الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

ممثل الدبلوماسية الأمريكية الأقوى يغادر اليمن


- تنتهي فترة عمله هذا الشهر ومعلومات تفيد بتعيين سفير واشنطن في الكويت بديلاً- مارس مهامه قبل أشهر من إندلاع الثورة الشعبية ليواجه تحديا صعبا في مواجهة تداعياتها - جاء اليمن في ذروة نشاط "القاعدة" العابر للحدود اليمنية..وقبل أيام من مغادرته قال أن التنظيم أصبح أضعف بكثير مما كان عليه قبل عامين


السفير الامريكي جيرالد فايرستاين

علم «المصدر أونلاين» أن السفير الأمريكي الحالي لدى صنعاء جيرالد إم. فايرستاين سيغادر إلى العاصمة الأمريكية واشنطن بعد انتهاء فترة عمله هذا الشهر كسفير لبلاده في اليمن.
 وبحسب مصادر دبلوماسية يمنية، تحدثت لـ«المصدر أونلاين»، فإن المعلومات الأولية التي يتم تداولها حاليا تفيد بأن واشنطن ستعين السفير «ماثيو تولر» السفير الحالي للولايات المتحدة الأمريكية لدى دولة الكويت، ولم يتم التأكد من دقة هذه المعلومة من مصادر دبلوماسية أمريكية، فيما ذهبت شائعات غير مؤكّدة للحديث عن تعيين السفيرة الأمريكية في بيروت كسفيرة في صنعاء.
 يأتي ذلك بخلاف ما كان يتداول من معلومات، قبل أكثر من شهر، من أن الإدارة الأمريكية تدرس تمديد فترة عمله عاماً آخر، نظراً لمَ عُرف عنه من نشاط دبلوماسي ملموس خلال الفترة الماضية ولاحتياج صنعاء وواشنطن لهذا النشاط الدؤوب خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي تمر بها اليمن، التي تعد واحدة من الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الحرب على تنظيم القاعدة.
 وعُيِّن فايرستاين -الذي شغل خلال الأعوام من 2006 إلى 2008 منصب نائب مساعد المنسق والنائب الرئيسي لمساعد المنسق لبرامج شؤون مكافحة الإرهاب في واشنطن- سفيراً للولايات المتحدة في صنعاء في 17 سبتمبر 2010. وبعد أسبوع من تعيينه بدأ بمزاولة عمله في مقر السفارة بصنعاء في 23 من الشهر تقريباً. وتحدد الخارجية الأمريكية ثلاث سنوات فقط كفترة زمنية لمزاولة سفرائها، ونوابهم، لأعمالهم في البلدان التي يتم تعيينهم فيها، بخلاف بقية أعضاء البعثة الدبلوماسية الآخرين الذين تحدد فترة عملهم بسنتين فقط.
 وبعد خمسة أشهر تقريباً من تعيينه سفيراً في صنعاء، انطلقت الثورة الشعبية الشبابية السلمية في اليمن (فبراير 2011)، ليواجه السفير الأمريكي الجديد امتحاناً صعباً. حيث كان يتوجب عليه أن يقوم بدور هام وحساس من خلال المواءمة بين أمرين جوهريين؛ الأول: كيفية الحفاظ على مصالح بلاده الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية في منطقة استراتيجية تمثل مكمناً حديثاً ومناسباً لتكاثر ألد أعداء واشنطن (متمثلاً في تنظيم القاعدة)، إلى جانب أنها تمثل عمقاً استراتيجياً، أمنيا واقتصاديا، لأهم حلفاء واشنطن الاقتصاديين في دول الخليج (وبشكل خاص: المملكة العربية السعودية).
 أما الأمر الآخر، الذي كان يتوجّب عليه مواجهته بطريقة مناسبة، هو: كيفية النجاح في تلك المهمة الحساسة في ظل ثورة شعبية عارمة تسعى لإسقاط أحد حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، في الوقت الذي كان يتوجّب عليه أن يحافظ ويعكس القيم الأمريكية في الديمقراطية وحقوق والإنسان وتشجيع ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها إزاء أنظمة مستبدة.
 • السفير والثورة الشعبية
ولعلّه كان من الملاحظ أن موقف السفير الأمريكي، في بداية الثورة، كان مشوشاً وضبابياً إلى حد كبير، الأمر الذي انعكس بدوره على موقف إدارته بواشنطن، حيث كان السفير – كإدارته بالطبع - مازال يحاول الحفاظ على حليفه في رأس النظام اليمني، وقادة الجيش التابعين له، الذين خسرت واشنطن على تأهيلهم وتدريبهم الكثير من الجهد والدعم المالي في إطار حربها على «الإرهاب» في اليمن. حينها خاض السفير الكثير من الوساطات المتكررة لتهدئة الأجواء الساخنة المهددة بسقوط النظام كلياً، أو ربما: انهياره بطريقة مدوية من شأنها أن تؤدي إلى انهيار كلي للمنظومة الأمنية والعسكرية والإدارية التي ظلت أمريكا توليها اهتماماً ورعاية خاصة طوال العقد الماضي من التعاون الأمني بين الحليفين.
 إلا أن السياسية الأمريكية، في نهاية الأمر، رضخت أمام الأمر الواقع، وشكلت جريمة «جمعة الكرامة»، 18 مارس 2011، على ما يبدو نقطة التحول الرئيسية. فبعد إعلانات الانشقاقات العسكرية، والاستقالات الإدارية والدبلوماسية والسياسية التي تواصلت على مدى أسابيع عقب تلك المجزرة البشعة، وصل الدبلوماسي الأمريكي، مع إدارته إلى قناعة بضرورة تخفيف الخسائر الكلية المتوقّعة من سقوط النظام الحليف. دخلت واشنطن بقوة على خط الوساطات الإقليمية والدولية القاضية بضرورة نقل السلطة بطريقة سلمية سلسة.
 ولاحقاً، أصبحت واشنطن متمثلة بسفيرها بصنعاء صاحبة الدور الرئيسي الأقوى في إقناع، أو بالأحرى «إرضاخ» كافة الأطراف السياسية للمُضي في توقيع وتنفيذ مبادرة الحل السياسي الخليجية، المتضمنة رحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح من السلطة وتسليمها لنائبه عبدربه منصور هادي، الذي أصبح بفضل تلك المبادرة رئيساً شرعياً للبلاد في انتخابات (فبراير 2012)، حينها كانت واشنطن، بفضل سفيرها، قد ضمنت حليفاً جديداً لها عوضاً عن السابق وفي المكان ذاته.
 وتباعاً، تحول السفير الأمريكي في صنعاء إلى عدو لحليفه السابق وأتباعه ومواليه. جاء ذلك بعد أن أطلق تصريحات مثيرة تعرّضت بالنقد للحليف السابق (صالح). واعتبر فيها أن الحزب الذي أصر (صالح) على البقاء على رأس قيادته «أصبح اليوم من الماضي»، داعياً أتباعه إلى عدم الانحصار في الماضي والتفكير أكثر بالمستقبل الذي خطه الشعب اليمني، فيما لو أرادوا أن يظلوا مشاركين في صناعة هذا المستقبل.
 توالت تصريحات السفير الناقدة للنظام السابق المتعرضة لسلوكياته السياسية المدمّرة أو التي تحاول إفشال المرحلة الانتقالية (الجديدة في البلاد). ومقابل ذلك، تعرّض السفير لهجمات شديدة من قادة وإعلام النظام السابق، ليتحول إلى ندٍ وخصم قوي بالنسبة لهم، في الوقت الذي تحول فيه إلى حليف أقوى لرأس النظام الجديد، وحليف متعاون مع أطراف التوافق الوطنية التي أثبتت رغبتها في السير بالبلاد إلى بر الأمان بمساعدة واشنطن وحلفائها الدوليين من رعاة المبادرة الخليجية. وعليه فقد شكلت واشنطن القوة الأكثر تأثيراً ومحور التهديد الأكبر ضد الساعين لإفشال المبادرة الخليجية. وكان من أهم الخطوات التي اتخذتها خلال الفترة الماضية أن أصدرت – بشكل انفرادي - قرارات إجرائية عقابية، تتعلق بحجز الممتلكات والأصول المالية في الولايات المتحدة، ضد كل من يتورّط أو تثبت مشاركته في زعزعة أمن واستقرار اليمن.
 وعلى ما يتضح، نجح السفير الأمريكي، في نهاية الأمر، في قلب معادلة الحكم في البلاد، ربما خسر حليفاً وحلفاء سابقين - كانت قد انتهت فترة صلاحيتهم – إلا أنه تمكن بحنكة من الاحتفاظ دائما بالحليف الرئيسي الأكبر الجديد والأهم في البلاد. وجاءت تصريحاته الأخيرة، في مؤتمره الصحفي قبل أسابيع، لتصب في هذا السياق، حين عزز موقف الرئيس عبدربه منصور هادي بتأكيده أن اتفاقية التعاون لمكافحة «الإرهاب»، التي أبرمتها اليمن مع بلاده، كانت في عهد الرئيس السابق في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، منوهاً إلى أن تصريحات الرئيس هادي في هذا الجانب كانت دقيقة. جاء ذلك على ما يبدو ليحسم الجدل الخلافي الذي دار بين الرئيسين السابق والحالي بشأن تبادل الاتهامات بالسماح للطائرات الأمريكية بدون طيار بانتهاك السيادة اليمنية.
 • مكافحة «الإرهاب»
من المهم أن نبدأ الإشارة هنا إلى أن تعيين السفير فايرستاين سفيراً في صنعاء جاء في ذروة القوة التهديدية والعملية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
 فبعد أن أعلن التنظيم دمج فرعيه في السعودية واليمن تحت اسم جديد (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب)، مطلع العام 2009، ليتخذ من اليمن مقراً له، شهد العالم محاولات خطيرة لعمليات عابرة للحدود. مع أن معظمها – أو أخطرها – تم كشفها باكراً قبل أن تحقق أهدافها، إلا أنها، بالنسبة للخبراء في شؤون الإرهاب، اعتبرت تحولاً كبيراً في استراتيجية التنظيم الجديد في اليمن، حيث أنبأت تلك العمليات عن مهام جديدة وجسيمة لفرع التنظيم في اليمن على مستوى العالم، وليس على مستوى اليمن فقط.
 بدأت تلك العمليات العابرة للحدود، في 27 أغسطس 2009، بمحاولة اغتيال الأمير محمد بن نائف، المسؤول السعودي الأول عن ملف مكافحة الإرهاب في المملكة، تلتها في 25 ديسمبر 2009 العملية الفاشلة التي حاول تنفيذها الطالب النيجيري عمر الفاروق بتفجير طائرة متجهة إلى ديترويت الأمريكية، حيث كشفت التحقيقات أن الطالب النيجيري كان قادماً من اليمن بعد أن التقى الشيخ الأمريكي من أصول يمنية، أنور العولقي، ولا حقاً تبنى تنظيم القاعدة العملية.
 عقب تلك العملية المثيرة، التي حظيت بتغطية إعلامية عالمية كبيرة، قررت واشنطن تحويل سفيرها لدى إسلام أباد، جيرالد إم. فايرستاين، للعمل في صنعاء (خدم فايرستاين في باكستان خلال الفترة: 2008- 2010). كان الرجل قد أصبح يمتلك خبرة دبلوماسية، واستخباراتية، مناسبة في سلك مكافحة «الإرهاب»، حيث إنه، وقبل عمله في إسلام آباد، تولى في واشنطن (خلال الفترة: 2006- 2008) منصب نائب مساعد المنسق والنائب الرئيسي لمساعد المنسق لبرامج شؤون مكافحة «الإرهاب».
 وبعد شهر ونيف من تعيينه، نجحت الاستخبارات في اكتشاف طردين مفخخين داخل طائرة شحن في لندن، في 29 أكتوبر 2010. كانت الطائرة قادمة من اليمن ومتجهة إلى شيكاغو في أمريكيا.
 غير أن الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال الأعوام الثلاثة التي عمل فيها السفير فايرستاين في اليمن، نجحت في إضعاف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بعد أن تمكّنت، أكثر من أي وقت مضى، من قصقصة أجنحته القيادية الكبرى، على رأسهم: الشيخ أنور العولقي، الذي قتل مع رفيقه الباكستاني، ذي الجنسية الأمريكية، سمير خان، وأربعة قادة آخرين، بينهم أبو محسن الماربي، بغارة أمريكية نُفذت أواخر سبتمبر من العام 2011 في مارب؛ كما نجحت في اغتيال القيادي فهد القصع المطلوب رقم «2» على قائمة المطلوبين الإرهابيين لدى أمريكا في اليمن، ومؤخراً القيادي السعودي سعيد الشهري نائب زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
ونتيجة تلك النجاحات، أعلن تنظيم القاعدة، أوآخر العام 2012، تخصيص جائزة  تصل إلى 3 كيلو جرامات (ما يعادل 3 ألاف جرام) من الذهب لمن يأتي برأس السفير الأمريكي فايرستاين. 
 مرت تسعة أشهر تقريبا على ذلك الإعلان المثير، وبعد أيام  قليلة سيغادر المطلوب الأول للقاعدة في اليمن إلى مستقره في واشنطن، مطمئنا أنه نجح في مهمته الكبرى: «أن تنظيم القاعدة في اليمن أصبح أضعف كثيراً ممّا كان عليه قبل عامين»، من حيث إضعاف قدراته على تنفيذ عمليات نوعية عابرة للحدود، أو تستهدف المصالح الغربية في اليمن. كما أكد في مؤتمره الصحفي الأخير. 
--------------------------------------
نشرت المادة ضمن ملف خاص في يومية "المصدر" بتاريخ الثلاثاء 10 سبتمبر 2013، وأعيد نشرها على موقع "المصدر أونلاين" في اليوم ذاته


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق