الأربعاء، 7 أبريل 2010

جرعة ولاء وطني لإعادة “اليمن إلى قلوبنا”..



 

ما فشل النظام في تعزيزه عملياً على أرض الواقع، ذهب البعض يتسابق على القيام به على الورق والفضائيات، وفي مجموعة من الرقصات والأهازيج، فيما تكفل به آخرون بكتابات تبحث في النتائج وتتجاهل الأسباب..
 
أيها السادة في الأعلى.. من عندكم نبدأ
 - عبد الحكيم هلال
فخامة الرئيس/ علي عبد الله صالح، الزميل/ عبده بورجي، العميد الركن/ طارق محمد عبد الله صالح، دولة رئيس الوزراء، العزيز/ عارف الزوكا.. المحترمون جميعاً
  • هذا لكم
ها نحن نتابعكم بوطنية عالية، وقد حملتم على عاتقكم حملة متعددة الأوجه بهدف إعادة "اليمن إلى قلوبنا". وها نحن –وبحمد الله تعالى، وبفضل جهودكم المتفانية والمخلصة (نحسبها كذلك)– قد بتنا ننام ونصحو على وقع الشعار الجديد: "اليمن في قلوبنا" الذي تبنته "الهيئة الوطنية للتوعية"، بعد أن دشنت أعمالها منتصف يناير الماضي، بقيادة طارق ابن شقيق الرئيس. (تابعتُ كافة الأخبار التي نشرت نبأ إعلان وتدشين الهيئة الجديدة، فوجدتها تصف "طارق" بالأستاذ، بدلاً عن العميد).
في التلفزيون اليمني بقنواته المستحدثة، كما في الأماكن البارزة من شوارع العاصمة، يقتحم الشعار -وبشكل لافت– حياتنا. وبالشكل ذاته، بتنا نتابع الاستثنائية التي تكفل بها الزميل عبده بورجي –السكرتير الإعلامي للرئيس- من خلال كتاباته الأخيرة التي تدعم وتحفز ولاءنا الوطني. بدءاً من استهجانه لجلد اليمنيين ذواتهم، أثناء مشاهدتهم منتخب البلاد وهو يحقق انتصاراته على خصومه..إلى تساؤله اللاحق: من أين نبدأ؟
دولة رئيس الوزراء (الذي دشن افتتاح أعمال هيئة التوعية بخطاب مفعم بالوطنية حول ضرورة تعزيز قيم الولاء الوطني) هو الآخر، يقوم بواجبه على أكمل وجه. ومنتصف هذا الشهر، قام دولته بافتتاح ورشة "إشهار نتائج الدراسة الوطنية لقيمة الولاء الوطني في المناهج الدراسية والتطوير المقترح لتعزيزها". ولتعزيزها، أصدر توجيهاته إلى وزارة التربية والتعليم بإضافة مقرر التربية الوطنية إلى منهج المرحلة الثانوية. كما لا يمكننا أن ننسى الدور التوعوي الذي يقوم به وزير الإعلام، ذلك حين ألقى –قبل أيام- محاضرة لطلبة الإعلام بجامعة صنعاء تحثهم على الولاء وتستنهض هممهم في حب الوطن.
وهناك أيضاً، تلك الحملة المرافقة لتعميق الولاء الوطني في نفوس طلاب المدارس، والتي ألقت مسئوليتها على عاتق إحدى المؤسسات "المستحدثة" لهذا الغرض، وتدعى "مؤسسة وطن لتعميق الولاء الوطني"، والتي كشف مسئولها –في تصريحات صحفية- أنها تنوي إطلاق حملة وطنية توعوية تستهدف فيها جميع المدارس الحكومية والخاصة في كل من أمانة العاصمة وحضرموت.
وفي سياق تعزيز قيمة الولاء ذاته، أجرت منظمة مستحدثة –أيضاً– تسمى: منظمة"اليمن أولاً"، سلسلة من اللقاءات والحوارات مع عدد من النخب والفعاليات الثقافية والمهنية. وفي إحدى المجلات "الحديثة"، كتب الزميل "عبده بورجي" مقالاً حول بعض النتائج التي خلص إليها أحد تلك اللقاءات ووصفها بـ"الهامة"، مع عدد من القيادات التربوية والنقابية، وخبراء في إعداد المناهج التعليمية، وكان محور النقاش هو: كيف يمكن أن تتضافر الجهود من أجل بناء جيل وطني محصن بقيم الولاء والانتماء والحب للوطن.. ومن أين نبدأ؟
وفيما استعرض الرجل النتيجة التي "كانت (مفزعة) ومثيرة لكثير من دواعي القلق وعدم الاطمئنان" حسب تعبيره، فيما يتعلق بتزوير أجزاء من التاريخ اليمني، وبعض النصوص الشعرية في مناهج التربية والتعليم، فقد خلص في نهاية مقالته إلى النتيجة الاستفسارية التوجيهية التالية: "إذاً.. بعد كل ذلك، ألا ترون معي بأننا جميعاً بحاجة فعلاً إلى وقفة موضوعية جادة مع النفس والضمير لندرك من أين نبدأ؟ وكيف نحصن أولادنا وبناتنا..ونصون وطننا ونحبه لنحافظ على وجودنا ومستقبل أجيالنا!"
السادة المحترمون: أستطيع أن أقول –وبكل وطنية- إنكم تقومون بجهد مشكور "في سبيل الحفاظ على الهوية، والحفاظ على الانتماء الوطني، والحفاظ على مكتسبات الثورة، والعمل لما فيه تأصيل روح الولاء الوطني..". وهذه العبارة بين المزدوجين جاءت على لسان المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للتوعية، الأخ عارف الزوكا، أثناء استعراضه لأهداف الهيئة، في مقابلة مع صحيفة 22 مايو، أواخر الشهر الماضي.
بالمناسبة.. أكد لي أحد الزملاء أن الهيئة الوطنية للتوعية مازالت غائبة في أهم المناطق التي تأتي منها مشكلة الجنوب، فيما يلاحظ أنها كثفت من تواجدها وأعمالها التوعوية في شوارع صنعاء، وبعض المناطق اليمنية الأخرى التي لم تهب منها رياح السخط والتذمر العاتية بعد.
·        وهذا عليكم
ومع أني ما زلت أحاول المحافظة على قناعتي بأن مسألة تعزيز قيم الولاء أمر مهم للغاية، إلا أن ذلك لا يمنعني –كما هو حال كثير من المواطنين- أن أتساءل: ألا يبدو الأمر ملفتاً بشكل ما؟
إعداد برنامج توعوي يشمل جرعة علاجية مكثفة انطلقت منذ بضعة أشهر، تهدف إلى تحصين الجيل "المتكدر" بمآسٍ مثخنة تكالبت عليه منذ عقدين، وفيما يبدو أنها تحولت إلى ما يشبه البرنامج اليومي..!
منذ عقدين، بدأ هذا الجيل الجديد حياته مع قيام الوحدة اليمنية. وبعد ثلاث سنوات من عمره، واجه حرباً ضد الانفصال، ليترعرع بعد ذلك –وحتى نهاية عقده الأول- مع أزمات سياسية واقتصادية متراكمة. ثم مع الثلاث السنوات الأولى من عقده الثاني، صدمته حرب أخرى في صعدة، ضد من وصفوا بـ"المتمردين" الذين يريدون العودة بالوطن إلى عهد التخلف. لقد عاش تلك الحرب منذ بداية سن المراهقة الأولى، وحتى بلوغه سن الرشد، ليشهد -بالتزامن معها- انفجار الأوضاع في المناطق الجنوبية. مما تحتم عليه أن يستغرق رحيق شبابه في تفاصيل تلك الحروب والمواجهات المتصاعدة. وهاهو اليوم، ومع دخوله العام الأخير من عقده الثاني، مازال يعيش تلك الصدمات والمآسي، مع ما يعتريه من قلق بالغ لما تشهده البلاد (التي ظل يشعر أنه مازال خارج معادلتها) من تدهور في كافة الجوانب، حتى بلغ مرحلة الإعلان التنازلي لنضوب أهم ثروة وهي النفط، الأمر الذي بدء يؤثر -وبشكل واضح- على الاقتصاد الكلي، ومعه بدأ يترقب بقلق كبير العد التنازلي لانهيار اقتصادي مريع. وقد زاد من تعزيز تلك الحياة القلقة والقاسية، بروز تنظيم جهادي إرهابي، قرر –على حين اعتلال قوة السلطة المركزية- أن يجعل من "وطنه" الحبيب مقراً لعملياته، ومستقراً لإقامة دولته الخاصة..!!
آلآن، وبعد ذلك كله، بدأتم بالتساؤل الكبير: من أين نبدأ؟ حسناً. لنقل إنكم، وخلال أكثر من ثلاثة عقود على اعتلائكم كرسي المسئولية، والعقدين الأخيرين منذ إعلان اليمن الجديد، لم تكونوا قد بدأتم بعد..! فهل ما تقومون به اليوم، هو ما تعتقدون أنه الحل الحقيقي لإنقاذ تعاسة وإحباط الجيل العشريني، والأجيال الأخرى اللاحقة، التي ما زالت في عمر الابتدائية والمتوسطة، أم أنها محاولة لإنقاذ أنفسكم منهم؟
لقد اعتقدتم أن الحل يكمن في تكثيف جرعة الولاء الوطني تلك.. فهل تبدو تلك الأجيال المراهقة والشابة فاقدة أو ضعيفة الولاء؟ بينما أنكم تقومون بمسئوليتكم على أكمل وجه..! إن مثل هذا الاعتقاد، يحمل في طياته هروباً يتم تسويغه وفق مقتضيات تبريرية. كالقول: إن كافة تلك المشاكل التي تمر بها البلاد تكمن في ضعف ولاء الشاب اليمني، وإن الحل السحري يكمن في عدة أهازيج وطنية تسوقها الوسائل الإعلامية، بينها أربع قنوات فضائية حكومية، وقناة خاصة "مستحدثة"..! أو من خلال تلك العبارات الوطنية التي تقتحم حياته كل يوم، مستحثة فيه حب الوطن، أو سلسلة المقالات التوجيهية تلك، التي تكفّل بها بعض من يفضلون قضاء إجازاتهم الصيفية في أرقى المصايف العالمية..!
نعم لقد أدركتم أن هناك مشكلة، وهذا أمر جيد. لماذا يجب علينا إغفال المسببات، فيما نفضل أن نبحث في النتائج الظاهرية المؤلمة، ثم نتساءل: لماذا يهاجم شاب منتخبه الوطني، وهو في قمة النصر لا الهزيمة؟ ولماذا عليه أن يظل محافظاً على اعتقاده السائد: أن منتخبه لا يجيد اللعب، بل لا يمكنه أن يجيده على الإطلاق، فيما أنه يشاهده –بأم عينيه– وهو ينجز الهدف تلو الآخر في مرمى الخصم..! ويزداد التساؤل حين يتم مقارنته بشاب آخر من دولة أخرى يذرف الدمع بألم وهو يشاهد منتخبه عاجزاً عن تحقيق النصر. وبات عليه كضرورة وطنية أن يصرخ ويتهم الحكم بالظلم، عملاً بما يحتم عليه ولاؤه.
قد يكون صحيحاً أن نحكم على الأول أنه "ضعيف الولاء"، فيما الآخر أخذ جرعته الكافية منه. لكن، أليس من العدالة النظر إلى الأمر من زاويته الطبيعية. كأن نرجع الأمر للعادة أو الحقائق التي نشأ عليها؟ أليس علينا أن ننظر أولاً إلى الحقيقة التي تؤكد أن عادة منتخبنا الوطني الغالبة هي حصد نتائج سلبية. وأن تلك الحقيقة التي نشأ عليها منذ طفولته، هي التي أفضت إلى تلك الحالة السلبية لدى بعض الشباب المتذمر من كل شيء.
وتماشياً مع هذا المثل الذي ساقه زميلنا "بورجي" في إحدى مقالاته، حول جلد الذات اليمنية، وضرورة الخروج منها بتغذية الولاء وحب الوطن والاعتزاز والفخر به، كان يجب علينا أن نستطرد قليلاً في الأمر. وعلى هذا النحو نتساءل: هل يمكن (مع مثل هذا الشاب وجيله، من الذين نشأوا على تلك الحالة السلبية، وعاشوا معظم حياتهم عليها) أن تغنينا مجموعة شعارات يرفعها الإعلام، لإثنائهم عن تذمرهم، وغرس حب المنتخب؟ لكن ماذا لو أن منتخبنا الوطني تم تأسيسه وفق القواعد الرياضية المتعارف عليها –كما هو الحال عند معظم المنتخبات الوطنية الناجحة في العالم- ووجد دعماً حقيقياً، لتقوى شكيمته ويشتد ساعده، وبدأ بتحقيق النجاحات العظيمة بشكل شبه دائم، وأصبحت تلك عادته الغالبة..! من الطبيعي القول إن الجيل الذي سينشأ مع تلك النجاحات لابد وأن يمنحه حبه وولاءه بشكل طوعي، لا قسري.
·        إن الأمر يتعلق بالنظر من حولك
تلك حقيقة واضحة يتم تجاهلها. وعلينا أن نقيس عليها سلوك الأشخاص فيما يتعلق ببقية الجوانب الأخرى، وعلى رأسها مسألة الولاء وحب الوطن. وليس على أصحاب القرار أن يعتقدوا أن تلك المشاكل التي تمر بها البلاد، والتعامل معها بإحباط، وسلبية، تتعلق بمسألة ضعف الولاء ولا حب الوطن. إن الأمر يجب أن يتعلق بالنظر من حولك..! انظر حال الشباب أولاً. وعليك التمعن في تلك الصفوف المتزايدة على أبواب السفارات. لماذا يرغب معظم الشباب في مغادرة البلاد للبحث عن فرص حياة أخرى في دول الجوار؟ ولماذا أصبح الحلم الكبير لدى الغالبية العظمى هو الهجرة الخارجية؟
وحتى يدرك من نذروا أنفسهم لإعادة "اليمن إلى قلوبنا"، العاملين على مسألة تعزيز الولاء الوطني ونبذ فكرة جلد الذات. عليهم أن يعرفوا أكثر –إن كانوا لا يعرفون ذلك– بالنزول إلى الشارع. ما الذي سيجدونه هناك؟  إن من تفرض عليهم "الجرعة" العلاجية في الولاء الوطني، قسراً، معظمهم ربما قد أصيبوا بمناعة انعكست سلباً على الهدف منها. فكم من هؤلاء حينما يقرأ بعض تلك العبارات، يعلق عليها بتذمر، وإحباط..
لقد تفاجأ سكرتير الرئيس الإعلامي مما نقله إليه شخص آخر من وصف لجلد بعض الشباب لذواتهم وسلبيتهم مع ما يحققه المنتخب من أهداف في مرمى الخصم. وهذه الحقيقية التي نعايشها نحن، لا يمكن أن يتصورها مسئول يعيش بعيداً عن الشارع، ولا يدرك ما يعتمل فيه. ولو ناقشت شاباً متذمراً وسألته لماذا؟ لوجدته يسوق إليك من المبررات ما تشبعك، وتفرض عليك الانصراف دون أن تكون قادراً على مجادلته.
وللمزيد: لقد بات بعض الشباب "المحطم"، من الذين لم ينعموا بخيرات هذا الوطن، يعتقدون أن بعض هؤلاء المسئولين عن جرعة الولاء وحب الوطن، إنما يسعون جاهدين للحفاظ على الوطن الخاص بهم، وليس الوطن الذي يجب أن يكون للجميع..!!
ولقد بات معلوماً لدى الكثير –على سبيل المثال لا الكراهية أو الحسد- أن أحد الوطنيين ممن ينادون بتعزيز ثقافة الولاء وحب الوطن، يمتلك شركات ومؤسسات إعلامية كبيرة وعديدة، ويشارك في استثمارات تجارية أخرى على طول البلد وعرضها..! ولذلك فإن مثله حين يتحدث عن ضرورة العمل على صيانة "وطننا، ونحبه لنحافظ على وجودنا ومستقبل أجيالنا" تنعكس تلك الفكرة سلباً على البعض ليعتقد أن الرجل إنما يتحدث عن الوطن الخاص به، وعن كيفية المحافظة على وجوده هو على تلك الشاكلة.
·        لا يتعلق الأمر بكراهية الوطن.. (نسبية الولاء)
إن الولاء في جوهره، ليس سلعة للبيع والشراء، أو فكرة يمكن ترويجها –على أهمية هذا الأم- عبر كثرة الطرق والتكرار المتواصل على الوسائل الإعلامية المختلفة فقط، بقدر ما هو قيمة تفرض حضورها من معايشة الحقائق التي ننشأ عليها سلباً أو إيجاباً. كما إن الحب يفرض حضوره من العلاقة التبادلية المشبعة بالحميمية التي تعيشها أرواحنا مع الطرف الآخر. وكم من المواطنيين تعلقوا بحب الأوطان التي وجدوا فيها كرامتهم، خارج أوطانهم التي ولدوا فيها. وتسألهم: لماذا لا تعودون؟ فتأتيك القسوة والجلد من إجاباتهم.
إن الولاء للوطن الذي يعني أساساً مبادلته الحب ومنحه أغلى ما نملك، يصعب تعزيزه بعيداً عن معادلة تبادل المصلحة. ولذلك، كان لابد على من وجدوا مصالحهم أن يقوموا بما يقومون به على تلك الشاكلة، بل وأكثر مما استطاعوا القيام به حتى الآن، بينما من الطبيعي أن نجد من فقدوا مصالحهم أن يتحولوا من مدافعين إلى مناهضين. ولطالما وجدنا المسئولين -وعلى رأسهم رئيس الجمهورية- يصفون من يقودون الاحتجاجات في المناطق الجنوبية، أنهم ليسوا سوى "مجموعة أشخاص فقدوا مصالحهم".
قد لا يتعلق الأمر بكراهية الوطن، بل ربما بكراهية الأشخاص الذين يديرونه. ومسألة الولاء الوطني يفترض النظر إليها بنسبية. فما قد يعتقده المسئول –الذي وجد مصالحه- في هذا الاتجاه، قد يختلف عما يؤمن به المعارض السياسي، أو المواطن المعذب، وفقاً لفكرة البحث عن مصالحه. 
·        الرئيس وجلد الذات اليمنية
هناك مسألة أخرى يمكن أن تدخل في السياق ذاته. يرى بعض المسئولين المنغمسين بالنعمة أن من واجب كل مواطن ينتمي لوطنه أن يدافع عنه ويعتز به، مهما كانت المساوئ التي يواجهها. وهو أمر وإن كان على قدر من الصحة والمثالية، بالنظر إليه من أعلى دائماً، إلا أنه قد يفقد صوابيته حينما ينظر إليه من الأسفل دائماً.
وإذا ما تخلينا لبعض الوقت عن حقيقة ارتباط نتيجة ذلك بمسألة الحقوق والواجبات التي نص عليها الدستور، وقررنا الحديث فيه من زاوية أخرى تتعلق بممارسة المسئولين لمسئوليتهم في هذا الاتجاه. فإن المسئول الذي يطالب بالولاء وحب الوطن، بهدف الوصول إلى تجسيد فكرة الاعتزاز بالوطن تحت أي ظرف كان، في الوقت الذي يمارس فيه سياسات تؤدي بمجملها إلى تمريغ كرامة هذا الوطن أمام الآخرين، وبالتالي إذلال مواطنيه، بداية، لينتهي بعد ذلك بالنظر إليهم بدونية واستكبار..فإن هذا المسئول يكون هو المتسبب الأول في تلك النتيجة التي وصل إليها حال المواطن من قسوة وجلد لذاته الوطنية.
في المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس قبل أيام، اعتبر الرئيس أن ما يحدث في البلاد، من ميل الشباب اليمني للاهتمام بالسياسة أكثر من غيره، إنما يأتي بسبب فراغه الدائم، بينما يضعف هذا الجانب لدى شباب الجوار بسبب انشغالهم بحياتهم الرغيدة، والسفر إلى دول أوروبا ومصر والمغرب بحثاً عن المتعة.
إن هذا الأمر يكفي للاعتقاد: أن الشاب اليمني بحاجة أولاً إلى ولاء قيادته له، وفخرها واعتزازها به أمام العالم، قبل أن يمنح ولاءه، ويبادل الوطن فخره واعتزازه مهما كانت الظروف التي يعيشها.
فلو أن مسئولينا مثلاً، بدأوا بالتوقف عن الصراخ الدائم والمستمر لدى قادة دول الخليج، بحثاً عن موطئ قدم لهجرة 100 ألف يمني –كمرحلة أولى– للعمالة في المستودعات، وحمل الأحجار، وأعمال الشحن والتفريغ، والورش.. الخ، وانتقلوا إلى التفكير والتخطيط حول كيفية تأهيلهم بشكل كاف، لخدمة وطنهم، فإن الأمر سيعزز قيمة الولاء للوطن أكثر من العبارات والأهازيج الوطنية التي يخسر عليها من ميزانية الدولة وأموال دافعي الضرائب، أو حتى أموال المتبرعين. (إلا إن كان الأمر هنا يتعلق بأسلوب مستحدث لتوزيع الثروة والعمل على تشغيل شركات الإعلان، وإكرام المقربين من خلال النسب التي سيتقاضونها جراء ذلك..)
يقال أن سلطان "سلطنة عمان" حين زار إحدى دول الخليج، قبل سنوات، ووجد مواطنيه فيها يشتغلون في أعمال مهينة بحثاً عن الرزق. قرر في لحظة صدق مع نفسه، واعتزاز وكرامة، أن ينتشلهم من تلك المهانة، فعاد إلى وطنه حاملاً برنامجه الخاص للخلاص. وهذا ما تحقق له خلال سنوات قليلة.
ولو أن رئيسنا قال تلك المقولة السابقة في لحظة صدق مع نفسه، حين أجاب على ما يشبه التهكم من الصحفي، لكان الأمر كافياً بجعله يلتفت إلى من حوله، ويستدعي مستشاريه الصادقين، ويطلب منهم خطة وبرنامجاً فعالاً لاستيعاب الشباب العاطل عن العمل، وانتشاله من فراغه. وهو بالمناسبة قد يمثل حلاً للمعضلة التي تجعلهم يشتغلون في السياسة بشكل أكثر من غيرهم. لاسيما وأن معظم التقارير التي تشخص مشكلة ما يحدث في المناطق الجنوبية، تتحدث عن فكرة وجود شباب عاطل عن العمل، يسهل جره إلى الأعمال الاحتجاجية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق