الأحد، 7 سبتمبر 2014

من يتحكم في الصراع اليمني؟





عبد الحكيم هلال

-         - توصيف الصراع
-         - مسار الصراع السياسي
-         - طبيعة الصراع المذهبي
-         - حرب الوكالة
-         - وجهة الصراع


بعد أن كانت تشكو ظلم وجبروت دولة تسعى لسحق أقلية مذهبية في أطراف البلاد لم تكن تنشد سوى حرية الفكر المذهبي.. ها هي جماعة الحوثي اليوم، بعد عقد من ذاك الزمان المر، تفرض حصارا مسلحا على العاصمة صنعاء تمهيدا لإسقاط النظام وفرض معادلة سياسية جديدة تحت تهديد السلاح.
·       
* توصيف الصراع

في هذه الأثناء، لا يفصل اليمن عن الانزلاق إلى مواجهات مسلحة سوى قرار يتخذه أحد الطرفين: سواء الدولة في حال قررت القضاء على هذا التهديد وردع طغيان مليشيات خارجة عن القانون تتمادى في استنزاف هيبتها، أم جماعة الحوثي المتمردة عند اللحظة التي تقرر فيها بلوغ ساعة الصفر لاستكمال مخططها الأخير في السيطرة.

بالنظر إلى المطالب والمبررات التي تتذرع بها جماعة الحوثي لتسويغ تصعيداتها الأخيرة ضد الدولة، سيبدو من السهل توصيف هذه الحالة على أنها "صراع سياسي" بين سلطة شرعية وتيار شعبي ساخط ضد سياساتها الفاسدة والفاشلة. وذلك ما تزعمه الجماعة حاليا إذ تصر على أنها تمثل إرادة الشعب وتسعى لتحقيق مطالبه.

لكن الحقيقة لم تكن لتقتصر على ذلك التوصيف الذي يقوم فقط على الجزء الأخير من الصورة. وسيتطلب الحكم على طبيعة ونوعية الصراع القائم، تجميع الأجزاء الأخرى القريبة والبعيدة المتناثرة على طول خط ظهور هذه الجماعة كأقلية مضطهدة، وصولا إلى بلوغ العاصمة صنعاء ومحاصرتها من أطرافها وفرض أنشطتها الاستقوائية على الدولة في عمقها.. مع البحث في الأهداف والمنهجية والسلوكيات التي رافقت هذا المسار التاريخي الأقرب.

وفقا لذلك كله، سيمكننا الجزم أن هذا "الصراع السياسي" الظاهر اليوم في مؤخرة الأحداث، ليس سوى جزء مكمل لصراعات أخرى صبغت عقل وتكوين ومسار الحركة طوال فترة العقد الماضية. حيث استحكم فيها "الصراع المذهبي" مع المختلفين والمخالفين، في الوقت الذي يمكن التأكيد أيضا أنها تخوض في العمق "حربا بالوكالة" لمصلحة حليفتها المذهبية: "جمهورية إيران الإسلامية".

·        * مسار الصراع السياسي

لم يعد جديدا القول إن جماعة الحوثي ظهرت وقوى عودها بفعل وفضل تلك الحروب الست التي خاضها النظام السابق معها، خلال الفترة: (2004 - 2010). حيث لم تكن حينها سوى حركة صغيرة تتخذ من مناطق محددة بمحافظة صعدة الشمالية مقرا لأنشطتها الاستنهاضية للمذهب الزيدي الشيعي.

عام 2010 توقفت الدولة بشكل نهائي عن مواصلة حروبها. وفي فبراير/شباط 2011 دخل اليمن في ثورة سلمية لإسقاط نظام علي صالح، ليستغل الحوثيون الاضطرابات لفرض سيطرتهم الكلية على محافظة صعدة، والتوسع إلى المناطق المحيطة والمجاورة لها.

كان اليمن، في إثر ثورته السلمية تلك، قد أدخل في عملية سياسية طويلة على أساس مبادرة خليجية، قدمتها السعودية وفصلت آلياتها الأمم المتحدة. ولم تكن جماعة الحوثي جزءا من تلك الصفقة التي رفضتها منذ البداية، لذلك تم تجاهل إشراكها في حكومة الوفاق الوطني. لكنها مع ذلك قبلت المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي يعد جزءا أساسيا وهاما من المبادرة.

في الشهر الأخير على نهاية مؤتمر الحوار، عاودت جماعة الحوثي عملياتها المسلحة التوسعية وتمددت أكثر لتقترب من صنعاء، فيما كانت الدولة تمارس دور الوسيط الفاشل، ليصل الحوثيون إلى معقل قبيلة حاشد القوية بمحافظة "عمران" على حدود العاصمة اليمنية.

وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، قررت الدولة اتخاذ قرار طالما ارجأت اتخاذه خوفا من التبعات. ضبطت توقيتها على إجازة عيد الفطر الماضي، وقررت رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنسبة تتجاوز الـ(50%).

شكل ذلك القرار فرصة ذهبية لجماعة الحوثي للانتقال إلى المرحلة التالية من مخططها. أعلنت رفضها للقرار وتحملت مسؤولية الحديث باسم الشعب الجائع والمظلوم. وعلى وقع الفوضى، بدأت التنفيذ وحشدت مسلحيها من مختلف المحافظات لمحاصرة العاصمة، مهددة باقتحامها إن رفضت مطالبها الثلاثة: تغيير الحكومة بحكومة شراكة وطنية، إلغاء الجرعة السعرية على المشتقات النفطية، تنفيذ مخرجات الحوار (التي لم توقع عليها أصلا).

الآن لم يتبق إلا ساعة الصفر للتنفيذ. فيما أن تلك الحوارات التي خاضتها وتخوضها الدولة مع زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في صعدة، لا تحقق أكثر من استنزاف ما تبقى من هيبة الدولة، التي بدت وكأنها عاجزة عن القيام بشيء غير إرسال المفاوضين إلى صعدة لمحاورة زعيم مليشيا مسلحة لإقناعه بخيارات أخرى غير اقتحام العاصمة بالقوة..!! وحتى الآن أبدى الحوثي تعنتا ورفضا لكافة الحلول المعروضة من الدولة.

ولعل أكثر ما يؤكد طبيعة هذا النوع من الصراع السياسي، وقوف جناح الرئيس السابق في حزب المؤتمر الشعبي العام، بمشايخه القبليين ومسلحيهم، مع جماعة الحوثي ودعمهم لها في المناطق التي سيطرت عليها وبمحاصرتها للعاصمة حاليا.

·        * طبيعة الصراع المذهبي

لقد أكدت سلوكيات الجماعة طوال الفترة الماضية على أن الحامل الرئيسي لتحركاتها وأنشطتها التوسعية مبني أساسا على استنهاض وعودة قوة وحكم الهاشميين تنفيذا لمشيئة الله الذي منحهم الحق الإلهي في الولاية، التي تمنح لكل من يخرج بالسيف على الحاكم الظالم.

وتجسد هذا النوع من الصراع عبر استهداف الجماعة للمخالفين لها في المذهب في كافة المناطق التي سيطرت عليها واحتلتها: بدءا بالسلفيين بدماج - صعدة، مديرية أرحب التابعة لمحافظة صنعاء، محافظة الجوف، وصولا إلى عمق ورأس قبيلة حاشد بعمران المحسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح، الحركة الإسلامية المعتدلة، والتي لم يكن الحوثي ليجد أكثر منها قوة وقدرة على مواجهة توسعه وتمدده فكريا وميدانيا طوال الفترة الماضية.

وكان من الواضح أن معظم تلك التوسعات الأخيرة التي ظل يقوم بها كانت تستهدف عمق وقوة الإصلاح ومشايخه القبليين، حيث كان يقوم بتفجير منازل رموزهم الكبيرة في كل منطقة يدخلها ويسيطر عليها. بل اتضح الأمر أكثر من خلال الإصرار على محو وإزالة كل ما له علاقة بالمذهب السني، من خلال تفجير المساجد ودور تعليم الحديث ومدارس تحفيظ القرآن الكريم في المناطق التي سيطرت عليها الجماعة.

كانت الأحداث والسلوكيات والمسارات المناقضة هي الأكثر وضوحا وتجليا، فضلا عما كانت تكشفه الأفكار والتصريحات والأدبيات والوثائق والمبادئ الأساسية القائمة على أسس مذهبية إقصائية ضيقة.

·        * حرب الوكالة

لا يمكن القول إن هذه الحرب جديدة أو مستحدثة بفعل الأحداث الأخيرة في الداخل اليمني والمنطقة برمتها، بل هي قديمة يمكن إرجاعها إلى بدايات المواجهات العسكرية مع جماعة الحوثي، لكنها عمليا تحدثت بشكل كبير، وارتفعت أسهمها أكثر بفعل الصراعات والحروب التي تمر بها المنطقة.

لم تكن الأدلة والمؤشرات منعدمة أو ناقصة للحكم على أن ما يحدث في اليمن ليس سوى امتداد لصراعات الوكالة بين القوتين العظميين في الإقليم، أو ما يمكن وصفهما بـ"قطبي الرحى" في منطقة الشرق الأوسط: السعودية (بكونها حامل لواء السنة)، وإيران (بكونها فارسة التشييع العالمي).

وبينما ظل اليمن، طوال نصف القرن الماضي، ما يمكن اعتباره جزءا ملحقا بالمملكة العربية السعودية، فقد بات من غير الممكن اليوم مواصلة الحديث على ذلك النحو السهل. ليس بعد اكتمال تشكل قوة داخلية مقلقة مثل جماعة الحوثي المسلحة، التي تحولت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى ثقل مؤثر لمصلحة الخصم التاريخي اللدود للمملكة السعودية.

لقد طغت قوة هذه المليشيات المدعومة من طهران، ليس على حين غفلة من الجارة السعودية، بل أمام ناظريها، وربما بملء إرادتها لمصلحة حسابات سياسية قلقة من ثورات الربيع العربي. وأتاح الانشغال الوهمي القلق من حركة الإخوان المسلمين مجالا واسعا أمام إيران لتقوية حلفائها ليس فقط الأقربون (في سوريا والعراق)، بل أيضا في اليمن، حيث نجحت في صناعة حليف قوي، مستغلة ضعف الدولة وانقسامات المجتمع المحلي في ظل مرحلة انتقالية هشة دخلتها البلاد في أعقاب ثورة فبراير/ شباط 2011.

وفي لحظة من تلك المتغيرات، تغاضت الرياض عن توسعات جماعة الحوثي الأخيرة في محافظة عمران، وسط معلومات متواترة تفيد بدعمها لمشايخ الرئيس صالح في المنطقة للوقوف مع الحوثي في معاركه ضد قبائل حاشد الموالية لـ"الإصلاح".

وبعد تجاوز الحوثي للحدود المرسومة في خيال الرياض، وسيطرته كليا على عمران، بدأ القلق يراود المملكة من المغامرات اللاحقة التي ستترتب عليها تلك السيطرة، حتى شرعت بالتواصل مع الرئيس هادي من أجل إحداث مصالحة مع صالح وخلق اصطفاف وطني واسع لمواجهة الحوثي، وسط وعود بدعم سخي لتجاوز أزمات البلاد الاقتصادية. عمليا اقتصر حدوث ذلك التصالح على تسريبات صحافية.

وحين تقدمت المليشيات صوب صنعاء لإسقاطها، ارتفعت المخاوف السعودية أكثر. حيث كان من الملاحظ أن توسعات الحوثي تتزامن تقريبا مع توسعات وانتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في العراق. في الوقت الذي بات فيه من المؤكد أن قوات بشار الأسد، بمساعدة إيران وحزب الله، لم تعد قادرة على حسم معاركها مع المعارضة السورية المدعومة من بعض دول الخليج، والتي باتت تقترب أكثر من دمشق.

وعليه فقد فسر ذلك التسارع الكبير للأحداث في صنعاء من قبل مليشيات الحوثي (التي أصبحت العاصمة اليمنية الآن تحت رحمة مسلحيها)، على أنه محاولة من طهران لخلق جبهة جديدة قوية تناور عبرها المملكة وحلفاءها في الخليج والعالم.

وأكد الرئيس هادي مثل ذلك في تصريحات صحفية أطلقها بعد رفض الحوثيين كافة المفاوضات لإنهاء الأزمة وسحب مسلحيهم من العاصمة وحولها، متهما دولا إقليمية بالسعي إلى مقايضة دمشق بصنعاء.

ومؤخرا أيضا، نشرت تصريحات خطيرة في هذا السياق، نسبت لقائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، أشار فيها إلى أن إيران سوف تدخل في حرب شاملة مع الدول العربية "المعادية للثورة الإسلامية الإيرانية" في المنطقة. حسب ما نسبته الصحافة لموقع "عماريون" التابع للحرس الثوري الإيراني.

وأشار مجلس الأمن الدولي إلى مثل تلك التدخلات الإقليمية في اليمن، عندما دعا "جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يهدف إلى إثارة النزاعات وزعزعة الاستقرار"، وذلك في بيانه الصادر بشأن اليمن في 30 أغسطس/آب الماضي.

·        * وجهة الصراع
هي إذا: حزمة مدمرة، متداخلة ومترافقة، من الصراعات السياسية والمذهبية وحروب الوكالة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تعقيد التكهنات لما ستؤول إليه الأحداث مستقبلا.

ومع ذلك، قد يمكن التكهن أن الحالة الراهنة من هذا الصراع السياسي (الظاهر)، ستؤول لاحقا إلى صراعات مذهبية طائفية، أخذا بالاعتبار الحامل المذهبي لجماعة الحوثي الذي بات من الواضح -قياسا بمسارها التاريخي الأقرب- أنه لا يخلو من نزعة انتقامية تطهيرية لكل متعارض مع مذهبها.

ويشعر معظم المراقبين السياسيين هنا إلى أن قرار الحرب من عدمه، يرتبط بعوامل خارجية أكثر منها داخلية. وذلك بناء على مؤشرات عديدة بينها عدم تجاوب الحوثيين مع دعوات مجلس الأمن الدولي وصنعاء بضرورة سحب مليشياتهم المسلحة من العاصمة وتسليم محافظة عمران للدولة ووقف المواجهات المتواصلة في محافظة الجوف. ويزيد من ذلك: رفضها الأخير لمبادرة الدولة المتضمنة حلولا تنفذ مطالبها الثلاثة الرئيسية، بشكل أو بآخر.

وحيث يرجح البعض أن تكون "حرب الوكالة" هي العامل الأقوى المسيطر على مسار الأحداث الراهنة والقادمة، إلا أن ثمة اعتقادا سائدا يرى أن هذا الضغط الحوثي إنما يسعى إلى خلق واقع مشابه للبنان، من خلال الوصول إلى معادلة الشراكة في السلطة والقرار السياسي على قاعدة "الثلث المعطل".
--------------------------------------------------------------------
المصدر: الجزيرة نت - الأحد 12/11/1435 هـ - الموافق 7/9/2014 م
رابط المقال: 

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2014/9/7/%D9%85%D9%86-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A



الأربعاء، 25 يونيو 2014

اليمن.. مسارات الحرب السابعة



بدأت الحرب في جزء من محافظة صعدة عام 2004 بين النظام السابق وجماعة الحوثي الفكرية، ذات المذهب الزيدي الشيعي، لتستمر بعدها ست جولات انتهت في 2010 بتوقيع اتفاق بين الطرفين.
مع بداية الحرب، كانت الجماعة تقاتل دفاعا عن حقها في اعتناق ونشر مذهبها الذي اعتقدت أنه أُقصي من الحياة بعد عقود طويلة من الحكم. لكنها حين توقفت كانت الجماعة قد تحولت من حركة فكرية مذهبية إلى مليشيات مسلحة.

الإصلاح ضد الحرب
مع انطلاق الحرب الأولى، كان حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذو التوجه الإسلامي المعتدل، قد أصبح حليفا لمجموعة أحزاب يسارية وقومية ومذهبية، بينها أحزاب زيدية المذهب، في إطار تحالف "اللقاء المشترك".

عبثا، حاول النظام السابق أن يقحم حزب الإصلاح في معاركه تلك. بيد أنه ظل متمسكا برفضه فكرة الحرب في مواجهة الفكر، أيا كانت تشوهاته.
"مع تحالف المشترك غالبا، ومنفردا أحيانا، رفض الإصلاح منهجية الحرب والعنف، ودعمت وسائل إعلامه حقوق الحوثيين الفكرية، وانتقدت سلوك النظام في قتل الأبرياء ومحاولات سحقهم"
ومع تحالف المشترك غالبا، وبشكل منفرد أحيانا، أصدر الإصلاح بيانات رافضة لمنهجية الحرب والعنف. وشاركت وسائل إعلامه، وأيضا أحزاب المشترك، في دعم حقوق الحوثيين الفكرية، وتشنيع وانتقاد سلوك النظام في قتل الأبرياء ومحاولات سحقهم.

حدث ذلك حتى مع ما تخلل تلك الحروب من شكوك في نوايا أطرافها، اتضحت لاحقا في وقت متأخر، من رغبة مشتركة في تطويل أمدها، بهدف مواصلة الحصول على دعم.

فالنظام يسعى لمواصلة الدعم من الجيران القلقين من توسع نشاط حلفاء خصومهم التاريخيين، وجماعة الحوثي، من إيران حاملة لواء التشييع والخصم التاريخي للمملكة السعودية.

وحين توقفت الحرب السادسة عام 2010، كانت محافظة صعدة قد أصبحت، شبه كاملة، بيد الحوثي الذي كانت جماعته حينها قد تحولت إلى قوة كبيرة على الأرض، تمتلك أسلحة ثقيلة، بعضها غنمته من المعارك وأخرى وصلتها كمدد من الحليف الخارجي، إلى جانب قوة بشرية ظلت تتنامى طوال جوالات الصراع التي استمرت قرابة سبع سنوات. 

متغيرات ما بعد الثورة
في فبراير/شباط 2011 اندلعت الثورة الشعبية السلمية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ومع شرارتها الأولى، استغل الحوثي الاضطرابات ليتمكن من بسط سيطرته الكاملة على محافظة صعدة.

بالتزامن شاركت الجماعة بمندوبيها في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء إلى جانب الثوار، في وقت كانت ذراعها المسلحة تتوسع شيئا فشيئا في محافظات مجاورة لمملكته عبر حروب متفاوتة خاضها في محافظات الجوف وحجة وعمران. وفي جميعها لم تكن تستهدف سوى القبائل التابعة والمحسوبة على حزب الإصلاح.

دخل الإصلاح في مفاوضات مع الحوثيين في تلك المناطق لإيقاف المواجهات. وكان يحرص في جميعها على إشراك حلفائه في اللقاء المشترك، ربما كشهود على النتائج ومعرفة الحقائق، وربما حرصا منه على تجنب مغبة الانفراد في مواجهة انتهاكات الحوثي التوسعية على حساب حلفائه الآخرين من القبائل التي تستهدفها جماعة الحوثي، بعد تحولها إلى مليشيات مسلحة تقاتل للتوسع وبسط سيطرتها على مناطق جديدة.

أفضت الثورة الشعبية إلى مرحلة انتقالية بعد توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض أواخر 2011. وبموجب ذلك قسمت السلطة مناصفة بين الحزب الحاكم وحلفائه، وأحزاب المشترك وشركاؤهم في الثورة. في حين رفضت جماعة الحوثي المبادرة وما آلت إليه.

منتصف مارس/آذار 2013، انطلق مؤتمر الحوار الوطني كجزء رئيسي أكثر أهمية تضمنته المبادرة وآليتها، استكمالا للمرحلة الانتقالية. وكانت المفاجأة أن قبلت جماعة الحوثي، رغم رفضها كليا للمبادرة، المشاركة في الحوار باسمها الجديد "أنصار الله".

لم يكن التمثيل الذي حصلت عليه الجماعة في المؤتمر (35 عضوا) أمرا مهما أو مثيرا بالنسبة لبقية المكونات التي حصل بعضها على حجم أقل بكثير من حضورها السياسي والجماهيري، طالما أن ذلك سيصب في مصلحة جر الجماعة إلى الحوار، كخطوة أولية هامة ومحسوبة للتحول إلى مكون سياسي واجتماعي والتخلي عن السلاح.

وعلى مدى عشرة أشهر خاض فيها الجميع حربا أخرى حول طاولة الحوار، تشكلت على ما يبدو خريطة سياسية جديدة غير تلك التي كانت قبل وأثناء وبعد معركة الثورة الشبابية السلمية.

كان حزب المؤتمر الشعبي العام، التابع للرئيس السابق، قد ترك كافة خصومه السابقين ليركز معركته على عدو وحيد هو "حزب الإصلاح"، الذي يشعر أنه كان المتسبب الأول والأقوى في إسقاطه عمليا من الحكم.

بينما كانت جماعة الحوثي، مثله، قد تحولت من خصم وعدو لدود للنظام الذي قاتلها، لتركز جهودها أيضا على المنافس الأقوى على الأرض "حزب الإصلاح": إنه حزب ينتشر بكثافة في كافة المناطق المجاورة التي يسعى لضمها إلى مملكته، في الوقت الذي يجسد فيه تيار السنة المعتدل، المنتهج سبل السياسة والديمقراطية للتوسع والانتشار، عكس ذلك تماما.
"قبل نهاية مؤتمر الحوار بأسابيع قليلة، وحين شعر الحوثي بأنه سيكون الخاسر الأكبر من تنفيذ تلك المخرجات، أمر مليشياته بمعاودة القتال حيث بدأ بالهجوم على مركز تعليمي للسلفيين بمنطقة دماج "
تجمعت المصالح المشتركة، بعد أن تجسدت علاقة التزاوج المصالحي الجديدة تلك على الأرض، بفعل التعاون الثنائي الوثيق خلال معارك الحوثي الأخيرة في محافظات مجاورة، قبل مؤتمر الحوار، وتلك التي تخللت الحوار أحيانا بين الفينة والأخرى. بينما تجسدت سياسيا بتوافق المواقف والتناصر بين الطرفين داخل أروقة الحوار.

جاء ذلك في وقت كانت فيه علاقة تحالف المشترك قد شهدت فتورا ظل يتنامى شيئا فشيئا، وساعد على تعميقه أكثر بعض المواقف المتمايزة حول طاولة الحوار، وعلى مستوى السلوك التنفيذي في حكومة الوفاق الوطنية.

بدى وكأن الخطة المشتركة كانت تسير وفقا لقاعدة "ابدؤوا بقتل كبار الفيلة". بكل تأكيد كان ثمة إدراك أن فتح جبهات مع الجميع سيعني إعادة تقوية أواصر "المشترك" كجبهة سياسية وطنية ستكون قادرة على تحطيم كافة المخططات.

كما أنه وبكل تأكيد أيضا، فإن أي استهداف قد يشمل أي حزب من أحزاب تحالف "المشترك" الأخرى، سيمنح الإصلاح ورقة رابحة لتجسيد دور الفيل الأقوى المدافع عنهم. لذلك وبطريقة ما، نجحت جماعة الحوثي في تأمين حلفاء الإصلاح بتحييدهم من المعركة القادمة التي تخطط لها.

حدث ذلك على الأرجح حين أوصلت لهم قناعات بأنهم خارج إطار المعركة المخصصة أصلا بين قوتين متنافستين ستقومان بتصفية حساباتهما بعيدا عنهم.

ومع أن الجميع يدرك جيدا أن قتل الفيل الأكبر سيفضي إلى أكل قطيع الفيلة كاملا، فإن الأمر بدأ يمر بكل بساطة كونه ربما وافق اختلالا سياسيا في موازين التحالفات السابقة، بفعل المتغيرات الداخلية، كما ذكرنا، والإقليمية التي أفضت مؤخرا إلى شيطنة الثورات العربية وعملت على تشويهها. 

انقلاب الحوثي
كانت كافة مكونات الحوار قد أجمعت على سحب كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كافة الجماعات المسلحة خارج إطار القانون، مع ضرورة إعادة الأسلحة المنهوبة من الدولة.

لذلك، وقبل نهاية مؤتمر الحوار بأسابيع قليلة، وحين شعر الحوثي بأنه سيكون الخاسر الأكبر من تنفيذ تلك المخرجات، أمر مليشياته بمعاودة نشاطها القتالي. وبدأ بالهجوم على مركز لتعليم السلفيين بمنطقة دماج بمحافظة صعدة.

عجزت الدولة عن القيام بشيء، فلجأت إلى تنفيذ شروطه بتهجير سكان دماج، وتسليم المنطقة له. لكنه لم يتوقف، لينتقل إلى محافظة عمران ومديرية "أرحب" التابعة لمحافظة صنعاء، مواصلا معاركه التوسعية. ونتيجة لتكريس الدولة عجزها عن القيام بشيء واصل خطته بقتل خصومه واعتقالهم وتدمير منازلهم.

لم يتدخل أحد، لا الجيش ولا حزب الإصلاح الذي كان المستهدف الأول من تنفيذ تلك الخطة (قتل كبار الفيلة) عبر استهداف قيادات وأبناء القبائل التابعة والمحسوبة عليه، أملا في جرّه إلى معترك العنف كيما تخلط الأوراق وتنتهي مسوغات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

دعا الإصلاح الدولة لممارسة دورها، رافضا القيام بهذا الدور نيابة عنها. وحين ظل الجميع صامتين بما فيهم الدولة، انتقلت المليشيات إلى منطقة همدان المجاورة، التابعة لمحافظة صنعاء، وعملت فيها ما عملت في سابقاتها.

ظلت الدولة تمارس دور المصلح بإرسال لجان رئاسية لعقد اتفاقات تنتهي غالبا بوقف القتال، مع بقاء مليشيات الحوثي في أماكنها الجديدة.

وفي كل تلك المعارك كان معظم مشايخ وقادة حزب "صالح"، الحليف الجديد، يتحولون إلى أتباع لجماعة الحوثي، يقاتلون معها ويناصرونها، تنفيذا لمخطط التحالف الجديد الذي أنشأته المصلحة في الانتقام من العدو الأكبر (بالنسبة لصالح)، والقضاء على خصم قوي سيقف عقبة أمام تحقيق أهدافه التوسعية واستعادة الحكم بالقوة (بالنسبة للحوثي).

هدأت تلك الجبهات قليلا، بعد أن فرض الحوثي سيطرته عليها ببقاء مسلحيه فيها بحسب الاتفاقات التي أبرمتها اللجان الرئاسية.

معركة عمران الأخيرة
ومع نهاية أبريل/نيسان الماضي دخلت الدولة حربا موسعة ضد تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين. ومع أول أسبوعين فقط، حقق الجيش نجاحات معلنة. بينما كانت هناك مطالبات -حسبت على مناصرين للإصلاح- بضرورة أن يتعامل الجيش مع مليشيات الحوثي بنفس الطريقة، وإن لم يكن فبقسرها على تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة تنفيذا لمخرجات الحوار.
"لم يعد هناك من ينظر إلى الحوثيين كحركة مستعدة للاندماج وإلقاء السلاح عبر الحوار إلا من يدافعون عن عنفها، بهدف استغلالها لتحقيق أجندة خاصة في إفساد قيم الثورة السلمية كمنقذة من التسلط"
وقبل أن تنتهي معركة الجيش مع القاعدة، انفجرت الحرب في عمران بشكل أعنف من قبل.

تؤكد المعلومات أن الحوثي هو من بدأها بتنفيذ هجوم على مواقع للجيش هناك. ويعتقد أنه قرر تفجير المعركة خشية أن يستكمل الجيش انتصاراته كاملة على تنظيم القاعدة، مما سيمثل له دفعة قوية وتوحدا كان يفتقده، الأمر الذي سيغري الدولة بالتفرغ لسحب أسلحتهم تنفيذا لمخرجات الحوار، وهذه المرة ستكون مستعدة للقيام بأي شيء لتحقيق ذلك، والذي يدخل ضمنه ردع أية هجمات قد تقوم بها الجماعة مجددا ضد الجيش أو حتى ضد القبائل.

في الواقع، وقبل تفجير معركتها تلك، كانت مليشيات الحوثي لا تزال محيطة بسوار محافظة عمران من كافة الاتجاهات، تحشد وتسعد للقيام بهجومها على المحافظة، لكن اللواء 310 المرابط في المحافظة كان قد نشر قواته في مواقع إستراتيجية هامة لمنع مسلحي الحوثي من بسط سيطرتهم عليها دفاعا عن المحافظة. آنذاك قرر الحوثي تنفيذ هجومه ضد قوات الجيش بهدف إزاحتها من طريقه.

فجاء رد الجيش قويا بطريقة لم تكن متوقعة لتحتدم المعارك تباعا بين الطرفين. وأثناء ذلك، رفع الحوثي من وتيرة تحشيده واستقدم من صعدة مليشيات إضافية وأسلحة ثقيلة، ومع اشتداد الصراع تدخل الطيران الحربي لقصف مواقع المليشيات، في رسالة واضحة أن الدولة لم تعد قادرة أكثر على مواصلة صمتها المغري للجماعة في استهداف قواتها وإضعاف حزمها الذي بدأته في أبين وشبوة ضد تنظيم القاعدة.

كما أنها جاءت أيضا لتخرس ألسنة الإعلام التابع للجماعة والتابع لحليفه (النظام السابق) والإعلام الموالي لهما، لتؤكد أن تلك المعركة تدور بين الدولة ومليشيات متمردة هاجمت الجيش، ردا على ادعائها زيفا أنها بين الحوثيين ضد التكفيريين وتنظيم القاعدة وقبائل الإصلاح. كما كانت تزعم بطريقة ساذجة.

بعد ذلك كله، لم يعد هناك من ينظر إلى المتمردين الحوثيين كحركة قادرة على ترك السلاح عبر الحوار والاندماج مع المجتمع اليمني، إلا من يدافعون عن عنفها بهدف استغلالها لتحقيق أجندتهم الخاصة في إفساد قيمة الثورة السلمية كمنقذة من التسلط، أو أولئك الذي يرومون عبرها إضعاف من يعتقدون أنهم منافسوهم الأكثر تأثيرا على مجريات الحياة السياسية بوسائل مدنية سلمية.
المصدر : الجزيرة
------------------------------------------------------------
نشرت المادة في الجزيرة نت بتاريخ 25 يونيو 2014
http://www.aljazeera.net/opinions/pages/995b0921-8328-4464-8c62-7fa829bcea75

الأربعاء، 14 مايو 2014

ماذا سيحدث لو قبل الحوثي؟

عبد الحكيم هلال

------------------------------------
-----------------------------

يا "عزّي": اسمع جيداً الآن.. فهذه فرصة عمرك الأكبر.

يا "عزي": لو كنتُ مكانك "ترساً" فاعلاً في آلة "السيد"؛ دويداراً، أخشى على سمعته وأتكفل بدور "مسح أخطائه"، وأفسّر خطاباته "المسهبة" للعامة..

لو كنت كذلك، لنصحته بالانصياع والرضوخ للقانون. عليك أن تبلغه، بالطريقة التي تبلغه بها دائماً، بالاستجابة لطلب النيابة وتسليم نفسه للتحقيق معه في التهم الموجهة إليه وبعض قيادات الجماعة في بعض الجرائم المرتكبة من قبل المسلحين التابعين في همدان وثلا مؤخراً.  

ربما كانت كلمات على شاكلة: "تبلغه"، و"تسليم نفسه"، و"للتحقيق معه"، و"الجرائم المرتكبة"، قاسية قليلاً، أو بالأحرى غير ملائمة لمقام "السيد" من وجهة نظرك على الأقل. لكن ربما سيمكننا إعادة الصياغة بطريقة أفضل، وإن شئت فبـ "عبارات أكثر احتراماً وتقديراً لمقامه المبجل"، على النحو التالي: عليك أن تشير عليه (من الاستشارة) بأن يحضر إلى النيابة للاستماع إلى أقواله في التهم الموجهة إليه في الأحداث الأخيرة بهمدان وثلا.

لا ضير، فذلك ممكن، المهم أن تصله الرسالة في كل الأحوال.

أجزم أن إيماناً راسخاً يبسط قدميه بداخلك أن هذا الإجراء الذي قامت به النيابة أخرق وغبي ولا يستند إلى منطق.

 لكن دعك الآن من تلك الحالة المتلبسة بداخلك، لقد حدث الأمر فعلاً، ورفع من فجرت الجماعة منزله دعوى قضائية ضد "السيد" وقيادات الجماعة.

الآن عليك أن تفكر بطريقة سياسية أكثر دهاءً. مثلاً: إن ذلك لو حدث (أي الاستجابة لطلب النيابة بالتحقيق) فسيكون ادعى لك - في سياق ترشيد دورك التحسيني - من انتظار خطاب السيد الجديد، لكتابة قصيدة شعرية طللية حول "المقاصد السياسية والمدنية النبيلة في خطاب سيد العشيرة".

القبول بالأمر في مثل هذا التوقيت سيكون خطوة عملية مدهشة ومؤثرة، بل قفزة كبيرة لتحسين السمعة، ومسح المخلفات الكثيرة العالقة على جسد الجماعة.

سيبلغنا ذلك - عملياً لا تنظيراً - ان السيد: مدني لا عشائري؛ ديموقراطي لا مستبد؛ رجل دولة وقانون لا زعيم عصابة وقاطع طريق؛ صاحب حق لا  باحثاً عن حق بانتهاك حقوق الآخرين؛ ويقبل بالحق ولا يستمري الباطل.. الخ تلك الثنائيات الكثيرة التي لن تتوقف مالم نقطع مواصلتها.

 حسناً: سيمكنك بهذه النصيحة ان تقطع أشواطاً كثيرة لتقول لنا: إن كل ما يقال عن ما يقوم به "السيد"، لم يكن بتلك الصورة القبيحة والبشعة كما نعتقد.

سيغنيك ذلك كثيراً، آلآف المرات، عن بذل جهد مضنٍ في الحديث عن ضرورة تصديق ما ورد في خطاباته عن رفض القوى التقليدية، وترسيخ الدولة المدنية، وضرورة ترسيخ عرى العدل والقانون، و.. .ضرورة تصحيح السجل الانتخابي.

كما سيكفيك ذلك، قطعاً، عن الفهلوة في دعوة المنتقدين والمشككين والأعداء الى التعامل بحسن نيه مع ما ورد في ظاهر خطاباته، دون الغوص في البحث عما خفي في أعماق قلبه، وتحميل الخطاب أكثر مما جاء على لسانه.

وبدلاً من المطالبة بكل ذلك، تحت مبرر: "ضرورة التعامل مع خطابات السيد بروح المسؤولية الوطنية بهدف جرجرته الى المعترك السياسي"، باعتبار ذلك خطوة مسؤولة لتحويله من سيد مذهبي "كهنوتي" صرف، الى مواطن مدني "أليف".. والذي لن يتأتى إلا من خلال التعامل مع خطابه الأخير باعتباره تحولاً نوعياً (نادراً) وغير مسبوق في مسار الجماعة المذهبية وفكرها.

بدلاً عن ذلك، جديرٌ بك الآن أن تنتهز هذه الفرصة، لتنتقل أنت قبل سيدك من الفهلوات النظرية البحتة، التي لا تزيد أكثر من مجرد بيع الوهم للأتباع والمريدين، الى الميدان العملي والتصرف بمسؤولية وطنية: سيتوجب عليك أن تقنع السيد والمطلوبين الـ ١٤ أن يستجيبوا للقانون ويحضروا الى النيابة للتحقيق معهم.

ذلك فقط.. وتلك ستكون أول خطوة عملية - أؤكد وأجزم أنها ستلجم الأعداء، وتستثير عواطف الأصدقاء - لتحقيق دولة "العدل" التي أدوشنا "السيد" أنه يجاهد عبر المجاهدين الأشاوس لتحقيقها.

ليس هناك وقت للبحث عن مبررات (نظرية) كالعادة، ذلك أن تأثيرها - حين توجد تلك التبريرات - تدرك جيداً أنها لن تتجاوز أكثر من مخاطبة قناعة الأتباع والأنصار. بيد أنك، بحسب علمي، تجهد لمخاطبة، وخطب ود ورضا، قوى ومكونات أخرى، قوى غير تقليدية، لا تؤمن بأكثر من دولة: "المساواة والعدل والقانون". 

لن تحدث مفاجآت مثيرة، فالأمر كما تعرف لا يعدو عن كونه مجرد إجراءات شكلية، لم نشهد طوال تجربتنا الفريدة أنها مست أحد مراكز القوى والنفوذ. فكيف إذاً بمن غامر بالخروج عن الحاكم بالسيف ليكون هو الحاكم الوريث لتركة النبوة!

إذاً تعرف ونعرف جميعاً أنه لن تحدث مفاجآت، لكن مع ذلك، طالما وأنك أحد كبار مؤلفي الدراما، والمفتونين بها، فدعنا نشاهد ما سيجري! مجرد فضول أرعن لا أكثر.

 في نهاية المطاف: ماذا سيجري؟

 لا جديد سيمنحنا الفضول من الناحية الإجرائية، لكنك – سياسياً- ستكسب نجاحاً باهراً، ربما لم تحلم به، تجسيداً لدورك في "تحسين السمعة"، وذلك بالتأكيد ليس بأقل مما سيكسبه السيد والجماعة من "سمعة حسنة" بفضل مقترحك العملي.  

أما نحن- الأعداء والمتربصين-، لن يسعنا سوى التراب ندس فيه رؤوسنا، والتوقف عن كل تلك الحماقات العصبية.  

أعدك بذلك. عليك فقط أن تفحمنا.
-----------------------------
- نشر المقال في يومية "المصدر" - العدد (586) الموافق 14 مايو 2014
- رابط المقال على موقع "المصدر أونلاين":
http://almasdaronline.com/article/57724

السبت، 19 أبريل 2014

اليمن.. "عالق" بانتظار تنفيذ مخرجات الحوار


جردة حساب.. بين تطلعات الثورة المرتفعة وبطء الإنجاز

مصادر سياسية: هادي يريد استغلال مناصب دبلوماسية شاغرة لإبعاد قيادات عسكرية وأمنية مثيرة للجدل

سريعة كسابقاتها تمر الأشهر الأولى من السنة الرابعة على قيام الثورة الشعبية السلمية، فيما يقابلها على أرض الواقع بطء في إنجاز حلم الدولة المدنية الحديثة التي نهض لأجلها الشباب بهمة عالية وقدموا لأجلها أرواحهم رخيصة.

تشهد اليمن اليوم فشلاً واضحاً في قيام مؤسساتها العليا وأجهزتها الرئيسية بمهام وأولويات الدولة البسيطة، لتوفير أبسط مقومات العيش الكريم، ناهيك عن تحقيق تطلعات الحالمين بجني ثمار الثورة، حيث لا تقوم الثورات إلا لتغيير واقع مُر يفتقد للعدل والنزاهة، بآخر أكثر استيفاءاً لسبل ومتطلبات العيش التي افتقدت في العهد المثار عليه.

لقد كان الحلم كبيراً، بيد أن الحمل ربما كان أكبر.
 هكذا يمكن للمنصف النزيه والمتفائل، تلخيص تبرير الحالة التي آلت إليها الثورة اليوم.

على ساحة الفعل السياسي لم يتوقف الزمن، لكن الإنجاز ظل بطيئاً جداً، لدرجة يكون فيها أحياناً "شبه متوقف"، وذلك مقارنة بتطلعات الثوار وحماسهم المتقد. وعلى ذلك بدت الثورة – بعد ثلاث سنوات ونيف - وكأنها عاجزة عن المضي قدماً في تحقيق الأهداف التي قامت لأجلها.

ولعل الوقوف على ما وصل إليه الحال اليوم، وأسبابه، سيتطلب منا بداية المرور بإيجاز سريع على أبرز محطات ما بعد الثورة، في سياق الفعل الإداري والسياسي للدولة الجديدة، دولة ما بعد الثورة، من مسالك وقرارات متخذة وما لم يتخذ منها حتى الآن في سبيل تحقيق الحلم اليمني.

مكافحة إرهاب القاعدة
بعد عام على الثورة، وتحديداً في 21 فبراير 2012، أضفت الانتخابات التوافقية لتصعيد رئيس جديد شعوراً جيداً للبدء بقطف أولى ثمار الثورة والانطلاق نحو إنجاز بقية التطلعات.

وعلى مدى الأشهر الأولى لانتخابه، كان الهم الأول للرئيس الجديد هو إثبات قوته وقدرته على اتخاذ القرار، فكان قرار إعادة بسط نفوذ الدولة في المناطق التي آلت لاحتلال مجاميع تنظيم القاعدة في الجنوب، إبان استغلال الفوضى خلال الأشهر الأولى للثورة.

 وبعد ثلاثة أشهر من انتخابه، أي في مايو 2012، رتب الرئيس لحمله عسكرية كبيرة تكللت بالنجاح، حين تمكنت في ظرف شهر وأيام من طرد تلك المجاميع بعد أن كانت فرضت حكمها وشريعتها على مناطق في محافظة ابين.

في الواقع لم تنجح الحملة في القضاء عليها تماماً بل نجحت في طردها وتشتيتها في مناطق شتى من البلاد، لكنها أفضت إلى منحى آخر يتعلق بمستقبل وقدرات تلك المجاميع الإرهابية على إعادة تنظيم نفسها على نحو أفضل مما كانت عليه، ولاحقا كبدت الجيش خسائر بالغة في عمليات مست عمق كبرياء الدولة وهيبتها، وأثبتت ضعف قدراتها واختراقها.  

ويبدو التنظيم الآن في وضع أكثر قدرة وتمكناً، وأصبح يشكل قلقاً بالغاً للدولة والجيش، تارة في تنفيذ اغتيالات واسعة ومتواصلة ضد ضباطه وأفراده، وأخرى في تنفيذ العمليات النوعية ضد مؤسساته السيادية الكبرى.

هيكلة الجيش
مع نهاية العام ذاته، 19 ديسمبر 2012، صدرت الحزمة الأولى من قرارات إعادة الهيكلة العسكرية. ومع أنها لم تمس كبار القادة الذين كانت تتجه الأعين صوبهم إنتظاراً لإقصائهم، إلا أنها بدت وكأنها الخطوة الأولى لإشعارنا باستخدام الرئيس المنتخب صلاحياته الرئاسة.

بعد أربعة أشهر تقريباً، في العاشر من أبريل 2013، صدرت الحزمة الثانية من قرارات إعادة الهيكلة. وهذه المرة طالت أولئك القادة المنتظرين.

كان الرئيس يمضي بطيئا في استخدام صلاحياته وإصدار القرارات المصيرية، لكن الأمر كان مقبولا إلى حد ما، كونه كان أشبه بمن يخوض في رمال متحركة لتحقيق حلم ظل لعقود يصعب حتى مجرد التفكير بتحقيقه.  

عند هذا المستوى من قضية مصيرية مثل هذه، ظل الأمر أكثر بطئاً حيث لم تصدر بعدها أية قرارات هامة في هذا الجانب، إلا بعد مرور عام تقريبا. حيث صدرت الحزمة الثالثة في 17  مارس الماضي (2014). في الواقع لم تتضمن هذه القرارات أكثر من تبديل وتغيير لقادة من موقع إلى آخر، بعضهم ممن عينوا في مواقعهم ضمن قرارات الهيكلة السابقة، وآخرين تم تصعيدهم لمواقع جديدة حلاً لإشكاليات ظلت قائمة ومعلقة في ألويتهم ومعسكراتهم لأشهر طويلة.  

الحوار الوطني
أسندت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، الموقعة في 23 نوفمبر 2011، مهمة بناء الدولة المدنية الحديثة إلى مؤتمر الحوار الوطني. ونصت على أن تشكل لجنة تواصل مع الشباب وبقية المكونات من أجل الحوار، مباشرة بعد تشكيل الحكومة.

تشكلت الحكومة مطلع يناير 2012، لكن اللجنة الفنية للتحضير والإعداد للحوار الوطني لم تتشكل مباشرة، بل بعد سبعة اشهر على تشكيل الحكومة، وبعد خمسة اشهر على انتخاب الرئيس، الذي أصدر قراراً بتشكيلها في 14 يوليو من العام ذاته.

وعلى غير الموعد المحدد لها واصلت اللجنة عملية الإعداد والتحضير حتى مطلع العام القادم (2013). بعدها ظل تشكيل قوام مؤتمر الحوار معلقاً حتى منتصف شهر مارس، ليصدر الرئيس في 16 من الشهر قرارا بتشكيل قوام المؤتمر من مختلف المكونات، وشرع في عقد أولى جلساته في 18 من الشهر.

تمددت فترة أعمال المؤتمر من ستة أشهر، طبقا لقرار تشكيله، إلى عشرة أشهر، حتى بدون إصدار أي قرار بذلك، أخذاً بالاعتبار إتاحة الفرصة لاستكمال مقرراته المطلوبة.

مخرجات الحوار
شكل مؤتمر الحوار حجز الزاوية للرئيس هادي قبل غيره، ثم ومن بعده تاليا شكل أهمية كبرى لبقية القوى المختلفة، باعتباره نواة الحل التي من خلالها ستحل كافة النزاعات ويفضي إلى تشكل أطر وهيئة الدولة المدنية المنتظرة.    

ومع كل يوم كان يمضي من الأشهر العشرة للحوار، كان الحلم اليمني يكبر، خصوصا مع كل إنجاز كان يتحقق داخل أروقة وطاولات الحوار.

لكن في المقابل أيضا ظلت أسس الدولة ومقوماتها، تتراجع إلى الوراء. وشهدت البلاد تدهوراً تراكمياً بطيئاً في معظم مناحي الحياة: الإقتصادية والسياسية بشكل خاص؛ البنية التحتية تدمر تباعاً جراء التخريب المتكرر والمتواصل؛ الأمن المنفلت، عنف الجماعات الإرهابية والدينية الطائفية يتخذ منحاً تصاعدياً..الخ.

بالنسبة للرئيس، كانت كافة الحلول الممكنة والمتاحة بيد الدولة مؤجلة. ذلك أن استخدامها الآن قد يعيق توافقات الحوار الوطني.

 لقد كان الأمر هنا، بالنسبة لشخص مثل الرئيس هادي، يتعلق بمبدأ آخر من مبادئ التعامل الرئاسي. مبدأ لا يوجب التسرع في استخدام صلاحياته الرئاسية المفترضة والحاسمة، حفاظاً على مسار التوافق؛ بل هو مبدأ ضرورة الصبر والانتظار حتى ينتهي مؤتمر الحوار من حلحلة كافة تلك القضايا.

كان من الضروري لهادي أن يعول أكثر من غيره على ما سيفضي إليه الحوار. وإن كان ما سيفضي إليه قد رسم مسبقاً بالقلم والمسطرة، مع خبرائه والشركاء السياسيين المتقاربين معه بفكرة الدولة القادمة. طبقاً لاتهامات معارضين لبعض مخرجاته المتعارضة مع ما ينشدونه هم من شكل وهيئة الدولة المطلوبة مستقبلا.

ومع وضوح كل تفاصيل الأرض والواقع السياسي في ضعف مؤسسات الدولة، ظل "التحالف الحاكم" يعول كثيراً على مخرجات الحوار؛ وكان يتم تأجيل كل ما هو متاح من حركة ممكنة لمواجهة التدهور وإنقاذ هيبة الدولة وإصلاح أمن المواطن ومعيشته وإعادة ثقته بثورته وحكومته إلى ما بعد الحوار الذي سيقرر ما على الدولة وما على المكونات السياسية وما على المواطن من حقوق وواجبات، وبعدئذ ستقوم الدولة بما عليها، وفق شرعية كاملة تكون قد استمدتها من ضوء ما أقرته وتوافقت عليه كافة القوى السياسية.

بدى الأمر وكأن مخرجات الحوار ستكون "العصا السحرية" التي ستنقذ الدولة والبلد من التدهور وتحل كل المشكلات.

وصممت في أثناء ذلك ضمانات خاصة لتنفيذ مخرجات الحوار، كفكرة جيدة، أشبه بعمل سياج اضطراري بأركان قوية ومتينة تحرس وتحافظ على بيئة طبيعية لتنفيذ تلك المخرجات.

ما بعد الحوار
انتهت إذاً مرحلة صعبة من أهم مراحل الفترة الانتقالية، ودخلت البلاد في مرحلة أخرى جديدة: مرحلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. وهي مرحلة ربما كانت في اعتقاد النظام والحكومة أنها الأسهل، لاسيما وأن هذه المرحلة منحته شرعية إضافية للبقاء حتى تنصيب رئيس جديد بانتخابات تجرى وفق الدستور الجديد.

غير أن عدة شهور مرت منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، فيما قضايا كبيرة ومن ذات الأكثر أهمية ما تزال معلقة حتى الآن.

وفضلاً عن أن الاقتصاد الوطني بدأت تند مساوئه على السطح مؤخراً وبشكل أكثر وضوحاً من قبل، بفعل تراكمية الأداء التوافقي، مهددة بانهيار وشيك للميزانية العامة، فإن الخلافات الداخلية والبينية، بين شركاء الحكم ظهرت على خلفية بعض المواقف.

تحديد شكل الدولة وعدد الأقاليم، شكلت نقطة خلاف وخصام بين الرئيس وبعض شركائه، مثل الحزب الاشتراكي، الذي خلق موقفه المتشدد من الستة أقاليم ـ أيضاً ـ فجوة مع حليفه التجمع اليمني للإصلاح، فيما أحدث تقارباً أكبر مع جماعة الحوثي المطالبة – كالحزب – بدولة فدرالية من إقليميين فقط.

وماذا بشأن ضمانات التنفيذ؟
قد يبدو الخلاف الأخير، المشار إليه آنفاً، أمراً طبيعياً، وقد يستند إليه البعض كدليل على حزم الرئيس ورغبته في تنفيذ وإنفاذ مخرجات الحوار، فيما قد يراه البعض إستقواءاً على مبدأ التوافق لتمرير رغباته المحددة مسبقاً لشكل الدولة التي يريدها وعدد أقاليمها.

على أن الأهم هو تلك القضايا المتعلقة بتحقيق تطلعات المواطن وشئونه الحياتية والأمنية؛ بشأن الدولة المدنية الحديثة وأسس بنائها.

تجعل النقطة السادسة من المبادئ العامة الواردة ضمن ضمان تنفيذ مخرجات الحوار، من المواطن محوراً للعملية السياسية "وتلبية طموحاته هو غايتها"، أي تلك الضمانات. وبالتالي تؤكد على "رفع مستوى ثقة المواطن بالعملية الإنتقالية وتشجيعه لضمان مشاركته في العملية السياسية خاصة في الجنوب".

وتؤكد النقطة رقم (5) من المبادئ العامة الواردة في وثيقة الضمانات على: "إحداث تغيير حقيقي: تنعكس آثاره في العملية السياسية وعلى حياة المواطنيين بشكل واقعي وملموس".

هكذا تقول الضمانات، بينما الواقع الذي يعيشه المواطن، والوطن عموماً، مازال أكثر رداءة. ذلك أمر من الصعب تحقيقه بعد شهرين ونيف من انتهاء مؤتمر الحوار. قد يكون ذلك صحيحاً جداً، إلا أن المواطن حتى الآن – وبعد انقضاء تلك الفترة - لم يلمس بوادر لتحقيق أبسط تلك القرارات والإصلاحات التي أكدت عليها الضمانات، فيما يتعلق بشأن المواطن. وهي ليست بحاجة سوى لإرادة وعزم لا أكثر، ذلك أنها ليست معقدة التنفيذ على أرض الواقع.

على سبيل المثال، ورد ضمن المهام الرئيسية في وثيقة الضمانات، في إطار ما أطلق عليها بـ"المحطة الأولى"، النقاط التالية:
-  إصدار تعليمات قانونية وإدارية محددة إلى النيابة العامة ودوائر الشرطة والسجون والأمن للتصرف وفقا للقانون والمعايير الدولية، وإطلاق سراح الذين احتجزوا بصفة غير قانونية.
- العمل على إنهاء جميع النزاعات المسلحة.
- "إتخاذ الخطوات اللازمة، وبالتشاور مع سائر الجهات المعنية الأخرى، لضمان وقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني، وفض الاشتباكات بين القوات المسلحة والتشكيلات المسلحة والمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، وضمان عودتها إلى ثكناتها، وضمان حرية التنقل للجميع في جميع أنحاء البلاد، وحماية المدنيين وغير ذلك من التدابير اللازمة لتحقيق الأمن والإستقرار وبسط سيطرة الدولة.
- استكمال إجراءات إعادة هيكلة الجيش والأمن.
- اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث إنتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلا (إصدار قانون العدالة الإنتقالية) وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
- استكمال تشكيل اللجنة الخاصة بالتحقيق في انتهاكات 2011م.
- إطلاق سراح معتقلي شباب ثورة التغيير والحراك الجنوبي السلمي والذين اعتقلوا خارج إطار القانون.

في الواقع، لقد اقتربنا من مرور الشهر الثالث، لما بعد الحوار وفي إطار فترة تنفيذ المخرجات، بيد أن أياً من تلك النقاط السابقة، السهلة والبسيطة، وغير معقدة التطبيق، لم نشهد حتى الآن أي توجه رئاسي أو حكومي لتحويلها إلى واقع ملموس. لا يحتاج الأمر سوى إلى قرارات رئاسية بدرجة رئيسية، وحكومية بدرجة تالية، تضعها موضوع التنفيذ. ثم ليأخذ التنفيذ مداه المطلوب والمعقول.

لم تصدر أية قرارات أو توجيهات بإطلاق المحتجزين بصفة غير قانونية، ولا إطلاق سراح شباب الثورة، وربما الحراك، المعتقلين خارج سياق القانون.

سنجد مثلا أن المحطة الثانية في الضمانات، والتي أخذت عنوان: "تأسيس الدولة وإجراء الانتخابات"، تضمنت نقاط هامة عدة، ومن جزئها الثاني، غير المتعلق بالانتخابات، بل بالإصلاحات العاجلة والسريعة المطلوبة لضمان التنفيذ، نورد هذه النصوص:  

- البدء في إصدار تعليمات قانونية وإدارية ملائمة إلى جميع فروع القطاع الحكومي للالتزام الفوري بمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والضامنة للإصلاح ويجب الشروع بالجهات التالية ذات الأولوية :

الخدمة المدنية، وزارة المالية والبنك المركزي، الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، الإعلام، النيابة العامة، مكتب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، الإدارة المحلية، أي تشريعات أخرى تتعلق بمكافحة الفساد وبالحقوق والحريات مثل قانون الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وقانون مكافحة الفساد، والقانون المالي والذمة المالية، وقانون حماية الدولة( تعطى هذه التشريعات الأولوية).

- العمل على ضمان أداء المهام الحكومية على نحو منظم بما فيها الإدارة المحلية وفقاً لمبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة.
- البدء في إعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
- أية إجراءات أخرى من شأنها أن تمنع حدوث مواجهة مسلحة في اليمن.
- اتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها، بما في ذلك الأطفال والنهوض بالمرأة.

لن أضيف شيئاً جديداً إن قلت إن كل ذلك، لم يتم بعد، أو بل لم نشعر بخطوة أولية هامة للدولة – رئاسة وحكومة – في التوجه نحو تنفيذ تلك الأمور على أرض الواقع، وإن حتى بإصدار قرار، أو مشروع لقرار ينحو بهذا الإتجاه.

الواضح اليوم، أن كل شيء بات معلقاً، فيما تواصل مؤسسات الدولة الحكومية إنهيارها العملي والقيمي.  

وتمنح الضمانات، ضداً على بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، رئيس الجمهورية الحق في إحداث تغيير في الحكومة، بناء على نصها (الضمانات) القائل: " يقوم رئيس الجمهورية بممارسة صلاحياته الدستورية للتغيير في الحكومة بما يضمن تحقيق الكفاءة والنزاهة والشراكة الوطنية، وكذلك الأجهزة التنفيذية الأخرى على المستوى المركزي والمحافظات لضمان الشراكة الوطنية والكفاءة.".

عقب انتهاء مؤتمر الحوار كثر الحديث والجدل حول التعديل الحكومي المرتقب الذي عول عليه الكثيرون في إحداث فارق في حياة المواطنين، غير أن ذلك التعديل اقتصر على وزير الداخلية، إلى جانب تعيين وزير نفط بدلا عن المستقيل، وإقالة رئيس جهاز الأمن السياسي، فيما كان حديث الشائعات يدور حول ست إلى سبع وزارات فاشلة على الأقل.

تخوض الحكومة حالياً، صراعاً كبيراً مع ميزانيتها المنهارة، بحيث يشاع أنها لن تكون قادرة على تلبية النفقات لأكثر من أربعة أشهر أخرى تقريبا. وهذا الأسبوع ابتعث وزراء المالية والتخطيط إلى الولايات المتحدة الأمريكية لبحث دعم دولي من صندوق النقد الدولي والإدارة الأمريكية، فيما نفذ جمال بنعمر، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن، زيارة استغرقت يومين إلى العاصمة السعودية (الرياض) لحشد الدعم العاجل، والتهيئة لمؤتمر أصدقاء اليمن القادم المقرر انعقاده في لندن في 29 من الشهر الجاري.

حيث تعول بلادنا على هذا المؤتمر الكثير من الآمال في تقديم المساعدات الموعود بها منذ سنوات من قبل المانحين الدوليين.

في السياق أيضا، ثمة خلافات متراكمة، بعضها منذ سنوات وأخرى حديثة، بشأن تغيير بعض محافظي المحافظات. هذا الأمر بدأ يتردد من أكثر من عام تقريباً، إلا أن الأمر بات منوطاً برئيس الجمهورية، بدلاً عن رئيس الحكومة. الأمر الذي أقحم خلافات الأحزاب ومصالحها في هذه المسألة، وكان يشاع قبل فترة طويلة أنها جاهزة، والمسألة مسألة وقت!

هذه الإشكالية أفضت إلى إضعاف أداء السلطات المحلية بالمحافظات، وشبه توقفها عن أداء مهامها لاسيما في المشاريع التنموية، حتى بات الأداء الوحيد الذي يبرز هو أداء الفساد وإهلاك ميزانية المحافظات لشخوصها ومتنفذيها، وفي المحسوبية وشراء الذمم، إلى جانب سيطرة جماعات الإرهاب والعنف والتقطع..!!

وفي الإطار ذاته، لم يتم اتخاذ قرارات سهلة وبسيطة، تغطي الفجوة القائمة منذ العام 2012 تقريباً، بتعيين سفراء واستيفاء دبلوماسية اليمن في الخارج، في حوالي 30 سفارة. انتهت فترة عملهم المتعارف عليها دبلوماسياً، لكن مواقعهم لم تشغل حتى الآن.

يرجع الأمر، بحسب ما يعتقد، إلى خشية من ردود الفعل الداخلية من جهة مختلف القوى السياسية المطالبة والمنتظرة إشراكها في تعيينات مواقع السلك الدبلوماسي.

لقد توقفت تلك التعيينات منذ صعود الرئيس إلى سدة الحكم، فيما عدا قرارين بارزين، أحدهما قضى بتعيين الدكتور مجور سفيراً لليمن في جنيف، والآخر الذي قضى بتعيين أحمد علي عبد الله صالح سفيراً لبلادنا في دولة الإمارات العربية المتحدة. وثمة تعيينات أخرى لملاحق عسكرية اقتضتها ضرورة إبعادهم من مناصبهم في مواقع هامة في الجيش، مع أن بعضهم لم يستلم موقعه حتى الآن منذ أكثر من عام.

أطر وهيئات الرقابة والتنفيذ
الشيء الوحيد الذي تم تنفيذه من المخرجات حتى الآن هو "تشكيل لجنة صياغة الدستور". حتى مع أن تشكيلها هو الآخر تعرض لموجة نقد يمكن وصفها بأنها "سريعة وخفيفة"، من جهة عدم الالتزام بمعايير التشكيل الواردة ضمن وثيقة الضمانات.   

ستعمل اللجنة، بحسب تصريحات مسئولين فيها، على مدى أربعة أشهر لتعد صيغة لمشروع الدستور اليمني القادم.

يعتقد أن مهامها لن تكون كبيرة، أكبر من البحث عن قالب مناسب لتصب فيه مواد وقرارات مخرجات فرق عمل الحوار والمتضمنة في وثيقة المخرجات، بشكل قانوني وتشريعي.

ولن يكون من المناسب والمقنع التعويل على ما ستنتجه وانتظار ما ستفعله هذه اللجنة كما كان يعول على سابقا على مخرجات الحوار، لاتخاذ اجراءات تحسن من الحياة المعيشية للناس.

ثمة أمور أخرى مهمة لم تنجز حتى الآن، لكنها مؤجلة بسبب ما يشاع أنها خلافات بين الرئيس واطراف رئيسية، أو بين أطراف سياسية وأخرى. يدخل في ذلك، مثلا توسيع مجلس الشورى "بما يضمن تمثيل جميع المكونات والفعاليات السياسية والإجتماعية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بنفس نسب التمثيل في مؤتمر الحوار...الخ". حسب وثيقة الضمانات.

الأهم من ذلك، من الناحية العملية التنفيذية، الغموض الذي يكتنف تشكيل ما تعرف في وثيقة الضمانات بـ"الهيئة الوطنية". من خلال "توسيع لجنة التوفيق وتعمل كهيئة وطنية تمثل فيها جميع المكونات والفعاليات السياسية والاجتماعية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بنفس نسب التمثيل وحسب المعايير المتفق عليها في مؤتمر الحوار الوطني على أن لا يقل عن مقعدين لأي مكون أو فعالية..الخ"

على عظم أهمية هذه اللجنة في: 1ـ الإشراف والمتابعة في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل. 2ـ المتابعة والإشراف على لجنة صياغة الدستور، والتأكد من وثيقة الدستور والموافقة عليها قبل رفعها لرئيس الجمهورية لاتخاذ الإجراءات الدستورية اللازمة للاستفتاء. بحسب ما ورد في وثيقة الضمانات..

يقال إن هناك خلافات بشأن طريقة تشكيل اللجنة وعددها أدت إلى تعقيد مسألة حسم تشكيل اللجنة، في الوقت الذي بدأت فيه عملية تنفيذ المخرجات قبل شهرين تقريباً، فيما مر على عمل لجنة صياغة الدستور قرابة شهر، بعيداً عن اللجنة المسئولة عن الإشراف والرقابة عليها.  

 الواقع الآن..المسببات..النتـائج..الكــارثة
تفرض قضايا ذات طابع سيادي وأمني، مثل: إرهاب تنظيم القاعدة، مسلحو الحراك الجنوبي الداعين للإنفصال، ومليشيات الحوثي المسلحة، أجندتها على مسألة بناء الدولة القادمة، باعتبارها معيقات مثقلة على الأرض، بدى من الصعب مواجهتها.

وتلك حقيقة باتت أكثر وضوحاً، مع تصاعد أعمال العنف ضد الجيش من قبل تنظيم القاعدة، ومؤخراً مسلحو الحراك، إلى جانب ما تفرضه مليشيات الحوثي المسلحة من متغيرات على الأرض في شمال الشمال وجوار العاصمة صنعاء.

في الحقيقة يمكن التأكيد أن ذلك ساعد على وضع الدولة موضع العاجز، في مقابل كل تلك الإشكاليات المتواجدة في مربع عملها التنفيذي. على رأسها الحالتين الأمنية والاقتصادية، المتداخلتين فيما بينهما بشكل تراكمي، إلى جانب إشكاليات الخلافات السياسية المتجددة وفق مسارات عمودية وأفقية بين الحين والآخر.

من الانصاف والنزاهة القول ان كل تلك الاشكاليات، غير معنية بها فقط مؤسستي الرئاسة والحكومة، بل تنسحب عملية خلقها وتأثيرها على كافة أطراف العملية السياسية، سواءً التي شاركت في الحوار وتوافقت على مخرجاته بدرجة رئيسية، أم تلك التي لم تشارك لأسباب داخلية خاصة أو لاعتبارات أخرى بينها الإقصاء والتهميش.

ولعل من الإنصاف القول أن وصول التحالفات السياسية إلى موضع مهدد بمواصلتها على أساس المصلحة العامة في بناء اليمن وطغيان المصالح الحزبية الخاصة والضيقة، سواءً كان ذلك بفعل خلافات ذاتية أم عبر عوامل خارجية من قبيل إدارة الأزمات والصراعات تحت القاعدة السياسية الشهيرة "فرق تسد"، كان له تأثير مهم على إدارة التوافقات الوطنية منذ مرحلة الدخول في مؤتمر الحوار الوطني وتصاعدت بشكل دراماتيكي حتى اليوم.

لقد أدى ذلك، قطعاً، إلى بروز خرائط تحالفات سياسية جديدة، بعضها واضحة وأخرى معقدة وغير مفهومة حتى الآن. الأمر الذي أضعف جبهة التحالف القوية التي كان يستند إليها الرئيس نفسه، منذ توليه سدة الحكم.

في هذه الأثناء، ترتفع حدة الاستقطابات الداخلية والخارجية لقوى طفيلية تستغل فوضى أداء منظومة الدولة شبه المنهارة، في الوقت الذي تبرز فيه ولاءات عصبوية وحزبية تعمل على البحث عن استحقاقات خاصة، لا عامة، ولا يكون الوطن إلا في آخر قائمة الاشتغال على إنقاذه.
-------------------------------------------
نشرت المادة في يومية "المصدر"- العدد (567)، عدد الخميس-السبت: 17-19 إبريل 2014
- رابط النشر في الموقع:
http://almasdaronline.com/article/56838