الأربعاء، 7 أبريل 2010

ما تريده اليمن وما يريده الأصدقاء

من لندن إلى الرياض.. بانتظار أبو ظبي وبرلين..  


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
انظروا كيف تحول "اليمن السعيد" إلى مشكلة كبيرة؛ فمن لندن إلى الرياض حملت بلادنا ملفاتها الاقتصادية "العليلة"، التي - فيما يبدو - لم يرغب بمداواتها أحد - بشكل جدي – بدون مقابل.
ها نحن بعد أيام قليلة (في 29 من هذا الشهر) سنحملها أيضاً إلى أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية "السعيدة". فلندن التي تعرف بعاصمة الضباب نفثت ضبابها، والرياض عاصمة النفط نحت في اتجاه تذكيرنا بأفضالها السابقة. لم تغوصا عميقاً في عللنا تلك، ولم يتبقَ لنا سوى ما يمكن أن تجود به الأخيرة!
يعتقد أحد الأصدقاء أن اختيار أبو ظبي لتكون لقاء "الخلاص"، جاء بعيداً عن رغبة المسئولين اليمنيين، الذين يقول إنهم كانوا يفضلون العاصمة الألمانية، وأمكنه اعتبار التسريبات التي انطلقت عقب مؤتمر الرياض الأخير(فبراير الماضي)، شاهد على تفسيره (نسبت تصريحات لبعض المسئولين اليمنيين أن مؤتمر "أصدقاء اليمن" القادم سيكون في "برلين" – عاصمة التفوق الثقافي والبذخ - الأمر الذي يمنحها ميزة التفضيل لعقد مثل هذا اللقاء).
ومع ذلك، فالأمر الواقع كان ولابد من التعامل معه بدبلوماسية مرنة، وكان على رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي محمد مجور أن يعبر "عن تطلعه في أن يخرج الاجتماع المرتقب لأصدقاء اليمن في أبو ظبي بنتائج قيمة تسهم في حشد دعم المجتمع لليمن بما يعزز من قدراته في مواجهة التحديات الماثلة". على ماجاء في تصريحاته ضمن حوار أجرته معه -مؤخرا- مجلة محطات الشهرية.
إن إضافة كلمة: بـ"مرارة" إلى مطلع العبارة السابقة بشكل تفسيري، لتصبح "عبّر بمرارة"، وذلك عطفاً على ما تمخضت عنه الإجتماعات السابقة لليمن. تلك التي كان مسئولونا يطلقون العنان فيها لآمالهم وتطلعاتهم أن تخرج بنتائج قيمة.. إلى آخر اللستة المعروفة.
أما ما يعزز استياء وإحباط مسئولينا من الأمر برمته، فيمكن استيحاؤه من قول رئيس الحكومة "أن اليمن سيحرص على أن يكون تمثيله في الاجتماع المرتقب لأصدقاء اليمن لا يقل عن المستوى الوزاري". فلو كان الأمر مقدراً له أن تقطف بلادنا ثمار تلك التمخضات السابقة بنجاح كبير، فمثل هذا القول لابد أن يكون عبثياً أو لنقل:غبياً بالمرة.
لكن، ومع ذلك.. وفي تصريحات لموقع 26 سبتمبر نت –التابع للجيش- قال عبدالحافظ السمة أمين عام مجلس الوزراء إن مؤتمر أصدقاء اليمن الذي سيعقد أواخر مارس الجاري في ابوظبي "سيعمل على ترجمة نتائج اجتماعي لندن والرياض السابقين حول اليمن".
كما أن الدكتور مجور، هو الآخر، اعتبر –أيضاً- أن هذا الاجتماع [أبو ظبي] ستكون مناقشاته "خلاصة لما تم مناقشته في اجتماعي لندن والرياض؛ وبالتالي سيقف على خلاصة ما تم من قبل، وسيحدد ما ينبغي على المجتمع الدولي القيام به لترجمة التزاماته تجاه دعم اليمن وفي مقدمة ذلك الدول والمنظمات المانحة".
إنه لقاء "الخلاص" إذن. ربما كان ذلك صحيحاً. ولقد علمت الصحيفة –أيضاً- من مصادر دبلوماسية غربية، أن اجتماع أبو ظبي سيمثل الخلاصة لسابقيه. لكن –في الواقع– لن تكون هي الخلاصة التي تريدها اليمن، بل التي يريدها الآخرون من اليمن..!
ذلك بعد اعتقادهم أن اجتماع لندن مثل البداية لتحديد ومعرفة مشاكل الدولة (التي تخوض اضطرابات متوالية تكالبت عليها في وقت واحد مما جعل منها بيئة خصبة وسهلة لعمل الإرهابيين)، بينما خصص مؤتمر الرياض لمناقشة العوائق التي منعت المانحين من تسليم التزاماتهم المالية، وبالتالي الخروج بحلول لها وتذليلها. لقد جاء ذلك وفقاً لرغبة اليمن. وبالنسبة للأصدقاء: ربما كان جسر عبور للضفة الآخرى، لتكون أبو ظبي هي الخلاصة، على شاكلة ما يمكن أن يستشف من قولهم: لقد استمعنا لكم في لندن، ومنحناكم الفرصة في الرياض، والآن جاء الدور لتكونوا آذاناً صاغية لما نريده نحن..!
إن لقاء "أبو ظبي" قد يكون أكثر قسوة من سابقيه، قياساً بما يجب على بلادنا أن تقبل به. وألمح مجور -في الحوار المشار إليه سابقاً– إلى مثل هذا المعنى، حين كشف أن هذا الاجتماع "سيخرج بإشهار مجموعة أصدقاء اليمن". أما ما طبيعة تلك المجموعة وما دورها؟ يقول "..وسيكون لهذه المجموعة كيانها الاعتباري، وستتابع باستمرار الأوضاع في اليمن"..!
لكن، ومع ما توحيه العبارة الأخيرة من تفسيرات تتعلق بالرغبة التي يسعى إليها الكبار من كل هذه المخاضات، إلا أن الدكتور[مجور] يحاول طمأنتنا باقتضاب بقوله: "وسيترافق مع ذلك تأسيس صندوق لدعم اليمن بشكل مستمر".
كأنه يقول: هذه بتلك. أما واقعاً فما هو مطلوب من اليمن أن تقدمه بيدها اليمنى أكثر بكثير مما يمكن أن تأخذه باليد اليسرى.
• هل تبقى لنا لقاء آخر في برلين؟
ظل السائد لدينا أن لقاء لندن (أواخر فبراير الماضي) انشطر عنه لقاءان فقط. وبحسب بيانه الآخير، المتضمن التوصيات، ظل كثيرون يعتقدون أنه لم يشر سوى إلى لقائين لاحقين فقط، وهما: لقاء الرياض (27 – 28 فبراير الماضي) الذي تعهد به "العطية" أمين عام مجلس دول الخليج، لمناقشة مشاكل التزامات المانحين المالية لليمن. ولقاء آخر تحت اسم "أصدقاء اليمن" لم يحدد مكان انعقاده، لكنه قال إنه سيعقد في المنطقة (الأرجح أنه قصد منطقة الشرق الأوسط، وهو اللقاء الذي تقرر انعقاده نهاية هذا الشهر في أبو ظبي).
ولمن مازال يعتقد أن الخلاصة النهائية لكل تلك التمخضات آن لها أن تنتهي في أبو ظبي، فعليه أن يعود إلى آخر توصية انبثقت عن لقاء لندن (يناير الماضي). لقد أقرت هذه التوصية:إطلاق عملية "أصدقاء اليمن" التي ستتناول مجموعة واسعة من التحديات التي يواجهها اليمن. وحددت أن أول لقاء للمجموعة سيعقد في المنطقة في أواخر شهر مارس (آذار).
ويتضح مما سبق أن لقاء أبو ظبي القادم، سيكون هو اللقاء الأول لما يسمى بـ"أصدقاء اليمن". الأمر الذي يؤكد أن هناك لقاء ثاني، وربما ثالث أو أكثر بعد "أبو ظبي". مما يجعلنا نعتقد أن مشكلة اليمن أصبحت متوالية هندسية، بحيث أصبح من الصعب أن تستوعبها ثلاثة لقاءات تعقد نهاية كل شهر ميلادي (بدأت مع مطلع هذا العام، في أواخر شهر يناير في لندن).
فإذن: إن الأمر لم يكن بالسهولة التي ظل البعض يعتقد بها. إذ يجب –لحل عللنا المتراكمة- أن تكون لدينا "خطة إصلاحية وطنية". هذه الخطة يجب أن توضع بداية ليتم مناقشتها وسبل تطبيقها من قبل "أصدقاء اليمن". وهذا ما ذهبت إليه توصيات لندن الأخيرة. والتي أكدت أيضاً أن هذه العملية "ستكون مدعومة من قبل فريقي عمل حول الاقتصاد والحوكمة، وكذلك حول العدالة وتنفيذ القانون".
سيطول الأمر حتماً. ولإن أمكن اعتبار لقاء "أبو ظبي" بمثابة الخلاصة الأولى لقطف الثمار بالنسبة لأوصيائنا أو كما يفضلون تسمية أنفسهم "أصدقائنا" -من الغرب والعرب- إلا أنه لن يكون الخلاصة التي تريدها بلادنا.
وقد أشار –أمين عام مجلس الوزراء– إلى ذلك، قائلاً: "إن ممثلي الدول والمنظمات المانحة ودول مجلس التعاون الخليجي سيبحثون خلال مؤتمر أصدقاء اليمن في أبوظبي التوجهات العريضة لمساعدة اليمن وأولويات الدعم للحكومة اليمنية، بهدف مناقشتها في مؤتمر أصدقاء اليمن المقبل في برلين". ولقد اعتبر الرجل أن مؤتمر أبوظبي "يعد بمثابة المؤتمر التحضيري لمؤتمر اصدقاء اليمن في برلين" .
لو أن برلين ستكون هي المحطة القادمة حقاً، فإن من شأن هذا الأمر أن يشكك في تلك التفسيرات السابقة التي تحدثت عن وجود رفض يمني "مبطن" لأن تكون أبو ظبي، هي المكان المقرر لعقد لقاء "أصدقاء اليمن" القادم. لكنه في الوقت ذاته، من شأنه أن يجعل مسئولينا في خانة "التشكيك" حول قدراتهم في استيعاب توصيات مؤتمر لندن الأخير. إذ إنهم كانوا أول من تحدث عن أن اللقاء القادم سيكون في برلين، فيما لم يتحدثوا عن لقاء يجمعهم مع أصدقائنا في "أبو ظبي". بل إنهم ظلوا بعد ذلك يتحدثون عن الخلاصة التي ستكون في "أبو ظبي".
إن الأمر بخلاصته يفرض علينا مزيداً من الهلع على مستقبلنا المجهول، فكل تلك اللقاءات الدولية السابقة، وتلك التي ما زلنا بانتظارها، يمكن تشبيه بلادنا فيها بمريض ذهب يتنقل من مستشفى إلى آخر بحثاً عن العلاج، وفي كل مرة يقال له: إن الأمر أولاً وأخيراً يتعلق بقدرتك على مساعدتنا في استخدام العلاج.
تدرك الحكومة اليمنية الحاجة الملحة لمعالجة هذه القضايا التي تتطلب تعاوناً دائماً وموجهاً. وتم الاتفاق على أن مسؤولية معالجة هذه التحديات تقع أولا وقبل كل شيء على عاتق الحكومة اليمنية، وبالاستناد على دعم من المنطقة والمجتمع الدولي على نطاق أوسع".
إن هذه العبارة وردت كجزء مما تضمنته ديباجة البيان الختامي لمؤتمر لندن الأخير. وهذا هو التحدي القائم أمام الحكومة اليمنية: أن تستخدم الوصفة الطبية التي قررها الأطباء -الأصدقاء – في مواعيدها المحددة، حتى يتسنى لها أن تدخل غرفة العمليات لإجراء عملية الإنقاذ الأخيرة. هذه الوصفة هي كما حددها مؤتمر لندن "خطة إصلاح وطنية".
-------------------------
نشر على موقع المصدر أونلاين في - 24 مارس 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق