السبت، 23 يوليو 2011

لهذا يجب العودة إلى نقطة الصفر الثورية


تفاصيل بسيطة لم نأبه لها فعملت عملها في تأخير التحول السياسي المنشود

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
"يكمن النجاح من الانتقال من فشل إلى فشل، بعدم فقدان الأمل". ونستون تشرشل

للنظر في أسباب تأخر الثورة اليمنية عن إنجاز أهدافها في إحداث التحول السياسي المنشود -حتى الآن بعد قرابة ستة أشهر من انطلاق الثورة- خاض الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين في الداخل والخارج في مجموعة أسباب كان على رأسها العامل الخارجي ممثلا بالتدخلات الخارجية، بينما اعتبرت أحزاب المعارضة اليمنية (ممثلة بتحالف اللقاء المشترك) أحد أبرز العوامل الداخلية.

وإلى حد ما، فإن تلك التفسيرات، أو لنقل الفرضيات، تقف فقط على أجزاء من الحقيقة، غير أنها ليست الحقيقة كاملة. بل إنه، ومن منظار تاريخي بحت، تكاد التجربة العالمية أن تؤكد لنا أنه ما كان لأي ثورة شعبية واضحة الهوية لأن تفشل بسبب من تدخل عوامل خارجية أو حتى داخلية –من تلك الشاكلة– ما لم تكن ثمة عوامل داخلية أخرى قد ساعدت على ذلك، لعل أهمها ترتبط بـ: باليئة الثورية نفسها، وثقافة مكوناتها الإيديولوجية، والتي غالبا ما تخلق قاعدة قوية للتباينات القاتلة، وتعمل كمعيقة لعملية توجيه وإدارة مسار الفعل الثوري.

ثمة عوامل جوهرية، كان من الضروري التركيز عليها –وهو ما يحدث غالبا– لتفسير وتحليل الأحداث، كونها تفرض نفسها بقوة على السطح. وإن كان ذلك يحدث بفرض أهميتها في السياق العام، إلا أنه من النادر التركيز على أنه فعل "لاشعوري" مبعثه تلك السهولة لبلوغ تلك العوامل بشكل أسرع من غيرها. على أن مثل ذلك يحدث -معظمه- على حساب التفاصيل الصغيرة. تلك التي قد لا يكون من المهم التوقف عندها، ربما لكونها معلومة ومدركة في سياق حياتنا اليومية بحيث أصبحت جزء لا يتجزء منها، لكنها في حقيقة الأمر قد تحوي في عمقها على تلك التفاصيل الأكثر أهمية, والتي بها تكتمل أجزاء الصورة، وبدونها تكون إحدى أو أجزاء من حلقات السلسلة مفقودة.

• الجندي والصوفي في مواجهة الثورة
وهنا، إذا ما توقفنا عند الحالة اليمنية سيكون لزاما علينا إعمال وتفعيل تلك التفاصيل البسيطة –لا المعقدة– حتى يتسنى لنا استكمال أجزاء الصورة واكتشاف الحلقة/الحلقات المفقودة لاستكمال ربط حلقات سلسلة المسار الثوري.
بداية، يمكننا المقارنة بين مشهدين مختلفين، بسيطين لكنهما قد يحملان تفاصيل مؤثرة في سياق مسار الفعل الثوري. لعلنا جميعا، أو معظمنا تابع وشاهد بعض تصريحات عبده الجندي، وأحمد الصوفي، وغيرهما من متحدثي النظام القائم، على الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة. وأستطيع أن اجزم –وهذا ربما شأن الكثيرين مثلي- أن معظم تلك الشطحات والأكاذيب التي سيطرت على تصريحات تلك الآلة الإعلامية السلطوية، مع ما اكتنفتها من تناقضات وتباينات إلا أن مبعثها الرئيسي لم يخل من محاولات مستميتة لخدمة "ولي النعمة" رئيس النظام، ربما أكثر من خدمة النظام نفسه.

لكن، بالمقابل، يستطيع مراقب قريب من الساحات أن يكتشف بسهولة أن مجموعة من تلك التباينات والتناقضات التي سيطرت على تصريحات بعض القيادات الشبابية التي تتبع بعض الائتلافات والتكتلات الثورية، كانت معظمها، ربما، تعكس صراعا داخليا مبعثه الانتصار، إما لأيديولوجيات مسيطرة، وإما للنفس المتضخمة، في ظل بيئة سلبية من تباينات بينية نشأت على خلفية صراع الأشخاص أو التكتلات للسيطرة أو الاستئثار على توجيه المسار الثوري.
لم يكن الأمر عبارة عن تنوع حميد وتسابق إيجابي من شأنه العمل على تنوع وتعزيز وتقوية الفعل الثوري، كما كان يفترض، أو يتمنى البعض أن يكون كذلك. بل كان في معظمه أشبه ربما بـ"سلوك صبياني" لم يقتصر فقط على محاولة لفرض الهيمنة والتأثير، أو بهدف التذكير بقوة طرف على آخر، أو شخص على شخص، أو حتى مجرد ردة فعل طبيعية لبعض شخوص التأثير في المسار الثوري، بل وصل الأمر لإعلان العداء الواضح، وأحيانا الانتقام، وأكثر من ذلك: التآمر والتدمير. فكان شخص ما أو تكتل ما –على سبيل المثال– يعمد إلى إصدار بيان ما، ينسف فيه فعل أو نشاط أو دعوة لنشاط ما أعلنه الطرف الآخر المنافس الذي يكون غالبا بمثابة العدو الأقرب، مع أنه لم يكن هو الخصم أو العدو المفترض. وتوغل الصراع من إعلان طرف ما لمشروع يحدد معالم، أهداف، توجهات، وتكتيكات الثورة، إلى إعلان الطرف الآخر مشروعا آخر بتفاصيل أخرى، غالبا ما يتوخى خلاله نسف مشروع الطرف الآخر. حتى إن البعض كان يتبنى ويجاهر بالدعوة لفكرة الحسم الثوري عبر الزحف، لكن حين يبدأ الطرف الآخر بالتنفيذ على أرض الواقع، تنهال عليه الاتهامات التي تحمله تبعات ونتائج ما أقدم عليه. وعلى هذا فقس.

وفيما كانت مثل تلك التفاصيل السالبة تعتمل في الوسط الشبابي الثوري، وتتغول في جسده يوما عن آخر، كان لافتا أن القيادات العليا لتلك الإيديولوجيات، ظلت تنجح -غالبا- في إظهار تماسكها وتوافقها حول معظم تلك التفاصيل الصغيرة، ممتصة كل ما يند عن الأتباع المتحمسين. ولقد ظل ذلك يحدث حتى وقت متأخر من المسار الثوري، وتحديدا إلى ما قبل أسابيع قليلة من الآن، قبل أن تتعرض حالة التماسك البيني "المزعوم" لتشققات حملت معها إلى السطح تباينات ربما لم تكن أشد قوة مما يحدث في القاعدة، لكنها هنا تبدو أكثر تأثيرا على مبادئ الفعل الثوري. وحتى مع أن ذلك حدث من قبل أطراف قيادية محدودة، إلا أنه كان متوقعا ومنتظرا حدوثه، لاسيما أن البعض كان يدرك أن بعض تلك القيادات كانت تقوم بالدور ذاته ولكن بطريقة غيرة مباشرة عبر التسريبات وتغذية الصراعات والتباينات بين الأنصار، لتحقيق أهداف معينة، أو لفرض مواقف يفترض أنهم عجزوا عن فرضها في إطار النقاشات الداخلية أو خسروها أثناء التصويت في إطار ما يفرضه العمل التنظيمي التوافقي المنظم.

أثناء ذلك، كان الجندي، الصوفي، اليماني، والشامي، وغيرهم من ألسنة النظام، يعملون تباعا على معالجة أخطائهم بمحاولة تفادي تكرار التناقضات، والتذاكي في منهجة كذبهم وشطحاتهم لجعلها أكثر قبولا وتأثيرا.

ومؤخرا أثبت الجندي مدى قدرته الاستفادة من الأخطاء السابقة التي وقع فيها هو سابقا، أو وقع فيها زملاؤه، حين خفف من حدة الشطحات والوعود الكاذبة المتكررة، برفضه –هذه المرة، في آخر تصريح له- تحديد يوما بعينه لعودة "رئيسه" إلى اليمن بقوله "الرئيس بصحة جيدة وسيعود قريبا. فهو لا يزال بانتظار نصيحة الأطباء"، رافضا تأكيد شائعات تحدثت عن عودته الأحد أو الاثنين الماضيين وقال ردا على سؤال بهذا الخصوص: "لا أستطيع أن أؤكد ذلك".

في هذه الأثناء، كانت شخصيات قيادية في أحد ائتلافات الثورة، تتعرض لهجوم شرس من نظرائها في الساحة على خلفية مبادرتها بإعلان تشكيل مجلس انتقالي وطني حددت شخصياته بدون تشاور مع بقية الائتلافات الأخرى. بل حتى إنها لم تأخذ مسبقا رأي أو موافقة تلك الشخصيات التي وقع عليها الاختيار لقيادة هذا المجلس. ومع أن الفكرة بحد ذاتها كانت محل إجماع وتداول كبير، وتحظى بمطالب واسعة، إلا أن الجهة التي قامت بها يعتقد أنها مثار سخط كبير، كما أن توقيت الإعلان، ناهيك عن الجدل الذي تفرضه تلك الشخصيات التي تضمنتها قائمة المجلس، قد يعرض الفكرة للفشل.

إذ فيما رأى البعض الخطوة على أنها تسرع غير مدروس، وجاء فقط كمحاولة لاستباق أحزاب اللقاء المشترك (الذي أعلن قبل أيام مشروعا بهذا الخصوص)، يعتقد آخرون أنها ربما محاولة لإفساد ما عزمت على القيام به بعض الائتلافات الأخرى التي أكدت قبلها بأيام عن نيتها الإعلان عن مجلس انتقالي خلال أيام. لم يقتصر الأمر على الرفض العملي للإعلان بشكل صامت أو حتى الهادئ المتعقل، كما تفرضه أدنى معايير الالتزام بمبادئ التعاملات البينية في إطار أي شراكة قائمة على التعاون المفترض لتحقيق أهداف مشتركة، بل لقد تعدى البعض ذلك، إلى التسخيف، التشكيك، التخوين، وكيل تهم العمالة والتورط في تنفيذ مؤامرات خارجية وداخلية.. الخ.

ما سبق، ربما، يكشف عن ترسخ اختلالات معقدة في بنية قيادة الفعل الثوري الذي يعد أحد أهم أسباب نجاحه أو فشله وجود أو عدم وجود قيادة تنظيمية موحدة ومنسجمة تخطط وتقود الفعل الثوري لتحقيق أهدافه بفاعلية أكبر وتكاليف أقل.

ومثل هذه التفاصيل التي قد تكون في نظر البعض صغيرة، مفضلين تجاوزها لمصلحة الثورة، مقارنة بأسباب أخرى أكثر أهمية، إلا أنها مع ذلك تعد –في نظري– من أحد أهم الأسباب التي يمكن النظر إليها على أنها أخرت قطف الثمار في إحداث التحول السياسي المنشود حتى الآن.

• توحيد القيادة والشروع في التخطيط 
ثمة قاعدة عملية شهيرة مفادها "أن التركيز على النوايا وحدها لا يكفي، بل يجب أن يتم التركيز على القدرات أيضا".
يؤمن البعض أنه طالما امتلكت الثورة قوتها من حاجة حقيقية، واستمدت زخمها من إرادة شعبية راسخة، فإن الثورة تضمن استمراريتها. في الواقع، قد يكون ذلك صحيحا، بيد أنه لا يكفي لضمان تحقيق النجاح. الثورة –مثلها مثل أي شركة– كما أنها تكون بأمس الحاجة لترسيخ واستثارة العامل المعنوي، فإنها لا تنجح ما لم يترافق ذلك مع تخطيط سليم وكفاءة عالية لإدارة القدرات. الأمر بحاجة إلى إدارة قوة تلك الحاجة، وتوجيه زخم تلك الإرادة الراسخة وترجمتها في إطار استراتيجية كبرى واضحة وشاملة. وبمعنى آخر: وضع مخطط عام يتضمن الأهداف العامة ورفدها بتكتيكات وأساليب ووسائل مدروسة ومرنة توصلنا إلى تحقيق الأهداف بأقل التكاليف. إنه النجاح في ما يسمى بإدارة الموارد البشرية وفقا للموارد والقدرات المالية المتاحة.

وتكمن أهمية التخطيط، من خلال المبدأ القائل: "بدون تخطيط، فالنجاح هنا يتعلق بالحظ فقط". على أن هذا المبدأ يكون عدما ما لم تكن هناك قيادة موحدة تقوم على رسم الخطة، بداية، وتاليا تعمل على إدارة العملية بالتنفيذ والإشراف والمتابعة وفقا لما تتطلبه من تقسيم على مراحل وتوزيع الأدوار لكل مرحلة.

إن غياب القيادة الموحدة والكفوءة، تعني نتيجته الطبيعية: تشتت وتناثر القدرات المتاحة التي قد تزخر بها مكونات الفعل الثوري كل على حدة. الأمر الذي يعمل عمل التروس المتضادة في الآلة. وإن الترس الذي يدور إلى الأمام يوقفه ويعيقه ترس آخر يدور إلى الخلف. وهو ما يعني تعطل الآلة وتوقفها عن الإنتاج.

هذا بكل وضوح، ودون مواربة، هو ما يحدث ببساطة، في حالة الثورة اليمنية. لا يتعلق الأمر برمته بالعامل الخارجي المتآمر على الثورة، بقدر ما يتعلق بداية بأنفسنا نحن. وإذا كان هناك اليوم –بعد مرور ما يقارب الأشهر الستة– من يعتقد أنه سيكون من الصعب إعادة النظر وإصلاح الوضع، لاسيما بعد كل هذا الخراب، فإن الفرصة دائما ما تزال مواتية. فقط نحن بحاجة إلى التفكير أكثر بمصالح المجموع لا الجزء، التفكير أكثر بما سيكون عليه المستقبل المشرق فيما لو نجحت الثورة سواء تأتى ذلك بواسطتنا نحن أم بغيرنا، مقارنة بالحاضر المؤلم، والمستقبل الأكثر إيلاما فيما لو فشلت الثورة بسببنا.

وما لم يكن ذلك ممكنا، بأي حال من الأحوال، فسيتوجب على الطرف القوي أن يتحمل مسئوليته التاريخية بعيدا عن العواطف المعيقة أو سياسة المراعاة القاتلة، حتى لو تطلب منه الأمر أن يقسو على كل من يقف في طريق إحداث التحول عطفا على أي سبب من الأسباب بما فيها التعمد والقصد أم حتى "حسن النوايا" القاتلة.

وحتى يتحقق ذلك، علينا أن ننتقل إلى الخطوة التالية، وإن بشكل فردي طالما كان العمل الجمعي مستحيلا حتى هذه اللحظة. والتالي هنا هو: الشروع في العمل ورسم المخطط العام بشكل واضح. وسيكون علينا –هنا- ضرورة التوقف مليا لتقييم الحالة التي وصلت إليها الثورة حتى الآن.

علينا أن ننظر إلى الحالة على هذا النحو: طالما كانت هناك ثورة يقوم عليها ثوار يحملون نوايا عميقة للتغيير، لكنها وفي الوقت الذي توافرت فيه معظم عوامل حدوثه، لم تحقق هدف التحول المنشود، فالتوقف للتقييم سيكون معناه أن نعترف بداية بأن العملية بدأت بشكل عشوائي وغير مخطط له, لقد كان ذلك نتيجة محاكاة أو استلهام مفاجئ لحالة أو حالات ناجحة خلقت انطلاقة قوية لكنها توقفت عند مستوى معين من الإنجاز.

في مثل هذه الحالة سيتطلب الأمر إعادة ترتيب الأوراق من جديد. وقد يتطلب ذلك العودة إلى نقطة الصفر "نظريا"، وليس تراجعا حقيقيا على أرض الواقع، إنها عملية افتراضية على الورق تستلزم إعداد مخطط تفصيلي لتحقيق النجاح. وسيلزم ذلك دراسة الحالة وتحليلها وفقا لإحدى طرق أو أدوات التقييم المعروفة وأشهرها تحليل (SWOT). وهو تحليل يعتمد على دراسة: نقاط القوة، والضعف، والفرص، والتهديدات. مثل هذه العملية تعتبر ضرورية قبل الشروع في أي نشاط على أرض الواقع. ولذلك علينا افتراض أننا سنبدأ العملية من بدايتها بتلك الطريقة التحليلية ولكننا هنا سنأخذ بالاعتبار الحالة المنجزة وما تحقق خلالها حتى هذه اللحظة، وضمها إلى التحليل في إطار المعايير الأربعة السابقة.

إن هذا سيساعدنا على وضع وتحديد الاستراتيجية التالية التي تتبع الاستراتيجية الكبرى وهي هنا: إسقاط النظام، ومن ثم نحدد التكتيكات، أو الأنشطة العملية المدروسة والمزمنة التي توصلنا إلى تلك الغاية.

ومن الطبيعي أن يدخل في ذلك: الأخذ بعين الاعتبار "الوضعية الحالية التي سيتم فيها تطبيق المخطط". وحتى تكون الخطة ناجحة سيتطلب الأمر التوقف عند آخر نقطة لـ"الوضعية الحالية التي وصلنا إليها" للتركيز على نقاط القوة لتعزيزها، ونقاط الضعف لتجاوزها في إطار المخطط العام الجديد.

وهنا، في الثورة اليمنية سيكون الأمر الأكثر أهمية –ربما من وجهة نظري- بالنظر في كيفية تحويل نقطة الضعف المتمثلة بتعدد القيادة وتشتت الجهد الجمعي، إلى نقطة قوة عبر "توحيد الجهد المجتمعي الجماهيري" في إطار عمل تنظيمي موحد لتنفيذ المخطط العام وتكتيكاته. أي بمعنى آخر: تجميع القدرات بتوحيد جهود وأنشطة المقاومة المشتتة. أو –بالعودة إلى تشبيه الآلة: تحديد وحهة كل ترس من تروس الآلة بحيث يعمل كل منها على رفد الآخر، لا إعاقته وتدميره.

• دراسة استراتيجية الخصم 
وبفرض أن إنجاز المخطط العام تحقق وفقا للتوقيت المحدد لإنجازه، سيكون من المهم تضمين التحليل والدراسة أموراً أخرى تتعلق بتلك التفاصيل الخارجية التي ساعدت على منح الخصم (النظام وبقاياه) قوة الفعل والمواجهة والاستمرار، وذلك بهدف وضعها في سياق المواجهة المطلوبة لتحقيق النجاح.

وقد تعتبر مجموعة أخرى من التفاصيل البسيطة والدقيقة لكيفية عمل الخصم من الأمور المهمة التي لا يفترض إهمالها في سياق البحث عن أسباب تأخر الحسم الثوري ووضعها في السياق العام للاستراتيجية الثورية المفترضة.

وفي هذا الجانب ثمة أمر يتجاهل البعض أهميته كواحد من معيقات الحسم الثوري وهو: وجود أنصار للنظام لا يمكن تجاهل تأثيرهم هكذا بإفراد التركيز على المؤسسة العسكرية فقط. هؤلاء يمكن تقسيمهم إلى: 1- منحازون إلى الرئيس ونظامه بسبب مصالحهم السياسية والحزبية وكثيرا ما يدخل في إطارهم أولئك المتمصلحون من نفوذهم الحزبي والحكومي. 2- منحازون تحت قيود جغرافية مناطقية أكثر من كونه انحيازا متعقلا. 3- منحازون بفعل الضغط الاجتماعي: ويستغل هؤلاء مشايخ ذوو مصالح مالية ونفوذ وجاه يتمتعون بها من بقاء النظام. 4- منحازون بفعل العامل الاقتصادي، والمصلحة: وهؤلاء معظمهم يتحصلون على أموال الرعاية شبه الدائمة من قبل رموز في النظام والحزب الحاكم في الحارات والدوائر والمديريات. 5- منحازون عن جهل وغواية: وهؤلاء يقعون تحت تأثير آلة إعلام سلطوية تمارس الغواية العاطفية بالدجل والتضليل.

ولقد مارس الحزب الحاكم سياسة أخرى على مستوى التكوينات الاجتماعية الصغيرة مثل الحارات –وهذه تبرز في صنعاء أكثر من غيرها– وذلك من خلال تأزيم الحياة العامة مستخدما العامل الاقتصادي: إطفاء الكهرباء، انعدام الماء، انعدام الوقود، انعدام الغذاء..الخ. وبالتالي ارتفاع أسعار كل تلك الاحتياجات اليومية الضرورية. وعبر تكويناته التنظيمية وعقال الحارات التابعين والموالين عمد إلى استغلال تلك الظروف لمصلحته وفقا لسياستين:

الأولى: تقديم أموال الرعاية لكسب مجاميع معظمهم من فئة الشباب العاطلين في الحارات. ولقد لوحظ تشكل تكوينات أشبه بالعصابات في معظم الحارات في صنعاء، يوالون ويصدحون بولائهم للرئيس والنظام بصوت متحد مدعوم. وبهذا أمكنهم تحقيق غايتين: الإبقاء على صوت مرتفع داعم للرئيس والنظام في حواريهم، وتخويف سكان الحارات من العمل الداعم للثورة.

أما السياسة الأخرى: فقد تم منح بعض تلك المجاميع والتشكيلات –مع عقال الحارات والمسئولين الحزبيين النافذين- صلاحيات ونفوذاً عبر توزيع المواد الغذائية الضرورية للأسر المناصرة، إلى جانب توزيع مادة الغاز بأسعار حكومية، وكذا بيع النفط والديزل بعد توفيره لهم بسهولة، لدرجة أن تحول بعضهم إلى سماسرة معروفين في مناطقهم لبيع تلك المشتقات النفطية والتكسب من ورائها.

• تساؤلات بحاجة إلى إجابة، وقانون "نورفي" كمحفز
وعليه، سيكون لزاما على استراتيجية الفعل الثوري التوقف للإجابة على التساؤلات التالية:
- كيف يمكنك مواجهة تحديات خصمك الملحة لتجاوز المعيقات الخارجية؟
- ما هي قدرات الخصم التي تؤثر على نجاحك؟ وكيف تعمل على تحويلها لمصلحتك ما لم فإضعافها؟
- كيف يمكنك توصيل رسالتك لسكان الأرياف والمناطق البعيدة؟
- كيف يمكنك تنويع رسالتك ليفهمها الجميع: المثقفون في المدن، المزارعون، سكان الأرياف والمناطق النائية، والمنظمات الدولية..الخ؟

- هل يمكنك معرفة الأسباب التي جعلت البعض يواصلون مساندتهم للنظام، وبالتالي: صياغة رسالة خاصة تغير قناعتهم؟
- هل درست أسباب عدم قدرتك الوصول إلى الجنود المساندين للسلطة؟ ما هي استراتيجيتك للوصول؟ وما هو الأسلوب أو التكتيك الذي ستستخدمه للتأثير عليهم؟

وعلى ضوء القاعدة القائلة: "إن الحقائق لا تتحدث عن نفسها، بل عندما توضع في السياق يمكن الحصول على معنى.."، سيكون من السهل –في ظل السياق العام للتقييم– الإجابة على تلك التساؤلات ووضع الحلول المناسبة وفقا للتكتيكات التي يتطلبها كل محور من تلك المحاور.

وحتى لا يشكل العمل المنظم عائقاً لدى البعض بالنظر إلى صعوبة التنفيذ، أو اليأس من طول الوقت المطلوب لبلوغ الإنجاز، وبالتالي العمل على حرق المراحل والقفز على الاستراتيجية، فإنه وفي إطار التحفيز على الاستمرار في العمل، ثمة مجموعة من النصائح يساعدنا قانون "نورفي" على استلهام معانيها العميقة وتمثل حقائقها، وهي:
- أن لا شيء سهلٌ كما يبدو.
- أن كل شيء قد يستغرق وقتا أطول مما كنت تعتقد.
- قبل أن تشرع في شيء ما، يجب أن تنهي أشياء أخرى أولا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق