الخميس، 17 فبراير 2011

خيارات مدمرة لنظام يبدو أنه فقد السيطرة وترنح سريعاً


البلطجية يتزايدون، وشعارات مناطقية تستخدم لمواجهة توسع الاحتجاجات


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
أمس الأربعاء 16 فبراير، تخضبت الانتفاضة الشبابية اليمنية بالدم، بعد مقتل اثنين من المتظاهرين في مدينة عدن وإصابة أكثر من 20 آخرين برصاص قوات الأمن (بعض المعلومات تشير إلى مقتل 4 محتجين).

ويأتي هذا التطور الكبير، بعد أن مضت الأيام الستة الأولى على اندلاع الاحتجاجات المنادية بإسقاط النظام، في كل من تعز، أمانة العاصمة، عدن، الحديدة، ومدن أخرى (منذ السبت الماضي)، مقتصرة فقط على مواجهات كانت معظمها تسفر عن اعتقالات بالعشرات، وإصابات تعرض لها المحتجون بواسطة عصي وهراوات رجال الأمن والبلطجية الذين ثبت توجيههم من قبل قيادات عليا في السلطة، بعضهم يدير مؤسسات حكومية تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة.

ومع استمرار الاحتجاجات وتصاعد وتيرتها بطريقة دراماتيكية في محافظات عدة، خصوصاً عقب سقوط نظام مبارك، فقد بدا واضحاً اليوم أن النظام الحالي، بقيادة الرئيس صالح، لم يعد قادراً على مواجهة هذه المتوالية الاحتجاجية التوسعية الغاضبة، وفقاً لأساليبه القديمة التي دأب عليها منذ سنوات لإخماد أي احتجاجات أو مظاهرات سلمية.

وقياساً بما كان يستخدم من أساليب في السابق لمواجهة المظاهرات والاحتجاجات التي كانت تندلع بين الحين والآخر في بعض المحافظات والمناطق اليمنية، فقد ظهر اليوم، أن هذا النظام، الباسط على كافة الأجهزة التنفيذية والأمنية والعسكرية منذ 32 عاماً، أعجز ما يكون، متخبطاً وغير قادر على إدارة الأزمة الجديدة التي تضرب البلاد عبر احتجاجات شبابية غاضبة ومتصاعدة، يحتم الإنصاف القول أنها لا تستند لأي مرجعيات سياسية أو حزبية.

وبحسب متابعين فإن النظام اليوم، ذهب – ربما - جاهلاً، ليس فقط نحو استنساخ تجربتي تونس ومصر اللتان ثبتت فشلهما في مواجهة غضب الشباب الثائر، بل أكثر من ذلك ذهب عامداً في إشعال جمار المناطقية والطائفية، من حيث يعتقد أنها قد تكون الطريقة الأنسب للإبقاء على الأمور تحت السيطرة.

ويرجح آخرون أن إحساسه باقتراب الخطر يوماً إثر آخر، والشعور بدنو أجله، أمام عجزه وحيرته من عمل شيء إزاء منع الانهيار المحتم، هو ما جعله يلجأ إلى استخدام بعض الخيارات المدمرة، والتي - يرى هؤلاء - أنها قد تكون ضمن مجموعة من الخيارات الأخرى التي من المحتمل أن يكون خطط لها من قبل مجموعة استشارية تعتقد أن بإمكانها مواجهة هذه الثورة الشبابية التي عجزت عن مواجهتها أعتي وأقوى الأنظمة الأمنية والبوليسية في المنطقة. 

فيما ينظر آخرون إلى أن خيار استخدام ورقة المناطقية الذي ظهر بقوة خلال اليومين الماضيين، سواء من قبل البلطجية أو من جهة أعلى هرم في السلطة - قد تكون بمثابة الخيار الأخير المتاح، اعتقادا منه أنه سوف ينجح في إحداث اصطفاف مناطقي للحفاظ على السلطة. مع أن الأكثر ترجيحاً، أنه سيكون الخيار الأكثر تدميراً، ذلك أنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال العمل كمانع لإسقاط النظام، بل إنه عند أفضل الاحتمالات من الممكن فقط المساعدة على تأخير سقوطه، لكنه في نهاية المطاف سيكون بمثابة حقل ألغام من شأنه أن يساعد على إحداث سقوط مدوي، أشد وأقوى وأكثر إيلاماً مما حدث لأنظمة شبيهة.

إن استخدام أساليب البلطجة وتوظيف السلطة لمواطنين يرفعون صور الرئيس، ويستخدمون العصي والهراوات لمتابعة المتظاهرين من شارع إلى آخر بغية قمعهم والاعتداء عليهم تحت حماية الأمن، له الأسلوب ذاته الذي فشل نظام مبارك في استخدامه لقمع الثورة الشبابية المصرية في مهدها.

وتؤكد بعض المصادر السياسية والصحفية أن جهاز أمن الرئيس المصري المخلوع كان يدير ما بين 100 إلى 150 ألف ممن يسمونهم بالبلطجية، وهو الأمر عينه الذي فشل في استخدامه جهاز أمن الرئيس التونسي المطرود، مع الأيام الأولى لانطلاقة ثورة تونس الشبابية.

وإذا كان نظام صالح اليوم يستغل بعض العاطلين عن العمل ليمنح لهم فقط 3 الف ريال يومياً لممارسة البلطجة، فإن نظامي الرئيسين المخلوعين كان يدفع لهم أكثر بكثير، بل كان غالبيتهم يستلمون مرتبات شهرية.

على أن الأمر الأكثر خطورة من استغلال مشاعر العاطلين عن العمل وحاجتهم لمصاريف يومية لإعاشة أنفسهم وأسرهم، هو استخدام ورقة المناطقية التي حذرت منها منظمات ومؤسسات المجتمع المدني في بيان لها الثلاثاء كونها "تهدد بشكل خطير السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية" حسب البيان الذي قال أنه يتم توظيفها في الشارع اليوم "امتدادا لتحركات رئيس الجمهورية وكذا بعض قيادات الحكومة بين مناطق القبائل خلال الأيام الماضية وذلك لتحريضها في مواجهة المحتجين مما يعيد إلى الذاكرة إباحة صنعاء عام 1948 أمام القبائل".

يدرك النظام الحالي، أن الاحتجاجات الجماهيرية اليوم، لا تقتصر على منطقة أو فئة محددة، بل أن منبعها الشارع اليمني ككل، لاسيما الشباب الطامحين والباحثين عن سبل عيش كريمة، نتيجة تهمشيهم على مدى العقود الثلاثة الماضية، مقابل إستئثار بالسلطة والوظيفة العامة، وفساد مالي وإداري لم يعد خافياً على أحد استشرائه من أعلى قمة في النظام إلى أصغر إدارة فيه. الأمر الذي بات من الصعب، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، الاستمرار بقبول فكرة الحديث عن أن نظاما تجذرت مفاصل القوى المتعيشة من استمراره، يمكنه أن يتحول إلى نظام ديمقراطي حقيقي يعمل على إصلاح الأوضاع، كما ويتيح مسائلته ومحاسبته وفقاً لأبسط المبادئ الديمقراطية العالمية. ناهيك عن قبول فكرة أنه يمكنه تصحيح الانحرافات الوظيفية القائمة على سيطرة الأبناء والأخوان والأقارب على مفاصل الدولة العسكرية والتنفيذية.

وعوضاً من أن يسعى الرئيس لإثبات جديته في إحداث إصلاحات جوهرية تطال الوظيفة العامة والعسكرية بالتصحيح، ومحاربة الفساد، وتعزيز الديمقراطية والمساءلة الشعبية، بحيث يمكن أن يساعده ذلك على تغيير النظرة المترسخة حول نظامه لما من شأنه إتاحة فرصة أخيرة تمنحه خروجاً مشرفاً من السلطة، إلا أنه بدا وكأنه يحاول التشبث بالسلطة بطرق ووسائل أخرى أكثر تدميراً، تلك التي كان يفترض أن اليمن قد تجاوزها قبل عشرات السنيين.

وكانت أحزاب المعارضة – على ما كانت تدرك فداحة الثمن الذي ستدفعه - عمدت الذهاب بعيداً عن رغبة قواعدها في الشارع، حين منحت الرئيس ونظامه ما يمكن أن يقال أنها تلك "الفرصة الأخيرة" للتحول نحو الإصلاح. ذلك حين قالت أنها لم ترفض تعهداته الأخيرة للإصلاح، لكن تحت شروطاً معينة، إلا أن ما حدث لاحقاً من قبل السلطة باستخدامها بعض البلطجية لقمع المحتجين، وتحركات الرئيس الأخيرة بين مشائخ بعض القبائل، أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام قد أختار المضي وفق خياراته الكارثية.

بل وربما لغرض ما قد يهدف إلى تعزز حدوث مثل تلك التصرفات، تعمد موقع الحزب الحاكم على الأنترنت، إلى نشر خبراً تحت عنوان " نواب ينتقدون شعارات مناطقية بالمظاهرات ووزراء يردون على مساءلات".

ولأول مرة – بحسب ما أعتقد – يتم نشر خبراً ذو محتوىً انتقادي للسلطة، أنتقد فيه أعضاء في الحزب الحاكم ما قالوا أنها "شعارات مناطقية رددتها مجاميع قبلية في صنعاء، أثناء مظاهرات مؤيدة للرئيس أمس". ومع أنه وبالنظر إلى الأشخاص الذين صدرت منهم تلك الانتقادات، يمكن بسهولة معرفة أنهم ينضوون في إطار أعضاء كتلة الحزب الحاكم، المشهود لهم بالكثير من المواقف النزيهة المعارضة للسلطة.

إلا أن إجازة نشر تلك الانتقادات - على غير العادة - قد يبدو مثيراً للشبهة، ومن غير الممكن تمريره هكذا دون التوقف عنده، لاسيما في مثل هذا التوقيت المشوب بالحذر والتوتر، ومع ذلك ينشر الموقع تلك الانتقادات الجوهرية، في مقدمة الخبر، ويعززه بدعوة النواب "إلى محاسبة من يقفون وراء تلك الشعارات"..!

فيما كانت منظمات المجتمع المدني، في بيانها، حملت رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة "عن أي تلاعب بورقة الانقسامات الاجتماعية والمناطقية في مواجهة الاحتجاجات المناهضة لحكمه"، وحذرت في بيانها "أن آثار هذا السلوك الرسمي ستنعكس بشكل طويل الأمد على الاستقرار الاجتماعي الوطني. ولم تنسى تلك المنظمات التذكير بـ"المسؤولية الجنائية والقانونية الكاملة على القائمين بكافة أشكال التحريض، وعلى كونها وقائع جرميه خطيرة يطالها الدستور والقوانين الوطنية والقوانين الدولية".

وإن ما يزيد من إيضاح تدهور الحالة التي تكتنف النظام بشكل مريع، جراء ما يحدث من توسع وتيرة الاحتجاجات في محافظات عدة، وتزايد أعداد المحتجين وإصرارهم، هو تلك التصريحات التي نقلت على لسان رئيس الجمهورية أمس الأربعاء أثناء لقائه بأعضاء مجلسي النواب والشورى وأعضاء المجالس المحلية والمشائخ والأعيان والشخصيات الاجتماعية بمحافظة حجة.

حيث تحدث في إطار تصريحاته عن وجود مخطط انقلابي على ما وصفه بـ"الشرعية الدستورية". والمثير في الأمر أن الرئيس قال أن المخطط نزل "أمس" – أي الثلاثاء – بـ"تشكيل حكومة"، قال أنه "وزعت فيه الحقائب الوزارية كل واحد على هواه". بينما في الواقع أنه كان يشير إلى خبراً نشر أمس على موقع إلكتروني (محسوب على الأمن) تحدث عن تشكيل حكومة، وزعت حقائبها – بحسب الموقع ذاته - على أعضاء في المعارضة وفي الحزب الحاكم، اقل ما يمكن القول أنها جاءت بشكل يبعث على الضحك، والسخرية، ولا يمكن أن يقول بها من يحمل أدنى ذرة من عقل.

وفي الواقع، أنه إذا أستمر النظام في إدارة هذه الأزمة الكبيرة بطبيعتها الإقليمية العصرية الحديثة، وفقاً لتلك التكتيكات السابقة، فإنه من السهل القول أنه (أي النظام) قد بدأ فعلاً يفقد السيطرة على نفسه، ويترنح سريعاً على وقع الدفقة الأولى والبسيطة من الاحتجاجات ذات الطابع الانتشاري، المتوسع يوماً بعد آخر.

هناك تعليق واحد: