الجمعة، 14 أكتوبر 2011

دراسة جديدة للباحث الأمريكي جريجوري جونسون عن: إعادة ضبط السياسية الأمريكية تجاه اليمن


جونسون: على إدارة أوباما إزاحة أبناء صالح وأقاربه من السلطة كي تنجح عملية التحول السياسي في البلاد


- ترجمة خاصة: عبدالحكيم هلال
أكدت دراسة حديثة انه يتوجب على الإدارة الأمريكية أولاً العمل مع شركائها في دول الخليج – وخصوصا المملكة السعودية - على إزالة العائق المتمثل بأبناء صالح وأولاد أخيه من الطريق حتى يتسنى لها النجاح في مساعيها لإحداث التحول السياسي في اليمن.

وقالت الدراسة التي أعدها الباحث الأمريكي جريجوري جونسون: «إنه لمن المستحيل أن تمضي اليمن قدماً طالما ظل أبناء صالح وأولاد أخيه في وضع يستطيعون فيه إحباط الصفقات التي يرون أنها غير مناسبة لهم»، مضيفة «وعليه، يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها في الخليج لإزالة هذا العائق من الطريق حتى ينجح التحول السياسي».

وقدّم الباحث المتخصص بالشأن اليمني، عدة نصائح في هذا الجانب، قائلاً إنه يتعين على الإدارة الأمريكية البدء بممارسة الضغط على الأولاد للتنحي عن السلطة وذلك عبر استخدام عدة خيارات منها التحذير الأولي بقطع أموال المعونات العسكرية الأمريكية، إلى جانب تحذيرهم بأنهم سيكونون مستهدفين بشكل مباشر بعقوبات الأمم المتحدة في حال رفضهم التنحي وعدم الموافقة على إعادة تشكيل الجيش.

الدراسة نشرت باللغة الإنجليزية على الموقع الخاص بـ«مجلس العلاقات الخارجية»، الأمريكي، بتاريخ 27 سبتمبر الماضي. وقام المصدر أونلاين بترجمـة خاصة لها ونعيد نشرها فيما يلي:

إعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاه اليمن
بقلم: غريغوري جونسون *
تنزلق اليمن باتجاه مستقبل مجهول وخطير. وفي أوائل يونيو 2011، كان الرئيس علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد للسنوات الـ 33 الماضية، قد نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال. وفي اليوم التالي غادر إلى المملكة العربية السعودية لتلقي علاج طبي طارئ، حيث بقي هناك لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يعود بصورة مثيرة وغير متوقعة إلى صنعاء الأسبوع الماضي.

وأثناء غيابه، انتقل نجل صالح البكر، أحمد، والرباعي من أبناء أخيه إلى القصر الرئاسي، الأمر الذي ينذر بنشوب حرب مفتوحة في حال ما لو كان هناك تحرك في اتجاه إحداث عملية انتقال سياسي. وكان قد اصطف ضد صالح وورثته تحالف مزعج من الخصوم السابقين كما وتخلى عنه مجموعة من الجنرالات والذين يتفقون جميعاً على نقطة واحدة ووحيدة فقط: لا يمكن لصالح أن يكون رئيسا للبلاد بعد الآن.

وتقريباً نصف عدد الجيش النظامي انشق تحت قيادة على محسن الأحمر، الجنرال الذي ينتمي لقبيلة صالح نفسه. ومع ذلك إلا أن الأمر يعتبر ابعد بكثير من كونه معركة ذات شقين بين رفاق السلاح القدامى. فقد استغلت جماعات مسلحة عديدة تمزق سلطة الدولة إلى ما هو أبعد من أجندتها الطائفية الخاصة. ففي الشمال، بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية، عزّز الحوثيون من سيطرتهم على مساحات شاسعة من الأرض. وفي المحافظات الجنوبية في أبين وشبوة، أثار مقاتلون لهم ارتباط بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) موجة هلع مخيفة، باجتياحهم المدن والقواعد العسكرية. ولم تكن أي من فصائل الجيش مستعدة لمواجهة المسلحين بعزيمة وبشكل مفتوح خوفاً من إنهاك أنفسهم قبل حرب أهلية محتملة.

وفي خضم هذا المزيج الضبابي من المصالح المتنافسة، ظلت سياسة الولايات المتحدة تسير على غير هدى [عائمة]. وبتركيزها على الخطر الذي يشكله تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة، كثفت إدارة أوباما الغارات الجوية وضربات الطائرات بدون طيار بشكل كبير في اليمن. وفي أحسن الأحوال، فإن التكتيك المتأخر هذا صمم من أجل الإبقاء على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خارج التوازن حتى يتمكن الجيش اليمني من مسك زمام المبادرة.

إن القوة الجوية وحدها لا تكفي لهزيمة القاعدة في جزيرة العرب. وفي الواقع، فإن قاعدة جزيرة العرب قد تزداد قوة فعلا نتيجة للضربات. إلا أن أكثر ما يبعث على القلق، أن يعتبر هذا بمثابة المكسب الثاني لتنظيم القاعدة في البلاد. وكانت المكاسب التي تحققت في عامي 2002 و2003 قد ذهبت هباءً بفعل سنوات من الإهمال عندما تأرجحت سياسة الولايات المتحدة من أزمة إلى أخرى دونما وجود نظرة بنيوية شاملة. وما هو مطلوب الآن في اليمن هو أن يعاد ضبط الاستراتيجية بحيث تحقق الأهداف الثلاثة التالية: البدء بعملية انتقال سياسي فوري من القمة، مهاجمة المنابت [الجذور] الداعمة لتنظيم القاعدة في اليمن، وتعبئة مجلس التعاون الخليجي (GCC) لتنشيط الاقتصاد اليمني الفاشل.

• التحدي في اليمن
على مدى العقود الثلاثة الماضية حكم الرئيس صالح اليمن من خلال إشغال جماعات المعارضة المختلفة ضد بعضها البعض. إن هذا النموذج من الحكم الاستبدادي وشبكة الرعاية [المحسوبية]، والتي يكافئ من خلالها حلفاء صالح بينما يتم مضايقة خصومه، قد أدى إلى تنفير فئات كبيرة من السكان. وبحلول عام 2004، ساعد [هذا النموذج من الحكم] في إثارة ثورة عشائرية في الشمال. كما أن الفساد المستشري وسوء الحكم ساهما أيضا في نشوء حركة انفصالية في الجنوب في السنوات الثلاث التالية، وأبعد من ذلك ساهم أكثر في تقويض الاقتصاد اليمني الهش على الدوام.

وعلى الرغم من أنها أدركت هذه المشاكل، إلا أن الولايات المتحدة كانت تهتم في المقام الأول بالتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة – وهو التهديد المسلح الذي كان يقلق صالح والحكومة اليمنية بدرجة أقل من غيره. وقد اعتمدت واشنطن بشدة على الغارات الجوية والطائرات بدون طيار، التي تحد من الخطر المباشر على موظفي الخدمة الأمريكيين، ويمكن انجازها بتكلفة أقل من الوسائل العسكرية التقليدية. لكن مثل هذا النهج كان له عيوب جوهرية: فالصواريخ الطائشة وسقوط ضحايا من المدنيين ساعدا على خلق جيل جديد من المقاتلين أكثر تطرفا، كما وأقنعت الكثيرين بأن اليمن - مثل العراق وأفغانستان – تعتبر في الوقت الراهن بمثابة المسرح الشرعي للجهاد.

• عناصر إستراتيجية ذات نطاق أوسع 
وبالنظر إلى المشاكل المتداخلة والعميقة في اليمن، فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تكون واقعية حول ما يمكن إنجازه هناك. وبسبب الموارد المحدودة والشهية الشعبية المغلقة أمام أية أعباء سياسية خارجية إضافية تزيد من إنهاكها في هذا الوقت، فإنه يتعين على الولايات المتحدة الاستفادة من قوة ونفوذ الجهات الإقليمية الفاعلة، وبدرجة رئيسية المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من أن العلاقات مع المملكة باتت أكثر تعقيدا منذ بداية الصحوة العربية، إلا أنه ما يزال هناك مجالا للتعاون بخصوص اليمن.

وفيما يشبه - إلى حد كبير - علاقة الولايات المتحدة مع المكسيك، فإن المملكة العربية السعودية تنظر إلى جارتها الجنوبية باعتبارها مصدرا لعدم الاستقرار ولمشاكل محتملة خلال السنوات القادمة. وكما يمثل وجود يمن غير مستقر تهديدا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة، فإنه يمثل تهديدا اكبر بكثير بالنسبة للمملكة العربية السعودية تواجه مخاطر أكبر بكثير.

وما زالت المملكة على استعداد لحماية رهاناتها، إلا أن هناك إدراكاً متزايداً داخل الرياض أنه على الرغم من عودة صالح إلا أنه لن يكون قادراً على إعادة توحيد البلاد. وانه كلما طالت مدة بقاء صالح رئيسا للبلاد، كلما ازداد وضع اليمن سوءاً.

إن كلاً من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تتفقان إلى حد كبير حول المشاكل الرئيسية في اليمن: الحاجة الملحة لإحداث عملية الانتقال السياسي، خطر تنظيم القاعدة، والتهديد المتفاقم للاقتصاد اليمني الهش. وإن أياً من الولايات المتحدة أو السعودية لن تكونا قادرتين من القضاء على التحدي الذي تواجهه اليمن إذا عملتا بشكل منفرد، غير أنهما ستكونان قادرتين على المساعدة في كبح الانهيار المتواصل للبلاد فيما لو عملتا مع بعضهما بعضاً.

• مرحلة التحول السياسي
إنه لمن المستحيل أن تمضي اليمن قدماً طالما ظل أبناء صالح وأولاد أخيه في وضع يمكنهم من إحباط الصفقات التي يرون أنها غير مناسبة لهم. وعليه، يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها في الخليج لإزالة هذا العائق من الطريق حتى يتسنى لها النجاح في إنجاز التحول السياسي.

في العام الماضي، خصصت الولايات المتحدة 75 مليون دولار لمساعدة قوات مكافحة الإرهاب اليمنية في إطار وزارة الداخلية كما قدمت المزيد من الملايين لوحدات أخرى، بما فيها تلك التي تقع تحت قيادة نجل صالح البكر. وعليه، ينبغي على الولايات المتحدة، بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، إبلاغ أحمد وأبناء عمومته بأن هذه الأموال إلى جانب الموارد المالية التي تقدمها دول مجلس التعاون الخليجي، سيتم قطعها، وكذا تحذيرهم بأنهم سيكونون مستهدفين بتطبيق عقوبات الأمم المتحدة إذا لم يتنحوا ويوافقوا على إجراء إعادة الهيكلة في الجيش وتشكيل مجلس عسكري انتقالي. كما وينبغي لهذا التحذير أن يعرض على ثلاث مراحل. أولا، سيتوجب على الولايات المتحدة، بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية، إيصال رسالة بشكل شخصي تتضمن عرضا بخروج مشرف [يحفظ ماء الوجه] ولكن مع التأكيد لأقارب صالح المباشرين بأن الإجراءات التأديبية [العقابية] ستتخذ في حال رفضهم التنحي.

وإذا فشل هذا الأمر، فحينها سيكون من اللازم تحذيرهم بشكل علني. وأخيرا، إذا كانوا ما زالوا يرفضون التنحي، فإنه ينبغي أن تقطع أموال المساعدات كما ينبغي للعقوبات أن تجد طريقها للتنفيذ. إن أحمد وأبناء عمومته يعتمدون اعتمادا كبيرا على المال لتأمين الولاء الدائم للقوات التابعة لهم. ومن دون ذلك، فإن العديد من أفراد الحرس الجمهوري سينضمون إلى التحالف المناهض لصالح.

وإنه في حال ما إذا لم ينجح أسلوب التنسيق في قطع النقود والعقوبات، فينبغي على الولايات المتحدة انتهاج سياسة العزل القسري [الإجباري]. ولكي تنجح، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة إلى سحب من تبقى من حلفاء صالح المحليين المهمين– مثل أعضاء البرلمان، الوزراء، وشيوخ القبائل - من خلال الضغط إلى جانب الإغراءات إلى أن يتم عزل صالح وعائلته المقربين بشكل كلي.

• مهاجمة جذور تنظيم القاعدة 
لم يسبق على الإطلاق أن واجهت المؤسسات الفرعية التابعة لتنظيم القاعدة الهزيمة عبر استخدام القوة وحدها. وإن المرة الوحيدة التي تم فيها تفكيك مؤسسة فرعية تابعة للتنظيم بنجاح كانت في المملكة العربية السعودية، في الفترة من 2003 إلى 2006، عندما انقلب السكان على الجماعة الإرهابية.

ولتكرار النجاح ذاته في اليمن، فإن الولايات المتحدة بحاجة لأن تتشارك مع حكومات كل من اليمن والمملكة العربية السعودية في التصدي للدعاية المضللة [البروباجندا] التي يقوم عليها تنظيم القاعدة. وسيتوجب على واشنطن والرياض محاولة إثارة الجدل العام حول أفكار تنظيم القاعدة وأساليبها، بأن تلفت انتباه الجمهور إلى حقيقة أن الجماعة تعمل على قتل المدنيين وتنتهك المعايير الإسلامية بشكل متواصل. إن تجربة الرياض تقوم على أساس استخدام القوة الناعمة لإضعاف القاعدة في المملكة العربية السعودية وإن معرفة مسؤولين يمنيين بالساحة المحلية سيكون أمراً حيوياً من شأنه أن يضمن عدم استبدال المتطرفين بالسرعة نفسها التي يقتلون بها. ومن جانبها، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تشارك بفريق صغير من الدبلوماسيين الناطقين باللغة العربية ذوي الخبرة في شؤون اليمن.

وجنباً إلى جنب مع زملائهم السعوديين واليمنيين، ينبغي على صانعي السياسة الأميركية إنشاء مركز مشترك للتوعية العامة [الشعبية]. المركز سيسعى إلى حرمان تنظيم القاعدة من واحدة من دوافعه الرئيسية: الإصرار على امتلاكه الحق العام بدون منازع. وفي الوقت الراهن، لا يوجد كيان في اليمن يتحدث باللغة العربية ضد تنظيم القاعدة، وهو ما يعني أن المنظمة قادرة على صياغة رسالتها الجماهيرية دون منافس. وإن مركز العمل المشترك سيعمل على جعل إسم تنظيم القاعدة كمرادف للإرهاب في اليمن كما هو الحال في الولايات المتحدة.

• صندوق خاص 
كما سيتوجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تشارك مع دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء صندوق خاص من أجل المساعدة على استقرار الاقتصاد اليمني وتوفير المساعدة الإنسانية في أعقاب رحيل صالح. وإن رأس المال الأولي للصندوق، والذي يتوقف على ترك صالح لمنصبه، يجب أن يبدأ بأكثر من ملياري دولار تقدم من دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت تعهدت بها في مؤتمر لندن عام 2006 لكنها لم تقدم بسبب المخاوف من الفساد.

كما يجب أن يكون هذا الصندوق تحت رئاسة مدير الصندوق العربي، مع جميع البلدان المانحة والمؤسسات الممثلة في المجلس. إن هذا من شأنه أن يفعل كثير من أجل القضاء على العشوائية التي تواجه المانحين بسبب فشل التنسيق، والذي غالبا ما أعاق الكثير من الجهود في هذا الجانب في السابق. وبمجرد استقرار الاقتصاد، فإن تركيز الصندوق يجب أن يتحول إلى تمويل الاستثمارات طويلة الأجل والتي تهدف إلى خلق فرص العمل والتدريب التقني.

إن أياً من هذه التوصيات لن تعمل على تحويل اليمن بشكل خارق إلى ديمقراطية نموذجية بين عشية وضحاها، ولكن بالعمل مع بعضنا البعض سوف نكبح الانحدار المتسارع للبلاد نحو الانهيار، وسنحرم تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتشددة من فرصة استغلال الاضطرابات للقيام بأعمال من شأنها أن تهدد أمن الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.

وعلى أية حال، كلما انزلقت اليمن إلى مزيد من الفوضى تضاءلت فرصة تطبيق هذه التدابير [الإجراءات] بشكل أسرع.

------
*غريغوري دي جونسون باحث متخصص في الشأن اليمني وهو زميل سابق في برنامج فولبرايت (Fulbright) في اليمن، وحالياً مرشح لدرجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون.
- المادة نشرت في صحيفة الصحوة (الخميس 14 أكتوبر 2011) بالتزامن مع موقع المصدر أونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق