الخميس، 5 مايو 2011

لهذا أقيل النائب العام


عندما اتجه صوب إدانته مباشرة اضطر الرئيس لإزاحته من الطريق ليتجنب الملاحقات القضائية مستقبلاً


المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
الخميس الماضي (28 ابريل) أصدر الرئيس علي عبدالله صالح قراراً جمهورياً رقم 17 لسنة 2011 بتعيين الدكتور علي أحمد ناصر الأعوش نائباً عاماً للجمهورية بدلاً عن الدكتور عبدالله العلفي. على المنظمات الحقوقية الدولية أن تعرف لماذا حدث ذلك؟ إذ سيتوجب عليها ضم هذا الفعل كقرينة إثبات لتورط صالح في ارتكاب جرائم القتل.

المنطق الظاهري، يقول إن الظروف الحساسة والصعبة التي يمر بها النظام في الوقت الراهن، لا تؤهل الرئيس صالح الذي يتصاعد صوت الشارع اليمني بإقالته ومحاكمته من اتخاذ قرارات ذات طبيعة تأثير ارتدادية على نظامه المتداعي. بيد أن ذلك حدث بالفعل. وما قد يمثل ارتدادا سلبياً هنا هو أن ذلك القرار جاء بعد أيام قليلة من تشديد الدكتور العلفي على مطالب قانونية بالقبض على شخصيات أمنية كبيرة ثبت تورطها في قضايا قتل راح ضحيتها عشرات المحتجين وآلاف الجرحى.

قد لا يكون بمستغرب أنه وفي بلادنا أكثر من غيرها، هكذا بكل سهولة يمكن للرئيس أو لمسئول كبير ارتكاب الفضاعات، ثم يتلوها بتصرف غريب وشاذ ليغدو السير وفق المنطق مجرد شيء تافه طالما أنه يهدد مصالح وتكتيكات استراتيجية. وما كان غير متوقع في عرف مجتمع السياسة، يصبح أمراً ممكناً، بل وضرورياً في عرف الاستبداد لتجاوز حتمية ما هو أسوأ إلى الأقل سوء أو ما يفترض أنه كذلك.

في واحد من التفسيرات السوسيولوجية، يمكننا النظر إلى ما حدث على هذا النحو: إن أي نظام استبدادي -بدأ بالتهاوي– حينما يتعرض للمزيد من الضربات (الضغظ)، يزداد ترنحاً (فقدان المزيد من التوازن)، حينها تصبح ردود الفعل اللحظية هي المتاح الوحيد. وإذاك يغدو التفكير بالتعامل مع الأحداث بقرارات تراعي أبسط أخلاقيات المجتمع الدنيا، منطقاً عدمياً، والتريث لتوخي مسألة الارتدادات السلبية، عبثاً غير مجد.

الواضح أن هذا يحدث، مع أن الرئيس ومرشديه يدركون أكثر من غيرهم، أن قراراً مثل هذا - في ظرف وتوقيت كهذا- تنعدم فيه فرص الحديث عن فرضيات مثالية على شاكلة: عدم تحميل الأمر أكثر من كونه مجرد قرار يصدر عن رئيس مازال قادراً على الإقالة والتعيين! فالرئيس، وجميعنا –سواء نحن المنادين برحيله ومحاكمته، أم أولئك المتمصلحين حوله– نؤمن أن منطق مثالي كهذا كان يمكن قبوله في ظروف سابقة ترجع إلى ما قبل الأشهر الـ3 الأخيرة.

وإلى جانب أن الجميع يدرك أن النائب المقال يحمل ملفاً جنائياً خطيراً، فإن تحولات جوهرية اتسمت بها مواقفه الأخيرة، من شأنها أن تثير الرعب في قلب النظام. ذلك أن النائب العام المقال بدا مؤخراً –وبشكل مفاجئ– أكثر حرصاً على المضي بجدية لاستكمال التحقيق في قضايا القتل والاعتداءات التي تعرض، ومازال يتعرض لها شباب الثورة اليمنية المنادين بإسقاط هذا النظام الأسري القمعي البوليسي الجاثم على صدور اليمنيين منذ 33 عام.

الإقالة.. إثبات الجرم لا انتفائه
ما سبق، قد يبدو كافياً لجلاء الأمر، وتحسس مسوغات ودواعي تلك الإقالة المثيرة للجدل دون الحاجة لمزيد من التوضيح. ومع ذلك، دعوني، كعادتي المملة للكثيرين، مواصلة تقديم المزيد من التفاصيل التي يقال إن الشيطان يكمن فيها. وسأتناول هنا –محاولاً الإيجاز قدر استطاعتي– بعض الجزئيات التي تتعلق بالنائب العام ومواقفه الأخيرة، تعزيزاً لتلك الحقيقة الواحدة لا سواها: إدانة رأس النظام والمتورطين من حوله.

إلى حد ما، ومن زاوية ضيقة، يمكن اعتبار الإقالة قراراً يتسم بالشجاعة. غير أنه –من زاوية أخرى– يظهر كقرار يعوزه الذكاء، لما يعكسه من مؤشرات تؤكد –بما لا يدع مجالاً لحسن الظن- أن نتائج التحقيقات كانت تتجه حتماً صوب الحقيقة المفترضة.

مع أن الدكتور العلفي عرف تمتعه بأخلاق رفيعة، إلا أنه بالمقابل –مثله مثل الكثير من المسئولين الحكوميين في كنف نظام استبدادي دموي- ظل مجبراً على العمل بوفاء كبير كخادم لرأس النظام، لا كشخص قوي يتمتع بصلاحيات قانونية كبيرة. فعمد إلى تفضيل وتقديم مصالح النظام على حساب المصلحة العامة للوطن والمواطنين بشكل امتهن فيه حكم القانون. وبين سلوكه الشخصي وسلوكه العام تكونت شخصية إنفصامية كان غالباً ما يمضي توقيعه على مسودات الشكاوى بأوامر توجيهية للجهات المعنية، فيما أنه يدرك النتيجة بلا جدواها مع عدم اتخاذه الإجراءات اللاحقة لفرضها، حتى بلغ به الأمر أن حاز بجدارة على وصف نائب عام "طيب"، لكنه عديم الشخصية.

وبمثل ذلك استطاع أن يحافظ على موقعه كنائب عام لسنوات طويلة. وطالما ظل محافظاً على ولائه الشخصي، ولم تند عنه انحرافات كبيرة كتلك التي تجعله –مثلاً- ينحاز لمهنته الشريفة بما يعرض النظام ومصالحه للمخاطر، فقد ظلت حاجة الرئيس لإقالته غير ماسة. وقياساً على ذلك، يمكن الجزم اليوم أن قرار الإقالة ما اتخذ إلا بعد أن لُمس في ولاء الرجل تغيراً واضحاً، على ذلك النحو الجالب معه للمخاطر. سيما في ظل ظروف حساسة وصعبة، تجعل من الرئيس أحوج ما يكون لأدنى مسئول بهدف الحفاظ على ما تبقى له من مناصرين ومؤيدين بعد أن توالت عليه الاستقالات الكبيرة محدثة تشققات هائلة طالت جدار نظامه، بفعل ما أحدثته الثورة الشعبية المنادية بإسقاطه ومحاكمته.

وإذ يمكن -في عرف النظام- تشبيه تحولات النائب العام السابق، بحدوث تمرد، فهي بالنسبة للرجل ربما تندرج في إطار محاولة –قد تكون متأخرة، نعم، لكنها مهمة- لتصحيح مسار خاطئ، واستعادة سمعة مفقودة. وأياً يكن الأمر، فالنتيجة النهائية تبرز تلك التغيرات وربما أخرى غيرها لم تعلم بعد أمام الرئيس لتبدو ملحة أكثر لتسريع إعفائه من مهامه. ذلك حتى إن كان هذا القرار، في واقع الحال، ينطوي على إثبات واضح من شأنه أن يعزز ثبوت الجريمة لا انتفائها.

تحولات النائب العام 
في البدء، ومع فتح النائب العام ملفات قضايا القتل الجماعي التي اتهمت الأجهزة الأمنية بارتكابها ضد المحتجين، كان البعض يؤمن بما لديهم من خلفيات بحقيقة واحدة: أن الرجل، وكعادته سيُستخدم من قبل النظام كخادم لا كمسئول مهم. وبالتالي فتمييع تلك القضايا وإغلاق ملفاتها في أحسن الأحوال، سيكون والنتيجة الحتمية. ذلك إن لم يحرفها عن مسارها الحقيقي ويفصلها لتتواءم مع رغبات النظام بجعل الضحية هي المتهم مع إعفاء الجلاد. وهذا هو بالفعل ما ظل الرئيس يكرره في خطاباته –عقب كل جريمة– بتحميله تلك الجرائم على شباب الثورة، ما كان يفهم سلفاً على أنه توجيه موجب لمسار القضية.

غير أن حقائق أخرى بدأت تتكشف تباعاً كانت تسير بعكس تلك التصورات السابقة. كانت البداية في 24 فبراير حين أصدر مكتب النائب العام بلاغاً صحفياً "بشأن حماية المشاركين في الاعتصامات والمسيرات السلمية". وجهت النيابة "رؤساء ووكلاء النيابات العامة في عدد من المحافظات بمضاعفة جهودهم في سبيل تجسيد أحكام النصوص القانونية التي تكفل حماية حقوق وحريات الأفراد وذلك من خلال سرعة التحقيق قي الشكاوى والبلاغات التي ترد إليهم عما يقع من أفعال معاقب عليها قانوناً تقع على المشاركين في المسيرات والاعتصامات السلمية مهما كانت اتجاهاتها السياسية".

وفي البلاغ ذاته، أهاب مكتب النائب العام بوزير الداخلية ومدراء أمن المحافظات وجميع منتسبي وزارة الداخلية التزام التعليمات العليا بشأن حماية جميع الموطنين المشاركين في الاعتصامات والمسيرات السلمية. وقال إن النيابة العامة لن تتوانى "عن القيام بواجباتها في التحقيق بالشكاوى والبلاغات التي تقدم إليها عن الأفعال التي تشكل جرائم جنائية".

إلى هنا، قد يرى العارفون أن لا جديد. فمثل هذا يعد إجراء روتينيا مللنا سماعه، إذ يتكرر دائماً على نحو مسف. إذن فتلك لم تكن البداية الحقيقة الواضحة.

مجزرة الكرامة.. التحول يتعزز أكثر
المحامي والقانوني المعروف محمد ناجي علاو –منسق منظمة هود الحقوقية– بدا متأكداً جداً بأن إقالة الدكتور العلفي من منصبه كنائب عام جاء بسبب مواقفه الأخيرة، والتي بدأت بشكل واضح وجلي مع تبنيه الجاد لملفات القتل التي طالت المتظاهرين سلمياً، إلى جانب إصداره تصريحات وبلاغات صحفية مرافقة شكلت إزعاجاً غير متوقعاً للنظام. يعتقد علاو.

وفي اتصال تلفوني معه، بعد ساعات من صدور قرار تعيين النائب العام الجديد، امتدح علاو الدكتور العلفي الذي قال إنه "فتح ملفات جادة في قضايا قتل المتظاهرين سلمياً في المحافظات التي طالتها الاعتداءات، وتولى بنفسه على رأس جهاز يتبع مكتبه الفني التحقيق في قضية مجزرة "جمعة الكرامة" التي حصدت أكبر عدد من الشهداء". ذهب علاو في معرض تفسيره لقرار الإقالة.

في الواقع، بدأ التحول يتكشف بشكل أكبر مع تولي النيابة العامة التحقيق في الجريمة الجسيمة رقم (88) لسنة 2011م، الخاصة بمقتل المحتجين السلميين في ساحة التغيير بصنعاء (جمعة الكرامة 18 مارس)، وهي المجزرة التي راح ضحيتها 53 شهيداً ومئات الجرحى.

في 22 مارس قام النائب العام بنفسه بنزول ميداني إلى ساحة التغيير لمتابعة القضية والاستماع إلى الجرحى والشهود. لكن الصحافة لم تتورع عن نسج خبر انضمامه إلى "ثورة الشباب السلمية"، الأمر الذي اضطره اليوم التالي للنفي عبر وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ".

لكنه في واقع الحال استغل الأمر ليضمن تصريحاته توضيحاً رآه مهما، حين أكد بأن "النائب العام قاض مستقل ولا ينتمي إلى أي تيار سياسي، والسلطة القضائية سلطة مستقلة وفقا للدستور وأن النائب العام نائب عن المجتمع بكل أطيافه السياسية". تلك التصريحات –بحسب علاو- أزعجت النظام، لتضمنها إشارات واضحة بالمنحى الذي ستعمل وفقه النيابة العامة خلال المرحلة القادمة. وقال علاو: "لا شك أن كلمة نائب عام للشعب وليس للنظام تغضب رأس السلطة، بل وكل أعضاء السلطة الموظفين لديه.

بما يعني ضمناً أن مرحلة العمل كخادم للنظام يتوجب أن تنتهي هنا، لتبدأ مرحلة العمل الجدي كـ"نائب عن المجتمع بكل أطيافه السياسية". ولقد فهم رأس النظام الرسالة بالطريقة التي أراد لها النائب العام أن تُفهم، لكنه حاول التغاضي. وربما شعر أنه مازال يمتلك القدرة على تصحيح الخطأ الوارد في تلك التصريحات وفقاً للطريقة التي دأب على استخدامها في الماضي.

لكن النائب العام –السابق– بدا أنه قرر ذلك بالفعل، ليواصل -بعد زمن طويل من الرضوخ الإجباري- السير في طريق شائك لاستعادة ما فقد من مكانته المحترمة في المجتمع. ولاحقاً، عقب التصويت المشبوه لمجلس النواب على إقرار حالة الطوارئ في البلاد، نسبت قناة "الجزيرة" في 2 ابريل للنائب العام قوله إن "إعلان حالة الطوارئ في البلاد غير قانوني ولا معنى له". ما وجه ضربة موجعة للنظام من قبل جهة قانونية معتبرة، لتضعه في موقف لا يحسد عليه بعد أن كان النظام جند الكثير من إمكانياته المادية والعملية والإعلامية لإقرار وتسويغ حالة الطوارئ تلك.

حقائق مازالت تتكشف وتهديد بالاستقالة
مضت النيابة في تحقيقاتها، في قضية "جمعة الكرامة" لتتكشف لها حقائق هامة، ومتهمين جدد فارين من العدالة، كانت النيابة وجهت بملاحقتهم، بيد أن التجاوب كان منعدماً. وفي 11 ابريل، وجه النائب العام رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال طالبه فيها بـ"سرعة القبض على المتهمين الذين ارتكبوا جريمة القتل والشروع في القتل لعدد كبير من المعتصمين" والذي سبق أن وجهت النيابة العامة بملاحقتهم والقبض عليهم للتحقيق معهم وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما ارتكبوه من جريمة نكراء في حق المعتصمين -بحسب الرسالة التي تضمنت طلبا من رئيس الحكومة "توجيه أجهزة الأمن بالتحري والكشف عن هويات أفراد العصابات الملثمة التي اشتركت في هذه الجريمة". واختتمت الرسالة بهذا التهديد القوي: "وفي حالة لم يتحقق ذلك فإن النائب العام سيقدم استقالته من منصبه".

كان الأمر أشبه بقنبلة. ومن وراء الكواليس قيل إن الحكومة حاولت التعامل مع الأمر بطريقة هادئة تجنب التصعيد في محاولة منها لإيقاف تداعياته الخطيرة عند هذا المستوى حين وجهت الجهات المعنية بالتجاوب مع النيابة العامة. لكن الأمر لم يتجاوز الأوامر مع تقديم بضعة مطلوبين صغار، لتجنب الاقتراب من الأسماك الكبيرة. فيما كانت جهات شبحية غير ظاهرة حاولت وضع الرجل في مواقف محرجة منذ توليه ملف القتل. ونشرت أجهزة الإعلام الرسمية تصريحات على لسان الرجل تضمنت توجيه اتهامات مباشرة للمعتصمين في ساحة التغيير بالوقوف وراء ما حدث من قتل للمعتصمين. غير أن الرجل اتصل بالساحة نافياً تلك التصريحات.

وأثناء مواصلة النيابة تحقيقاتها مع بعض المقبوض عليهم، تكشف لها المزيد من الحقائق الخطيرة. وعليه وبحسب بلاغ صحفي صدر بتاريخ 19 أبريل وتضمن تصريحات لمصدر مسئول في النيابة العامة، فإن النيابة أمرت "بالقبض على تسعة عشر متهما فارين من وجه العدالة كشفت التحقيقات ضلوعهم في جرائم القتل التي حدثت. كما تم تكليف الأجهزة الأمنية وأجهزة البحث والتحري بالكشف عن المتهمين المجهولين المساهمين في الجريمة والقبض عليهم وإحالتهم مع محاضر جمع الاستدلالات إلى النيابة العامـة" .وأضاف المصدر: "ولازال يتكشف للنيابة من خلال التحقيقات ضلوع متهمين جدد وظهور أدلة أخرى تعزز ما هو متوفر لدى النيابة". ومرة أخرى طالب البلاغ الأجهزة الأمنية "سرعة القبض على المتهمين المطلوبين الذين أمرت النيابة بالقبض عليهم الفارين من وجه العدالة"، كما وجددت مطالبتها بـ "سرعة الكشف عن هوية المتهمين المجهولين باعتبارهم متهمين أساسيين يجب القبض عليهم لكي يتسنى للنيابة العامة التصرف في القضية بإحالة جميع الجناة إلى المحكمة المختصة لينالوا عقابهم جزاء لما ارتكبوه من جريمة بشعة في حق المجني عليهم".

إيقاف قسري وإقالة خوفاً من التقدم أكثر
في الواقع، جاء البلاغ الصحفي قبل أسبوع فقط من قرار الإقالة وتعيين نائب جديد الخميس الماضي. وبين البلاغ والإقالة حملت الكواليس أسراراً شتى. قيل إن الرئيس أوقف النائب العام عن أعماله في مواصلة التحقيق، بل أشيع أنه وضع تحت الإقامة الجبرية في منزله، بهدف إيقافه عند مستوى تلك المعلومات التي بلغها دون تجاوز حدودها إلى أولئك الذين سماهم البلاغ بذوي "الهويات المجهولة" الذين طالبت النيابة بسرعة الكشف عنهم باعتبارهم "متهمين أساسيين يجب القبض عليهم". حتى أعلنت الإقالة بشكل رسمي بتعيين خلفه، الخميس الماضي.

بالنسبة لـ"علاو" أضفت عليه مواقف النيابة تلك "بإجراءاتها القوية والحاسمة في قضية قتل المعتصمين" شعوراً آخر يتسم بالأمل، وقال "لقد شعرنا لأول مرة بأن النيابة جادة" وأنها "حين وجهت رسائل قوية جداً بدأنا نشعر فعلاً بالاستقلالية إلى حد كبير من خلال جدية التحقيق في هذه القضايا".

ويكشف علاو –جازماً- ما توارى وراء تلك الكواليس، قائلاً "كانت النيابة قد بدأت بالفعل بالتحقيق مع قادة الأجهزة الأمنية (الأمن المركزي، والجهات الأخرى المتهمة)، الأمر الذي شعرت معه السلطة بخوف وقلق بالغين كون التحقيقات اتسمت بالجدية فعلا، وأن الأمر إذا ما ترك له أن يسير على ذلك النحو، فإنه حتماً سيصل إلى رأس النظام باعتباره المسئول الأول سياسياً وجنائياً عن كافة قضايا القتل والإصابات والاختطافات والإخفاءات القسرية التي حصلت في طول اليمن وعرضه"، لافتاً إلى أن ذلك كون رئيس الجمهورية "هو المسئول عن تصرفات وأفعال هذه القوات والجرائم التي ترتكبها أجهزته".

مصير مبارك كابوس مقلق
لقد بات من المؤكد أن الرئيس كان حريصاً بطريقة لا يعيبها أن تكون مكشوفة، توخي مستقبل لا تنغصه الملاحقات القضائية، بتنظيف كل ما يرتبط بهذا الملف نهائياً. وقد يكون من المهم النظر إلى ما حدث –لاحقاً- للرئيس المصري المخلوع وأبنائه من إحالة النائب العام المصري لهم إلى المحاكمة ووضعهم في السجن والمصير الحتمي الذي ينتظرهم، بمثابة كابوس فضيع ينتصب أمام عيني "صالح" ويقض مضجعه. كان المشهد ليس مهيناً فحسب، بل قاسياً ومخيفاً ومن شأنه أن يجعل كل شبيه معرض لنفس المصير أن يحرص ويتوخى الحذر ويضرب أخماساً في أسداس لتجنب الوقوع في المآل ذاته.

بالنسبة لصالح فقد أجهد نفسه كثيراً في هذا الجانب وأصر على أن تمنحه المبادرة الخليجية الأخيرة ضمانات تجنبه محاكمة لاحقة بعد رحيله. بل ولمزيد من الحرص اشترط ضرورة أن يأتي ذلك عبر إصدار تشريعي ينبثق عن اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى قبل يوم واحد من رحيله.

غير أن ذلك لم يكن كافياً وفرض عليه الخوف القابع في أعماقه من حتمية الإدانة والملاحقة، أن قرر إقالة النائب العام، كضمانة إضافية، سيما بعد أن شعر مؤخراً بوجود تغيرات مقلقة وغير مطمئنة في مواقف هذا الأخير، على نحو ما سبق الإشارة إليه.

إن الخطورة تتمثل أكثر بكون المتهمين الرئيسيين في تلك القضايا يتجاوزن ما يسمى بـ"البلطجية" التابعين للنظام، إلى الحرس الجمهوري، الحرس الخاص، الأمن المركزي، الأمن القومي، وهي المؤسسات التي يقف على رأسها جميعاً أبناء الرئيس وأبناء أخيه.

ومن وجهة نظر قانونية فإن "الجرائم التي ارتكبت ليست جرائم جنائية، أو تجاوزات فردية من قبل قادة الأمن والحرس الجمهوري والخاص، بل هي جرائم موجهة تقع تحت مسئولية المسئول الأول عن هذه الأجهزة وهو رئيس الجمهورية". يقول علاو.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق