الاثنين، 21 مايو 2012

مصير أهداف ثورة التغيير بعيدا عن مأساة أطفال اليمن


 في قلب اليونيسيف..ولم يدخلوا بعد عقل الحكومة


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
على مدى عام ونصف – تقريبا – من الثورة الشعبية السلمية في بلادنا، قتل ما يقارب (3000) يمني، عند أفضل التقديرات..

أمام هذا الرقم - يزيد أو ينقص قليلا - يستميت الكثيرين في وجه من يستهينون به، فيما أن الجميع تقريبا لا يأبهون بوفاة (69,000) طفل يمني كل عام، قبل بلوغهم سن الخامسة.

إن هذا الرقم المفزع، الذي مازال يرد، حتى اليوم، في تقارير منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، تم إحتسابه تقريبيا على أساس أن (77) حالة وفاة تحدث بين كل (1000) حالة ولادة حية. ووفقا لمنظمة الدولية فذلك يعد"واحدا من أعلى معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."

عاطفيا، يمكن تبرير ذلك الغضب الجماعي العارم، وتلك الحالة النفسية المفعمة بالحزن، نتيجة لما أحدثته رصاصة قناص قاسي القلب، إذ اخترقت قلب الطفل أنس السعيدي (10 أشهر) في شارع هائل (19 سبتمبر 2011 )..

لكن، منطقيا، لا يمكن تفسير عدم التأثر جماعيا بموت (190) طفلا يمنيا بشكل يومي (هذا الرقم تقريبي محسوب رياضيا على أساس معدل الوفيات السنوية) نتيجة لمرض صحي أو غيره من المسببات الأخرى لهذا العدد الكبير من الوفيات.

• الثورة غيرت في المشهد السياسي فقط
قبل عام وبضعة أشهر خرج اليمنيون إلى الساحات يحدوهم أمل تغيير أوضاعهم المزرية.. في وقت، كانت الأرقام والإحصاءات الحيوية، تضع اليمن واليمنيين في أسوء المراتب العالمية.

وبعد مرور عام وبضعة أشهر، على انطلاقة ثورة التغيير، أصبح من الممكن الحديث عن تقدم وتغييرات ملموسة شهدها الواقع السياسي، فيما أن الحقائق الإحصائية والأرقام الحيوية لم تشهد أي تغييرا إيجابيا. بل على العكس كان يمكن – هنا - ملاحظة حدوث تغييرات سلبية نحو الأسوأ دائما.

وحتى الآن، يبدو أن رأسمال اليمنيين في تغير واقعهم المزري نحو الأفضل ليس اكثر من وعود دولية تجسدها تصريحات أشبه ما تكون بالتوقيع على شيكات مؤجلة الدفع.

• نتيجة أن يظل جيل المستقبل عرضة للخطر
إن الأرقام التي مازالت تقارير منظمة اليونسيف توردها بشأن سوء أوضاع الطفولة في اليمن، تؤكد بأن الخطر المستقبلي مازال قائما، من ناحية، ومن ناحية آخرى، فهي تقرر – في سياق ذلك – أن البلاد ستكون عاجزة عن تحقيق أهداف التنمية. وعلى هذا النحو، قد يصل بنا الحال – إفتراضيا - إلى الحديث عن فشل الثورة في تغيير الواقع..!

في أحد تقاريرها التي نشرتها مؤخرا تحت عنوان "سوء التغذية في اليمن"، تقرر منظمة اليونيسيف هذه الحقائق: "تعتبر اليمن من الدول الأقل نمواً والتي قد لا تستطيع تحقيق أهداف الألفية التنموية بحلول 2015م. ويعيش أكثر من نصف السكان على أقل من دولارين في اليوم ولدى اليمن أعلى معدلات وفيات الأطفال دون سن خمس سنوات في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.."، وأستشهد التقرير بتلك الأرقام المفزعة التي أشرنا إليها في المقدمة.

وعليه يعتقد المسئول الإعلامي في المنظمة، محمد الأسعدي، في تصريحات خاصة بموقع المصدر أونلاين، أنه مالم تشمل وعود المساعدات الدولية حزمة من المساعدات العاجلة، تركز على معالجة الأوضاع السيئة والمتدهورة للطفولة في اليمن، لما من شأنه العمل على خفض المعدل الكبير في وفيات الأطفال، فإن الأهداف الإنمائية التي تسعى بلادنا والمجتمع الدولي إلى تحقيقها، لن تحقق نجاحا كبيرا، وقد تفشل على المدى البعيد طالما ظل جيل المستقبل في اليمن – المعني الأول من التغيير – معرضا إما للموت، وإما لكوارث صحية تبقيه معتلا على الدوام، ما سيجعله غير قادر على أن يكون هو جيل الإنفاذ، الذي من المفترض أن تسند إليه مهمة مواصلة عملية التغيير بنجاح، استثمارا للتغيير الحاصل اليوم على المدى الطويل.

• مستقبل البلاد مهدد 
عندما خرج الشباب والكهول إلى الشوارع في فبراير 2011، إحتجاجا على سوء الأوضاع، مطالبين بتغير النظام الفاسد، فقد كانوا – دون شك - يضعون مستقبل أولادهم في أعلى قائمة أولويات الأهداف المنشودة من التغيير. ذلك من حيث انهم كانوا يدركون جيدا أن التغيير بحاجة إلى تضحيات كبيرة، وعليه فقد كانوا مستعدين على الدوام للتضحية بأغلى ما لديهم، أرواحهم، من أجل خلق مستقبل أفضل لأبنائهم..

لقد أستشهد الألاف وهم ينشدون تحقيق تلك الأهداف المشروعة للثورة السلمية. وشهد من تبقى على قيد الحياة تغييرات جوهرية طالت شخوص ومراكز قوة النظام السابق، لكنهم ما زالوا ينتظرون أن تحقق ثورتهم المزيد من الإنتصارات العملية على أرض الواقع، بما فيها إحداث تغييرات جذرية تطال عمق وبنية النظام السابق وصولا إلى التنمية المستدامة..

لكن التنمية المستدامة، لن تتحقق مالم تركز على المحور الرئيسي فيها: الإنسان. وبحسب التقارير الرسمية المحلية والدولية، فإن الأطفال في اليمن يمثلون أكثر من نصف عدد السكان.

وإذا كان حوالي (69,000) طفل يمني يموتون كل عام في بلادنا، قبل بلوغهم سن الخامسة، فإن ثمة أسباب تقف خلف تلك الكارثة الإنسانية، تتوزع وتتداخل بين أسباب صحية وثقافية تعليمية، وقانونية إجرائية، وغيرها..وقبلها ومعها وبعدها، يمثل السبب الإقتصادي والفقر أكثر العوامل المسببة للوفاة.

ومع هذه الظروف القاسية، لا أحد يمكنه أن يجزم، ان الطفل الشهيد أنس السعيدي، كان سينجوا من الموت بسوء التغذية مثلا، فيما لو كان قد نجا من تلك الرصاصة القاتلة.

• سوء التغذية 
"هناك ما يقرب من مليون طفل في اليمن يعانون من سؤ التغذية المتوسط والحاد والمتمثل في الهزال والتقزم"، طبقا لأخر تقرير أصدرته منظمة اليونسيف بهذا الشأن. كما يؤكد التقرير "أن هناك أكثر من 260 ألف طفل في اليمن يعانون من الهزال الشديد والذي قد يعرضهم للموت هذا العام بسبب سوء التغذية أو قد يعانون مدى الحياة من تأثيره على نموهم الجسدي والذهني، إذا لم نتخذ الإجراءات المناسبة".

وإذ تلفت المنظمة إلى أن "سوء التغذية أمر يمكن الوقاية منه، .."، فإنها تعتبر "إن النزاعات والفقر والجفاف، إضافة إلى الاضطرابات الحاصلة في البلاد منذ العام الماضي وارتفاع أسعار الغذاء والوقود وانهيار الخدمات الاجتماعية، كلها عوامل تهدد صحة الأطفال وبقائهم."

وسؤ التغذية هنا ليست مرتبطة بالتغذية فقط، حسب تقرير المنظمة، فهناك مجموعة عوامل تسهم في وصول إلى الأطفال إلى مرحلة سؤ التغذية منها: عدم توفر المكونات الغذائية اللازمة في الطعام الذي يتناوله الطفل، وعدم توفر المعادن اللازمة لعملية بناء الجسم، إضافة إلى عدم توفر المياه الآمنة للشرب – وغياب الصرف الصحي، وتراجع وربما إنقطاع الخدمات الصحية والرعاية الأسرية في معظم أرجاء البلاد جراء الأزمة وطوال عام 2011.

وهنا تضع المنظمة اليمن كثاني دولة في العالم، بعد أفغانستان، من حيث ارتفاع معدل سوء التغذية المزمن بين الأطفال. إذ تصل نسبة النمو المتعثر فيها إلى 58 بالمائة. ويعاني حوالي 30 بالمائة من الأطفال في بعض المناطق من سوء التغذية الحاد، وهي نسبة تشابه ما يشهده جنوب الصومال حاليا وتصل إلى ضعف الحدود المعترف بها دولياً والتي تنذر بوجود حالة طوارئ.

وفي الواقع، فإن الأطفال المصابون بسوء التغذية، يكونون أكثر عرضة لخطر الموت عند تعرضهم لأمراض وإصابات أخرى أقل خطر. وعلى سبيل المثال فإن مرض الحصبة يتعافى منه معظم الأطفال في غضون أسبوعين أو ثلاثة، لكنه يتحول إلى مرض خطير وفتاك عندما يصاب به الأطفال المصابين بسوء التغذية، لأنهم في مثل هذه الحالة سيعانون من مضاعفات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى الموت.

وهذا ما أدى إلى إرتفاع نسبة الوفيات من الأطفال دون سن الخامسة بسبب مرض الحصبة إلى 126 طفلا، من بين 3600 حالة حصبة تم التبليغ عنها خلال الأشهر القليلة الماضية.

• الاضطرابات المدنية 
إن اطفال اليمن، لا تقتصر مشاكلهم على الفقر والصحة وسوء العناية والإهتمام، بل تتجاوز ذلك – وربما دونا عن معظم نظرائهم في الدول الفقيرة - لتتضاعف أكثر بفعل الاضطرابات والنزاعات المسلحة.

ويقول تقرير بهذا الشأن لمنظمة اليونسيف أن إجمالي عدد النازحين في المحافظات الشمالية والجنوبية والوسطى، بفعل الإضطرابات والمواجهات المسلحة والحروب بلغ (420.000) نسمة، منهم حوالي (80.000) من الأطفال دون سن الخامسة، و (80.000) امرأة حامل أو مرضع في مواقع الطوارئ وحدها. وأدى نقص المياه الصالحة للشرب إلى زيادة تفشي الأمراض المنقولة عن طريق المياه، مثل الكوليرا والاسهال المائي الحاد.

كما أن تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة في أجزاء أخرى من البلاد يثير مخاوف متزايدة. وقد أثرت الاضطرابات على رفاه الأطفال نفسياً واجتماعياً، وزادت عمالة الأطفال والإتجار بالأطفال واحتمالات الزواج القسري المبكر للفتيات كإحدى آليات التكيف الاقتصادي. تقول المنظمة الدولية.

إضافة إلى تلك الكوارث، تشير اليونسيف إلى كوارث ومأس إضافية، تخلفها الإضطرابات والنزعات المسلحة والحروب البينية، مثل تلك التي تخلفها الألغام الأرضية. وبهذا الصدد أعربت المنظمة – في أبريل الماضي - عن قلقها البالغ حول تزايد عدد القتلى بين الأطفال نتيجة حوادث الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة خلال الفترة الماضية.

وقالت أنه "تم الإبلاغ عن مقتل 13 طفلا وتشويه 12 اخرين بسبب إنفجار الألغام الأرضية ومخلفات الصراعات المسلحة في 12 حادث خلال الثلاثة الأشهر الأولى فقط من العام الجاري. ووقعت تلك الحوادث في أبين وعدن ولحج (جنوب البلاد) وحجة وصنعاء (شمال البلاد).

وأضافت "لقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في مقتل 28 طفلاً وتشويه تسعة اخرين عام 2011، بمن فيهم ضحايا حادث إنفجار مصنع الذخيرة في محافظة أبين، في مارس من العام الماضي، والذي أودى بحياة 18 طفلاً وإصابة أربعة اخرين".

ويعتبر السيد جيرت كابيليري، ممثل منظمة اليونيسف في اليمن أن هذه الإحصائيات مثيرة جداً للقلق، ويقول: "أن عدد الضحايا من الأطفال في الثلاثة الأشهر الأولى من عام 2012 يقترب كثيراً من مجموع الضحايا لعام 2011 وهذا أمر مقلق للغاية."

بل أن الاضطرابات المدنية، تتعدى نتائجها لتزيد من سوء الأوضاع الصحية. وبحسب المنظمة اليونسيف، فإنه وكنتيجة مباشرة للنزاع في عام 2011، انخفضت معدلات التحصين بشكل كبير، بنسبة تصل إلى 60٪ في بعض المناطق. وهذا الانخفاض في تغطية التحصين يعرض الأطفال إلى أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة مثل شلل الأطفال والحصبة.

• احتياجات الإنقاذ وتحذير من الفشل
تسعى منظمة اليونسيف في اليمن، وفق خطة طموحة للعام 2012، إلى معالجة تلك المشاكل وإنقاذ جيل اليمن القادم، محاولة إخراجه من أزماته المتكالبة والمتراكمة، حتى يكون قادرا على إستثمار التغيير الحاصل اليوم ومواصلة بناء مستقبل اليمن الجديد بنجاح وقدرات عالية.

وبالتوافق مع متطلبات عملية النداءات الموحدة (CAP)، تطلب اليونيسيف (49) مليون، و(807) ألف دولار أمريكي لشراء اللوازم الأساسية وتنفيذ التدخلات المقترحة في جميع المحافظات اليمنية.

لكن المنظمة الدولية، تحذر من أن نقص التمويل سيؤدي إلى إضعاف حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإهمال وسوء المعاملة والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة بصورة خطيرة. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون حوالي 53000 طفل معرضين لمخاطر سوء التغذية ونقص المياه والصرف الصحي وزيادة الوفيات والأمراض.

وحتى الأن، نجحت اليونيسف في الحصول على تمويل بنسبة 30% من المبلغ المطلوب حتى الآن من عدد من المانحين، وسط مخاوف من عدم توفر المبلغ اللازم لمساعدة ملايين الأطفال سواء باللقاحات والتغذية العلاجية ودعم التعليم والحماية والتأهيل النفسي للمتضررين من النزاعات المسلحة والنزوح وتوفير مياه الشرب لألاف الأسر المتضررة.

ويبقى السؤال: إذا كانت منظمة اليونيسيف تحمل في قلبها هم إنقاذ مستقبل اليمن على المدى المنظور والبعيد، من خلال تركيزها على معالجة كوارث وأزمات الطفولة (جيل المستقبل)..فأين يتموضع هذا الجيل بمشاكله وكوارثة بالنسبة لهموم حكومة التوافق الوطني نفسها؟

في الوقت الراهن، ستظل الإجابة معلقة، لكنها ربما لن تكون كذلك بعد ثلاثة أيام بالكثير. وسيتوجب علينا أن ننتظر حتى ينفض مؤتمر أصدقاء اليمن المقرر إنعقاده في الرياض، الأربعاء 23 مايو الجاري..لنعرف الإجابة من خلال نوعية المشاريع والمطالب التي ستقدمها الحكومة للمؤتمر.
----------------------------------
نشرت على موقع المصدر أونلاين بتاريخ 20 مايو 2012

الأربعاء، 9 مايو 2012

هادي يخوض مواجهة مزدوجة المصالح





يواجه الرئيس اليمني الجديد، عبد ربه منصور هادي، رزمة كبيرة من المشاكل المعقدة، المتداخلة والمتنوعة بين سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، كان قد ورث معظمها –إن لم يكن جلها- من النظام السابق.

وورث هادي بلدا شبه فاشل, فهو إلى جانب أنه أصبح في حكم المنهار اقتصاديا، مازالت الاختلافات والتوترات السياسية محكومة –حتى اليوم- بانعدام الثقة، مع توسع ملحوظ للتشظيات الاجتماعية، في وقت مازالت فيه المؤسسة العسكرية منقسمة إلى جبهتين شبه متكافئتين بالقوة: الأولى تتبع عائلة رأس النظام السابق، بينما الأخرى تتبع القيادات العسكرية المناصرة للثورة الشعبية.في الواقع، ربما كان هادي –قبل انتخابه رئيسا توافقيا في 21 فبراير/شباط الماضي– يدرك تماما أنه سيرث تركة ثقيلة من نظام كان هو نفسه جزءا منه، إلا أن المرجح أنه حين قبل بذلك، ربما كان ينظر إلى مستقبل البلاد بعيون المجتمع الدولي، الذي قدم وعودا مغرية والتزامات كبيرة بالمساعدة والوقوف إلى جانبه خطوة بخطوة، في سبيل حلحلة كافة تلك القضايا، وبشكل خاص خلال فترته الرئاسية المحددة بعامين من بداية انتخابه.
غير أن جزءا مما يحدث اليوم، قد يضع هادي أمام أعباء إضافية، من حيث مواجهة مصالح دولة عظمى، أكثر تأثيرا كأميركا, سواء تجاوب كليا مع رغباتها في توسيع نطاق عملياتها في محاربة الإرهاب، أم حتى في حال أبدى تجاوبا جزئيا مشروطا، لكنه قد يخرج عن السيطرة، تبعا لما قد تفرضه حاجته الماسة إليها للمساعدة في التخلص من التحدي الأكبر والمشترك، القادم من تنظيم القاعدة.


مع انتخاب هادي رئيسا، لوحظ تصاعد سيطرة القاعدة على عدة مناطق جنوبية، تركزت معظمها في محافظة أبين التي ينتمي إليها الرئيس، وهو ما يعد تحديا شخصيا له
مواجهة القاعدة.. أكثر الأولويات الملحة 
مع أنه كان جزءا من النظام السابق، الذي خاض اليمنيون ثورة عارمة لإزاحة رموزه عن السلطة مع مطلع عام 2011، إلا أن رجلا هادئا، كـ "هادي"، كان هو الخيار الوحيد المتاح –كحل توافقي- أمام إتمام الصفقة السياسية، التي قادها المجتمع الدولي، عبر المبادرة الخليجية.
ولقد قبل الرجل بأن يكون هو المنقذ، بكونه الأنسب، مدركا في حينه أن المرحلة التي أسندت إليه، ستكون هي الأخطر في تاريخ البلاد. طبقا لتصريحات متكررة أصدرها في مناسبات مختلفة. ومع ذلك، فربما أصبح من الممكن القول: إن "هادي"، اليوم، ربما بات يدرك –أكثر من السابق- حجم وعظم المخاطر والصعوبات، والعوائق التي سيتوجب عليه مواجهتها، وتجاوزها لإنقاذ البلاد.
ومع انتخابه رئيسا، لوحظ تصاعد سيطرة هذا الفرع الإرهابي على عدة مناطق جنوبية، تركزت معظمها في محافظة أبين التي ينتمي إليها "هادي"، ما اعتبر بمثابة التحدي له شخصيا. وبدا أن مثل هذا المتغير، انعكس على تحديد الأولويات الأكثر أهمية على المدى القصير في أجندة الرئيس الجديد. وبحيث بات من الملاحظ أن المسألة الاقتصادية العويصة، أو إشكالية الخلافات والتجاذبات السياسية، القائمة على أساس من انعدام الثقة بين طرفي المعادلة السياسية المورثة من الماضي، وربما، في السياق أيضا، تلك التشظيات الاجتماعية المتوسعة، لم تعد هي القضايا الرئيسية الهامة التي يفترض بها أن تثير اهتمام ومخاوف الرجل بقدر ما كانت تقلقه أكثر مسألة توسع وانتشار وطغيان حضور فرع تنظيم القاعدة في اليمن، المعروف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وحتى حين كانت تحضر تلك القضايا الأخرى، باعتبارها رئيسية في مجال اهتماماته.. كان يمكننا –بقليل من التركيز- أن نتأكد، غالبا، من حضور قضية الحرب على القاعدة، بشكل أو بآخر، باعتبارها -في نهاية المطاف– هي القضية الأكثر أولوية.
وعلي سبيل المثال، كان قرار إقالة قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، مهدي مقولة، الموالي لرئيس النظام السابق، والذي أصدره "هادي" مباشرة كأول قرار بعد انتخابه، قد اعتبر على أنه يجسد أحد أهم الأهداف الملحة للثورة (المتمثل بإزاحة وإقالة أتباع وأنصار النظام السابق).
فيما اعتبر بالنسبة للرئيس هادي والداعمين الغربيين له، قرارا ملحا يدخل في سياق الترتيب لمواجهة تنظيم القاعدة هناك. لاسيما بعد التشكيكات المتواترة والاتهامات المتكررة بوجود تعاون وإسناد للقاعدة هناك من جهة قيادة تلك المنطقة العسكرية.
ناهيك عن أنه قد لوحظ تحسن واضح في تصاعد وتيرة وقوة ونجاحات العمليات العسكرية في مواجهة المجموعات الإرهابية المسلحة في المناطق والمساحات التابعة لتلك المنطقة العسكرية، والتي كان التنظيم سيطر عليها بسهولة.


القرارات الرئاسية الأخيرة
وفي 6 أبريل/ نيسان الماضي، أصدر الرئيس الجديد حزمة قرارات رئاسية -وصفت بالهامة والجريئة– استهدف بها إقالة واستبدال رموز وقيادات عسكرية بارزة. ومع أنه كان يدرك مسبقا أن معظمها ستثير حفيظة مراكز القوى التي مازالت قابضة على مفاصل المؤسسة العسكرية، وبالتالي من المتوقع جدا أنها (أي تلك القرارات) سترمي به إلى بداية المواجهة في أتون معركة داخلية يدرك أنها لن تكون سهلة, إلا أنه ربما كان قد أدرك، أيضا، أن هذه المعركة -حتمية الحدوث- سيتوجب عليه البدء بخوضها الآن، لتعزيز قوته وسيطرته على مفاصل الجيش كرئيس شرعي منتخب وقائد أعلى للقوات المسلحة.
وبدون ذلك، أو في حال تأخر الأمر، فإن "أنصار الشريعة"، الجماعة "الإرهابية" التابعة للقاعدة، والتي أعلنت نفسها بهذا الاسم في محافظة أبين وما جاورها، سيتاح لها المجال لتنجح أكثر في تعزيز حضورها هناك، وربما إلى الحد الذي قد يصعب عنده النجاح في فكفكتها لاحقا، لاسيما مع إعلانها إحراز المزيد من النجاحات ضد القوات العسكرية المرابطة، في الوقت الذي كان يزداد فيه ضعف الجيش وانكساراته في ظل استمرار الانقسام والتشتت وتعدد الولاءات بين القيادات العسكرية التي يتبع بعضها –وأهمها- المعسكر المحسوب على النظام السابق.
أصدر الرئيس هادي حزمة قرارات رئاسية كان يدرك أنها لا بد منها لتعزيز قوته وسيطرته على مفاصل الجيش كرئيس شرعي منتخب وقائد أعلى للقوات المسلحة 
الواقع أن تلك القرارات لم تنفذ كاملة، وبشكل خاص من جهة الطرف التابع للرئيس السابق. وبصورة أكثر تحديدا، فقد تمرد عليها قائد القوات الجوية اليمنية، محمد صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق لصالح، وكذا طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق صالح، والذي كان عين قائدا للواء الثالث حرس جمهوري مدرع (أكبر الألوية العسكرية المحيطة بالعاصمة صنعاء) بقرار أصدره مؤخرا أحمد علي، نجل صالح، وقائد الحرس الجمهوري (القوة العسكرية الأكثر عددا وعتادا وتدريبا في اليمن).
وكان قرار أحمد علي، هذا، فسر على أنه إجراء احترازي هدف إلى محاولة تأمين قيادة هذا اللواء الضارب، بإسناده إلى إمرة ابن عمه، والذي كان أصدره بعد أيام من انتخاب هادي، وقراره الأول بإقالة قائد المنطقة الجنوبية. لكن هادي اعتبر ذلك التصريف تحديا لسلطاته العليا على القوات المسلحة، ليعمل لاحقا على تغييره في سياق قراراته الأخيرة.
وحتى الآن، ما زال نجل شقيق الرئيس يرفض تنفيذ القرار، فيما رضخ الأول، مؤخرا، ووافق على تسليم قيادة القوات الجوية، في 24 أبريل/نيسان، أي بعد 18 يوما من التمرد، تحت ضغوطات وتهديدات المجتمع الدولي بإمكانية فرض عقوبات دولية في حال استمر التمرد.
وقبل يومين فقط، من إعلان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، جمال بن عمر (الذي حضر في 18 أبريل/نيسان، لحل الإشكالية) عن نجاحه في إقناع صالح وأخيه غير الشقيق على التنفيذ والتسليم، بعث السفير الأميركي بصنعاء، برسالة واضحة –في مؤتمر صحفي مصغر، الأحد 22 أبريل/نيسان– حين أكد أن التغييرات الرئاسية الأخيرة انعكست بشكل إيجابي على عمليات الجيش في أبين ضد تنظيم القاعدة، وأن قرارات الرئيس يجب أن تنفذ كاملة، موصيا بعدم التراجع عنها.


توسيع الضربات الجوية الأميركية
لعل من المناسب أن تقرأ تصريحات السفير الأميركي السابقة في إطار التحركات الأميركية الأخيرة في اليمن لتوسيع إستراتيجيتها بشأن الضربات الجوية للطائرات بدون طيار التابعة لها. حينها ربما يمكننا القول إن السفير كان يبعث رسالة مزدوجة، بحيث كان الجزء الواضح والمباشر فيها تهديدا موجها إلى المتمردين على شرعية الرئيس، بضرورة الانصياع. بيد أن الجزء الأخر، غير المباشر، قصد به إبلاغ الرئيس هادي، أن الحكومة الأميركية تعلن بقوة وقوفها مع قراراته الرئاسية.
وبالنظر إلى الحوارات الجانبية التي تواصلها الإدارة الأميركية مع الرئيس هادي، وأخذا بالاعتبار تركيز وحاجة هذا الأخير إلى محاربة تنظيم القاعدة، فإنه سيمكننا القول بأن تصريحات السفير الأميركي تلك، كانت تصب في مصلحة تقوية سلطات هادي الرئاسية، طالما أنها ستفضي إلى تحقيق مصالح الطرفين.
وفي 26 أبريل/نيسان نشرت وكالة أسوشيتد برس –مقرها الرئيسي في نيويورك– تقريرا ضمنت فيه تصريحات على لسان مسؤولين أميركين ويمنيين، أكدت على حاجة الرئيس اليمني "هادي" للدعم والمساندة الأميركية في القضاء على القاعدة. ومع أنها قالت إنه منح الضوء الأخضر لوكالة الـ(CIA) لتنفيذ ضربات جوية عبر الطائرات بدون طيار، إلا أنها أكدت أيضا على أنه قصرها على ما يسمى بـ"الضربات المفوضة"، أي تلك التي يتم الموافقة عليها مسبقا. كما يجري الأمر في باكستان. وذلك خوفا من تعرض المدنيين للقتل، مما قد يؤدي إلى المزيد من العداء القبلي العشائري ضد الحكومة اليمنية.
يأتي ذلك، فيما كانت تقارير نشرت –في اليوم نفسه– بواسطة وسائل إعلام أميركية –بشكل خاص– تحدثت عن مصادقة البيت الأبيض –في وقت سابق من هذا الشهر- على قرار توسيع نطاق ضربات الطائرات الأميركية –بدون طيار– في اليمن. وإن كانت نوهت إلى أن المسؤولين الأميركيين أكدوا "على أن الغارات الأميركية في اليمن ستظل مفروضة عليها الكثير من القيود، بشكل أكبر مما هو الحال عليه في باكستان" حسب واشنطن بوست.
وبحسب المعلومات المنشورة في الصحافة الأميركية، فإن المحادثات بخصوص توسيع نطاق البرنامج كانت قد بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي. أي بعد توقيع الرئيس اليمني السابق على المبادرة الخليجية، التي قضت بتفويض هادي في معظم صلاحياته الرئاسية، مع بقاء صالح رئيسا لمدة ثلاثة أشهر تنتهي بانتخاب هادي رئيسا توافقيا.


رغبة الولايات المتحدة في توسيع ضربات طائراتها -بدون طيار- ضد أهداف إرهابية, تشكل مبررا قويا للإدارة الأميركية في الانحياز الواضح والمعلن لدعم الرئيس هادي وقراراته 
أعباء إضافية في حضن الرئيس
إجمالا، يمكن القول إن رغبة الولايات المتحدة في توسيع ضربات طائراتها -بدون طيار- ضد أهداف إرهابية وأفراد بمجرد الشك بأنهم على علاقة بتنظيم القاعدة في اليمن، حتى دون أن يكون قد تم التأكد تماما من هويتهم وانتمائهم للقاعدة، تبرز -جنبا إلى جنب مع رغبة الرئيس هادي في توسيع التعاون والدعم الأميركي للتخلص من سيطرة وحضور تنظيم القاعدة في اليمن- لتشكل مبررا قويا للإدارة الأميركية في الانحياز الواضح والمعلن لدعم الرئيس هادي وقراراته. كما قد يشكل الأمر ذاته، مع رفع وتيرة الدعم والتأييد الأميركي المعلن، مبررا لرضوخ هادي وتجاوبه اللاحق مع الرغبات والمصالح الأميركية.
على أن ذلك، يعتقد بأنه في الوقت الذي يمكن أن يمثل قوة إضافية للرئيس هادي تمكنه من مواصلة إصدار قرارات أخرى، أكثر قوة وجراءة، في سبيل فرض سيطرته وشرعيته الرئاسية على المؤسسة العسكرية، بداية، ثم وصولا إلى إعادة السيطرة على كامل البلاد، والنجاح في إضعاف تنظيم القاعدة واستعادة المناطق التي خرجت عن السيطرة. فإنها –ومن زاوية أخرى- قد تمثل عبئا إضافيا عليه، لاسيما في حال انعكست إستراتيجية توسيع نطاق عمليات الضربات الأميركية الجوية سلبا على المدنيين من غير المقاتلين في تلك المناطق. وأن مثل تلك الانعكاسات السالبة، لن تطال فقط ولاءات رجال القبائل المتضررين، بل أكثر من هذا، فهي ربما تتجاوز ذلك لما هو أبعد بحيث تطال عملية الحوار الوطني القادم الذي بدأ الشروع في التحضير له هذه الأيام.
وأخيرا، ربما كان من المهم التأكيد على أن احتمال كهذا، مازالت نسبة ترجيح حدوثه مرتفعة بشكل كبير جدا، طالما وأن أجزاء كبيرة ومهمة من المؤسسة العسكرية، والأمنية في اليمن، بما فيها قوات مكافحة الإرهاب، مازالت تحت سيطرة وقيادة عائلة رئيس النظام السابق. وبشكل أكثر تحديدا يمكن تخصيص الحديث أكثر على الاستخبارات اليمنية التي مازالت كلية تحت سيطرة عمار محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، ووكيل جهاز الأمن القومي، المعني بتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجانب الأميركي.
المصدر:الجزيرة

الاثنين، 16 أبريل 2012

المصدر أونلاين - قراءة أولية في التغييرات المحتملة داخل قيادات حزب المؤتمر: من سيمسك بخيوط المستقبل.. هادي أم صالح؟

المصدر أونلاين - قراءة أولية في التغييرات المحتملة داخل قيادات حزب المؤتمر: من سيمسك بخيوط المستقبل.. هادي أم صالح؟



المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال

تتواصل معركة كسر العظم بين الرئيس اليمني الجديد، عبد ربه منصور هادي، وسلفه، علي عبد الله صالح.

وفيما أن الأول يحاول جاهدا فرض شرعيته الرئاسية على أرض الواقع، يناضل الثاني من أجل الحفاظ على مفاصل القوة لإضعاف خلفه، تحقيقا لفكرة الحضور والسيطرة، ربما وصولا للإنتقام من ألد وابرز خصومه، الذين نجحوا في الإطاحة به.

وعلى ما يبدو فإن الصراع الثنائي – ومتعدد الأقطاب في آن – الذي برز على هيئة حرب باردة داخل أطر الدولة وأجهزتها، قد أرتكز مؤخرا، على ما يمكن اعتباره الناظم الأول للصراع، في اطر وثنايا هيئات حزب المؤتمر الشعبي العام.

وبشكل أولي، أكد قيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام للمصدر اونلاين، صحة تلك الأنباء التي تم تداولها بعد عصر أمس الأحد بشأن الترتيبات الداخلية والتغييرات التي يزمع الحزب إجراءها في إطار المسميات القيادية العليا والتي تشمل رئاسة الحزب وأمانته العامة وبعض دوائره الداخلية. فيما أنه كان قد حرص كثيرا على التنويه بأن تلك التغييرات، مع أنها تعتبر شبه نهائية، إلا أن القرار بخصوص بعض الأسماء لم يتخذ بعد بشكل نهائي.

ووفقا لتلك الترتيبات، فمن المتوقع أن يتنازل علي عبد الله صالح، للرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، عن منصبه في رئاسة الحزب، فيما يظل هو رئيسا فخريا.

وفيما تنص اللائحة الداخلية للمؤتمر على أن يكون رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب، فإنها لا تتضمن منصبا تحت مسمى "رئيس فخري" للحزب. ما سيتطلب إدخال بعض التعديلات عليها أولا من شأنها أن تستحدث مثل هذا الموقع.

وبموجب الاتفاق – بحسب المصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته – فمن المتوقع أن يتم تعيين الدكتور محمد علي مجور امينا عاما بدلا عن هادي، مع إحداث بعض التغييرات في قيادات الأمانة العامة السابقة..

وفيما أشار المصدر إلى أن الاتفاق بخصوص بعض الأسماء يعتبر - إلى حد ما - شبه نهائي، إلا أنه نوه إلى أن القرار الأخير بهذا الشأن لم يبت فيه بعد. وعليه فقد ترك كافة الاحتمالات مفتوحة، من حيث أنه: إما أن الأمور قد تتعثر في حال لم يتم التوصل إلى أتفاق نهائي، وإما أن تنجح، ويتم التوصل إلى أتفاق نهائي بشأنها، وأخيرا، ربما تستمر النقاشات وتعدل الشخصيات والمواقع. وأضاف معززا حديثه "كافة الاحتمالات تظل مفتوحة"، مع انه رجح أكثر احتمالية النجاح وقال "وحتى الآن، تذهب كافة المؤشرات نحو التوافق".

وعليه، فقد فضل عدم الخوض في الأسماء، والإكتفاء بالقول أن الحديث يدور حاليا حول استبدال ثلاثة أمناء مساعدين، وأثنين من رؤوساء الدوائر في الأمانة العامة، كتغيرات رئيسية، إلى جانب بعض القرارات التنظيمية الداخلية، لافتا في الوقت ذاته إلى أن تلك المواقع القيادية [التي تم تحديدها] هي بالأساس كانت تعتبر مواقع شاغرة، أو معطلة.

وكانت معلومات ذكرت إن التغيرات ستأتي بعبدالقادر هلال إلى موقع الأمين العام المساعد للشئون التنظيمية (بدلا عن صادق أمين أبو رأس- الذي مازال يتلقى العلاج الطبي خارج البلاد إثر جروح بالغة تعرض لها في حادثة النهدين)، كما سيتم تعين عبده محمد الجندي أمينا عاما مساعدا لشئون الإعلام (بديلا عن أحمد بن دغر – الذي عين مؤخرا وزيرا للإتصالات)، وسيتولى ياسر العواضي منصب الأمين العام المساعد لشئون الإدارة والخدمات (بديلا عن يحيى الراعي)، فيما سيعين نعمان الصهيبي – وزير المالية السابق - رئيسا للدائرة المالية بدلا عن فؤاد الكميم، وعبدالسلام الجوفي رئيسا للدائرة التربوية والتعليمية بدلا عن حسين حازب.

وبحسب مصادر مقربة في الحزب، فإن تلك التغييرات تأتي بعد إصرار رئيس الجمهورية عبد ربه هادي – والذي يشغل في الوقت ذاته منصب نائب رئيس وأمين العام الحزب – على ضرورة إعادة الهيكلة الداخلية للحزب، تحقيقا لمجموعة أهداف، قال المصدر أنه يأتي على رأسها: البت في التضارب القائم بشأن رئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب والأمانة العامة، ولما تستوجبه المتغيرات الأخيرة وطبيعة المرحلة القادمة من ضرورة إعادة بناء الحزب على أسس متينة تمكنه من البقاء كطرف مؤثر في العملية السياسية.

وكانت صحيفة الخليج الإماراتية، أشارت في عددها الصادر امس الأحد أن هادي رفض حضور آخر اجتماع للحزب عقد يوم أمس الأول، السبت، في منزل صالح.

وفيما كانت معلومات سابقة أشارت ايضا إلى أن هادي رفض لعدة مرات حضور اجتماعات كان دعي إليها في السابق إبان انتخابه رئيسا للجمهورية، في فبراير الماضي، بحجة أنه أنتخب رئيسا توافقيا للجميع، ومن غير المستحب ان يظل ممثلا لطرف بعينه.. فقد أفادت بعض المعلومات المسربة أنه (هادي) كان قد طلب إعفائه من منصبه كأمين عام للحزب عقب انتخابه رئيسا للبلاد.

لكن البعض تحدث عن حجة أخرى تتعلق بوجود صالح وتمسكه بمنصب رئاسة الحزب، وعليه فسيكون من الصعب – لاسيما في مثل هذه الظروف والمرحلة الحرجة - على رئيس جمهورية منتخب من الشعب أن يلتزم بقرارات وتوجيهات الحزب السياسية، لاسيما أنه (الحزب) مايزال تحت قيادة الرجل الذي ألزمته المبادرة الخليجية بتقديم استقالته، واستبدلته نيابة عنه لمدة عامين كحل توافقي.

وتعزز المواقف والتدخلات الأخيرة من جهة صالح، وجهة النظر هذه، من حيث أنه أتهم بمحاولاته إفساد تنفيذ بقية بنود ونصوص المبادرة الخليجية، وعرقلة برنامج حكومة التوافق.

وعلى ضوء تلك التدخلات، نشرت معلومات تالية تفيد بتدخل وسطاء الدول الراعية والمشرفة والمعنية بتنفيذ المبادرة، وممارستهم ضغوطا ضد صالح تلزمه التوقف عن التدخل في الحياة السياسية. بل وفي السياق ذاته، ذهبت بعض المعلومات المنشورة لتؤكد ان بعض الضغوطات هدفت لإقناعه على مغادرة البلاد، على الأقل لفترة عامين، حتى انتهاء المرحلة الإنتقالية الثانية.

واتهم صالح، بأنه من يقف وراء رفض قيادات عسكرية – من أسرته – تنفيذ القرارات الأخيرة التي أصدرها الرئيس هادي وقضت بإقالتهم من مواقعهم العسكرية المؤثرة ونقلهم إلى مواقع أخرى أقل أهمية.

وحتى الآن، ما زال كل من محمد صالح الأحمر (أخ غير شقيق لصالح)، وطارق محمد عبد الله صالح (إبن أخيه)، يرفضون تسليم مواقعهم السابقة في قيادة القوات الجوية، وقوات الحراسة الرئاسية الخاصة، على التوالي.

ويرى مراقبون أن المستجدات والمواقف السلبية الأخيرة، من جهة معسكر صالح، إلى جانب أنها زادت من حجم استياء الرئيس هادي، وجعلته يصر أكثر على إحداث تغييرات داخلية تطال الموقع القيادي الأول في الحزب، فإنها عملت في الوقت ذاته على رفع وتيرة الضغوط الدولية في هذا الجانب.

وعليه، يعتقد البعض أن، صالح قد يكون فعلا رضخ - بفعل نلك الضغوطات القوية - ووافق أخيرا على أن يتخلى عن مواصلة أن يكون الرجل الأول في رئاسة الحزب، ولكن تحت مجموعة شروط، على رأسها: أن يظل رئيسا فخريا، إلى جانب فرضه لأسماء تلك القيادات الحزبية المقترحة – الموالية له - لتشغل تلك المواقع القيادية.

وبالنظر إلى تلك الأسماء، فسيمكن ملاحظة أنها من الشخصيات المحسوبة على صالح، والتي ظلت وما زالت موالية له. مع ما يمكن القول، أيضا، أن أثنين منها على الأقل، ربما تحمل موقفا إيجابيا من الرئيس هادي. أو بالأحرى يمكن القول أنه بمقدورها أن تتعامل أحيانا - على نحو ما - بشكل إيجابي معه.

وبالنظر إلى قوام أعضاء اللجنة العامة – وهي أعلى هيئة قيادية في الحزب - فسنجد أن معظمهم – إن لم يكن جميعهم – قد تم اختيارهم أو دعمهم، (وتعيين بعضهم)، من قبل صالح نفسه، طوال الفترات السابقة. أضف إلى ذلك أن من كانوا يعارضونه داخل اللجنة العامة، كانوا قد قدموا استقالتهم منها، في اثناء الثورة الشعبية.
ما يعني – في نهاية المطاف – أن القرار الأخير في الحزب، على الأرجح، انه ما يزال بيد صالح.

وعليه، فإنه إذا ما صحت تلك المعلومات (بشأن الأسماء والتعديلات الجديدة) - والتي لم تعلن بشكل رسمي حتى الآن – فسيمكن التأكيد أن هادي سيكون مايزال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود، في اتجاهين مترافقين.

الأول: عبر إحداث تغييرات وتعيينات جوهرية داخلية تصب في مصلحته. وذلك في إطار عملية إعادة الهيكلة التي يقال أنه يصر – رفقة آخرين كالأرياني - على إجراءها داخل هيئات وإدارات الحزب المختلفة؛ بعضها يتعلق بملئ الفراغات الشاغرة؛ نتيجة لتغيير المواقف وإعلان بعض قيادات الحزب استقالتها خلال الفترة الماضية أثناء الثورة الشعبية..

والثاني: بذل المزيد من الجهد لكسب – أو على الأقل، تحييد بعض تلك القيادات في الحزب، التي مازالت تدين بالولاء لصالح؛ معظمهم يرى أن مصالحة ما تزال مرتبطة به، حتى الآن، على الأقل.

وسيكون الجهد الأهم والأكثر إلحاحا في كلا هاتين المهمتين، منصبا اكثر داخل إطار اللجنة العامة، باعتبارها الهيئة القيادية الأعلى في الحزب، سواء من خلال نجاحه في تعيين البدلاء المناسبين لمن قدموا استقالاتهم منها، أو النجاح في كسب النسبة الأكبر من الموجودين حاليا، بحيث يعمل على كسب الأغلبية إلى جانبه.

وفيما عدى ذلك، فمن المرجح أن صالح سيواصل فرض بقائه لتنفيذ مخططاته الخاصة، كعادته عبر تكتيك الانتقال إلى اللعب على مربعات جديدة.

وهو في الوقت الذي سيكون قد نجح فيه، مجددا، الإيعاز للجميع بأنه قدم المزيد من التنازلات، فإنه سيكون في مقابل ذلك قد نجح، أيضا، ولمرة أخرى، في فرض بعض الاشتراطات التي تبقيه محافظا على قدرة مواصلة الحضور واللعب لفترة أطول.

وبالنظر إلى متطلبات المرحلة الحالية والقادمة – وبالأخص تلك التي على المدى الأقصر – وما تفرضه الضرورة من التسريع في عملية الإنقاذ، وفقا للجدول الزمني المحدد في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (والتي من الملاحظ أن بعض خطواتها قد تأخرت عن موعدها المحدد)..

فإنه سيمكننا - في نهاية المطاف - القول بأن نجاح صالح في الحصول على المزيد من الفرص لمواصلة البقاء والاستمرار في لعبة التدمير والانتقام من شأنه أن يعمل على إضعاف فرص الإنفاذ..

ذلك انه - بالضرورة – ستتضاعف فرص توسع الإنفجارات الداخلية التي كانت قد بدأت بالتفجر في مناطق مختلفة من البلاد مع استقالة صالح، وزادت بالتضاعف أكثر، عقب عودته الأخيرة من رحلته العلاجية في الولايات المتحدة.

بل أبعد من ذلك، كان يمكن ملاحظة أنها تضاعفت بشكل أكبر من أي وقت مضى، مع قرارات الرئيس هادي الأخيرة بإحداث تغيرات وتنقلات في القيادات العسكرية التابعة لأسرة صالح والمحسوبة عليه.

الأربعاء، 14 مارس 2012

هكذا يصنع الديكتاتور «هادي»


مظاهر التماهي بقيم المتسلط السابق وأسلوبه الحياتي تبعث مخاوف البعض من صناعة «متسلط» آخر جديد


عبد الحكيم هلالa.hakeem72@gmail.com
كان الرئيس عبد ربه منصور هادي، على ما يبدو، نهب مخاوف وتوجسات قاتلة مبعثها احتمالية حصوله على نتيجة انتخابية "مخزية" غير مشرفة، من شأنها أن تضن عليه بالفخر والاعتزاز؛ وتبقيه خجلا ومفتقدا للقوة خلال العامين القادمين من فترته الرئاسية.

على العكس حصد الرجل من الأصوات فوق المتوقع. وفي أكثر من خطاب له، بعد انتخابه، بدا أنه يظهر بهالة جديدة، متشحا وشاح النصر. ولقد كان يحلو له أن يتحدث عن شرعية الشعب التي أكسبته إكسير القوة للتحكم في مستقبل البلاد.

الذين يشخصون سلوك الرئيس الجديد بإسناده إلى الماضي الذي جاء منه - كنائب سابق لرئيس شمولي ظل شطرا كبيرا من سنوات حكمة الـ 34 حريصا على صناعة نفسه بقهر كل من حوله كي يبقى هو فقط الرجل الأقوى، المتسلط دون منازع، يعتقدون بإمكانية تلبس وسيطرة حالة القهر على النائب السابق، الرئيس الجديد، أمام قوة التسلط التي فرضت عليه من المتسلط؛ الحاكم القوي؛ ولي نعمته الأول، ومانحه المكانة والجاه وكل ما هو عليه، والذي لولاه ما كان له أن يكون شيئا يذكر. بل حتى أنه هو من وجه الشعب لانتخابه. كما أراد أن يوعزه هو [المتسلط السابق] من خلال خطاباته الأخيرة بهذا الخصوص.

وهنا تتجسد فكرة العلاقة بين المتسلط والإنسان المقهور. بحسب الدكتور مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي – مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور". فالمقهور "..لا يجد سوى الرضوخ والتبعية، سوى الوقوع في الدونية كقدر مفروض"

"ومن هنا شيوع تصرفات التزلف والاستزلام، والمبالغة في تعظيم السيد، اتقاء لشره أو طمعا في رضاه.." يواصل المؤلف. وبعد عدة مراحل يقدمها، يوصلنا إلى مرحلة يسميها: "تماهي المقهور بقيم المتسلط وأسلوبه الحياتي" والذي يصل الأسلوب في هذه الحالة أخطر درجاته.."من خلال رغبة الإنسان المقهور في الذوبان في عالم المتسلط، بالتقرب من أسلوبه الحياتي وتبني قيمه ومثله العليا"..

يقتضي التنويه، أن المؤلف، فيما سبق، كان يتحدث عن المجموع (الشعوب المقهورة من سيدها، حاكمها المتسلط)، وهو أمر ينطبق بالضرورة على كل فرد بذاته. وتكون نسبة انطباق النظرية أكثر من غيرها في الدائرة الأكثر قربا من محيط المتسلط.
بالنسبة لهادي، فمن يعرفونه جيدا يزعمون بأن الأمر، ربما، ليس على ذلك النحو تماما. من حيث أن الرجل ظل غالبا يفضل البقاء بعيدا عن دائرة المتسلط شديدة الجاذبية. حتى مع ما يفترضه العكس بكونه كان الرجل الثاني، إلا أنه – في واقع الفعل - لم يكنه على الإطلاق. وهذا من شأنه أن جعله، ربما، أقل من غيره تزلفا وتمسحا مقارنة بالمحيط الرئاسي المخصص أكثر من أي مكان آخر لحاملي تلك الصفات القهرية. على أن هذا لا ينفي عنه – بالضرورة – كونه أحد المقهورين.

ومع ذلك، يتبادر إلى الذهن هذا التساؤل: هل كان النائب المقهور يشعر بدونيته وضعف مكانته الحقيقية مقارنة بموقعه الرسمي، ولاسيما حينما كان يحضر مجالس الرئيس السابق ويشاهد غيره من المقهورين وهم يتمسحون ويتزلفون ويبالغون في "تعظيم السيد، اتقاء لشره أو طمعا في رضاه.."؟.

الإجابة على هذا التساؤل تفضي بنا إلى الحديث عن كيفية "صناعة الديكتاتور" في مصنع يعمل به المقهورون. ومعه قد يساعدنا ذلك إلى معرفة نسبة التماهي المحتملة بقيم المتسلط وأسلوبه الحياتي. ثم ليبعث ذلك مخاوفنا أكثر، أو ليطمئننا من أننا إزاء أو لسنا إزاء "متسلط" جديد؟

إن صور الرئيس الجديد، التي فرضتها العملية الانتخابية، وغطت كافة شوارع الجمهورية والأماكن العامة، ما زال بقاؤها حتى الآن يذكرنا بنفس الطريقة والأسلوب والإخراج والبذخ الذي شكل جزءاً من حياة المتسلط السابق. ويقال إن الديكتاتور يشعر بسعادة غامرة حين ينظر إلى نفسه في كل مكان يمر به. وإن فكرة فرض مثل تلك الصور غالبا ما كانت تأتي بداية من قبل ناصحين متزلفين أو متمصلحين من إضفاء مزيد من الشعور بالسعادة لدى المتسلط.

وإن أحد مباعث التخوف، هو: أن الطاقم السابق من المقهورين المقربين، بدأ مباشرة، وبشكل سريع، وبحرفية بمهنته التزلفية مع الرئيس الجديد. ظهر ذلك على شاشات التلفزيون المتغنية به، والممجدة له، وعلى صفحات الجرائد الرسمية باستبدال الإضاءات اليومية باسمه. وكما برز ذلك باستبدال البعض اسم "الصالح" باسم "الهادي"، فقد ظهر أيضا بالتقرب والتمسح والمبالغة في التعظيم، وتكلل بتطوع البعض في إسداء النصائح الخاصة والتسابق إلى مرافقته في تحركاته ومحافله الرسمية..الخ.

وكان أحد المصادر الخاصة، في دار الرئاسة، أكد لي، باستهجان: أن ثمة من يحاول أن ينقل ويحاكي العهد السابق من خلال إحياء وتجسيد بعض المظاهر القديمة في دار الرئاسة خلال الأيام القليلة الماضية. وعلى سبيل المثال: صور الرئيس الجديد الكبيرة والباذخة نشرت على نطاق واسع لتغطي معظم الأماكن هناك. ونجل الرئيس وسكرتيره الصحفي حضرا بهدف إعادة تأهيل المسبح وحمامات السونا والبخار النوعية وباهظة الثمن..الخ. ناهيك عن ملاحظات استفزازية أخرى، منها: حضور طاقم كبير من البلاد والقبيلة معه إلى الدار، والتصرف بطريقة باعثة على التقزز..!

كل تلك الأمور، بالطبع، لا ترقى إلى درجة الخطورة المقلقة. فمن حق الرئيس الجديد، الذي أشيع ولعه بالسباحة، أن يعمل كل ذلك دون ملامة من أحد، بيد أن ما يثير حفيظة المنتقدين هو شعورهم بنسبة – ولو أنها ضئيلة جدا - من التماهي الحياتي مع عهد المتسلط السابق. مما يذكر إلى حد ما بسياسات المصنع السابق. ولعل ما يفرض حساسية أكبر ويدعو إلى تسليط الضوء عليه أكثر، كونه جاء على أنقاض رفض الشعب الثائر لمسالك ذلك العهد المشبع بالبذخ والفساد.

وبالتالي فإن أي توجه – حتى إن كان طبيعيا بريئا وغير مستفز – وفقط ان يكون مشابها، فمن شانه أن يذكر بالماضي البغيض، في الوقت الذي يثير مخاوف البعض من إمكانية السير نحو إعادة صناعة ديكتاتور جديد آخر.
إن كل ديكتاتور، متسلط، غالبا لا يبدأ بكونه كذلك. غير أن صناعته تبدأ بتلك الطريقة المشابهة: تبدأ بمظاهر بسيطة من التبجيل والتطبيل والمبالغة في التعظيم، لتضفي لاحقا شعورا بالعظمة والذكاء والقوة والتفرد، ومن ثم – غالبا – ما يقود ذلك إلى استمراء الواقع الجديد المزيف، والذي يفضي بدوره إلى سيطرة شهوة السلطة والتسلط، ومن ثم، من شأن ذلك أن يفرض عليه استملاء المتمسحين والمتزلفين وشراء الخبراء والمستشارين للتخطيط والمساعدة في الحفاظ على التسلط والقوة، ما يجعل الفساد يستشري..الخ، لينتهي الأمر بتخليق وصناعة ديكتاتور خالص لا يمنعه شيئا عن القمع والقتل والظلم..حفاظا على سلطاته.

المصدر أونلاين 
--------------------------
نشرت في صحيفة المصدر الأسبوعية العدد 196 بتاريخ: 6 مارس 2012