الأربعاء، 11 يناير 2012

ما يدركه الجميع عدا صالح



المجتمع الدولي كأحزاب المشترك.. باتوا على خبره كافية ليدركوا تماما مع من يتعاملون اليوم


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
تفصلنا أسابيع قليلة فقط عن الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة ثورة الشعب اليمني (15 يناير بخروج أول مسيرة طلابية منادية بإسقاط حكم صالح) ضد نظام حكم كرست كل تفاصيله لرئيس وأسرته.

وربما كان للقدر مصادفاته الرمزية وإشاراته الروحية المجسدة للحق وحقائقه بأن يكون اليوم الأول الذي نصبت فيه أول خيمة في ساحة التغيير بصنعاء في 21 فبراير 2011، هو اليوم الأخير لصالح في السلطة. على افتراض أن تجرى الانتخابات الرئاسية لانتخاب رئيس جديد للبلاد في 21 فبراير القادم، بحسب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

ومع ذلك، على ما يبدو أن تلك المخاوف التي حذر منها كثيرون، بدأت ملامحها تتجسد في مجموعة من السلوكيات المعيقة، التي ربما ترقى لتكون مقدمات واضحة للتنصل عن التنفيذ، وبالتالي خوض معارك سياسية إضافية، يخشى البعض أن تتعقد وتسد معها أفق الحلول الممكنة لتتحول إلى معارك عسكرية طاحنة. حتى إن ثمة من ظهر ليتحدث عن الحاجة للمزيد من التفاصيل، المزيد من الأوراق والاتفاقيات المتضمنة شروحاً تفسيرية للآلية التنفيذية..!

بات لدينا، في الوقت الراهن، والمجتمع الدولي الوسيط، كثير من الأوراق الموقعة، وكثير من الاتفاقيات، ومعها كثير من الالتزامات، وهناك قرار مجلس الأمن الدولي، وإلى جانبه تقرير وتوصيات المفوضية العليا لحقوق الإنسان..

لكن، ومع كل ذلك الإرث المستندي، الإجرائي والنظري، إلا أن معظمنا مازال يفتقد للأمن الداخلي في قرارة نفسه، خشية الخديعة والغدر المتأصلين في قلب رجل ظل قابضاً على مفاصل السلطة والفعل، طوال فترة تجاوزت ما هو أبعد بكثير من نقطة الممكن في علاج مرض التسلط.

ومع ذلك، فقد وقع صالح على قرار تنحيه بنفسه. ولكن، ربما وقع ليغدر، لا ليغادر..! وهذا - في نهاية المطاف- هو ما جهد صالح ونجح فعلاً على تكريسه في نفوس كثيرين. أولئك الذين يعتقدون اليوم إنه إنما يعول على تلك المسافة التي تتيحها له الآلية التنفيذية من خلال بقائه في السلطة، ليتلاعب مجدداً ويمارس غوايته في النكوص والخديعة. وهو إن لم يسعفه الوقت وتعقيدات الواقع في الانقلاب على مبدأ الرحيل أو حتى تأخيره، فربما على الأقل سيكون بمستطاعه خلط الأوراق، وربما أيضاً السعي لتحقيق بعض الإنجازات على أرض الواقع، والتأسيس لصناعة مستقبل مختلف يرى أنه يجب أن يتجاوز الواقع ورغبات خصومه وما يرسمه مناوئوه له ولأسرته.

وليس بمستبعد أن يتطلب مثل ذلك محاولات يسعى من خلالها إلى تصفية بعض خصومه الأقوياء، سواء في حزبه – ممن بات يشعر بمخالفتهم لرغباته وربما رغبتهم في إزاحته – أو من قيادات أحزاب المشترك والمشايخ والقادة العسكريين، ممن يشعر بأنهم سيكونون حجر عثرة أمام هذا المستقبل الذي يسعى لصناعته.

إن قانون الحصانة المثير للجدل، والذي من الواضح انه يعول عليه كثيراً في تأمين المستقبل له ولأولاده وأتباعه المقربين، ليس فقط سيمنحه حصانة الإفلات من العقاب، بل قد يمنحه القدرة على تحقيق أهدافه تلك والتحرك بحرية وآمان في خضم الفعل السياسي خلال المرحلة القادمة. وعوضاً عن ذلك، فهو قانون يتوقع أن يثير جدلاً داخلياً وخلافات بين مكونات أحزاب المشترك والثوار، ما يمكنه من استغلاله في مصلحته.

على أن ذلك ربما لن يتحقق كله أو بعضه على أرض الواقع في حال ظل المجتمع الدولي الوسيط مواصلاً رقابته عن كثب، حريصاً على مواصلة مسيرة الإنقاذ، في الوقت الذي يتوجب فيه أن يكون قادراً ليس على التهديد فحسب وإنما على اتخاذ قرارات تنفيذية قوية وعقوبات رادعة وشجاعة ضد كل من يثبت عرقلته عملية التنفيذ.

إن أحزاب المشترك اليوم، من جهتها، باتت أكثر خبرة وتجربة بألاعيب صالح وخدعة، وهي لذلك من الواضح أنها قررت أن تواصل عملية تنفيذ المبادرة وآليتها التنفيذية جنباً إلى جنب مع المجتمع الدولي. ومع أنها تدرك جيداً حجم تلك الصعوبات التي ستواجهها ليس فقط من خلال العراقيل والألاعيب المتوقعة من جهة حزب صالح فحسب، بل أيضاً تلك الصعوبات الآتية من جهة رفض الشارع الثائر بسبب تنفيذ بعض النقاط المثيرة للجدل، ومع ذلك إلا أنها قررت المضي قدماً بكل شجاعة، كونها تدرك النتائج التي ستتحقق للوطن ككل من وراء ذلك على المدى البعيد.

والحق، أن من يراقب تصرفات صالح وأبرز معاونيه فإنه سيلحظ أن ثمة تخوفاً من سلوك أحزاب المشترك الأخير في تمهيد الطريق لتنفيذ بنود المبادرة من طرفها بكل حماس، بما في ذلك إصدار قانون الحصانة واختيار مرشح التوافق للرئاسة عبد ربه منصور هادي. وهو ما يثير حفيظة الطرف الآخر، الذي ربما كان يخطط للتنصل عن التنفيذ ولكن بعد أن تمنحه أحزاب المشترك المبرر أولاً. وهو ربما كان - لبلوغ ذلك - يعول على تكريس الخلافات القائمة بين أحزاب المشترك مع مكونات الشارع المندفعة بقوة نحو رفض مجموعة من البنود التي تضمنتها المبادرة وآليتها التنفيذية مثل: بقاء صالح في السلطة لثلاثة أشهر إضافية، ومنحه ومعاونيه الحصانة من المحاكمة وكذا الاتفاق على انتخاب عبد ربه منصور هادي مرشحا وحيدا للرئاسة.

وفي جلسة مجلس النواب الاثنين (9 يناير)، فشل مخطط آخر لحزب صالح (بعد فشل مخطط الاستفزاز الذي حدث مع مسيرة الحياة والذي كان يهدف من ورائه إلى إحداث تصدع وتفكك نتيجة الخلافات بين مكونات الثورة مع أحزاب المشترك). وتنبهت كتلة المشترك بمجلس النواب لهذا المخطط الجديد حين لم تأكل الطُّعم الذي قدم لها من رئيس المجلس الراعي الذي كان طلب بضرورة أن يقرأ أحد أعضاء كتلة المشترك قانون الحصانة ويدرجه ضمن جدول المجلس بدلاً عن الحكومة. وكان يهدف من ذلك إلى إثارة الشارع - الرافض للقانون – ضد المشترك الذي كان سيظهر على أنه هو من يسعى قبل المؤتمر لمنح صالح الحصانة. لكن المشترك بدلاً من ذلك كان هو من أوقع حزب صالح في مصيدة أخرى حين قدم عريضة موقعة من مجموعة من الأعضاء تدعو كتلة المؤتمر للموافقة على إعلان عبد ربه منصور مرشحاً توافقياً وحيداً للرئاسة تنفيذاً لبنود المبادرة الخليجية. وهو ما أثار ارتباكاً داخل كتلة المؤتمر، التي ظهرت وكأنها ترفض هذا الترشيح. ما يعزز، ربما، حقيقة تلك التسريبات عبر الصحافة بوجود خلافات بين صالح ونائبه.

على أن مثل هذه القضايا، من وجهة نظر أخرى، توحي بوجود إشكالية عميقة تتعلق بمسألة انعدام الثقة بين طرفي حكومة الوفاق الوطني. وهذا بحد ذاته يتناقض تماماً مع أهم القواعد الأساسية التي تؤسس على ضوئها أي حكومة وفاق وطني: ضرورة تطبيع العلاقات. ما سيعني في نهاية المطاف أن الحلول الواردة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لم تزد على أنها ربما تكون قد نجحت في تأخير حتمية الانفجار، إلا أنها لم تحسمه بشكل نهائي.

ومع أن الآلية التنفيذية المرافقة للمبادرة الخليجية، تضمنت 30 مادة تنفيذية مفصلة، ومع أن معظم تلك المواد كانت تتضمن هي الأخرى بنوداً وتفرعات تفصيلة دقيقة، حرصت فيها على احتواء وتفصيل أغلب ما كان يتوقع أنه سيثير مشكلة قادمة.. إلا أن ثمة، ربما، من يريد أن يؤكد أن الأمر ما زال بحاجة إلى مزيد من التدخل الدولي في تفسير وشرح مواد تلك الآلية، وهذا ربما يهدف من وراءه إطالة أمد الأزمة وصولا إلى تحقيق المزيد من المكاسب.
وما يدعوا للتفاؤل قليلاً هو أن المجتمع الدولي ربما يكون قد اكتسب تجربة ثرية خلال أشهر السنة طوال فترة تعامله مع الأحداث المرافقة للثورة اليمنية. ومن المفترض أنه بات يدرك تماماً أساليب المكر والخداع والتضليل.

فلأكثر من ثلاث مرات متقاربة تكررت وعود صالح والتزاماته أمام المجتمع الدولي بقبول المبادرة الخليجية، ومن ثم نقضه لها لاحقاً، بهدف كسب الوقت وتحقيق مزيد من المكاسب من خلال تعديل المبادرة أربع مرات، بطلب منه. لكنها (المبادرة الخليجية)، بعد كل ذلك، ظلت بحاجة لملحق تنفيذي، كان صالح أيضاً هو من طالب به، فكانت «الآلية التنفيذية».

ولأن المجتمع الدولي الوسيط كان يدرك أن رجلاً مثل صالح لا يمكن الوثوق به، فقد كان قرار مجلس الأمن رقم 2014، بمثابة الضامن الأكثر فاعلية لإجباره على التوقيع.

مع ذلك كله، إلا أن كثيرين لم يبارحوا يقينهم بأن الرجل غير جاد بتنفيذ التزاماته، مشككين في أنه أنما وقع فقط تحت مكابس الضغوط الدولية المكثفة، حتى يتجنب ما كان سيترتب من إجراءات وعقوبات فيما لو انتهت الفترة الأولى التي حددت بقرار المجلس الدولي، ولذلك فهو لن يتوقف عن التآمر والتخطيط والالتفاف على كل ما يمكن أن يفصله عن السلطة بسهولة.

ولعل مثل تلك التجربة الدولية الخصبة مع رجل مثل صالح، هي التي جعلت مسؤولاً في الخارجية الأمريكية يشكك بنواياه، بعد يوم واحد فقط من توقيعه على المبادرة الخليجية في الرياض، وذلك حين أعرب هذا المسؤول الأمريكي لجريدة الشرق الأوسط عن تشككاته تلك بالقول: «هناك شيء ما يجعلنا نشكك في نواياه الحقيقية».
----------------------
صحيفة المصدر الأسبوعية المستقلة - 10 يناير 2011/ العدد 188

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق