الأربعاء، 14 مايو 2014

ماذا سيحدث لو قبل الحوثي؟

عبد الحكيم هلال

------------------------------------
-----------------------------

يا "عزّي": اسمع جيداً الآن.. فهذه فرصة عمرك الأكبر.

يا "عزي": لو كنتُ مكانك "ترساً" فاعلاً في آلة "السيد"؛ دويداراً، أخشى على سمعته وأتكفل بدور "مسح أخطائه"، وأفسّر خطاباته "المسهبة" للعامة..

لو كنت كذلك، لنصحته بالانصياع والرضوخ للقانون. عليك أن تبلغه، بالطريقة التي تبلغه بها دائماً، بالاستجابة لطلب النيابة وتسليم نفسه للتحقيق معه في التهم الموجهة إليه وبعض قيادات الجماعة في بعض الجرائم المرتكبة من قبل المسلحين التابعين في همدان وثلا مؤخراً.  

ربما كانت كلمات على شاكلة: "تبلغه"، و"تسليم نفسه"، و"للتحقيق معه"، و"الجرائم المرتكبة"، قاسية قليلاً، أو بالأحرى غير ملائمة لمقام "السيد" من وجهة نظرك على الأقل. لكن ربما سيمكننا إعادة الصياغة بطريقة أفضل، وإن شئت فبـ "عبارات أكثر احتراماً وتقديراً لمقامه المبجل"، على النحو التالي: عليك أن تشير عليه (من الاستشارة) بأن يحضر إلى النيابة للاستماع إلى أقواله في التهم الموجهة إليه في الأحداث الأخيرة بهمدان وثلا.

لا ضير، فذلك ممكن، المهم أن تصله الرسالة في كل الأحوال.

أجزم أن إيماناً راسخاً يبسط قدميه بداخلك أن هذا الإجراء الذي قامت به النيابة أخرق وغبي ولا يستند إلى منطق.

 لكن دعك الآن من تلك الحالة المتلبسة بداخلك، لقد حدث الأمر فعلاً، ورفع من فجرت الجماعة منزله دعوى قضائية ضد "السيد" وقيادات الجماعة.

الآن عليك أن تفكر بطريقة سياسية أكثر دهاءً. مثلاً: إن ذلك لو حدث (أي الاستجابة لطلب النيابة بالتحقيق) فسيكون ادعى لك - في سياق ترشيد دورك التحسيني - من انتظار خطاب السيد الجديد، لكتابة قصيدة شعرية طللية حول "المقاصد السياسية والمدنية النبيلة في خطاب سيد العشيرة".

القبول بالأمر في مثل هذا التوقيت سيكون خطوة عملية مدهشة ومؤثرة، بل قفزة كبيرة لتحسين السمعة، ومسح المخلفات الكثيرة العالقة على جسد الجماعة.

سيبلغنا ذلك - عملياً لا تنظيراً - ان السيد: مدني لا عشائري؛ ديموقراطي لا مستبد؛ رجل دولة وقانون لا زعيم عصابة وقاطع طريق؛ صاحب حق لا  باحثاً عن حق بانتهاك حقوق الآخرين؛ ويقبل بالحق ولا يستمري الباطل.. الخ تلك الثنائيات الكثيرة التي لن تتوقف مالم نقطع مواصلتها.

 حسناً: سيمكنك بهذه النصيحة ان تقطع أشواطاً كثيرة لتقول لنا: إن كل ما يقال عن ما يقوم به "السيد"، لم يكن بتلك الصورة القبيحة والبشعة كما نعتقد.

سيغنيك ذلك كثيراً، آلآف المرات، عن بذل جهد مضنٍ في الحديث عن ضرورة تصديق ما ورد في خطاباته عن رفض القوى التقليدية، وترسيخ الدولة المدنية، وضرورة ترسيخ عرى العدل والقانون، و.. .ضرورة تصحيح السجل الانتخابي.

كما سيكفيك ذلك، قطعاً، عن الفهلوة في دعوة المنتقدين والمشككين والأعداء الى التعامل بحسن نيه مع ما ورد في ظاهر خطاباته، دون الغوص في البحث عما خفي في أعماق قلبه، وتحميل الخطاب أكثر مما جاء على لسانه.

وبدلاً من المطالبة بكل ذلك، تحت مبرر: "ضرورة التعامل مع خطابات السيد بروح المسؤولية الوطنية بهدف جرجرته الى المعترك السياسي"، باعتبار ذلك خطوة مسؤولة لتحويله من سيد مذهبي "كهنوتي" صرف، الى مواطن مدني "أليف".. والذي لن يتأتى إلا من خلال التعامل مع خطابه الأخير باعتباره تحولاً نوعياً (نادراً) وغير مسبوق في مسار الجماعة المذهبية وفكرها.

بدلاً عن ذلك، جديرٌ بك الآن أن تنتهز هذه الفرصة، لتنتقل أنت قبل سيدك من الفهلوات النظرية البحتة، التي لا تزيد أكثر من مجرد بيع الوهم للأتباع والمريدين، الى الميدان العملي والتصرف بمسؤولية وطنية: سيتوجب عليك أن تقنع السيد والمطلوبين الـ ١٤ أن يستجيبوا للقانون ويحضروا الى النيابة للتحقيق معهم.

ذلك فقط.. وتلك ستكون أول خطوة عملية - أؤكد وأجزم أنها ستلجم الأعداء، وتستثير عواطف الأصدقاء - لتحقيق دولة "العدل" التي أدوشنا "السيد" أنه يجاهد عبر المجاهدين الأشاوس لتحقيقها.

ليس هناك وقت للبحث عن مبررات (نظرية) كالعادة، ذلك أن تأثيرها - حين توجد تلك التبريرات - تدرك جيداً أنها لن تتجاوز أكثر من مخاطبة قناعة الأتباع والأنصار. بيد أنك، بحسب علمي، تجهد لمخاطبة، وخطب ود ورضا، قوى ومكونات أخرى، قوى غير تقليدية، لا تؤمن بأكثر من دولة: "المساواة والعدل والقانون". 

لن تحدث مفاجآت مثيرة، فالأمر كما تعرف لا يعدو عن كونه مجرد إجراءات شكلية، لم نشهد طوال تجربتنا الفريدة أنها مست أحد مراكز القوى والنفوذ. فكيف إذاً بمن غامر بالخروج عن الحاكم بالسيف ليكون هو الحاكم الوريث لتركة النبوة!

إذاً تعرف ونعرف جميعاً أنه لن تحدث مفاجآت، لكن مع ذلك، طالما وأنك أحد كبار مؤلفي الدراما، والمفتونين بها، فدعنا نشاهد ما سيجري! مجرد فضول أرعن لا أكثر.

 في نهاية المطاف: ماذا سيجري؟

 لا جديد سيمنحنا الفضول من الناحية الإجرائية، لكنك – سياسياً- ستكسب نجاحاً باهراً، ربما لم تحلم به، تجسيداً لدورك في "تحسين السمعة"، وذلك بالتأكيد ليس بأقل مما سيكسبه السيد والجماعة من "سمعة حسنة" بفضل مقترحك العملي.  

أما نحن- الأعداء والمتربصين-، لن يسعنا سوى التراب ندس فيه رؤوسنا، والتوقف عن كل تلك الحماقات العصبية.  

أعدك بذلك. عليك فقط أن تفحمنا.
-----------------------------
- نشر المقال في يومية "المصدر" - العدد (586) الموافق 14 مايو 2014
- رابط المقال على موقع "المصدر أونلاين":
http://almasdaronline.com/article/57724