السبت، 23 يوليو 2011

لهذا يجب العودة إلى نقطة الصفر الثورية


تفاصيل بسيطة لم نأبه لها فعملت عملها في تأخير التحول السياسي المنشود

المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
"يكمن النجاح من الانتقال من فشل إلى فشل، بعدم فقدان الأمل". ونستون تشرشل

للنظر في أسباب تأخر الثورة اليمنية عن إنجاز أهدافها في إحداث التحول السياسي المنشود -حتى الآن بعد قرابة ستة أشهر من انطلاق الثورة- خاض الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين في الداخل والخارج في مجموعة أسباب كان على رأسها العامل الخارجي ممثلا بالتدخلات الخارجية، بينما اعتبرت أحزاب المعارضة اليمنية (ممثلة بتحالف اللقاء المشترك) أحد أبرز العوامل الداخلية.

وإلى حد ما، فإن تلك التفسيرات، أو لنقل الفرضيات، تقف فقط على أجزاء من الحقيقة، غير أنها ليست الحقيقة كاملة. بل إنه، ومن منظار تاريخي بحت، تكاد التجربة العالمية أن تؤكد لنا أنه ما كان لأي ثورة شعبية واضحة الهوية لأن تفشل بسبب من تدخل عوامل خارجية أو حتى داخلية –من تلك الشاكلة– ما لم تكن ثمة عوامل داخلية أخرى قد ساعدت على ذلك، لعل أهمها ترتبط بـ: باليئة الثورية نفسها، وثقافة مكوناتها الإيديولوجية، والتي غالبا ما تخلق قاعدة قوية للتباينات القاتلة، وتعمل كمعيقة لعملية توجيه وإدارة مسار الفعل الثوري.

ثمة عوامل جوهرية، كان من الضروري التركيز عليها –وهو ما يحدث غالبا– لتفسير وتحليل الأحداث، كونها تفرض نفسها بقوة على السطح. وإن كان ذلك يحدث بفرض أهميتها في السياق العام، إلا أنه من النادر التركيز على أنه فعل "لاشعوري" مبعثه تلك السهولة لبلوغ تلك العوامل بشكل أسرع من غيرها. على أن مثل ذلك يحدث -معظمه- على حساب التفاصيل الصغيرة. تلك التي قد لا يكون من المهم التوقف عندها، ربما لكونها معلومة ومدركة في سياق حياتنا اليومية بحيث أصبحت جزء لا يتجزء منها، لكنها في حقيقة الأمر قد تحوي في عمقها على تلك التفاصيل الأكثر أهمية, والتي بها تكتمل أجزاء الصورة، وبدونها تكون إحدى أو أجزاء من حلقات السلسلة مفقودة.

• الجندي والصوفي في مواجهة الثورة
وهنا، إذا ما توقفنا عند الحالة اليمنية سيكون لزاما علينا إعمال وتفعيل تلك التفاصيل البسيطة –لا المعقدة– حتى يتسنى لنا استكمال أجزاء الصورة واكتشاف الحلقة/الحلقات المفقودة لاستكمال ربط حلقات سلسلة المسار الثوري.
بداية، يمكننا المقارنة بين مشهدين مختلفين، بسيطين لكنهما قد يحملان تفاصيل مؤثرة في سياق مسار الفعل الثوري. لعلنا جميعا، أو معظمنا تابع وشاهد بعض تصريحات عبده الجندي، وأحمد الصوفي، وغيرهما من متحدثي النظام القائم، على الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة. وأستطيع أن اجزم –وهذا ربما شأن الكثيرين مثلي- أن معظم تلك الشطحات والأكاذيب التي سيطرت على تصريحات تلك الآلة الإعلامية السلطوية، مع ما اكتنفتها من تناقضات وتباينات إلا أن مبعثها الرئيسي لم يخل من محاولات مستميتة لخدمة "ولي النعمة" رئيس النظام، ربما أكثر من خدمة النظام نفسه.

لكن، بالمقابل، يستطيع مراقب قريب من الساحات أن يكتشف بسهولة أن مجموعة من تلك التباينات والتناقضات التي سيطرت على تصريحات بعض القيادات الشبابية التي تتبع بعض الائتلافات والتكتلات الثورية، كانت معظمها، ربما، تعكس صراعا داخليا مبعثه الانتصار، إما لأيديولوجيات مسيطرة، وإما للنفس المتضخمة، في ظل بيئة سلبية من تباينات بينية نشأت على خلفية صراع الأشخاص أو التكتلات للسيطرة أو الاستئثار على توجيه المسار الثوري.
لم يكن الأمر عبارة عن تنوع حميد وتسابق إيجابي من شأنه العمل على تنوع وتعزيز وتقوية الفعل الثوري، كما كان يفترض، أو يتمنى البعض أن يكون كذلك. بل كان في معظمه أشبه ربما بـ"سلوك صبياني" لم يقتصر فقط على محاولة لفرض الهيمنة والتأثير، أو بهدف التذكير بقوة طرف على آخر، أو شخص على شخص، أو حتى مجرد ردة فعل طبيعية لبعض شخوص التأثير في المسار الثوري، بل وصل الأمر لإعلان العداء الواضح، وأحيانا الانتقام، وأكثر من ذلك: التآمر والتدمير. فكان شخص ما أو تكتل ما –على سبيل المثال– يعمد إلى إصدار بيان ما، ينسف فيه فعل أو نشاط أو دعوة لنشاط ما أعلنه الطرف الآخر المنافس الذي يكون غالبا بمثابة العدو الأقرب، مع أنه لم يكن هو الخصم أو العدو المفترض. وتوغل الصراع من إعلان طرف ما لمشروع يحدد معالم، أهداف، توجهات، وتكتيكات الثورة، إلى إعلان الطرف الآخر مشروعا آخر بتفاصيل أخرى، غالبا ما يتوخى خلاله نسف مشروع الطرف الآخر. حتى إن البعض كان يتبنى ويجاهر بالدعوة لفكرة الحسم الثوري عبر الزحف، لكن حين يبدأ الطرف الآخر بالتنفيذ على أرض الواقع، تنهال عليه الاتهامات التي تحمله تبعات ونتائج ما أقدم عليه. وعلى هذا فقس.

وفيما كانت مثل تلك التفاصيل السالبة تعتمل في الوسط الشبابي الثوري، وتتغول في جسده يوما عن آخر، كان لافتا أن القيادات العليا لتلك الإيديولوجيات، ظلت تنجح -غالبا- في إظهار تماسكها وتوافقها حول معظم تلك التفاصيل الصغيرة، ممتصة كل ما يند عن الأتباع المتحمسين. ولقد ظل ذلك يحدث حتى وقت متأخر من المسار الثوري، وتحديدا إلى ما قبل أسابيع قليلة من الآن، قبل أن تتعرض حالة التماسك البيني "المزعوم" لتشققات حملت معها إلى السطح تباينات ربما لم تكن أشد قوة مما يحدث في القاعدة، لكنها هنا تبدو أكثر تأثيرا على مبادئ الفعل الثوري. وحتى مع أن ذلك حدث من قبل أطراف قيادية محدودة، إلا أنه كان متوقعا ومنتظرا حدوثه، لاسيما أن البعض كان يدرك أن بعض تلك القيادات كانت تقوم بالدور ذاته ولكن بطريقة غيرة مباشرة عبر التسريبات وتغذية الصراعات والتباينات بين الأنصار، لتحقيق أهداف معينة، أو لفرض مواقف يفترض أنهم عجزوا عن فرضها في إطار النقاشات الداخلية أو خسروها أثناء التصويت في إطار ما يفرضه العمل التنظيمي التوافقي المنظم.

أثناء ذلك، كان الجندي، الصوفي، اليماني، والشامي، وغيرهم من ألسنة النظام، يعملون تباعا على معالجة أخطائهم بمحاولة تفادي تكرار التناقضات، والتذاكي في منهجة كذبهم وشطحاتهم لجعلها أكثر قبولا وتأثيرا.

ومؤخرا أثبت الجندي مدى قدرته الاستفادة من الأخطاء السابقة التي وقع فيها هو سابقا، أو وقع فيها زملاؤه، حين خفف من حدة الشطحات والوعود الكاذبة المتكررة، برفضه –هذه المرة، في آخر تصريح له- تحديد يوما بعينه لعودة "رئيسه" إلى اليمن بقوله "الرئيس بصحة جيدة وسيعود قريبا. فهو لا يزال بانتظار نصيحة الأطباء"، رافضا تأكيد شائعات تحدثت عن عودته الأحد أو الاثنين الماضيين وقال ردا على سؤال بهذا الخصوص: "لا أستطيع أن أؤكد ذلك".

في هذه الأثناء، كانت شخصيات قيادية في أحد ائتلافات الثورة، تتعرض لهجوم شرس من نظرائها في الساحة على خلفية مبادرتها بإعلان تشكيل مجلس انتقالي وطني حددت شخصياته بدون تشاور مع بقية الائتلافات الأخرى. بل حتى إنها لم تأخذ مسبقا رأي أو موافقة تلك الشخصيات التي وقع عليها الاختيار لقيادة هذا المجلس. ومع أن الفكرة بحد ذاتها كانت محل إجماع وتداول كبير، وتحظى بمطالب واسعة، إلا أن الجهة التي قامت بها يعتقد أنها مثار سخط كبير، كما أن توقيت الإعلان، ناهيك عن الجدل الذي تفرضه تلك الشخصيات التي تضمنتها قائمة المجلس، قد يعرض الفكرة للفشل.

إذ فيما رأى البعض الخطوة على أنها تسرع غير مدروس، وجاء فقط كمحاولة لاستباق أحزاب اللقاء المشترك (الذي أعلن قبل أيام مشروعا بهذا الخصوص)، يعتقد آخرون أنها ربما محاولة لإفساد ما عزمت على القيام به بعض الائتلافات الأخرى التي أكدت قبلها بأيام عن نيتها الإعلان عن مجلس انتقالي خلال أيام. لم يقتصر الأمر على الرفض العملي للإعلان بشكل صامت أو حتى الهادئ المتعقل، كما تفرضه أدنى معايير الالتزام بمبادئ التعاملات البينية في إطار أي شراكة قائمة على التعاون المفترض لتحقيق أهداف مشتركة، بل لقد تعدى البعض ذلك، إلى التسخيف، التشكيك، التخوين، وكيل تهم العمالة والتورط في تنفيذ مؤامرات خارجية وداخلية.. الخ.

ما سبق، ربما، يكشف عن ترسخ اختلالات معقدة في بنية قيادة الفعل الثوري الذي يعد أحد أهم أسباب نجاحه أو فشله وجود أو عدم وجود قيادة تنظيمية موحدة ومنسجمة تخطط وتقود الفعل الثوري لتحقيق أهدافه بفاعلية أكبر وتكاليف أقل.

ومثل هذه التفاصيل التي قد تكون في نظر البعض صغيرة، مفضلين تجاوزها لمصلحة الثورة، مقارنة بأسباب أخرى أكثر أهمية، إلا أنها مع ذلك تعد –في نظري– من أحد أهم الأسباب التي يمكن النظر إليها على أنها أخرت قطف الثمار في إحداث التحول السياسي المنشود حتى الآن.

• توحيد القيادة والشروع في التخطيط 
ثمة قاعدة عملية شهيرة مفادها "أن التركيز على النوايا وحدها لا يكفي، بل يجب أن يتم التركيز على القدرات أيضا".
يؤمن البعض أنه طالما امتلكت الثورة قوتها من حاجة حقيقية، واستمدت زخمها من إرادة شعبية راسخة، فإن الثورة تضمن استمراريتها. في الواقع، قد يكون ذلك صحيحا، بيد أنه لا يكفي لضمان تحقيق النجاح. الثورة –مثلها مثل أي شركة– كما أنها تكون بأمس الحاجة لترسيخ واستثارة العامل المعنوي، فإنها لا تنجح ما لم يترافق ذلك مع تخطيط سليم وكفاءة عالية لإدارة القدرات. الأمر بحاجة إلى إدارة قوة تلك الحاجة، وتوجيه زخم تلك الإرادة الراسخة وترجمتها في إطار استراتيجية كبرى واضحة وشاملة. وبمعنى آخر: وضع مخطط عام يتضمن الأهداف العامة ورفدها بتكتيكات وأساليب ووسائل مدروسة ومرنة توصلنا إلى تحقيق الأهداف بأقل التكاليف. إنه النجاح في ما يسمى بإدارة الموارد البشرية وفقا للموارد والقدرات المالية المتاحة.

وتكمن أهمية التخطيط، من خلال المبدأ القائل: "بدون تخطيط، فالنجاح هنا يتعلق بالحظ فقط". على أن هذا المبدأ يكون عدما ما لم تكن هناك قيادة موحدة تقوم على رسم الخطة، بداية، وتاليا تعمل على إدارة العملية بالتنفيذ والإشراف والمتابعة وفقا لما تتطلبه من تقسيم على مراحل وتوزيع الأدوار لكل مرحلة.

إن غياب القيادة الموحدة والكفوءة، تعني نتيجته الطبيعية: تشتت وتناثر القدرات المتاحة التي قد تزخر بها مكونات الفعل الثوري كل على حدة. الأمر الذي يعمل عمل التروس المتضادة في الآلة. وإن الترس الذي يدور إلى الأمام يوقفه ويعيقه ترس آخر يدور إلى الخلف. وهو ما يعني تعطل الآلة وتوقفها عن الإنتاج.

هذا بكل وضوح، ودون مواربة، هو ما يحدث ببساطة، في حالة الثورة اليمنية. لا يتعلق الأمر برمته بالعامل الخارجي المتآمر على الثورة، بقدر ما يتعلق بداية بأنفسنا نحن. وإذا كان هناك اليوم –بعد مرور ما يقارب الأشهر الستة– من يعتقد أنه سيكون من الصعب إعادة النظر وإصلاح الوضع، لاسيما بعد كل هذا الخراب، فإن الفرصة دائما ما تزال مواتية. فقط نحن بحاجة إلى التفكير أكثر بمصالح المجموع لا الجزء، التفكير أكثر بما سيكون عليه المستقبل المشرق فيما لو نجحت الثورة سواء تأتى ذلك بواسطتنا نحن أم بغيرنا، مقارنة بالحاضر المؤلم، والمستقبل الأكثر إيلاما فيما لو فشلت الثورة بسببنا.

وما لم يكن ذلك ممكنا، بأي حال من الأحوال، فسيتوجب على الطرف القوي أن يتحمل مسئوليته التاريخية بعيدا عن العواطف المعيقة أو سياسة المراعاة القاتلة، حتى لو تطلب منه الأمر أن يقسو على كل من يقف في طريق إحداث التحول عطفا على أي سبب من الأسباب بما فيها التعمد والقصد أم حتى "حسن النوايا" القاتلة.

وحتى يتحقق ذلك، علينا أن ننتقل إلى الخطوة التالية، وإن بشكل فردي طالما كان العمل الجمعي مستحيلا حتى هذه اللحظة. والتالي هنا هو: الشروع في العمل ورسم المخطط العام بشكل واضح. وسيكون علينا –هنا- ضرورة التوقف مليا لتقييم الحالة التي وصلت إليها الثورة حتى الآن.

علينا أن ننظر إلى الحالة على هذا النحو: طالما كانت هناك ثورة يقوم عليها ثوار يحملون نوايا عميقة للتغيير، لكنها وفي الوقت الذي توافرت فيه معظم عوامل حدوثه، لم تحقق هدف التحول المنشود، فالتوقف للتقييم سيكون معناه أن نعترف بداية بأن العملية بدأت بشكل عشوائي وغير مخطط له, لقد كان ذلك نتيجة محاكاة أو استلهام مفاجئ لحالة أو حالات ناجحة خلقت انطلاقة قوية لكنها توقفت عند مستوى معين من الإنجاز.

في مثل هذه الحالة سيتطلب الأمر إعادة ترتيب الأوراق من جديد. وقد يتطلب ذلك العودة إلى نقطة الصفر "نظريا"، وليس تراجعا حقيقيا على أرض الواقع، إنها عملية افتراضية على الورق تستلزم إعداد مخطط تفصيلي لتحقيق النجاح. وسيلزم ذلك دراسة الحالة وتحليلها وفقا لإحدى طرق أو أدوات التقييم المعروفة وأشهرها تحليل (SWOT). وهو تحليل يعتمد على دراسة: نقاط القوة، والضعف، والفرص، والتهديدات. مثل هذه العملية تعتبر ضرورية قبل الشروع في أي نشاط على أرض الواقع. ولذلك علينا افتراض أننا سنبدأ العملية من بدايتها بتلك الطريقة التحليلية ولكننا هنا سنأخذ بالاعتبار الحالة المنجزة وما تحقق خلالها حتى هذه اللحظة، وضمها إلى التحليل في إطار المعايير الأربعة السابقة.

إن هذا سيساعدنا على وضع وتحديد الاستراتيجية التالية التي تتبع الاستراتيجية الكبرى وهي هنا: إسقاط النظام، ومن ثم نحدد التكتيكات، أو الأنشطة العملية المدروسة والمزمنة التي توصلنا إلى تلك الغاية.

ومن الطبيعي أن يدخل في ذلك: الأخذ بعين الاعتبار "الوضعية الحالية التي سيتم فيها تطبيق المخطط". وحتى تكون الخطة ناجحة سيتطلب الأمر التوقف عند آخر نقطة لـ"الوضعية الحالية التي وصلنا إليها" للتركيز على نقاط القوة لتعزيزها، ونقاط الضعف لتجاوزها في إطار المخطط العام الجديد.

وهنا، في الثورة اليمنية سيكون الأمر الأكثر أهمية –ربما من وجهة نظري- بالنظر في كيفية تحويل نقطة الضعف المتمثلة بتعدد القيادة وتشتت الجهد الجمعي، إلى نقطة قوة عبر "توحيد الجهد المجتمعي الجماهيري" في إطار عمل تنظيمي موحد لتنفيذ المخطط العام وتكتيكاته. أي بمعنى آخر: تجميع القدرات بتوحيد جهود وأنشطة المقاومة المشتتة. أو –بالعودة إلى تشبيه الآلة: تحديد وحهة كل ترس من تروس الآلة بحيث يعمل كل منها على رفد الآخر، لا إعاقته وتدميره.

• دراسة استراتيجية الخصم 
وبفرض أن إنجاز المخطط العام تحقق وفقا للتوقيت المحدد لإنجازه، سيكون من المهم تضمين التحليل والدراسة أموراً أخرى تتعلق بتلك التفاصيل الخارجية التي ساعدت على منح الخصم (النظام وبقاياه) قوة الفعل والمواجهة والاستمرار، وذلك بهدف وضعها في سياق المواجهة المطلوبة لتحقيق النجاح.

وقد تعتبر مجموعة أخرى من التفاصيل البسيطة والدقيقة لكيفية عمل الخصم من الأمور المهمة التي لا يفترض إهمالها في سياق البحث عن أسباب تأخر الحسم الثوري ووضعها في السياق العام للاستراتيجية الثورية المفترضة.

وفي هذا الجانب ثمة أمر يتجاهل البعض أهميته كواحد من معيقات الحسم الثوري وهو: وجود أنصار للنظام لا يمكن تجاهل تأثيرهم هكذا بإفراد التركيز على المؤسسة العسكرية فقط. هؤلاء يمكن تقسيمهم إلى: 1- منحازون إلى الرئيس ونظامه بسبب مصالحهم السياسية والحزبية وكثيرا ما يدخل في إطارهم أولئك المتمصلحون من نفوذهم الحزبي والحكومي. 2- منحازون تحت قيود جغرافية مناطقية أكثر من كونه انحيازا متعقلا. 3- منحازون بفعل الضغط الاجتماعي: ويستغل هؤلاء مشايخ ذوو مصالح مالية ونفوذ وجاه يتمتعون بها من بقاء النظام. 4- منحازون بفعل العامل الاقتصادي، والمصلحة: وهؤلاء معظمهم يتحصلون على أموال الرعاية شبه الدائمة من قبل رموز في النظام والحزب الحاكم في الحارات والدوائر والمديريات. 5- منحازون عن جهل وغواية: وهؤلاء يقعون تحت تأثير آلة إعلام سلطوية تمارس الغواية العاطفية بالدجل والتضليل.

ولقد مارس الحزب الحاكم سياسة أخرى على مستوى التكوينات الاجتماعية الصغيرة مثل الحارات –وهذه تبرز في صنعاء أكثر من غيرها– وذلك من خلال تأزيم الحياة العامة مستخدما العامل الاقتصادي: إطفاء الكهرباء، انعدام الماء، انعدام الوقود، انعدام الغذاء..الخ. وبالتالي ارتفاع أسعار كل تلك الاحتياجات اليومية الضرورية. وعبر تكويناته التنظيمية وعقال الحارات التابعين والموالين عمد إلى استغلال تلك الظروف لمصلحته وفقا لسياستين:

الأولى: تقديم أموال الرعاية لكسب مجاميع معظمهم من فئة الشباب العاطلين في الحارات. ولقد لوحظ تشكل تكوينات أشبه بالعصابات في معظم الحارات في صنعاء، يوالون ويصدحون بولائهم للرئيس والنظام بصوت متحد مدعوم. وبهذا أمكنهم تحقيق غايتين: الإبقاء على صوت مرتفع داعم للرئيس والنظام في حواريهم، وتخويف سكان الحارات من العمل الداعم للثورة.

أما السياسة الأخرى: فقد تم منح بعض تلك المجاميع والتشكيلات –مع عقال الحارات والمسئولين الحزبيين النافذين- صلاحيات ونفوذاً عبر توزيع المواد الغذائية الضرورية للأسر المناصرة، إلى جانب توزيع مادة الغاز بأسعار حكومية، وكذا بيع النفط والديزل بعد توفيره لهم بسهولة، لدرجة أن تحول بعضهم إلى سماسرة معروفين في مناطقهم لبيع تلك المشتقات النفطية والتكسب من ورائها.

• تساؤلات بحاجة إلى إجابة، وقانون "نورفي" كمحفز
وعليه، سيكون لزاما على استراتيجية الفعل الثوري التوقف للإجابة على التساؤلات التالية:
- كيف يمكنك مواجهة تحديات خصمك الملحة لتجاوز المعيقات الخارجية؟
- ما هي قدرات الخصم التي تؤثر على نجاحك؟ وكيف تعمل على تحويلها لمصلحتك ما لم فإضعافها؟
- كيف يمكنك توصيل رسالتك لسكان الأرياف والمناطق البعيدة؟
- كيف يمكنك تنويع رسالتك ليفهمها الجميع: المثقفون في المدن، المزارعون، سكان الأرياف والمناطق النائية، والمنظمات الدولية..الخ؟

- هل يمكنك معرفة الأسباب التي جعلت البعض يواصلون مساندتهم للنظام، وبالتالي: صياغة رسالة خاصة تغير قناعتهم؟
- هل درست أسباب عدم قدرتك الوصول إلى الجنود المساندين للسلطة؟ ما هي استراتيجيتك للوصول؟ وما هو الأسلوب أو التكتيك الذي ستستخدمه للتأثير عليهم؟

وعلى ضوء القاعدة القائلة: "إن الحقائق لا تتحدث عن نفسها، بل عندما توضع في السياق يمكن الحصول على معنى.."، سيكون من السهل –في ظل السياق العام للتقييم– الإجابة على تلك التساؤلات ووضع الحلول المناسبة وفقا للتكتيكات التي يتطلبها كل محور من تلك المحاور.

وحتى لا يشكل العمل المنظم عائقاً لدى البعض بالنظر إلى صعوبة التنفيذ، أو اليأس من طول الوقت المطلوب لبلوغ الإنجاز، وبالتالي العمل على حرق المراحل والقفز على الاستراتيجية، فإنه وفي إطار التحفيز على الاستمرار في العمل، ثمة مجموعة من النصائح يساعدنا قانون "نورفي" على استلهام معانيها العميقة وتمثل حقائقها، وهي:
- أن لا شيء سهلٌ كما يبدو.
- أن كل شيء قد يستغرق وقتا أطول مما كنت تعتقد.
- قبل أن تشرع في شيء ما، يجب أن تنهي أشياء أخرى أولا.

الأربعاء، 13 يوليو 2011

مابين غياب الرئيس وظهوره.. هل ينجح «برينان» فيما فشل فيه «فيلتمان»؟


غاب الرئيس عن المشهد فأرسل اوباما "فيلتمان" الذي عاد خائبا. واليوم ظهر صالح، فأرسل "برينيان"..فهل يعود كما عاد سابقه؟ أم أن الظهور – بعكس الغياب - يقدم فرصة اكبر للإنجاز

المصدر أونلاين-خاص-عبدالحكيم هلال
لقد ظهر صالح عبر قناة اليمن الفضائية، الأحد (10 يوليو)، ظهوره الثاني بحال أفضل من ظهوره الأول: الخميس (7 يوليو). حسناً إذاً: ما التالي؟


هل يمكن أن يمثل ذلك الظهور فرصة مناسبة لتحريك الركود السياسي القاتل، واستئناف الضغوط الغربية للبدء في إجراءات نقل السلطة؟ أم أن متغيرات جديدة طرأت على موقف الرئيس صالح من شأنها، ربما، أن تؤدي إلى تعديل مضمون الحل السياسي، وفقاً لما يراه هو، وبالتالي تأزيم الوضع أكثر مما هو الآن؟


دعونا نستعرض المؤشرات والدلالات لبلوغ ما يمكن أن يمثله هذا الظهور:
مباشرة، وبعد يوميين من ظهور الرئيس الأول (الخميس)، استقل مساعد أوباما لشؤون الإرهاب جون برينان طائرته إلى الرياض، ليظهر في الصورة إلى جانب الرئيس في ظهوره الثاني (الأحد). كان الأمر، بالنسبة لإدارة أوباما، أشبه بالفرصة التي ظلت بانتظارها منذ شهر ونيف، لمناقشة تفاصيل استقالة حليف انتهت خدمته. فالزعيم الذي قررت واشنطن إعفاءه من خدماته الجليلة بعد 33 عاما من الحكم، وبعد أشهر قليلة فقط من تأكدها أنه لن ينجو من ثورة شعبية تطالب برحيله، اختفى ودخل في فترة علاج طويلة نجا فيها من الضغط الدولي.


فيما احتفت وسائل الإعلام المحلية (الرسمية) بظهور صالح ببدلته الرسمية الأنيقة، قادراً – هذه المرة - على تحريك يديه والانسياب بصدره المحترق، إلى الأمام، وإن ببطء، ليدحض تشكيكات خصومة القائلة بعجزه، كانت الصحافة ووكالات العالمية تركز أكثر على بيان البيت الأبيض الذي كشف أن مبعوث الرئيس الأمريكي طلب من صالح الإيفاء بوعده بشكل فوري وسريع لنقل السلطة سلمياً وفقا للمبادرة الخليجية. وبحسب البيان الصحفي ربطت أمريكا تدفق مساعداتها إلى اليمن بتوقيع وتنفيذ الاتفاق.


ولقد كان من الملاحظ أن وسائل إعلام السلطة تجاهلت بيان البيت الأبيض، حين حاولت تفادي مضمونه بلفت الانتباه للاحتفاء بصحة وسلامة الرئيس.


واليوم التالي (الاثنين)، كان برينان في صنعاء، ليلتقي نائب الرئيس، القائم بأعماله بالإنابة، عبد ربه منصور، ثم بنجل صالح، أحمد علي، في لقاءين منفصلين. وقالت وكالة أسوشيتد برس – مقرها نيويورك – أن المبعوث الأمريكي ناقش في اليمن مسألة نقل السلطة المتفق عليها على ضوء المبادرة الخليجية. لم تقدم وكالة «سبأ» الرسمية أية معلومات تفصيلية حول هذه المسألة. ورفض مصدر في السفارة الأمريكية – في اتصال أجراه المصدر أونلاين مساء الاثنين- الإدلاء بأية تفاصيل، لافتا إلى أن السفارة ستصدر بلاغاً صحفيا هذا يوم الثلاثاء يوضح أهم نتائج زيارة المبعوث الأمريكي. 


وترجح مصادر سياسية خاصة أن يعرض برينان على قادة المشترك تعديلات جوهرية على المبادرة الخليجية على ضوء نتائج لقاءاته مع الطرف الحكومي اليمني، ومعرفة وجهة نظرهم حول تلك التعديلات.


لقرابة أربعين يوما، منذ خروجه إلى الرياض لتلقي العلاج من الإصابات الكبيرة التي لحقت به جراء هجوم 3 يوليو، ظلت الأنباء حول حالة الرئيس الصحية متضاربة. وخلال تلك الفترة شهدت حركة الفعل الثوري في مختلف ساحات الجمهورية حالة عجز لم يسعفها القيام بشيء. ترافق ذلك مع معارضة «مشتتة» القدرة أمام ضغط دولي وإقليمي وفقاً لتحركات متواصلة برزت فيها الولايات المتحدة كفاعل ومهتم رئيسي أكثر من غيرها. بينما كانت المملكة السعودية حاضرة بقوة كفاعل مؤثر في المشهد الجديد أكثر من ذي قبل، مع أنها ظاهرياً لم تكن حاضرة في إطار تلك التحركات الدبلوماسية الأخيرة التي شهدتها اليمن مع خروج صالح.


في الواقع، حضور الجارة الشقيقة في الذهنية اليمنية كفاعل رئيسي مؤثر على القرار السياسي في اليمن ليس بجديد. فهو يضرب أطنابه إلى ما قبل أكثر من 40 سنة. ومن هنا، فإن قرار استضافتها صالح للعلاج، وحرصها على التعتيم الإعلامي حول حالته الصحية، لم يكن هو الأمر الذي رمى بها إلى واجهة المشهد السياسي اليمني الجديد فحسب، بل كان ذلك مرده – أكثر – إلى تلك الحقيقة المؤكدة بأن الرياض تحرص على ترتيب المشهد اليمني القادم في ضوء سياساتها تلك.


وعليه، وضعت الولايات المتحدة والمملكة السعودية، خلال الأسبوعين الأخيرين، على رأس قائمة المتآمرين على الثورة الشعبية اليمنية، في نظر معظم – إن لم نقل كل – مكونات وائتلافات الثوار. وحولت المظاهرات والمسيرات الأخيرة تركيزها باتجاه توصيل رسائل استنكار وتنديد ضد واشنطن والرياض ومطالبتها رفع «وصايتها» عن الثورة، بدلا من تركيزها على مواصلة إنجاز أهدافها لتحقيق التحول السياسي المنشود. وسميت الجمعة الأخيرة (8 يوليو) بـ«جمعة رفض الوصاية». في إشارة إلى رفض ذلك التدخل الخارجي.

• اليمن في أجندة واشنطن والرياض
عقب خروج صالح بأيام، حظيتُ بمقابلة مع مسؤول دبلوماسي غربي رفيع في صنعاء للحديث حول الموقف الغربي وطبيعة التحركات الدبلوماسية. وبعد 20 دقيقة – حددها مسبقا – من تجاذب أطراف الحديث، كان بإمكاني بسهولة اكتشاف حرص وجدية المجتمع الغربي على تنفيذ مبدأ ضرورة «التسريع بنقل السلطة سلمياً». وهي الرغبة التي ما فتئ الوسطاء والدبلوماسيون الغربيون التشديد عليها – سواء أثناء وجود الرئيس، وحتى بعد مغادرته.


بالنسبة لي كان هذا هو الخبر السار. لاسيما وقد أكد لي هذا الدبلوماسي الرفيع – الذي رفض نشر اسمه – أن كافة الأطراف الدولية والإقليمية، ومعها المحلية أيضا، متفقة على هذا الأمر، بمن فيهم الرئيس اليمني نفسه. كان ذلك بعد أيام قليلة جداً من تصريحات نسبت لصالح أكد فيها قبوله التوقيع على المبادرة الخليجية من مشفاه في الرياض.


ومع ذلك، كان ثمة خبر غير سار أيضا. وهو: أن نجاح الأمر يجب أن يرتبط بالحالة الصحية للرئيس. بحسب الدبلوماسي، الذي قال لي أن الشروع بتنفيذ إجراءات نقل السلطة في الوقت الراهن (أي في ذلك الوقت: منتصف يونيو) أمرا صعبا، فحالة الرئيس الصحية – حينها - لا تمكنهم من مناقشة الأمر معه. وقال انه لا يعلم متى سيكون ذلك ممكنا فالأمر متعلق بـ«حالته الصحية».

بعدها بأسبوع واحد، حضرت مؤتمراً صحفياً مصغراً في السفارة الأمريكية لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان. وكان هو الآخر يواصل تكرير المبدأ الغربي، الأمريكي ذاته: «ضرورة التسريع والبدء الفوري بنقل السلطة سلميا في اليمن». وهو المبدأ الذي تردد على مسامعنا منذ أكثر من ثلاثة أشهر تقريبا.

وكان الأمر غير السار هنا، أكثر تطورا: أن «أي قرار تسوية في اليمن أو حل، يجب أن يكون بموافقة سعودية» كونها المتضرر الأكبر من مآلات الأحداث في اليمن. بحسب ما كاشفنا به فيلتمان ردا على أحد الأسئلة.


بالنسبة للرياض، لم تكن بحاجة إلى توضيح حقيقة موقفها الواضح أصلا. عدا تصريح صغير منسوب لوكيل وزارة الخارجية للعلاقات متعددة الأطراف، الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير، قال فيه «إن السعوديين حثوا الرئيس صالح للتخلي عن السلطة في الوقت الذي مازال فيه يحظى بالشرف، بدلا من تركها تحت الخطر والإزعاج» بحسب مجلة «السياسة الخارجية» الأمريكية (الثلاثاء: 5 يوليو). لكن وفي اليوم ذاته (الثلاثاء)، تطرق الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية البريطاني – بشكل مقتضب- للحالة اليمنية، موضحاً ان «المبادرة الخليجية ما تزال قائمة»، في إشارة إلى أن السعودية مازالت تعتبرها حلا «حفاظا على وحدة اليمن واستقراره وتجنبه مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية».

• المبادرة الخليجية مؤخراً
تبدو زيارة برينان الأخيرة، مهمة للغاية كونها، في نظر كثير من المراقبين، من المحتمل أن تضع النقاط الأخيرة على الحروف بالنسبة لمصير اليمن القادم. بالنسبة لتصريحات الجانب الأمريكي، والسعودي، تبدو المبادرة الخليجية– حتى الآن – وكأنها ما تزال هي محور الارتكاز. غير ان دلالات الموقف اليمني - الرسمي – تشير إلى حدوث متغيرات جديدة في المعادلة.


بيان البيت الأبيض حول لقاء برينان بالرئيس، شدد على المبادرة الخليجية، وجعل الموافقة عليها وتنفيذها شرطا لمعاودة تدفق المساعدات الدولية والخليجية. بيد ان التصريحات المنسوبة للرئيس – وفقا لوكالة سبأ الرسمية – أشارت إلى أن صالح اعتبر المبادرة الخليجية إلى جانب مبادرة أخرى جديدة تتبناها الأمم المتحدة، أساسا وقاعدة للحوار. وهذا يعيد إلى أذهاننا تلك المواقف والتصريحات التي ظل الرئيس يتمسك بها إبان صدور المبادرة الخليجية وتعديلاتها خلال شهري ابريل ومايو السابقين، والتي كان الغرب والخليجيون لا يركزون عليها، ليكتشفوا لاحقا انه كان يضع العقبات والعراقيل أمام التنفيذ في اللحظات الأخيرة. واعتبر تقرير لوكالة اسوشيتد برس، الاثنين، أن حديث الرئيس بهذا الشكل (أي النظر إلى المبادرة الخليجية كقاعدة او أساس للحوار) بمثابة الرفض للمبادرة الخليجية.


ومع ذلك، إلا ان المبعوث الأمريكي، وأثناء لقائه الاثنين بنائب الرئيس، أشار إلى انه قد تحدث مع الرئيس «بهذا الموضوع ولمس تجاوباً كبيراً ..» طبقا لوكالة سبأ.


وأكد الأخ نائب رئيس الجمهورية انه قد تم معالجة الكثير من الأمور وصولاً إلى التهدئة الإعلامية والأمنية واللقاءات مع المعارضة بكل أطيافها بما في ذلك الشباب .. مشيرا إلى أن هناك شبه اتفاق على الحوار بأسلوب جاد وبخطة جديدة بما يؤدي إلى الوئام والسلام وتجنيب اليمن المآسي وويلات الحروب. (سبأ).

قبلها بيوم، كان هادي في لقاء مع السفراء في صنعاء، بضمنهم سفير واشنطن، استعرض معهم مستجدات وأفكار الحوار المزمع إجراؤه مع المعارضة معتبرا أن «الخروج الآمن من هذه الأزمة» يأتي «عبر جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار على قاعدة المبادرة الخليجية التي طورت بمبادرة مستشار الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر».

بل وأثناء لقائه الاثنين ببرينان لفت أيضا لوجود مبادرة جديدة. وأشار «إلى أن هناك شبه اتفاق على الحوار بأسلوب جاد وبخطة جديدة بما يؤدي إلى الوئام والسلام وتجنيب اليمن المآسي وويلات الحروب». طبقا لوكالة سبأ أيضا.


يأتي ذلك فيما تداولت وسائل إعلامية في وقت سابق، مؤخراً، وجود مبادرة جديدة ترعاها الأمم المتحدة عبر مستشار الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر. وبحسب المعلومات – التي لم تتأكد دقتها بعد – فإن هذه المبادرة الجديدة تتضمن منح نائب الرئيس صلاحيات الرئيس لمدة عامين، يقول البعض حتى 2013، بينما يظل الرئيس صالح رئيسا فخريا طوال تلك المدة التي يفترض فيها الإعداد لانتخابات رئاسية وتعديلات دستورية وإصلاحات مختلفة.


غير أنه - و بحسب بعض المصادر - فإن المعارضة لم تلتق النائب حتى الآن الذي دعاها لمناقشة تلك الأفكار الجديدة. وفيما يبدو، فقد تلقى المبعوث الأمريكي رؤية الرئيس المتفقة مع نائبه بهذا الخصوص، ومن المرجح ان يكون عرضها الثلاثاء على قادة المعارضة لمعرفة موقفهم.

• مجدداً..عودة الرئيس
عقب ظهوره الأخير بهيئة وحالة صحية أفضل من ظهوره الأول، ترددت أخبار تؤكد رغبة الرئيس بالعودة. وبحسب ما نقلته قناة العربية، الأحد، على لسان مصدر في الحزب الحاكم، فإن صالح يعتزم العودة إلي اليمن يوم الأحد المقبل (17 يوليو) للاحتفال بمرور‏33‏ عاما علي توليه السلطة‏. ونقلت قناة العربية عن المسئول الحزبي، قوله «إن صالح يعتزم العودة إلي اليمن لتوجيه رسالة مفادها أنه لا يزال الرئيس الشرعي للبلاد حتى نهاية فترة رئاسته الحالية في سبتمبر2013» وأضاف المصدر (الذي طلب عدم الكشف عن اسمه) إن صالح سيستكمل عملية تعافيه في العاصمة صنعاء وأن فريقاً طبياً سعودياً سيرافقه مشيراً إلي أن محادثات نقل السلطة في اليمن لن تبدأ قبل عودة الرئيس اليمني إلي البلاد.


يأتي ذلك أمام رفض قوي من شباب الثورة اليمنية السلمية عودة صالح، في الوقت الذي رجحت فيه تقارير لباحثين غربيين وعرب ان عودة صالح لن تكون لمصلحة السلم في اليمن، وان ذلك سيكون بمثابة «إعلان لدخول البلاد في حرب أهلية مدمرة».


وكانت صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرا الأحد، تطرقت فيه للقاء برينان الرئيس صالح الأحد في الرياض. وقال كاتب التقرير ديفيد إي سانجر، أن مبعوث اوباما، جون برينان، الذي عمل في وقت سابق رئيسا لمكتب وكالة الاستخبارات المركزية في المملكة العربية السعودية وكان وسيط الحكومة إلى الزعيم اليمني المحاصر، يعتقد أنه قد حث السيد صالح بعدم العودة إلى صنعاء، عاصمة اليمن.


واستطرد في سياق تقريره، قائلا «السيد صالح لم يكن واضحاً حول متى، أو ما إذا، كان ربما يريد العودة إلى صنعاء. لكن المسؤولين الأميركيين والسعوديين من المحتمل أنهم يحاولون منعه من العودة».


• الخلاصة:
من كل ما سبق، يمكننا استخلاص الآتي:
- إن الموقف الأمريكي يتقدم كثيراً عن الموقف السعودي بالنسبة لمسعاه الجاد في تخليص اليمن من التعقيد الحاصل في معادلة التحول السياسي.
- إن مسالة تقدم الموقف الأمريكي يفرضه الضغط الذي تواجهه الإدارة الأمريكية من النخبة والمجتمع الأمريكي، إلا أن ما يعمل على عدم بلورة هذا الموقف بشكل واضح ويعيق تحقيق الرغبة الأمريكية بنقل السلطة هو ارتباط مصالحها بالموقف السعودي.
- تنظر أمريكا إلى المبادرة الخليجية كحل حقيقي لإخراج اليمن – ونفسها - من المأزق الحالي، لكنها قد تقبل بتعديلات طفيفة عليها تساعد على حلحلة الوضع.


وعليه فإن الحديث حول المبادرة الجديدة (ذات المسعى الأممي) والتي يتبناها الرئيس ونائبه، قد تفرض محاولة جديدة تقوم بها واشنطن لعرضها على المعارضة. ومن المحتمل أنها قد تمارس ضغوطا جديدة على قادة المعارضة للقبول بها، في سبيل الوصول إلى حالة توافق جماعي من قبل السلطة والمعارضة، ما لم فقد وضعت لها خط رجعة بربط المساعدات الدولية والخليجية بالموافقة على المبادرة الخليجية والبدء بتنفيذها.


على أن المهم هنا، أن الأنظار تتجه أكثر صوب واشنطن. ما يتوجب عليها التوقف كثيرا أمام الموازنة بين مصالحها السياسية والقبول الشعبي بها كحاملة لمبادئ التحرر العالمي، وبين مصالحها الاقتصادية المتغيرة زمانا ومكانا. عليها إذن ان لا تخل كثيرا بسياساتها الخارجية، ما يحتم عليها – بالنسبة لليمن - إثبات أنها فعلا تأخرت عن حسم الحالة اليمنية بسبب الحالة الصحية للرئيس، لا بسبب انتظار بلورة الرياض لموقفها إزاء اليمن.

وأخيرا، من المهم ملاحظة أننا قد أهملنا طرفاً هاماً ومؤثراً في المعادلة القائمة. ذلك هو موقف شباب الثورة الشعبية. ما يعني أن نجاح هذا الطرف المهم في تنويع وتطوير أساليب وطرق عمله واحتجاجاته خلال الأيام القليلة القادمة قد يفرض تغيراً في المعادلة. 


السبت، 9 يوليو 2011

كوابح التحول السياسي




مع ان الدولة في اليمن انهارت سريعا، إلأ أن الثورة مازالت تخوض تعقيدات الخطوة الأخيرة..ثمة عوامل داخلية واخرى خارجية تحول دون تلك الخطوة، وفيما يتهم البعض أمريكا قيامها بدور الشرير، هناك من يرى أن السعودية لم تقرر بعد تخليص اليمنيين من الشر المحدق بهم..وتبدو نذر التصعيد كأنها تستعد لمرحلة يقول فيها الحسم المسلح كلمته الأخيرة..


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
اليمن كدولة بمفهومها العام المرتكز على الاشتغال في توفير متطلبات البعدين الداخلي والخارجي لم تعد قائمة اليوم. فهي داخليا باتت عاجزة عن توفير أبسط متطلبات الحياة العامة (بعد اقتصادي)، كما أنها فقدت السيطرة على معظم الرقعة الجغرافية داخل حدود سيادتها (بعد جيوبوليتيكي)، وهي أيضاً لم تعد تعمل كحامية للمجتمع (بعد عسكري)، وفي أهم الأبعاد السياسية لم تعمل الدولة كمحايد مستقل لحل النزاعات الداخلية. بل أدهى من ذلك أنها تعمل عمدا ضدا على ذلك كله.

وفي بعدها الخارجي، أثبتت الدولة قدرتها وكفاءتها في تدهور العلاقات الدبلوماسية والسياسية المبنية على تبادل المصالح مع دول المحيط الإقليمي والعالمي، فباتت تشكل قلقا وخطرا على مصالح معظم تلك الدول، عوضا عن انها فقدت ثقتها خارج حدودها، وفشلت تكرارا، امام الخارج، في إثبات إمكانية نجاح التعامل معها كدولة بحاجة للمساعدة من أجل النهوض الذي يمثل فوزا لتلك الدول في سبيل التنفع من جهة الإبقاء على مصالحها ومصالح حلفائها في أمان.

إن ذلك كله قد تواتر على مدى سنوات العقد الأخير، وتعاضد ليجعل من مسألة التخلص من شخوص الدولة في مستوياتها الحاكمة العليا متطلبا حتمياً، وفقاً للقاعدة التشريعية الشهيرة: «ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه»، وعطفا على القاعدة الطبية – ذات البعد السياسي – القائلة: بضرورة «التضحية بالأم لإنقاذ الجنين».

• أمريكا الطيبة في دور الشرير
لقد سارت الأمور على ذلك النحو. غير ان المعطيات التي نقف أمامنا اليوم تبدو وكأنها وضعت البلاد في حالة جمود سياسي، ولكن مع تحفز كبير للتأثير أو التأثر بأي فعل قد يساهم بإنعاش ذلك الجمود، وكل يتوخى تحقيق ما يعتقد انه يبارك ويتوافق مع توجهاته.

فثمة ثورة شبابية سلمية متواصلة منذ ما يقارب الستة أشهر، وبالجوار القريب منها معارضة حصيفة تواصل الحرص على دأبها في مسك العصا من المنتصف، ما بين تشجيع وتحريك الفعل الثوري وبين الميل إلى التفاوض بحثا عن حل سياسي أقل كلفة في الوقت الذي تحرص فيه على مسايرة المجتمع الدولي المؤثر متوخية كسب صديق مستقبلي فاعل.

وبالمقابل، ثمة رئيس مصاب من المرجح ان يتأخر استشفاؤه خارج البلاد لمدة طويلة، فيما تسيطر أسرته على مقاليد الحكم نيابة عنه بدون صفة شرعية. يأتي ذلك في الوقت الذي يواصل فيه المجتمع الدولي سياسته - القلقة والمقلقة في آن وغير الواضحة - سعيا لإحداث انتقال للسلطة بشكل سلمي آمن.

ولأنه غير قادر على إيصال أو توضيح مقاصده الكلية من تلك التحركات لكافة الأطراف، يضع المجتمع الدولي – وبالتحديد أمريكا - نفسه في موضع التشكيك والنقد من الجميع. فهو أمام شباب الثورة متهما بكونه يقوم بتحركات تسعى للقضاء على أهداف الثورة، وهو أمام المعارضة غير قادر على إنفاذ وعوده بشأن نقل السلطة، وبالأرجح فهو متواطئ مع ما تبقى من النظام.

كما وبالمقابل، لم يسلم من انتقاد ونقمة أسرة صالح وآلته الإعلامية. ومؤخرا انتقد العميد يحيى صالح، ابن شقيق الرئيس، وأركان حرب الأمن المركزي الولايات المتحدة كونها ترتكب «خطأ بمساندة أي تغيير في اليمن». بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الامريكية الأحد. وقبله كان عبده الجندي، نائب وزير الإعلام يتهم أمريكا حين اعتبرها المتسبب الرئيسي في أزمتي الوقود والكهرباء المتفاقمة في اليمن، كونها قتلت الشيخ جابر الشبواني، نائب محافظ مأرب، إثر هجمة نفذتها طائرة بدون طيار أمريكية في مارس الماضي، ما جعل والده وقبيلته يفجرون أنابيب النفط في المحافظة ويستهدفون أبراج الكهرباء. بحسب تصريحات نقلتها واشنطن بوست الأمريكية عن الجندي الخميس الماضي.

• ما وراء الأكمة
تتجه أنظار الجميع صوب أمريكا، كمتهمة أكثر منها باحثة عن حل. فماذا يعني ذلك؟ هل فعلاً أن هذه الدولة العظمى، المؤثرة في سياسات العالم وخصوصا الشرق الأوسط، لا تستطيع إلا ان تمارس دور «الشرير»، حين يتعلق الأمر بمصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي؟

في الواقع من المرجح أن تحصد الإجابة بـ«نعم» النسبة العظمى. كون ذلك يأتي في إطار النظرة النمطية العامة القائمة على أساس ان معظم أبناء الوطنين العربي والإسلامي مسكونون بنظرية المؤامرة. هذا جانب. اما الجانب الآخر فيتعلق بالإجابة على التساؤل التالي: ما الذي يجعل من دولة «امبريالية» كأمريكا تعمل على اساس «برجماتي» بحت من أجل مصالحها الخاصة، ما الذي يجعلها تتخلى عن حليف مهم قدم لها الكثير والكثير طوال عمله كرئيس للجمهورية على مدى 33 سنة؟ وفي السياق أيضا: فيما لو صح أن أمريكا قررت التخلي عن حليفها، فلم لا تساند الثورة وتسير مع توجهات الشعب اليمني أفقيا وليس دائريا أو رأسيا؟

للتحقق من ذلك، علينا أن لا نهمل المعطى الخارجي وتأثيره مع المعطيات السياسية الداخلية، إذ يتوجب علينا استحضارها جميعا ووضعها في سياق تعقيدات المعادلة القائمة في الوقت الراهن، حتى نتمكن من تقرير الحكم النهائي بناء عليها.

تؤكد البرقيات الدبلوماسية الأمريكية السرية التي سربها موقع ويكليكس مع أواخر العام المنصرم أنه وخلال السنوات الاخيرة، التي سبقت اندلاع الثورة، لم يكن المحيط الإقليمي العربي، ومعه المجتمع الدولي (الأمريكي بشكل خاص)، المتأثرين بفضاضة المناورات السياسية القاتلة، لم يكونوا بأولئك المتواطئين مع منظومة الحكم العليا في البلاد، بقدر ما كانوا متواطئين أكثر مع مصالحهم، خشية تأثرها لما كان من الممكن أن تترتب عليه أي مواجهة سياسية/دبلوماسية مباشرة غير حميدة مع تلك المنظومة المتسمة بعقلية عسكرية بيروقراطية ممتزجة بعقلية قبلية تقليدية متخلفة.

وهنا، يبرز المثال الأكثر تأثيرا، وهو: مسألة التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب. كلا الدولتين المعنيتين بشكل مباشر في هذا الملف، وهما أمريكا وحليفتها الاستراتجية المملكة العربية السعودية أدركتا إشارات مقلقة بخصوص ملف محاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي لم يكن مصادفة أن يتخذ من اليمن مقرا له، ومنها استطاع توسيع نطاق عملياته المتجاوزة للحدود والعابرة للقارات. وبالمثل لم تكن مصادفة ان تحدث كل تلك العمليات الإرهابية النوعية وبهذا الكم الكبير، المتقن والمقلق، عقب حقيقتين لافتين. الأولى: اكتشاف حقيقة أن النفط اليمني بدأ ينضب منذ العام 2005. اما الأخرى: ارتفاع حجم المساعدات العسكرية والتنموية المقدمة من المجتمع الدولي وبالأخص منها: أمريكا والسعودية.

لقد كشفت وثائق ويكيليكس أن القيادة السعودية لم تعد تثق بتصرفات ونوايا الرئيس صالح، ومثلها معظم قيادات دول الخليج. كما كشفت ان الجانب الامريكي بات مدركا لحقيقة تواطؤ صالح مع بعض اهم قيادات القاعدة المطلوبة دوليا.

وإن ذلك كله جعل الجميع يؤمن ان «صالح» يستخدم فزاعة تنظيم القاعدة بمثابة الحصالة الذهبية التي تبقي على تدفق الدعم الخارجي بشكل متواصل. يأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه تلك البرقيات السرية ان صالح يستخدم الدعم وقوات مكافحة الإرهاب المدربة امريكيا وأسلحتها المتطورة في مواجهة خصومة.

لكن، ومع ذلك كله، فقد كان من الواضح جدا أن أكبر وأهم دولة عظمى التي نصبت نفسها للقيام بمهام «شرطي العالم القوي» لا تمتلك الخيار المناسب والناجع لمواجهة مناورات صالح الشرهة، إلا خياراً واحداً اعتبرته الأنسب: الحصول منه على الضوء الأخضر لتنفيذ عملياتها في اليمن دون قيد أو شرط. وكان لها ما طلبت باعتباره الحل الأضمن لها – على الأقل في الوقت الراهن – لإنجاز مهمتها بشكل سريع في القضاء على خطر القاعدة في اليمن بنفسها، مستخدمة قوتها الجوية الضاربة.

لكنها – مثلها مثل حليفتها المملكة – لم تكونا على ثقة كاملة أن الحل النهائي لمشكلة القاعدة سيقتصر على ذلك النحو أو تلك العمليات الخاطفة فقط. وزاد من تعزيز ذلك لديها ذلك الأفق الرحب والحركة الواسعة التي ظهر عليها التنظيم الإرهابي مؤخراً بقوة أكبر وتقنية اشد خطورة.

• حاجة الحل الخارجي لتحرك داخلي 
لقد كان صالح يقوم بمناوراته تلك مع الأقوياء، ربما واثقا أنه لن يطاله شيء من غضبها طالما كان اشد ثقة بامتلاكه الورقة السحرية: تنظيم القاعدة. اضف إلى ذلك أنه أحاط عرشه بسياج عسكري عائلي بيروقراطي منيع. كما ان فكرة استخدام الخارج للمعارضة الداخلية كورقة ضغط تعدو أشبه بالمستحيل طالما ظل قادرا على زعزعة ثقة الخارج بقدرات هذه المعارضة على الفعل، وأنه في بلده الأقوى من الجميع، والأقدر دون غيره على فعل كل شيء.

إن هذه الحقيقة هي ربما ما حدت بأمريكا والمملكة تفضيل مواصلة التعامل مع هذه الحقيقة كأمر واقع وبالتالي مسايرة مناورات صالح، غير أن الأولى قررت الدخول في محاولة جريئة لتعزيز قوة المعارضة عبر الوقوف إلى جانبها في وقت مبكر، وعلى سبيل المثال: القيام بتدريب قياداتها في العمل السياسي والحملات السياسية والانتخابية ومكافحة الفساد والضغط والتأثير وغيرها. وكذا الوقوف إلى جانب مطالبها في إصلاح وتسوية ميدان العملية الديمقراطية ودعمها من أجل إحداث تغيير جذري للنظام وكذا دعم مطالبها بضرورة إجراء انتخابات نزيهة من شأنها إضعاف سيطرة صالح وأسرته ومقربيه على مقاليد السلطة.

وربما من المناسب هنا الإشارة إلى بعض الخطوات السابقة للجانب الأمريكي حول تحول موقفه من الرئيس صالح. وفي هذا المقام نعيد التذكير بجزء من مضون إحدى البرقيات المسربة التي رفعت من سفارة واشنطن في صنعاء (2005 - يونيو) فقد أوصى نائب السفير نبيل خوري حينها وزارة خارجيته باستغلال تواجد صالح في واشنطن خلال الزيارة القادمة المرتقبة له إلى العاصمة الأمريكية لحضور اجتماع قمة الثمانية هناك للضغط عليه وإقناعه بعدم إعادة ترشيح نفسه لدورة انتخابية أخرى في 2013. ولإنجاح الضغط نصح باستخدام ورقة المحافل الدولية كقمة الثمانية. لقد كان نائب السفير الأمريكي مدركا نوايا صالح التي عرف واشتهر بها في التخطيط لإعادة ترشيح نفسه. وحتى مع أن فترته الرئاسية المحددة بالدستور ستكون قد انتهت مع انتخابات 2006، إلا أنه سيتمكن من ذلك عبر إحداث تعديلات جديدة على الدستور.

لكن أمريكا، أيضا، ربما كانت تدرك جيداً أن الملف الذي يجمعها مع رجل مثل صالح على درجة بالغة من الحساسية، وعليه فإن أي خطأ بسيط قد يشعر معه صالح بالتوجس من الموقف الأمريكي قد يكلف ثمنا باهظا.

لدى الولايات المتحدة تجربة مريرة مع حلف النيتو في يوغسلافيا حين لم تنجح في إخضاع الديكتاتور الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش للإرادة الدولية عبر الضربات الجوية المتواصلة التي استمرت لأكثر من شهرين، ليخرج منها بطلا قوميا أكثر من قبل. لكن عشرة أيام من ثورة شعبية عارمة عقب انتخابات مزورة عام 2000 كانت كفيلة للإطاحة بالديكتاتور القوي. وقيل حينها ان المجتمع الداخلي - الشعب الصربي - كان قد نضج بعد أن ساعده المجتمع الدولي على ذلك عبر فرض خيار الديمقراطية، فيما كانت القوة الدولية العنيفة قد فشلت في السابق لأن المجتمع الداخلي لم يكن حينها قد نضج بعد.

لقد ادركت أمريكا اهمية ان ينضج المجتمع الداخلي اولا حتى ينجح التغيير. وهي لذلك ربما لم تكن تعول بعد على نضوج المجتمع الداخلي في اليمن، ليكون قادرا على إحداث التغيير المطلوب. بيد ان تلك النظرة إن لم تكن قد تغيرت بعد، فإنه يتوجب تغييرها اليوم بعد كل هذا الصمود الأسطوري لشعب أثبت أحقيته بالتغيير.

• نجاح الثورات بمساعدة المجتمع الدولي 
مع ما سبق، يبقى أمر التغيير منوطا بالزمان والمكان، ونوع وطبيعة النظام، والتعقيدات الداخلية.

في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية المفتوحة، تسهل عملية التطويع والإصلاح. لا يتطلب الأمر أكثر من استخدام أدوات الفعل الديمقراطي المتوفرة بدءاً بحرية التعبير والنقد لتدارك الأخطاء، ومرورا بالضغط وتقديم مقترحات التعديل إن تطلب الأمر لتدارك انهيار الدولة، وانتهاء بتغيير الرأس إن استمر الفشل.

أما الدول ذات الأنظمة المغلقة فليس ثمة من طريق للتغير غير طريق الثورة. إنه في الواقع الخيار الوحيد المتاح لذلك. وسواء طال الوقت أم قصر، فإن شعوب تلك الأنظمة تكون على موعد مع التغيير القسري. وتتضاعف فرص حدوث ذلك أكثر بداية عندما تزال الغشاوة وينقشع الضباب. وإذ ذاك لا يكون اوضح لدى الشعوب – عند هذه اللحظة التاريخية الفاصلة - أن ليس ثمة ما هو أسهل من أن تصلح أوضاع البلاد، غير أن من يديرون الأمر إما عاجزون، وإما أنهم يفضلون عدم حدوث ذلك. ويزداد الأمر أكثر حينما يترافق الأمر مع تزايد الاختلال في ميزان العدالة الاجتماعية حين يزداد من في السلطة والحكم وذووهم غنى، فيما تزداد غالبية الشعب بؤسا وشقاء.

على انه، وفي مثل هذا الواقع السياسي الدولي الجديد المفتوح يبدو أمر الثورات في المجتمعات المغلقة على شعوبها أقدر على الفعل وتحقيق الإنجاز عما كانت عليه الثورات في السابق. فاليوم من السهل ان يتحقق النجاح بمساعدة المجتمع الدولي، إن لم يكن تحت غطاء الالتزام الأخلاقي ومبادئ الشرف العالمية التي تشجع وتحض وتدعم رغبة الشعوب في إحداث التغيير من اجل حياة كريمة، فإنه قد يأتي عبر مسألة التدخل حفاظا على المصالح الدولية، التي أصبحت اليوم تتأثر بحدوث أي اضطرابات في أي دولة.

في الواقع، ليس الأمر بهذه الكيفية على الدوام، فثمة استثناءات بسيطة من الواضح انها ترتبط بأولويات المصالح الدولية وأهمية دول الأقليم المحيطة بهذه الدولة أو تلك، أضف إلى ذلك مستوى التعقيد الداخلي لها.

لقد أنجزت الثورتان التونسية والمصرية أهدافهما سريعا، بينما يوما عن آخر يتعقد المشهد في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين. ومع أن المجتمع الدولي ساعد على تسريع إنجاز الثورتين في تونس ومصر عبر الدبلوماسية الناعمة، باستخدام قوته التأثيرية على المؤسسات التي يتواجد فيها كمؤثر، وفاعل قوي على مدى سنوات خلت، إلا ان تلك الدبلوماسية الناعمة يبدو أنها واجهت عقبات كبيرة في ليبيا لينتقل معها إلى خيار القوة العسكرية، فيما انها [تلك الدبلوماسية الناعمة] يبدو أنها مازالت اليوم تواجه عقبات كبيرة ومعقدة في اليمن، ومتأنية – إن لم تكن متعمدة - في سوريا، ربما تحت أسباب التخوف من تأثر المحيط.

• خصوصية الثورة اليمنية
غير أن الثورة في اليمن، مع ما حققته من إنجازات جوهرية حتى اليوم، إلا انها توقفت عند عتبات الخطوة الأخيرة بانتظار ما ستسفر عنه محاولات فك الجمود السياسي القائم. وفيما يبدو أن مثل هذا الجمود له أسبابه المعقدة. بعضها داخلية وأخرى خارجية.

داخليا، يمثل انهيار الدولة أحد تلك الأسباب، من حيث أن هذا الانهيار السريع كشف تضعضعا في البناء التحتي والمنظومي لأجهزتها المختلفة، الأمر الذي أدى إلى بروز جزء خاص من القوة العسكرية كقوة مؤثرة وحيدة ومعيقة للتحول، فيما كان يفترض في دولة سليمة ان تعمل تلك القوة على حماية أي تحول منطلقه إرادة الشعب.

ومن المعيقات الاستثنائية أن يأتي العامل الخارجي كمكمل للعامل الداخلي ذاته. فالقوة العسكرية الضاربة التي عمل المجتمع الخارجي على بنائها تأتي في المقام الأول كمعيق للتحول. والمفارقة الكبيرة هنا أن هذه القوة (التي كان لها دور الحسم البارز في ثورتي تونس ومصر)، عبر – ما يقال – تأثير المجتمع الدولي، إلا أننا نجد هذا المجتمع نفسه يقف في دور العاجز أمام إيقاف هذه المؤسسة المهمة عن ممارساتها القمعية، والتي تحول دون إحداث التحول بأبسط التكاليف. ذلك مع أنها حظيت بعروض وشروط لم يحظ ولن يحظى بها أي نظام أو مؤسسة تقوم بما قامت به هذه.

وخارجيا، يأتي الدور السعودي المؤثر، والذي يتردد انه لم يحسم قراره بعد فيما يتعلق بنقل السلطة بطريقة آمنة في اليمن. وثمة من يقول إن خلافا لم يحسم بعد بين السعودية والإدارة الأمريكية في هذا الشأن. لدى السعودية تخوفات مستقبلية مؤسسة على التباينات الإيدولوجية مع معظم – إن لم يكن كل – مكونات المعارضة اليمنية، التي من المتوقع أن تؤول إليها قيادة الدولة.

امام حليفها الأمريكي تتذرع السعودية بتخوفها من ملف القاعدة، الذي من الممكن أن يهمل في حال وصول المعارضة للسلطة. ولذلك يعتقد ان زيارة مساعد وزيرة الخارجية الامريكية الأسبوع الماضي إلى اليمن، جاءت لأخذ ضمانات من المعارضة، وتجديد الضمانات السابقة من السلطة في مسألة الالتزام بمكافحة الإرهاب. وفعلا لقد حصل الرجل على وعود تطمينية من الطرفين. وهذا ما أكده في المؤتمر الصحفي الذي عقد في السفارة على هامش الزيارة. وقال إن وجهته القادمة ستكون الرياض، ما يعني إبلاغها بالنتائج الإيجابية التي حصل عليها، وبالتالي تدارس خطة عملية نقل السلطة في اليمن وتشكيل حكومة وحدة وطنية، يتلوها إجراء انتخابات رئاسية سريعة ثم التوافق على إجراء تعديلات دستورية وانتخابات نيابية.

لكن، ومع ذلك، لم يند أي فعل عملي حتى الآن من الجانب السعودي يطمئن الشعب اليمني، وعوضا عن ذلك، برزت تسريبات تقول إن صالح قرر العودة للإشراف بنفسه على عملية نقل السلطة وإجراء الانتخابات، وبحسب التسريبات فإن ذلك سيتطلب إنجازه وقتا طويلا ما بين خمسة إلى ثمانية اشهر، وهو ما سيعني – بحسب التسريبات – بقاء صالح رئيساً طوال تلك الفترة!

هذا الأمر، ربما، هو ما حدا بالمعارضة إلى أن تبدأ تصعيدها مؤخرا بإعلان مشروعها لتشكيل ما يسمى بالمجلس الإنتقالي الذي يواجه رفضا قويا من قبل القوى والأطراف الإقليمية والدولية.

يأتي ذلك في ظل مواصلة بقايا النظام من أبناء وأشقاء صالح تصعيدهم العسكري في محافظة تعز، ومديريات أرحب، نهم والحيمة بمحافظة صنعاء، بطريقة يراد منها التأكيد على بقائهم وتمسكهم بالخيار العسكري لحسم الأمور.

وعليه، فإنه ما لم يقم المجتمع الدولي بممارسة ضغط حقيقي تعمل لإيقاف الجرائم المسلحة، مع الإيفاء بوعوده المتكررة والتسريع بنقل السلطة، فإن الأمور تبدو وكأنها مرشحة للتصعيد أكثر. لاسيما وأن فترة الكمون الحالي قد تتحول من مرحلة التخلص النهائي من المواجهات إلى مجرد مرحلة استرخاء استعدادا لما تتطلبه المرحلة القادمة من مواجهات فاصلة قد يكون للخيار العسكري فيها كلمة الفصل الأخيرة.