الأربعاء، 27 يوليو 2011

ما حقيقية ما يجري في عدن وأبين ؟!


ثمة مجموعة من المعطيات من شأنها تأكيد أن ما يحدث في المحافظات الجنوبية لا علاقة له بتنظيم القاعدة

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مؤخرا، طغى صوت الرصاص والمدافع في محافظة أبين والعمليات المفخخة في محافظة عدن على صوت المتظاهرين الثائرين سليما ضد "صالح" ونظامه الأسري في مختلف محافظات الجمهورية.

إذن، لقد وجد نظام يحتضر منفذا صغيرا يعتقد أنه سيساعد في تأجيل إعلان وفاته وإن لفترة ما. وربما سيتمكن من سبر أغوار اللعبة العالمية وينجح في إطالة أمد المعركة والتشبث بها كطوق نجاة محتمل لتفادي تلك السهام المصيبة التي رمت بها الثورة السلمية، طالما وقد اهتزت السنارة وابتلعت أمريكا طعم تنظيم القاعدة.

الأحد، حقق ما يسمى بتنظيم القاعدة نجاحا آخر، يضاف إلى نجاحاته الكثيرة خلال فترة زمنية مداها الشهران الماضيان. وأعلن أمس الأول أن تسعة جنود قتلوا في محافظة عدن إثر عملية قيل إنها انتحارية منسوبة لتنظيم القاعدة، فيما أصيب أكثر من 23 آخرون. فيما تفيد أنباء رسمية أن عدد الجنود القتلى أربعة فقط، و21 مصابا.

العملية التي تمت بانفجار سيارة مفخخة –وفقا لمصادر أمنية رسمية- كانت استهدفت ناقلة جنود، يتبعون اللواء 31 مدرع أثناء خروجها من بوابة معسكر الدفاع الجوي (معسكر أبو حربة) بمديرية المنصورة. ويقال إن الرتل العسكري الذي استهدف كان في طريقه إلى محافظة أبين للانضمام إلى قوات الجيش (اللواء 25 ميكا) التي تقاتل أعضاء القاعدة هناك.

وتشهد محافظة أبين، منذ أواخر مارس الماضي، مواجهات مسلحة تخوضها قوات تتبع الجيش، مع عناصر متشددة، يقال إنها تتبع تنظيم القاعدة. ومؤخرا أعلن أن قبائل من المحافظة انضمت مع الجيش لمقاتلة المسلحين المتشددين.

ومع أن مواقع تتبع الحكومة أعلنت عقب الحادث أن العملية نفذها انتحاري يتبع تنظيم القاعدة، وصفته بـ "أحد عناصر الإرهاب والتطرف من تنظيم القاعدة"، إلا أن الخبر الرسمي نفسه نسب في نهايته لمصدر أمني في محافظة عدن قوله " إن التحقيقات جارية لمعرفة هوية الانتحاري والجهة التي تقف وراءه، ووراء هذا الهجوم الغادر".

عمليات مفخخة في عدن
بحسب مجموعة أخبار منشورة خلال فترة الشهرين الماضيين، فقد شهدت محافظة عدن مجموعة عمليات فخخت فيها سيارات لمسئولين عسكريين وأجنبي. حيث قتل مسئول الإمداد والتموين في اللواء 31 مدرع العقيد مطيع السياني الذي انفجرت سيارته بعبوة ناسفة في مديرية البريقة في 13 يونيو الماضي، تلاه بعد عشرة أيام فقط انفجار سيارة مفخخة أخرى (في 24 يونيو) استهدفت تجمعاً لآليات عسكرية في جولة كالتكس بمديرية المنصورة.

وبعدها بأيام قتل العقيد خالد الحبيشي، وهو قائد إحدى كتائب اللواء 31 مدرع إثر انفجار عبوة ناسفة زرعت داخل سيارته في أحد شوارع مديرية المنصورة. والأربعاء الماضي قتل الخبير البريطاني الملاحي ديفيد موكيت بعد انفجار سيارته بعبوة ناسفة زرعت في سيارته في أحد شوارع مديرية المعلا.

حتى الآن لم تسفر التحقيقات عن أية نتائج فيما يتعلق باستهداف تلك القيادات العسكرية التي تتبع معظمها اللواء 31 مدرع بقيادة اللواء الركن مهدي مهدي مقولة، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية. وهي المنطقة العسكرية الوحيدة التي لم تعلن دعمها للثورة الشعبية السلمية التي انطلقت مطلع فبراير من العام.

على أن الجزء المشترك في كافة تلك العمليات، أن تنظيم القاعدة ظل هو المتهم الوحيد من قبل أجهزة السلطة، وعلى رأس تلك التهم محاولتها السيطرة على محافظة أبين بعد سيطرتها على العاصمة (زنجبار).

لكن، وإذا كان من المقبول القول إن العمليتين الانتحاريتين (الأخيرة، وتلك التي استهدفت الآليات العسكرية في 24 يونيو) يمكن نسبتها لتنظيم القاعدة كون المنفذ –كما يقال– لقي حتفه فيها وتناثرت أشلاؤه، وهو الطابع السائد الذي يرمز إلى عمليات القاعدة، ليس في اليمن وحسب إنما في جميع أنحاء العالم، فإن العمليات الناجمة عن زراعة عبوات ناسفة (التي لا يموت فيها المنفذ) من شأنها أن تثير الشك، لاسيما وأنها تتطلب تخطيطا وإعدادا ومتابعة ودقة عالية، ناهيك عن حاجتها لمنفذين متفرغين قادرين على الرصد والتحرك بحرية كاملة، وهو ما نعتقد –على الأقل حتى الآن– أن تنظيم القاعدة مازال يفتقده في محافظة مثل محافظة عدن المحاصرة بسياج أمني مع انتشار كبير فيها لقوات الأمن.

أضف إلى ذلك، أن تنظيم القاعدة لم يعرف، لا يكاد يعرف أنه قام بعمليات من هذا النوع في اليمن. ذلك أن معظم عملياته اتسمت اما بتنفيذ هجوم من على بعد باستخدام قذائف محمولة، وإما عبر مواجهات مسلحة واقتحام لمقرات ومؤسسات حكومية، وإما عبر التخطيط لكمائن، أو عبر تنفيذ عمليات انتحارية بسيارات مفخخة.

وما يرفع من منسوب التشكيك والاشتباه بكون تنظيم القاعدة يقف وراء تلك العمليات، عدم إصدار التنظيم –حتى الآن- بيانا يعلن فيه تبنيه لها كما درجت عادته حتى في أبسطها. وقد اعتاد التنظيم إصدار مثل تلك البيانات في مدة زمنية قد تطول أحيانا إلى أسبوعين أو أكثر بقليل، لكنه غالبا ما يصدرها خلال أسبوع واحد، فيما شهدت بعض بياناته استثناءات حين تم إصدارها خلال فترة زمنية أقل بكثير لم تتجاوز اليومين. والسبب في ذلك، كما أبان في أوقات سابقة على مواقعه الإلكترونية، أنه غالبا لا يصدر بياناته –لاسيما في تلك العمليات الصغيرة التي لا تخطط من القيادة العليا للتنظيم- إلا بعد أن يقوم بالتأكد من صحتها من الميدان عبر آلية خاصة به تستغرق تلك المدة الزمنية وأحيانا قد تطول.

كما أن هناك سببا آخر، يعود إلى أن بعض العمليات يقوم بتنفيذها عناصر لا يتبعون تنظيم القاعدة لكنهم قد يتبعون جماعات مناصرة أو مؤيدة لفكر ومنهج القاعدة الجهادي، وهذا الأمر يتطلب التأني والمشورة الداخلية حول إمكانية تبني مثل تلك العمليات –وخصوصا بعد حصوله على تفويض بالتبني من الجهة المنفذة- ما قد يؤخر من عملية صدور البيان.

لكن تنظيم القاعدة –وهذا أمر آخر مهم- لا ينتهج سياسة التبني فقط، بل أيضا يصدر بيانات ينفي فيه علاقته بالعمليات التي تنسب إليه دون أن يكون له علاقة بها. كما حدث مع عملية تفجير نادي الوحدة بعدن في بيانه الصادر في (13 أكتوبر 2010). وهذا ما يجعلنا بالمقابل نشكك ونعتقد باحتمالية أن تكون تلك العمليات الأخيرة المنسوبة إليه، هو فعلا من قام بها، إلا أن ظروفا ما حالت دون إعلان تبنيه لها حتى الآن. ويمكن أن يدخل بضمنها العمليات المسلحة الأخيرة بهدف السيطرة على أبين (حتى الآن لم يصدر تنظيم القاعدة بيان تبن أو نفي لما ينسب إليه من تلك العمليات المسلحة في مديرية زنجبار بمحافظة أبين).

لكن الأمر الأكثر تأكيدا في ذلك كله، أن القاعدة لا تغفل عن إصدار بيانات التبني لعملياتها، على أن هناك استثناءات أخرى قد تفرض عليه منع إصدار البيان لظروف ما، قد تكون أمنية في معظمها، لكنها في نهاية الأمر تصدره وإن لاحقا. أحيانا يحدث ذلك بضمه في إطار تسجيل صوتي أو وثائقي يتبنى مجموعة من العمليات القديمة والحديثة مع تفاصيلها: كما حدث في التسجيل الوثائقي المرئي الصادر في نوفمبر 2010 تحت عنوان "ردع العدوان"، والذي فصل عمليات التنظيم خلال الفترة من 9 رمضان، وحتى منتصف شوال الماضي.

والملاحظ في هذا الفيلم أن القاعدة تبنت مجموعة عمليات سردتها وفقا لتقرير مفصل بالتاريخ، مع أنها لم تكن قد أصدرت بيانات سابقة بتبنيها.

تغيير قواعد اللعبة مع الحلفاء
ظل نظام الرئيس صالح يولي تنظيم القاعدة اهتماما خاصا مبعثه الأساس الاهتمام الدولي به منذ تبنيه تفجير البارجة الحربية الأمريكية (كول) في العام 2000، ليرتفع هذا الاهتمام أكثر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك. وعقب اندماج فرعي التنظيم السعودي واليمني تحت قيادة واحدة مطلع 2009، حظيت اليمن بالمزيد من الاهتمام من قبل المجتمع الدولي، بشكل خاص أمريكا والجارة السعودية.

خلاصة ذلك أن الرئيس صالح استطاع أن يقدم نفسه شريكا وحليفا مهما في محاربة القاعدة بعد أن دفع ضريبة ثمينة بالتخلي عن السيادة الوطنية مانحا الأمريكان صلاحيات واسعة للتدخل في محاربة القاعدة وفق اتفاقيات سرية تمكنهم وتتيح لهم استخدام كافة المحيط الجغرافي اليمني، البري والمائي والجوي، مقابل منحه الدعم المالي واللوجيستي مع تشكيل وحدات يمنية لمحاربة الإرهاب برعاية وتدريب أمريكي إلى جانب تحديث الآلة العسكرية اليمنية الرثة.

لكن، وإلى جانب مجموعة عوامل تتعلق بأسلوب تعامل الرئيس وتلاعبه مع الحلفاء، جاءت الثورة الشعبية اليمنية السلمية، لتحصر "صالح" في دائرة أكثر ضيقا إذ أضعفت قدرته في السيطرة على الحكم. الأمر الذي غير المعطيات لدى الحلفاء الذين يدركون حجم المخاطر التي ستنجم عن الإطاحة بالحليف الاستراتيجي، إلا أن إدراكهم لحجم المخاطر التي قد تنجم عن تشبثه بالسلطة ستكون أكثر كارثية.

وبناء على المعطيات الميدانية، عرف الحلفاء الغربيون والخليجيون أن سقوط صالح بات أمر حتميا، وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا، فتحولوا وفق ذلك إلى انتهاج سياسة واقعية تمكنهم من حجز المكان المناسب لدى الفاعلين الجدد في المشهد اليمني القادم.

ما زالت ضمن الأوراق  
لقد بدأ الحلفاء بإعلان التخلي التدريجي عن حليفهم اليمني اللعوب والمهدد بزوال حكمه. لكن الرئيس ونظامه كان ما يزال ممسكا بخيوط اللعبة الدولية فعمد إلى معاودة اللعب عليها بطريقته محاولا استثارة مخاوفهم عبر تسليم محافظة أبين للمسلحين المتشددين. بدأ ذلك في 28 مارس الماضي حين انسحبت قوات الأمن وحراسة مصنع ذخيرة في مديرية خنفر –محافظة أبين، ليستولي عليها المتشددون الذين يعتقد أنهم يتبعون تنظيم القاعدة بصورة أو بأخرى. 

بعدها، استغرق الأمر قرابة شهرين آخرين للتخطيط من أجل تنفيذ الخطوة التالية. وفي 28 –29 مايو، بدأ الانسحاب الثاني للجيش من عاصمة محافظة أبين (زنجبار) وتسليمها للمتشددين الإرهابيين الذين كانوا قد حصلوا على الذخيرة من الانسحاب الأول إلى جانب الفترة المناسبة للتدريب دون أية مضايقات من أحد ليبدءوا بتنفيذ المرحلة التالية: السيطرة على العاصمة وإعلان أبين "إمارة إسلامية". خلال يومين تم لهم ذلك دون مقاومة من أحد.

المتشددون الذين خلقوا لهم اسماً جديدا هو "أنصار الشريعة" ساروا وفقا للمخطط وكادوا أن يحصلوا على فرصتهم لتنفيذه بكل سهولة لولا أن قيادة اللواء 25 ميكا لم تنصع لأوامر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية (وهي المنطقة العسكرية التي ينضوي في إطارها)، حين دعته للانسحاب وتسليم المعسكر ومعداته للمسلحين.

ومؤخرا استطاع المسلحون المتشددون محاصرة اللواء (25) ميكا الذي لم تجد استغاثته نفعا في وصول الدعم العسكري لفك الحصار عنه مع المدد الغذائي الذي يحتاجه. لكن قبائل تابعة للمحافظة قررت مؤخرا مؤازرة وحدات الجيش الصامدة في الدفاع عن المحافظة ليتم خلال اليومين القليلين الماضيين الإعلان عن إحراز نصر وتقدم في مواجهة المسلحين وطردهم من بعض المواقع التي كانوا سيطروا عليها.

في تلك الأثناء أفادت تقارير صحفية - عظمها أمريكية– أن الولايات المتحدة تشارك في الهجوم ضد الإرهابيين في أبين عبر شن هجمات بين الحين والآخر تنفذها طائرات أمريكية بدون طيار أسفرت بعضها عن مقتل بعض قيادات القاعدة، بحسب ما أعلنته السلطات اليمنية التي قالت إن بينهم "عائض الشبواني"، فيما أعلن -في وقت سابق- عن نجاة "فهد القصع" القيادي في التنظيم المدرج اسمه ضمن قائمة تضم أهم (10) مطلوبين أمريكيا.

التشكيك في طبيعة المواجهات
لم تتأكد حتى الآن دقة تلك المعلومات، لكن الأمر الأكثر وضوحا هنا هو أن الإدارة الأمريكية تبدو سعيدة جدا بهذه الفرصة الأخيرة التي مكنتها من المشاركة في استهداف تنظيم القاعدة. وقبل أسابيع –24 يونيو، مع اشتداد المواجهات في أبين– كتب مدير معهد سياسيات الأمن الوطني في جامعة "جورج واشنطن" دراسة مطولة أوصى فيها إدارة أوباما باستغلال هذه الفرصة المناسبة في اليمن للقضاء على تنظيم القاعدة. وكان اعتبر أن الوضع غير المستقر الذي تمر به اليمن حاليا يمثل فرصة مناسبة لإنجاز هذا الهدف، أفضل من الوضع السابق الذي كانت عليه اليمن، كما لن يكون الوضع القادم أفضل مع طول الفترة الزمنية التي سيستغرقها إعادة بناء اليمن لتستقر من جديد، وبالتالي معاودة الهجوم على القاعدة. فحينها سيكون التنظيم –في نظر الكاتب– قد حصل على وقت كاف للتخطيط والمبادرة. 

في الواقع ثمة تشكيك كبير في أن ما يحدث في أبين هو مواجهات مع تنظيم القاعدة الحيقيقي. وأنه ليس سوى تنظيم قاعدة آخر من صنيعة السلطات.

صحيح أن هؤلاء المسلحين المتشددين أقوياء جدا، لكن معظم الأنباء الواردة من سكان محليين في المحافظة يجزمون أن هؤلاء هم فعلا قوة أخرى. وهي قد تعمل بالفعل وفق أجندة القاعدة الجهادية لكن قياداتها قديمة معروفة وأنشئت في المحافظة منذ زمن طويل تحت نظر السلطة. بل هناك من يؤكد أن تلك القيادات حظيت بدعم ورعاية حكوميين سابقا ولاحقا. وهي قوة ظلت متواجدة ومندمجة –في أحايين كثيرة- مع المجتمع المحلي وتعمل بحرية كاملة ولها معسكرات ومناطق معروفة للسكان منذ فترات طويلة. وقالوا إنها ظلت تظهر بشكل واضح لتقوم بممارسات متطرفة، ومن ثم تختفي -بين الحين والآخر- لتعود مرة أخرى كلما لزم الأمر. لكن ومع ذلك، كان من الممكن ملاحظة أن وجوها جديدة انضمت إليها لترفع من عددها، لاسيما خلال الأشهر القليلة الماضية. بحسب تصريحات عبر الهاتف لمصدر محلي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

ويزداد الأمر وضوحا –ربما- عند الحديث عن أعداد قتلى المسلحين الذين تعلنهم الجهات الرسمية بين الحين والآخر. وهي أعداد تفوق الإحصائيات السابقة لتنظيم القاعدة التي زعمتها الجهات الرسمية في تصريحات سابقة ومكررة. وقال المحلل اليمني المتخصص في شؤون القاعدة "سعيد عبيد" لوكالة رويترز إنه أحصى حوالي 300 من متشددي القاعدة تفيد المزاعم بمقتلهم منذ مطلع العام وهو نفس عدد أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذين تقول الحكومة إنهم يعملون في اليمن.

لكن ماذا يعني أن تورد السلطات الرسمية أسماء لقيادات معروفة في تنظيم القاعدة، قالت إنهم لقوا حتفهم في الهجمات الجوية الأخيرة، بينما أن بعضهم نجا منها؟ وبصيغة أخرى: هل يعني ذلك أن القاعدة تشارك فعلا في أبين؟

يعتقد مراقبون أن تلك التصريحات ليست سوى محاولة يائسة هدفها الإيحاء بأن تنظيم القاعدة هو الذي يعمل هناك، لاسيما بعد أن أثيرت شكوك كبيرة أن العملية برمتها عبارة عن لعبة مرتبة قامت بها السلطة لتسليم المحافظة للمتشددين بغية مخاطبة مخاوف أمريكا. وبالتالي القول إن غياب صالح يعني "سيطرة القاعدة" على البلاد.

ويلقى مثل هذا التشكيك أذانا صاغية، ليس فحسب لكون إعلان الوفاة جاء مباشرة عقب الضربة الجوية (أمر مثل هذا يتطلب وقتا للتأكد منه بحسب طبيعة المواجهات لاسيما في الضربات الجوية)، بل لكون القيادي في القاعدة "عائض الشبواني" الذي قالت السلطات إنه لقي حتفه الأربعاء الماضي (20 يوليو) كانت قد أعلنت مقتله في وقت سابق ضمن غارة جوية في يناير كانون الثاني 2010م. كما أن المدعو "عواد الشبواني" الذي قالت إنه قتل إلى جوار "عائض" الأربعاء في أبين، كانت قد أعلنت عن مقتله هو الآخر في 2009م.

مؤامرات واتهامات 
لم يكن ما سبق فقط هو مبعث التشكيك الوحيد في طبيعة المواجهات في أبين، وكنه الجهة التي تسعى للسيطرة على المحافظة، بل ثمة أمر لا يمكن أن يداخله الشك بأن الأمر يسير وفق مخطط تقف وراءه السلطة لغرض في نفسها (هذا الغرض سبق وأن أشرنا إليه وهو: مخاطبة مخاوف الغرب من قوة القاعدة وتصاعدها لاسيما بعد غياب صالح).

فاللواء 25 ميكا الذي وضع نفسه في موقف المدافع عن المحافظة رغم التوجيهات والأوامر التي تلقاها بالانسحاب، تكشف قياداته عن وجود مؤامرة لتسليم السلطة للمتشددين. حيث كشف مسئول عسكري كبير في هذا اللواء، في تصريحات أدلى بها السبت الماضي لموقع «المصدر أونلاين»، أن هناك «تواطؤاً ومؤامرة ضد اللواء".

واتهم قائد المنطقة الجنوبية اللواء مهدي مقولة وقيادات بوزارة الدفاع بالضلوع فيها بهدف إسقاط محافظة أبين بأيدي مسلحين متشددين. وقال المسئول العسكري الذي تحدث عبر الهاتف طالبا عدم الكشف عن اسمه "إن الإمدادات العسكرية والغذائية التي طلبها اللواء من قيادة المنطقة الجنوبية لم تصل حتى الآن". بل أكثر من ذلك، كشف عن تلقيهم أوامر عليا تأمرهم بالتوقف عن مواجهة المسلحين، وقال "على العكس لقد طلب منا ترك المعركة وعدم مواجهة المسلحين"، مؤكدا أنهم وخلال هذا الشهر فقط طلب منهم مرتين "تسليم اللواء بعتاده وتجهيزاته العسكرية والأفراد إلى المسلحين... الانسحاب وإخلاء الموقع وتركه للمسلحين".

بل يقول المسئول العسكري إن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية التي يتبعها هذا اللواء، كان قد رفض قبل أسبوعين طلبا تقدمت به أمريكا إلى الحكومة اليمنية أعربت فيه عن استعدادها لتعزيز اللواء (25) بالمواد الغذائية والعتاد العسكري الذي كان من ضمنه "طائرات مروحية".

ومع أنه أكد بعض المعلومات التي قالت إن ثمة ألوية عسكرية أرسلت للوقوف معهم، إلا أنه أوضح أن تلك الألوية" لم تستطع دخول مدينة زنجبار.."، مبينا أنه "كلما اقترب الحسم جاءت أوامر بالتراجع والانسحاب إلى الخلف".

وبحسب موقع المصدر أونلاين، فإن تصريحات المسئول العسكري هذا تزامنت مع دعوات قبائل أبين وجهتها لقيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة والمنطقة الجنوبية وطالبتها بـ"الكف" عن ما أسمته بـ"التآمر على اللواء"، كما طالبتها بـ"الوفاء معه وإلى ضرورة الحسم السريع".

تساؤلات معلقة
وإلى جانب ذلك كله، تبقى ثمة أسئلة ملحة يتوجب البحث عن إجابة لها، على شاكلة:
- لماذا لم تشارك وحدات مكافحة الإرهاب التي دربتها أمريكا في المعارك في أبين حتى الآن؟ مع أنها –كما قيل– شاركت في حملات أخرى ليس لها علاقة بمهامها التي أنشئت ودربت لأجلها؟

- لماذا لم يقو عود القاعدة إلا في إطار ومحيط المنطقة العسكرية الجنوبية التي تعتبر هي المنطقة الوحيدة التي لم تعلن تأييدها للثورة الشعبية السلمية؟

- لماذا بدأت القاعدة بالظهور والتصاعد في محافظة أبين لاسيما بعد أسابيع قليلة من تعيين اللواء صالح الزوعري -نائب وزير الداخلية- محافظا للمحافظة؟

وسيكون من المهم هنا الإشارة إلى أن الزوعري، عين في هذا المنصب الجديد في 3 مارس، أي قبل أسابيع ثلاثة تقريبا من استيلاء المسلحين المتشددين على مصنع الذخيرة في المحافظة في 28 مارس.

ويذكر أن الزوعري كان عين مشرفا على الحملة الأمنية العام الماضي 2010م ضد عناصر تنظيم القاعدة في مدينة لودر بمحافظة أبين, ومشرفا على الخطة الأمنية لبطولة خليجي 20 نهاية العام 2010).

وفي الأخير ثمة سؤال يفرض نفسه يتعلق بالهجوم الأخير –الأحد الماضي– على ناقلة الدبابات العسكرية التي كانت متجهة إلى أبين لدعم اللواء 25 ميكا، وهو:

- من أبلغ الإرهابي منفذ العملية أن حاملة الدبابات تلك ستخرج في مثل ذلك الوقت الباكر (8 ونصف صباحا) ليكمن لها جوار بوابة المعسكر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق