الأحد، 29 يوليو 2012


لماذا رفض «كاك بنك» مشروع ممول خارجياً بأكثر من 4 ملايين يورو لتخفيض الفقر في تعز؟


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
في معظم خطاباتهما وتصريحاتهما، لا يفتئ الرئيس اليمني الجديد، ومثله رئيس الحكومة، من الحديث عن الدعم الخارجي والمساعدات الدولية كضرورة ملحة لإنقاذ البلاد من الفقر المتزايد.

وتلك الدعوات مع أنها في حقيقتها لا تجانب الواقع، إلا أنها على ما يبدو تظل مجرد دعوات نظرية، إذ تصطدم بواقع عملي يشكك بقدرة الحكومة على استيعاب المساعدات الدولية. وحتى نكون منصفين علينا أن نقول: على الأقل حتى الآن..

ولعلنا هنا نمتلك بعض الشواهد العملية التي من شأنها أن تضع الحكومة في موقف صعب أمام استيعاب مساعدات المجتمع الدولي لتلبية الاحتياجات التنموية..

• كاك بنك ومشروع خفض الفقر بمحافظة تعز
حصل موقع «المصدر أونلاين» على وثائق أولية ومعلومات مؤكدة تفيد بأن رئيس بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك)، أوقف العمل بمشروع ممول خارجيا بأكثر من 4 ملايين يورو، كمنحة مالية نقدية عاجلة، وطارئة لمساعدة الحكومة اليمنية في التخفيف من حدة الفقر بمحافظة تعز.

المشروع الذي قررت المفوضية الأوروبية تمويله بمبلغ (4.240.000) يورو، عبر صندوق الرعاية الاجتماعية- مشروع المساعدات النقدية المشروطة، بهدف خفض الفقر في محافظة تعز، كانت مناقصته قد رست على العطاء الأفضل الذي تقدم به بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك) كشريك «مزود للخدمة»، من بين ثلاثة عطاءات، تقدم بهما – إلى جانب كاك بنك - كل من بنكي التضامن الإسلامي، والأمل. وذلك لتقديم خدمات تسليم المبالغ الخاصة بمشروع المساعدات النقدية المشروطة للمستفيدين، مقابل حصول البنك على عمولة لا تزيد عن 3.5% من إجمالي قيمة المبالغ المحولة للمستفيدين في كل دفعة.

وعلى ضوء ذلك، بدأت الإجراءات الأولية لتنفيذ المشروع بالمضي قدما، ولم يتبقى منها سوى توقيع العقد بين الطرفين: صندوق الرعاية الاجتماعية كطرف أول، و«كاك بنك» كطرف ثاني. لكن رئيس البنك، الذي عاد من سفرية خارجية قبل أيام قليلة من توقيع عقد تنفيذ المشروع، فاجئ الجميع برفض التوقيع، بدون إبداء أسباب مقنعة. الأمر الذي – وبحسب مصادر مطلعة لـ«المصدر أونلاين» – جعل المفوضية الأوروبية تفكر بتجميد مبلغ الدعم المخصص للمشروع.

وحصل الموقع على نسخة من صيغة العقد الذي كان يفترض توقيعه الأسبوع قبل الماضي. وتقول تفاصيل العقد أن هذا المشروع كان سيعمل على «تخفيض الفقر في المدى القصير من خلال الحوالات المالية للأسر الفقيرة، وفي المدى الطويل بناء رأس المال البشري للأطفال الفقراء في بعض مديريات محافظة تعز الملحة كمرحلة أولى، وكافة مديريات المحافظة كمرحلة ثانية».

المصادر أكدت أن رئيس كاك بنك كان مطلعا على كافة الإجراءات الأولية، ويتابع العملية أولا بأول. الأمر الذي أثار استغرابا وشكوكا حول الدوافع الحقيقية التي تقف وراء اتخاذ قرار ايقاف التوقيع وتنفيذ المشروع في مثل هذا التوقيت الحرج؛ قبل أيام قليلة من توقيع العقد، حيث كان يفترض أن تقوم الجهة الداعمة بتحويل مبالغ المشروع مباشرة بعد التوقيع..!!

• خسارة فقدان التمويل 
وتلفت المصادر، إلى أن مثل هذا القرار من شأنه أن يحرم فقراء محافظة تعز من معونات مالية عاجلة، كان العقد قد حدد فترة تسليمها بـ13 شهرا من تاريخ توقيع العقد.

وبموجب الاتفاقية، فإن على صندوق الرعاية الاجتماعية (الطرف الأول) إعداد قائمة (وقد فعل ذلك) تشمل المستفيدين والمدارس والمديريات التي كان يفترض على الطرف الثاني (البنك) أن يقوم بصرف المساعدات المالية لها، وفق آلية صرف منظمة ومحددة، لتحقيق ما توقعه معدي المشروع من أن «الاستثمار في رأس المال البشري للأشخاص والأسر سوف يخرجهم من دائرة الفقر». من حيث أن المشروع يشترط على الأسر الفقيرة - التي ستتلقى حوالات مشروع المساعدات النقدية المشروطة - أن «تقوم باستثمار محدد مسبقا في رأس المال البشري لأطفالهم وبالتالي الحد من الفقر اليوم وغدا».

وكان مشروع المساعدات النقدية المشروطة هذا سيسلم حوالات نقدية مشروطة لمستفيدي المشروع المسجلين في 4 مديريات (محافظة تعز) في يوليو 2012، ولـ10 مديريات (شاملة الـ4 مديريات المستهدفة حاليا من مشروع المساعدات النقدية المشروطة) في العام الدراسي 2012/2013: جميع المديريات في محافظة تعز.

هذه الدفع ستكون مشروطة بحضور الطلاب المستفيدين إلى المدارس. وفي الوقت الحالي يقدم مشروع المساعدات النقدية المشروطة، الإعانات لحوالي 8000 طالب وطالبة، بينما يتوقع أن عدد الطلاب المستفيدين سوف يزيد إلى أكثر من 30000 خلال العام الدراسي 2012/2013.

• لماذا رفض المشروع إذن؟
فيما عدى بعض التبريرات التي لا ترقى إلى رفض مشروع خدمي - وطني بهذا الحجم، تفيد مصادرنا أن الأسباب الحقيقية وراء رفض المشروع ما تزال غير واضحة تماما، على الأقل حتى الآن.

وعليه، ذهبت التفسيرات مذاهب تشكيكية عدة، بينها، على سبيل المثال: أن البعض يرجع ذلك إلى التشديد الذي تضمنه بند العقد رقم (11) تحت عنوان «النشاطات الممنوعة تحت هذا العقد»، الذي يفرض على الطرف الثاني: «عدم ربط تأدية الخدمات المنصوص عليها في هذا العقد بأي طرف سياسي أو حركة أو منظمة بواسطة أي من وسائل التواصل الشفوية آو المرئية». وكذا عدم «الارتباط بآي نشاط قد يتداخل مع او يقلل من جودة الخدمات تحت هذا العقد او يعرضها للشبهة».

ولعل مثل هذين الاشتراطين - بحسب بعض المراقبين – قد فرضا صعوبة كبيرة على القبول بالتنفيذ من قبل بنك لطالما عودنا القيام بخدماته بهدف الإعلان والترويج السياسي لطرف بعينه.

وربما يدخل في ذلك، ايضا - بحسب آخرين - أن البنك، الذي مازال محسوبا على طرف بعينه في السلطة، أتخذ قراره بناء على تلك التبعية؛ من حيث أن ثمة من يخشى أن تحسب انجازات المشروع على القيادة الجديدة للبلاد والحكومة، لاسيما إذا تحققت أهداف المشروع في تخفيض نسبة الفقر لما يزيد عن 30 الف مستفيد من محافظة تعز..!!

ولعل هذا أمر يمكن ترجيحه بشكل كبير، طالما وقد تحقق ذلك في ظل هذه القيادة الجديدة، التي أفضت إليها الثورة الشعبية التي اسقطت أهم رموز ورؤوس النظام السابق، التي كان الفساد وزيادة نسبة الفقر والعجز في إحداث تنمية مستدامة، من أهم الأسباب التي قامت لأجلها الثورة.

• قرارات إثبات إضافية 
لعلنا هنا، نورد بعض الحقائق المعززة لما ذهب إليه المفسرون لقرار رئيس البنك برفض تنفيذ المشروع.

فقد أكدت مصادرنا أن رئيس البنك أتخذ قرارات إضافية تتعلق بقراره السابق، من شأنها أن تعزز الاحتمالات التي قال بها البعض، مالم يقدم رئيس البنك توضيحاته ودوافعه لرفض المشروع. ومنها أنه أصدر قرارات بالفصل وأخرى بتغيرات إدارية داخلية شملت الموظفين الذين عملوا على المشروع.

وتؤكد المصادر أن إحدى المديريات اللائي تم فصلهن من العمل، كانت إحدى الناشطات الثائرات في ساحة التغيير بصنعاء.

قبل كتابة هذا التقرير، كنا قد حاولنا التواصل أكثر من مرة مع رئيس البنك لتوضيح الأسباب الحقيقية وراء قراره رفض التوقيع على العقد، لكن تلفونه الشخصي كان مغلقا. وعليه فإن تلك التأويلات السابقة (التي ننوه أننا استقيناها من بعض المصادر المطلعة على تفاصيل المشروع)، تظل احتماليات قائمة، حتى يقدم رئيس البنك تبريراته لدحضها. بضمنها صحة اتخاذ قرارات الفصل والتغير التي أشرنا إليها أنفا..

• وأخيرا..
وحتى يحدث ذلك، وسواء حدث أم لا، فإن الواضح راهنا هو أن الحكومة اليمنية (التي لا تكل ولا تمل من أن تستجدي المساعدات الخارجية في معظم تصريحاتها ولقاءاتها مع الممولين الخارجيين)، تبدو وكأنها قد وضعت رغما عنها في موقف العاجزة عن اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لتصحيح الأخطاء القائمة حتى تكون قادرة على تلبية متطلبات المرحلة الاقتصادية الراهنة، والحرجة.

وإذا كان الأمر كذلك في ظل أن بنك التسليف التعاوني والزراعي يدخل ضمن سلطاتها، فكيف كان الأمر سيكون، فيما لو كانت المناقصة قد رست على أحد البنكين الاخرين..؟

في واقع الحال، سيتوجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات حاسمة تثبت من خلالها جديتها في أن تحوز على ثقة مجتمع المانحين، وقبلهم الشعب الذي ما زال ينتظر منها الكثير لتقوم به في سبيل تحقيق الأهداف الانتقالية التي تقوم عليها شرعيتها، بضمنها التنمية الاقتصادية.
----------------------------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق