السبت، 19 أبريل 2014

اليمن.. "عالق" بانتظار تنفيذ مخرجات الحوار


جردة حساب.. بين تطلعات الثورة المرتفعة وبطء الإنجاز

مصادر سياسية: هادي يريد استغلال مناصب دبلوماسية شاغرة لإبعاد قيادات عسكرية وأمنية مثيرة للجدل

سريعة كسابقاتها تمر الأشهر الأولى من السنة الرابعة على قيام الثورة الشعبية السلمية، فيما يقابلها على أرض الواقع بطء في إنجاز حلم الدولة المدنية الحديثة التي نهض لأجلها الشباب بهمة عالية وقدموا لأجلها أرواحهم رخيصة.

تشهد اليمن اليوم فشلاً واضحاً في قيام مؤسساتها العليا وأجهزتها الرئيسية بمهام وأولويات الدولة البسيطة، لتوفير أبسط مقومات العيش الكريم، ناهيك عن تحقيق تطلعات الحالمين بجني ثمار الثورة، حيث لا تقوم الثورات إلا لتغيير واقع مُر يفتقد للعدل والنزاهة، بآخر أكثر استيفاءاً لسبل ومتطلبات العيش التي افتقدت في العهد المثار عليه.

لقد كان الحلم كبيراً، بيد أن الحمل ربما كان أكبر.
 هكذا يمكن للمنصف النزيه والمتفائل، تلخيص تبرير الحالة التي آلت إليها الثورة اليوم.

على ساحة الفعل السياسي لم يتوقف الزمن، لكن الإنجاز ظل بطيئاً جداً، لدرجة يكون فيها أحياناً "شبه متوقف"، وذلك مقارنة بتطلعات الثوار وحماسهم المتقد. وعلى ذلك بدت الثورة – بعد ثلاث سنوات ونيف - وكأنها عاجزة عن المضي قدماً في تحقيق الأهداف التي قامت لأجلها.

ولعل الوقوف على ما وصل إليه الحال اليوم، وأسبابه، سيتطلب منا بداية المرور بإيجاز سريع على أبرز محطات ما بعد الثورة، في سياق الفعل الإداري والسياسي للدولة الجديدة، دولة ما بعد الثورة، من مسالك وقرارات متخذة وما لم يتخذ منها حتى الآن في سبيل تحقيق الحلم اليمني.

مكافحة إرهاب القاعدة
بعد عام على الثورة، وتحديداً في 21 فبراير 2012، أضفت الانتخابات التوافقية لتصعيد رئيس جديد شعوراً جيداً للبدء بقطف أولى ثمار الثورة والانطلاق نحو إنجاز بقية التطلعات.

وعلى مدى الأشهر الأولى لانتخابه، كان الهم الأول للرئيس الجديد هو إثبات قوته وقدرته على اتخاذ القرار، فكان قرار إعادة بسط نفوذ الدولة في المناطق التي آلت لاحتلال مجاميع تنظيم القاعدة في الجنوب، إبان استغلال الفوضى خلال الأشهر الأولى للثورة.

 وبعد ثلاثة أشهر من انتخابه، أي في مايو 2012، رتب الرئيس لحمله عسكرية كبيرة تكللت بالنجاح، حين تمكنت في ظرف شهر وأيام من طرد تلك المجاميع بعد أن كانت فرضت حكمها وشريعتها على مناطق في محافظة ابين.

في الواقع لم تنجح الحملة في القضاء عليها تماماً بل نجحت في طردها وتشتيتها في مناطق شتى من البلاد، لكنها أفضت إلى منحى آخر يتعلق بمستقبل وقدرات تلك المجاميع الإرهابية على إعادة تنظيم نفسها على نحو أفضل مما كانت عليه، ولاحقا كبدت الجيش خسائر بالغة في عمليات مست عمق كبرياء الدولة وهيبتها، وأثبتت ضعف قدراتها واختراقها.  

ويبدو التنظيم الآن في وضع أكثر قدرة وتمكناً، وأصبح يشكل قلقاً بالغاً للدولة والجيش، تارة في تنفيذ اغتيالات واسعة ومتواصلة ضد ضباطه وأفراده، وأخرى في تنفيذ العمليات النوعية ضد مؤسساته السيادية الكبرى.

هيكلة الجيش
مع نهاية العام ذاته، 19 ديسمبر 2012، صدرت الحزمة الأولى من قرارات إعادة الهيكلة العسكرية. ومع أنها لم تمس كبار القادة الذين كانت تتجه الأعين صوبهم إنتظاراً لإقصائهم، إلا أنها بدت وكأنها الخطوة الأولى لإشعارنا باستخدام الرئيس المنتخب صلاحياته الرئاسة.

بعد أربعة أشهر تقريباً، في العاشر من أبريل 2013، صدرت الحزمة الثانية من قرارات إعادة الهيكلة. وهذه المرة طالت أولئك القادة المنتظرين.

كان الرئيس يمضي بطيئا في استخدام صلاحياته وإصدار القرارات المصيرية، لكن الأمر كان مقبولا إلى حد ما، كونه كان أشبه بمن يخوض في رمال متحركة لتحقيق حلم ظل لعقود يصعب حتى مجرد التفكير بتحقيقه.  

عند هذا المستوى من قضية مصيرية مثل هذه، ظل الأمر أكثر بطئاً حيث لم تصدر بعدها أية قرارات هامة في هذا الجانب، إلا بعد مرور عام تقريبا. حيث صدرت الحزمة الثالثة في 17  مارس الماضي (2014). في الواقع لم تتضمن هذه القرارات أكثر من تبديل وتغيير لقادة من موقع إلى آخر، بعضهم ممن عينوا في مواقعهم ضمن قرارات الهيكلة السابقة، وآخرين تم تصعيدهم لمواقع جديدة حلاً لإشكاليات ظلت قائمة ومعلقة في ألويتهم ومعسكراتهم لأشهر طويلة.  

الحوار الوطني
أسندت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، الموقعة في 23 نوفمبر 2011، مهمة بناء الدولة المدنية الحديثة إلى مؤتمر الحوار الوطني. ونصت على أن تشكل لجنة تواصل مع الشباب وبقية المكونات من أجل الحوار، مباشرة بعد تشكيل الحكومة.

تشكلت الحكومة مطلع يناير 2012، لكن اللجنة الفنية للتحضير والإعداد للحوار الوطني لم تتشكل مباشرة، بل بعد سبعة اشهر على تشكيل الحكومة، وبعد خمسة اشهر على انتخاب الرئيس، الذي أصدر قراراً بتشكيلها في 14 يوليو من العام ذاته.

وعلى غير الموعد المحدد لها واصلت اللجنة عملية الإعداد والتحضير حتى مطلع العام القادم (2013). بعدها ظل تشكيل قوام مؤتمر الحوار معلقاً حتى منتصف شهر مارس، ليصدر الرئيس في 16 من الشهر قرارا بتشكيل قوام المؤتمر من مختلف المكونات، وشرع في عقد أولى جلساته في 18 من الشهر.

تمددت فترة أعمال المؤتمر من ستة أشهر، طبقا لقرار تشكيله، إلى عشرة أشهر، حتى بدون إصدار أي قرار بذلك، أخذاً بالاعتبار إتاحة الفرصة لاستكمال مقرراته المطلوبة.

مخرجات الحوار
شكل مؤتمر الحوار حجز الزاوية للرئيس هادي قبل غيره، ثم ومن بعده تاليا شكل أهمية كبرى لبقية القوى المختلفة، باعتباره نواة الحل التي من خلالها ستحل كافة النزاعات ويفضي إلى تشكل أطر وهيئة الدولة المدنية المنتظرة.    

ومع كل يوم كان يمضي من الأشهر العشرة للحوار، كان الحلم اليمني يكبر، خصوصا مع كل إنجاز كان يتحقق داخل أروقة وطاولات الحوار.

لكن في المقابل أيضا ظلت أسس الدولة ومقوماتها، تتراجع إلى الوراء. وشهدت البلاد تدهوراً تراكمياً بطيئاً في معظم مناحي الحياة: الإقتصادية والسياسية بشكل خاص؛ البنية التحتية تدمر تباعاً جراء التخريب المتكرر والمتواصل؛ الأمن المنفلت، عنف الجماعات الإرهابية والدينية الطائفية يتخذ منحاً تصاعدياً..الخ.

بالنسبة للرئيس، كانت كافة الحلول الممكنة والمتاحة بيد الدولة مؤجلة. ذلك أن استخدامها الآن قد يعيق توافقات الحوار الوطني.

 لقد كان الأمر هنا، بالنسبة لشخص مثل الرئيس هادي، يتعلق بمبدأ آخر من مبادئ التعامل الرئاسي. مبدأ لا يوجب التسرع في استخدام صلاحياته الرئاسية المفترضة والحاسمة، حفاظاً على مسار التوافق؛ بل هو مبدأ ضرورة الصبر والانتظار حتى ينتهي مؤتمر الحوار من حلحلة كافة تلك القضايا.

كان من الضروري لهادي أن يعول أكثر من غيره على ما سيفضي إليه الحوار. وإن كان ما سيفضي إليه قد رسم مسبقاً بالقلم والمسطرة، مع خبرائه والشركاء السياسيين المتقاربين معه بفكرة الدولة القادمة. طبقاً لاتهامات معارضين لبعض مخرجاته المتعارضة مع ما ينشدونه هم من شكل وهيئة الدولة المطلوبة مستقبلا.

ومع وضوح كل تفاصيل الأرض والواقع السياسي في ضعف مؤسسات الدولة، ظل "التحالف الحاكم" يعول كثيراً على مخرجات الحوار؛ وكان يتم تأجيل كل ما هو متاح من حركة ممكنة لمواجهة التدهور وإنقاذ هيبة الدولة وإصلاح أمن المواطن ومعيشته وإعادة ثقته بثورته وحكومته إلى ما بعد الحوار الذي سيقرر ما على الدولة وما على المكونات السياسية وما على المواطن من حقوق وواجبات، وبعدئذ ستقوم الدولة بما عليها، وفق شرعية كاملة تكون قد استمدتها من ضوء ما أقرته وتوافقت عليه كافة القوى السياسية.

بدى الأمر وكأن مخرجات الحوار ستكون "العصا السحرية" التي ستنقذ الدولة والبلد من التدهور وتحل كل المشكلات.

وصممت في أثناء ذلك ضمانات خاصة لتنفيذ مخرجات الحوار، كفكرة جيدة، أشبه بعمل سياج اضطراري بأركان قوية ومتينة تحرس وتحافظ على بيئة طبيعية لتنفيذ تلك المخرجات.

ما بعد الحوار
انتهت إذاً مرحلة صعبة من أهم مراحل الفترة الانتقالية، ودخلت البلاد في مرحلة أخرى جديدة: مرحلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. وهي مرحلة ربما كانت في اعتقاد النظام والحكومة أنها الأسهل، لاسيما وأن هذه المرحلة منحته شرعية إضافية للبقاء حتى تنصيب رئيس جديد بانتخابات تجرى وفق الدستور الجديد.

غير أن عدة شهور مرت منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، فيما قضايا كبيرة ومن ذات الأكثر أهمية ما تزال معلقة حتى الآن.

وفضلاً عن أن الاقتصاد الوطني بدأت تند مساوئه على السطح مؤخراً وبشكل أكثر وضوحاً من قبل، بفعل تراكمية الأداء التوافقي، مهددة بانهيار وشيك للميزانية العامة، فإن الخلافات الداخلية والبينية، بين شركاء الحكم ظهرت على خلفية بعض المواقف.

تحديد شكل الدولة وعدد الأقاليم، شكلت نقطة خلاف وخصام بين الرئيس وبعض شركائه، مثل الحزب الاشتراكي، الذي خلق موقفه المتشدد من الستة أقاليم ـ أيضاً ـ فجوة مع حليفه التجمع اليمني للإصلاح، فيما أحدث تقارباً أكبر مع جماعة الحوثي المطالبة – كالحزب – بدولة فدرالية من إقليميين فقط.

وماذا بشأن ضمانات التنفيذ؟
قد يبدو الخلاف الأخير، المشار إليه آنفاً، أمراً طبيعياً، وقد يستند إليه البعض كدليل على حزم الرئيس ورغبته في تنفيذ وإنفاذ مخرجات الحوار، فيما قد يراه البعض إستقواءاً على مبدأ التوافق لتمرير رغباته المحددة مسبقاً لشكل الدولة التي يريدها وعدد أقاليمها.

على أن الأهم هو تلك القضايا المتعلقة بتحقيق تطلعات المواطن وشئونه الحياتية والأمنية؛ بشأن الدولة المدنية الحديثة وأسس بنائها.

تجعل النقطة السادسة من المبادئ العامة الواردة ضمن ضمان تنفيذ مخرجات الحوار، من المواطن محوراً للعملية السياسية "وتلبية طموحاته هو غايتها"، أي تلك الضمانات. وبالتالي تؤكد على "رفع مستوى ثقة المواطن بالعملية الإنتقالية وتشجيعه لضمان مشاركته في العملية السياسية خاصة في الجنوب".

وتؤكد النقطة رقم (5) من المبادئ العامة الواردة في وثيقة الضمانات على: "إحداث تغيير حقيقي: تنعكس آثاره في العملية السياسية وعلى حياة المواطنيين بشكل واقعي وملموس".

هكذا تقول الضمانات، بينما الواقع الذي يعيشه المواطن، والوطن عموماً، مازال أكثر رداءة. ذلك أمر من الصعب تحقيقه بعد شهرين ونيف من انتهاء مؤتمر الحوار. قد يكون ذلك صحيحاً جداً، إلا أن المواطن حتى الآن – وبعد انقضاء تلك الفترة - لم يلمس بوادر لتحقيق أبسط تلك القرارات والإصلاحات التي أكدت عليها الضمانات، فيما يتعلق بشأن المواطن. وهي ليست بحاجة سوى لإرادة وعزم لا أكثر، ذلك أنها ليست معقدة التنفيذ على أرض الواقع.

على سبيل المثال، ورد ضمن المهام الرئيسية في وثيقة الضمانات، في إطار ما أطلق عليها بـ"المحطة الأولى"، النقاط التالية:
-  إصدار تعليمات قانونية وإدارية محددة إلى النيابة العامة ودوائر الشرطة والسجون والأمن للتصرف وفقا للقانون والمعايير الدولية، وإطلاق سراح الذين احتجزوا بصفة غير قانونية.
- العمل على إنهاء جميع النزاعات المسلحة.
- "إتخاذ الخطوات اللازمة، وبالتشاور مع سائر الجهات المعنية الأخرى، لضمان وقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني، وفض الاشتباكات بين القوات المسلحة والتشكيلات المسلحة والمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، وضمان عودتها إلى ثكناتها، وضمان حرية التنقل للجميع في جميع أنحاء البلاد، وحماية المدنيين وغير ذلك من التدابير اللازمة لتحقيق الأمن والإستقرار وبسط سيطرة الدولة.
- استكمال إجراءات إعادة هيكلة الجيش والأمن.
- اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث إنتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلا (إصدار قانون العدالة الإنتقالية) وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
- استكمال تشكيل اللجنة الخاصة بالتحقيق في انتهاكات 2011م.
- إطلاق سراح معتقلي شباب ثورة التغيير والحراك الجنوبي السلمي والذين اعتقلوا خارج إطار القانون.

في الواقع، لقد اقتربنا من مرور الشهر الثالث، لما بعد الحوار وفي إطار فترة تنفيذ المخرجات، بيد أن أياً من تلك النقاط السابقة، السهلة والبسيطة، وغير معقدة التطبيق، لم نشهد حتى الآن أي توجه رئاسي أو حكومي لتحويلها إلى واقع ملموس. لا يحتاج الأمر سوى إلى قرارات رئاسية بدرجة رئيسية، وحكومية بدرجة تالية، تضعها موضوع التنفيذ. ثم ليأخذ التنفيذ مداه المطلوب والمعقول.

لم تصدر أية قرارات أو توجيهات بإطلاق المحتجزين بصفة غير قانونية، ولا إطلاق سراح شباب الثورة، وربما الحراك، المعتقلين خارج سياق القانون.

سنجد مثلا أن المحطة الثانية في الضمانات، والتي أخذت عنوان: "تأسيس الدولة وإجراء الانتخابات"، تضمنت نقاط هامة عدة، ومن جزئها الثاني، غير المتعلق بالانتخابات، بل بالإصلاحات العاجلة والسريعة المطلوبة لضمان التنفيذ، نورد هذه النصوص:  

- البدء في إصدار تعليمات قانونية وإدارية ملائمة إلى جميع فروع القطاع الحكومي للالتزام الفوري بمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والضامنة للإصلاح ويجب الشروع بالجهات التالية ذات الأولوية :

الخدمة المدنية، وزارة المالية والبنك المركزي، الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، الإعلام، النيابة العامة، مكتب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، الإدارة المحلية، أي تشريعات أخرى تتعلق بمكافحة الفساد وبالحقوق والحريات مثل قانون الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وقانون مكافحة الفساد، والقانون المالي والذمة المالية، وقانون حماية الدولة( تعطى هذه التشريعات الأولوية).

- العمل على ضمان أداء المهام الحكومية على نحو منظم بما فيها الإدارة المحلية وفقاً لمبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة.
- البدء في إعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
- أية إجراءات أخرى من شأنها أن تمنع حدوث مواجهة مسلحة في اليمن.
- اتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها، بما في ذلك الأطفال والنهوض بالمرأة.

لن أضيف شيئاً جديداً إن قلت إن كل ذلك، لم يتم بعد، أو بل لم نشعر بخطوة أولية هامة للدولة – رئاسة وحكومة – في التوجه نحو تنفيذ تلك الأمور على أرض الواقع، وإن حتى بإصدار قرار، أو مشروع لقرار ينحو بهذا الإتجاه.

الواضح اليوم، أن كل شيء بات معلقاً، فيما تواصل مؤسسات الدولة الحكومية إنهيارها العملي والقيمي.  

وتمنح الضمانات، ضداً على بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، رئيس الجمهورية الحق في إحداث تغيير في الحكومة، بناء على نصها (الضمانات) القائل: " يقوم رئيس الجمهورية بممارسة صلاحياته الدستورية للتغيير في الحكومة بما يضمن تحقيق الكفاءة والنزاهة والشراكة الوطنية، وكذلك الأجهزة التنفيذية الأخرى على المستوى المركزي والمحافظات لضمان الشراكة الوطنية والكفاءة.".

عقب انتهاء مؤتمر الحوار كثر الحديث والجدل حول التعديل الحكومي المرتقب الذي عول عليه الكثيرون في إحداث فارق في حياة المواطنين، غير أن ذلك التعديل اقتصر على وزير الداخلية، إلى جانب تعيين وزير نفط بدلا عن المستقيل، وإقالة رئيس جهاز الأمن السياسي، فيما كان حديث الشائعات يدور حول ست إلى سبع وزارات فاشلة على الأقل.

تخوض الحكومة حالياً، صراعاً كبيراً مع ميزانيتها المنهارة، بحيث يشاع أنها لن تكون قادرة على تلبية النفقات لأكثر من أربعة أشهر أخرى تقريبا. وهذا الأسبوع ابتعث وزراء المالية والتخطيط إلى الولايات المتحدة الأمريكية لبحث دعم دولي من صندوق النقد الدولي والإدارة الأمريكية، فيما نفذ جمال بنعمر، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن، زيارة استغرقت يومين إلى العاصمة السعودية (الرياض) لحشد الدعم العاجل، والتهيئة لمؤتمر أصدقاء اليمن القادم المقرر انعقاده في لندن في 29 من الشهر الجاري.

حيث تعول بلادنا على هذا المؤتمر الكثير من الآمال في تقديم المساعدات الموعود بها منذ سنوات من قبل المانحين الدوليين.

في السياق أيضا، ثمة خلافات متراكمة، بعضها منذ سنوات وأخرى حديثة، بشأن تغيير بعض محافظي المحافظات. هذا الأمر بدأ يتردد من أكثر من عام تقريباً، إلا أن الأمر بات منوطاً برئيس الجمهورية، بدلاً عن رئيس الحكومة. الأمر الذي أقحم خلافات الأحزاب ومصالحها في هذه المسألة، وكان يشاع قبل فترة طويلة أنها جاهزة، والمسألة مسألة وقت!

هذه الإشكالية أفضت إلى إضعاف أداء السلطات المحلية بالمحافظات، وشبه توقفها عن أداء مهامها لاسيما في المشاريع التنموية، حتى بات الأداء الوحيد الذي يبرز هو أداء الفساد وإهلاك ميزانية المحافظات لشخوصها ومتنفذيها، وفي المحسوبية وشراء الذمم، إلى جانب سيطرة جماعات الإرهاب والعنف والتقطع..!!

وفي الإطار ذاته، لم يتم اتخاذ قرارات سهلة وبسيطة، تغطي الفجوة القائمة منذ العام 2012 تقريباً، بتعيين سفراء واستيفاء دبلوماسية اليمن في الخارج، في حوالي 30 سفارة. انتهت فترة عملهم المتعارف عليها دبلوماسياً، لكن مواقعهم لم تشغل حتى الآن.

يرجع الأمر، بحسب ما يعتقد، إلى خشية من ردود الفعل الداخلية من جهة مختلف القوى السياسية المطالبة والمنتظرة إشراكها في تعيينات مواقع السلك الدبلوماسي.

لقد توقفت تلك التعيينات منذ صعود الرئيس إلى سدة الحكم، فيما عدا قرارين بارزين، أحدهما قضى بتعيين الدكتور مجور سفيراً لليمن في جنيف، والآخر الذي قضى بتعيين أحمد علي عبد الله صالح سفيراً لبلادنا في دولة الإمارات العربية المتحدة. وثمة تعيينات أخرى لملاحق عسكرية اقتضتها ضرورة إبعادهم من مناصبهم في مواقع هامة في الجيش، مع أن بعضهم لم يستلم موقعه حتى الآن منذ أكثر من عام.

أطر وهيئات الرقابة والتنفيذ
الشيء الوحيد الذي تم تنفيذه من المخرجات حتى الآن هو "تشكيل لجنة صياغة الدستور". حتى مع أن تشكيلها هو الآخر تعرض لموجة نقد يمكن وصفها بأنها "سريعة وخفيفة"، من جهة عدم الالتزام بمعايير التشكيل الواردة ضمن وثيقة الضمانات.   

ستعمل اللجنة، بحسب تصريحات مسئولين فيها، على مدى أربعة أشهر لتعد صيغة لمشروع الدستور اليمني القادم.

يعتقد أن مهامها لن تكون كبيرة، أكبر من البحث عن قالب مناسب لتصب فيه مواد وقرارات مخرجات فرق عمل الحوار والمتضمنة في وثيقة المخرجات، بشكل قانوني وتشريعي.

ولن يكون من المناسب والمقنع التعويل على ما ستنتجه وانتظار ما ستفعله هذه اللجنة كما كان يعول على سابقا على مخرجات الحوار، لاتخاذ اجراءات تحسن من الحياة المعيشية للناس.

ثمة أمور أخرى مهمة لم تنجز حتى الآن، لكنها مؤجلة بسبب ما يشاع أنها خلافات بين الرئيس واطراف رئيسية، أو بين أطراف سياسية وأخرى. يدخل في ذلك، مثلا توسيع مجلس الشورى "بما يضمن تمثيل جميع المكونات والفعاليات السياسية والإجتماعية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بنفس نسب التمثيل في مؤتمر الحوار...الخ". حسب وثيقة الضمانات.

الأهم من ذلك، من الناحية العملية التنفيذية، الغموض الذي يكتنف تشكيل ما تعرف في وثيقة الضمانات بـ"الهيئة الوطنية". من خلال "توسيع لجنة التوفيق وتعمل كهيئة وطنية تمثل فيها جميع المكونات والفعاليات السياسية والاجتماعية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بنفس نسب التمثيل وحسب المعايير المتفق عليها في مؤتمر الحوار الوطني على أن لا يقل عن مقعدين لأي مكون أو فعالية..الخ"

على عظم أهمية هذه اللجنة في: 1ـ الإشراف والمتابعة في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل. 2ـ المتابعة والإشراف على لجنة صياغة الدستور، والتأكد من وثيقة الدستور والموافقة عليها قبل رفعها لرئيس الجمهورية لاتخاذ الإجراءات الدستورية اللازمة للاستفتاء. بحسب ما ورد في وثيقة الضمانات..

يقال إن هناك خلافات بشأن طريقة تشكيل اللجنة وعددها أدت إلى تعقيد مسألة حسم تشكيل اللجنة، في الوقت الذي بدأت فيه عملية تنفيذ المخرجات قبل شهرين تقريباً، فيما مر على عمل لجنة صياغة الدستور قرابة شهر، بعيداً عن اللجنة المسئولة عن الإشراف والرقابة عليها.  

 الواقع الآن..المسببات..النتـائج..الكــارثة
تفرض قضايا ذات طابع سيادي وأمني، مثل: إرهاب تنظيم القاعدة، مسلحو الحراك الجنوبي الداعين للإنفصال، ومليشيات الحوثي المسلحة، أجندتها على مسألة بناء الدولة القادمة، باعتبارها معيقات مثقلة على الأرض، بدى من الصعب مواجهتها.

وتلك حقيقة باتت أكثر وضوحاً، مع تصاعد أعمال العنف ضد الجيش من قبل تنظيم القاعدة، ومؤخراً مسلحو الحراك، إلى جانب ما تفرضه مليشيات الحوثي المسلحة من متغيرات على الأرض في شمال الشمال وجوار العاصمة صنعاء.

في الحقيقة يمكن التأكيد أن ذلك ساعد على وضع الدولة موضع العاجز، في مقابل كل تلك الإشكاليات المتواجدة في مربع عملها التنفيذي. على رأسها الحالتين الأمنية والاقتصادية، المتداخلتين فيما بينهما بشكل تراكمي، إلى جانب إشكاليات الخلافات السياسية المتجددة وفق مسارات عمودية وأفقية بين الحين والآخر.

من الانصاف والنزاهة القول ان كل تلك الاشكاليات، غير معنية بها فقط مؤسستي الرئاسة والحكومة، بل تنسحب عملية خلقها وتأثيرها على كافة أطراف العملية السياسية، سواءً التي شاركت في الحوار وتوافقت على مخرجاته بدرجة رئيسية، أم تلك التي لم تشارك لأسباب داخلية خاصة أو لاعتبارات أخرى بينها الإقصاء والتهميش.

ولعل من الإنصاف القول أن وصول التحالفات السياسية إلى موضع مهدد بمواصلتها على أساس المصلحة العامة في بناء اليمن وطغيان المصالح الحزبية الخاصة والضيقة، سواءً كان ذلك بفعل خلافات ذاتية أم عبر عوامل خارجية من قبيل إدارة الأزمات والصراعات تحت القاعدة السياسية الشهيرة "فرق تسد"، كان له تأثير مهم على إدارة التوافقات الوطنية منذ مرحلة الدخول في مؤتمر الحوار الوطني وتصاعدت بشكل دراماتيكي حتى اليوم.

لقد أدى ذلك، قطعاً، إلى بروز خرائط تحالفات سياسية جديدة، بعضها واضحة وأخرى معقدة وغير مفهومة حتى الآن. الأمر الذي أضعف جبهة التحالف القوية التي كان يستند إليها الرئيس نفسه، منذ توليه سدة الحكم.

في هذه الأثناء، ترتفع حدة الاستقطابات الداخلية والخارجية لقوى طفيلية تستغل فوضى أداء منظومة الدولة شبه المنهارة، في الوقت الذي تبرز فيه ولاءات عصبوية وحزبية تعمل على البحث عن استحقاقات خاصة، لا عامة، ولا يكون الوطن إلا في آخر قائمة الاشتغال على إنقاذه.
-------------------------------------------
نشرت المادة في يومية "المصدر"- العدد (567)، عدد الخميس-السبت: 17-19 إبريل 2014
- رابط النشر في الموقع:
http://almasdaronline.com/article/56838