الخميس، 18 أبريل 2013

الفيس بوك كحاجز يفصل بين عالمين


عبد الحكيم هلال

هل عليَّ الآن معاودة الدخول إلى صفحتي الرئيسية لأشهد تقلبات هذا المساء!
بالأمس دخلتها سراً، وكالعادة كانت متذبذبة بين صعود وهبوط..

خرجت سريعاً قبل أن يتوسع الندم على كسر قاعدتي الذهبية بتجنب كل ما يفقدني قدرة الاحتمال ويعجزني عن مواصلة الحياة في برزخ الثورة ومستقبل التغيير.

لفترة تخيلت أن ما يحدث هنا هو: أن الأفكار تميل للتقلب أكثر من حالة الطقس وأسعار العملات.

وهكذا كنت أتعامل مع الأمر: بين الأمس واليوم زادت الحرارة درجة واحدة، وارتفع الدولار سنتاً واحداً.. على ذمة رسالة الـ «SMS» الصباحية.

غير أني كثيراً ما كنت أجد، على صفحتي، من كانوا يستشيطون غضباً من الرئيس - قبل شهور من تبدل الصفحات- يتحولون بيسر زئبقي إلى مسوقين لقدراته الخارقة على تسيير الأمور واتخاذ القرارات الحاسمة!
دعونا من هذا..فربما يكون له علاقة بتبدلات الرئيس نفسه، لا بثقافتهم الارتدادية.

إذن، أحدث نفسي: ماذا بشأن أولئك الذين كانوا، قبل أن يتقلب الليل ستين مرة من الآن، ينامون ممتلئين بمعاني الحب والحرية والمدنية فيما أن بعضهم اليوم لا يجد غضاضة في الارتماء فوق سرير المقت والعبودية والتخلف!
أرفع من حدة التحول: إنهم فقط يمتلكون القدرة على تغيير المصطلحات وتفسير الأحداث وفقاً لتوجههم، دون أن يرهقهم عبء الضمير أو سياط المعجبين البسطاء؛ أولئك الذين أمسكوا الماوس وضغطوا أكثر من مرة على زر «أعجبني» ذات منشور صادف ريحاً تعجبهم!
كم مرة لزمت قاعدتي تلك بتجنب الدخول إلى صفحتي الرئيسية، عملا بكون المتوجب عليّ أن أكون بعيداً عن كل ذلك الهراء المفلسف، فيما أنه أحط مما أورده ميكافيللي في كتابه «الأمير».

أصدقكم: قلما نجحت في مواصلة ذلك!
وأصدقكم أيضاً: في كل مرة كنت أكسر فيها قاعدتي، كان يتقدمني ذلك الأمل بأن الثورة كفيلة بإحداث تحولات إيجابية لاحقة على المستوى الفكري والثقافي والاجتماعي، «إنها غالباً ما تحدث على المدى غير المنظور»، وأقتنع أكثر: ذلك أن مثلها أمكن العلماء تشبيهه بالتحولات البيولوجية البطيئة.
شيء آخر، أحاول من خلاله تبرير إخفاقي الدائم في التزام قواعدي المختلقة:
ليس عليّ أن ألزم قاعدة التجنب والهروب بعيداً عن صفحتي الرئيسية، ذلك أنه من غير المنطق جعلها مقياساً لما يحدث على أرض الواقع من تحولات، ربما تكون بطيئة كتآكل الأرض من أطرافها بفعل العوامل الجيو-بيئية، على سبيل المثال.

لذلك: لم تعد تلزمني فكرة المواصلة على ذلك النحو المتصلب، حتى وإن كان الأمر فقط: الدخول لمجرد أن أشهد تقلبات أولئك الذين حين تصادفهم في الحياة الحقيقية، ربما في المناسبات، لا يكونون كما هم في هذا العالم الافتراضي، إنهم أقل حدة مما يكتبون هنا، وأكثر تفاهماً مما ينعكس تصلبهم هنا.

الآن، لقد توصلت إلى هذه القاعدة الجديدة:
لا يجب أن يتحول ما يجري في هذا العالم الافتراضي - على هذه الصفحات الإلكترونية الممتلئة بالانسيابات غير الحصيفة - نعم، لا يجب أن يتحول إلى حاجز يحجب عنك ما يحدث في العالم الحقيقي!
نقطة. أول السطر:
الواقع أن الفيس بوك يجعل بعض الناس يتعاملون مع الأمور وكأنهم في مكان آخر؛ مكان يدركون جيداً أنه ليس واقعياً، افتراضياً، يتماهون معه، بل ينسابون بداخله بحرية غير محدودة لا تعيقهم عنها تلك الحصافة التي يلزمهم بها التعامل البشري الواقعي في حياتهم الطبيعية. باعتبارهم مخلوقات اجتماعية قابلة للاندماج والتحول مع المجتمع.

بعض، وليس كل، ما يدور على صفحات الفيس بوك، يبدو وكأنه ليس أكثر من سذاجة استثنائية ملزمة حين يتحول الأمر أمامنا إلى مجرد أن نكتب شيئاً ما لنقول لمن هم في الجهة المقابلة «نحن موجودون».
نقطة. والسلام.