الخميس، 24 مارس 2011

هكذا عجل الديكتاتور بسقوطه


أريد لها أن تكون جمعة الكرامة بيد أن رصاص القناصة حولتها إلى مجزرة مأساوية وسالت دماء الشهداء الطاهرة فامتزجت بدموع مهابة التشييع المهيب


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
كان ظهر أمس الأول (الأحد: 20 مارس) يوماً حزيناً امتزجت فيه دموع الموجوعين بمهابة تشييع 35 شهيداً من بين 52 شاباً فقدوا أرواحهم الطاهرة برصاص قناصة محترفين. لقد باغت الأشرار من وراء جدر أنبل شباب اليمن عقب انتهائهم من صلاة جمعتهم السلمية الرابعة في ساحة التغيير.

( 18 مارس) تلك كانت جمعة الكرامة أو بحسب البعض: جمعة الإنذار. تحولت في لحظة قسوة بشرية إلى مأساة إنسانية. يوم يمني مختلف إذ خضبه السفاحون بالدم وذلك يوم ما كان لمدوني التاريخ أن يمروا عليه دون التوقف أمامه لتسطير أنكى عبارات الحزن والألم.

هكذا كان المشهد في ساحة التغيير بصنعاء. ما إن انتهى الخطيب الشاب من خطبته الجريئة (التي ما كان ليجرؤ له أن يسطرها في غير مدينة الحرية هذه) حتى بدأت الساحة من أقصاها إلى أقصاها تهتز بأصوات مئات الآلاف مرددين تسابيحهم خلف الميكرفون بصوت واحد: "حسبنا الله ونعم الوكيل" قرابة عشرين مرة لترتفع بعدها الأصوات مرددة على نسق واحد "الشعب يريد إسقاط النظام.. الشعب يريد إسقاط النظام"..

لحظات حتى ارتفعت أدخنة سوداء من ركن الساحة القصي للجهة الجنوبية المحاذية لجولة شارع الرقاص. بدأ المصلون يتحركون مصوبين أنظارهم صوب تلك الأدخنة فجاءهم صوت الميكرفون موضحاً أن لا تقلقوا فتلك ربما تصرفات بلطجية أحرقوا الإطارات قرب جولة الرقاص..

تواصلت الهتافات المتنوعة التي دأب الجميع هنا على ترديدها بشكل أشبه بورد يومي. دقائق مرت حتى ارتفعت صرخات الهلع الممتزجة بالرهبة مع صافرات الإسعاف في وقت كانت فيه أصوات الرصاص ترتفع تدريجياً من تلك الجهة. بداية ظهر مجموعة من الشباب يعملون على إزاحة المتجمعين من الخط الإسفلتي الضيق من أجل السماح بمرور مجموعة أخرى من الشباب بسرعة وهمة عالية وهم يحملون شاباً ممداً على بطانية بجسد معفر بالدماء. كانوا يتوجهون به إلى المستشفى الميداني.. بعدها مرت مجموعة أخرى بنفس الطريقة. توالت المشاهد المشابهة المشهد تلو الآخر، بدأ الناس ينزاحون إلى الأطراف متيحين الطريق لسيارات الإسعاف المسرعة في نفس الاتجاه.. بدأ القلق يسيطر على معظم الحاضرين مما يحدث في ذلك الطرف القصي من ساحة الاعتصام. مرت النصف ساعة الأولى على المنوال ذاته: مجاميع تحمل شباب مضرجين بدمائهم وسيارات إسعاف تتناوب ذهابا وإيابا. مرت الساعة الأولى لكن الحالة لم تهدأ بعد بل كانت الحركة تزداد تصاعداً.

الآن تواردت الأخبار لتؤكد إستشهاد عدد غير محدد من الشباب بعد أن حصدتها رصاص قناصة محترفين تستروا بجبنهم في أمكان عدة، كان القناصة يطلقون الرصاص بشراهة ودون رحمة صوب الرؤؤس والصدور والأعناق. لقد حصدوا حتى الآن قرابة عشرة شهداء وعشرات الجرحى.. من حين إلى آخر ومن دقيقة إلى أخرى كانت الأخبار الواردة تتحدث عن ارتفاع حصيلة القتلى. الآن تجاوز الرقم العشرة 14 شهيد وإن هي إلا لحظات حتى اقترب العدد من العشرين. ساعتان حتى الآن والعدد يرتفع بطريقة غير متوقعة بين قتلى وجرحى.

لقد بات من المؤكد الآن أن مجزرة بشعة يتم ارتكابها منذ ساعات ضد المعتصمين السلميين، نعم هي مذبحة تنفذ بلا هوادة.. العدد يرتفع ويرتفع بطريقة لا يمكن تصديقها..

الآن الساعة الثالثة وبضعة دقائق، تؤكد المعلومات أن عدد الشهداء يقترب من الثلاثين.. ومع دخول الظلام كان أربعون شاباً بعمر الزهور قد تحولوا إلى جثث هامدة، معظم الإصابات أكد الأطباء الميدانيون أن 90% منها كانت برصاص قناصة في الرأس على مقدمة الجبهة ومن الخلف في الصدر قرب القلب وفي الرقبة.. آخر الإحصاءات تقول بـ 52 شهيد بينما تجاوز عدد الجرحى المائتين. لم يعد هناك أدنى شك أن مذبحة بشعة دبرت في ليل وتم ارتكابها في وضح النهار.. لقد كان نهار جمعة دامياً وحزيناً بالفعل!

* * * * *
بعد الساعات الأولى من المجزرة أُعلن أن من مازال الإعلام الرسمي يطلق عليه وصف رئيس الجمهورية سيعقد مؤتمراً صحفياً بعد لحظات. ترى ما الذي سيسع مثله أن يقول في مثل هكذا لحظات أشد إيلاما وقسوة، لحظات أن كانت فيها بعض الأمهات وبعض أسر الضحايا يتلقون فجائعهم بفقدان من يحبون!؟

هاهو الآن يظهر أمام عدسات الكاميرات الفضائية.. وماذا؟ ما الذي يتفوه به هذا الرجل؟ أغلب الظن أنه خرج لتوه من أسوار قصره متخماً بوجبة دسمة وبالتأكيد طبق لحوم مزقتها أنيابه في الوقت الذي كانت فيه أنياب القناصة تنهش لحم وتمزق جماجم شباب بعمر الزهور. شباب خرجوا بصدورهم العارية حاملين رؤوسهم المزهرة على أكتافهم لا يطالبونه سوى بالتوقف عن كل شيء يمس حياتهم ويهين كرامتهم. كل شيء جمعوه ورتبوه بكلمات موجزة مفادها: لأكثر من 30 سنة وأنت تقف على رؤوسنا نسمع كل ما تقول دون أن يكون لنا حق أن نقول شيئاً على ما قلت. أما اليوم فقد آن أوان أن تسمعنا أنت جيداً. عليك أن تقبل هذه الحقيقة: لم نعد نرغب بك في مكانك أنت وأبنائك وأسرتك. هذا يكفي. نعم لقد سئمنا من كل شيء ولم يعد بقاؤك ممكناً بعد الآن!

شباب خرجوا بصدورهم العارية، صدور حملت رؤوسهم العالية لكن 52 منهم منذ الجمعة لم يعد قادراً على تحريك رأسه بعد الآن. ألا ترى أن الرصاص قد اخترق صدورهم دون رحمة؟ هشم رؤوسهم بانتقام شره وغير عادل؟ لم يكونوا يحملون شيئاً في أيديهم! أنت تعرف ذلك جيداً كما تعرف أنهم فقط كانوا يطالبونك بشيء كفله العقد الاجتماعي بينك وبينهم. الدستور الذي عبثت به لسنوات هو نفسه من أدركوا اليوم أنه –ومنذ قرابة 20 عاماً أو يزيد- يضمن لهم رفع ورؤوسهم عالياً والخروج بها إلى الشارع لقول ما يشاءون طالما أنهم لا يقدمون على جرم وهو هو الدستور ذاته من أكد لهم أن أحداً لا يمكنه بأي حال أن يصادر رؤوسهم من أجسادهم حتى أنت بجبروتك سيد القصر المتضعضع يا من ومذ خلقوا لم يعرفوا أحداً سواك يخطب فيهم باسم القائد الأوحد ليقول ما يشاء وكيفما يشاء ولا يتم إلا ما يشاء!

لقد كان ذلك كله يحدث في السابق دون اعتراض. نعم دون أن ينبتوا ببنت شفه. لكنه بات عليك أن تدرك اليوم أنه كان قبل أن يحركوا رؤوسهم (أه.. حينما كانوا قادرين على تحريكها قبل تهشيمها عصر جمعة إنذارك) قبل أن يحركوها صوب الدستور الذي مسخت قدسيته وعثت فيه دون رادع، ليكتشفوا أن ما زال فيه بعض ما يجعلهم يقولون لك دون وجل: "لقد آن أوان رحيلك.. ألا فلترحل".

من حقنا أن نمارس حقنا الدستوري وبالطبع من حقك أن تغضب. لكن هذا لا يمكنه أبداً أن يجعل منك فرعوناً تستخف بنا لطاعتك! حتى إنك لا تخجل أن تتفوه بهذا الذي تفوهت به الآن وقبل لحظات أمام عدسات الفضاء، أمام العالم؟ أما تتورع أن تسمعك أمهات الشهداء وأطفالهم؟ إنهم يرونك تحرك يدك اليسرى أمام الكاميرا، أمام الكثير من العدسات، وتتفوه بأشياء لا يتفوه بها إلا شخص.. من غير المعقول ولا يمكنهم أن يصدقوا أنه الشخص ذاته الذي سمحوا له أن يحكمهم بل يتحكم بمصائرهم طوال هذه المدة!

هل يمكن حتى أن تقبل بذلك الصغيرة "نها" أو أختها "مها" أم أحد من إخوانهن: "مصعب وصهيب"؟ أنت ودون ريب لا تعرف من هم هؤلاء حتى؟ ها أنا أعلمك أنهم أبناء الشهيد جمال أحمد عبدالعليم الشرعبي. ومثلهم الكثير من أطفال وأمهات 52 شهيد. هل يمكنهم جميعاً قبول أن تقول لهم بدم بارد: لست أنا القاتل وأن جنودك –بل هم جنود الشعب لو أنك حقاً تحترم دستور الشعب– أنهم لم يكونوا موجودين ساعة أن انفجرت جمجمة أبيهم؟ ابنهم؟ بل كيف جرؤت أمام دموعهم السخيمة وأمام صرخات الأرامل المختنقة، كيف جرؤت أن تقرر النتيجة هكذا على هذا النحو: لست أنا بل شعبي هو من يقتل بعضه بعضا! وتضيف دون أن يطرف لك جفن: لقد أزعج هؤلاء أولئك فغضب هؤلاء ليقتلوا أولئك!!

الشيء الذي يفهمه أطفال الشهداء بشكل لا لبس فيه أن أباهم ما تركوهم إلا لمهمة جليلة تتعلق بمستقبلهم مستقبل عائلتهم الصغيرة. بل إنهم مع أنهم مازالوا صغاراً باتوا يدركون أن الشعب ومنذ شهر هب وأبوهم يطالبونك بالتوقف عن هدم مستقبلهم. ربما خرجوا مع أبيهم ذات يوم مشمس إلى ساحة التغيير. رأوا قبضته في الهواء وسمعوا صوته يختلط بصوت أقرانه أنهم ما عادوا يرغبون بك حكماً لهم. لكن ما الفائدة بالنسبة لصغير العمر فها هو أبوهم ما عاد قادراً –بعد الآن- على العودة إليهم في المساء حاملاً مطالبهم الفرائحية البسيطة ولكنها –لو كنت تدرك– هي هي أحلامهم الكبيرة.

بعد هذا فهل يمكن أن تمر عليهم تراهاتك العوجاء تلك هكذا ببساطة؟
أقل ما يمكن للطفلة "نها" أن تقوم به هو أن تسأل أمها بكل براءة: كيف يمكن أن يهشم أصدقاء أبي رأسه وقد خرج من أجلنا؟ أين كانت الشرطة ليمنعوهم؟ وتقف الأرملة المفجوعة بقلبها الموجوع تخنقها غصة كبيرة كصخرة نبتت في حلقها فجأة هكذا من العدم وهي تستعيد الأحداث محاولة أن تصدق ما حدث وترن في عمق ذاكرتها المضطربة تلك العبارات التي ألقيتها في مؤتمرك الصحفي بل في زينتك دون شعورك بالإثم خلف عدسات تركت الحقيقة وزحفت إليك ذاعنة لتنقل للعالم شيء آخر: الناس القاطنون قرب المعتصمين أو المحتجين انزعجوا فحدثت مناوشات فأطلق المحتجون النار من أسلحتهم فحدث ما حدث!!

يا للسخرية!! قلت ذلك فيما كان الناس ما زالوا يجمعون أجزاء جماجم شهدائهم المتناثرة، قلتها بينما كانوا يمسحون دماء مازالت طرية من على صدورهم ورقابهم. إن ما يزيد من حجم الصخرة القابعة في حناجر الأرامل والثكالى بل حناجر أسر 52 شهيد أهرقت دماؤهم هو أنك بعد أن حكمت عليهم مسبقاً بالإدانة عدت وقررت كعادتك المقيتة لتقول إنك شكلت لجنة تحقيق!! فعلت الأمر ذاته قبل أسابيع حين اتهمت من قتلوا من أبناء عدن بأنهم مخربون مجرمون قتله ثم أمرت بعدها بتشكيل لجنة تحقيق! هذا ما تقوم به وهذا ما يحدث معنا منذ سنوات.
ها أنت بتلك البساطة أقدمت بما قلت لتزيح عنك الإثم الملتصق بك ونسبت الجريمة للذئب كما فعل إخوة يوسف فما أشبهنا اليوم بيعقوب العارف بكل شيء فلا أحد يمكنه أن يزيح عنا تلك الصخرة المتكلسة في حلوقنا (على مدى سنوات طويلة سكت يعقوب عن جريمة أبنائه التي ارتكبوها في يوسف لكنه لم ينس يوما يوسف وتلك سنة الله فمثل يعقوب نحن لا يمكن لأحدنا أن ينسي من يحب لمجرد فرية ساذجة). فهل تعتقد أن لجنتك التي شكلتها وأسمعتها حكمك البات: أن الشعب قتل بعضه بعضاَ. مع أنه ما قتل إلا 52 شاباً كانوا جميعهم ممن يرفضون بقائك!! بل ومن الحماقة أكثر أنك زدت واستشهدت بذئبك حين قلت إن لدى وزير الداخلية تقريراً يؤكد حكمك المسبق!!

وهل يمكننا أن نغفل عن تصريحات ابن أخيك يحيى أركان حرب الأمن المركزي فهو قبل أيام قليلة من تلك المجزرة ظهر على قناة الجزيرة مخفياً عينيه بنظارة سوداء ليقول لنا ذلك المعنى ذاته الذي هرفت به أنت قبل قليل. قال العقيد ذو الحظوة: إن التضرر الذي يعاني منه سكان حي ساحة الجامعة جعلهم يشكلون لجاناً شعبية للدفاع عن أنفسهم!! اعتقد الناس حينها أن المتحدث أشبه بقائد عصابة وليس قائداً عسكرياً سميته أنت هبة منك كواحد من أفراد أسرتك. ومع سبق الإصرار اعترف بالجريمة ونسي أن يتمثل مسئوليته العسكرية كقائد معني قبل أي شخص آخر بالحفاظ على سلامة وأمن الشعب!

على النائب العام إن كان يعتقد أنه قادر على مواصلة التحقيق في القضية حتى نهايتها دون أن يخضع للضغوطات التي ظل طوال عمره المهني يخضع لها، عليه أن يضم تلك الاعترافات المسبقة إلى ملف القضية ويعتبرها جزء لا يتجزأ منها. أمام النائب العام مسئولية تاريخية يستطيع من خلالها أن يغير تلك الصورة التي سعى النظام أن يرسمها عنه على أنه مجرد تابع شخصية ضعيفة وغير قادر على عمل شيء.

* * * * *
أيها المخلوع قسراً أبعد هذا مازلت تعتقد –إن كان في العقل بقية– أنك بتلك التراهات الحمقاء ستقنع حتى أبله؟ إذن فقد أصابتك اللطخة وأفقدتك توازنك قبل أن تصيب رصاصات الغدر جماجم وصدور ماقتيك. إذ مازلت لا تتورع عن مواصلة دق مسامير نعشك بيديك؟ أما قال –حتى- تسعة من سفرائك في أوروبا إن حجة كتلك التي سقتها غير مقبولة أخلاقياً أمام العالم وأنك بمثلها وضعتهم في موقف لا يحسدون عليه إذ من الصعب عليهم الدفاع عن تلك التفسيرات!؟ أما ساحت أسوارك التي بنيتها من الشمع وتناثر محيطك الأقرب؟ أما بلغتك الحقيقة بعد وقد غادرك دفعة واحدة أقرب الناس إليك؟ مئات القادة الأفذاذ، آلاف الجنود، مئات الساسة، عشرات الدبلوماسيين، ما بقي من نخبة مثقفة والشرفاء من أعضاء حزبك، والكثير الكثير ممن كنت تعدهم عمالك الخلص ولا يمكن لهم أن يهجروا حضنك؟ أما أدركت بعد أنهم عجزوا أن يواصلوا استساغة عبارات ساذجة من ذلك القبيل؟ لقد صبروا كثيراً، كانوا يبتلعون كل شيء دون أن يقدروا على هضمه حتى بلغت الدماء حلقومهم فاختنقوا..

أبعد هذا الوضوح كله وما زلت تؤمن أنك قادر على مواصلة الجلوس على كرسي من نار دون أن تمسك ألسنتها؟ وأنك مازلت قادراً على مواصلة الرقص على رؤوس ثعابينك بالطريقة ذاتها دون أن تطالك سمومها القاتلة؟
ما الذي حملك على أن توغل في الدماء؟ ها أنت.. ما كان من شيء أقضى عليك من هذا الإيغال وتلك الترهات اللاحقة لتبرير المجزرة. كانوا 52 شاباً بعمر الزهور، كانت لديهم أحلامهم لكنهم ما إن أدركوا مؤخراً أن أحلامهم تلك ما كان لها أن تتزحزح وتمضي خطوة واحدة إلى الأمام قبل أن تنزاح أنت من طريقهم، وصادف أن ذلك لم يكن سوى حلم شعب بأكمله فقرروا العمل على إنجاز حلم الجميع بشرف وشجاعة.

أما أوصل لك مستشاروك صورة متحركة لشجاعة شاب وقف بصدره أمام مدرعتك التي ما قدرت أن تزحزحه وفضل قائدها أن يتزحزح بها إلى الخلف. يمكنك إن شئت أن تتصفح مواقع الصحف العالمية وصفحات الفيس بوك لتقوم بالمهمة بنفسك. فربما ما عاد مستشاروك يقومون بواجبهم على النحو الذي يجب. أغلب الظن أنهم باتوا مشغولين بأنفسهم وكيف يمكنهم أن يتخلصوا من ورطتهم؟

هؤلاء الشباب منذ انطلقوا قدم منهم قرابة 100 شاب أرواحهم خالصة في سبيل تحقق حلم الجميع. هذا رقم كبير بيد أن لا أحقر منه بالنسبة لرجل تخلى عن كونه بطل الشعب ليمارس دور بطل الأسرة المنتقم المالك لأسباب القدرات الخارقة. رجل راقه أن يبحث عن حلمه الشخصي على حساب أحلام الملايين من شعبه. حلم أسرة واحدة فقط لا يتعدى قوامها العشرات. غير أنه وقد بلغه مؤخراً أن حلمه ذاك الذي ظل لأكثر من ثلاثين عاماً ينتظر تحقيقه بدأ ينهار أمام عينيه وبفعل من؟ إنهم ليسوا سوى مجرد شباب تمردوا على قدراته الخارقة غير أنه وقد بلغه ذلك، ما كان ليتصور ولو للحظة أن يغفر لهم ويترك لهم وضع أنفسهم موضع المتحد لقوته الضاربة لعظمته لسلطته المطلقة التي عجز عن منازعته عليها من هم أقوى وأشد عتيا..!

جمعة حزينة كانت جمعة الكرامة. لكنها جمعة كان لها ما بعدها يمثابة نقطة التحول الكبير التي ما كان لها أن تكونه لولا قدر الله الذي أراده أن يأتي عبر دماء الشهداء.

الجمعة فاضت أرواح الشهداء إلى بارئها غير أن بشاعة الجريمة ظلت خالدة لتحكي فصولا بالغة من الحقيقة التي عجزت عن إيجازها آلاف الصفحات والرسومات والهتافات المتواصلة. والأحد شيعت الأجساد بموكب جنائزي مهيب فبدأت معها قوائم العرش بالتساقط الواحدة تلو الأخرى وبالأمس بات الحلم أشبه بالإنجاز وما تبقى سوى تصور النهاية المحتمة.

* * * * *
فعلياً لقد انتهى كل شيء. حتى وإن تمسك الطاغوت بكبريائه الباهت، حتى وإن واصل جلوسه على كرسي عرش لم يتبق له منه سوى ركيزة وحيدة حتى وإن واصل استخدام ما دأب عليه من أساليب مجرم يجيد صناعة المأساي بتصرفات ساذجة هوجاء ولكن المتسمة بالقسوة والحقد والانتقام ضد شعبه فذلك كله لا نفع منه سوى أن يعمل على إفقاده ما تبقى من أمل في الخروج الآمن، أما الخروج المشرف فقد فقده سابقاً بجدارة وبات الحديث عنه في حكم الماضي.

ربما كأي ديكتاتور بات يقترب من الغرغرة سيفضل هدم المعبد على الجميع غير أن أقصى ما يمكن أن يناله مثله هو أن يرفع من حصيلة مجازره إلى أكثر من 100 ربما 1000 وقد يكون أكثر من ذلك بيد أن الحقيقة التي ما كانت لتغيب عن عقل طاغية غاشم ويتمتع بقليل من الرشد هي أن الأرواح التي تحصد يواري أجسادها الثرى لكن دماءها تتحول إلى ماء الله الذي يروي به جذور الثورة.

خلال شهر من الثورة انتقلت أرواح 45 شهيداً إلى بارئها بشكل تدريجي تصاعدي وحين ازدادت القسوة حصد يوم واحد فقط أرواح 52 شهيداً. غير أن النتيجة أتت على عكس ما أراده وخطط له الأشرار. ولقد اختزلت الثورة مسافات شاسعة وبات النصر قاب قوسين أو أدنى. فهنا تبرز حقيقة الحقائق في وجه الطاغية لتقول له: لا قبل لك بشباب يتسابقون إلى الموت ويحبونه أكثر من حبك وتشبثك بكرسي السلطة.

معادلة أثبتتها الأحداث وتبقى النتيجة منوطة بأحد مسارين كلاهما يحقق الخاتمة ذاتها. فإما أن يفهم الديكتاتور صيغة تلك المعادلة فيستسلم لنتيجتها طواعية وهذا ما ينزع إليه المستبدون ممن لديهم قدر من الذكاء والفطنة تمكنهم من تقليل الخسائر.

وإما وهذا هو المسار الحتمي الآخر أن يطغى كبريائهم القاتل على عقولهم –وهؤلاء من النوع المفتقد للفطنة والذكاء إذ يؤمنون بقوة الجهاز العضلي (القوة) على حساب الجهاز العصبي (الذكاء) فيواصلون العنف الذي بدءوه، يرمون بأنفسهم لخوض مغامرة مؤسسة على خيار وحيد لما يمكن أن يجود به المجهول. وهؤلاء يقودون حياتهم مع حياة من وقفوا إلى جوارهم إلى الهلاك المحتم، إلى نهاية أكثر قسوة تتناسب بشكل طردي مع القسوة التي تستخدم ضد المناوئين. أي كلما كانت الأحداث والسلوكيات التي يقدم عليها الطاغية أكثر عنفاً وقسوة فإن الخاتمة ستكون هي الأخرى أشد قسوة وأكثر عنفاً وكارثية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق