السبت، 21 سبتمبر 2013

الحوار اليمني معلق بالقضية الجنوبية


 
الوقت يضيق والحلول تتعقد
الجنوب.. عودة إلى المربع الأول
مستقبل اليمن معلق بالجنوب

بعد عامين ونصف من الثورة الشبابية الشعبية، ما زال القلق يساور معظم اليمنيين من مستقبل ما زال غامضا، لمّا تتضح معالمه كاملة بعد.

يأتي ذلك في الوقت الذي تقف فيه البلاد اليوم على عتبات المشهد قبل الأخير من العملية السياسية المؤسسة على نقل السلطة بموجب المبادرة الخليجية المتوافق عليها من مختلف الأطراف الرئيسية في البلد كحل سياسي سلمي آلت إليه ثورة فبراير/شباط الشعبية 2011.

الوقت يضيق والحلول تتعقد
بعد التوقيع على المبادرة الخليجية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2011، دخل اليمن مرحلة انتقالية على مرحلتين، استمرت الأولى ثلاثة أشهر وانتهت بتسليم الرئيس السابق للسلطة في انتخابات رئاسية توافقية أواخر فبراير/شباط 2012.

بعدها مباشرة بدأت المرحلة الثانية لمدة عامين، ويفترض أن تنتهي في فبراير/شباط 2014 بإجراء انتخابات عامة ورئاسية وفقا لدستور جديد.
مع نهاية الشهر الجاري يفترض أن يكون مؤتمر الحوار الوطني الشامل قد انتهى من حلحلة كافة القضايا والملفات المعقدة والشائكة، وتكللت نتائجه بصياغة عقد توافقي جديد (دستور)
ومع نهاية سبتمبر/أيلول الجاري يفترض أن يكون مؤتمر الحوار الوطني الشامل (الذي بدأت أعماله منتصف مارس/آذار الماضي وحددت فترته بستة أشهر) قد انتهى من حلحلة كافة القضايا والملفات المعقدة والشائكة، وتكللت نتائجه بصياغة عقد توافقي جديد (دستور) يحدد شكل وملامح الدولة اليمنية القادمة، وعلى ضوئه سينتقل اليمنيون مع الأشهر الأولى من العام القادم إلى المرحلة الأخيرة من الفترة الانتقالية بالاستفتاء الشعبي على الدستور وخوض الانتخابات.

غير أن الأمور على ما يتضح لا تسير وفق الطريقة المنشودة، فما يتعلق بأكثر القضايا الرئيسية تعقيدا، لا يبدو -حتى هذه اللحظة الحرجة على الأقل- أن ثمة ضوءا حقيقيا يلوح في الأفق لحلحلتها، عدا مزيج من أشعة باهتة ما فتئت بين الحين والآخر تحاول بصعوبة اختراق ضباب كثيف من التعقيدات الممتدة من الماضي، المتحولة إلى ما يشبه "ثقوبا سوداء" أضفت قلقا على حاضر مشوش، تعكَرت معه رؤية ما سيكون عليه المستقبل المنشود بعد بضعة أشهر.

وبقراءة سريعة للمؤشرات العملية اليوم، يبدو أن مؤتمر الحوار الذي كان ينظر إليه على أنه بمثابة القلب من العملية السياسية، قد ينتهي قبل التوصل إلى حلول نهائية علمية وعملية مضمونة لأكثر القضايا الرئيسية حساسية وأهمية، على رأسها "القضية الجنوبية" التي بات من الواضح أنها لا تزداد تعقيدا فحسب، بل وتجر معها قضايا رئيسية أخرى مثل "شكل الدولة" المناسب، وبالتالي صياغة الدستور القادم.

الجنوب.. عودة إلى المربع الأول
حتى الآن لم يتقرر بعد "شكل الدولة" القادمة، هل هي اتحادية (فدرالية) أم "لا مركزية" أم دولة "بسيطة لا مركزية" أم "حكم محلي واسع الصلاحيات".

ومع أن الرؤى المقدمة من المكونات والأطياف السياسية الرئيسية المشاركة في الحوار اتجهت في معظمها إلى شكل "الدولة الاتحادية الفدرالية"، مع تباينات بسيطة -بين بعضها- في عدد الأقاليم وهيكليتها والصلاحيات الكلية للدولة الاتحادية والجزئية للأقاليم وتوزيع الثروة، فإن ممثلي الحراك الجنوبي في الحوار رفضوا تحديد رؤيتهم بهذا الشأن حتى الآن، واكتفوا بعبارة "تتحدد بحسب مخرجات فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار وبالاستناد إلى مبدأ حق تقرير المصير لشعب الجنوب".

وبينما طالب منتمون لمحافظات جنوبية -مشاركون في الحوار- بدولة اتحادية من "إقليمين: شمالي وجنوبي" كحل، دعا مشاركون آخرون -جنوبيون أيضا- إلى ترك الأمر للشعب الجنوبي ليقرر هو شكل الدولة القادمة عبر "استفتاء شعبي" تطرح فيه خيارات متعددة.

وحين لاحظ قادة ممثلي الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار أن التوجه العام في المؤتمر يتجه نحو دولة "اتحادية فدرالية" من عدة أقاليم، قرروا تعليق مشاركتهم عقب إجازة عيد الفطر الماضي، مشترطين لعودتهم شروطا نظر إليها على أنها "تعجيزية".

وخلاصة تلك الشروط أنها تتيح لهم "تقرير المصير" وتنتهي إلى فصل الجنوب عن شماله، لكن وبعد ضغوط دولية وحوارات تدخل فيها وسطاء خارجيون على رأسهم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر، قبلوا بالعودة وفق صفقة لم يظهر منها على السطح سوى تشكيل لجنة مصغرة من فريق القضية الجنوبية مكونة من 16 عضوا بالمناصفة بين ممثلين شماليين وجنوبيين.
حين لاحظ قادة ممثلي الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار أن التوجه العام في المؤتمر يتجه نحو دولة اتحادية فدرالية من عدة أقاليم، قرروا تعليق مشاركتهم مشترطين لعودتهم شروطا نُظر إليها على أنها تعجيزية
وفسر الأمر على أنه استجابة -وإن كانت أخف بكثير- لشرطهم بضرورة "الندية في الحوار بين الشمال والجنوب"، كما أن اجتماعات هذه اللجنة المصغرة تعقد بحضور الممثل الأممي جمال بنعمر، مما يعني أيضا أنها استجابة مخففة أيضا لشرط الإشراف الدولي على الحوار الندي.

كان من الواضح أن أعضاء لجنة "8+8" المعنية بإيجاد حلول نهائية وضمانات للقضية الجنوبية في ظرف زمني حدد بأسبوع واحد فقط (لمسابقة الموعد النهائي لمؤتمر الحوار المفترض إنهاء مهامه قبل نهاية الشهر الجاري)، سيخوضون مهمة معقدة وعصية.

فممثلو الحراك يتمسكون في الحوار بضرورة أن تخرج اللجنة بحلول نهائية وضمانات تستجيب لمطالب الشعب الجنوبي في تقرير مصيره، في مقابل الطرف الآخر (المكونات السياسية الممثلة للشمال) الذي يسعى لحلول عقلانية تتزامن مع تنفيذ المزيد من الإجراءات الإصلاحية الناجعة على الأرض ولكن في طريق تعزيز الحفاظ على الوحدة مستقبلا.

كان الخبر الجيد أن اللجنة اتفقت بدايةً على "مشروع مسودة" للمخرجات المطلوبة، وللتوضيح أكثر، توزعت المسودة على أربعة أبواب: أولها "معالجة مظالم الماضي في الجنوب"، والثاني "المبادئ الدستورية العامة للدولة الاتحادية" وصياغة العقد الاجتماعي الجديد، وخصص الباب الثالث "لهيكلة الدولة الاتحادية". أما الباب الرابع فيتعرض "لمهام وترتيبات المرحلة الانتقالية وآلية تنفيذها".

لم يمض من الوقت الكثير حتى جاء "الخبر السيئ" بعد ثلاثة أيام فقط، إذ سرعان ما طفت الخلافات المتوقعة أثناء الخوض في التفاصيل العميقة حول ذلك كله.

يشدد ممثلو الحراك في لجنة الحوار المصغرة على دولة "اتحادية" ثنائية من إقليمين فقط (شمالي وجنوبي) خلال فترة انتقالية (تحدد مدتها لاحقا بالتوافق) تنتهي إلى استفتاء شعبي جنوبي لتقرير مصيره (النموذج السوداني ولكن بالمقلوب، أي الانتقال هنا بطريقة عكسية من الوحدة الاندماجية إلى وحدة اتحادية بين دولتين تنتهي إلى تقرير المصير).

بالنسبة لممثلي المكونات السياسية الأخرى في اللجنة، من الواضح أنهم يتمسكون بدولة اتحادية من عدة أقاليم، لكن وبحسب بعض المؤشرات الأولية يمكن في حال الرفض والتعنت والإصرار، القبول بفترة انتقالية تنتهي إلى تحديد شكل الدولة الفدرالية (من عدة أقاليم أم حتى من إقليمين).
مستقبل اليمن معلق بالجنوب
حدث ذلك فجأة، وفي وقت حرج بالفعل، بينما لم تنته فرق أخرى في الحوار من صياغة تقاريرها الختامية حتى الآن، لا سيما تلك التي تتعلق نتائجها بمصير القضية الجنوبية، كفريق "بناء الدولة" بشكل خاص، الأمر الذي يفرض عليها انتظار الحسم النهائي في لجنة "8+8".

على هذا الإيقاع التحولي المتسارع، تتوالى الأحداث تباعا، في الوقت الذي تتدفق فيه تأكيدات وتشديدات مسؤولي الحوار اليمنيين والمشرفين الخارجيين أن "الحوار سينتهي في موعده المحدد"، أي بالكثير قبل نهاية الشهر الجاري.. هذا على الأرجح ما يفهم من تصريحاتهم تلك.

ذلك أننا ما زلنا أيضا ننتظر إعلان رئيس الجمهورية لأسماء اللجنة المكلفة بصياغة الدستور الجديد، حيث يفترض أن يخرج المؤتمر بتحديد أسس ومواصفات وقوام لجنة الصياغة هذه بشكل نهائي.

كما يفترض بعدها أن يعلن الرئيس الأسماء لتستمر اللجنة في عملها فترة ثلاثة أشهر، تنتهي خلالها من إعداد مسودة لمشروع الدستور الجديد الذي سيعرض أولا على رئيس الجمهورية للموافقة أو التعديل، وبعدها يعرض على الشعب للاستفتاء، ثم بموجبه تخاض الانتخابات العامة والرئاسية.

وفي خضم ذلك كله، تجد الشائعات طريقها إلى الصحافة التي تنقلها إلى الجمهور بشكل متواصل، من أحاديث عن اتفاقات وصفقات سرية عليا تسعى للتمديد للرئيس فترة إضافية تتفاوت بين ستة أشهر إلى سنتين إلى خمس سنوات.
في خضم ذلك كله، تجد الشائعات طريقها إلى الصحافة التي تنقلها إلى الجمهور بشكل متواصل، من أحاديث عن اتفاقات وصفقات سرية عليا تسعى للتمديد للرئيس فترة إضافية تتفاوت بين ستة أشهر إلى سنتين إلى خمس سنوات
وبعضها يجد في الحديث الحالي عن "فترة انتقالية ضرورية" تأكيدا لمعلوماته، بينما يكيّفها البعض الآخر على أنها ستكون صفقة "تمديد" توافقي شرعي تتم عبر الانتخابات التي يفترض أن تجرى في وقتها المحدد، أي فبراير/شباط 2014، وهي الانتخابات التي سيدخل اليمن بعدها في فترة انتقالية تستمر لخمس سنوات هي الفترة التي يتم النقاش حول تفاصيلها حاليا في إطار لجنة "8+8" المكلفة بمخرجات القضية الجنوبية.

كما تتحدث شائعات أخرى عن تحويل أعضاء مؤتمر الحوار إلى "هيئة تأسيسية" تواصل أعمالها خلال الفترة القادمة -إما بالنيابة عن مجلسي (النواب والشورى) أو إلى جوارهما- حتى الانتخابات القادمة، بحيث يكون ذلك جزءا من "الصفقة".

على أن هناك من يعتقد باستحالة حدوث ذلك، من حيث إن الإصرار الحالي (المحلي والدولي) على إنهاء مؤتمر الحوار يأتي بسبب انتهاء الدعم المالي الخارجي وعدم وجود دعم آخر لمواصلة مثل هذه المهمة في إطار مؤتمر الحوار، وبالتالي من الأولى أن ينسحب ذلك على أية إطارات أخرى مشابهة "كالهيئة التأسيسية".

غير أن هناك من يفضل الحديث أكثر عن إمكانية الاتفاق على زيادة توسيع عضوية لجنة صياغة الدستور المنتظرة، بحيث تستوعب كافة المكونات السياسية المشاركة في الحوار ليس بممثل واحد أو اثنين، ولكن ربما بأكثر من ذلك، حرصا على التنوع والمشاركة في إثراء النقاشات، خصوصا أن هناك شخصيات لديها القدرة والإمكانية والكفاءة قد لا يتم استيعابها من جهة قياداتها إذا اقتصرت المشاركة على ممثل واحد من كل مكون، وبحيث تكون هذه اللجنة هي البديل الأفضل لصياغة مستقبل اليمن على ضوء مخرجات مؤتمر الحوار.

على أن كل ما سبق سيظل مرتبطا بشكل مباشر بما ستنتهي إليه لجنة القضية الجنوبية المصغرة، اللجنة التي ستظل الأنظار شاخصة نحوها أياما أخرى، وربما أسابيع أو أشهرا، من يدري وقد انقلب السحر على الساحر!

إلى مثل هذه نبه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر بقوله مؤخرا "إن هذه المرحلة بالغة الدقة والأهمية بالنسبة إلى وثيقة المخرجات النهائية لمؤتمر الحوار الوطني، نظرا لما ستحمله من توافق وتوجه مستقبلي لمعالجة القضية الجنوبية".
المصدر:الجزيرة
- ---------------------------------------
نشرت المادة بتاريخ 21 سبتمبر 2013 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق