الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

السفير الأمريكي بصنعاء في حوار خاص مع «المصدر& المصدر أونلاين»: الكلام لا يكفي.. نريد خطوات واضحة وغير قابلة للتعديل لتنفيذ المبادرة الخليجية

عودة صالح عقدت الحل لكن لم توقفه.- نتطلع لأن يقوم الرئيس بالوفاء بالالتزامات التي قطعها لنا وللشعب اليمني والمجتمع الدولي بتنفيذ المبادرة الخليجية.
- نتعامل مع النائب منذ يونيو وحتى الآن لم نجد أي سبب لتغير ذلك.
- يجب ألا يستغل حادث الرئاسة لمصالح سياسية ويجب محاكمة مرتكبي كل الجرائم التي حدثت.
- صالح لم يرفض آلية التنفيذ والخلاف فقط حول جزئيات بسيطة نسعى لتجاوزها خلال أيام.
- لدينا علاقات قديمة مع المعارضة وتعاوننا سيستمر بغض النظر عمن سيقود البلد.


المصدر - المصدر أونلاين: حاوره: سمير جبران - عبالحكيم هلال

على كرسي غير فخم سحبه من مكان قريب ووضعه أمام مكتبه في السفارة الأمريكية بصنعاء، جلس السفير جيرالد فيرستاين قائلا: أرى أنه من الجيد أن نبدأ الآن نظرا لبعض الأعمال التي تنتظرني بعد المقابلة..
 أثناء الحوار كانت عيني أحيانا تقفز بعيدا عن ما يفترض أنه مركز الاهتمام: السفير. وكان أكثر ما لفت انتباهي في أثاث المكتب الصغير، المتواضع، وجود لوحة إبداعية صغيرة وضعت على مقدمة مكتبه حملت علم الجمهورية اليمنية، وفي منتصفها كتبت كلمة (YEMEN) بحروف ركبت من طلقات نارية (رصاص) منوعة بين رصاص آلي كبيرة ورصاص مسدس صغيرة. اللوحة مؤرخة في أسفلها من اليسار بتاريخ (مايو 2011)، ما يعني أنه ربما يكون أو من الراجح جدا - قد اهديت إليه حديثا. ومع أنها من حيث الشكل العام تبدو عملا إبداعيا لا يدعوا إلى الاندهاش، إلا أن فكرة كتابة أسم اليمن بأعيرة نارية هو الأمر الذي ربما جعل السفير يوليها كل هذا الاهتمام ليمنحها مكانا بارزا على مقدمة المكتب..

الأمر أشبه بتجسيد فكرة اليمن بشكل إبداعي بسيط..وربما أراد السفير من خلالها أن لا ينسى إلى أي معركة قد رمي به وما هي طبيعة الدولة التي يجب أن يتعامل معها بالضبط ..!

ربما، أيضا، أن تفاصيل هذه المقابلة تجسد المعنى ذاته..
(ع. ه)


بداية هلا وضعتمونا في صورة المشهد اليمني على ضوء ما توصل إليه الحوار بين السلطة والمعارضة وتحركاتكم الأخيرة حول ملف اليمن في مجلس الأمن؟
كما تعلمون فقد ذهب وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي إلى أبو ظبي يوم أمس [الأحد] والتقى وزير خارجية دولة الإمارات العربية الشيخ عبد الله بن زايد والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني. والغرض من زيارة القربي إكمال العناصر الهامة في الآلية التنفيذية (للمبادرة الحليجية).

وكما تعلمون عقدت سلسلة من النقاشات منذ شهر يوليو بين الحكومة والمعارضة حول تفاصيل متعلقة بكيفية تطبيق المبادرة الخليجية. وهذا بالطبع يأتي في ضوء القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس صالح في 12 سبتمبر (المقصود هو قرار تفويض نائب الرئيس بالحوار وتوقيع المبادرة). وما فهمناه من خلال النقاشات التي دارت بيننا وبين الجانبين هو أن هناك بعض القضايا العالقة التي تعتبر سهلة الحل سيتوجب الاتفاق عليها. ونأمل أن يكون هناك فرصة في الأيام القليلة القادمة لكلا الجانبين للاتفاق حول هذه القضايا. وبالطبع ووفقاً للقرار الجمهوري فإن نائب الرئيس مخوّل بالتوقيع على المبادرة الخليجية.

هذا الحديث يدور منذ أشهر، ونحن نعرف أن مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر قد غادر اليمن بعد مفاوضات متعثرة، كما نعلم أن هذه التفاصيل قد رفضت من قبل الرئيس أكثر من مرة.. والسؤال هنا: ما هو الجديد في الأمر عدا النقاشات والمفاوضات، وهل هناك أمل لتوقيع المبادرة الخليجية خلال أيام؟
ليس لهذا أي علاقة بابن عمر. هناك سوء فهم أن بن عمر كان يجري مفاوضات حول تفاصيل هذه المبادرات. هذه النقاشات دارت بين الجانبين (السلطة والمعارضة). كان التفاوض حول الآلية التنفيذية يتم بين المعارضة ممثلةً بالدكتور ياسين سعيد نعمان وعبدالوهاب الآنسي ومحمد باسندوة، والحكومة ممثلةً بنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي والدكتور عبدالكريم الإرياني. وليس صحيحاً القول إن الرئيس قد رفض كل هذه الأمور التي قبلتها معظم الأطراف.

لكننا نعرف أن المفاوضات توقفت دون التوصل إلى اتفاق نهائي.. فمن الذي رفضها إذن؟
لم يرفضها أحد. بل على العكس من ذلك فقد قبل بها الطرفان. لكن وكما ذكرت فهناك بعض الأمور التي لم يتم حلها حتى الآن، والتي هي محل تركيز في الوقت الراهن، كما أنها سبب ذهاب القربي إلى أبو ظبي يوم أمس [الأحد]. 

حسناً.. ما هي هذه الأمور العالقة التي لم يتم حلها حتى الآن؟
{ إحدى هذه الأمور يتعلق بتفاصيل التنفيذ ومن ستقع عليه مسؤولية الدفع بهذه العملية نحو تشكيل حكومة وإجراء انتخابات. والأمر الآخر يتعلق بالقضية الجنوبية وإجراء نقاشات حول الجنوب بعد الانتخابات وفي إطار الحوار الوطني.

هل نفهم من خلال حديثك أن هذه الآلية مختلفة عن تلك التي تقدم بها بن عمر؟ 
كان بن عمر هنا في شهر يوليو، وكان الطرفان يتفاوضان في الوقت نفسه. وقد حضر بن عمر بعض تلك النقاشات. لكن المفاوضات كانت دائماً تتم بين الجانين المعنيين دون أن يكون لابن عمر علاقة بها. واستمرت هذه النقاشات، وعندما عاد ابن عمر إلى صنعاء مؤخراً التقى بالأطراف المعنية كما نلتقي نحن معهم، إلا أن النقاشات كانت دائماً ما تجرى بين اليمنيين أنفسهم.

ربما فهمنا من خلال حديثكم أن الحوار مازال مستمراً بين السلطة والمعارضة، غير أننا سمعنا خلال اليومين الماضيين تصريحات من المعارضة ومن الزياني أيضاً، تؤكد أن الحوار متوقف في الوقت الراهن! 
وصلت النقاشات بين الجانبين إلى ما اعتبرته المعارضة نهاية لتلك النقاشات. وإذا كان السؤال هل التقى الطرفان يوم أمس أو هل هما بصدد اللقاء اليوم فالجواب على هذا السؤال هو لا. لكن وبطبيعة الحال فقد أقرت المعارضة أنه يجب الاتفاق حول هاتين القضيتين. فالقضية تتعلق بكيفية إنهاء وكذا التعاطي والوصول إلى اتفاقية حول هذه القضايا الأخيرة، ثم الانتقال إلى استكمال آلية لتنفيذ المبادرة الخليجية بعد التوقيع عليها.

هل ستؤثر زيارة القربي إلى أبو ظبي على المفاوضات لاسيما وان ثمة معلومات تفيد أنه ذهب لتقديم وجهة نظر الحكومة اليمنية فقط؟ 
أعتقد أن الغرض من زيارة القربي إلى أبو ظبي هي إطلاع مجلس التعاون الخليجي على وضع القائم بخصوص النقاشات الأخيرة، وبالتالي وضع مجلس التعاون الخليجي في الصورة نظراً للدور الهام الذي سيلعبه المجلس في تنفيذ المبادرة الخليجية.

 إذا انتقلنا للحديث حول مشروع قرار مجلس الأمن بشأن اليمن.. ما هو شكل القرار الذي تريد الولايات المتحدة من المجلس الخروج به؟
 نتوقع أن يقوم ابن عمر بإطلاع مجلس الأمن هذا الأسبوع على نتائج زيارته إلى اليمن، واللقاءات والحوارات التي أجراها. وعندها يحتمل أن يبدأ مجلس الأمن الخوض في إجراءات إصدار قرار. لا أريد أن أحدد الفترة الزمنية ومتى سينتهي العمل للوصول إلى مثل هذا القرار، لكن ذلك سيتم وفقاً لإجراءات مجلس الأمن. وستدار نقاشات ومشاورات بين أعضاء المجلس، كما سيتم إعداد صيغة لمسودة أولية تقدم لأعضاء مجلس الأمن، ليتم إقرارها قبل التصويت النهائي. وبالطبع سيأخذ القرار بعين الاعتبار تقرير ابن عمر وكذا التطورات الأخيرة. وأتوقع أن نرى كل هذه الأمور في الأيام القادمة، لكني لا أعلم متى سيتم التصويت على القرار.

هل تسعى الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون قرار الأمم المتحدة ملزماً للرئيس صالح للتوقيع على المبادرة الخليجية لاسيما وقد وقع عليها الطرفان في المؤتمر والمعارضة ولم يتبقَّ إلا توقيع الرئيس؟

 أتوقع بالتأكيد أن يدعم القرار المبادرة الخليجية، وأن يوضح بأن نظرة المجتمع الدولي هي أن المبادرة الخليجية الآلية المثالية للوصول إلى حل سلمي لهذه القضية.


هل ستؤثر الأحداث الأخيرة في اليمن على قرار مجلس الأمن، لاسيما وأن هناك من ينظر إلى تصريحات الرئيس الأخيرة أمام مجلسي النواب والشورى بأنه سيوقع على المبادرة في الأيام القليلة القادمة، على أنها محاولة للتشويش على رغبة المجتمع الدولي بهذا الخصوص؟ 
أفترض أن الحقائق على أرض الواقع ستؤثر على صياغة القرار، خلال فترة الإجراءات المفترضة لإصداره، غير أن التصريحات في الوقت الحالي هي أقل أهمية من العمل. نحن نريد أن نرى خطوات واضحة وغير قابلة للتعديل لتنفيذ المبادرة الخليجية.

في حال عدم وجود قرار قوي من مجلس الأمن ولم تنجح المفوضات بين اليمنيين.. فهل ستقوم الولايات المتحدة بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على النظام كما فعلت في سوريا؟ 
هذا سؤال افتراضي. لكن توقعاتنا وآمالنا هي نجاح المفاوضات في اليمن وتنفيذ المبادرة الخليجية. كما نأمل أن يتمكن المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن من الإعراب وبوضوح عن أهمية التوصل إلى حل. ونحن في الوقت الراهن نركز جهودنا على هذه الأمور، وسوف نرى ما قد نفعله لاحقاً.

مرت تسعة أشهر من المفاوضات والأخذ والرد والقبول والرفض، وما هو مستغرب هنا أن الولايات المتحدة ما يزال لديها أمل أو تفاؤل في نجاح المفاوضات.. هل هذا مبني على أي مؤشرات لديكم تجعلكم متفائلين بأن العملية يمكن الدفع بها إلى الأمام بعد كل هذا؟ 
سؤالك منطقي وشرعي. لكن لو عدنا إلى بداية شهر يناير أو فبراير عندما ألقى الرئيس صالح خطاباً في مجلس النواب لم يكن هناك أي تواصل أو حوار بين الجانبين. وقد تدخل المجتمع الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في الوقت الذي كان فيه كلا الطرفين يرفضان الحديث مع بعضهما بشكل مباشر. وبناءً على هذا، فقد قمنا بوساطة وحوار غير مباشرين أفضيا إلى المبادرة الخليجية.

حتى أننا نتذكر أنه عندما اجتمع مجلس التعاون الخليجي في الرياض وأبو ظبي ذهب الطرفان منفردين للالتقاء بدول مجلس التعاون الخليجي، ولم يجلسا في الغرفة نفسها لمناقشة المبادرة الخليجية. وقد استمر هذا الحال حتى فصل الصيف الماضي. بل حتى عندما كنا نتفاوض حول توقيع المبادرة الخليجية اضطررنا لنفعل ذلك بشكل فردي مع كل طرف. لكن ومنذ فصل الصيف، رأينا أن القيادات لا سيما الدكتور ياسين سعيد نعمان ونائب الرئيس قد جلسا مع بعضهما وتمكنا من مناقشة معظم القضايا التي تواجههما. ونتيجةً لجهودهما فقد وصلنا إلى نقطة لم يتبقّ فيها إلا القليل جداً من القضايا التي تحتاج إلى حل. ورؤيتنا الدائمة هي أنه وفي نهاية المطاف سيحل اليمنيون هذه القضايا بأنفسهم. لهذا فنحن لدينا ثقة بأنه نتيجةً لاستعداد اليمنيين للتحدث مع بعضهم بعضاً وبشكل مباشر، فسيتمكنون من حل قضاياهم.

في تصرح لوكالة رويترز قال الرئيس الحالي لأحزاب اللقاء المشترك، الدكتور ياسين سعيد نعمان، إنه بعد أن كان قد تم الاتفاق مع نائب الرئيس على آلية وعلى المبادرة وكانوا على وشك التوقيع إلا أن عودة صالح أحبطت كل ذلك؟ 
أعتقد أن عودة الرئيس صالح ربما عقدت المسألة لكن لا أعتقد أنها أوقفتها. فنحن نرى أنه يجب علينا الاستمرار في استكمال حل هذا القضايا العالقة. وأنا لا زلت متفائلاً بأنه بالإمكان حلها.

يعزو البعض هذا التفاؤل والتمديد الأمريكي إلى مصالح الولايات المتحدة داخل النظام كالقول مثلاً بعدم رغبتها في التخلي عن أولاد الرئيس خصوصاً أولئك الذين يتولون مهام تتعلق بمكافحة الإرهاب؟
 أتمنى أن تقرأ نص الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما أمام الجمعية العمومية الشهر الماضي. وأنا لا أعتقد أن أي زعيم في العالم قد تحدث حول آمالنا وتوقعاتنا حيال عملية التغيير في اليمن بوضوح أكثر مما فعل الرئيس أوباما في نيويورك. ولقد كنا دوماً واضحين جداً. فقد تحدث الرئيس ووزيرة الخارجية مرات عدة أننا لا ندعم النظام ولا المعارضة، وأننا ندعم حلاً سلمياً لهذه الأزمة يخدم مصالح الشعب اليمني.

السؤال مرة أخرى بشكل مباشر: هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة لا تريد رحيل أبناء صالح من الجيش والأمن، فأين سيكون موقع هؤلاء في ظل المفاوضات الجارية بشأن المبادرة الخليجية؟
هناك كثير من الإشاعات. كما أن كثيراً من الناس يتنبأون بحدوث كثير من الأمور، ويفترضون أنهم يعلمون كثيراً عن السياسات والرؤى الأمريكية التي وببساطة لا توجد على أرض الواقع. ونحن لم ندلِ بأي تعليق لأي شخص حول توقعاتنا حول الكيفية التي سيُعامل بها أي فرد في الحكومة اليمنية. فهذا قرار يتخذه اليمنيون أنفسهم.

من وجهة نظركم هل ترون أن تخلي أولاد صالح عن مؤسسات الجيش والأمن سيمثل دافعاً لحل المشكلة، لاسيما وأن هناك من يرى أن مشكلة اليمن لم تعد في شخص صالح بل في أولاده؟
مرةً أخرى، أقول إنه يتوجب على اليمنيين البت في هذه القضايا بأنفسهم. فهم الذين يقررون ما يريدون بخصوص الشخصيات التي يريدونها في الحكومة، وليس فقط أفراد أسرة صالح، بل أيضاً حيال شخصيات مثل علي محسن وعائلة الأحمر. علاقاتنا هي مع مؤسسات الحكومة اليمنية، بما فيها العسكرية والأمنية، وأيضاً مع الوزارات والهيئات المدنية في الحكومة. فرغبتنا هي دعم هذه المؤسسات، وليس لهذا الدعم أي علاقة بالشخصيات. 

في السياق ذاته، ولكن من زاوية أخرى، هناك من يرى أيضا أن ضعف الموقف الأمريكي ربما يكون سببه أن لدى الولايات المتحدة تخوفاً من وصول المعارضة إلى السلطة الذي قد يعمل على تغيير في السياسية اليمنية إزاء الولايات المتحدة.. ما مدى صحة ذلك؟ 
لدينا علاقات قديمة مع المعارضة تعود إلى ما قبل الأزمة الراهنة. عقدنا حوارات جيدة مع المعارضة حول طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة واليمن. كما أننا أوضحنا لهم جيداً ماهية سياساتنا. فرؤيتنا هي أن علاقات الولايات المتحدة هي مع اليمن. ونتوقع، وبغض النظر عمن سيكون على رأس الحكومة اليمنية، أن تستمر هذه العلاقة.

من خلال لقاءاتكم بالمعارضة وتعاملكم معها طوال فترة الأزمة، هل وصلتم إلى طمأنينة أنه في حال وصول المعارضة إلى الحكم لن يؤثر ذلك على العلاقات الأمريكية اليمنية؟
بالتأكيد. ونحن نأمل ذلك. ونحن نعتقد أن لدينا مصالح مشتركة مع اليمن في العديد من المجالات سواء في المجال الأمني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية أو في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية في اليمن، وكذا في مساعدة الشعب اليمني على تحقيق طموحاته المستقبلية، فالولايات المتحدة واليمن تتمتعان بقاعدة قوية للتعاون فيما بينهما. ولدينا نية لمواصلة هذه العلاقة بغض النظر عمن سيقود البلد.

هناك حل طرح في السابق يتعلق بمغادرة الرئيس صالح وعلي محسن الأحمر، وهناك من طرح رحيل صالح وأولاده وعلي محسن وأشخاص آخرين من المعارضة.. هل ترى أن هذا ما يزال حلاً متوقعاً؟ 
هذه مسألة داخلية، واليمنيون هم من يقررون ذلك، وكأطراف خارجية ليس لدينا أي دور في هذه القرارات، كما أننا لم نشرك الطرفين في هذا النوع من الحوارات.

حسناً .. هل ستبدون ترحيبكم في حال تم التوصل إلى هذا النوع من الاتفاق؟ 
لن نقول شيئاً لو تم ذلك، لكننا سنرحب بأي اتفاق يقود إلى التوصل لحل سلمي وعادل للأزمة. كما أننا لن نعلق على مغادرة أي شخص للبلد.

هل قلصت الولايات المتحدة من مساعداتها العسكرية لليمن؟ 
لم نقم بتقليص مساعداتنا لليمن. وفي الواقع، قامت الولايات المتحدة برفع المساعدات المقدّمة إلى اليمن خلال الأعوام القليلة الماضية. لكن وبالتأكيد فإن الوضع الأمني قد أثّر على مواصلة تقديمنا للمساعدات الاقتصادية والتنموية لليمن. وعليه فإننا نتعامل مع هذا الواقع بالطريقة نفسها التي يتعامل بها بقية شركاء اليمن الدوليين.

وماذا بشأن المساعدات العسكرية؟ 
لقد أثر الوضع الأمني على المساعدات العسكرية أيضاً. ومع هذا فإن تعاوننا الأساسي مع اليمن فيما يتعلق بالجانب الأمني سوف يستمر. لكن الأزمة السياسية والأمنية سيكون لها تأثير في ذلك. لكنني أستطيع القول إنه فيما يخص الكونغرس فإن هناك فهماً قوياً بأن تعاوننا الاقتصادي والأمني مع اليمن سوف يستمر، أما فيما يتعلق بمسار هذا التعاون في المستقبل، فإنني أعتقد أن هناك قاعدة قوية لدعم برامج المساعدات في حالة حل القضايا السياسية والأمنية، وحينها سنتمكن من مواصلة وتوسيع المساعدات.

إذن هل نفهم أن الولايات المتحدة لم تقلص مساعداتها العسكرية، مع أن هناك تصريحات لقادة يمنيين بهذا الخصوص؟ 
لعلك تشير إلى تصريحات العميد يحيى صالح! في الواقع إن برامج التدريب التي كنا ننفذها مع تلك الوحدات قد توقفت لأن تلك الوحدات قد توقفت عن التدريب، وبالتالي فإن قرار وقف التدريب تم اتخاذه من قبل تلك الوحدات وليس من قبلنا، وهذا ما يدركه العميد يحيى جيداً. وقد غادر مدربونا البلد لأسباب أمنية وبسبب اندلاع القتال وبسبب أنه لم يعد لديهم ما يقومون به. لكنه في حال حلحلة الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن أتمنى أن نتمكن من مواصلة هذا التعاون المهم، وبناء قدرات قوات الأمن اليمنية من أجل مكافحة التطرف في البلد وإلحاق الهزيمة به.

من الواضح أن تصريحات يحيى كانت غاضبة من إيقاف المساعدات الأمريكية، حيث أنه قال إن أمريكا خفضت المساعدات ودعمت المعارضة.. ما تعليقكم؟ 
يحيى يعرف ما هي الحقيقة تماماً، وإذا كان غاضباً فليس بمقدوري فعل أي شيء له حيال ذلك.

كشفت وثائق ويكيليكس عن استخدام قوات مكافحة الإرهاب من قبل الحكومة اليمنية في حرب صعدة.. ومؤخراً وجهت التهمة ذاتها في حرب الحصبة الأخيرة، فيما أكدت قيادات عسكرية أنها لم تستخدم في أبين.. هل لديكم أي معلومات حول ذلك؟ 
حسناً، أعتقد أن ما حدث في أبين يعد أمراً خطيراً، ونحن نعمل عن كثب مع قوات الأمن اليمنية لمحاولة مساعدتها على مواجهة ما يعتبر في الواقع تحدياً فريداً من قبل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهذه أول مرة أدرك فيها أن هناك تنظيماً يتبع القاعدة قد حاول فعلياً السيطرة على أراضٍ وبسط نفوذه عليها. وعليه فإننا والحكومة اليمنية نرى أنه من المهم منع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من تحقيق أهدافه هناك. ولقد تمكنا من التعاون، ومع أنه لم يتم إنجاز المهمة بعد إلا أننا أحرزنا تقدماً. ونحن نرى أنه ونتيجةً لذلك فقد تم إضعاف القاعدة في جزيرة العرب.

لم تجب على سؤالي بالضبط: هل لديكم أية معلومات حول استخدام قوات مكافحة الإرهاب لغير مهامها؟ 
لا. ليس لدينا أية معلومات تتعلق بهذا الموضوع.

كيف تقرأون خطاب الرئيس صالح الأخير في مجلس الشورى، بخصوص حديثه حول التخلي عن السلطة في غضون أيام، مع ما اعتبره البعض تهديداً بتأكيده أن هناك مدنيين أو عسكريين سيستلمون السلطة؟ هل ترون أن هذا يساعد أو يعقد خروج اليمن من الأزمة؟ 
حسناً، موقفنا واضح. وأكرر أننا ندعم حل هذه الأزمة السياسية بناءً على تطبيق المبادرة الخليجية، ومن خلال تفعيل آلية تنفيذية لهذه المبادرة. ونحن نتطلع لأن يقوم الرئيس بالوفاء بالالتزامات التي قطعها لنا وللشعب اليمني والمجتمع الدولي بتنفيذ المبادرة الخليجية.

منذ عودة صالح لم تعقدوا لقاءات معه فيما تواصلون لقاءاتكم بنائب الرئيس.. هل نعتبر أن ثمة موقفاً بهذا الخصوص؟ 
حسناً، لقد قمنا بعملنا منذ الرابع من يونيو مع نائب الرئيس، وحتى الآن لم نجد أي سبب لتغيير ذلك.

هل لديكم أي معلومات حول ما توصلت إليه التحقيقات بخصوص حادث جامع النهدين في دار الرئاسة بصنعاء؟ 
لقد طُلب منا التعاون في هذه التحقيقات، وقد قدمنا يد العون في ذلك. كما قمنا بتقديم نتائج تحليلاتنا بشأن بعض المواد وغير ذلك إلى الحكومة اليمنية. ونعتقد أن الحكومة اليمنية في صدد دارسة التقرير لاتخاذ قراراتها.

ألا يُخشى أن تستغل الحكومة ذلك في اتهام المعارضين وتأزيم الوضع أكثر؟ 
نحن نرى أن هذه جريمة كبيرة، فقد قتل فيها العديد من الأشخاص، كما أصيب فيها كثيرون بإصابات بالغة. وعندما طلب منا المساعدة أخذنا الأمر بجدية. إذ رأينا أنه من المهم مساعدة الحكومة اليمنية في معرفة المسؤولين عن هذه الحادثة. وقد أوضحنا أنه يجب تقديم المسؤولين عن هذا الاعتداء للعدالة. لكن يجب أن يتم البت في هذه القضية في المحاكم المحلية ووفقاً للقوانين اليمنية. ورؤيتنا هي أنه يجب ألا يستغل هذا لمصالح سياسية.

هذا جيد.. ولكن لماذا لا تتخذ الولايات المتحدة الموقف الحازم نفسه حيال عمليات القتل التي يقوم بها النظام ضد المتظاهرين؟ 
نحن نقوم بذلك فعلا. وموقفنا هو ذاته. فقد شاركت الولايات المتحدة في صياغة وإعداد تقرير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والدعوة لإجراء تحقيقات مستقلة حول الأحداث. وقد وافقنا تماماً على إجراء تحقيقات مستقلة سواء حول حادثة 18 مارس أو الأحداث التي وقعت في مدينة تعز أو في مناطق أخرى. وبطبيعة الحال، يجب التحقيق في هذه الجرائم ومحاكمة مرتكبيها.

نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن هناك أزمة بين صنعاء وواشنطن سببها عدم إطلاع اليمن بالعملية التي قتل فيها أنور العولقي.. ما مدى صحة ذلك؟ 
الحقيقة، وكما نقول في العلن، إن التعاون بين الولايات المتحدة واليمن بشأن قضية العولقي كان ممتازاً، ولربما أن الأمر قد اختلط على صحيفة لوس أنجلوس بين أنور العولقي وأسامة بن لادن.

كيف تردون على الانتقادات التي أطلقتها منظمات محلية ودولية أن مقتل العولقي تم خارج القانون؟ 
بالنسبة للولايات المتحدة لم يكن ذلك خارج القانون.

ما تعليقكم بخصوص فوز الناشطة توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام لهذا العام؟ 
لقد سررنا كثيراً لسماع هذا الخبر. وقد هنأ الرئيس أوباما توكل كرمان على حصولها على جائزة نوبل للسلام. ونحن نعتقد أن توكل كرمان تلعب أدواراً هامة جداً باعتبارها رئيسة لمنظمة «صحفيات بلا قيود»، أو في تعزيز دور المرأة في الواقع السياسي، وكذا كونها تمثل صوتاً مهماً في التطورات السياسية. وقد التقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بتوكل خلال زيارتها إلى اليمن في شهر يناير الماضي. نحن نرى أن توكل هي رمز وقدوة لمنظمات المجتمع المدني القوية في اليمن، ونتطلع للعمل معها في المستقبل.

الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

براءة ذمة النائب


قصة تكذيب الرئاسة تصريحات مكتب عبدربه منصور هادي تكشف خلافاً داخلياً في أطر الحزب الحاكم


أعلن مكتبه عن خطورة الوضع وأعتبر أن تشبث حزبه بصالح سد أفق الحل ما أوصل ملف اليمن إلى مجلس الأمن..

لكن الغريب أن يأتي التكذيب من الرئاسة.. والقصة برمتها تكشف خلافاً داخلياً في اطر الحزب الحاكم  




المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
ربما لزم على نائب الرئيس، المفوّض بالحوار والتوقيع على المبادرة الخليجية، انتظار كل هذه المدة قبل أن يقرر الخروج عن صمته رافعاً الراية البيضاء أمام العالم. هاهو أخيراً قد أعلن، بالأمس، ما يشبه فقدانه الأمل في إمكانية إنقاذ اليمن من نزوات السلطة القاتلة.

هذا ما اعتقدته أنا. وربما سيؤمن مثلي كل من قرأ تصريحات نسبت لمصدر في مكتب النائب ونشرتها «بي بي سي» أمس الاثنين: 3 أكتوبر.

حتى مع أن المصدر لم يكشف جديداً سوى أن أكد تلك الحقيقة التي تم تداولها مساء الأحد/ ليلة الاثنين، عبر وكالات أنباء عالمية نسبة لمصادر «دبلوماسية غربية»، في أمريكا واليمن، بشأن «وجود توجه أمريكي بريطاني فرنسي – بموافقة خليجية، لإحالة الملف اليمني إلى مجلس الأمن الدولي».

في الواقع، إن تلك العبارة لا يختلف مضمونها كثيراً عما نسب لمصادر دبلوماسية غربية (في أمريكا، واليمن) نشرتها وكالة رويترز أمس. ما زاد عنها هنا وفقاً لمصدر «مكتب النائب» إضافته كلمتي «بموافقة خليجية»، وإشارته إلى أن الملف سيرفع إلى مجلس الأمن «لتطبيق المبادرة الخليجية وفقاً للبند السابع».

بينما أن شكل القرار الأممي لم يتخذ بعد بالنسبة لما ورد في تصريحات المصادر الدبلوماسية الغربية، لرويترز، أمس. حيث قالت تلك المصادر إن الدول الغربية تأمل في تكثيف الضغط على الرئيس اليمني للتنحي عن السلطة من خلال مشروع قرار مقترح في مجلس الأمن. وقال دبلوماسي غربي كبير في صنعاء «قرر المجتمع الدولي إننا بحاجة إلى زيادة الضغط الآن». وأضاف «لم يتخذ أي قرار بعد حول شكل القرار الذي ربما نسعى إليه... لكننا في حاجة إلى تخطي مرحلة البيانات في الوقت الراهن».

غير أن ما يعتقد أهميته هنا أن يأتي التأكيد حول تلك المعلومات من مصدر في «مكتب النائب»، من حيث أنه عرف ميله الدائم في ملازمة الصمت حول كل ما كان يمكن كشفه للرأي العام طوال فترة، ليس فقط تولية مسؤولية إدارة البلاد خلال الأشهر الثلاثة والنصف الأخيرة، بل طوال سنوات تولية منصب نائب رئيس الجمهورية.

ظل صامتاً متسماً بالوقار المفرط. وهاهو اليوم بدا وكأنه يتخلى عن الصمت غير مفرط بوقاره: «إن هادي بذل جهوداً كبيرة للخروج باتفاق لنقل السلطة سلمياً في اليمن قبل إحالة ملف المبادرة الخليجية إلى مجلس الأمن الدولي وصدور قرار بتطبيقها تحت البند السابع». أضاف المصدر في مكتب النائب.
الأمر هنا على ما يبدو، أشبه بـ «إخلاء ذمة» أمام الرأي العام المحلي قبل الدولي.

أزيد من ذلك، إليكم هذا التدفق: إن حزب المؤتمر الشعبي ـ الحزب الحاكم ـ متمسك بعدم تنحي الرئيس، وأن الطريق الوحيد لنقل السلطة سلمياً يتمثل في انتخابات مبكرة تشرف عليها دول الخليج والأمم المتحدة. أضاف خبر «بي بي سي» على لسان المصدر في مكتب النائب.

وفيما يبدو لي، فإن المصدر كان متأكداً مما يقول، بدليل أنه أشار في ختام تصريحاته إلى أن «الحزب سيصدر بياناً اليوم الاثنين [أمس] بهذا الشأن».

هذا يحدث لأول مرة في اليمن على هذا النحو: تصريحات على تلك الشاكلة، تصدر عن مصدر في مكتب النائب المنزوي دائما في ركنه الهادئ..!. ربما تأخر كثيراً، لكنه حدث وهو أفضل من أن لا يحدث.

ولكن، دعونا لا نفرط في التفاؤل. فلاحقاً، وبعد ساعات قليلة من انتشار تصريحات المصدر في مكتب النائب، صدرت تصريحات لـ «مصدر مسؤول» في رئاسة الجمهورية، تنفي ما نشره موقع «بي بي سي» منسوباً إلى مصدر في مكتب نائب رئيس الجمهورية.

بل إن نفي مصدر الرئاسة، كما يبدو، تجاوز حدود ما هو معقول، أو حتى لائق، حين اعتبر: «أنه ليس هناك أي شخص مخوّل بالتصريح باسم نائب رئيس الجمهورية». كأني به أراد أن يقول، ضمناً: إن النائب شخص يجب أن يكون فاقداً لحريته الشخصية ولا يجاوز له ترتيب أموره الإدارية عبر مكتب خاص به. عليه أن لا يتجاوز أسوار دار الرئاسة، وإلا احترق.

هل فعلاً كان خبر «بي بي سي» مختلقاً؟ 
إن كان كذلك، فلمَ لمْ ينفي الخبر مكتب النائب نفسه؟ في الواقع ثمة تساؤلات كثيرة بهذا الخصوص تبحث عن إجابة. كان يمكن أن يكون النفي «طبيعياً»، ومقبولا، مثلا، إذا ما صدر، وذلك الجزم «بعدم تخويل أي شخص» من مكتب النائب، لا من مصدر مبهم (غير مسمى) في رئاسة الجمهورية. وسبق لمكتب النائب أن نفى قبل أيام قليلة فقط ما ورد من معلومات في مجلة الحراس بخصوص «وجود مخطط انقلابي». هذا يعني أنه عملياً يمتلك الرشد لممارسة عمله الإعلامي دون أن يكون بحاجة لوصي على شاكلة تلك المصادر مجهولة الهوية في الرئاسة.

هناك من يعتقد أن النائب ربما أصر على رفض قبول فكرة النفي، فاستخدمت الرئاسة مهمتها الدائمة في نفي كل ما يصدر عن أشخاص الحكومة والنظام. حدث هذا كثيراً مع كثير من الوزراء وقادة الجيش. كانوا يفاجَأون بنشر تصريحات بأسمائهم، أو نفي - بأسمائهم أيضاً- لتصريحات قالوها فعلاً، غير أنهم كانوا عاجزين عن التوضيح ونفي النفي! كان ذلك في ظل قوة تسلط النظام وجبروته على موظفيه الذين كان يتوجب عليهم الانصياع تحت رغبات دار الرئاسة دون أن «ينبتوا ببنس شفة»، وإلا طالهم ما لا يحمد عقباه.

ما يجعل هذا الافتراض على درجة من الصواب أن مصدر مكتب النائب – كما أسلفنا – كان على درجة كبيرة من الثقة بحديثه عن «بيان» يصدره الحزب، الاثنين، بهذا الخصوص. أي بخصوص انسداد طريق الحوار. وبالتالي فإن الحل سيكون عبر انتخابات مبكرة تحت إشراف دول الخليج والأمم المتحدة.

في الحقيقة، ما صدر كان عبارة عن بيان مشترك للمؤتمر مع أحزاب التحالف الوطني (الموالاة). ومع أن البيان نوّه فعلا إلى «إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحقق انتقالاً سلمياً للسلطة»، في إطار المبادرة الخليجية، إلا أنه أشار أيضاً، في عبارات قليلة فقط ومقتضبة، إلى ما يؤكد أن الحوار مازال مستمراً مع المعارضة. وجاء ذلك على عكس ما افترضته تصريحات مصدر مكتب النائب بانسداد أفق الحوار.

ومع ذلك، يمكن القول أن صدور البيان، بحد ذاته ربما منح تصريحات «مصدر مكتب النائب» مصداقية إلى حد ما. بيد أن صدوره متضمناً تلك الإشارات المنسجمة مع تصريحات المصدر، بخصوص «الانتخابات المبكرة»، يرفع نسبة التصديق إلى حد مناسب. ومع ذلك، علينا أن نقول هنا إن تضمن البيان عبارات تناقض فكرة انسداد الأفق وتوقف الحوار، لا تقلل من تلك النسبة، من حيث يمكننا تفسير الأمر على نحو آخر. كأن نقول إن تغيير مضامينه المتعلقة بالحوار مع المعارضة إلى النقيض، إنما فرضه التماشي والتعاطي مع تغير معطيات الواقع بعد تدشين المجتمع الدولي مرحلة جديدة لتفعيل ضغوطاته حينما أعلن عشية الاثنين مناقشته مشروع قرار مقترح في مجلس الأمن بخصوص اليمن. إنه الأمر الذي من شأنه أن يغير فكرة التصادم إلى التسايس الممكن.

أو – ربما – وهذا وارد أيضا - أن اتفاقاً داخلياً في الحزب توصل إلى فكرة إصدار مثل هذا البيان الجزافي قسراً، فرأى النائب أن يسبقه بتوضيح موقفه كـ «براءة ذمة» مما يحدث وكشف بعض الحقائق. ربما لأعضاء الحزب، وربما للرأي العام المحلي والعالمي على السواء.

مع أن هذا قد يتعارض، من زاوية ما، مع ما نسب للنائب من تصريحات، في وقت لاحق من يوم أمس، أن الحوار مع المعارضة متواصل، وقد يتم التوصل لاتفاق بشأن الآلية التنفيذية خلال الأيام القليلة القادمة. كما نسبت له الوكالة في اتصال هاتفي مع مستشار رئيس الوزراء البريطاني لشؤون مكافحة الإرهاب السيد ألن روبن سيربي.

وللتوضيح فقط، فتلك التصريحات المنسوبة للنائب، على ذلك النحو، تم تكذيبها من قبل الناطق الرسمي للمشترك، محمد قحطان، الذي قال، أمس، في تصريحات للصحوة نت «إن ما تروجه بعض وسائل إعلام بقايا النظام عن وجود حوار مع المعارضة بعد رحيل بن عمر تضليل للرأي العام ومحاولة لبعث رسائل مضللة لمجلس الأمن من خلال إعطاء انطباع كاذب بأن هناك حواراً جاريا بين السلطة والمعارضة».

وعليه، قد تكون تلك التصريحات المنسوبة للنائب بهذا الشأن (وجود حوار مع المعارضة)، حقيقية فعلا، لكنها قد تكون منسوبة إليه فقط. في الحالة الأولى، يمكن عزو ذلك إلى تعرضه لضغوط من القصر الرئاسي، أو ربما تضليله من القصر أيضاً أنه يمكن خوض إعادة المحاولة مرة أخرى من الحوار مع المعارضة، مع إشارات أن الرئاسة يمكنها أن تغيير من موقفها بخصوص مناقشة ما تم التوصل إليه سابقاً بين النائب ومستشار الرئيس السياسي الإرياني، وبين قيادة المعارضة. نزولاً عند تهديدات الدول الأوروبية، وواشنطن الأخيرة.

وبالنسبة لاحتمالية أن تكون تلك التصريحات الأخيرة المنسوبة للنائب (بخصوص استمرار الحوار)، قد نسبت له دون أن يقولها فعلاً. فالأمر ممكن حدوثه بسهولة. إذ لا يمكن الحديث عن مضمون اتصال هاتفي يمتلك الإعلام الرسمي تحوير مضامينه والإضافة إليه قدر ما يشاء. في هذه الحالة من غير الممكن أن يقدم النائب على نفي التحوير والإضافة لتصريحاته. فحينها سيكون قد أعلن ليس فقط عداوته للرئيس، بل سيبدو وكأنه يريد أن يفجّر الوضع والوقوف مع الطرف الآخر. بالمثل ليس من الكياسة الدبلوماسية أن يصدر المسؤول البريطاني توضيحاً حول هذه الجزئية البسيطة.

ولطالما اشتهر الإعلام الرسمي بمثل هذه الإضافات والتحويرات. ولقد حدث ذلك كثيراً مع اتصالات المسؤولين اليمنيين مع مسؤولين ودبلوماسيين خارجين. بل كان يحدث حتى مع الرئيس نفسه أثناء تواصلاته التلفونية بمسؤولين دوليين. على سبيل المثال، ثمة قضية مشهورة في هذا الجانب تعلقت ببيان صادر عن الرئاسة بخصوص تفاصيل ما دار بين الرئيس ومسؤول أمريكي بشأن الحديث حول المعتقلين اليمنيين بجوانتنامو. لفق الإعلام الرسمي تفاصيل تتعارض مع حقيقة ما دار. ولأن القضية اعتبرت هامة بالنسبة للإدارة الأمريكية، فقد أصدرت السفارة بلاغاً صحفياً يكشف حقيقة التفاصيل. وكان مسؤول دبلوماسي غربي أكد لي، في وقت سابق، أن الإعلام الرسمي كثيراً ما يضيف تفاصيل غير واردة حول لقاءات الرئيس معهم. طبيعتها تتوافق مع تضليل الرأي العام الداخلي، ولأن معظمها لا تضر بالطرف الآخر، فيتم التغاضي عنها غالباً.

ما يحدث مع النائب في نظري ليس سوى أن القصة برمتها تحكي واقعاً صدامياً داخل تيارات الحزب المتباينة، وباتت تفيض على السطح لتتضح تدريجياً بشكل أكثر جلاء. وإنها – في خلاصة الأمر- تكشف ارتباكاً وانسداداً داخل أطر الحزب نفسه – قبل أي شيء آخر - بين تيار يعتقد أن لا مستقبل له بعيداً عن رئيسه، وهو هنا ممثل بتيار «الصقور»، وآخر يمثل تيار «الحمائم» ويرى أمام عينيه حقيقة أن مستقبل الحزب ينسل من بين يديه، فيما أنه مازال قادراً على الحفاظ عليه بقبول فكرة التخلص من بضعة شخوص لم يعودوا مقبولين ليس لدى الشعب فقط، وإنما لدى المجتمعين الإقليمي والدولي.

وربما أن النائب قد بدأ بالفعل تدشين عملية الحفاظ على هذا المستقبل، وإن بخطوات بطيئة ومحسوبة ما تزال خائفة. واضعاً نفسه في مواجهة مخالب الصقور، فإما أن تخدشه وإما أن يقص لها مخالبها حفاظاً على الجسد، وباستطاعته أن ينجح اليوم، إن قرر فعلاً أن يقوم بذلك. فهو يمتلك قوة جديدة منوّعة بين تأييد دولي وداخلي: شعبي ومعارض، ما كان ليتمتع بها لو لم يبدِ علناً جسارته في قطع خطواته الأولى نحو ذلك.
---------------------
نشر في صحيفة المصدر المستقلة - العدد 176 - الثلاثاء: 4 اكتوبر 2011


الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

عربدة في حضرة نائب وقور


المصدر أونلاين- عبدالحكيم هلال
بشكل مفاجئ، وبعد أيام قليلة فقط من توقيعه تفويضاً رسمياً لنائبه، عاد صالح فجر الجمعة الماضية سراً. ليست هذه هي القضية. فالمهم أو الحقيقة المؤكدة أنه عاد بعد قرابة أربعة أشهر من مغادرته إلى الرياض مجروحاً، حتى قيل إن الموت يتهدده، في مثل هذه الظروف بالغة الحساسية والتعقيد.

كان من اللافت أن عودته تلك - وإلى جانب تعارضها مع فكرة التفويض– جاءت بعد ستة أيام دامية وملتهبة شهدتها البلاد حينما شرعت قوات الجيش والأمن بقيادة أبنائه وأبناء أخيه – وبطريقة تصعيدية هستيرية مفاجئة – في إمطار مداخل ساحة التغيير في أمانة العاصمة بكل ما خفّ وثقل من وابل النيران والمدفعية ورصاصات القناصة القاتلة من وفي كل اتجاه.

ولأن تلك المعارك شهدت، لأول مرة ربما، ردة فعل قوية، وموازية من قبل أفراد الفرقة التي كانت تحمي جماجم وصدور المتظاهرين العزّل، فقد تمددت وتوسعت في ظرف أيام قليلة لتصل حد قصف مقر الفرقة الأولى مدرع، مع كسر الهدنة في الحصبة، حتى لكأن كثيرين، في الداخل والخارج، قد أيقنوا أن الحرب اليمنية الداخلية التي كان يخشى من قسوتها وجنونيتها، هاهي قد دقّ جرس بدايتها بقوة، وأن ثمة من اتخذ هذا القرار سراً وبدأ بتنفيذه فقط قبل أيام من تلك العودة المباغتة التي وضعها البعض في خانة «المستحيل». على الأقل ليس بهذه السهولة أمام تصريحات دولية مطمئنة، بل وبعد الموافقة – أخيراً – على التفويض حينما كان مثله يعد أمراً مستحيلاً بحد ذاته. على ما تقوله المقدمات والأحداث التي تلت حادثة 3 يونيو، في مسجد دار الرئاسة. الحقيقة هنا تؤكد أن كافة تلك الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي المؤثر قد فشلت في إمكانية النجاح بانتزاع مثله (أي التفويض).

• ما علاقة النائب بذلك كله؟
وفيما عدا بعض الحراك المتململ، يعلن هنا أو هناك، من قبل النائب المحاصر، الفاقد لقوة الفعل الحقيقية، فقد شلت كافة التحركات ودخلت الحالة اليمنية في وضع «موت سريري» هناك حيث وضعت في غرفة العناية المركزة.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتحديداً منذ امتلك صالح قدرة تحريك أصابع يده المحنطة بالجبس وقرر تجريبها مع القلم لتوقيع التفويض، استفاقت الحالة لنشهد تفويضاً، فمجازر بشعة، فأصوات مدافع ليليّة مفزعة ومواجهات نهارية مرعبة، فانهيار هدنة فمخاوف متعاظمة..الخ، حتى أعلن الجمعة عن عودة صالح نفسه. لم تكن تلك النهاية بقدر ما كانت – في نظر كثيرين – هي البداية لشيء ظل الجميع يخشاه ويحرص على تجنبه بتأجيله.

أثمة علاقة بين قرار استخدام القوة المفرطة ضد المعتصمين العزل وصدور القرار الأخير بتفويض صالح نائبه للحوار مع المعارضة والتوقيع على ما يتفق عليه تحت إطار المبادرة الخليجية؟ ربما كان التساؤل الآخر والصادم: لمَ عاد الرئيس إذن؟ وما علاقة كل ذلك بالتسريبات الأخيرة لصحيفة الحارس – تابعة لوزارة الداخلية - عشية عودة صالح، من أن النائب كان يخطط لإصدار إعلان رسمي – ربما مستغلا التفويض الأخير – بإعفاء صالح من منصبه؟

تطرح تساؤلات كهذه نفسها وربما بقوة، لاسيما إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء وقوفاً عند حادثة قصف جامع الرئاسة (يونيو)، وقبلها بأيام: نشوب معارك الحصبة. آنذاك ترددت أخبار تؤكد أن الرئيس أعاد إلى ذهنه فكرة إمكانية التوقيع على المبادرة الخليجية بعد أن كان رفضها للمرة الثالثة. الدكتور أبو بكر القربي وزير الخارجية، وهذا على سبيل الاستشهاد فقط، كان كشف لرويترز في وقت سابق - بعد أشهر من مغادرة صالح إلى الرياض- أنه (صالح) كان فعلاً على وشك التوقيع على الاتفاقية في يوم حادثة النهدين نفسه!

دعونا نربط بين هذه الفكرة المتاحة: قبول الرئيس التوقيع على المبادرة الخليجية، مع الفكرة الأخرى، التي ربما ظلت متداولة خلف الكواليس، والقائلة: إن نجله أحمد وأولاد عمه يرفضون إنفاذ فكرة رضوخ الأب - والعم في الوقت نفسه - للتنازل وتسليم العرش من بعده لغيرهم. لماذا؟ إنهم يمتلكون قوة عسكرية كبيرة، وطموحاً شبابياً غضاً يستحوذ عليه ما يمكن وصفه بـ «الحق المستبطن» إزاء ضرورة تحقيق حلم المستقبل بالوراثة. ناهيك عن أن الجزء المعياري الآخر يرتبط بطبيعة الصراع مع منافسيهم من أولاد الأحمر. إنهم يعتقدون بل ربما يكتنفهم إيمان راسخ أن التنازل عن وراثة العرش سيعني بطريقة دراماتيكية نصراً مؤزراً يحققه الطرف الآخر.

• بؤرة الصراع المركزية
إن تلك الفكرة المرفوضة من هؤلاء، على منوال ما سقناه أعلاه، تظل هي البؤرة المركزية للمشكلة بكل احتمالياتها. حتى إن كان ثمة شبه إجماع قسري على أن دار الرئاسة بما يمثله من عرش سيكون من نصيب نائب الرئيس باعتباره الحل الاستراتيجي المرحلي الأمثل لتجنيب البلد المزيد من التدهور والعنف وبحار الدم المتوقعة من مواصلة حالة الصراع والتفكك الداخلي. بل، قد يغدو الرفض هو الأمر الأكثر ترجيحاً مع ما تعززه تلك الاشتراطات المتفق على محوريتها – داخلياً وخارجياً - في إطار النقاش حول تنفيذ المبادرة الخليجية. من حيث أن المجتمع الدولي الضاغط – وحتى نلتزم الدقة أكثر، نقول: بعض أطرافه التي لا تخلو من تأثير بما فيها مجموعة الدول المهمة والمؤثرة في الاتحاد الأوروبي مثلاً- يتفهم ويتفق وينسجم مع نظرة المعارضة بخصوص ضرورة إعادة هيكلة الجيش كإجراء مهم ورئيسي يجب أن يحدث بالتوازي مع إجراءات نقل السلطة. راجع أفكار وتعديلات مبعوث أمين عام الأمم المتحدة: جمال بن عمر، والتصريحات الرسمية للأمم المتحدة، بريطانيا، ألمانيا..الخ، بهذا الخصوص.

إن مثل هذا الأمر (إعادة هيكلة الجيش) لا يبدو بالنسبة لهؤلاء أن ثمة احتمالية متاحة للتسليم به. على الأقل ما زال ثمة إمكانية سانحة لرفضه من خلال اللجوء إلى استخدام العنف المفرط لإرسال رسالة إشعار مفادها: إن القوة الضاربة ما زالت بيد من يراد إعادة هيكلتهم على ذلك النحو المتفق عليه وسلبهم مواقعهم العسكرية، التي هي أصلاً مستبطنة كحق وراثي. إن الأمر بالنسبة لهم ليس فقط مجرد إعادة هيكلة، بقدر ما سيعني الاستسلام السهل، بل ومقدمة لتسليم السلطة بعيداً عن أية امتيازات مقنعة، مقابل التنازل عن هذا الحق. هنا من المهم التذكير أن هذا الفهم لمعنى الحق على هذا النحو، لا يجب أن يقاس بالتشريعات والقوانين، بقدر ما يتوجب وضعه في مقاس معياري آخر يتعلق بتماهي ماهو كلي (فكرة الدولة) مع ماهو جزئي (الأسرة المالكة).

• تفسيران لا يخلو أحدهما من حقيقة 
وفقاً للسياق سيمكن للبعض تفسير ما يحدث باعتباره إرادة خاصة من طرف الأولاد فيما الرأس – وهو هنا الأب – يظل خارج سياق تلك الإرادة من خلال إظهاره ميولاً متكررة بالرضوخ للضغوطات الدولية الهادفة لإيجاد حلول دبلوماسية سلمية تضمن له وأسرته إفلاتاً من العقاب، في الوقت الذي تمكن حزبه من مواصلة البقاء كطرف مؤثر في الحياة السياسية والعامة.

هذا التفسير قد يكون له نسبة ترجيح ممكنة من حيث القبول بفكرة أن الأب بلغ من التجربة السياسية شأواً بجعله قادراً على النظر إلى مدى أبعد بكثير من شباب طامح لا تتجاوز نظرته إلى المستقبل ما يمتلكه في اللحظة الراهنة – والحرجة بطبيعتها- من قوة تدميرية هائلة وبإمكانها أن تقول لا تقوله السياسة. ففي الوقت الذي تقتصر فيها نظرة هؤلاء إلى ما تحت أيديهم باعتبارها قوة مرجحة وجسراً لبلوغ حلم المستقبل، أو حتى البقاء في محيطه القريب، تذهب النظرة المتعمقة والخبيرة إلى اعتبارها، في الحقيقة، نقطة الضعف المهلكة التي وبشكل شبه مؤكد ستقود إلى قصم ظهر ما كان يمكن حؤزه من صفقة تأمين للبقاء في الجوار بطريقة سلمية، سياسية وأكثر دبلوماسية.

ومع ذلك، فلو رجحنا تلك الفرضية، لكان الحل سهلاً بين أيدينا، ولاعتبرنا رجوع صالح منحة إلهية لإنقاذ البلاد. لقلنا فعلاً أنه عاد إذن كمسيح منتظر، وفقط قرر أن يكون كذلك حين أدرك فعلا أن ما ظل تحت قبضته 33 عاماً بدأ ينهار وعليه أن يوقف تهور الأبناء الذي سيقوده هو أولاً إلى تلك الصفحة السوداء. لا شك أنها ستكون لعنة التاريخ بامتياز.

لا. إنه لا يبدو كذلك. مطلقاً ليس هذا ما يخشاه صالح. إنه لا يخشى شيء أكثر مما يخشاه الأولاد، وربما أكثر. ذلك الشيء الذي وإن حاول المناورة فيه، أمام المجتمع الدولي، فإن لسانه تسبق تصرفاته دائماً. إنها تفضحه كالعادة، لتقول لنا إنه مازال غير قادر على أن يستوعب دروس التاريخ في لحظاتها الأكثر تعقيداً. غالباً ما يأتي ذلك تحت مسمى «الشرعية»، «الدستور»، لا تنازل إلا عبر صناديق الاقتراع. قال كل ذلك في سياق كل خطبه طوال فترات الثورة، ولم ينجح بالتستر عليها حتى في آخر خطاب قاله بمناسبة العيد الـ 49 للثورة اليمنية. عشية الأحد، بعد عودته من تجربة طويلة ما كان ليحظى بها مثله من الزعماء المنبوذين من شعوبهم. في الواقع، إنه يقول لنا صراحة إن تلك التصرفات الجنونية التي يقوم بها الأولاد لا تخرج عن كونها عبارة عن تبادل وتوزيع أدوار معه، هو الأب. هذا التفسير لا يمكن إسقاطه نهائياً لاسيما أنه يمكن تعزيزه من خلال تجميع مقاطع الصورة. وضع الأحداث الأخيرة في سياقاتها الممكنة والمحتملة وربطها بالتصريحات والمواقف.

• نائب رئيس في الواجهة لا أكثر
هنا يمكننا مثلاً وضع ما هو معلن بوضوح، مباشر، مع ما هو معلن بشكل تلميحي، غير مباشر، مع ما ظل مستتراً لكنه مشاع على لسان المقربين والساسة وتناولته تسريبات الشارع اليمني.

فأما ما هو معلن وواضح: أن نائب الرئيس هو القائم بأعمال الرئاسة، وفقاً – وهذا بدرجة رئيسية - لما يحتمه الدستور في حالة غياب الرئيس، وبدرجة ثانية: إعلان الرئيس تفويض صلاحياته (سواءً بحسب تصريحات قديمة أعلنت عقب مغادرته البلاد، أو وفقاً للقرار الأخير المعلن على الملأ). وأما ما هو معلن بشكل غير مباشر، عبر التلميح، فالرئيس وأسرته وأركان حكمه يكتنفهم الخوف من وضعية النائب الحالية وما يمكن أن يجره وضع كهذا تدريجياً إلى ما هو أبعد من كونه فقط مجرد متحمل للمسؤولية أمام الشعب والعالم (ربما كان الحديث الأخير حول سريان مفعول التفويض والتوقيع للنائب هو الاستشهاد النموذجي هنا). ومع ذلك ليس من المستبعد أن تواصل اللعبة – حتى بعد العودة – ليستمر النائب كمجرد مؤتمن على المنصب الرئاسي لوقت محدد. أكثر من مرة برزت تصريحات تلمح بذلك. لقد كشف على لسان أكثر من مسؤول مقرب من الرئيس أنه (أي الرئيس) يرغب في نقل السلطة ولكن لنائب آخر يعينه هو لاحقاً! ومؤخراً ترددت معلومات تقول إن الرئيس اشترط اسم نجله كرئيس قادم لليمن. حتى إن فشل هذا الخيار أمام الضغط، فعلى الأقل يتم فرض خيار وضع قطع الشطرنج على نحو شاذ: الملك قبل الضابط. أي الانتخابات قبل إعادة تشكيل الجيش.

في الواقع، وهذا أمر لم يعد متداولاً على نطاق واسع فحسب بل له ما يؤكده على أرض الواقع، أن أحمد علي ظل يدير البلاد طوال الفترة الماضية وما يزال كذلك حتى اليوم. ربما إلى ما قبل عودة أبيه. إن كان هذا الأخير سيكون قادراً على عمل شيء على ما هو عليه من حالة صحية يرجح أنه لن تمكنه من التحرك كرئيس دولة، بل كأب روحي يصدر التوجيهات.

في السابق، ومع المواجهات المسلحة الأخيرة، كانت أوامر النائب المرتفعة بإيقاف إطلاق النار، يتم التعامل معها باعتبارها خارج سياق المخطط الاستراتيجي المعدّ له سلفاً والمندفع بقوة نحو التصعيد العسكري. ومؤخراً، ولكن قبل التفويض الأخير، وما لحقه من معارك مسلحة، حينما كان النائب قد توصل مع قيادة المعارضة إلى شبه اتفاق على نقاط بعينها بخصوص آليات تنفيذ المبادرة الخليجية المطعّمة بتعديلات مبعوث الأمم المتحدة، كان الرئيس قد لجأ إلى إراقة وجه نائبه من خلال الإيعاز للجنة حزبه الدائمة مناقشة الأمر داخلياً، ومن ثم تشكيل لجنة خاصة تصل إليه إلى الرياض للخروج بتفويض ولكنه تفويض مفخخ بشروط: غير تلك المتفق عليها سلفاً مع المعارضة. كان من الواضح أنها لعبه لتبرير الرفض.

ولقد كان كل ذلك يحدث وفقاً لاستراتيجية أسفنجية تعمل على سحب البساط من تحت النائب بيد، والأخرى تمسح على خده من خلال الإشادة بجهوده ووطنيته. هي ذاتها الطريقة التي تعامل بها الأولاد مؤخراً بإعلان تنفيذ أوامر النائب بوقف إطلاق النار، في الوقت الذي كانت فيه قذائف الهاون ورصاص القناصة تتساقط وتتناثر وتتوزّع على مختلف مداخل ساحة التغيير، ومقر الفرقة الأولى مدرع، وصولاً إلى كسر الهدنة في الحصبة. بل بلغ الأمر حد اتهامه بالسعي لتنفيذ مخطط تآمري على الرئيس مع المعارضة. وفقاً لمجلة الحراس الصادرة عن وزارة الدفاع!
بل، حينها، وبعد أن بدا أن ما يحدث في الميدان من مواجهات أشبه بكونه أمراً غير مقدور عليه من جهة النائب، عاد الرئيس كما يعود البطل في أفلام الأكشن الهندي، لينقذ الوضع.

• النوايا الحسنة وحدها لا تكفي 
الآن ماذا تبقى للنائب ليقوم به؟ أيمكن القول إنه بعد أن أصبحت أوامره حتى غير ذات جدوى الآن، لم يعد لديه شيءٌ البتة؟. في الواقع كان ولابد ان يتبقى له شيء واحد على الأقل: الحديث عن سريان عملية التفويض والتوقيع على المبادرة الخليجية. هكذا وضع له الطعم في السنارة. لمَ عاد الرئيس إذن؟

بعد كل ما سبق، ربما، سيكون من الحماقة الخوض بتفكير جدي بحثاً عن الإجابة، لاسيما كأن يقول لك أحدهم: لمساعدته في إيقاف النزيف أولاً، لفرض مناخ هادئ للحوار مع المعارضة من أجل تحقيق مبدأ التخلي عن السلطة بطريقة آمنة وسلمية! يقولها بينما تبدو على وجهة علامات الجدية والتفكير والتقدير والدهشة! من حيث – بشاكلته تلك – أراد أن يقول لك أن الأمر برمته يجب أن يكون معقداً إلى هذا الحد.
------------------
نشر في صحيفة المصدر الأسبوعية - العدد 175 - الثلاثاء: 27 سبتمبر 2011

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

جديد ويكيكليكس حول اليمن


المصدر أونلاين ينشر جديد وثائق ويكيليكس عن اليمن: خفايا صفقة أسلحة روسية بمليار دولار اعترف بها الرئيس صالح وأنكرتها الحكومة


المصدر أونلاين - ترجمة خاصة عبد الحكيم هلال

قبل انطلاق الربيع العربي، بدءاً بثورة تونس لتليها مصر ومن ثم دول عربية أخرى: اليمن، ليبيا، البحرين، فسوريا.. كانت ثورة برقيات «ويكيليكس» الدبلوماسية قد سبقتها بأشهر قليلة فقط، حتى أن مجموعة من المحللين، المراقبين، السياسيين، وغيرهم في الداخل العربي والخارج الغربي، باتوا يعتقدون أنها مهدت الطريق أمام انبعاث الغضب العربي وتحرره من إسار ديكتاتورية الحاكم الفاسد المستبد.


وكنا حينها في صحيفة «المصدر» و«المصدر أونلاين»، قد ترجمنا بعض تلك البرقيات الدبلوماسية في ما يتعلق بالشأن اليمني. وعلى مدى الشهرين اللذين سبقا الربيع العربي (منذ نهاية نوفمبر 2010 تحديداً) وحتى انطلاق ثورات الربيع العربي مع بداية العام الجديد 2011 وما بعدها – أثناء المخاضات الثورية في اليمن وليبيا والبحرين - نشرنا معظم المهم منها حتى سحبت تلك الثورات والمخاضات الأضواء الساطعة التي كانت مسلطة على برقيات ويكيليكس لتستحوذ عليها فقط. حينها كان الموقع الرسمي لـويكيليكس قد هدأ من عملية الضخ إلا بين الفنية والأخرى في وقت كان النشر فيه مجرد محاولة بائسة لجذب الانتباه أمام كل هذا الزخم الثوري الجديد.


ويعاود المصدر أونلاين ترجمة بعض الوثائق الهامة بعد أن عاد موقع ويكيليكس مؤخراً، وقبل أسبوع تقريباً، ضخ ما تبقى له من برقيات دبلوماسية سرية، بدون تنقيح (أي بدون حتى حذف أسماء الشخصيات المتضمنة في البرقيات).

وفيما يلي وثيقة ترجمها المصدر أونلاين ضمن سلسلة وثائق جديدة سننشرها لاحقاً، تكشف هذه الوثيقة اللعب بالمال العام من خلال خفايا وأسرار صفقة السلاح التي اشترتها اليمن من روسيا (فبراير 2010). بمليار دولار أمريكي، ولتغطية الفضيحة أمام المانحين الدوليين، خرجت الحكومة بلعبة اسمها: إعفاء الديون اليمنية مقابل الصفقة. إنها مجرد لعبة لم تنجح إذ كشفتها برقية السفير الأمريكي من خلال مصادرة في الحكومة ولقاء جمعه بالسفير الروسي بصنعاء.. وتحتوي البرقية على المزيد من التضليل والخداع والسياسة التدميرية..

- رقم البرقية: 09SANAA432
- تاريخ كتابتها: 09 – 03 – 2009
- التصنبف: سرية
- الموضوع : إنكار صفقة تسلح بمليار دولار
- صنفت بواسطة: السفير: ستيفن سيش


• الموجز:
1- أنكر بشدة كل من نائب رئيس الوزراء اليمني (DPM) للشؤون الاقتصادية والسفير الروسي في صنعاء، التقارير الصحفية التي تحدثت عن شراء [اليمن من روسيا] أسلحة بقيمة مليار دولار تم التفاوض حولها أثناء زيارة الرئيس صالح إلى موسكو في فبراير. وطبقاً لنائب رئيس الوزراء، فإن حكومة اليمن سعت [من خلال الزيارة] إلى إعفاء اليمن من ديون لروسيا تبلغ 1.2 مليار دولار، وذلك مقابل الحصول على ما يعادل تلك القيمة تقريباً من مشتريات الأسلحة، إلا أن [اليمن] لم تنجح في مسعاها. وطوال العملية، قال نائب رئيس الوزراء إنه وآخرين حاولوا تغليب صوت عدم التبذير المالي لكنهم مع ذلك أجبروا لقبول صفقة تقترب من 100 مليون دولار أمريكي. نهاية الموجز.

• تقارير صحفية مبالغة جداً 
2- التقارير الصحفية التي ذكرت أن صفقة [الأسلحة] بين الحكومة اليمنية والحكومة الروسية أفضت إلى حصول [اليمن] على أسلحة بأكثر من مليار دولار أمريكي تشمل طائرات مقاتلة من طراز ميج- 29 (MiG-29) وطراز ميج – 35 (MiG-35) ودبابات T-72 تعتبر تقارير غير دقيقة، وفقاً لنائب رئيس الوزراء اليمني للشؤون الاقتصادية عبد الكريم الأرحبي: والذي يعتبر أيضاً وزيراً لوزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، نافياً التقارير الصحفية، التي نشرت أصلاً عبر وكالات الأنباء اليمنية الرسمية [سبأ] وتكررت أيضاً في سياق مقابلة أجريت مع صالح بواسطة وسائل إعلام روسية.


وفي لقاء جمعه مع السفير في 9 مارس، قال الأرحبي إن القيمة الإجمالية للصفقة، التي شملت أيضا ناقلات جنود مصفحة (APCs)، ومركبات أخرى، وتدريبات، كانت بـ95 مليون دولار فقط.


3- من جهته، وفي 8 مارس قال السفير الروسي فلاديمير تروفيموف للسفير [الأمريكي] إن الصفقة تتكون من 400 شاحنة و100 ناقلة جنود مصفحة وأنها بيعت نقداً. وقال إن صالح قدم إلى موسكو مع قائمة تسوق طويلة، بما في ذلك طائرات من طراز ميج-29 (MiG-29s)، إلا أن مثل هذا الطلب لم يكن بمقدور روسيا تزويدهم به في هذا الوقت وأنها من المرجح لن تكون قادرة على القيام بذلك [أيضاً] لمدة 10 سنوات على الأقل. ذلك أن الخطوط الإنتاجية [الروسية] بهذا الخصوص قد التزمت فعلاً ببيعها كاملة إلى الهند وأندونيسيا وغيرها. وأشار تروفيموف إلى أن قوات الجو اليمنية لديها بالفعل 30 طائرة من طراز ميج إلا أن لديها فقط 9 طيارين (من بينهم عراقيون) لاستخدامها. كما أن اليمن أصلاً مدينة للشركة التي تصنع طائرات الميج بأموال من المبيعات السابقة، والشركة، وهي هيئة خاصة، ليست على استعداد لإمداد البلاد بمزيد من القروض.


4- كما أشار ترافيموف إلى أن هذا البيع يأتي في سياق علاقة روسيا التقليدية مع اليمن باعتبارها المورد العسكري [لليمن]، وهي العلاقة التي قال إنها لن تتغيير. وتستخدم القوات المسلحة اليمنية الأسلحة والذخيرة السوفيتية والروسية على نطاق واسع. وكل عام يحصل 45 ضابطاً يمنيا على تدريبات في المعاهد العسكرية الروسية كما أن 51 ألف يمني تخرجوا من الجامعات والمعاهد الروسية.

• خطة متفائلة 
5- الادعاءات الخاصة بصفقة المليار دولار أمريكي على الأرجح أنها نشأت من خطة فقستها الحكومة اليمنية مسبقاً قبل الرحلة. وكان الأرحبي قد ترأس لجنة الحكومة اليمنية التي استعرضت الحاجة لصفقة الأسلحة. وقال إن هناك "معركة كبيرة" بين وزارة الدفاع (MOD)، التي قدمت قائمة طويلة من الاحتياجات، وبين أولئك، كالأرحبي، الذين جادلوا بأن اليمن يمكنها فقط أن تتحمل " الاحتياجات الأساسية الصرفة"، والذين أبعد من ذلك أصروا أيضاً أنه ينبغي أن لا يكون هناك "أموال جديدة على الإطلاق" يستفاد منها، مهما استجدت الحاجة للشراء مرة أخرى. وفي هذه المناقشة كان الأرحبي وغيره ممن يشاركونه رأيه قد جادلوا قائلين بأن البلد الذي يمر اقتصاده بمشكلة خطيرة، والذي يعتمد على مساعدات أجنبية كبيرة ليس بمقدوره أن ينفق مبالغ كبيرة من المال على شراء الأسلحة.

ومن هذا النقاش انبثقت هذه الخطة، على غرار التجارب الليبية والجزائرية، والتي [الخطة] تفضي للحصول على إعفاء موسكو الديون [التي على اليمن] البالغة 1.26 مليار دولار مقابل التزام صنعاء بشراء الأسلحة على مدى السنوات الـ 7- 8 القادمة. وهذا قاد إلى تشكيل لجنة من مسؤولي الحكومة اليمنية والمشكلة من وزارة المالية MFA، والبنك المركزي اليمن، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي للذهاب إلى موسكو في محاولة للتفاوض على الشروط لهذه التسوية، إلا أنها فشلت.


6- الأرحبي أخبر السفير أن لجنة مشتركة سوف يتم تشكيلها لمواصلة هذه المفاوضات. نائب وزير المالية جلال يعقوب كان متفائلاً وهو يتحدث مع الملحق الاقتصادي [في السفارة الأمريكية] في (8) مارس، وأبلغه بأن روسيا "ستوافق قريباً على إعفاء اليمن من ديونها الثنائية والبالغة مليار دولار بشكل تدريجي، وعلى مدى فترة عشر سنوات، مقابل شرائها الأسلحة والتي تبلغ قيمتها الإجمالية أيضاً مليار دولار خلال الفترة نفسها.

• التعليق
7- ووصف الأرحبي "الضغط الذي تمارسه وزارة الدفاع MOD بأنه مستمر بقوة" من أجل شراء أسلحة هائلة تحتاجها لمواجهة النزاعات الداخلية في اليمن. وكان انتصاره الوحيد محدوداً، بما أن مبلغ الـ95 مليون دولار الملزم دفعه لموسكو سيرهق ميزانية الحكومة اليمنية بشدة، فحتى يحين ذلك الوقت أمرت جميع الوزارات بخفض النفقات بنسبة 50 في المائة.
سيش
الترجمــة خاصـة بالمصدر أونلايـــــن
http://almasdaronline.org.org/index.php?page=news&article-section=1&news_id=23507