الأربعاء، 30 يناير 2008

اليمن.. القضية الجنوبية .. في مبررات الفشل..




حتى لا تتحول الثورة من استعادة وطن مفقود.. الى استعادة سلطة مفقودة
- تبدو المؤشرات مقلقة فيما يخص الوصول الى حل توافقي للمشكلة القائمة، التي باتت تعرف بـ"القضية الجنوبية"، طالما ظل الطرف الذي يعتبر نفسه مظلوماً و"مقصياً" على ماهو عليه: يدفع بالأحداث الى نقطة البداية الأولى (ما قبل حرب صيف 94م). تلك الحرب التي أفضت نتائجها الى هذه الحالة المثارة بعد (13) عاما..

إنها ذات الدائرة من عدم الاستقرار السياسي، التي عانى منها الجنوب في محطات مختلفة عقب الاستقلال الوطني (1967م).  على أن توخي الحلول بالصراعات والأقتتالات، من شأنه أن يبقي الملف مفتوحاً ليعاد بعثه وقراءة محتوياته لاحقاً، وبذات الطريقة الانتقامية التي تحدث اليوم..!!

وعليه يمكن القول أن الحل المنطقي للمشكلة الجنوبية (التي لا يمكن إنكار وجودها وبشكل تسارعي كبير)، لن يكون بعودة الحال الى ما قبل 1990م، أو حتى 1994م.

- قد يكون الحل الذي تتبناه ثورة "المقاعدين" الحقوقية ( ولا يعيبها أن تتسم بطابع سياسي على أساس أن ما بني عليه ظلمهم جاء كذلك) هو الحل الأكثر تأثيرا ليس في استعادة حقوقهم فحسب، إنما لتعميمها على مستوى الوطن لاستعادة وطن بأكمله. من هنا يمكن القول أن ظهور نفر أو ثلة قليلة تحاول استغلال تلك الثورة السلمية البيضاء، لتكسب مصالح سياسية خاصة فقدت أثناء الصراع السياسي، من شأنها أن تجهض هذه الثورة..!! وهذا ما سنحاول توضيحه في هذه التناولة بشكل أدق.
* بين الحق في السلطة والحق في الحياة
لا يمكن تغافل التراكمات السالبة التي أعقبت حرب صيف(94م) من الناحية السياسية، والتي أفرزت كأي حرب طرفي المعادلة: منتصر – مهزوم. وذلك ما ينطبق أيضاً على حرب 1986م في الجنوب. غير أن تأثير تلك الحرب على القيادات التي صنعت قرارها، ربما كان سيكون أقل أثراً باعتباره النتيجة المؤلمة للصراع، لو أن النتائج لم تتعدى تلك القيادات لتصل الى المواطن..!! بل الأسوأ أن تصل اليه تحت تصنيف التبعية الجغرافية..!!
وهو ما رسخ إشكالية ما تتبناه بعض التعريفات أنه "احتلال" وليس دفاعاً عن الوحدة.

ذلك الأمر من ناحية الممارسات اللاحقة للحرب (التي خالفت ما قامت عليه: تحت اسم الدفاع عن الوحدة) جعل من الحديث عن إزالة آثار تلك الحرب أمراً مبرراً، بل ومطلبياً، عجز النظام القائم من تصنيفه ضمن "الخطوط الحمراء" للوحدة، في الوقت الذي أعتبر فيه الحديث – المستحيي – عن تصحيح مسار الوحدة، يندرج ضمن تلك الخطوط، ويتهم من ينادي بذلك بتهمة "الانفصال".
ولاحقاً عرف معنى "تصحيح مسار الوحدة" أنه استعادة السلطة للقيادات الجنوبية ضمن إطار الوحدة الوطنية. على اعتبار أن تلك القيادات شريكة في صناعتها. وقد لا يمثل مثل هذا التعريف إشكالاً من الناحية الاعتبارية العامة إذا ما تجاوزنا أن هناك قراراً بالانفصال تم اتخاذه من قبل تلك القيادات، وأدى الى هذا اللون الواحد من شكل النظام. غير أن تحقيق ذلك على أرض الواقع لم يكن بالأمر السهل خصوصاً وأن تلك القيادات صنفت على أنها خائنة وعميلة، الأمر الذي جعل النظام يتحايل بتفويض قيادات جنوبية لتولي مناصب قيادية كبرى (نائب الرئيس، ورئيس الوزراء).
مع كل ذلك لم يكن هناك من تأثير حقيقي على مجريات الأمور مثلما ظهرت عليه تأثيرات ثورة"المقاعدين": الحق الوطني الحقيقي الذي لا يمكن تعويضه إلا به. هذا الحق مع أنه أخذ في تلك الظروف التي أخذت فيها السلطة من قيادات الجنوب الفعلية، إلا أن قمعه أو التحايل عليه كان أمراً مستحيلا.. !! وللإجابة على سؤال: لماذا؟ في اعتقادي هناك سببين أثنين. الأول: أن الحقوق لا تسقط بالتقادم. الثاني: أن تلك الحقوق كانت مدعومة من قبل معظم أحزاب ومنظمات المجتمع المدني الوطنية ومعظم شرائح المجتمع اليمني.

ولتدعيم ما ذهبنا اليه، يمكن فقط الإشارة الى الارتداد العكسي لما أقدمت عليه السلطة من محاولة لقمع تلك الأنشطة السلمية. وهو أمر لم يكن ليؤثر على سلطة أدمنت القمع واستخدام السلاح في مواجهة الشعب، لو لم تقف في وجهه الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وشرائح المجتمع في الشمال والجنوب على السواء.

- ولذلك فإن ظهور تلك الثلة القليلة لتقول للأحزاب وتلك المنظمات: قفوا أمكانكم، ولا تتقدموا.. هو أمر يسعى لإخماد جذوة تلك الشرارة ولا يدعمها تحت مسميات أنانية ضيقة تحاول النيل من حركة المجتمع المدني، عبر تشظيته بفرزه جغرافياً.
* استغلالية المشترك
إن الوعي التحرري الذي بنته القيادات الوطنية الحزبية والمستقلة عبر الفعل السياسي المناهض ( من خلال الصحافة و المناشط التوعوية المختلفة من اعتصامات ومظاهرات وغيرها). والى جانب ما توجته الانتخابات الرئاسية (2006م) من مواجهات حقيقية بين المعارضة والنظام القائم، كان الجانب المشرق منها: كم التوعية التي عمدت أحزاب المشترك على ضخها للمواطنين أثناء التنافس، والتي كسرت المحرمات وأسقطت الصنمية.. كل ذلك بجملته كان له الأثر البالغ في تتويج ثورة الحقوق السلمية. ولما ظهر التناغم الوطني بين تلك الثورة وبين النضال السلمي الذي قادته أحزاب اللقاء المشترك، اهتز عرش النظام وبدا كأنه فقد قوته الهلامية فراح يصدر القرارات العشوائية والارتجالية وحاول استخدام كافة الأساليب الترغيبية والترهيبية. لكن ذلك كان في نهاية الأمر يكشف مزيد من العجز أمام القوة التي ظهرت عليها الثورة. فلجأ تارة الى اتهام قيادات المقاعدين أنهم انفصاليين، وتارة الى اتهام أحزاب المشترك أنها انفصالية، في محاولة منه تخويفها من أجل التخلي عن دعمها لتلك الثورة وإيقاف أنشطتها الميدانية التي كانت خططت لها مسبقاً ضمن خطتها الشعبية لدعم مشروع برنامجها للإصلاح السياسي. ولما شعر النظام بجدية الموقف ولامس الخطر بدا باستخدام أوراق أخرى إحداها كانت محاولة شق قيادات المقاعدين بالمال والمناصب والوعود العسلية غير أنه عجز كما عجز مع أحزاب المشترك التي رفضت دعواته للمهادنة في بداية الأمر، لكنها لم تسلم من خديعته حين اعتقدت أنها يمكن أن تستغل هذا الحراك الشعبي لتحقيق مكاسب وطنية عامة تدخل في إحداث إصلاحات جوهرية تطال عمق الإختلالات التي يستند عليها النظام في بقائه. وعلى أساس ذلك استأنفت أحزاب اللقاء المشترك حوارها مع الحاكم، مع إصرارها على عدم التخلي عن حق المقاعدين وغيرهم من فئات الشعب في ممارسة أنشطتهم السلمية من مظاهرات واعتصامات في الوقت الذي كان إعلام الحزب الحاكم يحذرها من ذلك ويتهمها "الكيل بمكيالين".
* متلازمة الاستغلال
- وفيما كان مؤملاً من هذا التناغم بين الحركة الشعبية والمعارضة، لإحداث نقلة نوعية في القوانين الناظمة لإصلاح كافة الإختلالات التي عانى منها الشمال والجنوب، أنتقل النظام الى استخدام بعض من ظل يستخدمه كأوراق لشق الحزب الإشتراكي – منذ ما بعد مؤتمره العام الخامس بشكل واضح - هذه المرة لشق الحركة التحررية الشعبية. وظهر من يتحدث بلسان ثورة الحقوق السلمية ويكتب دفاعاً عنها لكن بطريقة من شانها أن تحدث شروخاً في بنيانها. لقد ظهر من يقول "أن الوحدة لم تتم أصلاً" وأن على اللقاء المشترك أن لا يتدخل في قضية الجنوب، وأن قضية الجنوب قضية جغرافية محدودة وليست قضية شعب بأكمله.

والذي قرأ ما كتبه أحد هؤلاء المنظرين بتمعن سيدرك حتماً أنه أراد من الآخرين التخلي عن دعمهم للحركة الشعبية، فهو سعى فيما كتب الى التأكيد أن القضية الجنوبية لا تريد تدخلا من الشماليين. وهذا مخطط واضح لإفقاد الحركة فاعليتها وتأييدها، وزخمها الكبير الذي يؤمل منه التوسع ليشمل استعادة الحقوق في اليمن بكامله. وهو – أي هذا المخطط - هدف أيضا يسعى النظام الحالي الوصول اليه. بل من المعلوم أن أي حركة ثورية تسعى لكسب تأييد واسع من مختلف القوى الداخلية والخارجية غير أن إطلاق مثل هذه التصريحات ينافي تماماً هذا المنطق وبالتالي يتضح الهدف الحقيقي منها.
* تحويل الزخم
  أمر آخر يرتبط بمحاولة تجزيئ المشكلة وبالتالي حلولها: من وطنية كلية الى مناطقية جزئية. قد يقضي على الزخم الثوري الذي بدأ يتشكل ضمن الوعي الجمعي للمواطنين في شتى بقاع الأرض اليمنية.

ذلك أن هناك من يحاول الهروب بهذا الزخم الثوري من المشكلة الكلية القائمة على ظهر النظام الفاسد في كل الوطن، الى تجزيئها لتبدوا المشكلة وكأنها خاصة بفئة ومنطقة. ومثل هذه التصرفات والأفكار تخدم النظام الفاسد وتحيل كافة التراكمات والتضحيات التي قدمتها القيادات سواء في الحزب الإشتراكي - باعتبار شعبيته الجنوبية – أو بقية أحزاب الشمال، الى سلة المهملات السياسية. إذ أن مثل تلك التضحيات الكبيرة التي قدمت على مدى (17) عاماً من عمر الوحدة والديمقراطية، بغرض الوصول الى الثورة الكبرى لإحداث إصلاح في نظام وطن.. هناك اليوم من يحاول طمسها لإنعاش ثورة صغرى تستوحي مصالح أشخاص من خلال المطالبة بإحداث إصلاحات جزئية في منطقة جغرافية محددة.
* بين استعادة وطن واستعادة سلطة
أما الأمر الثالث الذي من شأنه أن يضعف ثورة "المقاعدين" قد يشبه الى حد ما النقطتين السابقتين، لكنه في حقيقة الأمر يمتزج بينهما ليصنع نقطة مستقلة بذاتها. فالثورات حتى تصل الى مرتبة أن تكون عظيمة يجب أن تكون مستندة على قيم عظيمة. وقيمة الثورة حين تسعى لاستعادة وطن مفقود بأكمله، حتماً أعظم من قيمة استعادة سلطة مفقودة.
ولقد ظهر اليوم من يفتخر أنه يريد أن يتخلى عن الوطن الكبير، من أجل الحصول على وطن صغير. لا تقوده من قيمة الى ذلك سوى توخي استعادة مجد أفل. ولاستعادة سطوة سابقة، يضحي بوطننا جميعاً من أجل وطنه هو.
أولئك الذين أوصلوا الوطن بكافة شرائحه عبر قراراتهم السياسية غير الحكيمة، الى هذا الضعف، يسعون اليوم للتخلي عن الجميع لمجرد أنهم لمحوا بوادر فرصة اعتقدوا أنهم قد ينجحون بتوجيهها لمصلحتهم إذا اندسوا فيها لحرف مسارها الشعبي العام الى الشخصي الخاص.

إن جزء من  الشعب الذي احتفى بالوحدة كمنقذ له من خلال تحقيق "دولة النظام والقانون"، قد يخسر قيمه ويتخلى عن تراكماته النضالية ليقف مع دولة "اللاقانون"، إذا ما شعر أن هناك من يسعى لخيانته من أجل استعادة مصالحه الشخصية..!!. ومثل هذه التوجهات من الطبيعي أن تسندها وتستغلها الآلة الإعلامية للنظام القائم لعكس فكرة الثورة الكبرى ضده، الى ثورة يقود توجهاتها وأهدافها هو.
* في مفهوم: أن جغرافية الشمال لا النظام هو المحتل
- إن مثل تلك التنظيرات المتقعرة كما أرادت أن تصل بتفاعلية الثورة الى نتائج مشوهة قد تخلط الأوراق بعضها البعض ليعاد ترتيبها وفق مخطط مصلحي شخصي دون الولوج الى العمق المؤمل منه لتصحيح مسار الوطن الواحد برمته، فإنها قد تصل بالوطن الى تشرخات قد لا يمكن الوقوف بسهولة على علاجها. ذلك أن أحد مفاهيمها الخطيرة يسعى لتعزيز فكرة: أن الجغرافية الشمالية احتلت الجغرافية الجنوبية في حرب 94م وما بعدها. وهي محاولة لتعميم مشكلة فساد تصرفات النظام الى الشعب. أو بمعنى آخر : محاولة تسعى الى تحويل المشكلة من مشكلة قديمة قائمة بين الشعب والنظام الفاسد الى مشكلة حديثة بين شعب في الشمال وشعب في الجنوب..!!

إن محاولة ترسيخ أن الشمالي عدو للجنوبي هو أخطر ما يمكن أن تنتج عنه تلك الخطة الخبيثة بغرض تبرئة النظام أن يكون عدواً للجميع.
* نهاية المطاف
من كل تلك المؤشرات فقد تبدوا ثورة المقاعدين (التي اكتسبت منذ بداية نشاطها الشعبي قبل 9 أشهر، وحتى اليوم تأييداً جماهيراً واسعاً خرج لها أبناء الشمال قبل الجنوب) أنها على شفا جرف هار، قد ينهار بها طرفي الصراع على السلطة.

فاليوم ظهر من خارج السلطة – وتدعمه هذه الأخيرة - من يستغل هذه الثورة لضرب أحزاب اللقاء المشترك وبالتالي ضرب مشروع الإصلاح السياسي الوطني الشامل، والذي بات يهدد المناخ الشاذ الذي تنمو معه السلطة كحشرة متوحشة ضد شعبها. كما ظهر من يسعى لأن يستغلها لضرب مقومات الوحدة الوطنية، التي يعول عليها العمل كحائط صد قوي ضد توجهات وأد عملية التحول الديمقراطي نحو وطن النظام والقانون.
وعليه فقد يتوجب على قيادات اللقاء المشترك وقيادات المقاعدين وكافة منظمات المجتمع المدني الوطنية، التنبه لمثل تلك المحاولات، والإبقاء على زخم وقوة ثورة التحرر والحقوق الشعبية لتمتد على طول الوطن وعرضه لاستعادة وطننا الذي إن أفتقده أخواننا في المناطق الجنوبية منذ (13) عاما. فأن إخوانهم في المناطق الشمالية افتقدوه منذ ما قبل تلك الفترة بـأكثر منها.
علينا أن نؤمن أننا نبلي بلاء حسنا حتى الآن.
 ———————————————————————————————–
- هذه المقالة نشرت في صحيفة النداء، العدد (136) 30 يناير 2008م


هناك تعليق واحد:

  1. the world has changed for better or for worse
    http://telamamaria.blogspot.com/2008/08/erotisme-lfrica-antiga.html
    Greetings from Reus Catalonia

    ردحذف