السبت، 29 سبتمبر 2012

هل ينتهي مصير «صالح» بمحاكمة دولية؟


لماذا سمحت اليمن أخيراً بفتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان الرافضة للحصانة؟ ما هي التوقعات المستقبلية؟


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
بعد قرابة عام من المطالبات الحثيثة، وافقت اليمن أخيرا على السماح للمفوضية السامية لحقوق الإنسان - التابعة للأمم المتحدة – بفتح مكتب قطري لها في اليمن.. والأربعاء الماضي (26 سبتمبر)، على هامش اجتماعات الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، وقع وزير الخارجية اليمني أبوبكر القربي مع الرئيسة الحالية للمفوضية نافي بيلاي، اتفاقاً يقضي بإنشاء مكتب للمفوضية السامية في اليمن. طبقا لما اكدته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).

حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور، تتحدث أمام الدورة الـ(21) لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، لتؤكد في كلمتها ان حكومة اليمن لن تدخر جهدا في تحسين وتطوير أدائها بما يعزز من سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وفتح المجال واسعا للشراكات والتحالفات مع المجتمع المدني على المستويين الوطني والدولي. ولفتت المجتمع الدولي إلى ان الترتيبات تجري حاليا لوضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان تضع الأهداف المتوسطة والبعيدة المدى لتعزيز حقوق الإنسان.

ويحمل قرارا مثل هذا دلالات سياسية إيجابية هامة، لعل أبرزها: تعزيز الجدية في مواصلة السير نحو تأمين متطلبات العهد اليمني الجديد؛ أما اشجعها: الاستمرار الحثيث في محاولات إزالة النتوءات وقسر الحالة اليمنية نحو المزيد من التهدئة المساعدة على فرض الأمن؛ فيما أن أفضلها قد يتمثل بحصد مساعدات المانحين المالية سعياً نحو تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.

خلفية مثيرة للاهتمام
ولعل ما يزيد من أهمية إفراد مساحة مناسبة تركز على هذا القرار، أن اليمن ظلت خلال الفترة التي تلت الثورة الشعبية السلمية (مطلع فبراير 2011)، وحتى الأربعاء الماضي، ترفض طلبات المفوضية السامية بشأن رغبتها فتح مكتب لها في اليمن، والتي جاءت بناءً على توصية رفعها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

بل إنها ظلت، أيضاً، تماطل وتؤجل موافقتها السماح لها بإرسال لجنة خبراء تتبع المفوضية السامية لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في اليمن، متذرعة بعدم قدرتها على ضمان سلامة الوفد الأممي بسبب الحالة الأمنية المنفلتة.. لكن في أواخر يونيو ومطلع يوليو من العام 2011 وصلت لجنة من المفوضية إلى اليمن، في مهمة استمرت قرابة عشرة ايام، التقت خلالها بمختلف الأطراف المعنية.

وفي تقريرها الصادر في سبتمبر 2011، أوصت اللجنة بضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل إزاء الانتهاكات في اليمن. ولفتت في تقريرها إلى أن مئات الأشخاص قد قتلوا وأصيب الآلاف إثر استخدام الحكومة القوة لإخماد الاحتجاجات. وكشف التقرير: أن المتظاهرين المسالمين المطالبين بحريات أكبر وبالقضاء على الفساد وباحترام سيادة القانون قوبلوا بالقوة المميتة المفرطة وغير المتناسبة من قبل الدولة. كما شدد على الحاجة إلى «تحقيقات دولية مستقلة ومحايدة» في إدعاءات انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بحركة الاحتجاج السلمي في اليمن منذ بداية هذا العام 2011.

وخلال الفترة 20-27 من شهر ديسمبر 2011، عاد وفد من المفوضية لمواصلة مهام تقييم الحالة الحقوقية المتصاعدة في البلاد. وكان لقرار مجلس الأمن رقم 2014 (سبتمبر 2011) دور مهم في سماح الحكومة اليمنية للوفد الأممي القيام بمهامه. إذ أشار هذا القرار إلى ضرورة الأخذ بالاعتبار قرار مجلس حقوق الإنسان رقم (A/HRC/RES/18/19) بشأن اليمن، مؤكدا على «ضرورة إجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد بما يتفق مع المعايير الدولية في الانتهاكات والإساءات المزعومة التي طالت حقوق الإنسان، مع التأكيد على مسألة عدم الإفلات من العقاب وضمان المساءلة الكاملة، مشيرا بهذا الصدد إلى تلك المخاوف التي أعربت عنها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة».

وفي 21 مارس 2012، رفعت المفوضية تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته التالية. وضمن مجموعة توصيات، اوصى التقرير بضرورة «تشجيع فتح تحقيقات دولية شفافة في الجرائم الأشد فضاعة والتي نجم عنها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات خلال الأزمة التي حدثت في اليمن».

وفي 27 مارس 2012، عقدت اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان اجتماعا لمناقشة ردود الجانب اليمني على تقرير وفد المفوضية. ورحب الاجتماع بإعلان اليمن الخاص بموافقته فتح مكتب قطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن. وأعربت اللجنة عن أملها في أن تسمح اليمن للمفوضية بالاضطلاع بولايتها بشكل كامل، بما في ذلك في مجالي الرصد والتحقيق المتعلقين بحقوق الإنسان.

بعدها، ومنذ ذلك الحين، مرت خمسة أشهر تقريبا دون الشروع بأية إجراءات عملية على أرض الواقع تجسد الموافقة المبدئية اليمنية المعلنة بفتح المكتب.

حتى على الرغم أن مجلس الأمن الدولي، كان بدوره جدد تأكيده – ضمن قراره الثاني (رقم 2051) بشأن اليمن في جلسته المنعقدة لاحقا في 12 يونيو 2012 - على وجوب «محاسبة جميع المسئولين عن أعمال انتهاك وامتهان حقوق الإنسان». وبهذا الخصوص شدد «على ضرورة إجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد ومستوف للمعايير الدولية بخصوص ما زعم وقوعه من أعمال انتهاك وامتهان لحقوق الإنسان، وذلك لمنع الإفلات من العقاب وضمان الخضوع للمساءلة على نحو تام».

ما يعني – ضمناً – ضرورة البدء بتمكين المفوضية من التواجد رسميا في البلاد؛ من حيث إنها الجهة الوحيدة المستقلة الموثوق بها، التي يمكنها أن تساعد على إجراء تحقيق تتجسد فيه المعايير الدولية.

والأربعاء الماضي فقط، وقعت اليمن على فتح المكتب، لتكون قد بدأت فعلياً بالخطوة الإجرائية العملية الأولى لتمكين الهيئة الحقوقية الدولية من الشروع بمهامها المفترضة للمساعدة في تحقيق العدالة في البلاد.

لكن.. لماذا الآن؟
حالياً يقوم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بجولة دولية هامة، بدأها الأحد الماضي من العاصمة البريطانية لندن؛ والأربعاء (26 سبتمبر) حضر فعاليات الدورة الـ67 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي هذا اليوم أيضا، أعلن التوقيع مع المفوضية، وذلك قبل يوم واحد فقط من افتتاح الرئيس لجلسات أعمال الاجتماع الرابع لمجموعة اصدقاء اليمن، الخميس الموافق 27 سبتمبر - في نيويورك، بمشاركة ما يزيد عن «40» دولة شقيقة وصديقة ومنظمات إقليمية ودولية مانحة.

وأخذاً بالاعتبار أن كافة اللقاءات المستديرة الدولية الثلاثة السابقة لمجموعة «أصدقاء اليمن»، لم تنتهِ إلى نتائج إيجابية واضحة، وعلقت البت في حجم أموال الدعم إلى هذا الاجتماع، فقد كان من الواضح أن الرئيس هادي بحضوره هذا المؤتمر، وتوجيهه وزير الخارجية التوقيع على الموافقة بفتح مكتب للمفوضية في اليمن، كان يعقد آمالاً كبيرة على هذا الاجتماع لحشد الدعم الدولي اللازم لإنقاذ البلاد وإخراجها من أزمتها الاقتصادية التي تشكل محورا رئيسيا لديه باعتبارها بداية الطريق نحو حلحلة بقية الجوانب السياسية والأمنية.

وربما كان مدركاً أن المانحين الدوليين الكبار توصلوا إلى إجماع يربط تسليم المساعدات الاقتصادية بضرورة تنفيذ إصلاحات سياسية، إدارية، قانونية وحقوقية، وعلى ما يبدو، يأتي التوقيع الأخير - بالموافقة على فتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان- استجابة لمشورة صادقة من بعض الأطراف الدولية الصديقة.

ويضاف هذا التوقيع إلى جانب تلك القرارات الإصلاحية الجريئة في المؤسسة العسكرية، التي أصدرها الرئيس هادي خلال الأسابيع والأشهر السابقة، وجنبا إلى جنب مع تلك المرونة التي أبداها الرئيس هادي في مسألة التعاون في مكافحة الإرهاب .. لتشكل جميعها رزمة من الإجراءات المساعدة على إنجاح مؤتمر المانحين في نيويورك.

ميدان المفوضية في اليمن
بحصولها أخيراً على الموافقة بفتح مكتب قطري لها في اليمن، من المتوقع أن تتمثل أعمال المفوضية طابعا دوليا، بمراقبتها عن كثب الانتهاكات الحقوقية المتواصلة، إلى جانب دورها المفترض في العمل على تحقيق قرارات مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بخصوص ضرورة إجراء تحقيقات شاملة محايدة وشفافة لمنتهكي حقوق الإنسان والتأكد من عدم إفلاتهم من العدالة عبر المساعدة في تسهيل إجراءات إحالتهم إلى المحاكمة الدولية، طبقا لمبادئ حقوق الإنسان الدولية.

في تقارير بعثاتها الخاصة، وقرارات مجلس حقوق الإنسان المتعلقة باليمن، ظلت المفوضية السامية تشدد على ضرورة محاسبة المتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان... وحين ضغط على الأطراف اليمنية للتوقيع على تنفيذ المبادرة الخليجية، لتتوالى في إثرها الترحيبات الدولية مع وعود بالمساعدة والمراقبة والإشراف..الخ، كانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان – على العكس من ذلك - تعلن بكل قوة رفضها مخالفة تلك الاتفاقية للمبادئ الدولية العامة لحقوق الإنسان. وشددت بشكل متكرر على رفضها بند الحصانة التي منحتها المبادرة للرئيس السابق ومن عملوا معه والتي تعفيهم من المحاكمة والمحاسبة على كافة جرائمهم السابقة المرتكبة بحق المعارضين، المطالبين بإسقاط النظام.

وفي تقرير اللجنة الدولية المعنية بحقوق الإنسان، الصادر عن اجتماعاتها الخاصة بشأن اليمن يومي 27 - 28مارس 2012، أعربت عن القلق الذي يساورها بهذا الشأن، وأكدت أنه «يتعين على الدولة الطرف (اليمن) أن تلغي قانون العفو رقم «1» لعام 2012، وأن تمتثل للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحظر منح الحصانة للأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي يقع بشأنها التزام على الدول بتقديم الجناة إلى العدالة».. وعلى مدى الفترة التي تلت التوقيع على المبادرة، ظل المسئولون المعنيون في هيئة الأمم المتحدة وبشكل خاص في المفوضية السامية، يجددون بين الحين والآخر رفضهم منح الحصانة للرئيس السابق ومعاونية.. الأمر الذي ربما عزز مسألة إصرار وتمسك المسئولين اليمنيين المعنيين (من بقايا النظام السابق) بقرار رفض منح المفوضية إذناً بفتح مكتب في اليمن، مستخدمين كافة الوسائل لعرقلة أي جهود داخلية تسعى إلى فتحه.

حصانة مرفوضة.. ومنتهية
ومؤخراً، لوحظ إصرار لافت من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر، على إطلاق تصريحات تؤكد أن الأمم المتحدة ليست معنية بقرار منح الحصانة.. وجاءت تصريحات بن عمر تلك، في أثناء زيارته الأخيرة إلى اليمن مطلع هذا الشهر. قال بن عمر لقناة سكاي نيوز عربية إن «الأمم المتحدة لم تكن طرفا في قانون الحصانة»، مشددا على أن المنظمة الدولية «تؤكد ضرورة محاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان». وأضاف إن الأمم المتحدة لا «تدعو للحصانة بشكل مطلق، لأن القانون الدولي لا يسمح باتفاقات تعطي حصانة خاصة في جرائم فيها خرق للقانون الدولي».

تلك التصريحات جاءت في سياق كان الحديث فيه يتطرق إلى الأطراف المعرقلة لتنفيذ المبادرة الخليجية. حيث أكد بن عمر بالقول: إن «المعرقلين معروفون عند الشعب اليمني كله. والرئيس عبد ربه منصور هادي اتخذ قرارات شجاعة وصمد في وجه عدد من التحديات والعراقيل وفعلا بدأت مسيرة التغيير.. من المؤسسات العسكرية والأمنية».. وإذا كان ذلك هو حال بن عمر، ربما على إثر تأكده – في زيارته الأخيرة - من صعوبة إقناع الرئيس السابق وأعوانه بالتوقف عن فرض العراقيل والمساعدة على تسهيل مهمته والرئيس هادي في تنفيذ بقية بنود المبادرة.. فإن حال السفير الامريكي في اليمن، لم يكن بأفضل من سابقه، ولكن وفق حيثيات اخرى لا تتعلق برفض الحصانة، بل بعدم جدواها في الوقت الراهن.. فبعد أيام من تصريحات الأول، وجه السفير الأمريكي في اليمن رسالة واضحة للرئيس اليمني السابق، حين أعرب عن أسفه لعدم احتواء المبادرة الخليجية على بند يمنع صالح من العمل السياسي، بل أكثر من ذلك ذهب – للمرة الأولى منذ توقيع المبادرة – للفت الانتباه إلى أن الحصانة الممنوحة انتهت عملياً في 21 فبراير 2012؛ بعد انتخاب الرئيس هادي؛ من حيث إن قانون الحصانة المقر في البرلمان اليمني نص على حصانة لفترة حكمه فقط.

كان ذلك أشبه بتحذير للرئيس اليمني السابق – الذي ما يزال يمارس العمل السياسي بحرية - بضرورة توقفه عن عرقلة تنفيذ المبادرة، وذلك ربما على خلفية بروز أدلة تثبت تورطه ونجله وقيادات عسكرية موالية لهم بالتمرد على القرارات الخاصة بالهيكلة، وبعض الأعمال التخريبية، إلى جانب التورط بالوقوف خلف مجموعة أحداث أمنية بينها اقتحام وزارة الداخلية ومحاولة اقتحام وزارة الدفاع، وربما عملية اقتحام السفارة الأمريكية مؤخراً.

مؤشرات أولية لنهاية سيئة 
على نحو ما سبق، ربما يمكن النظر إلى توقيع اليمن الأخير بالموافقة على فتح مكتب للمفوضية في صنعاء، على أنها رسالة تحذير واضحة للرئيس السابق وأعوانه، وهي تأتي في سياق مواصلة تعزيز سلسلة الإجراءات الاحترازية التحذيرية التي تضمنها قرار مجلس الأمن الأخير (2051) بفرض عقوبات اممية ضد من يثبت عرقلتهم تنفيذ بقية بنود المبادرة.

وفي الأخير، ربما يمهد هذا القرار – مع تلك الرسائل التحذيرية - لحزمة قرارات هيكلية أخرى مؤثرة، من المتوقع أن يصدرها الرئيس خلال الأيام القادمة.. ومنذ فترة ظل بعض السياسيين يتوقعون نهاية سيئة للرئيس السابق، عطفاً على إصراره على مواصلة العمل السياسي على نحو يتوخى من خلاله التمكن من الانتقام من خصومه الذين أسقطوه. الأمر الذي من المتوقع أن يفضي به – في نهاية المطاف – إلى الانزلاق نحو الأساليب التي تجعل من محاكمته أمر أكثر ترجيحا.. على أن ذلك، من المتوقع ايضا أن يسبق بقرارات عقابية دولية على شاكلة المنع من السفر، وتجميد الأموال..الخ، وثمة بعض المؤشرات الأولية المعلنة مؤخرا – وإن بشكل مقتضب - من بعض الدول الأوروبية بخصوص شروعها بدراسة إمكانية فرض بعض العقوبات. بل إن الولايات المتحدة أعلنت الأسبوع الماضي - بشكل صريح - أنها رفضت منح صالح تأشيرة دخول للعلاج.

وعلى ما يبدو، فثمة قرار جماعي، أقليمي ودولي، اتخذ ولكن بشكل غير معلن يقضي بعدم استقبال الرئيس السابق..! سواء للبقاء أو الضيافة أو حتى العلاج..!!
 -----------------------------------
- نشر في صحيفة الجمهورية - الجمعة 28 سبتمبر 2012

- أعاد نشرة موقع المصدر أونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق