الأربعاء، 3 أغسطس 2011

رمضان..الفرصة التي لم يغتنمها الرئيس صالح


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال

ظلت العادة في شهر رمضان المبارك أن يهل علينا كل عام حاملا معه ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد الغذائية. غير انه هذا العام هل علينا وقد حمل معه – إلى جانب تلك العادة بشكل مضاعف وغير مسبوق عن سابقه- متغيرات جوهرية أخرى.


على أن من أهم المتغيرات الواضحة التي أختلف فيها شهر رمضان الحالي هي حلوله هذه المرة والبلد يمر بحالة ثورية عارمة مازال فيها الكثير من أبناء الشعب يواصلون سكنهم في الخيام المنصوبة – منذ قرابة ستة أشهر - في مختلف شوارع محافظات الجمهورية، عازمين على ألا يغادروها إلى منازلهم أو يجدوا طعم الراحة - النسبية أصلا - قبل تحقق الأهداف التي خرجوا لأجلها. ويأتي على رأسها في الوقت الراهن: استكمال ما تبقى من مهمة التغيير بإسقاط «بقايا النظام العسكري العائلي».


وكعادته التي دأب عليها في مثل هذه المناسبة من كل عام، قدم الرئيس صالح - الذي مازال يواصل تلقي العلاج في الرياض منذ قرابة شهرين من إصابات مختلفة طالته مطلع يونيو الماضي جراء محاولة اغتيال – خطابا للشعب اليمني بمناسبة حلول الشهر الفضيل.


وفي الواقع كان يمكن لصالح أن ينتهز هذه الفرصة للظهور مجددا للمرة الثالثة، ليلقي خطابه ذاك أمام عدسات كاميرا القناة الفضائية، بدلا من الاقتصار على تفضيل نشره مكتوبا عبر الوكالة الرسمية وبقية الصحف التابعة للنظام. ومرد ذلك يرجع إلى الحقيقة القائلة: أنه إذا كان قد فضل أن يظهر مرتين بغير مناسبة ملزمة – ربما سوى القول أنه مازال على قيد الحياة وقادرا على تحريك لسانه وبعض الأجزاء من جسده درءا للإشاعات فقط - فإن تفويت هذه الفرصة المناسباتية العظيمة وتفضيل النشر المكتوب، ربما يحمل دلالات ما، قد تكون بينها تعزيز المقولات التي تحدثت عن تدهور حالته الصحية مؤخرا لاسيما عقب مغامرته التي إصر فيها على الظهور تلفزيونيا – مخالفا نصائح أطبائه - لمرتين متقاربتين زمنيا لكن من الواضح أنهما كانتا متباعدتين في التوقيت الفعلي للتسجيل.


وأي يكن الأمر، فإن مضمون الخطاب الأخير الذي نشر بالمناسبة، كان من اللافت اختلاف الكثير من محتواه عن خطابات المناسبة ذاتها للأعوام السابقة، ولكن، في الوقت الذي ظلت فيه معظم عناصره السياسية وواقع الحال اليمني، تتشابه مع معظم خطاباته السياسية الأخرى خلال فترة الأعوام الخمسة الأخيرة. وفيما عدى بعض العبارات التي تدل على حداثته وتواكبه مع الحالة اليمنية الجديدة، لم يتخلف مضمون الخطاب الرمضاني الأخير بالمقارنة مع الكثير من تلك الخطابات – السياسية - القديمة التي ألقيت خلال مناسبات مختلفة على مدى السنوات الأخيرة من حكمه، ولا سيما تلك التي تلت انتخابه في العام 2006.


• تقسيم مضامين الخطاب 
وإذا كان من الإنصاف القول أنه وكعادته في هكذا مناسبة رمضانية (خطاب رمضان الماضي أنموذجا) خرج خطاب هذا العام من كونه خطابا بمناسبة الشهر الفضيل فقط إلى خطاب سياسي صرف، يمكن القول أنه أنسحب أكثر مع الواقع الراهن للبلاد تحت الاستجابة الضرورية لقوة جاذبية هذا الواقع المتضعضع أكثر من أي وقت مضى، وتحول معظمه من كونه موجها لعامة الشعب اليمني بمناسبة الشهر الفضيل، أو كما يفترض، إلى كونه خطابا سياسيا موجها بالأصل وبالمقام الأول لقادة المعارضة، والجماهير الشعبية الثورية الغاضبة ثانيا، مع عدم إغفاله مجموعة من الإيحاءات التي تخاطب الخارج.


وتتأكد مثل هذه الملاحظة بالمقارنة مع خطاب المناسبة ذاتها للعام الماضي والذي ركز فيه على قيم الشهر الفضيل الروحانية أكثر من تركيزه على الحالة العامة، السياسية والاقتصادية، التي كانت تمر بها البلاد حينئذ. بل يمكن القول أن الحالة الاقتصادية، في الجزء الثاني من الخطاب (أي بعد الإستطراد طويلا بالحديث عن رمضان وفضائله وقيمه) برزت بصورة اكبر من الحالة السياسية التي أقتصرت على الحديث حول جزئيتين لا اكثر هما: مواصلة الحوار مع المعارضة، ومحاربة الإرهاب.


ومع ذلك، إلا أنه – في واقع الحال - كان من السهل ملاحظة التشابه الكبير، الذي تضمنت معظم محاور الخطاب الأخير، مع الحالة اليمنية المضطربة المتشابهة خلال السنوات الخمس الأخيرة.


وللتوضيح يمكننا هنا تقسيم مضمون الخطاب إلى قسمين، على النحو التالي:-
القسم الأول: مضامين شملت فضائل وقيم الشهر الكريم، تضمنتها الديباجه والمقدمة، وأخذت حيزا أقترب من نصف الخطاب.


القسم الثاني: مضامين سياسية تخاطب الحالة اليمنية المتعلقة بجزئيات اقتصرت أجزاء يسيرة منها - بعد المقدمة مباشرة - على مخاطبة الحالة الاقتصادية، لتفرد بقية المساحة لمخاطبة الواقع السياسي العام الذي ركز على الخلاف مع المعارضة والثوار، ممتزجا بإيحاءات للأطراف الخارجية.


وعليه، يمكننا، أيضا، تقسيم هذا القسم إلى محورين.
الأول: مضامين قصد بها المعارضة وشباب الثورة.
والآخر: مضامين تضمنت رسالة ثنائية مزجت بين المعارضة والأطراف الخارجية.
وذلك على النحو التالي:-
المحور الأول: مع أن هذا المحور حاز على النسبة العظمى من الخطاب، كونه – كما يوحي - يعد الهدف الرئيسي من الخطاب نفسه، ومع أنه أمكن ملاحظة أن عناصره بدت وكأنها تخاطب الحالة اليمنية الحديثة، إلا أنها لم تكن مختلفة كثيرا عن الحالة اليمنية القديمة المتشابهة خلال نصف العقد الأخير..


وهذه المضامين هي:-
- الدعوة إلى الحوار على أساس الثوابت الوطنية والدستور.
- التهدئة ونبذ العنف والتطرف والتخريب.
- التغيير عبر صناديق الاقتراع. وضرورة تجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر القواعد الدستورية والديمقراطية. (وهذه لوحظ تكرارها في أكثر من موضع، ما يوحي أنها كانت هي المحور الرئيسي في مضمون الخطاب).


- عدم التفريط بالوحدة وضرورة الدفاع عنها، متعهد بالدفاع عنها بكل ما يستطيع
- أنتقد إشاعة الفوضى وزيادة معاناة المواطن عبر حرمانه من سبل العيش ومقومات الحياة العامة الضرورية.
- الحث على دعم ومساندة المساعي الوطنية الجادة والمسئولة لتحقيق وفاق وطني شامل ترضى عنه وتلتزم به كافة الأطراف السياسية للخروج من المحنة السياسية القائمة ومعالجة كافة القضايا والمشكلات وتحقيق التغيير المنشود في النظام السياسي.


- استنكار أساليب التصفيات الجسدية للمنافسين السياسيين واعتبارها متخلفة ولا أخلاقية وستفضي إلى المزيد من التعقيد وتفاقم الأزمة


المحور الثاني: مضامين تضمنت رسالة ثنائية بمحاولة الإيحاء بتوجيه الخطاب للداخل اليمني، لكنها تضمنت بدرجة رئيسية توجيه رسالة خارجية تخاطب المجتمع الدولي.


وهنا يمكننا القول أن مثل هكذا مضامين اقتصرت على النقطتين التاليتين:-
- الدعوة إلى ضرورة الالتزام بالمبادرة الخليجية وبيان مجلس الأمن كأرضية للحل.
- توجيه الشكر والتقدير للجهود التي بذلها ويبذلها الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي والأصدقاء الأمريكيون ودول الاتحاد الأوروبي والأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة.

• بعض الحقائق في العمق
ما سبق كان بمثابة إيجاز سريع لأهم محاور مضمون الخطاب. أما إذا غصنا عميقا في محتوى بعض جزئيات الخطاب، فيمكننا أن نقف أمام بعض الدلالات على النحو التالي:-
- أن تشابه معظم مضامين الخطاب مع معظم مضامين تلك الخطابات السياسية القديمة (لاسيما خلال نصف العقد المنصرم)، كما لاحظنا عاليه، قد لا يعني سوى أمر واحد، هو: أن هذا النظام آسن، عجز عن حللحة تلك القضايا بطريقة راشدة كان يمكن معها عدم الوصول إلى هذه الحالة الخطيرة التي بلغتها البلاد اليوم.


- كما أن تكرار الحديث عن تلك القضايا اليوم، وبنفس العقلية القديمة يعني أن النظام لا يمتلك ادوات جديدة للحل من شأتها ان تتناسب مع الحالة الراهنة التي بدت وكأنها "مستعصية" أو بالأحرى أقرب إلى هذا الوصف.


- إغفال الخطاب الأخير لقضية هامة مثل محاربة الإرهاب، وبشكل واضح ولافت، على عكس رمضان السابق، مع أن وضع القاعدة اليوم اشد وطئة من أي وقت مضى، قد يوحي إلى مغزى معين يتعلق بمحاولة تجنب "الطبخة" التي فاحت رائحتها مؤخرا.


- في سياق الخطاب حاول الرئيس توجيه رسالة لبعض الأطراف الخارجية التي لم يسمها حين وجه إليها تهمة زعزعت الأمن والاستقرار اليمني. ففي سياق حديثه عن الحفاظ على الوحدة اليمنية والدفاع عنها بكل ما يستطيع، أشار إلى ما أسماها بـ"المؤامرات" الداخلية، و"التحريضات والإغراءات" عن طريق ما اسماهم "بعض الحاقدين في الخارج على الأمن والاستقرار في بلادنا". وهو تلميح يحمل دلالات مستبطنة، ربما الواضح منها – بحسب المعطيات – الإشارة إلى تلك الرغبة الخارجية الملحة التي تسعى بعض الأطراف الخارجية المؤثرة تحقيقها من خلال الإصرار على ضرورة تسليم السلطة ونقلها إلى النائب بشكل سريع وبدون مماطلة.


ويمكن أن يعزز هذا الأمر الإشارة إلى تلك التسريبات الأخيرة التي تتحدث عن ضغوطات غربية تجبر الرئيس على عدم العودة إلى اليمن مع ضرورة موافقته التوقيع على نقل السلطة وفقا للمبادرة الخليجية من مقره في الرياض. يأتي ذلك مع تصريحات وزير الخارجية اليمنية الأخيرة – أثناء لقائه في لندن بمندوبة الإتحاد الأوروبي – والتي تحدث فيها عن صعوبة تنفيذ المبادرة الخليجية وفقا لمقترحاتها الزمنية، مع التأكيد على أن الرئيس لن يترك السلطة إلا عبر الدستور والانتخابات. وهي رسالة واضحة جاءت محتوية ردا على بعض ما يدار من وراء الكواليس. وعلى سبيل المثال: منها ما سبق الإشارة إليه حول رغبة الوسطاء والحلفاء نقل السلطة بشكل فوري، يضاف إليها ما روجت له بعض وسائل الإعلام مؤخرا عن رفض دول مثل ألمانيا وبريطانيا طلبا إستقباله كرئيس جمهورية لديها وذلك عطفا على طلب رئاسي للموافقة على مواصلة العلاج لديها، حيث كان الرد بعدم قدرتها إلا التعامل معه كمواطن وليس كرئيس جمهورية.


كما أن الحديث عن المبادرة الخليجية وربطها ببيان مجلس الأمن مع اعتبارهما أساسا وأرضية للحل، ربما يأتي في الإطار ذاته. من حيث محاولته توجيه رسالة للخارج مفادها القبول مبدئيا بنقل السلطة، ولكن بهيئة جديدة تمزج بين المبادرة ومساعي مجلس الأمن، المحددة لآليات هذا النقل. وبالطبع فتلك الآليات تنسجم مع توجهات الرئيس نفسه كونها تمنحه - بعد موافقته نقل السلطة إلى نائبه - وقتا زمنيا طويلا للبقاء في السلطة كرئيس شرفي حتى إجراء انتخابات 2013 الرئاسية. وهو ما ترفضه المعارضة والأطراف الخارجية التي تطالب بنقل السلطة بشكل سريع دون تلك الإضافة التي لا سوى استمرار الأزمة والإبقاء على الاضطرابات مفتوحة.


• خاتمة
وأخيرا، يمكن لفت الانتباه إلى أن شخص مثل صالح، وقد بلغ هو وأوصل البلاد إلى هذا الواقع الاقتصادي المتدهور، وتلك الحالة السياسية المزرية وغير المرغوبة لأي شخص عاقل – بعد 33 عاما من الحكم - عوضا عن حالته الصحية الصعبة، كان يتوقع منه أن يستغل مثل هذه المناسبة الفضيلة لإعلان الحل الوحيد الذي تنتظره البلد: الإعلان عن نقل السلطة بطريقة سلمية وآمنة تجنب الشعب اليمني المزيد من الويلات التي تنتظره إذا ما أصر على العودة لمواصلة سياساته الهدامة تلك.


كان يمكنه القيام بهذا الأمر، متمثلا عبارته الواردة في مقدمة الخطاب والتي قال فيها "إن هذا الشهر المبارك بأجوائه الروحانية والإيمانية يمثل فرصة لمراجعة النفس والعودة إلى الله.. ومحطة لتنقية الروح والسمو بها عن أغراض هذه الدنيا الزائلة.."


لكنه لم يفعل، من حيث أنه وكالعادة لم يقصد بعباراته تلك إلا غيره.
قال تعالى في سورة البقرة: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق