الخميس، 3 أكتوبر 2013

«كُش» رئيس



    الرئيس هادي، قدرتك على قيادة البلاد باتت على المحك. وسيتوجب عليك إعادة النظر في ترتيب أولوياتك.

    هل كان من المهم - مثلا- أن تعقد يوم الاثنين الماضي إجتماعا مع رئاسة مؤتمر الحوار؟

    إن لم أكن مخطئا، فهذه هي المرة الثالثة تقريبا التي تجتمع فيها مع هذه الهيئة في أقل من أسبوعين..!!

    ما الذي يمكن أن يفضي إليه إجتماع مثل هذا، فيما يتعلق باتخاذ إجراءات أكثر حزما وفاعلية للتقليل من سيل الدماء المهدرة في الشوارع لضباط الجيش والأمن.

    أتعلم؟ لقد ارتفعت مؤخرا وتيرة اغتيالاتهم عبر الدراجات النارية بشكل شبه يومي، في ظل عجز صارخ لأجهزة الدولة المعنية، ليس في منعهم من تنفيذ عملياتهم فحسب، بل حتى في معرفة الجناة لاحقا..!!

    يحدث ذلك منذ عامين. وخلال الأسبوعين الأخيرين زادت بشكل سافر. ومن غير الممكن التصديق أن كافة أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والإستخباراتية عاجزة حتى الآن من عمل شيء حيال ذلك..!

    هذا أمر يبعث على القلق والإحباط في آن.

    هل وصلتك مؤخرا معلومات إستخباراتية، أو حتى تقريرا أمنيا، يطلعك أن منفذي عمليات "الذئب المنفرد"، (لمعلوماتك هذا الاسم أطلقه الأرهابيون على عمليات الاغتيالات بدم بارد وأريحية تامة عبر الدراجات النارية)، هل تعلم أن منفذوها باتو مؤخرا يسيطرون على الوضع: يتحركون بكل حرية، وينجحون يوميا من أغتيال ضباط كبار في ﺻﻨﻌﺎء، عدن، حضرموت، لحج، مارب، أبين، البيضاء، ومحافظات كثيرة أخرى. وكانوا في تعز قبل يوم واحد من اجتماعك الأخير برئاسة الحوار..؟

    وعلى سبيل الإضافة، وربما التنويه، فقط: هل تعلم أيضا أن الكهرباء منقطعة منذ أكثر من أسبوع على ٩٥ ٪ تقريبا من مناطق الجمهورية..؟

    بالمناسبة، إن كان لم يردك هذا، أيضا، علي أن أطلعك: أنه في الوقت الذي كنت مجتمعا فيه برئاسة الحوار صباح الإثنين الماضي، كان مسلحون، تقول حكومتك أنهم ينتمون للقاعدة، يذبحون مجموعة من الجنود ويأسرون ما لا يقل عن عشرة ضباط كبار وعشرات الجنود، بعد تمكنهم بسهولة من إقتحام قيادة المنطقة العسكرية بمكلا حضرموت. وتقول الخلاصة أنهم نجحوا تماما في السيطرة على مقر القيادة..!

    لا أريد أن أكدر عليك هدوءك، لكن معظم من جمعني بهم مقيل ذلك اليوم، أعتبروا العملية، مهما كانت ملابساتها، عيبا وعارا كبيرا. ليس على قيادة المنطقة والجيش برمته، بل عليك أنت رئيس هذه البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ذلك إنها تكشف تساهلا وضعفا وقيادة مترهلة لا تصلح أن تواصل حكم البلاد بعد هذه الإهانة..!

    قالوا ذلك، بينما كنت أنا في دور المدافع عنك. هكذا وكلت نفسي بدون مقابل. أعترف أني لم أحقق اي تقدم. لذلك أعتذر منك لأني فشلت، وأعتذر لي، كوني نصبت نفسي في قضية فاشلة.  

    وفي الليلة التي سبقت هذه العملية كان رواد الفيس بوك يسخرون من قيادتك للبلاد. على خلفية تمكن مسلحين من اغتيال ضابط في تعز. وإليك جزء يسير جدا من السلسلة: لقد حدث ذلك بعد يوم واحد فقط من اغتيال قائد كتيبة في حضرموت، والذي جاء بدوره بعد يوم واحد ايضا من تمزيق جسد ضابط بعتق- شبوة، بعبوة ناسفة، واختطاف آخر بعدن، والذي جاء هو الآخر بعد يوم واحد فقط من اغتيال ضابط كبير بصنعاء..الخ

    لن أواصل سرد مسلسل النزيف اليومي المرعب هذا، لأن السلسلة تطول ولن تتوقف عند يوم محدد..!!

    وفي الحقيقة تذكرت أني لست معنيا بذلك أكثر منك.

    والواقع أني– من وراء كل ذلك - أردت أن أقول لك: أنني في تلك الليلة، التي سبقت اجتماعك الأخير برئاسة مؤتمر الحوار، كنت أفكر: أنه بات من المحتم عليك أن تعقد اجتماعا على درجة بالغة من الأهمية. لا أدري كيف ومع من؟ لكني أفترضت أنه لا يجب أن يكون أقل من الإجتماع مع اللجنة العسكرية العليا واللجنة الأمنية العليا، وقيادات الإستخبارات العسكرية العليا، ومستشاريك ومساعديك العسكريين..، الخ، لمناقشة التدهور الأمني المريع، والتدابير اللازمة لمواجهة كل ذلك القتل المجاني..

     خلت أن الأمر يحتم عليك أن تشدد عليهم بكل قوة: إما أن يمارسوا عملهم بجدية ويتخذوا إجراءات أمنية حازمة إزاء منفذي تلك العمليات، التي أستنزفت وتستنزف خيرة ضباط قواتنا المسلحة والأمن..، وإما أن تهددهم بالإقالة واستبدالهم بأفضل منهم؛ مع تحذير شديد اللهجة، أن من يثبت تقاعسه أو تهاونه أو تورطه سيحال حتما للمحاكمة.  

    دون أن تنسى - بالطبع - التعريج على ضرورة الضرب بيد من حديد ضد أولئك المخربين الذين أحالوا حياتنا منذ أكثر من أسبوع الى جحيم مظلم..!!

    يجب أن يكون ذلك بشكل جدي، بعيدا عن الخطابات التي تشبعنا منها، دون أن تغني عن خوف أو تسمن من جوع.

    أقسم لك، أني توقعت أن تقوم بذلك، كأقل ما يمكن أن يقوم به رئيس دولة في مثل هذا الظرف المتفلت.

    حتى أنه لم يتسن لي أن أغمض عينا، قبل أن أنتهي - مع طلوع الشمس- من حبك نهاية درامية مناسبة لتوقعاتي المثالية، أو بالأرجح حلم اليقظة هذا، بتخيل ردود الفعل الشعبية المرحبة، الداعمة والمناصرة والمادحة لما قمت به..!! أو ما تخيلت أنا ما كان يتوجب أن تقوم به.

    في النهاية، لقد أفسدت توقعاتي الوطنية تلك، وأحلتها إلى سذاجات ما بعد القات.

    وإذن – بدلا عن ذلك - ما الذي أفضى إليه اجتماعك الأخير مع هيئة رئاسة مؤتمر الحوار؟

    ربما كان أمر كهذا كبير بالنسبة لك، ويسيطر كليا على تفكيرك وأولوياتك.

     لكن بالنسبة لي كمواطن، لست معنيا - على الأقل في هذه اللحظة المقلقة، المظلمة - بما يمكن أن يخرج به مثل هذا الاجتماع السياسي، المتكرر والردئ، من قرارات، أجزم سلفا أنها لا تلامس حياتي اليومية في هذا اللحظة الراهنة..!!

    نعم، هذا ما عنيته: نتائج تلامس ما نعانيه الآن، أي في هذه الأثناء، قبل أن ينطفى جهاز التلفون بعد أربع دقائق وأتوقف عن الكتابة، لأني لن أجد تيارا كهربائيا لإعادة شحنة، إلا بعد مرور ست ساعات في أحسن الأحوال..! ثم إنه لن يعود سوى لساعة واحدة فقط..!

    وبالطبع أيضا، قصدت أن يكون ذلك الآن، في هذه الأثناء، قبل أن تنطفئ روح ضاط آخر بطلقة "ذئب منفرد": أخاله يسخر مني ومنك ومن كل مواطن، بعد كل عملية ينجح في تنفيذها بسهولة، ثم..وبكل بساطة يلوذ بالفرار بدراجته النارية، وهو ينشد أجزاء من مقطوعة حماسية من تلك الأناشيد التي تخصهم. 

    الرئيس هادي، يبدوا أننا سنكفر بمؤتمر الحوار قبل أن نلمس حسناته، في حال ظلت أولوياتك لا تلامس مخاوفنا قبل أحلامنا.. اليوم قبل الغد..!!

    ولقد قلت لك أن قدرتك على قيادة البلاد باتت على المحك. وأنه سيتوجب عليك إعادة النظر في ترتيب أولوياتك.
    ------------------
    نشر المقال في يومية "المصدر"، وأعيد نشرها على موقع الصحيفة "المصدر أونلاين" بتاريخ 2 أكتوبر 2013

    رابط المقال :