الاثنين، 21 مايو 2012

مصير أهداف ثورة التغيير بعيدا عن مأساة أطفال اليمن


 في قلب اليونيسيف..ولم يدخلوا بعد عقل الحكومة


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
على مدى عام ونصف – تقريبا – من الثورة الشعبية السلمية في بلادنا، قتل ما يقارب (3000) يمني، عند أفضل التقديرات..

أمام هذا الرقم - يزيد أو ينقص قليلا - يستميت الكثيرين في وجه من يستهينون به، فيما أن الجميع تقريبا لا يأبهون بوفاة (69,000) طفل يمني كل عام، قبل بلوغهم سن الخامسة.

إن هذا الرقم المفزع، الذي مازال يرد، حتى اليوم، في تقارير منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، تم إحتسابه تقريبيا على أساس أن (77) حالة وفاة تحدث بين كل (1000) حالة ولادة حية. ووفقا لمنظمة الدولية فذلك يعد"واحدا من أعلى معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."

عاطفيا، يمكن تبرير ذلك الغضب الجماعي العارم، وتلك الحالة النفسية المفعمة بالحزن، نتيجة لما أحدثته رصاصة قناص قاسي القلب، إذ اخترقت قلب الطفل أنس السعيدي (10 أشهر) في شارع هائل (19 سبتمبر 2011 )..

لكن، منطقيا، لا يمكن تفسير عدم التأثر جماعيا بموت (190) طفلا يمنيا بشكل يومي (هذا الرقم تقريبي محسوب رياضيا على أساس معدل الوفيات السنوية) نتيجة لمرض صحي أو غيره من المسببات الأخرى لهذا العدد الكبير من الوفيات.

• الثورة غيرت في المشهد السياسي فقط
قبل عام وبضعة أشهر خرج اليمنيون إلى الساحات يحدوهم أمل تغيير أوضاعهم المزرية.. في وقت، كانت الأرقام والإحصاءات الحيوية، تضع اليمن واليمنيين في أسوء المراتب العالمية.

وبعد مرور عام وبضعة أشهر، على انطلاقة ثورة التغيير، أصبح من الممكن الحديث عن تقدم وتغييرات ملموسة شهدها الواقع السياسي، فيما أن الحقائق الإحصائية والأرقام الحيوية لم تشهد أي تغييرا إيجابيا. بل على العكس كان يمكن – هنا - ملاحظة حدوث تغييرات سلبية نحو الأسوأ دائما.

وحتى الآن، يبدو أن رأسمال اليمنيين في تغير واقعهم المزري نحو الأفضل ليس اكثر من وعود دولية تجسدها تصريحات أشبه ما تكون بالتوقيع على شيكات مؤجلة الدفع.

• نتيجة أن يظل جيل المستقبل عرضة للخطر
إن الأرقام التي مازالت تقارير منظمة اليونسيف توردها بشأن سوء أوضاع الطفولة في اليمن، تؤكد بأن الخطر المستقبلي مازال قائما، من ناحية، ومن ناحية آخرى، فهي تقرر – في سياق ذلك – أن البلاد ستكون عاجزة عن تحقيق أهداف التنمية. وعلى هذا النحو، قد يصل بنا الحال – إفتراضيا - إلى الحديث عن فشل الثورة في تغيير الواقع..!

في أحد تقاريرها التي نشرتها مؤخرا تحت عنوان "سوء التغذية في اليمن"، تقرر منظمة اليونيسيف هذه الحقائق: "تعتبر اليمن من الدول الأقل نمواً والتي قد لا تستطيع تحقيق أهداف الألفية التنموية بحلول 2015م. ويعيش أكثر من نصف السكان على أقل من دولارين في اليوم ولدى اليمن أعلى معدلات وفيات الأطفال دون سن خمس سنوات في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."، وأستشهد التقرير بتلك الأرقام المفزعة التي أشرنا إليها في المقدمة.

وعليه يعتقد المسئول الإعلامي في المنظمة، محمد الأسعدي، في تصريحات خاصة بموقع المصدر أونلاين، أنه مالم تشمل وعود المساعدات الدولية حزمة من المساعدات العاجلة، تركز على معالجة الأوضاع السيئة والمتدهورة للطفولة في اليمن، لما من شأنه العمل على خفض المعدل الكبير في وفيات الأطفال، فإن الأهداف الإنمائية التي تسعى بلادنا والمجتمع الدولي إلى تحقيقها، لن تحقق نجاحا كبيرا، وقد تفشل على المدى البعيد طالما ظل جيل المستقبل في اليمن – المعني الأول من التغيير – معرضا إما للموت، وإما لكوارث صحية تبقيه معتلا على الدوام، ما سيجعله غير قادر على أن يكون هو جيل الإنفاذ، الذي من المفترض أن تسند إليه مهمة مواصلة عملية التغيير بنجاح، استثمارا للتغيير الحاصل اليوم على المدى الطويل.

• مستقبل البلاد مهدد 
عندما خرج الشباب والكهول إلى الشوارع في فبراير 2011، إحتجاجا على سوء الأوضاع، مطالبين بتغير النظام الفاسد، فقد كانوا – دون شك - يضعون مستقبل أولادهم في أعلى قائمة أولويات الأهداف المنشودة من التغيير. ذلك من حيث انهم كانوا يدركون جيدا أن التغيير بحاجة إلى تضحيات كبيرة، وعليه فقد كانوا مستعدين على الدوام للتضحية بأغلى ما لديهم، أرواحهم، من أجل خلق مستقبل أفضل لأبنائهم..

لقد أستشهد الألاف وهم ينشدون تحقيق تلك الأهداف المشروعة للثورة السلمية. وشهد من تبقى على قيد الحياة تغييرات جوهرية طالت شخوص ومراكز قوة النظام السابق، لكنهم ما زالوا ينتظرون أن تحقق ثورتهم المزيد من الإنتصارات العملية على أرض الواقع، بما فيها إحداث تغييرات جذرية تطال عمق وبنية النظام السابق وصولا إلى التنمية المستدامة..

لكن التنمية المستدامة، لن تتحقق مالم تركز على المحور الرئيسي فيها: الإنسان. وبحسب التقارير الرسمية المحلية والدولية، فإن الأطفال في اليمن يمثلون أكثر من نصف عدد السكان.

وإذا كان حوالي (69,000) طفل يمني يموتون كل عام في بلادنا، قبل بلوغهم سن الخامسة، فإن ثمة أسباب تقف خلف تلك الكارثة الإنسانية، تتوزع وتتداخل بين أسباب صحية وثقافية تعليمية، وقانونية إجرائية، وغيرها..وقبلها ومعها وبعدها، يمثل السبب الإقتصادي والفقر أكثر العوامل المسببة للوفاة.

ومع هذه الظروف القاسية، لا أحد يمكنه أن يجزم، ان الطفل الشهيد أنس السعيدي، كان سينجوا من الموت بسوء التغذية مثلا، فيما لو كان قد نجا من تلك الرصاصة القاتلة.

• سوء التغذية 
"هناك ما يقرب من مليون طفل في اليمن يعانون من سؤ التغذية المتوسط والحاد والمتمثل في الهزال والتقزم"، طبقا لأخر تقرير أصدرته منظمة اليونسيف بهذا الشأن. كما يؤكد التقرير "أن هناك أكثر من 260 ألف طفل في اليمن يعانون من الهزال الشديد والذي قد يعرضهم للموت هذا العام بسبب سوء التغذية أو قد يعانون مدى الحياة من تأثيره على نموهم الجسدي والذهني، إذا لم نتخذ الإجراءات المناسبة".

وإذ تلفت المنظمة إلى أن "سوء التغذية أمر يمكن الوقاية منه، .."، فإنها تعتبر "إن النزاعات والفقر والجفاف، إضافة إلى الاضطرابات الحاصلة في البلاد منذ العام الماضي وارتفاع أسعار الغذاء والوقود وانهيار الخدمات الاجتماعية، كلها عوامل تهدد صحة الأطفال وبقائهم."

وسؤ التغذية هنا ليست مرتبطة بالتغذية فقط، حسب تقرير المنظمة، فهناك مجموعة عوامل تسهم في وصول إلى الأطفال إلى مرحلة سؤ التغذية منها: عدم توفر المكونات الغذائية اللازمة في الطعام الذي يتناوله الطفل، وعدم توفر المعادن اللازمة لعملية بناء الجسم، إضافة إلى عدم توفر المياه الآمنة للشرب – وغياب الصرف الصحي، وتراجع وربما إنقطاع الخدمات الصحية والرعاية الأسرية في معظم أرجاء البلاد جراء الأزمة وطوال عام 2011.

وهنا تضع المنظمة اليمن كثاني دولة في العالم، بعد أفغانستان، من حيث ارتفاع معدل سوء التغذية المزمن بين الأطفال. إذ تصل نسبة النمو المتعثر فيها إلى 58 بالمائة. ويعاني حوالي 30 بالمائة من الأطفال في بعض المناطق من سوء التغذية الحاد، وهي نسبة تشابه ما يشهده جنوب الصومال حاليا وتصل إلى ضعف الحدود المعترف بها دولياً والتي تنذر بوجود حالة طوارئ.

وفي الواقع، فإن الأطفال المصابون بسوء التغذية، يكونون أكثر عرضة لخطر الموت عند تعرضهم لأمراض وإصابات أخرى أقل خطر. وعلى سبيل المثال فإن مرض الحصبة يتعافى منه معظم الأطفال في غضون أسبوعين أو ثلاثة، لكنه يتحول إلى مرض خطير وفتاك عندما يصاب به الأطفال المصابين بسوء التغذية، لأنهم في مثل هذه الحالة سيعانون من مضاعفات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى الموت.

وهذا ما أدى إلى إرتفاع نسبة الوفيات من الأطفال دون سن الخامسة بسبب مرض الحصبة إلى 126 طفلا، من بين 3600 حالة حصبة تم التبليغ عنها خلال الأشهر القليلة الماضية.

• الاضطرابات المدنية 
إن اطفال اليمن، لا تقتصر مشاكلهم على الفقر والصحة وسوء العناية والإهتمام، بل تتجاوز ذلك – وربما دونا عن معظم نظرائهم في الدول الفقيرة - لتتضاعف أكثر بفعل الاضطرابات والنزاعات المسلحة.

ويقول تقرير بهذا الشأن لمنظمة اليونسيف أن إجمالي عدد النازحين في المحافظات الشمالية والجنوبية والوسطى، بفعل الإضطرابات والمواجهات المسلحة والحروب بلغ (420.000) نسمة، منهم حوالي (80.000) من الأطفال دون سن الخامسة، و (80.000) امرأة حامل أو مرضع في مواقع الطوارئ وحدها. وأدى نقص المياه الصالحة للشرب إلى زيادة تفشي الأمراض المنقولة عن طريق المياه، مثل الكوليرا والاسهال المائي الحاد.

كما أن تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة في أجزاء أخرى من البلاد يثير مخاوف متزايدة. وقد أثرت الاضطرابات على رفاه الأطفال نفسياً واجتماعياً، وزادت عمالة الأطفال والإتجار بالأطفال واحتمالات الزواج القسري المبكر للفتيات كإحدى آليات التكيف الاقتصادي. تقول المنظمة الدولية.

إضافة إلى تلك الكوارث، تشير اليونسيف إلى كوارث ومأس إضافية، تخلفها الإضطرابات والنزعات المسلحة والحروب البينية، مثل تلك التي تخلفها الألغام الأرضية. وبهذا الصدد أعربت المنظمة – في أبريل الماضي - عن قلقها البالغ حول تزايد عدد القتلى بين الأطفال نتيجة حوادث الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة خلال الفترة الماضية.

وقالت أنه "تم الإبلاغ عن مقتل 13 طفلا وتشويه 12 اخرين بسبب إنفجار الألغام الأرضية ومخلفات الصراعات المسلحة في 12 حادث خلال الثلاثة الأشهر الأولى فقط من العام الجاري. ووقعت تلك الحوادث في أبين وعدن ولحج (جنوب البلاد) وحجة وصنعاء (شمال البلاد).

وأضافت "لقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في مقتل 28 طفلاً وتشويه تسعة اخرين عام 2011، بمن فيهم ضحايا حادث إنفجار مصنع الذخيرة في محافظة أبين، في مارس من العام الماضي، والذي أودى بحياة 18 طفلاً وإصابة أربعة اخرين".

ويعتبر السيد جيرت كابيليري، ممثل منظمة اليونيسف في اليمن أن هذه الإحصائيات مثيرة جداً للقلق، ويقول: "أن عدد الضحايا من الأطفال في الثلاثة الأشهر الأولى من عام 2012 يقترب كثيراً من مجموع الضحايا لعام 2011 وهذا أمر مقلق للغاية."

بل أن الاضطرابات المدنية، تتعدى نتائجها لتزيد من سوء الأوضاع الصحية. وبحسب المنظمة اليونسيف، فإنه وكنتيجة مباشرة للنزاع في عام 2011، انخفضت معدلات التحصين بشكل كبير، بنسبة تصل إلى 60٪ في بعض المناطق. وهذا الانخفاض في تغطية التحصين يعرض الأطفال إلى أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة مثل شلل الأطفال والحصبة.

• احتياجات الإنقاذ وتحذير من الفشل
تسعى منظمة اليونسيف في اليمن، وفق خطة طموحة للعام 2012، إلى معالجة تلك المشاكل وإنقاذ جيل اليمن القادم، محاولة إخراجه من أزماته المتكالبة والمتراكمة، حتى يكون قادرا على إستثمار التغيير الحاصل اليوم ومواصلة بناء مستقبل اليمن الجديد بنجاح وقدرات عالية.

وبالتوافق مع متطلبات عملية النداءات الموحدة (CAP)، تطلب اليونيسيف (49) مليون، و(807) ألف دولار أمريكي لشراء اللوازم الأساسية وتنفيذ التدخلات المقترحة في جميع المحافظات اليمنية.

لكن المنظمة الدولية، تحذر من أن نقص التمويل سيؤدي إلى إضعاف حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإهمال وسوء المعاملة والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة بصورة خطيرة. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون حوالي 53000 طفل معرضين لمخاطر سوء التغذية ونقص المياه والصرف الصحي وزيادة الوفيات والأمراض.

وحتى الأن، نجحت اليونيسف في الحصول على تمويل بنسبة 30% من المبلغ المطلوب حتى الآن من عدد من المانحين، وسط مخاوف من عدم توفر المبلغ اللازم لمساعدة ملايين الأطفال سواء باللقاحات والتغذية العلاجية ودعم التعليم والحماية والتأهيل النفسي للمتضررين من النزاعات المسلحة والنزوح وتوفير مياه الشرب لألاف الأسر المتضررة.

ويبقى السؤال: إذا كانت منظمة اليونيسيف تحمل في قلبها هم إنقاذ مستقبل اليمن على المدى المنظور والبعيد، من خلال تركيزها على معالجة كوارث وأزمات الطفولة (جيل المستقبل)..فأين يتموضع هذا الجيل بمشاكله وكوارثة بالنسبة لهموم حكومة التوافق الوطني نفسها؟

في الوقت الراهن، ستظل الإجابة معلقة، لكنها ربما لن تكون كذلك بعد ثلاثة أيام بالكثير. وسيتوجب علينا أن ننتظر حتى ينفض مؤتمر أصدقاء اليمن المقرر إنعقاده في الرياض، الأربعاء 23 مايو الجاري..لنعرف الإجابة من خلال نوعية المشاريع والمطالب التي ستقدمها الحكومة للمؤتمر.
----------------------------------
نشرت على موقع المصدر أونلاين بتاريخ 20 مايو 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق