الخميس، 7 أبريل 2011

الانتقام من تعز


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
كان مشهد حشود "جمعة الخلاص" المهيبة في ميدان الحرية بتعز، بتراتيله المنادية بالرحيل، أكثر تأثيراً على نفسية الطاغية من مشهد جموعه في ميدان السبعين بصنعاء بصراخهم المنادي ببقائه.

لقد قرر أن يثأر لكبريائه الممرغ تحت أقدامهم، فوجه معاونيه حازما أن آتوني بأبناء تعز صاغرين.

والأحد الماضي، ما كان منهم إلا أن جمعوا له ما استطاعوا، كانوا ربما هم ما تبقى لهم من أبناء المدينة الحالمة. وإلى قصره الآيل للسقوط، سيق بضعة آلاف. من على منصته المرتفعة في باحة القصر، جلس على كرسيه يرمقهم أسفل قدميه، بينما كانوا يحملون صورته هاتفين بحياته.

وسط صراخهم، وحركة رأسه المشتتة، وملامح وجه منهار، بدا وكأنه قرر ممارسة انتقامه وإن على هذا النزر اليسير من الجمع. ها هو ما كان بيده أكثر من تقرير إذلالهم ليذل بهم كارهيه.

"الشعب يحبك يا علي". هتفوا بما حفظوه، مقابل ما أخذوه. وكان هو يتصنع الاستمتاع بهتافات يدرك أنه يعجز الاستعاضة بها عما افتقده. قطعاً ما كان لتلك الأصوات النشاز، أن تسمع لأبعد من أذنيه، أمام ما يصله عنوة من هدير تلك الهتافات اليومية المتصاعدة من ساحة الحرية، إذ تغزل في أذنيه: من تعز صعدت، ومنها تسقط.
كان الطاغية، حين أصدر أوامره ليؤتى إليه بهؤلاء النفر، قد أصدر أوامره بالانتقام من تلك الحشود الملايينية التي هزت أركان ملكه في "جمعة الخلاص"، وما كان من حضروا زينته في قصره، أكثر من مجرد إيغال عرضي في الإهانة سبق بساعات قليلة تنفيذ أوامره الانتقامية بارتكاب مجزرة الأحد ضد من أهانوا غروره.

ما كان ليوم واحد حصد فيه قرابة 1500 مصاب وجريح، يكفي لإشباع نهم طاغية، ليلحقه بيوم آخر، فكان حصاد يوم أمس الاثنين، حصدت فيه آلته العسكرية قرابة 15 شهيداً ورفعت من رصيد المصابين.

كان الفرق بين مشهدي القصر والساحة، يجسد الفرق نفسه بين وطن قديم نجهد للتخلص منه، وآخر جديد ننشده ونضحي بأرواحنا من أجله.

في الأول، نقلت عدسات السلطان ابتذال القوم وهم يرومون بلوغ ولو بعض ما سلبه منهم على مدى 33 عاماً، ليهبهم اليوم بعضه بطريقة مهينة. ولم يكن أذل من الحدث نفسه سوى شخص يلوك العبارات ليتحدث باسم أبناء العاصمة الثقافية، وشاعر مبتذل لم يتقن حتى تهجئة بيت شعر واحد بطلاقة.

وفي الثاني، كان الشباب المتعلم، الأكاديميون، المثقفون، الصحفيون، الأطباء، المناضلون، رجالاً ونساء، جميعهم يسطرون ملحمة بطولية شجاعة متصدين لرصاص أزلام الطاغية وقنابله السامة بصدورهم العارية. ذلك لأنهم قرروا استعادة حقهم المسلوب بشموخ الأبطال لا بذلة الخائرين.

في المشهد الأول، أراد الديكتاتور مسخ صورة أبناء العاصمة الثقافية بإبراز صورة هزلية لثلة عقيمة والترويج لها عبر تكرار عرضها في شاشاته الفضائية.

وفي المشهد الثاني، أكمل انتقامه الهمجي السمج باستنشاق رائحة الدماء المتسربة من أجساد نبيلة عن طريق أسوأ من فيها.

غير أن تعز –مع ذلك كله– مازالت تشمخ بالملايين من أبنائها، دون أن يضرها أن يشق منها مجرى صغيرا لتصريف القاذورات، أو ترهبها آلات الترويع ورصاصات القتل وسجون الاعتقال..

ارحل.. فالشعب قرر أن ترحل!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق