الجمعة، 25 مارس 2011

لماذا لم يقل أوباما لصالح ارحل الآن؟


لماذا لم يقل أوباما لصالح ارحل الآن؟
عبد الحكيم هلال
حتى الآن، الواضح أنه ليس لدى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما استعداد لفهم أبعاد ما يدور في اليمن من زاوية أخرى تكون أكثر واقعية، تتجاوز تلك الأبعاد القديمة المنظورة من زاوية "الحرب على الإرهاب" التي ورثتها عن سابقتها، ولم تزد أكثر من مواصلة بناء مواقفها عليها، متمسكة بالرئيس صالح "حليفا" هاما في تلك الحرب.
 
الأوضاع في اليمن، في الشهرين الأخيرين تحديدا، اتسمت بتصعيدات سياسية مفاجئة ومثيرة للاهتمام. واستلهم الشارع اليمني زخم الانتصارات الشعبية لثورتي تونس ومصر، لينتفض من أجل إسقاط نظام "صالح" الذي يحكم البلاد منذ 32 عاما، مع استشراء كبير للفساد والمحسوبية وتمكين الأسرة.
 
والجمعة (18 مارس/آذار) قتل 52 محتجا، بينما جرح قرابة 600 آخرين برصاص قناصة، فيما وصف بالمجزرة البشعة ضد المحتجين السلميين.
 
واتهم المحتجون وأحزاب المعارضة مباشرة الرئيس بارتكابها هو وأبناؤه وأبناء أخيه المسيطرون على قيادة مفاصل هامة في الجيش والأمن. وبهذه الأرقام ارتفع عدد الضحايا إلى 100 قتيل وقرابة 1500 جريح، سقطوا وأصيبوا منذ بداية الاحتجاجات.
 
مضت تلك التطورات، فيما كان الرئيس بين الحين والآخر يعرض مبادراته الواحدة تلو الأخرى، لكنها كانت تأتي متأخرة عن مطالب الشارع المتصاعدة. في وقت لم يأل فيه جهدا من مواصلة استخدام أوراقه الواحدة تلو الأخرى، بما فيها استخدام ورقة "الإرهاب".
 
ورغم تلك السخونة، لم تبارح أميركا شتاءها، مفضلة البقاء فيه لتفصل مواقفها على نحو لا يضر بحليفها.
 
بدأ ذلك مع أولى مبادرات صالح مطلع فبراير/شباط، حين رحبت بتصريحاته في عدم الترشح مجددا أو التمديد أو التوريث، ودعت المعارضة للتعامل معها بجدية.
 
وفي مطلع مارس/آذار قدم صالح مبادرة أخرى، تحدثت عن دستور جديد ونظام برلماني، وتقسيم اليمن إلى أقاليم، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن مع مواصلته فترته الرئاسية حتى العام 2013، فكان الموقف الأميركي مشابها لسابقه عبر اتصال جون برينان مساعد الرئيس الأميركي المؤيد والداعي للحوار.
 
في الواقع، كان برينان يلح على المعارضة للقيام بشيء لم تعد قادرة على القيام به، فالمبادرة جاءت في الوقت الخطأ، وقبولها سيعرضها لخسارة قاعدتها بعد رفض المحتجين لها وارتفاع سقف مطالب الشارع.
 
فالواقع أن المبادرة جاءت بعد يومين من استخدام النظام العنف والرصاص الحي والقنابل السامة ضد المحتجين، وألحقها بمجزرة أخرى بعد يومين فقط من إطلاق المبادرة، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص تقريبا وإصابة قرابة 200.
 
ومع تزايد العنف وأعداد القتلى والمصابين، لم تزد أميركا على موقفها السابق الداعي للحوار إلا عبارة وحيدة أضافها فيليب كراولي مساعد وزير الخارجية للشؤون العامة حين دعا إلى أن "يتوقف العنف فورا" (13 مارس/آذار). غير أن العنف لم يتوقف..! بل ازداد ضراوة عن السابق، بارتكاب مجزرة الجمعة (18 مارس/آذار) الأكثر دموية.
 
وفيما بدأ محيط "صالح" يتصدع أكثر بانسحاب واستقالة وزراء ونواب وقيادات في حزبه، والعديد من مشايخ القبائل والعلماء، معلنين تأييدهم لثورة الشباب السلمية، فإن موقف الإدارة الأميركية إزاء تلك الجريمة ليس فقط لم يتقدم بل بدا واضحا أنه اتسم بالتخلف عن آخر موقف صدر بخصوص العنف.
 
وأطلق مكتب الرئيس أوباما تصريحات لم تزد عن مواصلة الدعوة للحوار، سوى إدانته استخدام العنف، والدعوة لمحاسبة مرتكبي الجريمة، وهو ما عدّ تخلفا عن موقف كراولي بحيث لم يتم البناء على دعوته السابقة لإيقاف العنف فورا، مع أن نظام "صالح" ليس فقط تجاهل تلك الدعوة، بل استخدم العنف بشكل مفرط، إذ تجاوز فيه عدد قتلى الجمعة أعداد من قتلوا طيلة فترة الاحتجاجات، مع تأكيد الأطباء أن 90% من القتلى والمصابين (الجمعة) تعرضوا لطلق ناري مباشر في الرأس والرقبة والقلب والصدر، على عكس ما سبق من قتل وإصابات كان معظمها بفعل الغازات السامة والطعنات وبعض الرصاص الحي والمطاطي.
 
على تلك الشاكلة ظلت الأحداث تتصاعد تدريجيا فيما كان "صالح" يواصل تمسكه بالكرسي بكل أساليب الترغيب والترهيب والقتل، حتى بلغت الأوضاع منعطفا بالغ الخطورة، حيث أعلن قادة كبار في الجيش اليمني  تأييدهم لثورة الشباب يوم الأحد (20 مارس/آذار) وتعهدوا بحماية المحتجين السلميين.
 
وانفرط العقد بعد الإعلان المفاجئ للواء علي محسن صالح قائد المنطقة الشمالية الغربية -أهم وأقوى حلفاء صالح- المؤيد للثورة، لتتوالى بعده إعلانات التأييد، من قادة آخرين في الجيش والعديد من سفراء اليمن وأعضاء السلك الدبلوماسي في الخارج، إلى جانب أهم الزعماء والمشايخ القبليين، وقادة آخرين وأعضاء في حزبه، ووزراء وإداريين، ونخبة وإعلاميين، وما زالت تتوالى حتى اليوم.
 
كان الأمر أشبه بانهيار مفاجئ في لحظات لجدار طويل من الصمت، في حين ظل الموقف الأميركي مشوشا وغير قادر على استيعاب ما يحدث لنظام حليفه، مفضلا الانتظار والترقب إلا من بعض التسريبات التي تحدثت عن توقعات بسقوط النظام في الساعات القليلة المتبقية من يوم الأحد الماضي، إذ كان الأمر بالنسبة لها أقرب لما حدث في اليوم الأخير للحليفين السابقين: زين العابدين ومبارك.
 
ومع ذلك اختلف الموقف هنا كثيرا عن موقفها في الأيام الأخيرة للثورتين السابقتين، إذ لم يعقد الرئيس أوباما مؤتمرا صحفيا ليشدد بحزم على أن على الرئيس صالح أن يترك السلطة فورا.
 
لقد جاء مثل هذا الموقف من الحكومة الفرنسية، التي سارعت لقول ذات العبارة لتكون هي السباقة هذه المرة، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن، إذ استطاع صالح أن يحظى بأمل المواصلة ربما لأيام قليلة.
 
ويعزى ذلك للتحركات التي قام بها ليلة الأحد، ومكنته من تأخير عملية الانهيار لا إيقافها، وأجبر صالح وزير دفاعه -كما أوضح لاحقا حليفه السابق علي محسن- ليظهر عبر التلفزيون المحلي معلنا دعم ووقوف الجيش معه والدفاع عنه ضد ما وصف بالانقلاب، ما عد بمنزلة التهديد بإعلان الحرب، بينما انتشرت دبابات ابنه في الحرس الجمهوري لحماية القصر الرئاسي، واشتبكت قوات مؤيدة له مع أخرى حليفه لمحسن في حضرموت.
 
أثناء ذلك لم يترك "صالح" وسيلة أو محاولة للاستماتة والبقاء إلا وقام بها، وأرسل مستشاريه للتحاور مع قادة المعارضة والجيش، معلنا استعداده بقبول أي حل ممكن. حينها فقط أمكن للتوتر أن يهدأ أو بالأحرى أن يتأجل، لكنه لم ينته بعد، إذ أعلن لاحقا أن أحزاب المعارضة رفضت أي حل بعيد عن مطالب الشارع.
 
يتمسك "صالح" بأساليبه وخدعه وأي شيء آخر يعزز بقاءه مدة أطول، ونقل عن أحد مساعديه تأكيده استعداد الرئيس للرحيل ولكن ليس قبل أن يتأكد لمن سيسلم الكرسي. وهي خطوة أقنع فيها حليفته العظمى أن تخليه عن السلطة دون ذلك سيؤدي إلى حرب أهلية شرسة يستغلها تنظيم القاعدة لتعزيز حضوره.
 
والواقع أن صالح حين يقوم بكل ذلك الخداع، دون أي اعتبار للنتائج الكارثية التي قد تنجم عن تمسكه بالسلطة على هذا النحو، يستند أصلا على حقيقة أن إيمان إدارة أوباما به حليفا أفضل لم يتزعزع بعد، فهي مازالت تؤمن بأنه لا أحد أقدر على، ليس فقط مواصلة فتح الأرض اليمنية لها للقيام بعملياتها، بل لا أحد من الحلفاء وصل به الأمر أن فضل خداع شعبه على فضح ما قامت به طائراتها حين قتلت ما يقارب 50 مواطنا يمنيا بينهم أطفال ونساء في منطقة المعجلة، جنوب اليمني أواخر ديسمبر/كانون الأول 2009، حسبما أكدته وثائق ويكيليكس حين أطلق صالح عبارته المشهورة "استمروا بالضرب، ونحن سنستمر بالقول إن قواتنا هي التي ضربت".
 
وعلى المنوال نفسه من المرجح هنا القول إن تصعيد نظام صالح للأحداث بطريقة دموية وتنفيذه مجزرة الجمعة، بعد خمسة أيام فقط من الدعوة لإيقاف العنف فورا، يمكن ضمه هو الآخر أيضا في سياق التواطؤ الأميركي مع نظام حليفها الدموي.
 
وليس هذا فحسب، بل لم تأبه هذه الإدارة وتجاهلت تلك الأخبار التي أكدت استخدام اليمن لقنابل دخانية ضد المحتجين، كانت سلمتها له لمحاربة الإرهاب، في إطار المساعدات العسكرية لمحاربة تنظيم القاعدة.
 
إن هذا فقط هو ما يجعل كل بيانات وتصريحات الإدارة الأميركية تتجنب الحديث عن رحيله وتدعو إلى حل سلمي بالحوار، ومع أن معظم الخبراء الإستراتيجيين، ومعهم الباحثون الأميركيون، باتوا يدركون تماما اليوم، أن ورقة الإرهاب التي يستخدمها صالح هي أشبه بمغناطيس جاذب للمساعدات الخارجية، وبالأخص الأميركية إلا إدارة أوباما، يبدو أنها لم تستطع أن تتخلى عن إرث الإدارة السابقة، في اعتبار صالح "راقصها المثالي على رؤوس الثعابين".
 
على هذا الإيقاع واصل صالح دق طبول الحرب مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لقد ظل يقوم بذلك كلما لزم الأمر. وها هو حتى في أحلك الظروف التي يمر بها اليوم داخليا مازال يواصل الرقص على الإيقاع نفسه. فأخبار تنظيم القاعدة تبرز اليوم بقوة لتمتزج بالأحداث المتصاعدة في البلاد.
 
في الحقيقة تدرك أميركا أن الرجل يرتبط بعلاقات غير معلنة مع بعض قيادات تنظيم القاعدة، غير أنها تفضل الاستمرار في اللعبة حتى نهايتها طالما أنها تحقق المزيد من المكاسب. وهذا ما تؤكده البرقيات الدبلوماسية الصادرة عن ويكيليكس، فيما يتعلق بموقفه مع جمال البدوي الإرهابي المطلوب لدى وكالة الاستخبارات الأميركية، مهندس الهجوم على المدمرة الأميركية كول عام 2000. الذي رفض صالح تسليمه.
 
مع ذلك لا يمكن الزعم بأن صالح استطاع أن يواصل خداع القدرات الاستخبارية الأميركية على هذا النحو الساذج، بل يمكن عزو الأمر، كما أسلفنا، غلى تفضيلها مجاراته وإبقاءه بغية كسب المزيد من التنازلات.
 
على أن الحماقات التي يرتكبها صالح في الوقت الراهن، لمعركته الحديثة المختلفة بكل المقاييس مع شعبه، لا تقل عن تلك التي ترتكبها الإدارة الأميركية التي فضلت حليفا تؤكد كل المؤشرات أنه فقد توازنه ولم يعد يفصله عن السقوط سوى تلك المسافة الضئيلة المتبقية لإنجاز رقصته الأخيرة. الرقصة التي ما زال يواصل القيام بها على وقع المواقف والتصريحات الأميركية المتخلفة عن إيقاع الشارع.
 
في نهاية المطاف يجب التأكيد أن ما ستخسره إدارة أوباما بمواصلتها اللعبة على النحو السابق، سيفضي إلى نتائج كارثية تتجاوز احتمالية غير مؤكدة لما يمكن أن يطول اليمن من سوئها، إلى احتمالية مؤكدة لخسارة أميركا موقف وتأييد الشعب اليمني لمواصلة سياساتها في البلاد، إن لم يكن ما تقوم به في الوقت الحالي داعما ومقويا لحضور أكبر للإرهاب، من حيث إن دعم إرهاب صالح في قتل شعبه لن يكون أشد تأثيرا على النفس من قتل القاعدة للأجنبي أو لاستهداف مصالحه.
المصدر:الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق