الأربعاء، 4 يناير 2012


تعقيدات زيارة صالح إلى واشنطن

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
مع أنه بات في حكم المنتهي سياسيا، إلا أنه ما زال يروق لصالح أن يظل مثار جدل على النحو الذي يجعل منه مادة مثيرة تتصدر العناوين الرئيسية للأخبار.

وعلى شاكلة ما يثار اليوم من جدل حول مسألة أنه: سيسافر إلى أمريكا. لا، لقد قرر مؤخراً أن لا يسافر..!، على غرار ذلك، كنا قد قرأنا الكثير من الجدل في السابق على النحو ذاته: هل سيوقع؟ لا, لقد رفض أن يوقع..! هل سيعود؟ لا، لن يعود..! بل لقد قرر مؤخراً أن يعود..!

ليس في المسألة دهاء بقدر ما يمكن إثبات وقائع جدية تؤكد أن الأمر لا يعدو عن كونه تخبطاً وعدم قدرة على تقدير النتائج. وعلى الأرجح فإن المسألة برمتها ربما تكون في الأساس نابعة من القلق، الخشية التي تستبد بكل ذي جرم من المصير السيئ. وليس ثمة ما هو أسوأ من مصير ينتظره من عاث وأفسد، قتل وأمر بالقتل، اعتقل، خطف وعذّب، ..الخ، وهاهو اليوم، فوق أنه بات محاصراً في زاوية ضيقة، يعاني من أمراض خطيرة يقال إنها تتهدد حياته بشكل جدي. ومع ذلك، حين يقرر أن يسافر – سواء كان قراراً للنجاة والتملص أم للاستتطباب –يواجه صعوبات إجرائية وتهديدات بتلقفه للعقاب.

مساء مسيرة الحياة (24 ديسمبر)، كان واثقاً أثناء المؤتمر الصحفي وهو يرد على أحد الأسئلة بخصوص سفرة، مؤكداً: أنه سيغادر إلى الولايات المتحدة، في زيارة ليست للعلاج – فهو، كما ادعى، بخير – بل لإفساح المجال للحياة السياسية أن تستوي وتستقر بدونه.

وخلال الفترة مذّاك اليوم، وحتى الأمس (الاثنين 2 يناير) تعقدت إجراءات السفر ومسألة منح التأشيرة، على خلفيات وخلافات كبيرة اصطرعت – على ما قيل ونشرته كبريات الصحف الأمريكية - داخل أروقة ودهاليز البيت الأبيض وصانعي القرار الأمريكي والرأي العام هناك، بين مؤيد لاستقباله (لتجنيب اليمن مهالكه)، ورافض له بقوة (باعتباره مجرماً انتهك حقوق شعبه).

حتى كان التصريح الصادر عن أحد أعضاء السكرتارية الإعلامية له، أمس، من أنه (صالح) ألغى قرار السفر إلى الولايات المتحدة. في الواقع بدا التصريح في ظاهرة أشبه بكونه رضوخاً للأمر الواقع لمواجهة كل تلك المنغصات. بيد أن جهة وطريقة صدوره تشي أن باطنه يحمل تهديداً أريد له أن يوجه ضد الجميع، مفاده: لن يغادر وسيظل هنا، ثم انظروا كيف يمكن للحياة السياسية أن تتعكر بسبب ذلك؟ وهذا أمر من السهل استنباطه قياساً بتصريحاته في المؤتمر الصحفي أنه سيغادر من أجل عدم تعكير الأجواء السياسية وإفساح المجال أمام حكومة الوفاق لإنجاز مهامها.

فأما أحمد الصوفي، وهو واحد من مجموعة من السكرتيرين الإعلاميين لصالح، فقد برر قرار إلغاء السفر، في تصريحات لراديو سوا أمس، بسبب الاختلاف – مع واشنطن - حول طبيعة الزيارة. والتي لم يكن ميعادها قد تحدد بعد. وقال إن واشنطن أرادت «أن تحصر الأمر لغرض العلاج». وهو ما كان محل نقد الصوفي الذي اعتبر أن التعامل مع رئيس عربي على هذا النحو «لا يمكن التعاطي معه باعتبار أنه طالب علاج إنساني».

لكن صحيفة أخبار اليوم – اليمنية – وفي عددها الأحد الماضي، كانت كشفت على لسان دبلوماسي خليجي رفيع لم تسمه، قوله: إن حزب المؤتمر الشعبي العام اشترط المصادقة على قانون الحصانة من الملاحقة للرئيس علي عبد الله صالح وأبنائه ومعاونيهم قبل سفر صالح خارج اليمن لاستكمال العلاج. وبحسب الدبلوماسي، فإن قرار إرجاء السفر إلى أجل غير محدد، كان اتخذ في اجتماع السبت الماضي الذي ضم صالح وقيادات حزبه، وذلك على خلفية تأخر إقرار قانون الحصانة في البرلمان.

وإذا كان الأمر كذلك، وهو الأكثر ترجيحاً، فإن تصريحات الصوفي تلك لم تكن إلا لتشتيت الانتباه. ذلك أن إصرار واشنطن على منح تأشيرة زيارة للعلاج لربما كانت محاولة للالتفاف – وهذا أمر ربما كان الصوفي يدركه تماماً – بهدف تحقيق غايتين: الأولى تجنب انتقادات الجهات والمنظمات الحقوقية الأمريكية للبيت الأبيض، والأخرى: توخي مصلحة حليفها السابق من حيث أن ذلك – وهذا أمر بحاجة إلى المزيد من التأكد – قد يفوت على المنظمات الحقوقية الأمريكية رفع قضية ضد صالح أمام المحاكم المتخصصة هناك في حال وصوله واشنطن باعتباره أحد الرؤساء المستبدين الذين ثبت ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية بحق شعوبهم. وذلك من حيث أن «التأشيرة ستمنح لجوءاً ضمنياً لصالح» بحسب ما توقعته صحيفة واشنطن بوست في إحدى افتتاحياتها نهاية الأسبوع الماضي.

وكان مركز «الحقوق الدستورية»، وهو منظمة أمريكية، هدد بمقاضاة صالح حال وصوله الأراض الأمريكية. وقال إنه سيستند إلى قانون أميركي «في تقديم الرئيس اليمني إلى العدالة بسبب جرائم ضد الإنسانية ارتكبها في حق الشعب اليمني»، وفق ما قال الناشط الأميركي من أصل يمني إبراهيم القعطبي في نيويورك. (صحيفة الحياة الصادرة من لندن – الجمعة 30 ديسمبر).

وتؤمن أوساط، داخل حزب صالح ومقربة منه بأهمية إصدار قانون الضمانات قبل زيارة صالح، في الوقت الذي تعتقد فيه أن صدور مثل هذا القانون في ظل وضعه الحالي كرئيس للجمهورية سيجنبه أي تحرك قانوني داخل الولايات المتحدة.

وهذا الاعتقاد يستند ربما إلى تصريحات مايكل هانا زميل مؤسسة «ذا سينشري» وخبير القانون الجنائي والعدالة الانتقالية، الذي قال لوكالة رويترز، الجمعة 30 ديسمبر: «إن من المرجح أن يحمي هذا الوضع صالح من أي تحرك قانوني خلال وجوده في الولايات المتحدة ولكن ليس بعد أن يفقد وضعه الحالي».

والتصعيد الأخير من جهة صالح ومناصريه في حزبه، ربما كان يهدف إلى الضغط من أجل إصدار قانون منح الحصانة والضمانات، وجاء على خلفية ما تردد مؤخراً بخصوص أن ثمة اتفاقاً أولياً، لم يتأكد صحته بعد، مازال قيد الدراسة والتمحيص بين أطراف دوليه، معنية بالإشراف على تنفيذ بنود المبادرة وآليتها التنفيذية، مع حكومة الوفاق الوطني، يتجهون فيه إلى سن تشريع للمصالحة الوطنية بدلاً عن مشروع قانون للحصانة. وذلك بحسب صحيفة البيان الإماراتية نقلاً عن مصادر سياسية يمنية.

وأضافت المصادر للصحيفة انه وفقاً لقواعد مبدأ العدالة الانتقالية المعمول به دولياً، ولتجنب الجدل الذي أثاره الالتزام بمنح صالح ومعاونيه حصانة من الملاحقة القضائية، فان الاتجاه الآن سيكون نحو إعداد مشروع قانون للمصالحة الوطنية, ستقوم الحكومة بإعداده خلال الأسبوع المقبل على أن يعرض على البرلمان ليصادق عليه في النصف الثاني من يناير.

وهو الأمر عينه الذي أشار إليه الدبلوماسي الخليجي لصحيفة أخبار اليوم، الأحد، من أن الوسطاء الدوليين يتجهون نحو إقرار «مشروع العدالة الانتقالية» بدلاً عن قانون الحصانة الخاص بصالح ومعاونيه غير أن ذلك، وبحسب الدبلوماسي نفسه، «لم يلقَ أي استحسان لدى الحزب الحاكم».

وعليه، وعلى ما يبدو، فإن ذلك أدى إلى التراجع عن تلك الفكرة والعودة إجباريا نحو إقرار قانون الحصانة تنفيذاً لما نصت عليه المبادرة. إذ وحسبما ذكرت صحيفة الخليج الإماراتية، أمس الاثنين، فقد أقرت الحكومة اليمنية، الأحد، مسودة مشروع قانون الحصانة.

وفيما ذهبت الصحيفة، التي استقت معلوماتها مما قالت إنها مصادر سياسية، انه من المقرر أن تحيل الحكومة القانون إلى مجلس النواب لإقراره، فإنها لم تشر أو تحدد سيكون ذلك بالضبط.

وعليه، فمن المتوقع أن ينال صالح مراده بإصدار قانون الحصانة خلال الأيام القادمة، إلا أنه لم يعد واضحاً فيما إذا كان ذلك سيضفي أطمئناناً على مخاوفه من مسألة المحاكمة، وبالتالي يقرر مجدداً زيارة واشنطن؟ على أن القرار النهائي بهذا الشأن سيكون مرده حاجته الماسة للاستطباب في واشنطن من عدمها.

وبفرض أن ذلك تم له، بحيث باتت مسألة تفادي المحاكمة مأمونة الجانب، وذلك فيما لو نجحت فكرة منحه التأشيرة للعلاج مع ما يمكن أن تضمن له «لجوءاً ضمنياً»، إلا أن مسألة المحاسبة، على أية حال، ستظل قائمة مستقبلاً. وبحسب مايكل هانا، لوكالة رويترز، فإن «قدومه [صالح] إلى الولايات المتحدة من عدمه لا يصادر على أي عمليات محاسبة مستقبلاً». وأضاف: «سجله مدوّن في سجله وهذا سيبقى».
--------------------
نشرت في صحيفة المصدر الأسبوعية: الثلاثاء 3 يناير 2012 - العدد 187

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق