الأربعاء، 1 أغسطس 2007

دعوة الى "ثورة بيضاء" في وجه "الكذب الأسود"



"حينما يكذب المسئول، ويستمرئ ما يقوم به.. يكون هناك دائما شعبا متلقي للنفايات "





المسئولون يكذبون دائما ..!! إنهم يقدمون ضريبة مسئوليتهم بشكل وعود وردية، ثم يتركونها هناك كسراب بقيعة، لا يجد المواطن منها شيئا..!!
لكن هذا ألأخير كأنه في مقبرة.. يسمع كل شيء، ولا يستطيع عمل شيء.

يمكن للمسئول أن يقول الشيء، وينفذ نقيضه في آن..!!  من يراقبه ..؟ من سيقول له كذبت، ويحيله الى محكمة توقفه عند حده؟؟ وأين يقع هذا الحد بالضبط؟؟
يكذب المسئول أمام الملأ، بكل فخر، ويتبع الكذبة بأختها، وهو يعلم كل العلم أن لا شيء سيحدث..!!

هب أن الشعب قرر محاكمة "الكذابين الكبار" فما الذي سيحدث؟؟ من المتوقع أن تحدث أزمة في السجون اليمنية ، ولا يستبعد التقدم بطلب الى الأمم المتحدة لإعارتنا سجون أضافية..!!

لنفكر بشكل أكثر جدية. ولنفترض أن الشعب قرر استخدام الوسائل السلمية لمجابهة "كذابيه الكبار"، كما حدث في دولة المجر في أكتوبر من العام الماضي، حين أحدثت كذبة لرئيس وزرائها، ضجة عالمية كادت تودي بدولة المجر، بعد اعتراف سري له في جلسة مغلقة مع نواب حزبه بالكذب في 17 أيلول/سبتمبر.2006م. إذ اعترف بأنه كذب حول برنامجه للتقشف الاقتصادي لإعادة انتخابه في نيسان/ابريل من نفس العام..

 وأدى هذا الاعتراف – الذي نقله التلفزيون المجري - الى تظاهرات واضطرابات، استمرت حوالي شهر، وصفت أنها الأسوأ في تاريخ المجر منذ نهاية الشيوعية في 1989م.  وترافقت مع دعوات متكررة من اليمين باستقالة رئيس الوزراء. وانطلقت التظاهرات ورفع آلاف المتظاهرين الأعلام المجرية وتجمعوا أمام مقر البرلمان مرددين "كذاب،  كذاب، انك أخطأت".
فلو افترضنا، أننا في اليمن قررنا استخدام ذات الطريقة وخرجنا الى الشارع ، مطالبين باستقالة، المسئولين الذين كذبوا على الشعب..!! فما الذي سيحدث؟؟

لنفكر بالحلول والنتائج.. المهم أن لا نبقى "مغفلين" ومقالب لنفاياتهم..!!
   كذب دولي 

يكذب مسئولونا كالمنشار، في الطلوع وفي النزول.. على المنظمات الدولية المانحة، باسم الشعب. وعلى الشعب باسم تلك المنظمات، وهم يعتقدون ذلك ا

أن ذلك هو الذكاء السياسي، .. ترفع أرقام وإحصاءات "متذللة" للشحت الخارجي، غير تلك ألأرقام المعلنة للداخل "المتباهية" بالنجاح.
ذهبوا الى المانحين في لندن، وقدموا أوراق "شحت" عالية الكفاءة، ممهورة بـ"دزينة" وعود. منذ البداية وقبل انعقاد المؤتمر الدولي لم يكن الأمر واضحا، وكانت الشفافية منعدمة في تصريحات وتناقضات المسئولين اليمنيين، عن حجم الفجوة التمويلية التي تسعى بلادنا الى تغطيتها عبر المؤتمر.. فمن (48) مليار دولار، كانت الصحافة الرسمية تتحدث عنها، الى (24) مليار دولار، ثم أصبح الحديث يتراوح مابين (14 -18 ) مليار دولار، ثم تقلص قبيل المؤتمر بأيام قليلة الى أقل من (10) مليار ، ثم أستقر مابين (7 - 8) مليار دولار تقريبا. وبسبب تلك التفاوتات الرقمية، ترددت أخبار أرجعت السبب الى تدقيق خليجي، لحجم المبلغ المطلوب لسد الفجوة التمويلية الاستثمارية في البلاد، حتى أنهم طلبوا كشفا تفصيليا بأسماء المشاريع، ومبالغها التفصيلية، وفترة تنفيذها.. !! الى أن أسفر ألأمر عند آخر مبلغ تم الحديث عنه وهو تقريبا (7) مليار دولار.

ذلك من ناحية ومن ناحية أخرى.. قبل أن يعود مسئولينا رافعين رايات النصر المظفر، كانت الآلة الإعلامية الداخلية قد فعلت فينا ما فعلت، حتى اعتقدنا أننا فتحنا "لندن". منتهى الأمر أنهم عادوا حاملين "وعودا" من الدول المانحة بأقل من (5) مليار دولار.. وتم تعليق تسليمها بشروط والتزامات، فقط "أعلنت" بلادنا أمام العالم أنها ستنفذها. وها قد مر أكثر من نصف عام على تعهدات المانحين وتعهداتنا.. وما زلنا لم ننجز شيئا أكثر من الإعلانات : هاهو "قانون مكافحة الفساد"، وذلك هو "قانون الذمة المالية"، وهنا أيضا "قانون المناقصات والمزايدات"، وفي الجعبة "قانون تنظيم وحيازة السلاح"، وقريبا "قانون السلطة المحلية" ووو.. ، ولذلك بات من الطبيعي أن يعلن مسئول كبير في الدولة – قبل أيام - أن اليمن لم تستلم حتى الآن "فلسا" واحدا من المانحين..!! ليلحقه بأيام تصريح مصدر حكومي أن مساعدات المانحين ارتفعت الى أكثر من (5) مليارات دولار، بسبب ما أبدته بلادنا من نية "حقيقية" للسير قدما نحو الإصلاحات..!!

وبالجملة، أحتوى التصريحان على رسالتين، الأولى من مسئول يحاول أن يبرر موقف الحكومة أمام الشعب للإجابة على سؤال : لماذا لم تظهر نتائج مؤتمر المانحين على الواقع المعاش..!! وهربا من الإجابة المتداولة : أن التطبيل والتصفيق للمؤتمر إياه لم يكن سوى ردة فعل ودعاية لبرنامج الأخ رئيس الجمهورية بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة. لا سيما وأن هناك من وصف مؤتمر لندن أنه جاء ضمن برنامج الأخ الرئيس، من أجل الانتقال باليمن الى حياة جديدة مليئة بالعيش الرغيد، وحياة السؤدد. وإذ كانت هذه الرسالة بقصد التنصل والتبرير لموقف الحكومة، فأنها - وبغير قصد - عززت من شكوك بعض المحللين السياسيين والاقتصاديين، التي صدرت عقب المؤتمر الدولي، حينما ذهبوا للقول بـ"الفشل"، موضحين أن تلك الوعود الدولية بالمنح المالية، ليس بالضرورة أن تكون مضمونة التسليم، خصوصا أنها ارتبطت، بشروط والتزامات داخلية، إن لم تنفذ، فلن يكون هناك مساعدات..!! 

أما الرسالة الثانية من المصدر الحكومي، فقد جاءت – على ما يبدوا – بغرض إصلاح ما أفسدته تصريحات الوزير. ولمحاولة إبقاء الشعب على أمل نتائج المؤتمر، الذي، وكأن تلك التصريحات، تريد أن تقول أن "فتوحاته"  ما زالت تتوالى إلينا حتى الساعة. وهي رسالة احتوت على قصد مناقض للأولى، من حيث أنها تحاول هنا أن تثبت أن مؤتمر لندن، لم يفشل، بعكس ما أوحت به سابقتها.
ربما علينا – إذا – الانتظار طويلا لشيئين، بلادنا بأمس الحاجة إليهما : الإصلاح الإداري (القضاء على الفساد، وإصلاح التشريعات ) ومن ثم استقبال أموال المانحين. وإن كان المانحون اليوم أدركوا أهمية ربط مساعداتهم بوجود إصلاحات إدارية وتشريعية (البيئة الضامنة لنجاح أهداف المساعدات).. فإننا هنا علينا أن نتذكر أن حاجتنا الى ذلك، لم تكن جديدة. بل أنها قديمة، وكان التجمع اليمني للإصلاح، يطالب بها منذ أكثر من عقد. ذلك في العام 1995م، حينما كان شريكا في الحكم، وفرض البنك الدولي على اليمن برنامجا عسيرا للإصلاح الاقتصادي (ما سمي شعبيا بالجرع الاقتصادية).. حينها كان وزراء الإصلاح يقولون بربط ذلك البرنامج بالإصلاح الإداري أولا، وظهر الدكتور عبد الرحمن بافضل على شاشة التلفزيون اليمني في مواجهة اقتصادية، وقال كلماته المشهورة( أنه بدون الإصلاح الإداري أولا، فإن الأموال حتما ستصب في "قربة مخزوقة"). وها نحن الآن، وبعد مرور عشر سنوات.. أعلنت اليمن والبنك الدولي فشل برنامج الإصلاح الاقتصادي.. وإن لم يكن الإعلان بشكل رسمي، فقد جاء تقليص البنك الدولي مساعداته لليمن، أواخر العام قبل الماضي، بنسبة الثلث تقريباًَ، بمثابة الإعلان الرسمي عن هذا الأمر. وكان البنك برر قراره ذاك  أنه "يأتي بعد ملاحظته انخفاض المؤشرات الإيجابية من الجانب اليمني في عملية التنمية مقابل ارتفاع مؤشر الفساد". جاء ذلك  في مؤتمر صحفي عقده نائب رئيس البنك في صنعاء مساء 11/12/2005م.  وأشار إلى أن تلك المبالغ – التي كانت تقدم لليمن – كانت تذهب في غير أماكنها.

وهنا نصل الى فضيحتين ترافقتا مع هذا الحدث، الى جانب الفضيحة الكبرى التي كشفها المسئول الدولي.. وترتبط الفضيحتان بموضوعنا الأساسي (كذب المسئولين).

الأولى : أن نائب رئيس البنك – في ذات المؤتمر –  أشار الى أن تصريحات وزير التخطيط اليمني – في وقت سابق من نفس العام 2005م – لقناة الجزيرة، من أن معدل النمو الاقتصادي في اليمن 10 % ، هو أمر غير صحيح، وقال المسئول الدولي أن الصحيح هو أن النمو الاقتصادي في اليمن ما بين 3 – 5 % فقط. 

الكذبة الأخرى التي رافقت هذه الفضيحة، لم تكن بأقل من أختها، وذلك حين ذهبت الحكومة ، في اليوم الثاني مباشرة بنشر خبرا رسميا في الوسائل الحكومية  يقول : "أن المسئول الدولي قال إنه "سيزيد من حجم الدعم لليمن" ..!!
 كذب اقليمي 

بعد مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن منتصف نوفمبر 2006م، دخلت بلادنا فيما سمي بـ " مؤتمر استكشاف الفرص الاستثمارية" الذي كان أجل مرتين ( الأولى : من فبراير2007م، الى بداية أبريل، والثانية من بداية أبريل الى نهايته). وبنفس الطريقة كانت الآلة الإعلامية الحكومية وملحقاتها تصور المؤتمر على أنه المنقذ والمخلص لبلادنا من الفقر والبطالة، والتدهور الاقتصادي ووو…، لكن نتائجه هي الأخرى لم تكن أكثر من مجرد وعود "مشروطة" من قبل رؤؤس الأموال الخليجية، واليمنية. وفي الحقيقة فقد أضاف المؤتمر على بلادنا عبئا إضافيا للأعباء السابقة التي فرضها مؤتمر المانحين. وبالمجمل نستطيع القول أن المستثمر الخليجي، كان على دراية كاملة بما يحدث في الداخل من عقبات مرتبطة بالفساد المالي والإداري، وطالبوا بضرورة إصلاح المناخ الاستثماري أولا، واعتبروا أن المؤتمر عبارة عن استكشاف، وليس كما فُهم على أنه للاستثمار المباشر.. لكن الآلة الإعلامية ذاتها، ذهبت للحديث عن استثمار أكثر من (2) مليار دولار، وتضاربت تصريحات المسئولين مع الأرقام الرسمية، مع أسماء الاستثمارات، مع تصريحات المستثمرين أنفسهم. لكن المحصلة النهائية كانت واضحة، من خلال البيان الختامي، الذي طالب كما أسلفنا بضرورة إصلاح البيئة الاستثمارية أولا، واعتبار هذا المؤتمر فرصة أولية لمناقشة الأوضاع، وتقديم المقترحات الضرورية، ليس إلا.  

ومما يمكن الإشارة اليه في هذا المنوال، هو تلك الأوراق التي قدمت خلال المؤتمر، فقد قدم وزراء، ووكلاء وزارات، ودكاترة جامعات يمنيين، أوراقا، كانت معظمها تنظيرية، فيما احتوت على أرقام، وإحصاءات غير دقيقة، لدرجة أن ردت بعض الأوراق الخليجية عليها بضرورة تقديم أرقام وإحصاءات دقيقة، ليتم التعامل معها بشكل جدي، واعتبارها قاعدة بيانات مرجعية للمستثمرين. وطالبت ورقة خليجية من اليمن ضرورة مراجعة الأرقام الخاصة بالتبادل التجاري بين اليمن ودول الخليج، ملمحا الى عدم دقة ما ورد في إحدى الأوراق اليمنية المقدمة بهذا الخصوص، والتي قدمت أرقاما متقاربة جدا في فارق الاستيراد والتصدير بين اليمن ودول الخليج.
وفي المؤتمر قدم المسئولون في بلادنا - بما فيهم الرئيس في كلمته الافتتاحية – وعودا كبيرة جدا بشان إصلاح القوانين والتشريعات، والبنية التحتية، وتنفيذ بعض المقترحات التي يجب أن تترافق مع المناخ الاستثماري، كتقوية البنوك والمصارف، وتخصيص بعض القطاعات الحيوية الهامة، وفتح سوق مالية وغيرها ..

كل ذلك التفاعل الذي أبداه الجانب اليمني مع المستثمر الخليجي، من أجل طمأنته، وجلبه لاستثمار أمواله في اليمن، لم يمنع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية من التأكيد بالإشارة – في المؤتمر الصحفي الختامي - الى النقطة الجوهرية التي يمكن تلخيصها بكلمة واحدة هي : المصداقية.

فهو أكد أن النجاح الذي حققه المؤتمر يتطلب التواصل والاستمرارية " منوها الى أنه "ستكون هناك متابعة لنتائجه لعكسها على الواقع بالتنسيق بين الأمانة العامة لمجلس التعاون مع الهيئات والوزارات المختصة وهيئة الاستثمار والقطاع الاقتصادي في الأمانة العامة لمجلس التعاون لوضع تقرير يتضمن تقييم للنتائج التي سوف يبنى عليها ما سوف  يتم متابعته من قبل الأجهزة الرسمية على الأقل في الجانب الخليجي والجانب اليمني ".
 كذب محلي 

إذا كان المجتمع الدولي، قد وصل الى ما وصل اليه من حرص مشبوب بالشكوك، في التعامل مع المسئولين في بلادنا، وصل حد عدم الثقة بهم، واتهامهم بتبديد المساعدات، وعدم تصريفها في أماكنها المخصصة لها..!! بل أن بعض الدول المانحة اشترطت مؤخرا، أن تقوم هي بتنفيذ المشاريع والأشراف عليها، أو إشراك منظمات من المجتمع المدني مع الحكومة في تنفيذ بعض تلك المشاريع..ِ!!
وفي دراسة اقتصادية أجريت في العام الفائت (2006م) كشفت أن 74.6% من القروض، في اليمن، لم يتم استغلالها استغلالا صحيحا، وبحسب المواعيد المحددة لها.

 الدراسة أعدها الدكتور قايد عائض العميثلي - أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء – وهي قالت أن إجمالي القروض التي حصلت عليها اليمن في إطار الخطة الخمسية الثانية 2000- 2005م بلغت حوالي 2 مليار و44 مليون دولار إلا أن المبلغ الذي تم الاستفادة منه لايتجاوز 620 مليون دولار فقط من إجمالي القروض الجارية والمتاحة. وأكدت الدراسة - التي نشرتها صحيفة الوحدة الرسمية يوم 10 مايو 2006م - أن نسبة القروض التي تم الاستفادة منها بلغ فقط 25.4%.
- وإذا كان المجتمع ألإقليمي (دول الخليج)، ينحو في ذات الاتجاه، (وإن لم يعلن عن ذلك صراحة عبر الصحافة فقد تأكد مثل هذا الأمر، من خلال طمأنتهم، قبل انعقاد مؤتمر المانحين، من قبل رئيسنا، بأن يشكلوا صندوقا، يكون تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي، للإشراف على أموال المساعدات، وتنفيذ المشاريع..!!). بل من المؤسف الإشارة الى قرار الصندوق العربي ( الذي يقع مقره في الكويت) بقطع المساعدات عن اليمن، حتى يتم تسديد ما عليها، وتنفيذ المشاريع التي منحت مساعدات وقروض من أجلها.
إذا كان المجتمعين الدولي والإقليمي، وصلا الى هذه المرحلة من التعامل مع وعود والتزامات مسئولينا.. فما لذي يجب على المجتمع المحلي القيام به، إزاء كذبات ووعود مسئوليه الداخلية – على الأقل.

إن ما يحدثه المسئولون من "كذبات" مع الداخل المحلي - وإن كان من الصعب فصله عما يحدث مع الخارج - لا يمكن إحصائه..!! ربما فقط سيمكن ذلك بعد تحقق ما وعد به مدير شركة "جوجل" قبل أسابيع، من أن شركتها تسعي لعمل برنامج، يقوم بأرشفة "كذبات المسئولين"، والعودة إليها في أي وقت لتذكيرهم بها..!!

لقد أصبح المسئول لدينا مؤمنا أن وعوده الكاذبة، وتصريحاته الخارقة، هي الوسيلة المثلى لبقائه في موقعه، وربما ترقيته. ولذلك أصبحت تصريحاتهم، تطعمنا وتسقينا، وتحل محل "لمبة" الإضاءة في منازلنا..!!
ولأننا غير قادرين على معاقبته –مثلا بقطع المساعدات عنه – أصبح بكل سهولة يفرغ شحنة الكذب – التي تسكنه كمسئولية، وعظمة – تجاهنا نحن، من لا حول لنا ولا قوة، إلا أن نظل مؤمنين أن "لا جدوى من كل حديث"..!!

لننظر فقط الى كذباتهم في قضيتين هامتين، هما : الكهرباء، والأسعار. كونهما من أهم القضايا التي تقترب منا (كاستخدام يومي) ، ولا يمكن نسيانها. هذا إذا ما تركنا قضية الكذب في المشاريع، جانبا كونها الأولى مع مرتبة الشرف، خصوصا قبيل كل انتخابات( المطلوب فقط مجموعة أحجار أساس، وكاميرا تلفزيونية، وخبر صحفي).
دعونا في الكهرباء وارتفاع الأسعار، ولنبدأ بالنور، قبل الظلام.. أملا بالحصول على الأول للقضاء على الثاني.
    الكهرباء   
ابسط ما يمكن ترك الجدل حوله في البنية التحتية لأي بلاد، هو الكهرباء، كونها أمرا مفروغا منه في أساسيات الدول. لكن..و منذ قيام الثورة اليمنية، عام 1962م، وحتى اليوم (بعد 45) عام.. أي نصف قرن تقريبا.. وبلادنا، على اختلاف رؤسائها ومدد تربعهم على الكرسي، لم تستطع حل معضلة الكهرباء، التي انتهت – منذ عقود – من كونها مشكلة، في الدول التي تتوافق ثرواتها وإنتاجها المحلي وعدد سكانها مع بلادنا.

من العيب أن تقترض بلادنا مليارات الدولارات، وتكون من الدول المصدرة للنفط والغاز، ولم تعمل على حل مشكلة بسيطة مثل هذه المشكلة حتى الآن.

يشاع أن العمر الافتراضي، لأجهزة محطاتنا الكهربائية، انتهت منذ أكثر من عقد، وأن الحاصل حاليا هو عبارة عن "تربيط في تربيط"، من شأنه أن يزيد من حجم الخسائر في حالة حدوث مشاكل مفاجئة.

أما بشأن تصريحات مسئولينا في هذا الشأن، فمن العيب أن نعود الى ما قبل عقد من الآن، وقد أتحفنا الجديد، بما لم تقم به الأوائل..!!
فإذا كنا قد سمعنا عن مشروع توليد الكهرباء بالغاز من محافظة مأرب، منذ ما يقرب من نصف عقد، في البداية قيل لنا نهاية عام 2006م ، سيتم تنفيذ المرحلة الأولى من الربط مع أمانة العاصمة. ثم انتقل الوعد الى العام 2007م، واليوم نسمع أن ذلك سيتم مع بداية العام 2008م، وإذا ما قدر الله لنا العيش حتى ذلك العام، من المؤكد أن يعلن عن افتتاح المشروع مع بدايات العام 2009م.. وهكذا…
فإذا كنا قد سمعنا عن هذا المشروع الذي قيل أنه سيغطي اليمن مع مساعدتنا للعربية السعودية بتغطية بعض مناطقها القريبة منا.. إذا كنا قد سمعنا بذلك منذ ما يقرب من نصف عقد، ولكننا لم نراه على أرض الواقع حتى الآن..!! فكيف بنا وقد ضج مسامعنا وزير الكهرباء والطاقة  الحالي، الدكتور مصطفى بهران، أن وزارته ستعمل خلال (3) سنوات فقط لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة النووية..!!

دعونا لا نسخر، ونعتقد بأن الرجل، لا يدعي أو يكذب.. !! لكن ماذا بشأن تصريحاته الأخرى، وتأكيده على السياسات الحكومية الاسعافية المقبلة لإنهاء الانطفاءات الكهربائية المتكررة ومواجهة الطلب المتزايد على الطاقة في صيف العام الجاري. لقد قال في المؤتمر الأول للكهرباء بتاريخ 13/06/2007م،أن وزارته تعمل جاهدة على القضاء على العجز الكهربائي القائم في التوليد عن طريق شراء الطاقة .. وأنها وقعت مؤخراً عدداً من الاتفاقيات في هذا الجانب الأمر الذي مكنهم من تنفيذ التوجهات المتعلقة بعدم الإطفاء على المناطق الساحلية..!!

الآن علينا أن نعرف ماذا حدث قبل أسبوع لحوالي (22) شخصا، من محافظة عدن، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، عن المحافظة في ظل موجة الحر الشديد الذي تعيشه المحافظة.. لقد تحدثت الأخبار عن وفاة(12) مواطنا بسبب تلك الموجة، المترافقة مع انطفاء الكهرباء، بينما في الحقيقة أن هناك من يؤكد أن الرقم حتى اليوم وصل الى (22) مواطنا لقوا حتفهم بسبب الحر، وعدم وجود كهرباء لتشغيل المكيفات.

لا توجد لدينا أموال كافية لعمل اللازم..!! هكذا يقولون، وفي تاريخ 9 يونيو الحالي أقرت اللجنة العليا للمناقصات ومشتريات الدولة مناقصات، كان ضمنها مناقصة مشروع تحديث الشبكة الكهربائية والتوليد الخاص بدار الرئاسة بمبلغ إجمالي 930 مليون 406 ألف و 988ريال. في الوقت الذي أكد فيه الخبر الرسمي لوكالة ألأنباء اليمنية سبأ، أن تلك المناقصات تضمنت أيضا مشروع توريد ثلاث وحدات توليد لكل من " حوف، نشطون، محافظة المهرة، وفرع المنقطع محافظة البيضاء " بمبلغ إجمالي 203 مليون و 513 ألف و320 ريال. ويبدو فارق المبلغ واضحا لصالح مشروع "تحديث" الشبكة الكهربائية لدار الرئاسة بثلاثة أضعاف المبلغ المحدد لخدمة مشاريع  المحافظات المذكورة..!!

وقال بهران في سياق تصريحاته المشار إليها، والتي نشرتها الوكالة الرسمية بتاريخ 20/04/2007، "أن التكنولوجيا النووية السلمية التي يسعى إليها اليمن ستكون من أحدث مشاريع الطاقة في العالم وأكثرها أمانا وفعالية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.لافتا الى أن إنشاء محطات الكهرباء النووية في اليمن سيكون من مسؤولية شركات دولية أميركية وكندية ،فيما ستكون وزارة الكهرباء والطاقة مسئولة عن أمان الإنسان اليمني وبيئته ،وعن أمن المنشآت النووية من خلال الجهات ذات العلاقة.." ..!!

هنا علينا أن نتذكر أن موقع الصحوة نت وصحف أهلية، أكدت أن حوالي (12) مواطنا من محافظة عدن لقوا حتفهم الأسبوع الماضي بسبب موجة الحر التي اجتاحت المحافظة، مع تكرار انعدام التيار الكهربائي، في أكثر من مرة خلال اليوم الواحد.  
للتذكير : بتاريخ 30/7/2006م (أي قبيل الانتخابات الأخيرة – رئاسية، ومحلية) كان عبدربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية يفتتح ويضع حجر الأساس لعدد من المشاريع بمحافظتي أبين وعدن. وقال خبر رسمي بثته وكالة الأنباء أنه  افتتح مشروع توسعة توليد الطاقة الكهربائية بقدرة تزيد على 70ميجاوات وذلك في منطقة المنصورة بمحافظة عدن .  وأردف الخبر : "ويعتبر هذا المشروع تعزيزا مهما لتوليد الطاقة الكهربائية بحيث ينتهي الإطفاء في محافظة عدن بصورة نهائية حسب تأكيدات الدكتور علي مجور وزير الكهرباء بالإضافة إلى الجهود التي تبذل وبتوجيهات من فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بهدف انجاز المحطات الجديدة بما يمكن من التغطية الكاملة للطاقة الكهربائية بحسب الاحتياجات المتزايدة.."..!! انتهى الخبر الرسمي. والآن وبعد عام تقريبا من الافتتاح – الانتخابي – لم نسمع أن شيء تغير، سوى أن عدد الموتى يزداد مع ازدياد موجة الحر عاما بعد آخر.
 مزيدا من ضخ وعود كاذبة
وللمقارنة بين تصريحات وزيرين متتالين للكهرباء، نورد هنا ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" في موقعها الالكتروني: " قال وزير الكهرباء الدكتور علي مجّور " أن عام 2007م سيكون نهاية المعاناة للانقطاعات الكهربائية وذلك من خلال دخول المحطة الغازية في مأرب والبالغة طاقتها 340 ميجاوات والتي ستكون في الخدمة في نوفمبر القادم" انتهى الخبر الذي نشر في 28 / 3 / 2007م قبل أيام من توليه رئاسة الوزراء.

الخبر الآخر :  ".. وقال بهران، أن وزارته ستعمل ضمن البرنامج الحكومي "على إنهاء الانطفاءات المتكررة من خلال استكمال بناء محطة مأرب الغازية الأولى بقدرة 435 ميجاوات مع بداية العام المقبل ،والشروع في بناء المحطة الغازية الثانية واللتان ستمدان اليمن بكمية جيدة من الطاقة ،وبالتالي تلافي الانطفاءات الحالية وتوليد قدرة إنتاجية جديدة". الخبر نشر في 20/4/2007م، بعد توليه قيادة دفة وزارة الكهرباء بأيام.

والآن قارنوا بين الأرقام الواردة، ومواعيد الانتهاء من المشروع، في التصريحين..!!
- لو تابعنا تصريحات مسئولينا الأشاوس، بشكل أكثر توسعا، من هذه العجالة، لوجدنا في كذباتهم وتناقضاتهم، ما يمكن أن يغلق بلدا بحجم أكبر من حجم اليمن، ويحيلها الى بلد تحت التحقيق الدولي بتهم الكذب والتدليس على مواطنيها والعالم أجمع.
ومع ذلك ما زلنا هنا بانتظار الانتخابات القادمة، وارتفاع رصيد المناطق المنسية والنائية من أحجار ألأساس.
 الأسعار كذب في كذب 
يكفي أن المواطن أصبح اليوم يطالب رئيس الجمهورية بعدم التدخل بهذا الأمر..!! لقد ترسخ لديه اعتقاد متزايد، أن خطبه الرئاسية، المحشوة بالتهديدات، والمنطوية على أوامر لحكومته بالعمل على تخفيض ألأسعار.. هي مقدمة هامة لارتفاع الأسعار، في أقل من (24) ساعة..!!

حدث ذلك في أكثر من مرة خلال العام 2005م. وتكرر مؤخرا في يوم 16 /10/ 2006م، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، في حفل استقبال كبير ومأدبة إفطار لأبناء محافظات عدن ، لحج ، أبين والضالع بمناسبة الخواتم المباركة لشهر رمضان الكريم والاحتفال بالعيد الـ43 لثورة الـ 14 من أكتوبر. حيث حذر الرئيس، التجار من عواقب التلاعب بالأسعار، و دعا وزارة الصناعة الى العمل بجد لوقف استغلال التجار المتزايد، وأتهم الوزارة بأنها مشلولة، وهددها بعدم السكوت في حالة أن فشلت هذه المرة في ضبط الأسعار. ومباشرة ارتفعت ألأسعار الى أكثر من 200% بحسب تأكيدات عضو مجلس النواب صالح السنباني.

وهذه أيضا: مقتطفات من الخبر الرسمي لخطاب رئيس الجمهورية في محافظة اب بمناسبة العيد الوطني الـ(17) للوحدة اليمنية -  يقول "..ووجه الرئيس، الحكومة باستكمال ما تبقى من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية في إطار ما تضمنته المصفوفة الوطنية للإصلاحات وتنفيذاً لما ورد في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية, وكذا إيجاد آليات فعالة لمراقبة الأسعار ومكافحة الغلاء والاحتكار.. وبما يضمن الاستقرار المعيشي للمواطنين.."..

وحتى اليوم لم ينقص "بنسا" واحدا من الأسعار المرتفعة بجنون.. بل على العكس أن الأسعار في تزايد مستمر..
- بين الحين والآخر يناقش مجلس الوزراء المشكلة، ويشكل لجان على مستوى عال، ويخرج بخبر رسمي شديد اللهجة ويقول أنه سيتخذ إجراءات، حاسمة لردع المحتكرين والتجار المتلاعبين ووو ..، ثم لا نسمع إلا عن أسعار تزداد اشتعالا، وتحديا للشعب والمواطن قبل الحكومة والوزارات المعنية.

يقول خبر رسمي بهذا الشأن نشرته وكالة "سبأ" بتاريخ 17/5/2007م : "أكد مصدر مسئول في وزارة الصناعة والتجارة تواصل تفعيل قرارات مجلس الوزراء بشأن استقرار الأسعار وأنها تشكل حالياً غرف عمليات وفرق تفتيش ميداني في كل المحافظات والمدن والمديريات بالتنسيق مع الجهات الأخرى المختصة.." وأشار المصدر إلى أن وزارة الصناعة والتجارة تجري حالياً دراسات لمتغيرات الأسعار العالمية وأثرها على السلع المحلية..!!   
- وهذا أيضا مقتطف من خبر رسمي عن اجتماع مجلس الوزراء، يقول :  ".. واطلع المجلس على التقرير الأسبوعي لوزارة الصناعة والتجارة حول الوضع التمويني للسلع الأساسية في الأسواق المحلية، حيث أكد التقرير توفر كميات كافية من تلك السلع وخاصة القمح والدقيق في الأسواق وصوامع الغلال.. إلى جانب عمليات التفريغ الجارية من البواخر إلى الأرصفة في موانئ كل من عدن والحديدة والصليف."

 ويضيف الخبر : " وقد وجه المجلس بهذا الخصوص وزارة الصناعة والتجارة بمواصلة دورها في رقابة الأسعار وإعداد رؤية متكاملة تضمن توفر السلع التموينية الأساسية بشكل دائم في مختلف الأسواق المحلية، وتساهم في ذات الوقت في الاستقرار السعري لتلك السلع، وبحيث تقدم الوزارة الرؤية المطلوبة إلى المجلس للمناقشة، واتخاذ القرار المناسب بشأنها."  المصدر: سبأنت تم تسجيل الموضوع في 10/4/2007م. وهو الشهر الذي شهد بداية غليان الأسعار، بشكل كبير جدا، تجاوز بعضها الـ 100% .
- وفي السياق أيضا،  أظهر تقرير لجنة التجارة والاقتصاد بمجلس النواب، بأن حوالي ألفين ومأتيين وسبعة وثلاثين مخالفة سعرية قدمت إلى القضاء منذ تاريخ 6/11/2006م ، إلا أنه لم يصدر بشأنها أي حكم حتى اليوم ولم يبت القضاء ولا النيابة في أمانة العاصمة والمحافظات الأخرى فيها.  

لقد كان الأمر مجرد شكليات، تم من خلالها ابتزاز التاجر الصغير، الذي سلم مبالغ ماليه للجهات التي حبسته، ليخرج، ويمارس عمله تحت رحمة التاجر الكبير الذي لم تستطع الدولة الأقتراب منه.. لماذا؟؟ هناك من يتحدث عن الشراكة، والمصلحة، وأيضا : يقال أن التجار هم المسئولون.
 الحل : ثورة بيضاء 
تلك ألأحداث الهامة في تاريخ بلادنا والتي اشرنا إليها هنا، تصبح من الوضوح بمكان لتسمح لنا بالقول أن ما ينقص مسئولينا هو "المصداقية" في التنفيذ، وليس التصريحات والوعود وتوقيع ألالتزامات.
لقد بات العالم يدرك اليوم أن الإصلاح الحقيقي للدول المتخلفة، لم يعد مجرد منحها الأموال الطائلة. بل هو حرمانها من المساعدات المادية، وإمدادها أولا بالمساعدات الإدارية  في اتجاه الحكم الرشيد.

وحينما يصبح تحقيق هذه الثنائية مستحيلا، لأسباب تتعلق بتجذر الفساد، واعتماده منهجا لا غنى عنه من قبل الطبقة العليا المستفيدة من المساعدات والمنح والقروض، وتخصيص عائدات الثروات الداخلية من أجل الوصول الى الغنى غير المشروع، تحت نظرية "مؤتاة الفرصة، واستغلالها" معتمدة في ذلك على نقطتين: الأولى، قائمة على خلفية "أن الوطن في طريقه الى الانهيار، ومن غير الممكن إنقاذه". وأن خيراته الآن يجب أن تستغل بشكل سريع، والثانية : أن الشعب مشغول بتوفير لقمة العيش.. وانه بحاجة الى مجرد تصريحات تهديئية (مخدرة).

ولذلك كما أسلفنا أنه وحين يصبح تحقيق ثنائية الإصلاح الإداري، والاقتصادي(المالي) مستحيلا، مع ما ذكرنا من أسباب.. هنا يجب أن يكون للشعب كلمته الفصلى..
علينا ان نقف متراصين في ثورة بيضاء ضد "الكذب ألأسود".. أن نكون مراقبين لكل تصريحات المسئولين وكذباتهم، ونقول لهم " كذابين، لقد أخطأتم، ويجب أن تقدموا استقالتكم"

هنا سيفرض المسئول على  نفسه رقابة ذاتية.. لن يرمي بتصريحاته في كل مكان، وحول كل شيء.. بل سيخفض من صوته، ويقتصد من مشية. 
   دعوة لليقظة 
هذه ليست دعوة الى العصيان المدني، لإسقاط حكومة المؤتمر، التي استمرئ، مسئوليها، الكذب كل يوم..!!
 كما أنها ليست دعوة للإحباط والتخاذل.. !! هي دعوة لـ "اليقظة" ، و(المبالاة) والتعايش الايجابي مع الواقع. أن نكسر طوق الانعزال مع واقعنا المزري، ونتحول الى مواطنين صالحين من أجل وطننا، لا من أجل أحد. أن نحس أننا مواطنون، ونتصارع مع سلبيات الحوادث ومكرراتها المملة. أن نحول اليأس الذي بات مسيطرا علينا، الى وقود ينهض بنا الى إصلاح الواقع.
هي دعوة الى أن نرفض الكذب، ونفرض عليه رقابة مجتمعية، لإقصائه من الحياة، ونقف في وجهه حتى لا يجعل منه الكذابون منهجا للحفاظ على بقائهم.

-------------

أغسطس 2007 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق