السبت، 1 سبتمبر 2012

حرب الافتتاحيات بين الرئيس و«الزعيم»


رداً على محاولة «صالح» غسل ماضيه السيئ.. «سبتمبر» تهاجم «القوى القديمة المتهالكة»


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
شنت صحيفة 26 سبتمبر، في افتتاحية عددها الأخير (الخميس 30 أغسطس)، هجوما لاذعا على من وصفتهم بـ«القوى القديمة المتهالكة»، من الذين قالت أنهم غير قادرين على إيقاف «عجلة التغيير» بعد أن تحركت إلى الأمام، في إشارة واضحة إلى ما تبقى من منظومة النظام السابق، والتي اعتبرت الصحيفة أن مشاريعها الصغيرة تكبلها «بسلاسل الماضي القريب والبعيد إلى ذلك الحد التي أصبحت فيه منقطعة الصلة بهذا الوطن ووحدته وأمنه واستقراره.. ومنقطعة الصلة أيضاً بحاضر ومستقبل أبنائه».

ونصحت الصحيفة – الناطقة باسم الجيش – هذه القوى القديمة المتهالكة بأنه «بات عليها ان تفهم ان التاريخ لا يكرر نفسه إلا مرتين، مرة كمأساة ومرة كملهاة..»، مشيرة – بهذا الصدد – إلى ماضيها «في مطلع التسعينات بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية من تأزيم مفتعل للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية, وممارسة عمليات الاغتيالات للهامات والقامات الوطنية..». وفيما ذهبت – في هذا السياق – إلى استعراض أسماء بعض الشخصيات التي تم اغتيالها خلال تلك الفترة، أضافت «ونقول لتلك القوى ان مطلع التسعينات ليس كمطلع العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين، وعليهم ان يدركوا ان الشعب قد خرج مارداً من قمقم أكاذيبكم وأضاليلكم وارهابكم وظلمكم وجبروتكم».

ومع الثورة الشعبية استطاع الرئيس هادي أن يخرج صحيفة 26 سبتمبر – التابعة لدائرة التوجيه المعنوي للجيش – من تبعيتها للرئيس السابق، بإقالة القيادات العليا الموالية لصالح، وتعيين بدلاء عنهم ممن يدينون له (هادي) بالولاء.

حرب باردة بين عهدين
في الواقع، وضعت افتتاحية صحيفة وزارة الدفاع، حادثة محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان كبؤرة انطلاق في هجومها، إلا ان مراقبين ربطوا أيضا بين هذا الهجوم اللافت وبين الافتتاحية التي كتبها الرئيس السابق، على عبدالله صالح، لصحيفة الميثاق – الناطقة باسم حزبه – الاثنين (27 أغسطس)، تحت عنوان «البداية الثانية». وذلك من حيث أن بعض المضامين التي احتوتها افتتاحية صحيفة الجيش، يعتقد أنها تجسد ردا غير مباشر على معظم ما احتوته مقالة الرئيس السابق من تشويه للحقائق.

وكان صالح كرس مقالته للحديث حول ما أعتقد أنها إنجازات المؤتمر خلال الفترة الماضية، ليقرر في نهاية الأمر: ان الوطن بحاجة إلى أن يصبح حزبه «قادراً على تحمل المسؤولية التاريخية لاستكمال مهام التطور التاريخي ومواجهة تحديات المرحلة الراهنة..»، في الوقت الذي كان هاجم فيه السلطة الحالية التي وصفها بأنها «مفسدة جالبة للدجالين والمتزلفين والمتسلقين»، بل اعتبر «أن اغتصابها يمثل خطراً كبيراً يهدد وجود الدولة واستقرار المجتمع وينخر في العلاقة بين مكونات الحياة السياسية..».

تجسيد الصراع الخفي 
في الواقع، لقد كان يمكن ملاحظة أن المقالتين عكستا صراعا خفيا بين الماضي والحاضر؛ صراعا اشبه بحرب باردة بين رئيس «مخلوع»: يمتدح ماضيه، ليقرر حاجة المستقبل له على رأس حزبه، أو «دمار» هذا المستقبل بدونه؛ وبين رئيس (منتخب)؛ بديل قام على أنقاضه؛ يشنع الماضي ليؤكد ضرورة تخليص المستقبل منه.

على انه، عمليا، يمكن تحفيز حالة الصراع هذه، بالنظر إلى الخلافات القائمة في أطر الحزب نفسه الذي ينتمي اليه الرجلان، والتي ظهرت بجلاء عقب الاستبدال القسري المفروض لقيادة الدولة، من حيث أن القديم أراد تسليم السلطة الحاكمة للدولة، فيما أنه كان يستبطن إمكانية الاحتفاظ بسلطة القيادة الخفية لرئيس الدولة عبر الإبقاء على التراتبية القيادية داخل الحزب. وعلى تلك الخلفية كان ولابد لحالة الصراع على الشرعية القيادية أن تتفاقم وتكبر تدريجيا ككرة ثلج. الأمر الذي كان من المتوقع أن يعمل مقال كهذا، كتب بطريقة توحي بالاستعلاء على نسق أريد من خلاله تجسيد شخصية الرجل الأول في قيادة وتوجيه المستقبل، أن يثير حفيظة من يشعر بأنه المعني الأول من هذه المهزلة السخيفة.

كتب صالح عن الحزب الذي مازال يفرغ سلطته المريضة عبره أنه وبعد ثلاثين عاماً أصبح هذا الحزب «خارطة من الآمال والأشواق التاريخية للمجد والعطاء وتاريخاً سياسياً نظيفاً من الدماء».

بيد أن حادثة محاولة اغتيال أحد مستشاري الرئيس السياسيين، هو الدكتور ياسين سعيد نعمان، ربما جاءت لتقدم الفرصة المناسبة لصياغة رد قاس. واتهمت صحيفة سبتمبر – في افتتاحيتها – من وصفتهم بـ«القوى القديمة المتهالكة»، بممارسة «عمليات الاغتيالات للهامات والقامات الوطنية كاستهداف عمر الجاوي، واغتيال الشهيد الحريبي، وماجد مرشد، وعبدالحبيب سالم، والربادي»، مضيفة بالقول «والقائمة تطول لمن اغتيلوا وتعرضوا لمحاولات الاغتيال قبل هذه الفترة وبعدها..».

وللتذكير بالحاضر والمستقبل قياسا بالماضي، قالت افتتاحية سبتمبر بأن اليمن اليوم يمضي «قدماً صوب استكمال وانجاز بنود المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية المزمنة، والمهام المرتبطة بها والدخول في حوار وطني للوصول الى صيغة بناء الدولة اليمنية المدنية الديمقراطية المؤسسية الحديثة التي في ظلها - كما أكد الأخ رئيس الجمهورية - لا ظالم ولا مظلوم وقاعدتها العدالة والمواطنة المتساوية ومنهجها الحكم الرشيد المحقق لآمال وطموحات وتطلعات شعبنا، وعلى نحو نتجاوز به معاناة كل العقود المنصرمة، وما رافقها من جبروت وتجبر وصراعات وحروب وتهميش واقصاء واستبعاد ونهب وافساد في المال، وإفساد في الأرض، لنؤسس للمستقبل الذي بدأ شعبنا ينسج خيوطه وخطوطه حين دشن ثورة التغيير..»، وكانت بذلك تستقصد نسف كل ماكان الرئيس السابق قد حاول أن يغسل من خلاله ماضيه السياسي بالحديث عن إنجازات عهده المنقشع.

التاريخ لن يعود إلى الوراء
ووجهت افتتاحية صحيفة الجيش حديثها إلى «من يحاولون التمرد على خيارات الشعب والاجماع الدولي، ويسعون الى خلط الأوراق وقلب الطاولة على رؤوس الجميع عملاً بمبدئهم المعروف علي وعلى أعدائي»، داعية أياهم إلى «ان يعوا ويفهموا ان التاريخ لن يعود الى الوراء، وان مرحلة إبقاء الوطن معتقلاً بأزماتهم المفتعلة وحروبهم العبثية ونشر الفوضى، واستهداف الشخصيات الوطنية بأعمال الاغتيالات والتصفيات هي ليست إلا أعمال حمقاء ورعناء مكشوفة ومفضوحة، ويعرف اليمنيون أطرافها ومن يقف وراءها حتى وان كان في الماضي..». وإذ اعتبرت أن «ما يحدث الآن من تميع لمثل هذه الممارسات الاجرامية عمداً، إنما يأتي "بهدف محوها من ذاكرة الناس..»، قالت بأنهم «غير مستوعبين ان ذاكرة الشعوب تختزن ولا تنسى»، محذرة من أن: «الاستمرار في هذا المنهج سيفتح الملفات القديمة والجديدة التي يظن أصحابها انها قد طويت، وفعلاً هذا ما نريده، لكن ليس بهدف الاستمرار فيه، بل سعياً الى القطيعة مع الماضي والنظر الى الامام بعقل وروح جديدة».

واختتمت صحيفة سبتمبر بالقول «ان ما حصل ويحصل من محاولات بائسة لإعاقة مسارات التحولات في هذا البلد لا يمكن ان تثني شعبنا وقيادته ورموزه الوطنية النضالية عن الدفع بحركة هذه التحولات بشكل متسارع وهو ما يتحقق اليوم.. فاليمن يمضي بثبات نحو التقدم، بعد أن نهض للتخلص من براثن الماضي وتعقيداته المتخلفة، وبدأ يرسم ملامح المستقبل المشرق الجديد».

حقيقة
في نهاية المطاف، قد يكون الحديث عن مواجهة مستعرة بين معسكر رئيس الدولة ورئيس حزبه من خلال الافتتاحيتين، وفقا للنسق السابق، ليس أكثر من حديث افتراضي، بيد أنه – ومن زاوية استقرائية للمضامين الرئيسية للمقالتين– لا يمكننا ان نخطئ ملاحظة الحقيقة التالية:

أن الرئيس السابق، سعى من خلال مقالته إلى إحداث عملية غسيل لماضيه المتهالك بتمجيده على نحو يتعارض مع الحقائق التي استندت عليها الثورة الشعبية، ليقرر تعسفا ان مستقبل البلاد يحدده مستقبل الحزب، الذي هو على رأسه..

بينما أن افتتاحية صحيفة سبتمبر، وعلى العكس تماما، أرادت تأكيد حقيقة أن جوهر الثورة قائم على ضرورة رفض الماضي المظلم، بقواه القديمة المتهالكة ومسالكها المدمرة، لتقرر أن مستقبل البلاد منوط بالمتغير الجديد الذي أفرزته الثورة على أساس مواصلة تنفيذ بنود المبادرة الخليجية، لتحقيق تطلعات وأهداف الشعب المشروعة، لا الحزب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق