الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

الخطاب العيدي لصالح .. الحل الذي يعمق الخلاف


عبد الحكيم هلالa.hakeem72@gmail.com

كان يمكن تجاهل خطاب علي عبد الله صالح بمناسبة عيد الفطر بوضعه في سياق خطابات الرؤساء المناسباتية لشعوبهم، لو لا أن اليمن تمر بحالة خطيرة وحرجة للغاية منذ قرابة 7 أشهر. فهنا لم يعد الأمر مجرد عادة دءوبة في تدبيج الخطابات الرسمية، بل يدخل في سياقات الفعل السياسي.


رئيس مازال يستشفى خارج بلده منذ ثلاثة أشهر، وشعب ثائر يطالبه بالبقاء هناك رافضا عودته. شعب مر عليه شهر رمضان وهاهو العيد يهل عليه وهو مازال معتصما في الساحات حتى تتحقق آماله وطموحاته.


هنا، وفي ظروف كهذه، سيكون من الغباء تجاهل خطاب رئيس قاد بلده إلى حالة هيجان ثوري. تفرض المسالة متابعته والتمعن فيه، علنا نجد فيه مخرجا يلبي الطموح، ربما. وربما على العكس يعمق الخطاب الحالة ويزيدها تعقيدا.
في أي مسار نحى خطاب الرئيس العيدي؟
الخلاصة تقول بالمسار المعقد، بيد أن للتفاصيل إيحاءات أخرى.


• تهدئة منقوضة
مع أن صالح حاول هذه المرة – وإلى حد ما – تجنب الانزلاق في هاويته العدائية المعتادة، من خلال محاولته تطبيع خطابه المكتوب بطابع تصالحي أكثر من عدائيته المشهودة، بالمقارنة مع معظم خطاباته السابقة طوال فترة مسار الثورة، إلا أنه كان من السهل جداً ملاحظة ذلك التناقض القادم مما يمكن وصفها بـ "مغناطيسية" الطبع التسلطي الذي تفرضه ذهنية لاشعورية لمن ظل ممسكا بزمام السلطة لأكثر من ثلاثة عقود.


لقد أمتزج ذلك التناقض التصالحي عند الحديث عن "المرحلة الخطيرة" وما تتطلبه من ضرورة "أن يجلس الجميع على طاولة الحوار ومواصلته من جديد بروح وطنية جديدة تأخذ العبرة من كل ما حدث.."، مع العدائي المنجذب بمغناطيسية الحدة اللفظية القابعة في ذهنية لاشعور تسلطي عميق وقديم، بوصفه خصومه بـ" القوى الظلامية المتخلفة.." و"المتخلفة"، و"الانقلابيين الواهمين وأصحاب الفكر الضال والعقيدة السقيمة، الذين يعتقدون بأن ذلك هو طريق وصولهم إلى السلطة لا قدر الله.."..الخ


في حين بدى ذلك التناقض منوطا بأمر واحد لا أكثر: الاستماتة في مواصلة محاولات التشبث بالسلطة أكبر مدة زمنية، يعتقد أن تلك المناورة ستمكنه من انتزاعها.


• بازار، مطعمات عاطفية، روحية، وحاجات بشرية
كانت الرسالة واضحة إذن. ولذلك فقط، حتى، عمد إلى تطعيم خطابه بالمعززات المكرورة التالية:-
- استثارة العواطف: باستجلاب ما يمكن وصفه بـ"الإرث التاريخي" لحكمة اليمنيين، وامتلاكهم المعرفة الصحيحة والدقيقة للمصلحة العليا للشعب والوطن، وتمتعهم بكل القدرات والطاقات..، وذوي الضمائر والعقول، وشعب الحكمة والإيمان..، وغيرها، من أوصاف ونعوت كثيرة وكبيرة توزعت وتنوعت في مناحي شتى من الخطاب


- مخاطبة الضمير الوطني والروحي(الديني): من خلال محاولته ربط الأحداث وحلولها بيقظة الضمير الوطني وباستثمار روحانية شهر رمضان الكريم، وفضائل العيد..الخ


- استحثاث الرغبة الإنسانية في العيش الآمن والكريم: حاول أن يسوغ مبدأ الحوار – الذي تنكشف لاحقا طبيعته المتحيزة لخيارات التشبث بالسلطة- بوصفه حلا من شأنه أن يحافظ على وحدة اليمن وحريته وديمقراطيته وأمنه واستقراره، "وكل ما يطمح إليه الشعب وفي مقدمته الشباب، من التطوير والتغيير واجتثاث الفساد وكل أسباب الصراع والاحتراب".


- مخاطبة القلق الخارجي: وذلك باعتباره أن الحوار الوطني الشامل يهدف فيما يهدف إلى "مكافحة الإرهاب واستئصاله من الأرض اليمنية باعتباره من أخطر التحديات التي تواجه الأمن والاستقرار والبناء والتنمية في الجمهورية اليمنية.."

• ما وراء ذلك كله
أشرنا سابقا إلى أن تلك اللغة التصالحية، بداية، وتاليا إنزلاقاتها العدوانية، أحيانا، إلى جانب مرفقات الخطاب التعزيزية، كل ذلك ما كان له إلا أن ينكشف أمام الحقيقة الواضحة التي ارتكزت عليها معظم بنود الخطاب كرسالة رئيسية، وهي: مواصلة المناورة كمحاولة، أثبتت رواجها بشكل جزئي، للتشبت بالسلطة أكبر فترة زمنية ممكنة، وليس إلا ذلك ما بدى أكثر جلاء.


وإن أمر كهذا بدى واضحا، وإن كان قد ظل يمنحه غطاء يسميه دائما بـ"الحفاظ على الشرعية الدستورية". إنها تلك الشرعية التي – ومن وجهة نظر مخالفة ومعارضة دائما – تجعله رئيسا غير شرعي وفقا لمسوغات وشروحات قانونية لكثير ما أمكن تأويلها على ذلك النحو المتعارض مع رغبة وأهداف الرئيس نفسه.


وعلى سبيل التوضيح، هنا، يتطرق الخطاب إلى تلك "الأولويات في إنجاز الخطوات القادمة انطلاقاً من احترام الدستور والامتثال لواجبات صيانة الشرعية الدستورية".


كما أن استثارة العاطفة بالحديث عن امتلاك اليمنيين للمعرفة والمصلحة العليا للشعب والوطن..الخ، ذلك كله يقود – في نظره - إلى المسار ذاته: المساعدة في الوصول "إلى كل ما هو مطلوب وفق برنامج زمني للتنفيذ الدقيق والإنجاز العظيم وبحيث يتطابق مع المدة المحددة للإجراءات القانونية والدستورية المطلوبة.."


بل أنه يتحدث أيضا عن الرؤية الواضحة "التي تم إعلانها والتزمنا بها في مبادرات سابقة بما في ذلك المبادرة الخليجية وجهود وبيان مجلس الأمن والسير نحو إنجاز الاستحقاقات القانونية والدستورية المؤجلة في أقرب وقت ممكن والترتيب لإجراء الانتخابات العامة الحرة والمباشرة لرئيس الجمهورية الجديد".


• لا معنى لمعاني الفضائل دون جوهرها
ذلك هو دأبه المستمر ذاته في تحقق نفاذ رغبته القديمة – مرتكز الخلاف – ضدا على رغبة الشعب المطالب برحيله الفوري، وتجنبا لتحقيق رغبة المعارضة الرافضة لأي حوار قبل تحقيق انتقال فوري للسلطة. إنه يعزز تعميق الخلاف من حيث أنه يواصل الاستماتة بالحديث عبثا عن رغباته هو، خياراته ونظرته هو لما يجب أن يكون عليه الحل: بقائه على رأس السلطة حتى 2013، تحت غطاء "احترام الدستور الامتثال لواجبات صيانة الشرعية الدستورية". هذا يتناقض مع جوهر الدعوة بضرورة أن "يجلس الجميع على طاولة الحوار ومواصلته من جديد". مثل هذه الدعوة لا مجال للقبول بها ووضعها في سياق الحل. ذلك أن ابسط متطلبات التفكير المنطقي، تحتم النظر في التساؤلين التاليين: لم خرج الشعب إذن؟ وعند أي نقطة توقف الحوار السياسي؟ هل ثمة إجابة أخرى، غير المطالبة بالرحيل وتسليم السلطة فورا؟


يقول في خطابه انه "فوض اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام بالتواصل مع قيادات أحزاب اللقاء المشترك ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وسفراء الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي"


حسنا، ولكن لماذا؟ يجيب: "لوضع الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية والتوقيع عليها دون تسويف أو تأخير". عن أي آلية يتحدث الرجل؟ أجزم أنه يدرك تماما أن ليس ثمة آلية تنفيذية أكثر وضوحا مما تضمنته المبادرة الخليجية بوضوح: الاستقالة وتسليم السلطة للنائب خلال شهر، تجرى بعدها انتخابات بعد شهرين. فهل هناك وضوحا أكثر من هذا؟ الآن لم يتبقى سوى التوقيع عليها دون تسويف أو تأخير. هذا فقط ما يريده الشعب اليمني لتحقيق طموحاته التي قال في خطابه انه حريص على إنفاذها. وما ليس واضحا هو: لم يتم هذا حتى الآن؟


دون ذلك، يصبح الحديث المطعم والمطرز بمعاني وفضائل العيد: التسامح والالتقاء والتفاهم والحوار والتصالح وإصلاح ذات البين داخل الأسرة اليمنية الواحدة، حديث "حق أريد به باطل"، بل هو حديث مجرد من جوهره، لمصلحة المعنى المعاكس الذي تبرز منه مساوئ النفس المتسلطة، نفسية الديكتاتور غير السوية. إنها نفسية طاغية مصر الأشهر، فرعون الذي قال لشعبه: (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) - غافر29 . وقال لملئه: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي). القصص: 38. هو إذن منطق الطغاة في كل زمان ومكان مهما اختلفت المواقف والأحداث. وتلك (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) – الفتح 23.


لكن المفارقة التي يتوجب أن يعلمها الرئيس اليوم، هي أن فرعون كان قد "استخف قومه فأطاعوه"، والشعب اليمني اليوم قال كلمته الفصل رفضا لمثل هذا الاستخفاف. وأن أهم القيم التي تعلموها في مدرسة رمضان هي قيم الصبر والوحدة الشعورية بالهدف والمصير المشترك والتحرر من متعلقات الضعف الدنيوية والتخلص من جاذبية الأرض لقول "كلمة حق عند سلطان جائر" بوصفها أعظم الجهاد عند الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق