الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

براءة ذمة النائب


قصة تكذيب الرئاسة تصريحات مكتب عبدربه منصور هادي تكشف خلافاً داخلياً في أطر الحزب الحاكم


أعلن مكتبه عن خطورة الوضع وأعتبر أن تشبث حزبه بصالح سد أفق الحل ما أوصل ملف اليمن إلى مجلس الأمن..

لكن الغريب أن يأتي التكذيب من الرئاسة.. والقصة برمتها تكشف خلافاً داخلياً في اطر الحزب الحاكم  




المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
ربما لزم على نائب الرئيس، المفوّض بالحوار والتوقيع على المبادرة الخليجية، انتظار كل هذه المدة قبل أن يقرر الخروج عن صمته رافعاً الراية البيضاء أمام العالم. هاهو أخيراً قد أعلن، بالأمس، ما يشبه فقدانه الأمل في إمكانية إنقاذ اليمن من نزوات السلطة القاتلة.

هذا ما اعتقدته أنا. وربما سيؤمن مثلي كل من قرأ تصريحات نسبت لمصدر في مكتب النائب ونشرتها «بي بي سي» أمس الاثنين: 3 أكتوبر.

حتى مع أن المصدر لم يكشف جديداً سوى أن أكد تلك الحقيقة التي تم تداولها مساء الأحد/ ليلة الاثنين، عبر وكالات أنباء عالمية نسبة لمصادر «دبلوماسية غربية»، في أمريكا واليمن، بشأن «وجود توجه أمريكي بريطاني فرنسي – بموافقة خليجية، لإحالة الملف اليمني إلى مجلس الأمن الدولي».

في الواقع، إن تلك العبارة لا يختلف مضمونها كثيراً عما نسب لمصادر دبلوماسية غربية (في أمريكا، واليمن) نشرتها وكالة رويترز أمس. ما زاد عنها هنا وفقاً لمصدر «مكتب النائب» إضافته كلمتي «بموافقة خليجية»، وإشارته إلى أن الملف سيرفع إلى مجلس الأمن «لتطبيق المبادرة الخليجية وفقاً للبند السابع».

بينما أن شكل القرار الأممي لم يتخذ بعد بالنسبة لما ورد في تصريحات المصادر الدبلوماسية الغربية، لرويترز، أمس. حيث قالت تلك المصادر إن الدول الغربية تأمل في تكثيف الضغط على الرئيس اليمني للتنحي عن السلطة من خلال مشروع قرار مقترح في مجلس الأمن. وقال دبلوماسي غربي كبير في صنعاء «قرر المجتمع الدولي إننا بحاجة إلى زيادة الضغط الآن». وأضاف «لم يتخذ أي قرار بعد حول شكل القرار الذي ربما نسعى إليه... لكننا في حاجة إلى تخطي مرحلة البيانات في الوقت الراهن».

غير أن ما يعتقد أهميته هنا أن يأتي التأكيد حول تلك المعلومات من مصدر في «مكتب النائب»، من حيث أنه عرف ميله الدائم في ملازمة الصمت حول كل ما كان يمكن كشفه للرأي العام طوال فترة، ليس فقط تولية مسؤولية إدارة البلاد خلال الأشهر الثلاثة والنصف الأخيرة، بل طوال سنوات تولية منصب نائب رئيس الجمهورية.

ظل صامتاً متسماً بالوقار المفرط. وهاهو اليوم بدا وكأنه يتخلى عن الصمت غير مفرط بوقاره: «إن هادي بذل جهوداً كبيرة للخروج باتفاق لنقل السلطة سلمياً في اليمن قبل إحالة ملف المبادرة الخليجية إلى مجلس الأمن الدولي وصدور قرار بتطبيقها تحت البند السابع». أضاف المصدر في مكتب النائب.
الأمر هنا على ما يبدو، أشبه بـ «إخلاء ذمة» أمام الرأي العام المحلي قبل الدولي.

أزيد من ذلك، إليكم هذا التدفق: إن حزب المؤتمر الشعبي ـ الحزب الحاكم ـ متمسك بعدم تنحي الرئيس، وأن الطريق الوحيد لنقل السلطة سلمياً يتمثل في انتخابات مبكرة تشرف عليها دول الخليج والأمم المتحدة. أضاف خبر «بي بي سي» على لسان المصدر في مكتب النائب.

وفيما يبدو لي، فإن المصدر كان متأكداً مما يقول، بدليل أنه أشار في ختام تصريحاته إلى أن «الحزب سيصدر بياناً اليوم الاثنين [أمس] بهذا الشأن».

هذا يحدث لأول مرة في اليمن على هذا النحو: تصريحات على تلك الشاكلة، تصدر عن مصدر في مكتب النائب المنزوي دائما في ركنه الهادئ..!. ربما تأخر كثيراً، لكنه حدث وهو أفضل من أن لا يحدث.

ولكن، دعونا لا نفرط في التفاؤل. فلاحقاً، وبعد ساعات قليلة من انتشار تصريحات المصدر في مكتب النائب، صدرت تصريحات لـ «مصدر مسؤول» في رئاسة الجمهورية، تنفي ما نشره موقع «بي بي سي» منسوباً إلى مصدر في مكتب نائب رئيس الجمهورية.

بل إن نفي مصدر الرئاسة، كما يبدو، تجاوز حدود ما هو معقول، أو حتى لائق، حين اعتبر: «أنه ليس هناك أي شخص مخوّل بالتصريح باسم نائب رئيس الجمهورية». كأني به أراد أن يقول، ضمناً: إن النائب شخص يجب أن يكون فاقداً لحريته الشخصية ولا يجاوز له ترتيب أموره الإدارية عبر مكتب خاص به. عليه أن لا يتجاوز أسوار دار الرئاسة، وإلا احترق.

هل فعلاً كان خبر «بي بي سي» مختلقاً؟ 
إن كان كذلك، فلمَ لمْ ينفي الخبر مكتب النائب نفسه؟ في الواقع ثمة تساؤلات كثيرة بهذا الخصوص تبحث عن إجابة. كان يمكن أن يكون النفي «طبيعياً»، ومقبولا، مثلا، إذا ما صدر، وذلك الجزم «بعدم تخويل أي شخص» من مكتب النائب، لا من مصدر مبهم (غير مسمى) في رئاسة الجمهورية. وسبق لمكتب النائب أن نفى قبل أيام قليلة فقط ما ورد من معلومات في مجلة الحراس بخصوص «وجود مخطط انقلابي». هذا يعني أنه عملياً يمتلك الرشد لممارسة عمله الإعلامي دون أن يكون بحاجة لوصي على شاكلة تلك المصادر مجهولة الهوية في الرئاسة.

هناك من يعتقد أن النائب ربما أصر على رفض قبول فكرة النفي، فاستخدمت الرئاسة مهمتها الدائمة في نفي كل ما يصدر عن أشخاص الحكومة والنظام. حدث هذا كثيراً مع كثير من الوزراء وقادة الجيش. كانوا يفاجَأون بنشر تصريحات بأسمائهم، أو نفي - بأسمائهم أيضاً- لتصريحات قالوها فعلاً، غير أنهم كانوا عاجزين عن التوضيح ونفي النفي! كان ذلك في ظل قوة تسلط النظام وجبروته على موظفيه الذين كان يتوجب عليهم الانصياع تحت رغبات دار الرئاسة دون أن «ينبتوا ببنس شفة»، وإلا طالهم ما لا يحمد عقباه.

ما يجعل هذا الافتراض على درجة من الصواب أن مصدر مكتب النائب – كما أسلفنا – كان على درجة كبيرة من الثقة بحديثه عن «بيان» يصدره الحزب، الاثنين، بهذا الخصوص. أي بخصوص انسداد طريق الحوار. وبالتالي فإن الحل سيكون عبر انتخابات مبكرة تحت إشراف دول الخليج والأمم المتحدة.

في الحقيقة، ما صدر كان عبارة عن بيان مشترك للمؤتمر مع أحزاب التحالف الوطني (الموالاة). ومع أن البيان نوّه فعلا إلى «إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحقق انتقالاً سلمياً للسلطة»، في إطار المبادرة الخليجية، إلا أنه أشار أيضاً، في عبارات قليلة فقط ومقتضبة، إلى ما يؤكد أن الحوار مازال مستمراً مع المعارضة. وجاء ذلك على عكس ما افترضته تصريحات مصدر مكتب النائب بانسداد أفق الحوار.

ومع ذلك، يمكن القول أن صدور البيان، بحد ذاته ربما منح تصريحات «مصدر مكتب النائب» مصداقية إلى حد ما. بيد أن صدوره متضمناً تلك الإشارات المنسجمة مع تصريحات المصدر، بخصوص «الانتخابات المبكرة»، يرفع نسبة التصديق إلى حد مناسب. ومع ذلك، علينا أن نقول هنا إن تضمن البيان عبارات تناقض فكرة انسداد الأفق وتوقف الحوار، لا تقلل من تلك النسبة، من حيث يمكننا تفسير الأمر على نحو آخر. كأن نقول إن تغيير مضامينه المتعلقة بالحوار مع المعارضة إلى النقيض، إنما فرضه التماشي والتعاطي مع تغير معطيات الواقع بعد تدشين المجتمع الدولي مرحلة جديدة لتفعيل ضغوطاته حينما أعلن عشية الاثنين مناقشته مشروع قرار مقترح في مجلس الأمن بخصوص اليمن. إنه الأمر الذي من شأنه أن يغير فكرة التصادم إلى التسايس الممكن.

أو – ربما – وهذا وارد أيضا - أن اتفاقاً داخلياً في الحزب توصل إلى فكرة إصدار مثل هذا البيان الجزافي قسراً، فرأى النائب أن يسبقه بتوضيح موقفه كـ «براءة ذمة» مما يحدث وكشف بعض الحقائق. ربما لأعضاء الحزب، وربما للرأي العام المحلي والعالمي على السواء.

مع أن هذا قد يتعارض، من زاوية ما، مع ما نسب للنائب من تصريحات، في وقت لاحق من يوم أمس، أن الحوار مع المعارضة متواصل، وقد يتم التوصل لاتفاق بشأن الآلية التنفيذية خلال الأيام القليلة القادمة. كما نسبت له الوكالة في اتصال هاتفي مع مستشار رئيس الوزراء البريطاني لشؤون مكافحة الإرهاب السيد ألن روبن سيربي.

وللتوضيح فقط، فتلك التصريحات المنسوبة للنائب، على ذلك النحو، تم تكذيبها من قبل الناطق الرسمي للمشترك، محمد قحطان، الذي قال، أمس، في تصريحات للصحوة نت «إن ما تروجه بعض وسائل إعلام بقايا النظام عن وجود حوار مع المعارضة بعد رحيل بن عمر تضليل للرأي العام ومحاولة لبعث رسائل مضللة لمجلس الأمن من خلال إعطاء انطباع كاذب بأن هناك حواراً جاريا بين السلطة والمعارضة».

وعليه، قد تكون تلك التصريحات المنسوبة للنائب بهذا الشأن (وجود حوار مع المعارضة)، حقيقية فعلا، لكنها قد تكون منسوبة إليه فقط. في الحالة الأولى، يمكن عزو ذلك إلى تعرضه لضغوط من القصر الرئاسي، أو ربما تضليله من القصر أيضاً أنه يمكن خوض إعادة المحاولة مرة أخرى من الحوار مع المعارضة، مع إشارات أن الرئاسة يمكنها أن تغيير من موقفها بخصوص مناقشة ما تم التوصل إليه سابقاً بين النائب ومستشار الرئيس السياسي الإرياني، وبين قيادة المعارضة. نزولاً عند تهديدات الدول الأوروبية، وواشنطن الأخيرة.

وبالنسبة لاحتمالية أن تكون تلك التصريحات الأخيرة المنسوبة للنائب (بخصوص استمرار الحوار)، قد نسبت له دون أن يقولها فعلاً. فالأمر ممكن حدوثه بسهولة. إذ لا يمكن الحديث عن مضمون اتصال هاتفي يمتلك الإعلام الرسمي تحوير مضامينه والإضافة إليه قدر ما يشاء. في هذه الحالة من غير الممكن أن يقدم النائب على نفي التحوير والإضافة لتصريحاته. فحينها سيكون قد أعلن ليس فقط عداوته للرئيس، بل سيبدو وكأنه يريد أن يفجّر الوضع والوقوف مع الطرف الآخر. بالمثل ليس من الكياسة الدبلوماسية أن يصدر المسؤول البريطاني توضيحاً حول هذه الجزئية البسيطة.

ولطالما اشتهر الإعلام الرسمي بمثل هذه الإضافات والتحويرات. ولقد حدث ذلك كثيراً مع اتصالات المسؤولين اليمنيين مع مسؤولين ودبلوماسيين خارجين. بل كان يحدث حتى مع الرئيس نفسه أثناء تواصلاته التلفونية بمسؤولين دوليين. على سبيل المثال، ثمة قضية مشهورة في هذا الجانب تعلقت ببيان صادر عن الرئاسة بخصوص تفاصيل ما دار بين الرئيس ومسؤول أمريكي بشأن الحديث حول المعتقلين اليمنيين بجوانتنامو. لفق الإعلام الرسمي تفاصيل تتعارض مع حقيقة ما دار. ولأن القضية اعتبرت هامة بالنسبة للإدارة الأمريكية، فقد أصدرت السفارة بلاغاً صحفياً يكشف حقيقة التفاصيل. وكان مسؤول دبلوماسي غربي أكد لي، في وقت سابق، أن الإعلام الرسمي كثيراً ما يضيف تفاصيل غير واردة حول لقاءات الرئيس معهم. طبيعتها تتوافق مع تضليل الرأي العام الداخلي، ولأن معظمها لا تضر بالطرف الآخر، فيتم التغاضي عنها غالباً.

ما يحدث مع النائب في نظري ليس سوى أن القصة برمتها تحكي واقعاً صدامياً داخل تيارات الحزب المتباينة، وباتت تفيض على السطح لتتضح تدريجياً بشكل أكثر جلاء. وإنها – في خلاصة الأمر- تكشف ارتباكاً وانسداداً داخل أطر الحزب نفسه – قبل أي شيء آخر - بين تيار يعتقد أن لا مستقبل له بعيداً عن رئيسه، وهو هنا ممثل بتيار «الصقور»، وآخر يمثل تيار «الحمائم» ويرى أمام عينيه حقيقة أن مستقبل الحزب ينسل من بين يديه، فيما أنه مازال قادراً على الحفاظ عليه بقبول فكرة التخلص من بضعة شخوص لم يعودوا مقبولين ليس لدى الشعب فقط، وإنما لدى المجتمعين الإقليمي والدولي.

وربما أن النائب قد بدأ بالفعل تدشين عملية الحفاظ على هذا المستقبل، وإن بخطوات بطيئة ومحسوبة ما تزال خائفة. واضعاً نفسه في مواجهة مخالب الصقور، فإما أن تخدشه وإما أن يقص لها مخالبها حفاظاً على الجسد، وباستطاعته أن ينجح اليوم، إن قرر فعلاً أن يقوم بذلك. فهو يمتلك قوة جديدة منوّعة بين تأييد دولي وداخلي: شعبي ومعارض، ما كان ليتمتع بها لو لم يبدِ علناً جسارته في قطع خطواته الأولى نحو ذلك.
---------------------
نشر في صحيفة المصدر المستقلة - العدد 176 - الثلاثاء: 4 اكتوبر 2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق