الجمعة، 1 أبريل 2011

حصاد وهم الشعور الزائف بالقوة


بلغة الأرقام: حقيقة الملايين المناصرة التي خدعت الرئيس وجعلته ينقلب على اتفاقية خلاصه الأخير


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
لم تمر فقط سوى ثلاثة أشهر ونصف تقريباً، على آخر خطأ سياسي فادح ارتكبه الرئيس، ليرتكب خطأ آخر أشد فداحة، مكرراً الطريقة ذاتها في مشهد ربما اختلفت زواياه إلا أن حيثياته تشابهت إلى حد كبير، ومن المرجح أن تكون نتائجه هنا أكثر كلفة من سابقه.

ما أفضت إليه الأحداث أواخر الأسبوع الماضي ومطلع هذا الأسبوع (الجمعة - الأحد) من انقلاب رئاسي على اتفاقات اليومين السابقين ليوم الجمعة، تذكرنا بتلك الأحداث وطريقة الانقلاب ذاتها التي تعامل بها الرئيس مع المعارضة أواخر العام المنصرم (شهر ديسمبر). والثابت أن كلا الخطأين اتخذا أثناء شعور زائف بالقوة والقدرة.

جاء الخطأ الأول تحت وطأة الشعور بزخم قوة السيطرة على مجريات خليجي عشرين. لقد عاد الرئيس من عدن إلى صنعاء ليعلن الانقلاب على اتفاقية الحوار مع أحزاب المعارضة، فعمد مع حزبه على تمرير مشروع تعديلات قانون الانتخابات (8 ديسمبر) الماضي، وصادق عليه في 12 ديسمبر. ولم يكتف بذلك، بل وبعد أيام قليلة من ذلك، أعلنت قيادات في حزبه –بكل استهتار- عن إدراج مشروع تعديلات دستورية إلى جدول مجلس النواب تتضمن إزالة المادة التي تحدد فترة الرئاسة بدورتين، بما يعني منحه الحكم مدى الحياة.

وأثناء مخاضات ثورتي تونس ومصر، بدأ الرجل بمحاولات خجولة بهدف تصحيح الخطأ، لكن الوقت كان قد تأخر، مع سقوط النظامين الشقيقين البائدين. وهو حتى الآن ما زال يجني حصاداً مراً جراء ذلك التهور الناتج عن الشعور بالعظمة والزهو والقدرة على عمل كل ما يحلو له القيام به كرئيس باسط على كل مفاصل السلطات بل والحياة اليمنية برمتها منذ 33 عاماً.

لكن الرجل لم يتعظ؛ فكان مشهد حشود يوم الزينة (الجمعة الماضية) أكثر إغراءً من سابقه، من جهة العامل النفسي الخادع. وتحت وطأة زخم الشعور بالقوة والعظمة والزهو، قرر ثانية أن يتخذ المسار ذاته بالانقلاب على ما اتفق بشأنه خلال يومي الأربعاء والخميس. وبدلاً من أن يعلن – السبت – تنازله عن السلطة وتسليمها لنائبه أو لنائب آخر اشترط تسميته هو، عمد إلى إعلان تشبثه بالسلطة أكثر، والأحد جمع ما تبقى له من لجنة حزبه الدائمة، ليعيد الحديث عن إكمال فترته الرئاسية حتى 2013.

سراب خادع.. حشد الجمعة بلغة الأرقام 
أكثر من أي شخص آخر، يدرك الرئيس ومن حوله من مستشاريه ومعاونيه ومن لف لفهم، أن يوم الجمعة لم يكن أكثر من سراب خادع. لكنهم مع ذلك، ظلوا يسوقون له باعتباره انتصارا واستفتاءً بالقوة والبقاء.

لنترك جانباً حقيقة أن أي رئيس يمكنه أن يجمع الكثير بل الكثير جداً من الأنصار، بإنهاك خزينة الدولة ودفع مبالغ كبيرة (قيل أن الفرد الواحد من داخل العاصمة نال 50 ألف ريال، والقادم من الخارج زيد له 20 ألفاً، لحضور ساعات قليلة). لنترك ذلك، جانباً، ودعونا هنا نستخدم لغة العقل والأرقام ولنتحدث عن أمور أخرى، لنكشف حقيقتين هامتين؛ تتعلق الأولى بكشف مغالطات القوة العددية، والأخرى تدخل في السياق ذاته ولكن بالمقارنة مع المحيط الإقليمي ونجاح ثورتي تونس ومصر.

تحوي الحقيقة الأولى تفصيلاً لعدة حقائق مرافقة. ولنبدأ بالحديث عن مغالطات تحديد العدد. لم تخجل قيادات في حزب الرئيس، بل الرئيس نفسه، من الحديث عن حضور ثلاثة ملايين، إلى ميدان السبعين، وعشرة ملايين في عموم محافظات الجمهورية..!

- وبلغة الأرقام لا يمكن أن يسع ميدان السبعين والمساحات التي تجاوره، حشداً جماهيرياً لأكثر من نصف مليون وهذا عدد مبالغ فيه ويتجاوز الواقع بكثير. ولكن ماذا لو أهملنا إعمال عقولنا لحظة متجاوزين ذلك لنقول (مليون) شخص. والآن دعونا نعقد هذه المقارنة المفترضة. لقد اكتظ ميدان الثورة بصنعاء بساحته ومدرجاته– قبل أسابيع - بمناصرين للرئيس زعم أنهم بلغوا 50 ألفاً. وإذا افترضنا جدلاً أن مساحتي الميدانين غير متساويتين، كأن نفترض مثلاً أن ميدان السبعين أكبر بخمسة أضعاف، فإن ذلك لن يسمح بوجود أكثر من ربع مليون (250 ألفاً) فقط. أما إن تركنا عقلنا جانباً مرة أخرى، وتحدثنا عن مساحة تزيد عن عشرة أضعاف – وهذا مبالغ فيه كثيراَ - فإن العدد سيصل بالكاد إلى نصف مليون (أي: 500 ألف) فقط. ومع ذلك دعونا نقول (مليون)..! تم تجميعهم من كافة محافظات الجمهورية. مع ملاحظة أن أحد قيادات الحزب الحاكم قبل عام تقريباً اعتبر أن ميداناً آخر هو ميدان الظرافي، وسط العاصمة، لا تتجاوز قدرته الاستيعابية 5 آلاف شخص فقط، رداً على احتشاد أنصار المشترك هناك آنذاك. وهنا سأترك لكم حرية الخيال لاختيار ما تريدون من مضاعفات لمساحة الظرافي، قياساً بميدان السبعين، والحصول على آخر رقم يمكنكم بلوغه عبر العمليات الرياضية البسيطة..!

وماذا بشأن الملايين العشرة؟
وزعموا (الرئيس وحزبه) أيضاً أن ساحات الجمهورية ضمت عشرة ملايين مناصر بالتوازي ظهر الجمعة الماضية. وهنا سنورد لكم إحصاءات حيوية أخرى حول اليمن مستندة على تقارير إحصائية رسمية.

وإليكم هذه الحقائق الرقمية وفقا لآخر تعداد سكاني (2004):
- الإجمالي العام للسكان الذين تم عدهم في ليلة الإسناد الزمني للتعداد بلغ (21) مليوناً، و(161) ألفاً، و(385) نسمة. منهم (19) مليوناً، و(685) ألفاً، و(161) نسمة سكاناً مقيمين. وبلغ عدد المتغيبين خارج البلاد (المهاجرين) مليوناً و(700) ألف نسمة.

- نسبة عدد الذكور منهم يصل (55.99%) أي (10) ملايين، و(016) ألفاً، و(137) نسمة. فيما بلغت نسبة الإناث (49.01%)، أي بعدد (9 ) ملايين، و(648) ألفاً، و(208) نسمة.

والآن ( ونحن في 2011) لنقل أن عدد السكان ارتفع إلى (23) مليوناً، وهو رقم تقديري منتشر بشكل واسع، على اعتبار أن معدل النمو السكاني ثبت مؤخراً عند 3 %. وعليه، فإن العشرة ملايين، الذين لم يخجل الرئيس ولا قيادة حزبه من القول به، سيعني أن أنصار الرئيس يقتربون من نصف عدد السكان تقريباً. وهذا أمر لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يستقيم مع الحقيقة والواقع المؤكد أن (50%) من عدد السكان هم دون سن الـ15 سنة، وأن (48%) فقط فوق 18سنة. بمعنى أن 11 مليوناً ونيف تقريباً من إجمالي عدد السكان هم أطفال (دون سن 15). وبترك هذه الفئة جانباً فإنه لن يتبقى سوى النصف، وهذا النصف لا يعقل - وفق أي تصور كان - أن يكونوا جميعهم تحت قبضة الرئيس وحزبه..! ليستولوا عليهم هكذا دون حياء من أحد..!

وأكثر من ذلك، تفيد الإحصائيات أيضاً أن نسبة الإناث هي الأخرى تقترب من نصف عدد السكان (49.01%)، فيما لم يشهد ميدان السبعين أكثر من (5%) من مجموع الحاضرين، بما يعني أيضاً تخفيض نسبة النصف المتبقي (11) مليوناً ونيف، تخفيضهم إلى النصف. أي (5) ملايين ونيف تقريباً. ونعيد الاستنتاج مرة أخرى لنؤكد أن هذا النصف أيضاً لا يمكن بأي حال من الأحوال سرقته لحساب الحزب الحاكم..! لأن ذلك سيعني أن شباب الثورة وأحزاب المعارضة في الساحات = صفر.

ومن الانتخابات يزداد الوضوح
تكشف سجلات اللجنة العليا للانتخابات أن إجمالي عدد المقيدين في كشوفات الناخبين في آخر انتخابات (2006) يبلغ (9) ملايين، و(247) ألفا و(390) ناخبا وناخبة. عدد الذكور منهم يصل إلى (5) ملايين و(446) ألفا و(28) ناخباً، بينما وصل عدد الإناث المسجلات إلى (3) ملايين و(9) آلاف و(577) ناخبة.

ومن إجمالي العدد، حصل الرئيس في انتخابات 2006 الرئاسية على (4) ملايين، و(149) ألفاً، و(673) صوتاً. أي على نسبة (68.9%) من النسبة الفعلية من إجمالي المشاركين الفعليين. وهذا العدد بالطبع يشمل نسبة التجاوزات والتزوير التي تحدثت عنها التقارير الدولية التي رافقت العملية الانتخابية. كما يشمل عدد من توفوا خلال الأعوام الخمسة ونيف الماضية.

وإذا اعتبرنا أن عدد من بلغوا سن الانتخاب خلال الفترة من 2006 حتى اليوم ازدادوا مليوناً أو حتى مليوناً ونصف على أعلى تقدير، وتجاوزاً للكرم الطبيعي فلنضم جميع هؤلاء أيضاً لحساب الرئيس، ومع ذلك فإن أعلى نسبة تقديرية لن تتجاوز الملايين الخمسة والنصف في جميع أنحاء الجمهورية. وبافتراض غير منطقي بالطبع أن جميعهم خرجوا لمناصرة الرئيس، فمن أين جاءت الملايين العشرة المتشدق بها..؟؟ هكذا بدون خجل أو استحياء أمام العالم..!

ثم كيف يمكن هكذا بجرة لسان أن يتحدث بهذا الزيف، فيما هناك ملايين الشباب المنادين برحيله في محافظات الجمهورية، تم تسويتهم بالصفر. كان يكفيه فقط أن ينظر إلى تلك الأعداد الضخمة الرافضة لبقائه في أربع محافظات فقط هي: الأمانة، تعز، إب، الحديدة. وهي أكبر أربع محافظات في عدد السكان في الجمهورية..!

وحتى لا يواصل النظر إلى السراب ليتشبث بالسلطة، عليه فقط أن يسمح لهذه الحشود في المحافظات الأربع أن تحتشد في ميدان السبعين إن كان يمتلك الجرأة لإدراك الحقيقة المؤلمة. وأزيد من هذا فهو وأتباعه ينسون حقيقة أخرى أن مئات الآلاف من أبناء الجيش الذين رشحوه في الانتخابات الأخيرة لم يعودوا اليوم أتباعه بعد أن أعلنوا انضمامهم للثورة.

ومن الثورات العربية تأتيك حقيقة ناصعة
لم يمل أزلام الحزب الحاكم من الحديث عن عدم قبول لي الذراع الأغلبية من الأقلية. بل لنا أن نتصور أن سكرتير الرئيس الإعلامي – المعين في الوقت الضائع – تحدث أمام الملايين في قناة الجزيرة – قبل أسابيع – ومثله الكثير من الأغبياء، تحدثوا بهذا المنطق الغبي: أن هناك ثلاثة ملايين محتج في الشوارع لا يمثلون شيئا أمام ما تبقى من عدد السكان البالغين حوالي 18 مليوناً آخرين..! هكذا دون استحياء من العقل.

أقل ما يمكن توصيفه لمثل هذا الخطاب أنه جاهل وغبي. فالقياس كان يجب أن يتم على عدد المقيدين في جداول الناخبين. كونهم العنصر المجتمعي الحاسم للصراع السياسي، وليس بالحديث عن كافة العناصر السكانية التي تشمل (50%) من الأطفال – دون سن 15 سنة.

إن حديثاً كهذا يذكرنا تماماً بما كان أزلام مبارك يصرخون به على القنوات الفضائية قبل رحيله. وهو ما لم يحل دون سقوطه. وبالقياس علينا أن نذكر أن عدد سكان مصر يتجاوزن الـ (80) مليون نسمة، فيما لم يزد عدد من أسقطوا مبارك عن نسبة (10%) من إجمالي عدد السكان. أي حوالي (8) ملايين مواطن فقط، بحسب إحصائيات تحدثت عمن خرجوا في اليومين الأخيرين لسقوطه.

وفي تونس، تفيد المعلومات أن ما بين (25) ألفاً، و(30) ألف مواطن تقريباً، هم الجماهير الذين عجلوا بفرار زين العابدين بن علي.

وهذه حقيقة أخرى: 
على أن ما يزيد من تعزيز قوة ثورة الشباب اليمني عن غيرها، أن عشرات القادة العسكريين المهمين، ومعهم الآلاف من الضباط والصف والجنود، ومئات الدبلوماسيين، وعشرات الحزبيين التابعين للنظام، ناهيك عن زعماء أقوى القبائل اليمنية، مع مواطنيهم، كلهم أعلنوا تأييدهم للثورة على الملأ بشكل واضح وشجاع، وهو ما لم نشهده في كافة الثورات العربية الأخرى سواء تلك التي انتصرت أو تلك الأخرى التي انطلقت مؤخراً.

كل المؤشرات تقودنا باتجاه حقيقة واحدة لا يمكن أن تعيق بلوغها أو تحجبها حشود وهمية واجتماعات وبيانات وتصريحات ليست إلا محاولات بائسة لعكس معادلة التكون الأخير لمسار انتصار الثورة. وما على الرئيس بعد تفضيله مواصلة المواجهة بالوهم الخادع، إلا أن يحصد السراب، ويجني النهاية الكارثية التي كان باستطاعته تجنبها قبل الجمعة الماضية.

قال لي محلل سياسي: كل تلك الحشود الوهمية لا تعني شيئاً ولا يمكنها أن تغير مسار المعادلة التي تتجه بقوة نحو نهايتها الحتمية. فما علينا اليوم إلا أن ننظر في حقيقة واحدة هي: هل مازال الرئيس في الوقت الراهن يمتلك السلطة ذاتها التي تمكنه من تغيير قائد عسكري ما أعلن تأييده للثورة؟

الواقع أن الرئيس اليوم بات عاجزاً عن تنفيذ قراره بتغيير قائد معسكر الدفاع الجوي بالحديدة، والذي رفض أتباعه قرار التغيير ودافعوا عن بقائه بقوة. وهو ما حدث أيضاً مع قائد المنطقة الشرقية. 
-----------------
المادة نشرت في صحيفة المصدر وموقع المصدر أونلاين بتاريخ الثلاثاء 29 مارس 2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق