الجمعة، 4 يناير 2008

اليمن.. أجندة 2008م السياسية



استحقاقات ما بعد النضال السلمي، وقبل انتخابات 2009م
 
 
- عبد الحكيم هلال
   a.hakeem72@gmail.com
  
64imag
-
 حينما استقبلنا العام الفائت 2007م، كنا لتونا قد خرجنا من عام حافل بالإستحققات السياسية، كان أهمها الانتخابات الرئاسية والمحلية (20سبتمبر 2006). مثلت فيها الانتخابات الرئاسية مؤشراً تحولياً هاما لما بعدها من استحقاقات، ليس لكونها كشفت معظم أوراق أطراف العمل السياسي في البلاد (سلطة ومعارضة) أثناء خوضهما أشرس منافسة انتخابية على المقعد الأول في السلطة، إنما أيضاً لكونها وضعت الحزب الحاكم ورئيسة، رئيس الدولة، في وضع لا يحسد عليه أمام الجماهير التي اعتقدت أنه يجب إتاحة فرصة إضافية للرئيس وحزبه – ربما تكون الأخيرة – من أجل تنفيذ وعوده الانتخابية من أجل “يمن جديد”..

- لقد بدا الأمر جاداً هذه المرة عقب أن قررت المعارضة توسيع أفق الديمقراطية وولوج دائرة الصراع في العمق (لا كما اعتادت على المناورة عن بعد والبقاء في الأطراف خوفا من الأنقلاب على التحول الديمقراطي). حينها فقط ظهرت على وعود الرئيس وحزبه نبرة مختلفة، أشبه ما تكون بـحشرجات المذنب الذي يلتمس “التوبة الأخيرة”..!!

وحين استقرأت الصحوة – بداية العام المنتهي 2007م – الآراء حول استحقاقاته كعام جديد، كان سلطان البركاني – الذي ظل يشغل موقعه كأمين عام مساعد لقطاع الإعلام في الحزب الحاكم حتى الأسبوع الماضي، ومن ثم تحول لقطاع السياسة -  يتحدث عن عام خارق “سيشهد تحولات نوعية كبيرة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية..” وأكد فيما أكد أنه سيكون العام الذي “يوضع فيه برنامج الرئيس الانتخابي موضع التنفيذ، من بداية العام..” !!

بيد أن الجماهير شهدت – طوال العام - ندوات مختلفة كرسها حزب الرئيس لمناقشة برنامجه. وقبل أن يغادرنا العام (الذي أعتبره البركاني – ضمن تلك التصريحات – أنه “سيكون، بالنسبة للرئيس والمؤتمر، ليس بمثابة اختبار فقط، بل أنه سيكون دالا على المصداقية وعنوان للمستقبل”..!!).. قبل أن يغادرنا بأشهر قليلة، بدء الرئيس التفكير بالانتقال الى خطوة تالية، بتشكيله “لجنة تنفيذ برنامج الرئيس”. وعلى مدى تلك الأشهر المتبقية لم تنجز اللجنة سوى بضعة اجتماعات وتصريح واحد أكتشف فيه رئيسها أن المعارضة تتآمر على برنامج الرئيس وتعمل على إعاقته عبر المظاهرات والأعتصامات..!! وهو ما أعتبره البعض تذرعاً لم يتضمن جديداً سوى الإعلان المبكر لفشل محتوم. وهو كذلك بسبب ما اعتبرته المعارضة منذ سنوات بـ “انعدام الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاحات”.

 وعلى ذلك يمكن اعتبار تصريحات البركاني اللاحقة – ضمن استقراء العام الماضي – بتشديده على “ضرورة تنفيذ تلك الإصلاحات”، على أنها  مجرد تهويمات مكررة لا غير..!! حتى وإن أعتبرها “القضية الرئيسية للحزب الحاكم، والتي يجب أن تتجه إليها جميع الجهود والطاقات للعمل على تحقيق الطموحات التي حملها البرنامج” بل إنه زاد أن أعتبرها “تمثل كل الضرورة لبناء الوطن اليمني”..!!

على أن السخرية التي حافظ عليها الرجل، حين سألته عن آليات التنفيذ – قبل عام – قال دون تردد “أن جميع الآليات الخاصة بالتنفيذ قد أعدت وستكون جاهزة للتنفيذ في كافة المجالات. وإن كانت القضية الاقتصادية تمثل المرتبة الأولى في الاهتمام، والتي يدخل فيها تحسين المستوى المعيشي للمواطنين والتوجه نحو المشاريع المولدة للدخل ، الخالقة للنمو الاقتصادي”..!!

- الواقع أن مزيد من التدهور لحق بالوطن والمواطن، في الاقتصاد قبل السياسة. في مضاعفة عجز المواطن عن شراء حاجياته الأساسية من الغذاء، قبل تفجر الاحتقانات. في فشل المعالجات الحقيقية للمشاكل، قبل فشل الحوارات السياسية.

- السياسي المستقل علي سيف حسن، كان رابع أربعة سياسيين تم استقرائهم بداية العام الماضي ( بقية الأربعة هم : عبد الوهاب الأنسي، عن الإصلاح، وياسين سعيد نعمان عن الإشتراكي) وقد أعتبر السياسي المستقل أن “المحك” الحقيقي سيكون خلال الأشهر الثلاثة الأولى، فإما “أن ينطلق قطار التغير أو نتعثر”..!! ولقد اتضح جلياً أن قطار التغيير الذي كان الرجل يأمل انطلاقه، تعثر، وأضافت اليه السلطة استحقاقات إضافية باتت تجرجرها معها بصعوبة، حتى ولجنا هذا العام الجديد 2008م على أحمال ثقيلة
 
   2008م أجندة استحقاقات إضافية
- إضافة الى ما سبق الإشارة إليه من استحقاقات متنوعة في كافة المجالات، راكمتها السلطة على الجميع منذ أعوام دون تقديم الحلول المناسبة لها، أو حتى جدية الحوار حول التوافق عليها، فقد رحلت لنا الى عامنا هذا أجندة سياسية ثقيلة، قد لا يتمكن الجميع على حلها. وفي حالة أن استمرت السلطة على ذات المنهج السياسي الشمولي، فمن الممكن أن تدخل البلاد في أزمات إضافية أشد قد لا يحمد عقباها.

وتتمثل تلك الأجندة بالاستحقاقات التالية :-
- القوانين : انتهى العام الماضي على خلافات حادة حول تعديلات مجموعة قوانين، كانت أشدها حول تعديلات قانون الانتخابات. ففي حين تؤكد المعارضة على أن مشكلتها الحقيقية تتمثل في قانون الانتخابات وتعتبر أن إصلاح العملية الانتخابية، البوابة الأولى للوصول الى الإصلاح السياسي الوطني الشامل. تصر السلطة على عدم تحقيق تلك التعديلات على طريقة المعارضة. وتتهم المعارضة السلطة رغبتها بالاستمرار في السيطرة على اللجنة العليا للانتخابات، من خلال رفض فكرة التوازن فيها. حيث أن المعارضة تعتبرها الحكم الفصل المحايد في حل الخلافات بين الجميع، وتشدد على أن إجراء تعديلات في القانون يجب أن يكون توافقياً لمصلحة الجميع وليس لمصلحة حزب بعينه. بينما يرفض الحزب الحاكم الفكرة ويسعى لفرض أعضاء اللجنة  من خلال الميكانيكية العددية في مجلس النواب..!!

وعلى تلك الخلافات أنهى المؤتمر الحاكم حواره مع أحزاب اللقاء المشترك، بطريقة مفاجأة، بعد أن قدمت هذه الأخيرة مقترحاتها، بحسب ما نصت عليه شروط عودة الحوار الموقعة في 8/11/2007م. وأعلن المؤتمر – بعد أيام - أنه سيشكل اللجنة العليا للانتخابات، مستخدما قوته العددية في المجلس النيابي، وهو ما رفضته المعارضة، وهددت بتصعيد رفضها وتجميد عضوية كتلها البرلمانية في المجلس إن أصر الحاكم على قراره.

وبحسب التوقيت وانتهاء الفترة القانونية للجنة الانتخابات الحالية، فإن هذه القضية ستمثل المعركة الأولى خلال فترة انعقاد مجلس النواب القادمة والتي ستبدأ هذا الشهر.

أما بقية الأجندة القانونية فهي وإن شملت تعديلات قوانين عدة، غير أن المؤشرات الأولية تؤكد أن الخلافات حولها لن تكون كبيرة، وإن ظهرت بعض المؤشرات الخلافية حول بعض التفاصيل البسيطة. تلك القوانين أشارت إليها اتفاقية بنود الحوار الموقعة بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك في 16/6/2007م ويمكن الإشارة إليها أجمالا كالتالي :- 
- الإصلاحات الدستورية :  وهي الإصلاحات التي تدخل تحتها إصلاحات النظام الانتخابي محل الخلاف الذي اشرنا اليه، الى جانب تطوير العمل البرلماني من خلال نظام الغرفتين .

- تطوير نظام السلطة المحلية وانتخابات رؤساء المجالس والتقسيم الإداري. وقد أعدت وزارة الإدارة المحلية مشروعا بتلك التعديلات ستقدم الى مجلس النواب هذا العام لإقرارها، ومن المتوقع أن تشتعل الخلافات حول بعض النقاط مثل آلية انتخاب المحافظين ومدراء المديريات.

- القوانين الخاصة بالحقوق والحريات: وتشمل قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية – وقانون الصحافة والمطبوعات - وتطوير القوانين الخاصة بالتعبيرات السلمية - وقانون النقابات ومنظمات المجتمع المدني. وهي منظومة قوانين هامة ضمن استحقاقات الديمقراطية الفعلية، ويدور حولها جدل حاد منذ سنوات، ويبدوا أنها لن تمر بسهولة.

- والى جانب ما تضمنته وثيقة بنود وقضايا الحوار، هناك قضية أخرى تتمثل بمبادرة الرئيس حول تغيير شكل النظام الرئاسي الحالي من نظام رئاسي برلماني، الى نظام رئاسي فقط. وهي القضية التي أثارت جدلا واسعاً عقب أن أعلنها الرئيس في أحد خطاباته قبل نهاية العام الماضي بأشهر قليلة. ويتضح من خلال بعض تصريحات المعارضة وما تنشره صحافتها أن تلك الفكرة مرفوضة من حيث المبدأ كونها تزيد من تكريس صلاحيات الرئيس التي تعتبرها المعارضة إحدى المشاكل القائمة في الوقت الحالي بالرغم من أن النظام الحالي مختلط، إذ كيف سيكون الوضع في حالة النظام الرئاسي، الذي لا يصلح تطبيقه بالأساس إلا في مجتمعات ديمقراطية متقدمة، يسيطر فيها حكم القانون لا عرفه أو مزاجه..!!
 
 الإعداد لانتخابات 2009م 
- ربما كانت الأنظار جميعها (سلطة ومعارضة) تترقب في الوقت الحالي، انتخابات البرلمان المتوقع إجرائها في 27 ابريل 2009م القادم. والتي ستبدأ مرحلة الأعداد لها هذا العام، بل أنها قد بدأت بالفعل بالخلاف حول اللجنة العليا للانتخابات، وتعديلات القانون الحالي. وفي حالة أن تم التوافق على تشكيل أعضاء اللجنة ستدخل أطراف العملية السياسية في حوار آخر الى جانب تعديلات القانون، ومن أهم تلك الخلافات قضية تصحيح سجل الناخبين الحالي، وتشكيل اللجان الانتخابية، وإجراءات تسجيل الناخبين والطعون والدعاية الانتخابية وتحييد المال العام… الخ، من المواد التي قدمت أحزاب المشترك تعديلاتها قبل أشهر ونشرت معظمها عبر الصحافة التابعة لها.

ومن المتوقع أن يشهد هذا العام معارك واسعة حول تلك الإعدادات المختلفة لانتخابات 2009م، حيث تؤكد المؤشرات على نية المعارضة خوض المنافسة بقوة، مستندة على قوة الشارع التي يعكسها تذمر الناس من زيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والحقوقية. وقد يزيد من قوة المواجهة إدراك الحزب الحاكم لتلك النقطة التي تصب في مصلحة المعارضة، وبالتالي سيعمل قدر استطاعته في السيطرة على اللجنة العليا للانتخابات ولجانها الفرعية واستمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه تحت سيطرته..!! المؤشرات التي انتهى إليها العام الماضي، وما تلاها بداية هذا العام، تؤكد تقاطع الطرفين وتبشر بمعارك أكثر حدة يرفع من توقعاتها إصرار المعارضة هذه المرة على تصحيح أوضاع النظام الانتخابي المختلة. وهي هذه المرة يبدو وكأنها لا تنوي التراجع أو تقديم التنازلات كما كانت تفعل طوال الفترة الماضية، إذ باتت تؤمن هذه المرة أن الأوضاع لم تعد تحتمل تأجيل التحول الديمقراطي الذي يبدأ بتغيير مهم وواسع على مستوى النظام الانتخابي القائم.  
 
   صعدة + القضية الجنوبية 
- تدخل القضيتان العام الجديد بظروف مختلفة عن الأعوام الماضية. فالحرب في صعدة التي بدأت عام 2004م، فشلت فيها كافة الوساطات الداخلية والخارجية. كان آخرها الوساطة القطرية التي كان الجميع يؤمل عليها إنهاء المواجهات. و تشير الأخبار خلال الأيام الماضية، أن الحوثيين أعادوا ترتيب أوضاعهم وخططهم ليعودوا الى المعركة بقوة. وبالجملة قد يوحي استمرار المواجهات منذ العام 2004م الى ضعف وفشل الجيش في القضاء على مجموعة قليلة من المواطنين. وهو الأمر الذي كانت تخشاه السلطة منذ شرارة الحرب الأولى. ولعل أكثر ما يخشى في معاودة تلك الحرب من جديد هو توسعها أكثر من ذي قبل إن صدقت التهديدات الأخيرة للقائد الميداني عبد الملك الحوثي. إن تم ذلك أمام عجز السلطة من الوصول الى حلول نهائية عبر معاودة الوساطة القطرية من جديد، فإن الأمر سيسوء، على السلطة وستدخل معها الوطن في أتون أربعة صراعات متداخلة : الحوثيون في صعدة، وأبناء الجنوب في المناطق الجنوبية (الذين يسعون الى مواصلة نضالهم السلمي ضد السلطة، وقد أضافت نتائج العام الماضي وبداية هذا العام، الى مطالبهم، مطالب إضافية، تتمثل بمحاسبة القتلى الذين زاد عددهم في أحداث 13 يناير الماضية). الى جانب المعركتين الأخيرتين اللتين يتوقع أن تخوضها السلطة مع المعارضة من جهة حول النظام الانتخابي وبقية القوانين والإعدادات الانتخابية، والأخرى مع المواطنين وبقية المحافظات بسبب تدهور الأوضاع، والتي بدأت مؤشراتها تظهر على السطح في محافظات مثل “مأرب، والجوف، حجة، تعز”، الى جانب مطالب بعض المديريات في صنعاء وغيرها من المناطق المختلفة حول بعض القضايا الأمنية والاختطافات، والتقطعات، والثأرات.. الخ

وتطل القضية الجنوبية بقرونها الكبيرة والمتشعبة هذا العام على أثر أخطاء السلطة التي وقعت بها العام الماضي مع الفعاليات السلمية المختلفة والتي راح ضحيتها حوالي 8 أفراد وعشرات الضحايا. وزادت معها حدة المواجهات الإعلامية من قبل المعارضة الجنوبية في الخارج، وهو الأمر الذي يضاعف أعباء السلطة سيما مع انتهاجها منهجاً سلبياً فيما تعتبرها حلول للقضية.
 
   عودة الإرهاب
بعدأن كان يعتقد أن اليمن سيطرت قبضتها على تنظيم القاعدة منذ ما بعد كول وليمبورج، ودخولها معهم في مواجهات واسعة استمرت سنوات، أفضت الى ما يشبه الصلح بين السلطة وقيادات التنظيم في اليمن. بدا العام الماضي وكأن السلطة لم تفي بوعودها كاملة مع أفراد التنظيم الذي أعلن عودته الى مواجهة ظلم وجبروت السلطة سيما في تعذيب أفراد التنظيم في السجون. وكان أن أعلن التنظيم مسئوليته عن مقتل 8 سياح من الأسبان في مأرب (2 يوليو 2007م)، وهي العملية التي شكلت صدمة ومفاجأة كبيرة للسلطة ورفعت الضوء الأحمر مع أفراد التنظيم، فأعلنت السلطة بعدها بأيام عن مقتل المصري “بسيوني” في صنعاء، وبعدها اغتيال أربعة من القاعدة في مأرب قالت أنهم ضالعون في التخطيط للحادث.

هذا العام وقبل أيام قليلة من حادثة مقتل البلجيكيين في دوعن حضرموت الأسبوع الماضي، كانت القاعدة هدت باستهداف مصالح غربية في اليمن انتقاماً لأعضائها المساجين و نشرت وكالة رويترز ذاك التهديد.
 
  ضغوطات وخلافات داخلية
وفي كل الأحوال، يتوقع المراقبون أن تزيد السلطة هذا العام من صناعة الأزمات تحت ضغط كل تلك الاستحقاقات المطلوب منها استيعابها بإيجابية، الى جانب ضغوط الخلافات الشديدة التي طالت المؤتمر الحاكم وظهرت بشكل واضح هذه الأيام بين قياداته، بعد أن تفاعلت على مستوى تبادل الاتهامات خلال العام الماضي. وقد يرى البعض أن تلك الخلافات تنبئ بدنو الأجل، حتى بات بعض أولئك يقدمون أنفسهم كأشخاص آخرين قادرين على أن يكونوا حلاً للمستقبل.

ويتحتم على الحزب الحاكم أن يقوم بمهامه بطريقة مختلفة هذا العام حتى يتجاوز تلك الأزمات التي يدخل البلاد فيها عاما بعد آخر، وتنعكس على بنيته الداخلية كتنظيم قادر على تقديم الحلول وتنفيذ برنامج انتخابي تم صياغته بمبالغه كبيرة لكسب الأصوات لا قوة الفعل.
------------------------
يناير 2008


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق