الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

قراءة في «تحولات الموقف الأمريكي» خلال الثورة اليمنية


  
-       عبد الحكيم هلال
كان للولايات المتحدة جهد واضح في إيصال ملف اليمن إلى مجلس الأمن الدولي، وصياغة -وكذا اتخاذ - القرار الأممي رقم 2014 في 21 أكتوبر الماضي، والذي حاز - وبشكل استثنائي- على إجماع كافة أعضاء دول المجلس الـ15 الدائمة، وغير الدائمة العضوية.
موقف أمريكا هذا قد يبدو أمرا لا جدال فيه، سواء لاحظه المتابعون على مضض، أم أكده السفير الأمريكي لدى صنعاء، جيرالد فيرستاين، في تصريحات أو مقابلات صحفية، أم تم تعزيز تأكيده من قبل مسئولين أمريكيين آخرين، من واشنطن; إما خلال الفترات التي سبقت القرار (من خلال تحركات أمريكية نشطة سعيا لاتخاذه) وإما بعد ذلك (بهدف تأكيد هذا الدور..). 
لكن، ومع ذلك، إلا أن الموقف الأمريكي، بشكل عام (ولنقل: المفترض، ذو التأثير والفاعلية على مسار الأحداث في اليمن) ما زال يثار حوله كثير من التشكيك!
بالنسبة للسفير الأمريكي، هنا في صنعاء، يزعجه مثل سوء الفهم هذا، وتغضبه مثل تلك التهم فـ«هناك كثير من الإشاعات..»، قال السفير – بلهجة أقرب للغضب – بينما كان يرد على سؤال (ذو طبيعة اتهامية بشأن ما يشاع حول ما تريده أمريكا وما لا تريده في اليمن!) في مقابلة سابقة كانت أجرتها معه «المصدر» بتاريخ 11 أكتوبر الماضي. «كما أن الكثير من الناس يتنبأ بحدوث الكثير من الأمور..»، أضاف السفير واصفاً من يطلقون الأحكام، بأنهم «يفترضون أنهم يعلمون الكثير عن السياسات والرؤى الأمريكية التي وببساطة لا توجد على أرض الواقع..».
وببساطة كبيرة، كان يمكننا أن نكتشف قدرات السفير فايرستاين الدبلوماسية في رده على أكثر الأسئلة إحراجاً – حول سياسات بلده وتحركاتها، ورغباتها - خلال مقابلات صحفية مباشرة (وهذا بعكس كثير من السفراء الغربيين والعرب الذين إما يصرون على أن ترسل إليهم الأسئلة عبر الفاكس للرد عليها، أو ببساطة يرفضون إجراء الحوارات الصحفية، مع استثناء السفير البريطاني).
ومع ذلك، إلا أن أسئلة كثيرة ما زالت بحاجة إلى إجابات صريحة، وواقعية، يطالب بها بعض السياسيين والمتابعين! وهذا ينطبق ليس على المتابع والسياسي اليمني، بل، أيضا، ظهر باحثون غربيون – بعضهم أمريكيون بالطبع– مازالوا يشككون حول ما يريده، وما لا يريده البيت الأبيض في اليمن.

•       السياسة الأمريكية في اليمن
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، كتب جيرمي إم شارب، وهو متخصص بشئون الشرق الأوسط، دراسة مطولة تحت عنوان «اليمن: الخلفية والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية»، قدمت إلى/ ونشرت عبر (خدمة الأبحاث في الكونجرس) في 8 يونيو 2011، وقد غاصت الدراسة في عمق الأحداث الجارية في اليمن على خلفية قيام الثورة الشعبية السلمية. وتحت العنوان الفرعي:«الاستجابة السياسية للولايات المتحدة»، قال شارب: إن «الاستجابة السياسية للإدارة الأمريكية طوال الأزمة اليمنية الحالية تمثلت بتجنب إدارة الرئيس اوباما دعوة الرئيس صالح للتنحي عن السلطة بشكل مباشر وصريح، لكنها انتقلت للتصديق على عملية نقل [صالح للسلطة] مجاراة [تماشيا] مع خارطة مجلس التعاون الخليجي لتصحو بعد ذلك مباشرة بشأن إثارة مسألة مغادرة صالح للسلطة».
وأضاف شارب، على لسان مسئول أمريكي مجهول الهوية، قوله أن الإدارة الأمريكية ما كانت لـ «تتصور أو تحاول التنبؤ بهذه النتيجة». ويستشهد الباحث بتصريحات لمساعد مستشار الأمن القومي بن رودز، قال فيها «أعتقد أن وجهة نظرنا هي أن التحرك هناك يجب أن يكون واضحا بالمضي نحو إحداث حل سياسي في اليمن بحيث يشمل هذا الحل حكومة تكون أكثر استجابة لتطلعات الشعب اليمني...تلك كانت رسالتنا المبدئية الثابتة للرئيس صالح».
وفيما يبدو أن الاستشهاد بتلك التصريحات هنا إنما جاءت في سياق تعزيز الحديث عن ضعف التحرك وعدم تطور الموقف قياسا بقوة الإدارة الأمريكية وتأثيرها المفترض في حث صالح والضغط عليه للتنحي. ولذلك لم ينتظر الباحث الأمريكي الشهير (المعروف بكتاباته ومؤلفاته المنتشرة على نطاق واسع والتي تنظر وتحث على «الكفاح اللاعنيف» من أجل إحداث التغيير في الأنظمة الاستبدادية) لينتقل إلى إيراد ما تضمنه تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية العالمية - مقرها أمريكا – وذلك عقب مجزرة (18 مارس - جمعة الكرامة) حين حثت الرئيس أوباما على ضرورة إيقاف المساعدات الأمريكية، العسكرية والاقتصادية، فورا، والتي كانت خصصت لليمن (115 مليوناً أقرها الكونجرس ضمن ميزانية 2012)، وذلك حتى «تتوقف الهجمات التي يتعرض لها المحتجون السلميون على نطاق واسع، ويحال المتورطون فيها للمحاكمة». وبحسب الباحث فإن جيف موريل، أمين سر الإعلام في البنتاجون، حين سئل، مطلع أبريل، حول ما إذا كانت الإدارة تدرس مسألة إيقاف المساعدات، رد أنه «على حد علمي فإن تلك المساعدات لم تكن... من الواضح أننا نراقب الوضع عن كثب. إنه مقلق. ونحن نعمل على تقييم ودراسة الوضع معتمدين على مدى تقدمه..». (المصدر: عن وكالة رويترز: «الولايات المتحدة تحث اليمن على نقل السلطة، والبنتاجون لم يقطع المساعدات» – 5 ابريل 2011).
ومع ذلك، فإن تصريحات لاحقة، نسبت لمسئولين أمريكيين ويمنيين، أكدت أن واشنطن قطعت/ أو خفضت مساعداتها لليمن. لكن السفير الأمريكي – في مقابلة المصدر المشار إليها سابقا، أكتوبر الماضي – أجاب صراحة بقوله «لم نقم بتقليص مساعداتنا لليمن»، بل أكد أن بلاده في واقع الأمر قامت «برفع المساعدات المقدمة إلى اليمن خلال الأعوام القليلة الماضية..»، مع أنه في نفس سياق الإجابة، تحدث عن تقلص المساعدات الاقتصادية بسبب الوضع الأمني. وحين طلب منه تحديد الإجابة بخصوص «المساعدات العسكرية»، بشكل خاص، لا الاقتصادية، تجنب الإجابة المباشرة، بداية، مكررا حديثه حول تأثيرات الوضع الأمني، إلا أنه عاد وأكد «ومع هذا فإن تعاوننا الأساسي مع اليمن فيما يتعلق بالجانب الأمني سوف يستمر»، وبعد إصرار على تحديد إجابة مباشرة بخصوص ما ورد على لسان أركان حرب الأمن المركزي اليمني، نجل شقيق الرئيس، يحيى صالح، بخصوص تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية، أوضح السفير أن ما حدث هو أن «برامج التدريب التي كنا ننفذها مع تلك الوحدات قد توقفت لأن تلك الوحدات قد توقفت عن التدريب، وبالتالي فإن قرار وقف التدريب تم اتخاذه من قبل تلك الوحدات وليس من قبلنا». بعدها بيوم أو يومين تقريبا، التقى السفير بيحيى صالح، دون أن تكشف المعلومات ما الذي دار في اللقاء، غير تلك العبارات الرسمية المعهودة التي دأبت عليها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية أن اللقاء ناقش جوانب التعاون الأمني بين الجانبين!

•       ما بعد قرار مجلس الأمن
ولاحقاً، وبعد إصدار قرار مجلس الأمن (رقم 2014)، في 21 أكتوبر، وحين كان متوقعا ممارسة مزيد من الضغط على صالح ونظامه من أجل تطبيق مضمون القرار، إلا أنه وعلى العكس، لوحظت بعض التغييرات - ربما - في تصريحات الدبلوماسية الأمريكية ممثلة بالسفير فايرستاين، بشكل خاص. ففي لقاء مع صحيفة الصحوة الأسبوعية المعارضة، نشرت الخميس (27 أكتوبر)، كانت نبرة السفير متغيرة – أو ما أعتقد البعض أنها كذلك - تجاه المعارضة اليمنية وأطراف الصراع الأخرى التي تعارض أو انشقت عن صالح. والتي حملها السفير جزءاً من مسئولية ما يحدث من انتهاكات، وخروقات.. وبطريقة غير مباشرة، فقد ساوى في جزء من تصريحاته بين النظام وبين المعارضين الفاعلين!
ولوضع ما يمكن اعتباره تحولا في المواقف، في سياق أكثر وضوحا، فقد جاءت تلك التصريحات بعد يوم واحد من نشر خبر حول لقاء تم بين صالح والسفير الأمريكي (الثلاثاء 25 أكتوبر). 
وقد اعتقد البعض أن مثل هذا التحول المعلن، ليس فقط أنه اعتبر سببا رئيسيا ساعد صالح ومنحه فرصة جديدة لمواصلة التلاعب والمماطلة في توقيع المبادرة الخليجية بموجب ما يلزمه قرار مجلس الأمن، بل أكثر من ذلك، جعله يواصل لعبته باستخدام العنف وقمع المناهضين له في محافظة تعز، ومديريات أرحب ونهم- محافظة صنعاء، وذلك بهدف جرجرة المعارضة للدفاع عن نفسها بما يعزز فكرة المساواة بين انتهاكات الطرفان. بل غير ذلك، جعله يطالب بإضافة تعديلات على الصفقة تمنحه فرصة البقاء رئيسا رمزيا حتى إجراء الانتخابات الرئاسية. وهو أمر، مع انه يخرج عن إطار ولب محتوى المبادرة (التي تدعوه بشكل واضح إلى التنحي مباشرة عقب التوقيع وتسليم السلطة لنائبه)، إلا أن مثل هذا الأمر، كما يبدو، قد وجد قبولا وتأييدا من قبل واشنطن. ومثل هذا القبول أورده السفير في مقابلته مع صحيفة الصحوة أيضا، وإن بشكل تلميح وبصورة غير مباشرة. فحين سئل حول ما يتردد من القول بإمكانية أن تتضمن التسوية الجديدة «بقاء صالح رئيسا رمزيا حتى إجراء الانتخابات»، أجاب «أعتقد أن هناك إشكالية ما، وبمعنى آخر أن الآلية التي ناقشها كلا الطرفين لا تتطلب استقالة رسمية لرئيس الجمهورية، لكنها وبالتأكيد ستنقل قيادة البلد وبشكل يومي إلى يد نائب الرئيس مع حكومة ائتلاف، لذا فسلطة اتخاذ القرار ستكون في يد نائب الرئيس..». وهذا يعني بوضوح غير قابل للتشكيك، تفسيرا جديدا للآلية التي يتم مناقشتها مع المعارضة، يحمل تبريرا لبقاء صالح رئيسا رمزيا!
الأمر على هذا النحو، يتعارض مع تصريحات الدبلوماسية الأمريكية السابقة التي ظلت تدعو على وتيرة واحدة بضرورة التنحي الفوري، حتى دون أن تتطور أو تتوافق مع متغيرات الأحداث وتسارعها على الأرض!

•       ليس جديداً.. بل على النسق ذاته
وفي الوقع، إذا ما عدنا قليلا، وأمعنا النظر في موقف الإدارة الأمريكية إجمالا إزاء اليمن، سنلحظ بشكل أكثر وضوحا أن السفير الأمريكي لم يكن وحده ملتزما بهذا التوجه السياسي.
بل إننا سنجد أن موقف الإدارة الأمريكية إزاء صالح، وما يحدث في اليمن، ككل، لم يشهد تغييراً كبيراً، طوال فترة الأحداث، في سياق تصريحات معظم مسئولي الإدارة، وذلك بالنظر إليها من جهة التطور المفترض إزاء الأحداث، سواء من حيث التطور الزمني أم التطور الميداني.
ثمة مؤشرات واضحة في هذا السياق. أهمها: أن الإدارة الأمريكية لم تكن لتضع الحالة اليمنية موضع الخطر الكبير الذي يتوجب الإسراع في حله (ومسألة المخاوف من تنظيم القاعدة هنا، مع أنها قد تبدو حقيقية، إلا أنها لم تكن تمثل ذلك القلق البالغ الذي يجبرها على رفع مؤشر الخطر إلى اللون الأحمر). وما يدل على هذا التوجه أن أعلى مستوى قيادي سلم إليه ملف اليمن هو السفير الأمريكي في صنعاء، بداية. وحين تطورت الحالة، اقتسم الملف مع المملكة السعودية. وهذا أمر يمكن ملاحظة دقته، بمقارنته مع بقية ملفات ثورات الربيع العربي في المنطقة (تونس، مصر، ليبيا، وسوريا..). وإذا ما كنا واقعيين أكثر، فيمكن القول – من خلال الملاحظة – أن أعلى مسئول أمريكي في واشنطن أبدى اهتماما بملف اليمن – بعد السفير – لم يتجاوز الناطقين الرسميين باسم وزارة الخارجية. وحتى هؤلاء كانوا يطلقون التصريحات مجبرين بالرد على أسئلة الصحفيين. أما أهم أشخاص الإدارة الأمريكية وهم: الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، فمدى قياس اهتمامهم بملف اليمن، يتضح ضعفه بالمقارنة مع بقية الملفات الساخنة. ومن خلال إطلاقهم التصريحات، فإنها حتى لم تساوِ الـ10 بالمائة من التكرارات قياسا بالفترة (10 أشهر من الثورة اليمنية، لم تبلغ فيها التصريحات حتى بنسبة مرة واحدة على الأقل شهر. مع أن بعضها ساقتها أحداث كبيرة مثل اغتيال العولقي).
وخلاصة الأمر، في هذا: يمكننا القول إن الإدارة الأمريكية، وضعت ملف اليمن بيد السفير، والأقدار، ترمي بها حيث تشاء..ففي نهاية المطاف، لا تمثل اليمن الأولوية القصوى– إذا ما استثنينا موضوع الإرهاب – التي من شأنها أن تؤثر على بؤر اهتمام وأولويات الإدارة على مستوى العالم.
وبالعودة إلى الدراسة التي أجراها شارب حول اليمن، فإن التقارير أشارت إلى أن إدارة أوباما، وطوال فترة الجدل السياسي حول شروط المبادرة الخليجية الداعية لإحداث انتقال سياسي للسلطة في اليمن، ظلت تمارس ضغطا على صالح لتوقيع الصفقة. وفي خطاب أوباما في 19 مايو، أمام وزارة الخارجية الأمريكية، فقد حث أوباما الرئيس صالح علنا على توقيع المبادرة. غير أنه أضاف «ولكن إذا كانت أميركا تريد أن تكون ذات مصداقية، فيجب أن نقر بأن أصدقائنا في المنطقة، في بعض الأحيان، لم يستجيبوا لجميع مطالب التغيير الثابتة – أي التغيير الذي ينسجم مع المبادئ التي أوجزتها اليوم». وأضاف أوباما «تلك هي الحقيقة في اليمن، حيث أن الرئيس صالح بحاجة إلى متابعة لتنفيذ التزامه بنقل السلطة». وبعدها بأيام قليلة فقط، وعوضا عن التوقيع، رتب الرئيس صالح، بحسب التقارير، حصارا عبر مناصريه حول سفارة الإمارات العربية المتحدة بصنعاء وبداخلها السفراء، بينهم السفير الأمريكي، بعد أن رفض التوقيع على المبادرة في نفس ذلك اليوم (22 مايو). لكن، مع أن هذا كان عيبا دبلوماسيا غير مسبوق (إلا ما فعله ميلوسوفيتش مع بعثة الأمم المتحدة) إلى جانب كونه يعد يعتبر الرفض الثالث للتوقيع، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارك تونر، علق قائلا «نحن نعتقد أن الرئيس صالح مازال لديه القدرة والفرصة لتوقيع هذه المبادرة ليعمل على كسر الجمود الحاصل». كان ثمة مقترحات بأن ترفع واشنطن من نسبة الضغط أكثر لإرضاخ صالح على التوقيع، بما في ذلك مقترحات بعقوبات ضده وضد أسرته ومقربيه، عبر مجلس الأمن. إلا أن ذلك لم يحدث، وعوضا عنه، سافر جون برينيان، مستشار الرئيس لشئون الإرهاب، إلى الخليج، عقب تصاعد المواجهات في الشارع اليمني. والتقى بزعماء الخليج ليتدارس معهم كيفية إعادة صالح إلى طاولة المفاوضات واستئناف المحادثات بشأن نقل السلطة. (كل تلك التفاصيل التي تضمنتها دراسة جيرمي شارب، هي في الأصل معلومة لدى الكثيرين. ومع ذلك، إلا أن حجم الكاتب، والجهة الصادرة عنها، ربما، هما العاملين اللذين يمنحانها تلك الأهمية).

•       السبب: الفيل في الغرفة
إن شارب مثله مثل كثير من الباحثين الأمريكيين، وبشكل خاص المسئولين الأمريكان، وغيرهم من الباحثين الغربيين، يصلون في نهاية المطاف إلى تفسير سببي هو الأكثر انتشارا كسبب رئيسي يربط  تلك السياسة الأمريكية، المتخاذلة، بمخاوف من استغلال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة للاضطرابات المتوقعة في اليمن، والتي قد تتفاقم في كلا الحالتين: سواء في حال تنحى صالح عن السلطة نهائيا، أم تمسك بها بشكل جنوني، ورفض التخلي عنها.
ففي الحالة الأولى تأتي المخاوف، من كون رحيل صالح سيترك فراغا كبيرا في السلطة، في الوقت الذي تفتقر فيها أمريكا لشريك قوي قادر على التصرف بسرعة وفق المعايير الأمريكية في مواجهة أي خطر إرهابي. حيث أن صالح – وهنا نستشهد بشارب – "كان مدركا بشكل جيد للمخاوف الأمريكية والسعودية والقلق الدولي حول استمرار التعاون في الحرب على الإرهاب، وأنه طوال فترة الأزمة أثار تلك المخاوف بسحب قواته من المحافظات البعيدة من أجل إرغام المجموعة الدولية على القبول بمبدأ استمرار بقاء حكمه. استشهد التقرير بأحداث محافظة أبين كنموذج أكثر وضوحا للخطة التي يزمع صالح مواصلتها في حال تواصلت الضغوطات المطالبة بتنحيه الفوري.
أما في الحالة الثانية، وهي تشبّثه الجنوني بالسلطة، فيمكنه أن يوصل إلى حتمية نشوب حرب أهلية. وبالتالي إتاحة مناخ مناسب للقاعدة للتوسع والانتشار! 
هذا ما يجعل الخيارات الأمريكية المفترضة محدودة. ووسط الحيرة على مستقبل اليمن السياسي، يقول شارب، فإن المسئولين الأمريكيين يناضلون من أجل الإبقاء على التعاون في مكافحة الإرهاب المستقبلي باعتباره خيارا رئيسيا. ويضيف «إن حجم العلاقة الأمريكية بالمعارضة السياسية اليمنية أو القادة العسكريين من خارج الدائرة المقربة لعائلة صالح، هي علاقة مجهولة». وطبقا لـ جوشوا فوست، وهو زميل في مشروع الأمن الأمريكي والمحلل السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية، فإن «الحاصل هو أن مهمة التدريبات الأمريكية، وكذا برامج جمع وتبادل المعلومات الاستخباراتية الساري المفعول مع اليمن – لا احد يعرف ما إذا كانت ستتأثر أو المدى الذي ستتأثر به [تلك البرامج] في ظل حكومة جديدة». وأضاف «ليس لدينا علاقات جيدة مع حركات المعارضة، التي تعتبر هي نفسها مرتبكة ومن المحتمل أن تبدأ المشاكل الداخلية قريبا على أية حال، ولذلك من الصعوبة التنبؤ بالكيفية التي سيتفاعلون بها مع مثل هذه البرامج» (المصدر: خطورة اللعبة الأمريكية في اليمن – الأمة The Nation ، 30 مارس 2011).
وإذا كان من الممكن التغاضي على أن يهاجم السفير فايرستاين بعض اليمنيين الذين وصفهم بأنهم يفترضون معرفتهم كل شيء عن السياسية الأمريكية، فما الذي سيتوجب عليه قوله، هنا، أمام تصريحات خبراء أمريكان شغلوا مناصب أمنية سابقة؟
تقرير آخر، يستشهد به الكاتب، يؤكد أن «مسئولين أمريكيين يقرون بشكل خاص بأنهم ليس لديهم النفوذ القوي الذي يمكنهم من مواجهة صالح بخصوص مسألة بقائه وخروجه من السلطة. وأنهم في أفضل الأحوال، يقول المسئولون الأمريكيون، أن الأمريكان ينظرون [يبحثون] بعناية كبيرة في مسألة تحديد هوية ودعم مسئولين على المستوين العالي والمنخفض وكذا مسئولين مدنيين من الذين يمكنهم أن يسيطروا على المؤسسات الأمنية في حال أن أجبر  أقرباء صالح على الفرار». (المصدر: النظر إلى الاضطرابات في اليمن كفرصة ملائمة لفرع القاعدة – صحيفة «نيويورك تايمز» 5 أبريل 2011).

•       خطورة الاستمرار في اللعبة
وعلى هذا المنوال، وغيره، من الاستشهادات والتصريحات والتقارير، التي تعزز المخاوف الأمريكية من القادم المجهول في اليمن، بغض النظر عن واقعية تلك المخاوف من عدمها، فإن معظم المتابعين يضعون تفسيراتهم وانطباعاتهم حول طبيعة الموقف الأمريكي من قضية التغيير المنشود في اليمن، باعتباره أحد الدعامات الرئيسية لإطالة أمد الأزمة، على أمل أن تتغير مواقف أحد الطرفين: صالح ونظامه، أو المعارضة وأنصارها. وفي كل الأحوال فقد حاولت الإدارة مرارا لكنها أثبتت فشلها في تجريب إنفاذ الخيار الأول. وذلك، وفي أحسن تقدير، لكونها أجبرت عليه بسبب تسارع الأحداث المتجهة صوب حتمية إسقاط نظام صالح، لاسيما بعد جمعة الكرامة. وربما بات عليها الآن أن تنتقل إلى محاولة إنفاذ الخيار الثاني بالضغط على المعارضة، وهو الخيار الذي باتت مسوغاته أكثر مواتة، من حيث أنها أصبحت تعتقد، الآن، أن قبول المعارضة ببقاء صالح رئيسا فخريا حتى إجراء الانتخابات، سيمثل الحل الأسهل، الذي ساقته الأقدار، وليس بينها وبين تحقيقه سوى أن تضغط على المعارضة, الباحثة عن تعزيز ثقة المجتمع الدولي بها. والبداية كانت من حيث بدأ السفير نفسه: التهديد بعقوبات تطال الجميع من خلال إطلاق تصريحات تساوي في الانتهاكات وتجعل من المعارضة متورطة في الجرم مثلها مثل نظام صالح!
بيد أن الأمر، ربما سيكون أكثر كلفة، من حيث أنها تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ويساعد ويمنح صالح عذرا ومبررا وفرصة أخرى وحياة جديدة لمواصلة محاولاته ومساعيه في البقاء في السلطة. ليس ربما بشكل رمزي حتى الانتخابات الرئاسية القادمة، بل بفاعلية لن يعدمها طالما ظل يمتلك المال وقوة الجيش – بيد أسرته – ما قد يغريه ويحفزه على إحداث إرباكات سياسية قد يصل مداها إلى تغيير المعادلة السياسية المفترضة خلال الفترة الانتقالية، وبالتالي إطالة أمد الأزمة مجددا. وفي حال افترضنا جدلا أن شباب الثورة قبلوا بتلك التسوية السابقة، وهو أمر مستبعد جدا، فإن القادم سيكون أكثر خطورة ودماراً، في حال لم تسر الأمور وفقا لآخر تسوية سياسية تم التوصل إليها. ليس على مستوى الداخل اليمني فحسب، بل على مستوى أبعد من ذلك بكثير، قد يطال الإقليم والمصالح الدولية برمتها في اليمن والمنطقة.
------------------------------------------------
نشرت في صحيفة المصدر الإسبوعية - العدد (181) - الثلاثاء: 21 نوفمبر 2011

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

اليمن .. سيناريوهات ما قبل جلسة مجلس الأمن



إسلام أون لاين - كتب:  رشاد الشرعبي 2011-11-14 17:35:33


تتجه اليمن نحو مرحلة جديدة من الصراع بين الرئيس علي عبد الله صالح وقوى الثورة المطالبة بسقوط نظامه، بعد وصول الجهود السياسية إلى طريق مسدود، بطرحه لتعديلات جديدة على المبادرة الخليجية، مع اقتراب موعد تقديم ممثل أمين عام الأمم المتحدة الذي يزور صنعاء، تقريره إلى مجلس الأمن في 21 نوفمبر المقبل.
وتوقع مراقبون سياسيون وصحافيون تحدثوا لـ"إسلام أون لاين"، ألا يوقع صالح على المبادرة الخليجية، بعد طرحه لمطالب جديدة، من بينها إبقاء نجله وأبناء شقيقه في مناصبهم الأمنية والعسكرية، وهو الأمر الذي يرفضه شباب الثورة، بمن فيهم أحزاب اللقاء المشترك التي وقعت على المبادرة الخليجية كطرف.
في هذه الأثناء، كشفت مصادر رسمية في العاصمة اليمنية صنعاء، أن الرئيس علي عبد الله صالح، فوض نائبه عبد ربه منصور هادي، بتشكيل حكومة جديدة، على أن تؤدي الحكومة اليمين الدستورية أمام نائب الرئيس، في خطوة وصفت بأنها "ضمن صلاحيات الرئيس التي يكلف بها النائب، بموجب المبادرة الخليجية".
وقال نائب وزير الإعلام، عبده الجندي، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، إن الحكومة اليمنية عازمة على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014، الذي يدعو للحوار بين الحكومة والمعارضة لتسوية الأزمة اليمنية، كـ"وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة"، وأضاف أنه "على القيادات المعارضة العودة من رحلتها المكوكية لتنفيذ ذلك القرار."

 جولة المعارضة
 في سياق متصل، ذكرت مصادر في المجلس الوطني لقوى الثورة، أن الجولة التي نفذتها قيادة المجلس في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي من المتوقع أن تختتم اليوم الإثنين في الرياض، كان لها أثر كبير في توضيح موقف المعارضة، وتقديم صورة أوضح لقيادات تلك الدول، وهو ما حشر صالح ونظامه في زاوية ضيقة، ودفعه للخروج بموقف ضعيف من خلال مطالبه بتعديلات جديدة.
وقالت تلك المصادر لـ"إسلام أون لاين" إن صالح كان عازماً على الاستمرار في مراوغته وممارسة أسلوبه المعتاد في تضييع الوقت، والتلاعب بالوعود والأعذار للتحايل على المجتمع الدولي، وتجاوز الثلاثين يوما التي منحها قرار مجلس الأمن رقم 2014 لتقديم التقرير.
 وأضافت "ولولا أنه شعر بتضييق الخناق عليه، بوصول ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر لإنهاء مراسم توقيع صالح على المبادرة، ومن ثم توقيع الآليات التنفيذية لها التي تم الاتفاق بشأنها بين المعارضة ونائب صالح ومستشاره السياسي، قبل عودته المفاجئة من الرياض، ما جعله يظهر حقيقة موقفه الرافض للتوقيع على المبادرة، وإعلان مستشاره الإعلامي عدم وجود أي اتفاق بشأن الآليات التنفيذية، عكس تأكيدات نائبه وبن عمر والسفراء الغربيين ومسؤولين خليجيين".
  
لا ضمانات أممية
 ووفق المصادر، فإن صالح عاد إلى طرح ضرورة بقاء صلاحياته الرئاسية إلى ما بعد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على النقيض مما تم الاتفاق عليه برعاية ممثل الأمم المتحدة وسفراء أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، بنقل صلاحياته كاملة لنائبه أمين عام حزبه الحاكم عبد ربه منصور هادي.
وذكرت المصادر لـ"إسلام أون لاين" أنه إضافة لذلك، فقد تراجع صالح عن النقطة الخاصة بإعادة هيكلة الجيش والأمن خلال فترة الأشهر الثلاثة المقررة للإعداد للانتخابات، وزاد على ذلك بالاشتراط بإبقاء أقاربه في قيادة وحداتهم العسكرية والأمنية، التي تتهمها قوى الثورة والمنظمات الحقوقية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتطالب بتقديم قادتها للعدالة الدولية.
وأصدر مجلس الأمن الدولي في 21 أكتوبر الماضي، قراراً دعا فيه صالح إلى توقيع اتفاق توسطت فيه دول مجلس التعاون الخليجي، ويقضي بنقل صلاحياته إلى نائبه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ومن المتوقع أن يقدم جمال بن عمر تقريراً إلى مجلس الأمن يوم 21 نوفمبر الجاري، أي بعد شهر من صدور القرار، لإطلاع المجلس على الأوضاع في اليمن، ومدى استجابة الأطراف للقرار الدولي.

ليس جاداً
 من جهته، يرى مدير تحرير صحيفة الصحوة الناطقة بلسان أكبر أحزاب المعارضة اليمنية، راجح بادي، أن مستجدات الساحة اليمنية منذ قدوم السيد جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة إلى صنعاء الخميس الماضي، تؤكد بجلاء أن لا توقيع على المبادرة الخليجية من قبل الرئيس صالح قبل 21 نوفمبر الجاري، رغم التفاؤل الذي أبداه الكثير من الدبلوماسيين الغربيين في صنعاء خلال الأسبوع الماضي.
ويضيف بادي في تصريحه لـ(إسلام أون لاين) أنه "لعل أبرز ما يؤكد عدم جدية الرئيس في التوقيع على المبادرة، هو الأنباء التي صارت مؤكدة حول طلبه إدخال تعديلات جديدة على الآلية التنفيذية والتي سبق أن تم الاتفاق عليها بين السلطة والمعارضة برعاية المبعوث الأممي جمال بن عمر".
ويشير إلى أن ما يؤكد ذلك أيضاً "هو التصعيد العسكري الخطير في مدينة تعز، وضرب الأحياء السكنية المأهولة". وواصل "وأعتقد أن الحديث الفرنسي والبريطاني عن عقوبات شخصية على رمز النظام، هو رسالة واضحة له، وهي تأتي ربما بسبب معلومات مؤكدة لدى المجتمع الدولي حول أن النظام غير جاد في التوقيع على المبادرة، وأنه تراجع عن وعوده بالتوقيع عليها، بحسب ما أعلن سابقا".
ويختتم بادي "أعتقد أن خطورة هذا التهديد وجديته، ناجمتان عن كونه صادرا عن بريطانيا، وهي الدولة التي تولت صياغة قرار مجلس الأمن بشأن اليمن، وهي المكلفة أيضا بصياغة أي قرار آخر حول اليمن".
  
ما قبل 21 نوفمبر
الكاتب والمحلل السياسي عبد الحكيم هلال، في حديثه لـ"إسلام أون لاين"، يقدم ثلاثة سيناريوهات متوقعة، لما سيحدث "قبل انتهاء فترة الشهر المحددة في قرار مجلس الأمن 2014 والمخصصة لرفع التقرير الأولي للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص تنفيذ القرار الأممي".
ويسرد هذه السيناريوهات "الأول: التوقيع على المبادرة الخليجية – قبل 21 نوفمبر - تنفيذا لقرار مجلس الأمن"، ويعتبره أفضل سيناريو وأقلها كلفة، "إلا أن تحققه متوقف على زوال بعض العقبات التنفيذية".
ويشير إلى وجود "خلافات ما زالت قائمة - سواء من جهة المعارضة أم من داخل النظام نفسه- حول هوية الشخص الذي يجب عليه التوقيع، هل هو صالح أم نائبه؟ إذ إن هناك رأيا داخل المعارضة يطالب بأن يتم التوقيع من جهة الرئيس نفسه، طالما أنه قد عاد إلى البلاد".
ويضيف "وحتى لو تم الاتفاق على أن يوقع النائب، فإن هذا سيتطلب أولا أن يصدر صالح قرارا واضحا بتفويض نائبه بكافة الصلاحيات، وبحيث يتضمن هذا القرار ما يؤكد على أن التفويض يجب أن يكون غير قابل للنقض".
ويتابع:" ومن جهة أخرى، أعتقد أن قبول النظام بالتوقيع النهائي، سواء من الرئيس أو نائبه، سيكون هو الآخر مشروطا، أولا بالتوقيع على آلية التنفيذ من قبل المعارضة، وهذا بدوره سيكون مرتبطا بموافقة المعارضة على التعديلات الجديدة، والتي كشف أن الحزب الحاكم أقر إدخالها مؤخرا".
ويؤكد هلال أن هذا يجعلنا نقول إن تحقق هذا السيناريو سيكون بحاجة إلى واحد من أمور ثلاثة، هي: أولا، إما إرادة سياسية من قبل النظام، وإما – وهذا ثانيا – أن تقبل المعارضة بتقديم تنازلات إضافية، أما الأمر الثالث، فأن يمارس المجتمع الدولي المزيد من الضغوط، والتهديدات خلال هذه الفترة، كالتهديد بفرض عقوبات رادعة ومؤثرة، من شأنها أن تجبر صالح على التوقيع، من دون أية اشتراطات. وربما سيكون الأمر الأخير الأكثر ترجيحا، لا سيما أن الأمرين السابقين، ثبت – خلال التجربة الماضية – صعوبة حدوثهما.
ويرى هلال أن التصريحات الأخيرة لوزير خارجية فرنسا، والسفير البريطاني في صنعاء، بأنه ستتم مناقشة خيار فرض عقوبات، ربما تأتي في هذا السياق. وعليه يمكن القول إن القرار الأخير لوزراء خارجية جامعة الدول العربية بشأن سوريا، قد يساعد بشكل كبير على تحقق هذا السيناريو.
لكن السيناريو الثاني، وفق الكاتب عبد الحكيم هلال، هو أن تستمر المماطلة والتعنت من قبل صالح، سعيا لكسب بعض الوقت، ومن أجل فرض المزيد من الشروط، كأن يشترط صالح الموافقة على إدراج شرط جديد ضمن الآليات التنفيذية، يفرض من خلاله القبول ببقائه في السلطة بشكل رمزي خلال الفترة الانتقالية والتي تحددها الآلية بثلاثة أشهر، حتى الانتخابات الرئاسية القادمة.
ويضيف "ومن المعروف أن المعارضة وشباب الثورة يرفضون حتى مناقشة هذا الأمر، ما سيعني – فيما لو أصر صالح على هذا الشرط – تصعيد الأمور، وبالتالي المزيد من التطويل وبقاء الحالة على ما هي عليه لفترة أطول"، لكنه يرى ان هذا السيناريو هو " أقل خطورة من السيناريو الثالث، لاسيما إذا ظل الشباب المعارض في الساحات، يفضلون خيار السلمية، والصبر، وعدم الانجرار إلى العنف، رغم الانتهاكات المتواصلة التي يتعرضون لها".
بالنسبة للسيناريو الثالث، فيرى هلال أنه "انفجار الأوضاع على شكل حرب أهلية شاملة. وهو يمثل أسوأ السيناريوهات المتوقعة"، ويرجح وقوعه "فيما لو فشل سيناريو التوقيع، وفي حال لم يصعد المجتمع الدولي من الضغوطات والتهديد بالعقوبات المؤثرة والقاسية، فإن انفجار الأوضاع نحو حرب أهلية سيكون أمرا واردا".
ويربط ذلك الانفجار العسكري المتوقع مع أمرين: "تصاعد منسوب الاحتقانات، والتي لم يتورع النظام عن تكريسها عبر انتهاكات يواصل ممارستها في مناطق مختلفة، خاصة تعز، وأرحب، ونهم، وغيرها، أو يفقد شباب الثورة صبرهم وينجروا نحو ما يريده النظام، لاسيما إذا شعروا أن المجتمع الدولي فشل عن قسر صالح ونظامه على التوقيع، وطالت فترة اتخاذ الإجراءات العقابية الرادعة، والتي يفترض اتخاذها من قبل مجلس الأمن ضد النظام، بمجرد انتهاء فترة الثلاثين يوما المحددة في قرار مجلس الأمن".
-----------------------------------------------------
هذه المادة نشرت في موقع إسلام أونلاين بتاريخ: 14 - 11 - 2011
على الرابط :
http://www.islamonline.net/ara/article/1304971065960

الخميس، 10 نوفمبر 2011

كيف يمكن إزاحة ديكتاتور متشبث بالسلطة؟



* عبد الحكيم هلال
ثمة ديكتاتور، وعلى حين غفلة، أستلم السلطة، ليصنع بالبلد ما يشاء، ثم وبعد ما يقارب الثلث قرن، وحين تسنى له أن يحولها إلى ما يشبه "الإمبراطورية العائلية الخاصة"، هاهو يطلب منه بكل سهولة: التخلي عن كل ذلك بـ"توقيع"..!
هل من الممكن أن يقوم "طاغية" ما، بتوقيع قرار رحيله بنفسه، عما بات يؤمن أنها إمبراطوريته الخاصة – هكذا بكل سهولة؟
وحتى مع عدم معرفتي بالكيفية التي أنتزع فيها - على مر التاريخ - جزء كبير من الطغاة من كراسي عروشهم، وفصلوا عن سطوتهم وجبروتهم، إلا أني أؤمن أن مثل هذا الذي ننتظر – وينتظر العالم معنا – حدوثه، هنا في بلادنا، ما حدث قط مع "طاغية"..!.
ربما يتوجب علينا أن نضع الظروف التي نمر بها بعين الاعتبار من باب الحرص، فقط، أن لا نجافي بعض ما قد يتشابه مع الحقائق التاريخية.
يعتقد المفكر الفرنسي "أتين دي لابويسيه" (1530م -1562م) في رسالة كتبها لأحد أصدقائه تحت عنوان: «مقالة في العبودية المختارة»، أن هناك ثلاثة أصناف من الحكام الطغاة، الصنف الثالث منهم هو "الحاكم الذي ولاه شعبه الحكم". ولنقل أنه الصنف الذي نعيشه اليوم - بغض النظر عن اختلافنا حول ملابسات الطريقة التي تولى فيها "صالح" السلطة، بداية، أو حتى نزاهة الإنتخابات التي أبقته في السلطة مؤخرا.
المهم، هنا، أن لابواسيه - في هذا الصنف - يؤمن "..أنه ما أن يرى نفسه (أي الطاغية) يرتقي مكاناً يعلو به الجميع، وما أن يستغويه هذا الشيء الغريب المسمى بالعظمة، حتى يعقد النية على ألا ينزاح من مكانه قط.."
مثل هذه الحقيقة، لا غرو، أنها تسري على معظم، إن لم يكن جل، الحكام العرب، وغيرهم في العالم الثالث، الذين تحولوا إلى رؤساء وزعماء استثنائيين حين فرضوا أنفسهم على شعوبهم بكل الطرق والأساليب الممكنة، وتجاوزوا ببقائهم في السلطة أكثر من عقدين، وثلاثة عقود..! ليس ذلك فحسب، بل باتوا لا يتورعون عن المجاهرة "المثيرة للاشمئزاز" بتوريث العرش – وفي أغلب الظن، أن يحدث مثل هذا: من بعد توقف قدراتهم العقلية والجسدية.
والآن، وبعد أن بلغ الطغيان مبلغه، وبلغت القلوب حناجر الشعوب العربية المقهورة، هلت شمس الربيع العربي لتقول قولتها، وكانت النتيجة أن: فر زين العابدين (تونس) إلى منفاه الإجباري، وترك حسني مبارك (عرش مصر) عنوة منتظرا مصيره الأخير على محفة المرض في المحكمة، وقتل قذافي (ليبيا) بصورة بشعه..فيما ما يزال عبق الحرية يفوح في الأرجاء تحمله رياح التغيير بانتظار أن تحط رحالها في المحطة القادمة، هناك في مكان ما في دول عربية أخرى بينها بلادنا: اليمن. 
لكن، صالح، ما زال يعبث ولما ينتهي بعد من عبثه..!
-         إن ما يغريه في المواصلة لهذا العبث، ليست القبيلة التقليدية أو قلة الوعي الشعبي لليمنيين، كما كان يروج له عقب سقوط أول رمزين من رموز الحكام العرب، الطغاة المستبدين، العسكريين. لا، إنه لم يكن ذلك، ليس بعد أن أثبتت القبيلة مع مختلف شرائح هذا الشعب وعيا سياسيا، بنضالهم السلمي، وجلدا وصبرا، ومنهجا حداثيا، فاق التوقعات.
-         كما أنها ليست القوة العسكرية الغاشمة التي مازال يمتلكها، ويستخدمها للذوذ عن عرشه، وحراسته وعائلته وزبانيته، ولضرب أبناء تعز، أرحب، نهم، ومعارضيه في حي الحصبة بأمانة العاصمة. فمثل تلك القوة، هي الأخرى لم تثني إصرار المستهدفين بها. لا هنا، في اليمن، كما أثبتت الوقائع والأحداث اليومية المتواصلة، ولا هناك في سوريا التي لا يمر يوما واحدا دون أن تحصد العشرات من أبناء الشعب. إنها – أبعد من ذلك - لم تحجم أو تمنع الليبيين من قبل. ولا وجه للمقارنة بين قوة صالح وقدراته، مع ما كان يمتلك الراحل "القذافي" من قوة عسكرية رادعة، قدرات أعظم، سطوة، جبروت وقسوة..
-         إنها، أيضا، ليست السياسة، أو الذكاء، أو الاستشارات الحصيفة..الخ. فأين ذكاء صالح من مبارك – أستاذ الزعماء العرب في التخطيط، التلاعب، الخداع والمكر..
الواقع أن صالح حظي بفرص جمة، متتالية، لم يحظى بها أي من سابقيه، مكنته من البقاء والاستمرار ومواصلة العبث.
ولقد كان لموقع اليمن الإستراتيجي والحساس في المنطقة، دورا رئيسيا في حصوله على معظم تلك الفرص، ترافق ذلك، مع ضعف وعشوائية وتخبط في حكم البلاد، الأمر الذي جعل مساحات كبيرة نائية تخرج عن سيطرة السلطة المركزية، ما حول اليمن إلى مقر مناسب لتنظيم القاعدة يفزع ويثير هلع القريب والبعيد.
ومذاك، حين جلب هذا الوضع المتدهور أعين الغرب واهتمامهم، أدراك صالح أن الأمر يستحق الخوض في لعبة: فتح "الحصالة" مقابل "الأمن". ومع الدولارات الكثيرة والتجهيزات والمعدات العسكرية الأمريكية التي تدفقت بغزارة، طور "صالح" اللعبة حين فتح شهية واشنطن لبسط نفوذها على أجواء، مداخل ومخارج هذا الموقع الإستراتيجي. وحصلت أمريكا على صفقة السيطرة تلك مع السماح لجنودها "رسميا" – حسب برقيات السفارة الأمريكية المسربة عبر موقع ويكيليكس - بالحضور والانتشار، وباتت قادرة على التحرك ومراقبة السواحل اليمنية، الطويلة، والهامة، والتي تسابق عليها الأوروبيون وغيرهم من الدول العظمى للحضور فيها تحت ذريعة "مكافحة القرصنة"، ولكن بصورة غير "رسمية" وعن بعد.
في الأثناء، استطاعت الجارة السعودية أن تتخلص من قلقها الكبير وطردت عناصرها الإرهابية الكبيرة خارج حدودها إلى اليمن. وطالما ظل الوضع هنا غير مستقر فذلك على ما يبدو سيكون هو المناخ المناسب لبقائهم وبالتالي طردهم لفكرة عودتهم من حيث أتوا.
إن "صالح"، الذي ساعد على إنجاح الصفقة، مقابل خدمة سلطته وبقائه أكثر كحليف مهم وأكثر ليونه مع رغبات واشنطن في بسط سيطرتها ونفوذها على أجواء وسواحل المنطقة الحساسة التي تمر منها وعبرها نسبة كبيرة من الطاقة العالمية، هو نفسه الذي أصبح التاج الملكي السعودي – الحليف الإستراتيجي الأهم لواشنطن – يرغب باستمراره (حتى مع وجود رفض من أطراف في العائلة المالكة لسياسته الابتزازية وعدم جديته - بحسب ويكيليكس) ليس إلا لمنع نجاح ثورة يعتقد أنها ستكون وبالا على الإقليم الذي تقبع اليمن في ذيله الجنوبي. والأمر هنا ربما يتعلق بأحد أمرين: أما خوفا من انتقال العدوى، وإما أنه خوفا من أفكار وهيئة القادمين المتوقعين إلى السلطة. وهناك من يرجح كلا الأمرين معا.
وعلى هذا النحو، أعتبر البعض أن المبادرة الخليجية – بصيغتها الأولية (أبريل) جاءت لتمنح صالح طوق النجاة، بعد ما كان قد بدأ نظامه يدخل فيما يشبه بعاصفة الانهيار عقب جمعة الكرامة (18 مارس).
وفي الوقت الذي كان الهدف منح الأمل لصالح، فقد كان، ربما أيضا، يراد عبرها وضع المعارضة في موقف حرج. نجح الهدف الأول، لكن الثاني لم يحرز حين لم ترفض المعارضة المبادرة، لكنها وضعت شروطها وتعديلاتها عليها، ولم تستطع أكثر من نجاحها في تلبية بعض من أهم مطالب الثورة، في إطار المبادرة.
 بعدها، وحين بدى – على الأرجح - أن الأمر يخرج عن السياق المطلوب، لجأ صالح إلى التلاعب بالوقت: يوافق، ثم يرفض ليوافق مجددا حتى يرفض أخرى. ولثلاث مرات متفاوتة ظل يقوم بذلك على مدى الشهرين وبضعة أيام التي تلت جمعة الكرامة، استعاد فيها أنفاسه مع مدد لوجستي عابر للحدود. ويعتقد بعض السياسيين أنه وحين شعر الرجل بضوء اخضر من الجهة التي بدأت تدرك أن بنود المبادرة تخرج عن سيطرتها بعد التعديلات النهائية، قام بعملته تلك حين جهر صراحة برفضه التوقيع مع احتجاز الدبلوماسيين العرب والغربيين - الوسطاء – في السفارة الإماراتية (22 مايو).

وفيما يعتقد أنه ربما بسبب إدراك دول غربية أخرى بما يحاك في اليمن بعيدا عن مصالحها وشعورها بأن الضغط المطلوب على صالح ليس بالمستوى المطلوب لكونه حليفا مهما حقق رغبات دول أخرى على حسابها في المنطقة النفطية الهامة، فقد لوحظ أنها بدأت في رفع وتصعيد حدة خطابها وتصريحاتها ضد صالح. الأمر الذي – ربما - وضع واشنطن والدول المتبنية للمبادرة في موضع حرج لتعمل على محاكة التصعيد على استحياء.
وفي الواقع، ربما جاء حادث النهدين ليمنح صالح، إحدى تلك الفرص. فبحسب دبلوماسي غربي في اليمن، كان للحادث تأثيرا كبيرا ساعد على تخفيف حدة المواقف والضغوط الغربية إزاء صالح.
لكن الأمر بدء بعد أسابيع ينحو منحا مغايرا، بعد أن رأت واشنطن – وربما دول أوروبية – إشارات إيجابية من نائب الرئيس باعتباره الرجل الأنسب في هذه الفترة لخلافة صالح من حيث إمكانية إعتباره الحل التوافقي الأنسب، وهذا يتوافق مع بعض الرغبات الإقليمية والدولية في بقاء حزب صالح وبالتالي إمكانية كبيرة في بقاء بعض المسئولين المطلوب بقائهم في السلطة خلال المرحلة القادمة. وهو سيلبي تلك الرغبات، ورغبات مجاورة أيضا، من حيث إعاقة نقل السلطة كليا إلى المعارضة التي مازالت موضع تخوف عند البعض فيما لو استفردت بالسلطة كليا.
بعدها أنتقل الصراع السياسي من التوقيع على المبادرة الخليجية كمطلب رئيسي وحيد، إلى صراع حول الآليات المرافقة التي طالب الحزب الحاكم بها – مستغلا مستجدات حادث النهدين – ودخول الأمم المتحدة في الوساطة. ليظل الشد والجذب يراوح بين تعديل وآخر، وإشكالية توقيع النائب وتفويضه، ليأخذ الأمر شهرين آخرين إلى جانب شهر الجمود الذي تبع حادث الرئاسة.
لكن، عودة صالح مجددا إلى صنعاء، بدت وكأنها الحجر التي ألقيت على المياه الراكدة لتمنع الرؤية. وقد اعتبرت تلك العودة على أنها مثلت إحباطا لشبه الاتفاقات التي أبرمت حول آلية التنفيذ.
بعدها كان لدول مؤثرة في الإتحاد الأوروبي دورا مهما في قيادة المجتمع الدولي إلى رفع ملف اليمن إلى مجلس الأمن واتخاذ قرار دولي يرغم صالح على توقيع المبادرة (في 21 أكتوبر).
في هذه الأثناء، فقد صالح أحد الامتيازات التي تمنحها المبادرة حين أكد قرار مجلس الأمن توصيات مفوضية حقوق الإنسان بخصوص عدم منح أي حصانة  لكل من ارتكب وتورط في الجرائم الإنسانية.
وكالعادة، أعلن النظام ترحيبه بالقرار الدولي، لكنه لم يتخذ أي خطوة متقدمة تثبت إنصياعه لمقررات المجتمع الدولي الملزمة. وعدى الإعلانات المتكررة لصالح ومسئولي نظامه أنه سيوقع المبادرة بناء على قرار مجلس الأمن، إلا انه وحتى الآن ما يزال الأفق ملبدا بالغيوم ولم يتقرر بعد الموعد المحدد للتنفيذ.
والأربعاء ظهرت تصريحات عبر مسئولين في النظام أنه لن يتم التوقيع قبل أن يتفق على آلية التنفيذ.
لكن الوقت يمر سريعا، وقرار مجلس الأمن يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقريره بعد 30 يوما من إصداره، وعليه لم يتبقى سوى 10 أيام فقط. ويعتقد أن تصريحات صالح ومسئولين في نظامه – بخصوص الموافقة على التوقيع - أنها تندرج في إطار محاولة  لملاحقة هذه الأيام المتبقية قبل رفع التقرير الأولي للامين العام.
لكن صالح قد يفقد امتيازات أخرى في حال واصل تلاعبه. ومؤخرا أطلق وزير الخارجية الفرنسي تصريحات توحي بمثل ذلك، حين أكد أن الإتحاد الأوروبي سيناقش مسألة تجميد أرصدة صالح وأسرته ومسئولين مهمين في نظامه. وقال أن إتخاذ عقوبات أخرى ضد النظام ستناقش أيضا في الاجتماع القادم (الأثنين).
 وإذا ما حدث ذلك فعلا، فإنها ستكون الجزء المهم من الإجابة على التساؤل الوارد في المقدمة: هل من الممكن أن يقوم "طاغية" ما، بتوقيع قرار رحيله بنفسه، عما بات يؤمن أنها إمبراطوريته الخاصة – هكذا بكل سهولة؟
 إذ أن إجراءات صارمة وجدية من المجتمع الدولي ضد صالح – على تلك الشاكلة بداية – هي من ستجبره على أن يقوم بذلك. وأفضل ما سيمكنه القيام به في مثل هذه الحالة، أن يمنح نائبه تفويضا كاملا بالتوقيع، ليجنب نفسه التوقيع على ترك إمبراطوريته.
أما في حال لم يحدث ذلك، فعلى المجتمع الدولي، فقط، أن يرفع من وتيرة الضغط عبر آليات الأمم المتحدة المتاحة أو حتى باتفاقات ثنائية في حال عرقلت آليات مجلس الأمن.
ويأتي بضمن تلك الإجراءات المطلوبة، رفع ملف صالح والمسئولين معه على الانتهاكات والقتل إلى محكمة الجنايات الدولية، وإصدار قرار يجعله مطلوبا للمحاكمة الدولية.  
وعلى الإتحاد الأوروبي، إذا قرر فعلا أن يقوم منفردا بتلك الإجراءات، عليه أن لا يخشى مما سيحدث لاحقا فيما لو صدرت مثل تلك القرارات. فما قد حدث حتى الآن لن يكون أسوء مما سيحدث، والشعب اليمني قادر على مواجهة النتائج المترتبة عن أي تحركات وقرارات دولية جدية تتجه نحو تحقيق تطلعاتهم التي من أجلها تركوا منازلهم منذ عشرة أشهر ليقطنوا في الشارع ويصبروا على كل تلك الجرائم التي تنتهك بحقهم والعقاب الجماعي الذي يواجهونه كل يوم. 
--------------------------------------------
نشرت المادة في صحيفة الصحوة الأسبوعية الخميس 10 نوفمبر 2011