الأربعاء، 14 أبريل 2010

الخوض في مسألة “الوقود الأزرق” بين اليمن وقطر



مؤخراً، دشنت اليمن خط الإنتاج الثاني لمشروع الغاز. وبعد يومين منه، غادر الرئيس إلى قطر، استجابة لدعوة من أميرها.. بينما كانت اليمن في الوقت نفسه تشهد حركة دؤوبة عبر مسئوليها المعنيين بالثروة النفطية والغازية.. لكن حين عاد الرئيس توجّه بعد ساعات قليلة إلى حضرموت، ومن هناك تحدث عن "شحة" مواردنا النفطية، والغازية.. هناك عدة تفسيرات وبعض التكهنات حول هذا الأمر.

  في 2 أبريل الجاري، دشن وزير النفط والمعادن أمير العيدروس، الإنتاج التجريبي من خط الانتاج الثاني لمشروع الغاز الطبيعي المسال في بلحاف-محافظة شبوة. ويعد ثاني أكبر مشروع في المنطقة –حسب وصف المسئولين اليمنيين. واعتبره وزير النفط، "أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ اليمن المعاصر.."، حيث بلغت تكلفته الاجمالية 5ر4 مليار دولار".
- وفي 4 أبريل، توجه رئيس الجمهورية إلى دولة قطر (التي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم). وبحسب التصريحات الرسمية، كانت الزيارة تلبية لدعوة الأمير، وتم خلال اللقاء مناقشة مختلف القضايا، وانتهت – ما وصفها الإعلام اليمني بـ"القمة"-  بإذابة الجليد بين البلدين الشقيقيين، بعد أن كان اعتراها [ذلك الجليد البارد] بسبب بعض المواقف خلال العامين الأخيرين.
- وفي اليوم ذاته (4 ابريل)، كان عبد ربه منصور - نائب رئيس الجمهورية- في زيارة لوزارة النفط والمعادن. وقال موقع 26 سبتمبر الحكومي، إن النائب أبدا "ارتياحه للنشاطات الجارية في هذا المجال والتباشير الجديدة بزيادة الإنتاج بكميات تجارية خلال النصف الثاني من هذا العام".
وأضاف الموقع، أنه وخلال الزيارة "أكد وزير النفط والمعادن أن هناك تطورات كبيرة في مجال إنتاج الغاز، وأسواق جديدة تم الاتفاق معها، وإنتاج نفطي جديد سيبدأ قريباً، وبما يعزز من رفد المسار التنموي وفتح مجالات أقتصادية جديدة ستكون جيدة ومثمرة".
وربما ليس من قبيل المصادفة، أنه - وفي اليوم نفسه أيضاً-  كان مجلس الشورى اليمني قد قرر مناقشة موضوع "الغاز" وأهميته في تطوير الاقتصاد اليمني. حيث قدمت اللجنة الاقتصادية بالمجلس تقريرها الخاص بالموضوع للنقاش والإثراء.
وكان نائب وزير النفط والمعادن، أحمد عبد الله دارس، حاضراً، وبحسب وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، فقد أكد  الرجل "حرص الوزارة على تطوير الاستثمارات المستقبلية في مجال الغاز"، لافتاً إلى "وجود مؤشرات إيجابية في بعض القطاعات النفطية بشأن الغاز". وقال إنه "قد تم إدراج الغاز ضمن الاتفاقيات الجديدة التي تبرمها الوزارة مع الشركات النفطية، كما يجري الإعداد والترتيب لإنزال مناقصة لدراسة الاحتياطي النفطي والغازي لكافة القطاعات في الجمهورية اليمنية للقطاعات الاستكشافية والإنتاجية".
وهل من قبيل الصدفة أيضاً، أنه وفي اليوم ذاته، بدأت في العاصمة الاردنية "عمان" اجتماعات اللجنة الفنية اليمنية - الاردنية المشتركة في مجال النفط والغاز والمعادن. وذلك – كما يقول الخبر الرسمي لـ"سبا" – من أجل بحث مجالات التعاون القائم بين البلدين في مجالات النفط والغاز والمعادن،  والاستفادة من فرص الاستثمار في المجالات التعدينية والنفط والغاز، والفرص المتاحةفي هذا المجال.
ماذا أريد أن أقول؟ انتظرو قليلاً..بعد ساعات من زيارته لدولة قطر، عاد رئيس الجمهورية مباشرة إلى محافظة حضرموت (الغنية بالثروة المعدنية)، ليستقر فيها، قرابة أسبوع، حيث لم يعد إلى صنعاء إلا يوم أمس الأثنين.
ومن هناك - وبعد ثلاثة أيام من تصريحات المسئولين المبشرة بالخير– ظهر الرئيس متشائماً. لكنه وبطريقة هادئة، حاول تدارك مسألة إسهاب مسئوليه بالتفاؤل. ليقول لنا إن موارد اليمن "شحيحة"، وإن صادراته من النفط "زهيدة"، بالنسبة لبلد يبلغ تعداد سكانه حوالي 24 مليون نسمة. لكنه حمل الأمر لما وصفها بـ"القوى السياسية"، التي اتهمها بتضخيم تلك الثروة. واعتبر أن ما يقال عن ثروتنا النفطية مجرد"مزاعم".
 وأضاف، في كلمة ألقاها الأربعاء(7 أبريل)، أمام قيادات نسائية في المكلا: "إن إنتاج القطاعات النفطية في اليمن محدود جدا ويبلغ حوالي 270 ألف برميل يوميا". واستدرك قائلاً: "فكم سيكون منها للشركات وكم للاستهلاك المحلي وكم سيتبقى للتصدير؟".
ولم ينسى أن يتطرق لـ"الغاز" أيضاً، في مثل هذه الظروف، مشيراً إلى البدء في تصديره منذ حوالي العام عن طريق ميناء بلحاف في شبوة، لافتاً إلى أن عائدات الغاز من هذه السنة أي السنة الأولى حوالي 229 مليون دولار فقط. وتساءل: إذا كانت قيمة صادرات الغاز تقدر بـ 229مليون دولار، فكم إجمالي الموازنة العامة للدولة ؟
ما وراء الأكمة..
بغض النظر عما إذا كان مقصد الرئيس من تلك التصريحات هو التخفيف من حدة التوتر والاندفاع في بعض المناطق الجنوبية (لما يعتقد أنها تستند في حراكها المتواصل –منذ سنوات– على فكرة أن المناطق الجنوبية هي "الأرض والثروة"، وأن فكرة الانفصال -على ذلك الأساس- تعد مغرية)..
 أم أنه كان يستند إلى حقائق واقعية أوردتها الإحصاءات الدولية قبل الرسمية، عن وضع الثروة النفطية في البلاد، والتي تؤكد أنها باتت تتجه نحو النضوب خلال مدة أقصاها خمسة أعوام من الآن "تقريباً"، وأدناها ثلاثة أعوام فقط (أي ربما في 2013). وبالمناسبة فإن آخر الأحصاءات الرسمية تقدر أن مستوى الإنتاج انخفض إلى ما بين 300 – 320 الف برميل/ يوم.
أم – وبشكل تخميني أيضاً– كانت وجهة الرئيس من خلال تلك التصريحات تستهدف الدول والمنظمات الدولية المانحة التي وعدت بدعم سخي للبلاد، وإن كنا لم نطل منها سوى الاجتماعات المتتالية والوعود (على الأقل حتى الآن).
قد تكون إحدى تلك المقاصد صحيحة أو ربما جميعها بنسب متفاوتة، أو لا شيء منها البتة. إلا أن الأمر الذي أوقفني في تلك التصريحات هو: أن القوى السياسية التي وجه إليها الرئيس تهمة "التضخيم"، لم يتم تحديدها. وبعد البحث والتدقيق، تنامى إلى اعتقادي أنه لم يكن يقصد فيها قوى أحزاب "المعارضة" السلمية. تلك التي لم تصدر عنها دراسات أو تقارير، أو تصريحات تتحدث عن وجود ثروة نفطية هائلة في اليمن. بل على العكس، فقد تمسكت المعارضة بحديث السلطات والمسئولين، والتقارير الدولية التي تؤكد استمرار تدهور الإنتاج النفطي، خلال الفترة الأخيرة، لتجعل منها حجة قوية للحديث عن الأوضاع السيئة التي تتجه إليها البلاد، وضرورة تداركها من خلال إحداث عملية توافق سياسية للإنقاذ.
وبشكل يقيني قطعي، فالتهمة ذاتها لم تكن موجهة نحو المسئولين الحكومين (ألئك الذين أسهبوا قبل أيام بتفائلهم). كونهم بالطبع كانوا يؤدون دوراً وطنياً –كما تقتضيه المسئولية-  في محاولة إحداث نوع من التفاؤل من خلال تصريحاتهم تلك، بهدف طمأنة الشعب: أن اليمن واعدة بالخير والثروات خلال الفترة القادمة. وأن الأزمة التي تمر بها البلاد، ما هي إلا "سحابة صيف". وهو الدور ذاته الذي ظل الرئيس يقوم به على الدوام. حتى بعد العام 2005 الذي كشف في أحد صباحاته السيئة أن النفط اليمني سيبدأ منحنى الهبوط حتى النضوب. وكم تحدث في خطاباته الرئاسية أثناء انتخابات 2006 عن بشائر الخير النفطية التي تكمن في بطن الأرض السعيدة، حتى أنه سمي بـ "بشير الخير"..
في الواقع، لم يعد هناك سوى جهة واحدة، يمكن أن تليق عليها تلك التهمة. إنها القوى السياسية للحراك الجنوبي. منذ زمن ظهرت بعض الكتابات التي رافقت بدايات التململ، لتتحدث عن مخزون النفط والغاز الكبير الذي تقف عليه المحافظات الجنوبية. وذهبت تلك التفسيرات إلى القول أن "الشماليين" –وهذا وصف غير حضاري ونرفضه بشكل قاطع– ينهبون ثرواتهم من باطن أرضهم! لقد قدم مثل هؤلاء ضمن تلك الدراسات تفاصيل وأرقام للمساحات والآبار، وحجم تلك الثروة، وربطت الأمر بعدد السكان القليل والمساحة الجغرافية الشاسعة … الخ. وهو –ربما- ما حدا برئيسنا لتحمل عناء التوضيح للجميع ويتكفل بدحض تلك "الشائعات"..!! وإن كان لم يكن بحاجة إليها في مثل هذا الوقت العصيب. لكنه قد فعل.
ماذا بشأن الخلافات اليمنية-القطرية؟
تلك كانت مجرد تفسيرات قابلة للأخذ والرد، وحتى الإضافة لمن يريد. لكن، هل يمكن تصور الأمر على نحو آخر؟ مثلاً: كأن نتحرر من أسار المحلية وننطلق للمحيط الأقليمي، ونربط الأمر بسفرية الرئيس إلى دولة قطر، ومن ثم عودته إلى حضرموت، وإطلاقه تلك التصريحات..!
كيف؟ في الحقيقة لقد قام البعض بتلك العملية. من جمع للمؤشرات والدلائل الداعمة لإثبات وجود تلك العلاقة. ومنها أن تسألوا: لماذا جاءت تلك الدعوة القطرية بعد يومين من تدشين خط الإنتاج الثاني لمشروع الغاز الطبيعي المسال؟ خصوصاً وأن هناك معلومات متداولة –أغلب الظن أنها مجرد تخمينات-  أن "قطر"، وهي أكبر دولة مصدرة للغاز، لم يرقها أن تقوم اليمن ببيع الغاز بأسعار متدنية "جداً"، معتقدة أن مثل هذا الأمر من شأنه أن يسحب عملاءها الرئيسيين، أو كما يقال: من شأنه إحداث هزة في سوق الغاز، حيث تعتمد تلك الدولة عليه بشكل شبه رئيسي في كل شيء حتى في منحها مكانة دولية مرموقة.
إن بدأنا في مثل ذلك –وهو أمر في نظري قد يكون مجافياً للصواب لعدة أسباب سنوردها لاحقاً- فعلينا مسايرة هؤلاء في تسويغاتهم على النحو التالي: أن ترافق زيارة الرئيس إلى قطر مع تكثيف المسئولين اليمنيين لزياراتهم النفطية والغازية، وإدلائهم بتصريحات حول الغاز –بشكل خاص– قد يكون أمراً مرتباً، وهو ما يعد مؤشراً لتعزيز تلك التفسيرات كما يؤمن البعض.
إذ ليس من قبيل الصدفة، أيضاً، أن يناقش مجلس الشورى تقريراً خاصاً بتطور قطاع الغاز، ولا أن يقرر نائب رئيس الجمهورية زيارة وزارة النفط، في اليوم ذاته الذي حملت فيه الطائرة الرئاسية رئيسنا إلى أكبر دولة مصدرة للغاز(منذ العام الماضي أصبحت قطر هي الأولى عالميا)! وعليه، فإن تصريحات نائب الرئيس اليمني، ووزير النفط، ونائبه، حول المستقبل الواعد والمبشر بالغاز والنفط، يمكن القول أنها أعدت لهذا الغرض. يعتقد البعض ذلك.
بل ويحب هؤلاء ربط الأمور والتحركات، وتفسيرها بشكل تشكيكي بتصريحات وزير النفط اليمني التي أدلى بها أثناء المؤتمر الصحفي عقب تدشين خط الانتاج الثاني (2 أبريل) (التي قال فيها: "إن مستقبل اليمن في مجال الغاز واعد، طبقا للدراسات والمؤشرات الجديدة، والاستكشافات ‏بوجود كميات من الغاز في عدد من الحقول". وكذا حديثه عن أن "الوزارة عملت على إضافة استكشاف الغاز ضمن اتفاقيات المشاركة في الانتاج، الخاصة باستكشاف النفط ‏السابقة" كما، وتأكيده بأن اليمن أبرمت"سبع اتفاقيات في العام الماضي تضمنت جميعها استكشاف الغاز الى جانب النفط"، بل وإشارته الى أن "الوزارة تعمل على استقطاب مستثمرين وشركاء لاستغلال الاكتشافات الغازية الجديدة" ، واالتأكيد – كذلك – "أن هناك اقبالا كبيراً من قبل الشركات لاستغلال ‏الكميات المكتشفة". وأخيراً ما كشفه من أنه "سيتم دخول عدد من القطاعات النفطية من خلال التفاوض والتنافس المحدود مع شركات عالمية ‏سيعلن عنها قريبا".
إن كل ذلك، كان من شأنه أن يدخل القلق إلى دولة "قطر". هذا ما يعتقده البعض. مما حدا بأميرها إلى دعوة رئيس الجمهورية اليمنية على وجه السرعة. ليس لشيء، سوى لإسدائه النصح، الذي –غالباً– ما يعتقد أنه سيترافق مع عقد صفقة غير مباشرة من شأنها أن تزيل الجليد حول القضايا الخلافية السابقة.
ويتساءلون: وإلا لماذا عاد الرئيس مباشرة إلى حضرموت وقال إن ثروة بلادنا النفطية "شحيحة" بعد تصريحات مسئولية بالعكس..! هل نجح الأمر لكلا الطرفان، وحقق كل منهما ما أراده، وأبرمت الصفقة؟
أم أن الأمر برمته مجرد تفسيرات وتهويمات جوفاء، لا يقوم بها سوى المصابين بداء التشكيك، أولئك الذين يفسرون كل حركة أو سكنه على أنها لا تخلو من هدف ما؟ قد أميل كثيراً لاعتباره كذلك. وإن كنت لا أستطيع تأكيده إلا عبر إيراد سبب وحيد هو: أن قطر أعلنت منذ فترة أنها باعت كميات الغاز التي لديها وما ستنتجه لاحقاً، وبعقود بعضها طويلة الأمد.
فقبل أسابيع من هذا كله (وتحديداً يوم الاثنين، الموافق 22/3/2010 )، قالت قطر إنها تنتج حاليا 62 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، وإن الإنتاج سيزيد إلى 77 مليون طن بدءا من أكتوبر/تشرين الأول القادم. حسب ما نشره موقع الجزيرة نت في يومه.
ليس ما سبق هو التفسير الذي يعزز ما قلت أني أميل إليه، بل تلك كانت المقدمة. وإليكم المعنى. أضاف الخبر: "وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة والصناعة القطري عبد الله بن حمد العطية، أثناء زيارة للهند، إن السبعة والسبعين مليون طن بيعت بأكملها بالفعل بموجب عقود طويلة الأمد، لكن يمكن تحويل وجهتها إذا عرض مشتر جديد سعرا أعلى".
وأضاف: "لدينا بعض الشحنات المشروطة المتاحة من الولايات المتحدة وأوروبا، نأمل أن نجلبها إلى الهند إذا كان السعر مناسبا".
هل هذا يكفي لإنهاء الخوض في هذه المسألة، أم أن ما قمت به يزيد من تعقيدها؟ علي هنا أن أتوقف وأترك الإجابة لمن يريد أن يفكر.
أرقام وفوارق فلكية بين غاز اليمن وقطر
أعتقد أنه من غير اللائق أن يكتب شخص كلاما كثيراً حول قضية ما ليوصل قارئيه لى نقطة معقدة ثم يقول لهم: دعونا من كل هذا..! لم أرد أن أكون ذلك الشخص، لكن عليا الأن أن أقول لكم: دعونا ننتقل إلى تفاصيل أخرى، بعيدة عن التكهنات.
المعروف أن بلادنا لم تستفد كثيراً من الغاز الذي اكتشفته منذ العام 1986 حين بدأت بإنتاج وتصديرأول شحنة نفط. كون معظم آبار النفط يأتي الغاز مصاحباً لها. وقد أكد الرئيس في كلمة لاحقة –قبل ثلاثة أيام تقريباً، وفي حضرموت أيضاً– بقوله إن بلادنا كانت تحرق الغاز المصاحب للنفط، لكننا أصبحنا اليوم نستغله لإنتاج الطاقة الكهربائية.
والمؤسف، أن الشركة التي حصلت على عقد امتياز إنتاجه، ظلت على مدى سنوات طويلة تسوف الأمر من عام إلى آخر، حسبما يقال. ويقال أيضاً أن ذلك التسويف كان بسبب تدني أسعار الغاز مقارنة بما يمكن أن تجنيه من إنتاج النفط. وأنه حين بدأت أسعار الغاز ترتفع خلال الفترة الأخيرة، فقط، قررت الشركة استغلاله وتصديره. وأرجعت بعض المصادر الرسمية السبب الرئيسي: لعدم الجدوى الاقتصادية، وصعوبة العمل على إيصال الغاز إلى الأماكن المناسبة للتصدير، وكبر تلكفة تلك العملية.
لكن المؤسف أكثر، أننا حين قررنا ذلك، أو بالاحرى قررت الشركة، واستطعنا تجاوز العقبات، بعناه بأسعار "زهيدة" جداً، يقال أنها تقل عن السعر الحقيقي بنسبة تصل إلى 50%. ولمدة 25 عاماً..! وحول هذا الموضوع حدثت هزة داخلية كبيرة، لانعرف لماذا انتهت بصمت مريع.
وبحسب الخبراء –ضمن تقارير دولية- فإن اليمن لا يمكنها أن تعوض التدني الحاصل في المخزون النفطي، من خلال إنتاج وتصدير الغاز، بهدف إحداث التوازن المطلوب لمعالجة الاختلال الحاصل في الميزانية والذي أحدثه تدني إنتاجية النفط خلال الأعوام الأخيرة (كان خبراء يحذرون من أن العمل على إنتاج الغاز بكميات تجارية وبيعها، سيؤدي حتماً على خفض معدلات إنتاج النفط).
ويقدر احتياطي الغاز في مأرب المخصص للمشروع 9.2 تريليون قدم مكعب من الكميات المؤكدة. خصص منها ‏تريليون قدم مكعب للسوق المحلية لانتاج الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى 0,7 تريليون قدم مكعب، كميات إضافية ‏محتملة .
ومن باب المقارنة فقط: يبلغ الاحتياطي المثبت والقابل للاستخراج لحقل الشمال في دولة قطر حوالي 900 تريليون قدم مكعب. وإضافة إلى الحقول البحرية، فإن لدى قطر احتياطاً وفيراً في حقولها البرية، حيث يقدر مخزونها بنحو 8 تريليونات قدم مكعبة. ويتيح هذا الاحتياط الضخم لدولة قطر أن تبقى منتجاً عالمياً للغاز بمعدل 11 مليار قدم مكعبة يومياً، أو ما يعادل 70 مليون طن سنوياً من الغاز المسال، ولمدة زمنية تصل إلى 260 عاماً.
وكان مدير عام الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال فرانسوا رافان، أوضح أن عملية الانتاج –بعد دخول خط الانتاج الثاني- ستبدأ بطريقة ‏تصاعدية الى أن يصل الانتاج الكلي الى 6.7 مليون طن متري سنويا. وهنا علينا أن نلاحظ الفرق مع دولة قطر التي سيصل إنتاجها إلى 77 مليون طن سنوياً، بدءاً من أكتوبر القادم.
لكن ومع ذلك، باعت اليمن كل مليون وحدة حرارية بـسعر (3.2 دولار) لمدة 25 عاماً، بينما أكد مسئول قطري –في وقت سابق- أن أسعار بيع الغاز القطري خلال العام 2008 بلغت 16 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية. إذا كنت تمتلك آلة حاسبة فحاول الوصول إلى الفرق بنفسك.
في نهاية المطاف، فإنّ مشروع الغاز هذا، قيل أنه سيدر على بلادنا ما بين 30 و40 مليار دولار خلال 25 ‏سنة بحسب تصريحات رافان (بالمناسبة يعني ذلك – وبحسبة بسيطة - أن بلادنا ستحصل على مليار وستمائة مليون دولار سنوياً. وهو ما يضعني في حيرة حول الرقم الذي تحدث به الرئيس في خطابه بحضرموت حين أورد الرقم (229 مليون دولار للعام الماضي) وهو مبلغ أقل بستة اضعاف تقريباً ما قاله رافان .
بينما يمكن التأكيد - واستناداً إلى جهاز الاحصاء القطري- أن نصيب الغاز خلال العام (2008) بلغ 112 ملياراً و612 مليون ريال قطري. إذا شأتم تحويل المبلغ إلى الدولار فافعلوا، لكن يجب عليكم التنبه أن ذلك المبلغ هو –فقط– لعام واحد.
خاتمة قطرية بامتياز
في مقابلته مع صحيفة الوطن السعودية على هامش لقائه بقناة العربية الشهر الماضي،  اعتبر الرئيس علي عبدالله صالح، أن انشغال الشعب اليمني بالسياسة هو بسبب عدم وجود المال لديه. وحين سأل: من أين يأتي المال؟ أجاب: "الله سبحانه وتعالى. شوف قطر وما لديها الآن، قبل عشرين سنة أنا أجرت لهم طائرتين من الأسطول اليمني، الآن الله فتح على قطر..".
ومن قطر –قبل أيام– عاد الرئيس إلى حضرموت. ومن هناك، أكد أن الثروة النفطية اليمنية "شحيحة"، متهماً بعض القوى السياسية بتضخيم تلك الثروة. فيما كانت ورقة يمنية صدرت باسم "الورقة القطرية -بضم القاف- للجمهورية اليمنية" حول النفط والغاز والطاقة حتى نهاية العام 2005، تؤكد أن اليمن لم تستخرج ثرواتها النفطية سوى من حوضين من بين سبعة أحواض رسوبية. وأضافت الورقة مستدركة بالقول:"وتعتبر الأحواض الأخرى واعدة بدليل وجود مؤشرات وظواهر هيدروكربونية متعددة تم التأكد منها من خلال ‏أعمال الحفر الاستكشافي" .
بالنسبة لدولة قطر التي تمتلك كل تلك الأموال، فتؤكد المعلومات أنها سعت بشكل حثيث لاستكشاف النفط في البحر، منذ الستينات، لكن وبعد كل تلك السنوات فإن إنتاجها منه لم يتجاوز أكثر من 850 الف برميل يومياً.
لكن، وبفضل توجيهات أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، نحو الاستغلال الأمثل لثروات البلاد الطبيعية، بذل المسئولون وفريق العمل في "قطر للبترول" الجهود المتواصلة التي مكنتهم من الوصول إلى المستوى المتقدم عالميا من خلال الإنجازات الهائلة في صناعات الغازالمسال ومختلف الصناعات البترولية الأخرى المرتبطة بها.
حيث بدأت منذ عقد التسعينات بعمليات كبيرة لتأهيل البنية التحتية لإنتاج الغاز وسط تخوف كبير من عدم جدواه، قياسا بتكاليفه الباهضة، ورخص أسعاره، إلا أنها لم تيأس وواصلت الاستكشافات والبناء. وخلال السنوات القليلة الماضية (التسعينات) تزايد الطلب على الغاز، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعاره، لتجني المحصول من استثماره بشكل صحيح، حتى أصبحت اليوم أكبر دولة مصدرة للغاز بعد أن كانت في المرتبة الثالثة بعد روسيا وطهران قبل عامين فقط.
وفي الحقيقة، لا يمكن إهمال مقولة الرئيس اليمني أن الله فتح عليها. والمعنى الجوهري لتلك المقولة هو: أن ننتظر حتى يفتح الله علينا نحن أيضاً. إلا أن هناك أمراً آخر يجب توضحيه حتى تكتمل الأسباب الحقيقية لما آلت إليه دولة قطر.
فإلى جانب الثروة الغازية الضخمة التي عملت على استكشافها بجهد ومثابرة، امتلكت قطر استراتيجية عمل ناجحة، جعلتها في مقدمة الدول الغنية. وهنا يروقني الاستشهاد بما كتبه البروفسيور سيف العسلي –أستاذ الاقتصاد، ووزير المالية السابق– قبل عامين (تقريباً)، إذ كان قد دعا -في سياق مقالته تلك- المسئولين اليمنيين إلى الاحتذاء بدولة قطر في تعاملها مع مسألة الغاز. حيث أوضح أن تلك الدولة الخليجية الصغيرة امتلكت استراتيجية ممتازة في إنتاج وبيع الغاز. فهي لم تقم بمشاركة شركات الإنتاج وفق نسب ضئيلة، لكنها عمدت إلى امتلاك غازها من خلال الاقتراض البنكي لمبالغ طائلة من أجل استكشافه وإنتاجه وبناء البنى التحتية المكلفة لتلك العملية، لتمتلك ثروتها وبيعها بالأسعار التي تتناسب مع ما تريده هي. ومن ثم -وبعد سنوات قليلة فقط- قضت ديونها. وكما أشرنا سابقاً، تمتلك دولة قطر شركتين لإنتاج الغاز المسال هما: "قطر للغاز" و"رأس غاز"، وتملك شركة قطر للبترول حصة أغلبية في كل منهما.
وبحسب تصريحات مسئولين قطريين معنيين بالأمر، فإن قطر تنتهج طريقتين لبيع الغاز، الأولى عن طريق العقود طويلة الأجل، والتي تبلغ 25 عاماً، مع ملاحظة أن هذه العقود تتمتع بالمرونة، أما الطريقة الثانية فتكون من خلال العرض والطلب وتختلف الأسعار بموجبها من سوق إلى آخر.

الأربعاء، 7 أبريل 2010

جرعة ولاء وطني لإعادة “اليمن إلى قلوبنا”..



 

ما فشل النظام في تعزيزه عملياً على أرض الواقع، ذهب البعض يتسابق على القيام به على الورق والفضائيات، وفي مجموعة من الرقصات والأهازيج، فيما تكفل به آخرون بكتابات تبحث في النتائج وتتجاهل الأسباب..
 
أيها السادة في الأعلى.. من عندكم نبدأ
 - عبد الحكيم هلال
فخامة الرئيس/ علي عبد الله صالح، الزميل/ عبده بورجي، العميد الركن/ طارق محمد عبد الله صالح، دولة رئيس الوزراء، العزيز/ عارف الزوكا.. المحترمون جميعاً
  • هذا لكم
ها نحن نتابعكم بوطنية عالية، وقد حملتم على عاتقكم حملة متعددة الأوجه بهدف إعادة "اليمن إلى قلوبنا". وها نحن –وبحمد الله تعالى، وبفضل جهودكم المتفانية والمخلصة (نحسبها كذلك)– قد بتنا ننام ونصحو على وقع الشعار الجديد: "اليمن في قلوبنا" الذي تبنته "الهيئة الوطنية للتوعية"، بعد أن دشنت أعمالها منتصف يناير الماضي، بقيادة طارق ابن شقيق الرئيس. (تابعتُ كافة الأخبار التي نشرت نبأ إعلان وتدشين الهيئة الجديدة، فوجدتها تصف "طارق" بالأستاذ، بدلاً عن العميد).
في التلفزيون اليمني بقنواته المستحدثة، كما في الأماكن البارزة من شوارع العاصمة، يقتحم الشعار -وبشكل لافت– حياتنا. وبالشكل ذاته، بتنا نتابع الاستثنائية التي تكفل بها الزميل عبده بورجي –السكرتير الإعلامي للرئيس- من خلال كتاباته الأخيرة التي تدعم وتحفز ولاءنا الوطني. بدءاً من استهجانه لجلد اليمنيين ذواتهم، أثناء مشاهدتهم منتخب البلاد وهو يحقق انتصاراته على خصومه..إلى تساؤله اللاحق: من أين نبدأ؟
دولة رئيس الوزراء (الذي دشن افتتاح أعمال هيئة التوعية بخطاب مفعم بالوطنية حول ضرورة تعزيز قيم الولاء الوطني) هو الآخر، يقوم بواجبه على أكمل وجه. ومنتصف هذا الشهر، قام دولته بافتتاح ورشة "إشهار نتائج الدراسة الوطنية لقيمة الولاء الوطني في المناهج الدراسية والتطوير المقترح لتعزيزها". ولتعزيزها، أصدر توجيهاته إلى وزارة التربية والتعليم بإضافة مقرر التربية الوطنية إلى منهج المرحلة الثانوية. كما لا يمكننا أن ننسى الدور التوعوي الذي يقوم به وزير الإعلام، ذلك حين ألقى –قبل أيام- محاضرة لطلبة الإعلام بجامعة صنعاء تحثهم على الولاء وتستنهض هممهم في حب الوطن.
وهناك أيضاً، تلك الحملة المرافقة لتعميق الولاء الوطني في نفوس طلاب المدارس، والتي ألقت مسئوليتها على عاتق إحدى المؤسسات "المستحدثة" لهذا الغرض، وتدعى "مؤسسة وطن لتعميق الولاء الوطني"، والتي كشف مسئولها –في تصريحات صحفية- أنها تنوي إطلاق حملة وطنية توعوية تستهدف فيها جميع المدارس الحكومية والخاصة في كل من أمانة العاصمة وحضرموت.
وفي سياق تعزيز قيمة الولاء ذاته، أجرت منظمة مستحدثة –أيضاً– تسمى: منظمة"اليمن أولاً"، سلسلة من اللقاءات والحوارات مع عدد من النخب والفعاليات الثقافية والمهنية. وفي إحدى المجلات "الحديثة"، كتب الزميل "عبده بورجي" مقالاً حول بعض النتائج التي خلص إليها أحد تلك اللقاءات ووصفها بـ"الهامة"، مع عدد من القيادات التربوية والنقابية، وخبراء في إعداد المناهج التعليمية، وكان محور النقاش هو: كيف يمكن أن تتضافر الجهود من أجل بناء جيل وطني محصن بقيم الولاء والانتماء والحب للوطن.. ومن أين نبدأ؟
وفيما استعرض الرجل النتيجة التي "كانت (مفزعة) ومثيرة لكثير من دواعي القلق وعدم الاطمئنان" حسب تعبيره، فيما يتعلق بتزوير أجزاء من التاريخ اليمني، وبعض النصوص الشعرية في مناهج التربية والتعليم، فقد خلص في نهاية مقالته إلى النتيجة الاستفسارية التوجيهية التالية: "إذاً.. بعد كل ذلك، ألا ترون معي بأننا جميعاً بحاجة فعلاً إلى وقفة موضوعية جادة مع النفس والضمير لندرك من أين نبدأ؟ وكيف نحصن أولادنا وبناتنا..ونصون وطننا ونحبه لنحافظ على وجودنا ومستقبل أجيالنا!"
السادة المحترمون: أستطيع أن أقول –وبكل وطنية- إنكم تقومون بجهد مشكور "في سبيل الحفاظ على الهوية، والحفاظ على الانتماء الوطني، والحفاظ على مكتسبات الثورة، والعمل لما فيه تأصيل روح الولاء الوطني..". وهذه العبارة بين المزدوجين جاءت على لسان المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للتوعية، الأخ عارف الزوكا، أثناء استعراضه لأهداف الهيئة، في مقابلة مع صحيفة 22 مايو، أواخر الشهر الماضي.
بالمناسبة.. أكد لي أحد الزملاء أن الهيئة الوطنية للتوعية مازالت غائبة في أهم المناطق التي تأتي منها مشكلة الجنوب، فيما يلاحظ أنها كثفت من تواجدها وأعمالها التوعوية في شوارع صنعاء، وبعض المناطق اليمنية الأخرى التي لم تهب منها رياح السخط والتذمر العاتية بعد.
·        وهذا عليكم
ومع أني ما زلت أحاول المحافظة على قناعتي بأن مسألة تعزيز قيم الولاء أمر مهم للغاية، إلا أن ذلك لا يمنعني –كما هو حال كثير من المواطنين- أن أتساءل: ألا يبدو الأمر ملفتاً بشكل ما؟
إعداد برنامج توعوي يشمل جرعة علاجية مكثفة انطلقت منذ بضعة أشهر، تهدف إلى تحصين الجيل "المتكدر" بمآسٍ مثخنة تكالبت عليه منذ عقدين، وفيما يبدو أنها تحولت إلى ما يشبه البرنامج اليومي..!
منذ عقدين، بدأ هذا الجيل الجديد حياته مع قيام الوحدة اليمنية. وبعد ثلاث سنوات من عمره، واجه حرباً ضد الانفصال، ليترعرع بعد ذلك –وحتى نهاية عقده الأول- مع أزمات سياسية واقتصادية متراكمة. ثم مع الثلاث السنوات الأولى من عقده الثاني، صدمته حرب أخرى في صعدة، ضد من وصفوا بـ"المتمردين" الذين يريدون العودة بالوطن إلى عهد التخلف. لقد عاش تلك الحرب منذ بداية سن المراهقة الأولى، وحتى بلوغه سن الرشد، ليشهد -بالتزامن معها- انفجار الأوضاع في المناطق الجنوبية. مما تحتم عليه أن يستغرق رحيق شبابه في تفاصيل تلك الحروب والمواجهات المتصاعدة. وهاهو اليوم، ومع دخوله العام الأخير من عقده الثاني، مازال يعيش تلك الصدمات والمآسي، مع ما يعتريه من قلق بالغ لما تشهده البلاد (التي ظل يشعر أنه مازال خارج معادلتها) من تدهور في كافة الجوانب، حتى بلغ مرحلة الإعلان التنازلي لنضوب أهم ثروة وهي النفط، الأمر الذي بدء يؤثر -وبشكل واضح- على الاقتصاد الكلي، ومعه بدأ يترقب بقلق كبير العد التنازلي لانهيار اقتصادي مريع. وقد زاد من تعزيز تلك الحياة القلقة والقاسية، بروز تنظيم جهادي إرهابي، قرر –على حين اعتلال قوة السلطة المركزية- أن يجعل من "وطنه" الحبيب مقراً لعملياته، ومستقراً لإقامة دولته الخاصة..!!
آلآن، وبعد ذلك كله، بدأتم بالتساؤل الكبير: من أين نبدأ؟ حسناً. لنقل إنكم، وخلال أكثر من ثلاثة عقود على اعتلائكم كرسي المسئولية، والعقدين الأخيرين منذ إعلان اليمن الجديد، لم تكونوا قد بدأتم بعد..! فهل ما تقومون به اليوم، هو ما تعتقدون أنه الحل الحقيقي لإنقاذ تعاسة وإحباط الجيل العشريني، والأجيال الأخرى اللاحقة، التي ما زالت في عمر الابتدائية والمتوسطة، أم أنها محاولة لإنقاذ أنفسكم منهم؟
لقد اعتقدتم أن الحل يكمن في تكثيف جرعة الولاء الوطني تلك.. فهل تبدو تلك الأجيال المراهقة والشابة فاقدة أو ضعيفة الولاء؟ بينما أنكم تقومون بمسئوليتكم على أكمل وجه..! إن مثل هذا الاعتقاد، يحمل في طياته هروباً يتم تسويغه وفق مقتضيات تبريرية. كالقول: إن كافة تلك المشاكل التي تمر بها البلاد تكمن في ضعف ولاء الشاب اليمني، وإن الحل السحري يكمن في عدة أهازيج وطنية تسوقها الوسائل الإعلامية، بينها أربع قنوات فضائية حكومية، وقناة خاصة "مستحدثة"..! أو من خلال تلك العبارات الوطنية التي تقتحم حياته كل يوم، مستحثة فيه حب الوطن، أو سلسلة المقالات التوجيهية تلك، التي تكفّل بها بعض من يفضلون قضاء إجازاتهم الصيفية في أرقى المصايف العالمية..!
نعم لقد أدركتم أن هناك مشكلة، وهذا أمر جيد. لماذا يجب علينا إغفال المسببات، فيما نفضل أن نبحث في النتائج الظاهرية المؤلمة، ثم نتساءل: لماذا يهاجم شاب منتخبه الوطني، وهو في قمة النصر لا الهزيمة؟ ولماذا عليه أن يظل محافظاً على اعتقاده السائد: أن منتخبه لا يجيد اللعب، بل لا يمكنه أن يجيده على الإطلاق، فيما أنه يشاهده –بأم عينيه– وهو ينجز الهدف تلو الآخر في مرمى الخصم..! ويزداد التساؤل حين يتم مقارنته بشاب آخر من دولة أخرى يذرف الدمع بألم وهو يشاهد منتخبه عاجزاً عن تحقيق النصر. وبات عليه كضرورة وطنية أن يصرخ ويتهم الحكم بالظلم، عملاً بما يحتم عليه ولاؤه.
قد يكون صحيحاً أن نحكم على الأول أنه "ضعيف الولاء"، فيما الآخر أخذ جرعته الكافية منه. لكن، أليس من العدالة النظر إلى الأمر من زاويته الطبيعية. كأن نرجع الأمر للعادة أو الحقائق التي نشأ عليها؟ أليس علينا أن ننظر أولاً إلى الحقيقة التي تؤكد أن عادة منتخبنا الوطني الغالبة هي حصد نتائج سلبية. وأن تلك الحقيقة التي نشأ عليها منذ طفولته، هي التي أفضت إلى تلك الحالة السلبية لدى بعض الشباب المتذمر من كل شيء.
وتماشياً مع هذا المثل الذي ساقه زميلنا "بورجي" في إحدى مقالاته، حول جلد الذات اليمنية، وضرورة الخروج منها بتغذية الولاء وحب الوطن والاعتزاز والفخر به، كان يجب علينا أن نستطرد قليلاً في الأمر. وعلى هذا النحو نتساءل: هل يمكن (مع مثل هذا الشاب وجيله، من الذين نشأوا على تلك الحالة السلبية، وعاشوا معظم حياتهم عليها) أن تغنينا مجموعة شعارات يرفعها الإعلام، لإثنائهم عن تذمرهم، وغرس حب المنتخب؟ لكن ماذا لو أن منتخبنا الوطني تم تأسيسه وفق القواعد الرياضية المتعارف عليها –كما هو الحال عند معظم المنتخبات الوطنية الناجحة في العالم- ووجد دعماً حقيقياً، لتقوى شكيمته ويشتد ساعده، وبدأ بتحقيق النجاحات العظيمة بشكل شبه دائم، وأصبحت تلك عادته الغالبة..! من الطبيعي القول إن الجيل الذي سينشأ مع تلك النجاحات لابد وأن يمنحه حبه وولاءه بشكل طوعي، لا قسري.
·        إن الأمر يتعلق بالنظر من حولك
تلك حقيقة واضحة يتم تجاهلها. وعلينا أن نقيس عليها سلوك الأشخاص فيما يتعلق ببقية الجوانب الأخرى، وعلى رأسها مسألة الولاء وحب الوطن. وليس على أصحاب القرار أن يعتقدوا أن تلك المشاكل التي تمر بها البلاد، والتعامل معها بإحباط، وسلبية، تتعلق بمسألة ضعف الولاء ولا حب الوطن. إن الأمر يجب أن يتعلق بالنظر من حولك..! انظر حال الشباب أولاً. وعليك التمعن في تلك الصفوف المتزايدة على أبواب السفارات. لماذا يرغب معظم الشباب في مغادرة البلاد للبحث عن فرص حياة أخرى في دول الجوار؟ ولماذا أصبح الحلم الكبير لدى الغالبية العظمى هو الهجرة الخارجية؟
وحتى يدرك من نذروا أنفسهم لإعادة "اليمن إلى قلوبنا"، العاملين على مسألة تعزيز الولاء الوطني ونبذ فكرة جلد الذات. عليهم أن يعرفوا أكثر –إن كانوا لا يعرفون ذلك– بالنزول إلى الشارع. ما الذي سيجدونه هناك؟  إن من تفرض عليهم "الجرعة" العلاجية في الولاء الوطني، قسراً، معظمهم ربما قد أصيبوا بمناعة انعكست سلباً على الهدف منها. فكم من هؤلاء حينما يقرأ بعض تلك العبارات، يعلق عليها بتذمر، وإحباط..
لقد تفاجأ سكرتير الرئيس الإعلامي مما نقله إليه شخص آخر من وصف لجلد بعض الشباب لذواتهم وسلبيتهم مع ما يحققه المنتخب من أهداف في مرمى الخصم. وهذه الحقيقية التي نعايشها نحن، لا يمكن أن يتصورها مسئول يعيش بعيداً عن الشارع، ولا يدرك ما يعتمل فيه. ولو ناقشت شاباً متذمراً وسألته لماذا؟ لوجدته يسوق إليك من المبررات ما تشبعك، وتفرض عليك الانصراف دون أن تكون قادراً على مجادلته.
وللمزيد: لقد بات بعض الشباب "المحطم"، من الذين لم ينعموا بخيرات هذا الوطن، يعتقدون أن بعض هؤلاء المسئولين عن جرعة الولاء وحب الوطن، إنما يسعون جاهدين للحفاظ على الوطن الخاص بهم، وليس الوطن الذي يجب أن يكون للجميع..!!
ولقد بات معلوماً لدى الكثير –على سبيل المثال لا الكراهية أو الحسد- أن أحد الوطنيين ممن ينادون بتعزيز ثقافة الولاء وحب الوطن، يمتلك شركات ومؤسسات إعلامية كبيرة وعديدة، ويشارك في استثمارات تجارية أخرى على طول البلد وعرضها..! ولذلك فإن مثله حين يتحدث عن ضرورة العمل على صيانة "وطننا، ونحبه لنحافظ على وجودنا ومستقبل أجيالنا" تنعكس تلك الفكرة سلباً على البعض ليعتقد أن الرجل إنما يتحدث عن الوطن الخاص به، وعن كيفية المحافظة على وجوده هو على تلك الشاكلة.
·        لا يتعلق الأمر بكراهية الوطن.. (نسبية الولاء)
إن الولاء في جوهره، ليس سلعة للبيع والشراء، أو فكرة يمكن ترويجها –على أهمية هذا الأم- عبر كثرة الطرق والتكرار المتواصل على الوسائل الإعلامية المختلفة فقط، بقدر ما هو قيمة تفرض حضورها من معايشة الحقائق التي ننشأ عليها سلباً أو إيجاباً. كما إن الحب يفرض حضوره من العلاقة التبادلية المشبعة بالحميمية التي تعيشها أرواحنا مع الطرف الآخر. وكم من المواطنيين تعلقوا بحب الأوطان التي وجدوا فيها كرامتهم، خارج أوطانهم التي ولدوا فيها. وتسألهم: لماذا لا تعودون؟ فتأتيك القسوة والجلد من إجاباتهم.
إن الولاء للوطن الذي يعني أساساً مبادلته الحب ومنحه أغلى ما نملك، يصعب تعزيزه بعيداً عن معادلة تبادل المصلحة. ولذلك، كان لابد على من وجدوا مصالحهم أن يقوموا بما يقومون به على تلك الشاكلة، بل وأكثر مما استطاعوا القيام به حتى الآن، بينما من الطبيعي أن نجد من فقدوا مصالحهم أن يتحولوا من مدافعين إلى مناهضين. ولطالما وجدنا المسئولين -وعلى رأسهم رئيس الجمهورية- يصفون من يقودون الاحتجاجات في المناطق الجنوبية، أنهم ليسوا سوى "مجموعة أشخاص فقدوا مصالحهم".
قد لا يتعلق الأمر بكراهية الوطن، بل ربما بكراهية الأشخاص الذين يديرونه. ومسألة الولاء الوطني يفترض النظر إليها بنسبية. فما قد يعتقده المسئول –الذي وجد مصالحه- في هذا الاتجاه، قد يختلف عما يؤمن به المعارض السياسي، أو المواطن المعذب، وفقاً لفكرة البحث عن مصالحه. 
·        الرئيس وجلد الذات اليمنية
هناك مسألة أخرى يمكن أن تدخل في السياق ذاته. يرى بعض المسئولين المنغمسين بالنعمة أن من واجب كل مواطن ينتمي لوطنه أن يدافع عنه ويعتز به، مهما كانت المساوئ التي يواجهها. وهو أمر وإن كان على قدر من الصحة والمثالية، بالنظر إليه من أعلى دائماً، إلا أنه قد يفقد صوابيته حينما ينظر إليه من الأسفل دائماً.
وإذا ما تخلينا لبعض الوقت عن حقيقة ارتباط نتيجة ذلك بمسألة الحقوق والواجبات التي نص عليها الدستور، وقررنا الحديث فيه من زاوية أخرى تتعلق بممارسة المسئولين لمسئوليتهم في هذا الاتجاه. فإن المسئول الذي يطالب بالولاء وحب الوطن، بهدف الوصول إلى تجسيد فكرة الاعتزاز بالوطن تحت أي ظرف كان، في الوقت الذي يمارس فيه سياسات تؤدي بمجملها إلى تمريغ كرامة هذا الوطن أمام الآخرين، وبالتالي إذلال مواطنيه، بداية، لينتهي بعد ذلك بالنظر إليهم بدونية واستكبار..فإن هذا المسئول يكون هو المتسبب الأول في تلك النتيجة التي وصل إليها حال المواطن من قسوة وجلد لذاته الوطنية.
في المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس قبل أيام، اعتبر الرئيس أن ما يحدث في البلاد، من ميل الشباب اليمني للاهتمام بالسياسة أكثر من غيره، إنما يأتي بسبب فراغه الدائم، بينما يضعف هذا الجانب لدى شباب الجوار بسبب انشغالهم بحياتهم الرغيدة، والسفر إلى دول أوروبا ومصر والمغرب بحثاً عن المتعة.
إن هذا الأمر يكفي للاعتقاد: أن الشاب اليمني بحاجة أولاً إلى ولاء قيادته له، وفخرها واعتزازها به أمام العالم، قبل أن يمنح ولاءه، ويبادل الوطن فخره واعتزازه مهما كانت الظروف التي يعيشها.
فلو أن مسئولينا مثلاً، بدأوا بالتوقف عن الصراخ الدائم والمستمر لدى قادة دول الخليج، بحثاً عن موطئ قدم لهجرة 100 ألف يمني –كمرحلة أولى– للعمالة في المستودعات، وحمل الأحجار، وأعمال الشحن والتفريغ، والورش.. الخ، وانتقلوا إلى التفكير والتخطيط حول كيفية تأهيلهم بشكل كاف، لخدمة وطنهم، فإن الأمر سيعزز قيمة الولاء للوطن أكثر من العبارات والأهازيج الوطنية التي يخسر عليها من ميزانية الدولة وأموال دافعي الضرائب، أو حتى أموال المتبرعين. (إلا إن كان الأمر هنا يتعلق بأسلوب مستحدث لتوزيع الثروة والعمل على تشغيل شركات الإعلان، وإكرام المقربين من خلال النسب التي سيتقاضونها جراء ذلك..)
يقال أن سلطان "سلطنة عمان" حين زار إحدى دول الخليج، قبل سنوات، ووجد مواطنيه فيها يشتغلون في أعمال مهينة بحثاً عن الرزق. قرر في لحظة صدق مع نفسه، واعتزاز وكرامة، أن ينتشلهم من تلك المهانة، فعاد إلى وطنه حاملاً برنامجه الخاص للخلاص. وهذا ما تحقق له خلال سنوات قليلة.
ولو أن رئيسنا قال تلك المقولة السابقة في لحظة صدق مع نفسه، حين أجاب على ما يشبه التهكم من الصحفي، لكان الأمر كافياً بجعله يلتفت إلى من حوله، ويستدعي مستشاريه الصادقين، ويطلب منهم خطة وبرنامجاً فعالاً لاستيعاب الشباب العاطل عن العمل، وانتشاله من فراغه. وهو بالمناسبة قد يمثل حلاً للمعضلة التي تجعلهم يشتغلون في السياسة بشكل أكثر من غيرهم. لاسيما وأن معظم التقارير التي تشخص مشكلة ما يحدث في المناطق الجنوبية، تتحدث عن فكرة وجود شباب عاطل عن العمل، يسهل جره إلى الأعمال الاحتجاجية.


ما تريده اليمن وما يريده الأصدقاء

من لندن إلى الرياض.. بانتظار أبو ظبي وبرلين..  


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
انظروا كيف تحول "اليمن السعيد" إلى مشكلة كبيرة؛ فمن لندن إلى الرياض حملت بلادنا ملفاتها الاقتصادية "العليلة"، التي - فيما يبدو - لم يرغب بمداواتها أحد - بشكل جدي – بدون مقابل.
ها نحن بعد أيام قليلة (في 29 من هذا الشهر) سنحملها أيضاً إلى أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية "السعيدة". فلندن التي تعرف بعاصمة الضباب نفثت ضبابها، والرياض عاصمة النفط نحت في اتجاه تذكيرنا بأفضالها السابقة. لم تغوصا عميقاً في عللنا تلك، ولم يتبقَ لنا سوى ما يمكن أن تجود به الأخيرة!
يعتقد أحد الأصدقاء أن اختيار أبو ظبي لتكون لقاء "الخلاص"، جاء بعيداً عن رغبة المسئولين اليمنيين، الذين يقول إنهم كانوا يفضلون العاصمة الألمانية، وأمكنه اعتبار التسريبات التي انطلقت عقب مؤتمر الرياض الأخير(فبراير الماضي)، شاهد على تفسيره (نسبت تصريحات لبعض المسئولين اليمنيين أن مؤتمر "أصدقاء اليمن" القادم سيكون في "برلين" – عاصمة التفوق الثقافي والبذخ - الأمر الذي يمنحها ميزة التفضيل لعقد مثل هذا اللقاء).
ومع ذلك، فالأمر الواقع كان ولابد من التعامل معه بدبلوماسية مرنة، وكان على رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي محمد مجور أن يعبر "عن تطلعه في أن يخرج الاجتماع المرتقب لأصدقاء اليمن في أبو ظبي بنتائج قيمة تسهم في حشد دعم المجتمع لليمن بما يعزز من قدراته في مواجهة التحديات الماثلة". على ماجاء في تصريحاته ضمن حوار أجرته معه -مؤخرا- مجلة محطات الشهرية.
إن إضافة كلمة: بـ"مرارة" إلى مطلع العبارة السابقة بشكل تفسيري، لتصبح "عبّر بمرارة"، وذلك عطفاً على ما تمخضت عنه الإجتماعات السابقة لليمن. تلك التي كان مسئولونا يطلقون العنان فيها لآمالهم وتطلعاتهم أن تخرج بنتائج قيمة.. إلى آخر اللستة المعروفة.
أما ما يعزز استياء وإحباط مسئولينا من الأمر برمته، فيمكن استيحاؤه من قول رئيس الحكومة "أن اليمن سيحرص على أن يكون تمثيله في الاجتماع المرتقب لأصدقاء اليمن لا يقل عن المستوى الوزاري". فلو كان الأمر مقدراً له أن تقطف بلادنا ثمار تلك التمخضات السابقة بنجاح كبير، فمثل هذا القول لابد أن يكون عبثياً أو لنقل:غبياً بالمرة.
لكن، ومع ذلك.. وفي تصريحات لموقع 26 سبتمبر نت –التابع للجيش- قال عبدالحافظ السمة أمين عام مجلس الوزراء إن مؤتمر أصدقاء اليمن الذي سيعقد أواخر مارس الجاري في ابوظبي "سيعمل على ترجمة نتائج اجتماعي لندن والرياض السابقين حول اليمن".
كما أن الدكتور مجور، هو الآخر، اعتبر –أيضاً- أن هذا الاجتماع [أبو ظبي] ستكون مناقشاته "خلاصة لما تم مناقشته في اجتماعي لندن والرياض؛ وبالتالي سيقف على خلاصة ما تم من قبل، وسيحدد ما ينبغي على المجتمع الدولي القيام به لترجمة التزاماته تجاه دعم اليمن وفي مقدمة ذلك الدول والمنظمات المانحة".
إنه لقاء "الخلاص" إذن. ربما كان ذلك صحيحاً. ولقد علمت الصحيفة –أيضاً- من مصادر دبلوماسية غربية، أن اجتماع أبو ظبي سيمثل الخلاصة لسابقيه. لكن –في الواقع– لن تكون هي الخلاصة التي تريدها اليمن، بل التي يريدها الآخرون من اليمن..!
ذلك بعد اعتقادهم أن اجتماع لندن مثل البداية لتحديد ومعرفة مشاكل الدولة (التي تخوض اضطرابات متوالية تكالبت عليها في وقت واحد مما جعل منها بيئة خصبة وسهلة لعمل الإرهابيين)، بينما خصص مؤتمر الرياض لمناقشة العوائق التي منعت المانحين من تسليم التزاماتهم المالية، وبالتالي الخروج بحلول لها وتذليلها. لقد جاء ذلك وفقاً لرغبة اليمن. وبالنسبة للأصدقاء: ربما كان جسر عبور للضفة الآخرى، لتكون أبو ظبي هي الخلاصة، على شاكلة ما يمكن أن يستشف من قولهم: لقد استمعنا لكم في لندن، ومنحناكم الفرصة في الرياض، والآن جاء الدور لتكونوا آذاناً صاغية لما نريده نحن..!
إن لقاء "أبو ظبي" قد يكون أكثر قسوة من سابقيه، قياساً بما يجب على بلادنا أن تقبل به. وألمح مجور -في الحوار المشار إليه سابقاً– إلى مثل هذا المعنى، حين كشف أن هذا الاجتماع "سيخرج بإشهار مجموعة أصدقاء اليمن". أما ما طبيعة تلك المجموعة وما دورها؟ يقول "..وسيكون لهذه المجموعة كيانها الاعتباري، وستتابع باستمرار الأوضاع في اليمن"..!
لكن، ومع ما توحيه العبارة الأخيرة من تفسيرات تتعلق بالرغبة التي يسعى إليها الكبار من كل هذه المخاضات، إلا أن الدكتور[مجور] يحاول طمأنتنا باقتضاب بقوله: "وسيترافق مع ذلك تأسيس صندوق لدعم اليمن بشكل مستمر".
كأنه يقول: هذه بتلك. أما واقعاً فما هو مطلوب من اليمن أن تقدمه بيدها اليمنى أكثر بكثير مما يمكن أن تأخذه باليد اليسرى.
• هل تبقى لنا لقاء آخر في برلين؟
ظل السائد لدينا أن لقاء لندن (أواخر فبراير الماضي) انشطر عنه لقاءان فقط. وبحسب بيانه الآخير، المتضمن التوصيات، ظل كثيرون يعتقدون أنه لم يشر سوى إلى لقائين لاحقين فقط، وهما: لقاء الرياض (27 – 28 فبراير الماضي) الذي تعهد به "العطية" أمين عام مجلس دول الخليج، لمناقشة مشاكل التزامات المانحين المالية لليمن. ولقاء آخر تحت اسم "أصدقاء اليمن" لم يحدد مكان انعقاده، لكنه قال إنه سيعقد في المنطقة (الأرجح أنه قصد منطقة الشرق الأوسط، وهو اللقاء الذي تقرر انعقاده نهاية هذا الشهر في أبو ظبي).
ولمن مازال يعتقد أن الخلاصة النهائية لكل تلك التمخضات آن لها أن تنتهي في أبو ظبي، فعليه أن يعود إلى آخر توصية انبثقت عن لقاء لندن (يناير الماضي). لقد أقرت هذه التوصية:إطلاق عملية "أصدقاء اليمن" التي ستتناول مجموعة واسعة من التحديات التي يواجهها اليمن. وحددت أن أول لقاء للمجموعة سيعقد في المنطقة في أواخر شهر مارس (آذار).
ويتضح مما سبق أن لقاء أبو ظبي القادم، سيكون هو اللقاء الأول لما يسمى بـ"أصدقاء اليمن". الأمر الذي يؤكد أن هناك لقاء ثاني، وربما ثالث أو أكثر بعد "أبو ظبي". مما يجعلنا نعتقد أن مشكلة اليمن أصبحت متوالية هندسية، بحيث أصبح من الصعب أن تستوعبها ثلاثة لقاءات تعقد نهاية كل شهر ميلادي (بدأت مع مطلع هذا العام، في أواخر شهر يناير في لندن).
فإذن: إن الأمر لم يكن بالسهولة التي ظل البعض يعتقد بها. إذ يجب –لحل عللنا المتراكمة- أن تكون لدينا "خطة إصلاحية وطنية". هذه الخطة يجب أن توضع بداية ليتم مناقشتها وسبل تطبيقها من قبل "أصدقاء اليمن". وهذا ما ذهبت إليه توصيات لندن الأخيرة. والتي أكدت أيضاً أن هذه العملية "ستكون مدعومة من قبل فريقي عمل حول الاقتصاد والحوكمة، وكذلك حول العدالة وتنفيذ القانون".
سيطول الأمر حتماً. ولإن أمكن اعتبار لقاء "أبو ظبي" بمثابة الخلاصة الأولى لقطف الثمار بالنسبة لأوصيائنا أو كما يفضلون تسمية أنفسهم "أصدقائنا" -من الغرب والعرب- إلا أنه لن يكون الخلاصة التي تريدها بلادنا.
وقد أشار –أمين عام مجلس الوزراء– إلى ذلك، قائلاً: "إن ممثلي الدول والمنظمات المانحة ودول مجلس التعاون الخليجي سيبحثون خلال مؤتمر أصدقاء اليمن في أبوظبي التوجهات العريضة لمساعدة اليمن وأولويات الدعم للحكومة اليمنية، بهدف مناقشتها في مؤتمر أصدقاء اليمن المقبل في برلين". ولقد اعتبر الرجل أن مؤتمر أبوظبي "يعد بمثابة المؤتمر التحضيري لمؤتمر اصدقاء اليمن في برلين" .
لو أن برلين ستكون هي المحطة القادمة حقاً، فإن من شأن هذا الأمر أن يشكك في تلك التفسيرات السابقة التي تحدثت عن وجود رفض يمني "مبطن" لأن تكون أبو ظبي، هي المكان المقرر لعقد لقاء "أصدقاء اليمن" القادم. لكنه في الوقت ذاته، من شأنه أن يجعل مسئولينا في خانة "التشكيك" حول قدراتهم في استيعاب توصيات مؤتمر لندن الأخير. إذ إنهم كانوا أول من تحدث عن أن اللقاء القادم سيكون في برلين، فيما لم يتحدثوا عن لقاء يجمعهم مع أصدقائنا في "أبو ظبي". بل إنهم ظلوا بعد ذلك يتحدثون عن الخلاصة التي ستكون في "أبو ظبي".
إن الأمر بخلاصته يفرض علينا مزيداً من الهلع على مستقبلنا المجهول، فكل تلك اللقاءات الدولية السابقة، وتلك التي ما زلنا بانتظارها، يمكن تشبيه بلادنا فيها بمريض ذهب يتنقل من مستشفى إلى آخر بحثاً عن العلاج، وفي كل مرة يقال له: إن الأمر أولاً وأخيراً يتعلق بقدرتك على مساعدتنا في استخدام العلاج.
تدرك الحكومة اليمنية الحاجة الملحة لمعالجة هذه القضايا التي تتطلب تعاوناً دائماً وموجهاً. وتم الاتفاق على أن مسؤولية معالجة هذه التحديات تقع أولا وقبل كل شيء على عاتق الحكومة اليمنية، وبالاستناد على دعم من المنطقة والمجتمع الدولي على نطاق أوسع".
إن هذه العبارة وردت كجزء مما تضمنته ديباجة البيان الختامي لمؤتمر لندن الأخير. وهذا هو التحدي القائم أمام الحكومة اليمنية: أن تستخدم الوصفة الطبية التي قررها الأطباء -الأصدقاء – في مواعيدها المحددة، حتى يتسنى لها أن تدخل غرفة العمليات لإجراء عملية الإنقاذ الأخيرة. هذه الوصفة هي كما حددها مؤتمر لندن "خطة إصلاح وطنية".
-------------------------
نشر على موقع المصدر أونلاين في - 24 مارس 2010