤكد – بشكل جلي - استخدام نظام صالح للقاعدة كورقة سياسية.    

وهنا ننقل لكم – بالنص - ما ورد في الفقرة الخامسة من البرقية:
 أعضاء الحراك الجنوبي والمتعاطفين معه يزعمون، وذلك من خلال العمليات الأمنية التي تنفذ في معاقل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في مأرب والجوف ومن خلال محادثات سرية مع قيادات القاعدة في جزيرة العرب، بأن الحكومة اليمنية تدفع القاعدة في جزيرة العرب باتجاه المحافظات الجنوبية، وذلك بحسب زعمهم لإضعاف الأمن ، بواسطة رسم العلاقة بين القاعدة في جزيرة العرب والحراك الجنوبي، لإقناع المجتمع الدولي بأن ابناء الجنوب ينزعون إلى العنف. وفي 26 أكتوبر قال الرئيس صالح للسفير إنه، وبسبب أن الولايات المتحدة تصرفت بشكل بطيء للغاية بخصوص التعاون الذي تم إقتراحة لمكافحة الإرهاب، فإن عناصر القاعدة في جزيرة العرب يتحركون بشكل جماعي للخروج من مأرب والجوف و"هم حاليا يتجمعون في أبين". ومن جهة أخرى، اتهمت الحكومة اليمنية الحراك الجنوبي بالتحريض على العنف وأشار مرارا إلى علاقات الفضلي المتطرفة كدليل على الأهداف المشينة للحراك. وفي 12 أكتوبر، تحدث رئيس الحزب الاشتراكي اليمني بعدن علي منصر مع الملحق السياسي بالسفارة، وقال له إن "القاعدة في جزيرة العرب مازالت الى حد كبير أداة بيد الحكومة. إنهم يخططون لاستخدامها في الوقت المناسب، كما يفعلون دائما. وأنا على يقين كامل بنسبة 100% من أن الحكومة تدعم هذه الجماعات الجهادية لمجابهة الحراك". وعلى الرغم من الإيمان الراسخ بأن حكومة الرئيس صالح تتعاون تعاونا وثيقا مع القاعدة على نطاق واسع، إلا أن الأدلة ما تزال شحيحة.

وفي 12 أكتوبر قدم ناصر للملحق السياسي بالسفارة وثائق تعود إلى أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009 والتي تظهر 32 "جهاديا معروفا" يزعم أنهم يسعون للحصول على عفو رئاسي عن أنشطتهم المتطرفة مقابل ما يقدمونه من أفضال للحكومة؛ ويزعم أن الوثائق أيضا تثبت بأن كل الأراضي التي منحت في عدن جاءت بناء على أوامر من نائب الرئيس منصور. (ملاحظة: وعلى قائمة أسماء المستفيدين من الأراضي يتصدر اسم سامي ديان عضو القاعدة في جزيرة العرب من محافظة أبين. وديان يظهر أيضا على قائمة أعضاء القاعدة المعروفين الذين نشرتهم الحكومة على صحيفة الثورة في 26 أكتوبر. 
-------------------------------------
نشرت المادة أولا في يومية المصدر المستقلة بتاريخ 31 أكتوبر 2013